عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-18, 12:27 AM   #374

ملاك علي

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاءوقلم مشارك بمنتدى قلوب أحلام وحارسة سراديب الحكايات

 
الصورة الرمزية ملاك علي

? العضوٌ??? » 412135
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,270
?  نُقآطِيْ » ملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني عشر والاخير


عيد العشاق

حبيبتي اشربي شيئاً من الحلم معي
اشربي شيئاً من الوهم معي
و اشربي شيئاً من الفوضى معي
و اتركي الباقي عليَّ


***
بعد ستة شهور:

- " ربما لو توقفت عن التسلل لمكتبي في كل مرة ...لن يكتشف أحد سرك القذر" همهمت فاطمة دون أن تلتفت نحوه...و هي تدقق بعض الأوراق بين يديها
- " القذر؟!" تساءل بعدم فهم... لتضع الأوراق على المكتب، و تكثف ذراعيها في حركة دفاعية... و تنظر إليه نظرات حاولت أن تسبغ عليها الصرامة....رغم الضعف الذي يتسلل لقلبها في كل مرة تراه...
- " الأشياء القذرة هي الشئ الوحيد الذي يخشى المرء ان يعرفها عنه الآخرون...ماذا تفعل هنا فارس؟!" سألته بقوة...رغم ارتجافة نبرتها و رغم أنها تعرف الإجابة...و هذا يقتلها...يقتل كل جميل تخيلته سيكون بينهما يوما...وهي تترك أبواب حصونها مفتوحة على مصرعيها لأجله....و يا ليتها لم تفعل!!
- " أردتُ رؤيتك....اش..." بعجزٍ أجابها لتُقاطعه... و هي تلتفت حول المكتب...وتضعه بينهما...
- " فارس... أنا تعمدت عدم الإختلاط بكم هذه الأيام...لأنني لم أكون أريد رؤيتك"
- " ماذا تعنين؟! "
- " احتجت للتفكير بعيداً عن تأثيرك... أردتُ أن أجد طريقي بعيداً عنك..."
أراد أن ينطق و يقول شيئًا... لكنه لا يعرف ماذا يقول...يُحبها نعم....لكنه لا يستطيع أن يتقدم أكثر في علاقتهم...لكنه لا يستطيع أيضا ألا يمر وقت دون أن يراها...التردد الظاهر في ملامحه استفزها لتقول بغضب ... سلاميتها ابيضت من ضغطها على المكتب
- " أنا لا أحتاج لجبانٍ في حياتي....يخشى الأقاويل فقط لأنه يحب رئيسته...."
- " فاطمة؟!" قال بهمس " تعلمين أنني أحتاج للوقت.. "
- " أرجوك فارس....توقف فقط عن قول ذلك...لأنني لا أعرف ما المطلوب حقًّا مني...هل تريدني كعشيقة خلف الأبواب... تلبي احتياجاتك؟! ... لأنني لست ذلك النوع فارس....لن أُرخص نفسي....و لو من أجل الحب..." اعطته ظهرها....لتستطرد تنظر من النافذة أمامها " و الحل الآخر أن اتخلى عن مهنتي من أجل أن أكون معك...انساه فارس ...لأنه لن يتحقق ".... تمنع دموعها من الإنهمار... لكنها دافعت عن قناعاتها، لا شئ يستحق أن ترخص نفسها من أجله....هي لم تربيها والدتها لتسلم لأي رجل و لو كانت تهيم به عشقًا دون رابط شرعي... " غادر فارس..." همست بصوتٍ مخنوق....لتستسلم للبكاء و هي تسمع صوت الباب يُغلق....و فارس يُغادر.
منذ اختيارها لمهنة دُمغت في العقول أنها مهنة الرجال و هي تتقبل برحابة صدر استهجان البعض....من الجنسين، فيبدو أن الصورة النمطية للمرأة الحامل ربة المنزل لم تعشش فقط في عقول الرجال... بل حتى النساء كن ضد فكرة أن تكون إطفائية....لكنها لم تستسلم، لم تفقد هويتها كأنثى و لن تتنازل عن حلمها.... حلم نافست فيه أضخم و أقوى الرجال...لتُصبح ما عليها الآن...لترفع رأس والدتها التي غرست فيها معنى الإستقلال و الإعتماد على النفس.
- " ألو..." رفعت هاتفها الخاص....و مع سماع همسة والدتها كانت تبكي...كطفلة صغيرة تحتاج والدتها الآن....صديقتها الوحيدة...
- " هل أخبرته فاطمة؟!" همست والدتها بحزن على طفلتها
- " ن..نعم..." أجابتها لتبدأ بالإنتحاب أكثر..
- " ابنتي... " همست بقلة حيلة... تجربتها جعلتها تساند ابنتها على ألا تتخلى عن حلمها... و تسعى إليه بكل طاقتها....و الأهم ألا تتنازل عنه أبداً مهما كانت الغنائم... لكن حال ابنتها الآن يجعلها تُفكر كأمٍّ و ليس كامرأة طُعنت في صميم أنوثتها و هي تكتشف خيانة زوجها مع امرأة اجمل و بمستوى ثقافي أكبر منها.... ليتركها حامل و هي التي أوقفت حياتها، دراستها من أجله... ساعدته لينجح و يرتقي في دراسته....ليتركها في نهاية المطاف... بدعوى أنها لا ترقى لمستواه الإجتماعي... " فاطمة... ربما عليك التنازل قليلاً... فربما هو ليس كوا..."
- " لا أمي....لن أتنازل....إن كان يُحبني سيتقبلني مثلما أنا...لن أغير من نفسي لأرقى لغروره الرجالي..." صمتٌ طويل امتد بينهما... لتستطرد فاطمة " أمي....أفكر أن أقبل عرض حُذيفة....عالأقل سيُمكنني أن أكون بجانبك..."
- " فاطمة....لا تُفكري في الأمر الآن... أنت غاضبة... و لا يجب أن تتخدي أي قرار الآن...دعي الموضوع للعطلة القادمة....عندما تأتين لزيازتي سنتحدث فيه طويلا...و ندرسه من كل الجوانب.... عديني أنك لن تتسرعي؟!"
- " أعدكِ أمي..." همست فاطمة.

***
-" هناك إشاعات أنك تحوم حول الرئيسة...أو بالأحرى هي من تحوم حولك فارس"
قال كريم و هو يستند على الحائط بجانب فارس..رغم أنهم ليسوا أصدقاء بالمعنى الحرفي للكلمة
-" أنت قُلتها ...مجرد إشاعات لا أصل لها " أجابه فارس و عقله بعيدٌ بآلاف الأميال ... يُفكر في كلماتها
-" فكرتُ في نفس الشئ...لن أُنكر حبك الشديد لفلك...و فكرت أنك ربما تبحث عن مغامرةً شيقة تُنسيك حبك القديم.." قال كريم بلامبالاة مستفزا فارس...لينظر إليه هذا الأخير بصدمة...لم يهتم كريم وهو يستطرد " أنا أعرف فارس العاشق... و ما لمحته في كل مرة تلمح فاطمة ...لم يكن عشقًا فارس...بل كان شيئًا آخر...."
-" ماذا كان.." سأله فارس و كأن خلاصه في كلمات كريم
-" كان تحديًّا...أنك تستطيع الوصول لأي أنثى أنت تريدها...و لو كانت رئيستك و تكبرك بخمس سنوات "أجابه كريم... ليستطرد و هو يستقيم مغادرا " أنا اعرف فارس العاشق...و هناك لم تكن عاشقًا..."
عيونه متسعة...و فاهه فاغر ... مصدوم من كلمات كريم...و كأنه دلو ماء بارد سُكب عليه و هو في أعمق سباته....ذكريات الستة الأشهر تمر عليه كشريطٍ سريع ...لكنه واضح المعالم.... كيف لمحها...ليزدريها ثم يحترمها وهي تفرض وجودها بينهم....ثم يفرض عليها وجودها بنظرات, و تدخلاته ... و كأنثى لانت ...ليلين معها قلبها... لكنه لم يكن مُستعدا ليخطو الخطوة التي كانت تنتظرها...ليس لأنها رئيسته أو أنها أكبر منه...بل لأنها لم تستطع أن تحتل مكانة فلك داخله!
***
-"مرحبا سيرين" همس حمزة و هو يدلف للغرفة
-" ما الذي تفعله هنا حمزة ؟"
سألت سيرين دون أن تلتفت باتجاهه وهي تجمع الملفات الموضوعة على طاولة الإجتماعات في الشركة الخاصة التي أصبحت تشتغل بها..." تعلم ان هذا المكان لا يليق ببذلتك الباهضة الثمن!"
-" أنظري إلي و ستعلمين أنني لا أرتدي بذلتي سيرين !..." أجابها مازحًا... التفتت تنظر باتجاهه...يرتدي سروال جينز و قميص أبيض و فوقه معطفه...كان في أبسط حالاته...ملامحه مُسترخية عن آخر مرة رأته بها...التي مرت عليها كالأمس دحجه بنظرات صارمة...محاولةً أن تتخطاه و هي تحمل الملفات الكثيرة...لكنه منعها وهو ينسلها من بين ذراعيها
-" لا يجب أن تحمليها...ثم ألا يجب أن ترتاحي أو شئ من هذا القبيل" قال مُشيرا برأسه لبطنها المنتفخة ..
-" هذا ليس من شأنك اللعين" أجابته وهي تُحاول تخطيه
-" بلى...لأنك زوجتي...و حامل بطفلتي... بالمناسبة طبيبتك تُرسل سلامها و تُخبرك أن تعودي للمنزل الآن ..."
-" وهل أنت الذي ستُجبرني على العودة ؟؟" أجابته باستهزاء
سكت محدقًا في ملامحها الباردة ليقول بجدية
-" لماذا لا تريدين استلام المال ... هو بالتأكيد ليس لك...بل لزهرة و اختها"
-" نعم زهرة التي حاولت بيعها لتشتري راحة ضميرك اللعين.." دفعت كتفه في محاولة لزحزحته من طريقها...لكنه بالكاد تحرك..
-" سيرين أرجوك...ظروفي.." قاطعته و هي تضرب ذراعه هذه المرة لتسقط الملفات أرضًا... كانت غاضبة بشدة ليس فقط لأنه وجدها فقد كانت مسألة وقت قبل أن يظهر مجددا في حياتها...بل لكل ما يُمثله حمزة في حياتها..
-" لا تتحدث معي عن الظروف...فلم تمر من جزء مما ممرتُ به ... من ذلك اليوم اللعين الذي تعرفت عليك و انا أعاني... أعاني من الدفاع عن نفسي...بينما أنت لم تكترث إلا لإغراقي....ثم انا حامل بطفل و ليس طفلة ... و سأسميه قاسم بالمناسبة"
أمسك بذقنها يضغط عليه...ليهمس بفحيح غاضب
-" لا تجرؤي بذكر اسمه بهذه البساطة..." ضغط أكثر وهو يتذكر ما فعلته من أجل ذلك القاسم الذي أصبح كل ما يمقثه " سأقتلع لسانك قبل أن تفعلي...أتفهمين؟...ثم الدكتورة جوهرة بعثت لي بكل تقاريرك و متأكد انها فتاة....فلا تلعبي ألعابا أنت لست ملمّة بقوانينها... " أكمل وهو يُطبطب على خذها باستهزاء
-" يا إلهي...كم أكرهك" همست بقهر...كيف يأتي بذه البساطة و كأن شيئًا لم يحدث
-" و أنا أيضًا أحبكِ جميلتي.." همس وهو يدنو منها ليخطف قبلةً سريعة من شفتيها...ثم يتجه للخارج دون أن يُشير لها بما أحضره فعلا لمقر عملها...التفتت حولها ألا يكون أحدا قد رأى المنظر...حمدت الله أن غرفة الإجتماعات فارغة إلا منهما...نغزة بظهرها جعلتها تئن و هي تجلس ارضا تجمع الملفات .

طوال الثلاث الساعات اللاحقة كانت تُحس بانقباض في معدتها...و ظهرها يجعلها تئنّ وجعًا...قلبها منقبضٌ من رُؤياه...و أخيرا الساعة الخامسة مساءً وقت العودة للمنزل... بعد ان نزلت الدرجات العشرون... وقفت تُمسد ظهرها بانزعاج... لتُحس بألم أسفل بطنها...استندت على الحائط بيدها و بالآخر تُمسك ببطنها وهي تهمس
-" ليس الآن...أحتاج لساعة أخرى ثم سأرتاح...أعدكِ"
تتنفس بعمق عسى الوجع يختفي...و الذي حذرتها منه الطبيبة سابقا لأن عملها يجعلها تقف طوال الوقت...فهذا ما يتطلبه عملها كمساعدة مساعدة المحامي...و مهمتها غالبا تتمثل في إحضار الملفات و تجهيز قاعة الإجتماعات...ثم إغلاق المكتب بعد مغادرة الموظفين الخمسة....مهنة لا بأس بها مقارنةً بدراستها لكنها تحتاجها... " أرجوك..." همست و الألم لم يمنحها فرصة لتتحرك باتجاه باب البناية ... ضغطت بشدة على شفتها السفلى تتحرك بصعوبة ناحية الباب... يجب عليها التحرك باتجاه موقف الحافلات...لتُحضر زهرة من الحضانة...ثم تعودا سيراً على الأقدام لميلين آخرين باتجاه المنزل!
-" سيرين !!!" همس حمزة وهو يدخل من الباب ليتسمر وهو يراها...شاحبة جدًا ... حبيبات العرق تظهر على جبينها..
-" حمزة... " همست باستنجاد " ساعدني... " أسرع إليها يسندها برقة ليُعيدها للوراء و يُجلسها على درجة السلم ...رغم وجعها تذكرت المرة التي كانت تستنجد وهي في قمة وجعها ...ليُنجدها!
-"هل أنتِ بخير...لماذا لا تتقيدين بأوامر الطبيبة بما و ترتاحي ....لكنكِ كالعادة عنيدة كالبغل" نبرة صوته تفضح قلقه الشديد عليها... أبعد شعرها القصير جدا من على وجهها ليقول بنبرة مغايرة لسابقتها " سيرين هل أنت بخير؟ ..." مرر راحة يده على خدها، لتفتح عيونها تنظر إليه ... نظرات قتلته من الصميم
-" لقد عُدتُ تلك الليلة ...لكنك لم تهتم..." همست لتبدأ بالبكاء..
-" أعرف..." استوى ليجلس القرفصاء أمامها..." لماذا تُفكرين في الموضوع الآن ؟"
-" كل ليلة تهاجمني الهواجس أنني السبب.."
-"...أنت لم تكوني السبب سيرين... هي اتخذت قرارها بكامل إرادتها...لم تكوني السبب حبيبتي..." وضع جبنيها على جبينها...ينظر إليها بقلق...أنفاسها تضرب وجهه و عيونها الدامعة تنظر إليه في تأنيب ضمير و اتهام
-" لكنك جعلتني أشعرُ بذلك... نبذتني هناك ... أحسستُ أنني...أنني..." لم تستطع ان تُكمل جملتها و دموعها تخنقها
-" ششش...هل تعتقدين أن جدي كان سيسمحُ لك بالخروج من هناك لو لم أفعل ما فعلته؟...لم تكوني لتري زهرة يومًا...كنتُ مضطرا حبيبتي..."
أخفى وجهها المتعب في عنقه...لتبدأ بالإنتحاب أكثر... وهو يُمسد على شعرها يُهدِؤها!
-" أقسم لم أقصد ما حدث..."
-" أعرف...كل شئ سيكون بخبر.."
-" زهرة..." همست وهي تبتعد عن حضنه... لينهض رافعا إياها بين ذراعيه و يتجه بها نحو سيارته.
-" سأوصلك للمنزل و أذهب لإحضارها ثم..."
-" لاا..." قاطعته ...رغما عنها فهي لا تستطيع السيطرة على الرعب الذي تملكها و هي تتخيل أنه ربما سياخذها بعيدا عنها مجددا.
أشار بحسنا وهو يقود بمهل باتجاه حضانة زهرة....و لا يستطيع أن يلومها و قد كان السبب في انعدام ثقتها به!

***
تجلس على السرير المهترئ ...بينما حمزة يقف قرب الموقد الصغير ينتظر غليان الحليب الخاص بزهرة...التي كانت تستلقي بجوار والدتها تنتظر وجبتها... بينما تنظران إليه...كل شئٍ به ينطق عكس محيطه في هذه الغرفة...رغم بساطة ملابسه إلا أنها تعلم أنها تُساوي إيجار هذه الغرفة لعام كامل إن لم تجزم انه أكثر...! بحركة خاطئة كان قد ادرق الحليب الدافئ على ملابسه...
-" اللعنة.." همس بخفوت
-" هل أنت بخير ؟... " سألته سيرين باهتمام.
-" للأسف لم يتبقى إلا القليل.." قال بخجل وهو يرفع كأس الحليب" سأغير ملابسي و أحضر المزيد ...اضطرابه جعلها تبتسم في سرها...و كأنه لم يُتمم مهمته الصعبة كما يجب.. تقدم نحوها ثم مد يده لها " تفضلي..."
قدم لها كأس الحليب المُتبقي...لتنظر بغرابة ليده الممدودة ... فالحليب في الشهور الأخيرة ثروة يجب أن تحتفظ بها فقط لزهرة...لأنه بالكاد يكفيها ..
-" لا بأس...فلتقدمه فقط لزهرة ...أنا بخير"
-" لقد نامت..." قال وهو يُشير لزهرة التي غرقت في نوم عميق "أنظري لنفسك سيرين...شهور و فقدت أغلب وزنك...يجب أن تهتمي بنفسك أكثر" عيونها المتهمة ما زالت تُحدق به تُظللها غمامة دموع " انا آسف...فقط اشربي...سأطلب العشاء"
استلقت بجانب ابنتها...و عيونها تتبع خروجه من الغرفة...لا تعرف هل تحزن أم تفرح لوجوده... رغم أنه يُمثل لها كما أصبحت تُمثل له مصدر كل آلامه إلا أنها ترتاح لوجوده قربها...دقائق فقط ما مر على خروجه ليعود حاملا ملابس نظيفة...أرادت النهوض لكن آلام ظهرها منعتها لتُعاود الإستلقاء..
-" أين أستطيع تغيير ملابسي؟" همس و هو يرفع الملابس المطوية بعناية بين يديه...بعد ان وضع مشتريات البقالة أرضا.
-" تغيير ملابسك ؟" همست بصدمة و استفسار...احتلت ملامحه نظرة احمرت لها سيرين خجلا ليبتسم بإغواء... و هو يقترب منها ببطئ ...صدرها يعلو و ينخفض بترقب... فلن تنكر أنها اشتاقت إليه...فلتلم الهمونات أو أي كان...لكنها اشتاقت فعلا !
دنا منها...ليهمس قريبًا جداً
-" ليس لأنني أرفض ان أقدم لك عرضًا ...لكن تعرفين..." استقام مبتعدًا " زهرة قد تستفيق في أي لحظة"
-" ألا تخجل...؟" همست وهي تبتلع ريقها
-" و لما سأخجل...و سابقًا..."سكت و يُعاود الإنحناء...ينظر في عيونها التي أظلمت و شفتيها المنفرجة تلفحه أنفاسها القوية...و كأنها تنتظر قبلته ... أفكارهما قادتهما للحفل منذ ستة أشهر ... كانا هناك جامحين و كأنهما في حربٍ ...من يستطيع إجبار الآخر على الإعتراف بعشقه للآخر...رغم أن مشاعرهما تجاوزت أي كلمات...كان تواصلا آخر لم يختبره يوما في حياته...و بالنسبة لها كان ذكرى لأول مرة لها بين ذراعيه... كل همسة منه و لمسة كانت تعدها الكثير... جعلها تشع بأنوثتها و انه يعشقها...
حركت رأسها تُبعد الأفكار .. لتقول بهمس خافت حاولت ألا يُظهر تأثرها بالذكرى ..
-" ما قصدته لماذا تحمل ملابسك معك في السيارة؟؟"
ابتسمت و امتعاض ملامحه أخبرها بإحباطه و أنها أنزلته قسرا من ذكريات...كانت مُعينه الوحيد طوال الأشهر السابقة...ليُخيل إليه أنها مجرد أحلام من نسج خياله ... كانت من الروعة أن تكون واقعية..
سيرين...كانت كمخذر كلما اعتقد انه أخذ كفايته منه...كان جسده و روحه يطلبان المزيد!
-" الأمر يستحق المحاولة..." همس بخفوت و هو يمرر يده على شعره...يُحاول السيطرة على ارتباكه..
-" نعم ؟؟؟.."
-" لا شئ.." غمغم ليدنو يحمل ملابسه التي وقعت أرضا ... نظر إليها مطولا قبل أن يستدير نحو سيرين و يقول بهدوء " لقد تركت منزل أهلي...خيروني بينكِ و بينهم ...و اخترتكِ" شهقت بعدم تصديق...لم تعتقد أنه سيأتي ذلك اليوم حيث تكون من أولويات شخصٍ ما
-" ألا تملك مكانا آخر للذهاب" نطقت بأغبى شئ يمكن ان يسمعه شخص ما يعرف من هو حمزة العياشي ...ابتسم و هو يجلس قريبا منها...لتحمر خجلا و هي تستطرد " عندما هربت من خالي ثم منك...كانت الحقيقة الوحيدة أنني لا أملك مكانا للذهاب ... لكن من أكون أمام حفيد عزالدين العياشي"
-" لا أريد مكانا آخر لا تتواجدين به" همس يُبعد شعرها الأسود عن عيونها.
هذه المرة...كانت من تُفاجئه مقبلةً إياه.
-" أنا آسفة عما حدث مع عائلتك" امالت خدها...تريد ان تستشعر لمسته أكثر
-" أنا لستُ كذلك...أنتِ تحتاجينني أكثر منهم...وجودي من عدمه سيان هناك...لكن هنا...وجودي حياة" رفع وجهها لتتلاقى نظراتهما " لم أشعر أنني حي إلا بدخولكِ لحياتي سيرين...في كل مرة لا أستطيع الإقتراب منك كنت أهرع حيث زهرة...جزء منك الذي يحمل رقتك و حنانك...و لا أنام إلا و هي بين ذراعي" مسح دموعها " لا تبكي..." همس و هو يحضنها..
أبعدها دون أن أن يفلتها...ليقول
-" هيا ... كفانا من الدراما...يجب أن نرتاح لأن غدا سنحتاج لكل قوتنا للبحث عن منزل للعيش...فلا أعتقد أن هذه الغرفة صالحة للعيش."
أجابته وهي تلتفت حولها...رغم أن الغرفة قديمة و كذلك أثاتها إلا أنها أفضل ما استطاعت تدبره بذلك الراتب الضئيل
-" هي جيدة مقارنةً براتبي ... "
-" سيرين أنتِ لن تذهبي لذلك العمل بعد اليوم..."
-" لكن ..." أحاط بوجهها بيديه و هو يقاطعها قائلًا
-" اسمعيني جيدا سيرين...انتِ و زهرة مسؤوليتي منذ اليوم...رغم أن جدي قد جمد أرصدتي ...إلا أنني أملك ما يجعل بدايتنا معا مريحة"
-" ماذا تقصد..."
-" سنبحث عن مكان جيد للعيش و كذلك سيكون كمكتب لنا"
-" مكتب ؟"
-" نعم مكتب صغير للإستشارات القانونية...لأن بظل المنافسة السرشة لن نستطيع الحصول على مؤكلين بهذه السرعة ...و أغلب الشركات تُمثلها شركتنا...أقصد شركة العياشي ..."
-" حسنا "
***
بعد يومين

- " لا يجب أن تدخلي إلى هنا...الرائحة قوية جدا... " صاح حمزة من فوق السلم الحديدي...وهو يقوم بطلاء الجزء الأعلى من الحائط....في المكان الفسيح الذي قررا استغلاله كمكتب ... كانا محظوظان ان يجدا شقة فسيحة مكونة من شقين منفصلان ... و يتصلان بباب جانبي ...أحدهما سيستغلانه كشقة صغيرة و الجزء الفسيح كمكتب للإستشارات القانونية.
- " أحضرتُ لك الغذاء.. " أجابته وهي ترفع ما تحمله في يدها... " فقط أنا و أنت...زهرة نائمة بعمق..." نزل حمزة بمهل يُحدق بها ترتدي سروال من الجينز الأزرق يبدو قديما و فضفاضا عليها...و قميصا ابيض ضيقا يُظهر بطنها المنتفخة... و شعرها القصير بالكاد يُلامس كتفيها...و حذاءًا رياضيا بسيطا....كانت جميلة... بابتسامة جذابة لعيونها كان يقترب منها...
- " كنتُ أتمنى لو استقبلتك كما تستحقين... لكنني أخشى افساد طلتك الجميلة.... "
- " اللعنة على الطلة التي ستمنعني من معانقة زوجي الوسيم..." رفع حاجبه بتعجب
- " الوسيم؟!... لنرى... لم تكن هذه الصفة التي كنت تستعملينها سابقًا... "
- " نعم... فقد كنت كالشوكة في خاصرتي... رغم أنها مؤلمة إلا أنها الوحيدة التي تُذكرني أنني اشعر و أحس... تعالى " تعلقت في عنقه تجره للأسفل عندها
- " رائحتك جميلة.... دافئة...مثلك تماما" قال و هو يستنشق رائحتها أكثر....التي لن يكتفي يوما منها" لو تعرفين كم اشتقت إليك...." همس وهو يتخلص من قفزيه و يُدخل يديه اسفل قميصها.... يستشعر نعومة جلدها... و هو يتلقف شفتيها في قبلة حارة... بعنف لم يستطع التحكم به....كان يتجه لأزرار قميصها يفتحها بلهفة بينما هي تحاول تخليصه من قميصه
- " عالأقل... إن كنتما تريدان الإنفراد بنفسيكما تأكدا من إغلاق الأبواب...." شهقت سيرين بفزع و هي تسمع صوت رجل قادم خلفها....و بسرعة كان حمزة يُعيدها للخلف يُغطي عريها.... تمسكت به لترفع نفسها تُحدق بالرجل الذي قاطع تواصلهما...أظافرها انغرزت في لحمه عندما تعرفت على والدها.. التفت حمزة باتجاهها أجبرها أن تقطع تواصل عيونها مع والدها...و هو يساعدها على اغلاق ازرار قميصها المتبقية... ليربت على وجنتها
- " كل شئ سيكون بخير.. " طبع قبلةً على جبينها...و هو يهمس " اذهبي أنتِ للمنزل... سآتي قريباً "
- " أنت لم تُخبرها أليس كذلك...." قال والدها وهو ينظر إلى استدارة بطنها الواضح... بحمائية كانت تضع يديها على بطنها....رفع نظراته ينظر إليها ليزداد احمرار وجنتيها...لتنغرز أكثر في حمزة....وهي تسأله بهمس خافس
-" ماذا يريد حمزة؟" احاطها أكثر يطمئنها...وهو يُجيبه
-" تعرف شعورها من تواجدك حولها "
-" تعرف أن لا حل آخر لدي...حرية ابني أهم من كل هذه الخلافات"قال و هو يقترب منهما
-" ماذا يحدث هنا؟ حمزة أخبرني ماذا يُريد؟! "
-" سامي في السجن..." أجابها بهدوء حمزة و عيونه ما زالت مُحدقة في عيو والدها
-" ماذا ؟"
صاحت بعدم تصديق وهي تسحب الملف من يد والدها...تصفحته لثواني لتشهق بغضب...و هي ترمي الملف لتتناثر الأوراق بجانب حذاء والدها...
-" توسلتكم أن ترحموني...أن تأووني و طفلتي ...لكنكم لم تفعلوا....و الآن تريدون مني اخراج طفلكم المدلل من السجن....عجبا و الجريمة.... محاولة اغتصاب قاصر...." أحاطها حمزة لكنه تنصلت من ذراعه بعنف وهي تصرخ بوجع " هل تعلمون ماذا يجعلني الأمر أعتقد....أنكم لم تكونوا فعلا أبوين جيدين في الأخير.... و هذا يجعلني ارتاح انني من الشعور أنني خذلتكم.... و لكن في الواقع انتم من خذلوني..... و طلبكم مرفوض." بمجرد أن أكملت كلماتها كانت تُغادر المكان غاضبة.
***
بمجرد دخوله كانت سيرين تنتظره على مقعد بجانب الحاجز الرخامي للمطبخ...ترتدي قميص نوم احمر ...( ما قصتها مع الاحمر ..اعني يا رب) تمتم و هو يضع معطف بدلته على الاريكة...ليجلس على حافتها بتعب و عيونها تراقبه بسخط
-" إذن لقد أخرجته..."
-" تعلمين أنني سأفعل سيرين...لماذا لا تختصرين كلماتك و تدعيني أستريح...فأنا مُتعبٌ جدًا"
- " من أعطاك الحق لإخراجه..." صاحت وهي تنهض مقتربة منه..استقام يُواجهها " ليس من حقك " كررت وهي تلكزه في صدره بأصبعها بعنف
-" سيرين...سامي ليس له ذنب في طريقة معاملة عائلتك لك...ما زال مراهقا في التاسعة عشر ...هل تُريدين تدمير حياته" لم تهتم لكلماته و هي تضرب صدره بعنف...الموضوع جلب لعقلها كل المشاعر و التخبط الذي عاشته طوال فترة نبذ عائلتها لها...كيف كانوا يُعاملونها و كأنها شخص معصوم من الخطأ...ليس من حقه ان يُخطئ... مشاعر الكره عادت لتستوطنها...و تتدفق كبركان اعتقدت أنها أحكمت سيطرتها عليه...كانت غاضبة...و الأكثر مجروحة.
"كلكم تستحقون ان تتعفنوا في ذلك السجن.... و كأن كونكم رجالا يعطيكم كل الحق ان تغلطوا فيستقبلكم الكل بالأحضان...."
ابتعدت ... و كأنها تذكرت فجأة أنه السبب في كل مصابها...و كان واحدا منهم...لتنظر إليه بألم.. " غلطة....فقط غلطة...كلفتني كل حياتي....مستقبلي و ماضيي ....طفلتي سيعلق على جبينها أنها بذرة زنا.... ستنظر إلي بكره دائما" اقترب منها يمدّ يده ناحيتها...لكنها صدتها بعنفٍ...لتجلس بتعب و هي تُكرر بهمس قاتل " ستكرهني...و تتمنى لو لم تولد أبدا..لو لم أكن والدتها...ستكرهني"
جلسها بجانبها يحضنها بقوة.... ليقول
- " اقسم لن ادعها تكرهك... أخبريها أنني أجبرتك...أو أنني اغتصبتك...اقسم حبيبتي سأفعل أي شئ كيلا تكرهك يوما"
جلست بتعب ليجلس بجانبها يُسندها لصدره وهو يسمع همستها ... التي أخذتها للحظات عرفت المعنى الحقيقي للوحدة...." بعد أن هربت من خالي الذي كان يسجنني في علية...جوعني و ضربني و كل ذلك كي أُسقط حملي ... و يدفن البذرة السيئة قبل أن تتفتح...لكنه غفل أن البذرة و لو زُرعت في أرضٍ سيئة ستُزهر... قبل هروبي ...سمعته يتحدث مع والدتي...ترجوه أن يرأف بي...أن يُعيدني إليها و سوف تهتم بي... أتعلم بما أجابها...أنه لا يتلقى الأوامر من النساء.." إلتفتت تنظر إليه...عيونها تُظللها دموع حبيسة لتهمس بشعور قاتل لكينونتها كإبنة ..." امره إن لم يستطع تخليصي من الجنين...أن يقتلني" عيونه تُحدق في عيونها بصدمة...التي غادرتها دمعةٌ يتيمة ...تبعتها عيون حمزة حتى اختفت بين شفتيها المنفرجة..." أمره أن يقتلني... و القاتل لي أنني كنتُ صدقت أنني أستحق... هل تعتقد أنني لم أحاول قتل نفسي...لكنني لم أستطع ... لأن روحا كانت تسكن داخلي...ليس من حقي أن أسلبها حياةً تشبثت بها في أحلك الظروف "
تنهدت بقوة و هي تعود بنظرها للأرضية العارية...الباردة كبرود مشاعرها المتلبدة الآن " طوال الأشهر ... رغم قسوتهم معي كنت أظن أنني أستحق... أتيت بشئ لن يغفروه لأي شخص ... ليس الشخص من يهم بل الفعل! لكن بعد ما فعله سامي ...و تقبلوه بصدرٍ رحب لم أعد أعرف كيف أشعر؟ كيف يجب أن أشعر؟؟!!! ... الموضوع لا علاقة له بسمعتهم...بل بكونهم لم يحسبوني يوما ابنتهم...و تستحق العفو كابنهم تماما"
-" لا سيرين...لا تذهبي بعقلك بعيدا...والدتك تُحبك ... ووالدك..."
قاطعته بحرقة...و هي تستند على يدها لتنهض متجهةً نحو غرفة نومها
-" أنت لا تختلف عنه في شئ حمزة...أنت لست إلا نُسخةً أخرى منه...و أنا لن أسامحك على ذلك"
عيونه تُحدق بها في صدمة...ليستفيق و هي تُغلق الباب بشئٍ من العنف...أعلمه أنه غير مرغوب فيه في غرفتها الليلة...أو ربما في كل الليالي القادمة..
اتجهت أنظاره للغرفة الصغيرة التي المخصصة لزهرة...و التي أخذت اهتمامه أكثر...يُريد أن تكون مطابقة لغرفتها في منزل اخته و التي لم تدخر جهدا لتكون غرفةً جميلة لطفلة بروعة زهرة...كانت تنام بوداعة... جلس ينظر إليها يتذكر في كل مرة يهرع إليها عندما يسأم من الصراعات التي يزخر بها عالم الكبار...كان ينسى نفسه و هو يُلاعبها...فتحت عيونها لتهمس
-" با.."
قبلها بفخر أبوي في جبينها وهو يضحك رغم كل شئٍ...
-" لا تُعيديها حبيبتي أمام والدتك...سأطرد من المنزل إن سمعت أول كلمة تنطقينها"
تنظر إليه بعيون كبيرة كعسلٍ صافٍ... كعيونه بالضبط.... تتلاعب بأصبعه بين أصابعها المكتنزة.... رفعها ليجلس على الأرض يحضنها بقوة...
-" أعلم أنني لستُ الأب الذي تتمتين الحصول عليه... لكنك للأسف ملتصقة بي للأبد...أعدك أن أتعلم كيف أكون الأب الذي تتمنين الحصول عليه يومًا...و الزوج الذي يستحق والدتكِ... هي أكثر من رائعة...تُذكرني بوالدتي...لم أخبرها يوما بهذا...لكنني فخور جدا بها...بكل ما فعلته من أجلك لتوصلك لبر الآمان...هي من المقاتلات التي تجعل الرجل يقينا أنه مهما سقط فستكون هناك تلم شتاته..." سكت قليلا يُمسد شعرها..." رغم كا شئ حدث معنا إلا أنني أعتبرها بيتي ... حضنها يجعلني أحس أن كل شئ سيكون بخير...لطالما هي معي ...فسأكون بخير...أمك وطني حبيبتي...أو ما تبقى منه على الأقل! ولن أدعها تلفظني بعيدا...لأنني سأضيع! " انزل عيونه لزهرة التي عادت للنوم..." نامي جميلتي.." همس و هو يرفعها و يُعيد وضعها في مهدها...ثم جلس على الأريكة الوردية و لم تمر سوى ثواني حتى سقط نائما من شدة التعب..
أظهرت نفسها حيث تختفي...تستمع لهمساته لزهرة...لتتجه حيث ينام و تضع عليه غطاءاً طفوليا ...ثم أطفأت الإنارة عائدةً لغرفتها.
****
-" فلك..."
همس قاسم و هو يقف أمامها...تجلس في أحد الكراسي القريبة من البُحيرة... في المصحة النفسية التابعة لمستشفى " العالمي" الخاص... شهور و كل ما يفعله هو النظر إليها من بعيد...ترسم أو تقرأ ...أو تتحدث مع طبيبتها النفسية...كانت ترفض رؤيته...و كأنها أخيرًا أخبرته أنه الوقت لدفع الثمن على كل ما اقترفه في حقها...قد حان.. " الطبيبة أخبرتني أنكِ مستعدة لرؤيتي..." همسته تلاها صمتٌ طويل من جهتها...رفع نظراته حيث الممرضة المسؤولة عنها في الكرسي القريب منهم لتبتسم له مشجعةً... خطى الخطوات التي تفصله عنها ليجلس قريبًا بعيدًا عنها ...يجمعهما نفس المقعد لكن تفصلهما أبعد مسافة ممكنة!
دقائق مرت...و كل ما يفعلانه هو التحديق بعيدا...لكنه لم يكن يشعر بالرعب كتلك المرات التي كان يزورها في ذلك المشفى الحكومي... زقزقة العصافير، الهواء العليل الذي يحمل رائحة شعرها العطرة إليه...كلها أشياء تجعله ممتنا ...و أن بدايته هذه المرة صحيحة.
-" مريم أخبرتني أنني لم أواجه يومًا.. قاطعت استفزازها لي بشراسة و أنا أخبرها أنني أُواجه...و كل ما فعلته أن قدمت لي هذه المذكرة... ثم تركتني لأفكر و أكتب عن كل مواجهة خُضتها للدفاع عن نفسي...أوتعلم ؟" رفعت المذكرة بجانبها ..." لم أجد...في كل حياتي الخامسة و العشرين لم أجري و لو حديثا عميقا عن حياتي ...لم أدافع يوما عن قراري ...لم ... "
-" فلك..." همس لتُقاطعه وهي تنهض تنظر إليه من عُلو
-" لا تستعمل هذه النبرة معي مجددًا..." أصبعها المتحدي قريب من وجهه...صدرها يرتفع و ينزل بوتيرة سريعة...كانت غاضبة...منه و من نفسها " لم يكن من حقك أن تُخفي عني خبر موته...لم يكن قرارك لتتخذه قاسم...أنت سلبت مني فرصة وداعه"
-" أوتعلمين كم كان قرارا صعبًا لأتخذه؟...ككل قرارٍ لعين اتخذته في حياتي...لم يكن يجدر بي أن أدخلك في متاهتي من اليوم الأول..."
تراجعت بصدمة...الألم يحتل ملامحها
-" هل تقصد زواجك مني كان غلطة؟"
-" لا...زواجي منك كان اجمل قرار اتخذته يومًا...ربما التوقيت فقط هو الخطأ..كان يجب علي ان أجمع شتاتي قبل أن أطلب يدكِ"
-" شتاتك ؟؟؟ " ضحكت بألم و استهزاء" شتاتك!!... أتقصد في المرة التي توسلتُ كريم و عمر للبحث عنك؟ ليجدوك محاط برفقة السوء يُحاولون تَسكِنة آلامك بعرضهم للمخدرات عليك...أم ربما عندما تعرضت للضرب من طرف صديق إحداهن كنت تُحاول الوصول لسروالها...أو في كل ليلة لعينة و أنا أجلس أقضم أظافري و أنا اتساءل ماذا عسى حدث معك ؟!!...أوه مهلا ...أنت لا تذكر أي من هذا لأنك كنت غائبا تحت تأثيران الكحول..." لم يرها يوما بهذا الشكل...لكنه سرّه جدا...فقد كانت قوية ...حتى انها أرعبته " اسمعني قاسم جيدًا أنت أبدا لم تكن تستطيع جمع شتاتك ذلك بدوني....هل تسمع بدوني أنت لا شئ.."
جفل من قوة كلماتها...أحس بنفسه صغيرا أمامها...مذنبا و هي تُسلط الضوء على زلاته تجاهها...و التي تظهر بشعة ...أبشع مما يتخيل و هو يُكررها داخله دون ان يستطيع التفوه بها ... و الآن صداها يتردد داخله بصوتها هي... و هي تُواجهه بما اقترفه...وقفَ و قد كان في موضع ضعف...
-" سامحيني فلك..." سكنت ملامحها...لتعود تلك الفلك التي يعرفها...ضعيفة و نفحة هواء يمكن أن تجرحها.
-" أسامحك قاسم ؟... و ماذا عني؟!! هل سأسامح نفسي و أنا..." دموعها خنقتها...لكنها مسحتها بقوة بكم فستانها لتنظر إليه بقوة...و كأنها ترفض أن تعود فلك الضعيفة المسكينة " و انا أتذكر في كل مرة ألمح طفلتي أنني كنتُ سأقتلها؟.."
حضنها بقوة...غم ممانعتها إلا أنه لم يفلتحها ... دقائق مرت تبكي لتستكين بتعب...همس بخفوت
-" لا تُسامحيني فلك...لكن أرجوك لا تقسي على نفسك...لم تكوني بوعيك "
لكن فلك لم تكن تستمع لهمسته ....لأنها كانت فاقدةً لوعيها..." سأخبرك أمرًا قاسم...أنا أحببتك من كل أعماقي.... و حبي لك أعماني لكي أرى معدنك....أنت مجرد شخص ضعيف اتكالي.... في كل مرة تُنسب أغلاطك لغيرك... تعتقد أن الكون يدور حولك فقط... و أنا كالغبية في كل مرة أنظر إليك لأرى ذلك الطفل اليتيم الذي تُرك وحيدًا...أو تعلم شيئا قاسم...أنت لم تعد ذلك الطفل...أنت الآن رجل ناضج يجب أن يتحمل ثمن أغلاطه..." في ثانية تغيرت تعابير وجهها لأسى...و حزن عميق وهي تضغط على على قلبها " هل تعرف ما جعلتني خيانتك أشعر به تُجاه نفسي...أنني امرأة لا تستحق الحب...غير جديرة أن تُعشق...كممسحة أرجل......عالأقل هذه الممسحة تقوم بدورها"
-"فلك" لم تسمعع همسته وهي تستطرد ناضرةً إليه
-" ...أنت جعلت تقديري لذاتي يتلاشى...في كل لحظة وضعتُ مصلحتك فوق مصلحتي...ليس لأجلك بل لأنني أؤمن انني لا أستحق...جعلتني أمقث نفسي... في كل مرة أصر على خدمتك..كنتُ أسعى لسد تلك الثقوب التي تتوسع داخلي.. لكن أتعلم مالذي حدث؟
كانت الثقوب تتوسع و تتوسع حتى ابتلعتني...أنت قتلتني قاسم...قتلت كل شئ جميل داخلي...و لا أظن أنه سيحيى يوما...لهذا لن أستطيع أن أُسامحك...الآن على الأقل...لم يعد في قلبي ذرة مغفرة لأمنحها لك"
ينظر إليها تتجه نحو البناية البيضاء و ممرضتها خلفها...تُحاول أن تتبادل معها أطراف الحديث...لكنها كانت صامتة...في عالم آخر.
****
دخلت فاطمة ليعم الصمت المكان....الرجال كانوا يُثرثرون حول آخر عملهم و يلقون النكات حول الموضوع... الأنظار متجهة نحوها...أنيقة كعادتها في سروالها الأزرق و قميص أبيض...ترفع شعرها البني كذيل حصان طويل.... كانت جميلة جداً...
- " التقرير لم يجهز بعد...كما ترين بالكاد وصلنا من العمل الحقيقي... و ليس الجلوس على مؤخراتنا طوال اليوم و نُطلق على أنفسنا..."
- " عبد الرحمن. .." قاطعه فارس بتحذير....لينظر إليه بسخط... " نعم....و كأنني أهتم إن كانت تُدفئ فراشك ليلا لكي تُدافع عنها...." بغضبٍ اتجه فارس إليه يُمسكه من ياقته....يريد أن يمحي نظرة الإستخفاف من عيونه... و تلك الإبتسامة المقرفة.
واقفة دون حراك....كلماته شنجتها....لتجعل أطرافها باردة من الخزي....رفعت نظراتها للفريق...الكل ينظر إليها بشماتة او بشفقة.... لكنها ليست فاطمة من ترضى على نفسها الذل....هي وُلدت جاهزة....
- " توقفا..." صاحت بقوة و هي تقترب باتجاههما.... لتنظر بحقدٍ لعبد الرحمن " إن كان فارس قد دافع عني فلأنه رجل كفاية ليفعل....و إن كنت تعتبر نفسك أكثر أهمية مني فقط لمجرد أنك لم تولد بهيئة أنثى....فأنا أتحداك الآن في نزال....و لنرى إن لم أجعلك تبكي كالنساء اللاتي من الظاهر أنك تمقتهن...." فتح عبد الرحمن فمه ليقول شيئًا لكنها قاطعته...." إعفني من الشعارات....أنا رجلٌ لا يضرب النساء.... لأنني لا أراك كذلك" عيونها تُحدق به.... باردة و مصرة...رغم أنه أطول منها بقليل إلا أنه لم يجعلها ذلك تحس بأي تفوق من جهته...جسده المرتبك كان ظاهرا لها و لكل الرجال حولهما....الفاغرين فاههم من كلماتها و كأنها تُوجهها لهم... و تصفعهم أن ما ظنوه يوما تفوقًا... تلاشى و هي تُهاجم زميلهم بضراوة...." ما جوابك عبدالرحمن..؟! هل نتواجه أم تعتذر عما نطقت به للتو؟!"
ساد صمت طويل بينهما.... عيونهما لم تفقد مواجهتها.... لينطق أخيراً
- " أنا أعتذر...."
- " نعم؟!..." قالت باستفزاز...." بالكاد سمعته....ليسمعه زملاؤك "
- " أنا أعتذر منك و من فارس عما بذر مني...." دون أن تحيد نظراتها عن قالت
- " جيد....و الآن أنا أنتظركم في الباحة....هناك ما أنوي إخباركم به...." و التفتت مغادرة....رافعة رأسها...و رغما عنهم كانوا ينظرون إليها بتقدير.
- " اليوم أنا أجمعكم لأن هناك أخبار سعيدة لأغلبكم....رغم أنني استمتعت جدا بالأشهر القليلة التي امضيت معكم...لكنني سأنتقل من هذا المركز و من المدينة كلها...." وجهت نظراتها حيث يقف فارس... ملامحه غير مقروءة " في آخر عطلة أخذتها.... " رفعت يدها حيث يقبع خاتما ذهبيا بسيطا... " تزوجت و استعملت حقي في الإلتحاق بالزوج لمدينتي الأصلية ..." ابتسمت بحزن وهي تستطرد " رغم أن أغلب الأوقات لم تتقبلوني كامرأة تخبركم ما يجب أن تفعلوه....إلا أنني و بكل مهنية أخبركم أنكم من أفضل الفرق التي عملت معها....أتمنَى لكم كل التوفيق"
***








...



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 03-08-18 الساعة 11:00 AM
ملاك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس