[ريبانزيل]

الفصل الاول

فنجان قهوةٍ ملكية


جلست الكونتيسة ازابيل فياندن باسترخاءٍ تام وراحة وهي تتلذذ بطعم قهوة (Molokai )الفاخرة التي أُحْضِرت لها خصيصاً من هاواي ,حيث يتم إنتاجها هناك فقط وبكميات محدودةٍ للعددٍ من الذواقة من زبائنهم ,فمناخ تلك الجزر ونوعية تربتها مثاليةٌ لغرس أشجار البن ذات الجودةِ العاليةِ التي تنتج ثماراً عضوية غنيةً بطعمٍ فريد لا مثيل له في العالم بأسره , فما أن تشربها حتى تمتزج في فمك رائحة الأزهار الاستوائية وطعم التوت والكراميل والأعشاب بنكهةٍ تشعرك بأنك في الجنة...

همهمت ازابيل باستمتاع شديد وهي ترشف السائل الداكن زكي الرائحة وتتلمس باصابع منمقةٍ -اُتْقِن طلاؤها - الفنجان البورسلاني الفاخر المرصع باحجارٍ كريمة , والذي صممه خصيصاً لها «جاي سترونغواتر» (Jay Strongwater ) بذاته كتحفة فنية من ذوات القطعة الواحدة لزبائنه المفضلين ...

رشفت من فنجانها مجدداً والزهو يملؤها لنجاحها أخيراً في معرفة نوع القهوة التي تفضلها الدوقة الكبرى حاكمة البلاد ,فبدهاءٍ إستطاعت ان تغري احدى خادمات الجناح الملكي بافشاء بعض الاسرار الصغيرة (غير الضارة كما اسمتها ) عما تحبه الدوقة الكتومة بشؤونها الخاصة ,فعرفت بعض ما تفضله من طعامٍ وشرابٍ ولباسٍ وحديث ..الخ...

ليس لأن ازابيل نفسها تهتم بما تفضله الدوقة على نحوٍ خاص, بقدر ما كان تقصي تلك الحقائق مهماً لها – في هذه المرحلة الحرجة من حياتها – لكي تعمق معرفتها في كل ما يختص بدوقة لوكسمبورغ الكبرى ,والذي من شأنه أن يفتح لها قنواتٍ جديدةٍ للحديث الأجتماعي والحوار الذي تنوي فتحه مع جلالتها في لقائهما المرتقب القادم , لعلها بذلك تعوض عن فشلها الذريع سابقاً حين فشلت فشلاً تاماً باستقطاب اهتمام الدوقة وانتباهها ...

لكن هذه المرة تنوي ان تحظى بكل الأهتمام الممكن الحصول عليه ...لأنها عندها قد تقدر على التقرب من حاكمة البلاد اكثر فتكسب ودها ,وهذا سيكون الضمانة الملكية السامية والسند الذي تحتاجه لنجاح خطتها في الحفاظ على اللقب ...

بمتعاضٍ شديد تذكرت ازابيل آخر لقاءٍ جمع بينهما والذي إنتهى بشكلٍ كارثي حسب اعتقادها ,فيومها تباهت امام الدوقة ونديماتها بأنها من عشاق قهوة العاج الأسود ( Black Ivory Coffee ) الأغلى ثمناً في العالم ,متخيلة بفكرها السطحي المادي بأن شخصيةً كالدوقة – والتي تعد حاكمةً لواحدةٍ من اغنى دول العالم – بالتأكيد لا تشرب إلا ما هو غاليٍ طبعاً ,ولم يخطر ببالها ساعتها مقدار السخرية والأنتقاد الذي ستتعرض لهما حين جعدت الدوقة أنفها بتقزز وقالت بقرف جلي

"بالله عليك كونتيسة فياندن ليس كل ما هو غاليٍ يستحق ثمنه.... فكيف بحق السماء تفضلين قهوة استخرجت من روث الفيلة..."

ازدرت الكونتيسة ريقها وكادت ان تتقيئ الـ 1880 دولاراً التي دفعتها ثمنَ الكيلو غرام الذي شربته من تلك القهوة الغالية ,وما زاد حنقها ضحكات السخرية والأزدراء التي امطرتها بها الدوقة ونديماتها ....

بغيظٍ شديد إستعادت الكونتيسة تلك الذكرى المقيتة وكلمات الدوقة الحادة لا تزال تخزها الى الآن..فقد عاتبتها الدوقة باستياءٍ مما أسمته ضحالة فكرها واهتماماتها التي لا تدور إلا في فلك المال والموضة ...
وقد زجرتها بلوم ٍ حين أبدت ازابيل إنزعاجها وسأمها من الحديث السياسي لبعض المشاركات في اللقاء النسوي السنوي الذي تقيمه الدوقة في قصر الضيافة كل عام.

فقد لامتها قائلةً " كونتيسة فياندن هذا امرٌ يصعب تخيله, سيدة بمكانتك الاجتماعية لا يجب ان يقتصر اهتمامها على احدث عرض للازياء في فرنسا فقط...هناك امورٌ اهم بكثير قد تشغل بالنا ...طبعاً لا انكر ان الجمال والاناقة محببة لنا جميعاً وهي مظهرٌ متصلٌ بوضعنا ومكانتنا , لكن أن تسيطر هذه الاهتمامات على حياتنا فقط فهذا امرٌ غير مقبول ...فما يجري في العالم يهمنا ويؤثر بنا ,وسعي افاق فكرك واهتمامتك ولا تتركيها ضحلة ,فامرأة بمكانتك الاجتماعية يجب ان تكون انموذجاً لنساء لوكسمبورج أجمع "

*********************************
يتبع