عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-18, 12:29 AM   #375

ملاك علي

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاءوقلم مشارك بمنتدى قلوب أحلام وحارسة سراديب الحكايات

 
الصورة الرمزية ملاك علي

? العضوٌ??? » 412135
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,270
?  نُقآطِيْ » ملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond repute
افتراضي

قبل ستة أشهر:
في الحفل
صدره يعلو بمشاعر أكبر من ان يلجمها و قبلتها تهز بكيانه...أغلق عيونه يغرق أكثر في رقة شفاهها على شفاهه...كان يُريد أن يستشعر احساسه بها بكل ذرة في كيانه...ليفتح عيونه برعب و برود إبتعادها يُجمده...ينظر إليها تفتح قفل باب الحمام دون أن يستطيع منعها...وقفت على عتبت الباب تلتفت نحوه...و بعبون دامعة أحس أنها تُودعه... لم يستطع ان يوقفها...شئٌ في نظراتها أعلمه أنها لن ترضى البقاء...أغلقت الباب...آخذةً معها كل الهواء الموجود حوله...كان يختنق...بكل ما للكلمة من معنى!
تشبث بالمغسلة خلفه...يُحاول إجبار صدره على الإتيان بحركته الإعتيادية...( شهيق...زفير...) يُكرر داخله...يحاول أن يوصل لعقله أنه بخير...و الآلة التي تُساعده على ذلك كانت بعيدة عن مُتناوله...( شهيق...زفير...أنت بخير حمزة...أنت لا تختنق...أنت لست وحيدا...نورا معك....زهرة كذلك ...انت لست وحيدا....فقط تنفس ) يهمس لنفسه كلمات لطالما ساعدته في محنته...التي لازمته منذ حادثة موت والديه...التي قلبت حياته رأسا على عقب...و هو يجد نفسه الخليفة لجده بعد والده...أغمض عيونه و همسات والدته تتوغل إليه بينما خلفها صوت والده المصر أن يتحركا الآن...فهو الوقت المناسب للهرب! ...
-" سنعود حبيبي...سنعود من أجلك و نورا...أنتما في مأمن هنا...لن يستطيع أن يؤذيكما...اهتم ينورا بني...فأنت الآن رجلٌ كبير" لتدنو عليه تُقبل جبهتها و دموعها تغسل وجهه... كان فقط بالكاد وصل لارابعة عشر...و اخته في السابعة..ليُخبره جده في الصباح انهما لقيا حتفهما ...إثر سقوط سيارتهما في منحدر...لتتوقف رئتاه عن العمل كالآن...لكن الأطباء أخبروه أنها مجرد أوهام يُصورها له عقله...جلسات خاضها لتختفي ... لكنها عادت يوم وجد اخته في المستشفى بين الحياة و الموت...نوباته كانت تظهر كلما استشعر فراقا...كالآن ... احساسه يُخبره أنها تُودعه!

يديه ثقيلة و هو يمدهما ليغسل وجهه بالماء البارد...وجهه شاحب و بأصابع مرتجفة كان يخرج بحثًا عنها..

***
-" أحمد خُذني من هنا...أرجوك! "
تمسكت بعضده و تكاد يغشى عليها ... ليُمسك بها و يُجلسها ببطئ و يرفع كأس العصير لفمها ...لتُبعد وجهها فقد لمحت سابقًا الخمور تُقدم...لكنه همس مُطمئناً
-" هذا فقط عصير الليمون...فأنا سأقود عائداً...اشربي...تبدو حالتكِ..." سكت و هو يلمح آثار تملكٍ على كتفها..." إذن فلقد وجدكِ الحقير..."
رفعت عيونه باتجاهها ...لتتململ بعدم راحة و هي تُحاول تغطية الظاهر من كتفها..وهي تهمس بخجل
-" إذن فلنتحرك...لأنني ألمحه الآن ... و يبدو أنه مُصرٌّ على إيجادكِ"
قدمت له الكأس الفارغة...لتنهض بتثاقل و هو يسندها ...خارجا بها من المنزل و من المزرعة ككل !
-" ألن تُخبرينني ما الذي يحدث؟...لماذا أنا من يرافقك للحفل و يُعيدكِ منه و ليس زوجك"
قال أحمد يقطع الهدوء الذي يلف السيارة...و قد نصف المسافة باتجاه المدينة..
لكنها لم تتفوه بكلمة و كل ما تُحدق به كانت أعمدة الإنارة المصطفة على طول الطريق...التي تُنير الطريق مُعطيةً للغابات خلفها هالةً مرعبة...تُحاول التركيز في كل شئ غير رائحته مازالت تحتلها و همساته التي تأبى مُفارقتها !
رحبت بكلماتك أحمد التي انتشلتها من الغوص مرةً في ذكرى ما حدث منذ دقائق...و مشاعرٌ تهاجمها بضراوة و هو يهمسُ لها حاجته لها...و أنها تُعطي قيمةً لحياته...و حياتها لا قيمة لها بدون زهرة...على هذه الفكرة التفتت لأحمد المركز على القيادة
-" أنتِ تعلمين أنك تستطيعين الثقة بي...أليس كذلك؟"
اعادت نظراتها للأمام و هي تُجيبه بنبرة ميتة
-" فقدتُ الثقة حتى في نفسي...لذا لا... أنا لا أثق بك"
أحست بنظراته المصدومة تُحدق بها..ليهمس بعدم تصديق
-" ما الذي فعله ليكسركِ لهذه الدرجة؟"
-" بل ماذا فعلوا.."أجابته وهي تُحدق في أصابعها المتشابكة..." و كل ما فعله هو أن جعلني أعشقه لدرجة أن أفكر أن أتخلى عن انتقامي ..." صمتت قليلا لتستطرد " كي أكون معه !"
-" مالذي فعلوه؟.." همس بخفوت
-" أخذوا طفلتي...و أعطوها لنورا...كبديل عن طفلها " أجابته و هي ترفعُ نظراتها تجاهه..
كانا يُحدقان في بعضهما البعض...و كأنه ينتظرها أن تُخبره أنها مجرد مزحة سمجة...لكنه قرأ الإجابة في عيونها...وهي تُبعدها و هي تمسحها من الدموع التي انهمرت...لم تفطن أنه أوقف محرك السيارة إلا عندما خرج مندفعًا و هو يلعن مرارا و يضرب الإطار بعنف...بعد مرور دقائق عاد ليجلس مكانه و يُشغل المحرك ... تحركت السيارة و الهدوء عاد ليلفهما من جديد... أضواء المدينة بدت كالعودة للواقع بالنسبة لها...ستعود لشقتها تبكي ابنتها التي لن تراها يوما...
-" ساعدني.." همست... لم يأتي بحركة حتى اعتقدت أنه لم يسمعها " س..."
قاطعها صارخًا بغضب...
-" لقد سمعتك...اللعنة سيرين ...أنت لا تعرفين ما ورطتِ به نفسكِ ... هذه العائلة كالمافيا...بكلمة فقط ستدفنكِ ألا تعلمين ؟؟؟؟..."
-" دعني فقط أراها... ولو من بعيد أرجوك"
لم يُجبها لدقائق...لكنها تنفستِ الصعداء و هو يأخذ طريقًا جانبيا ... حبست أنفاسها...و هي تُركز في كل إشارة...كل لافتة و كل اسم شارع...كانت تقتنص كل معلومة ستحتاجها قريبًا...نبضها توقف و السيارة تتوقف في حي راقٍ... أمام منزل صغير...في صف من منازل تحمل نفس الشكل ...بحديقة أمامية ... نزلت بمهلٍ لكن أحمد وقف أمامها...
-" فقط سألقي نظرة أقسم لك..." همست تترجاه ليخطو بعيدا عن طريقها...دفعت البوابة الحديدية و خطت للداخل...المنزل من الداخل غارق في سكون...بجانب الباب كان هناك كرسي هزاز ...و بجانبه ألعاب أطفالٍ...حملت إحداها تستنشقها...كانت تلك اللعبة التي اشترتها لها عند مولدها...لم تُفارقها أبدا....أقسمت أن رائحة زهرة توغلت داخلها...لم تُفلتها ...و قبل أن تستدير راجعة ... وضعت أصابعها تتحسس الباب الذي يفصل بينهما... و كأنه جدارٌ حديدي مسنن...لتهمس
-" انتظريني زهرة...سأعود طفلتي...أقسم لك سأعود"
لتُغادر و لُعبة طفلتها مازالت تضغط عليها على قلبها...عساه يهدأ ...فقريبا تستبدلها بصاحبها.
لم تبادلا أطراف الحديث... لم يسألها ...و هذا أراحها ..
وصلت لشقتها ... وقبل أن تنزل قالت له بنبرة عملية
-" غدا سأعرض أسهمي للبيع... أخبرتك كيلا تتفاجأ ... "
-" لن أتفاجأ بالتأكيد...لأنني أنوي شراءها منكِ...و طرد ذلك الحقير من شركتي" أجابها بهدوء
-" اشتري حصتي ثم أطلق عليها شركتك... و لأنني ممتنة لك سأبيعها لك بأقل ثمنٍ تُقدمه...و فوقها شقتي كهدية" من صدمته لم يعرف كيف يُجيبها ...لتبتسم و هي تقول
-" غدا أنتظرك في منزلي...لا تتأخر"
***
بالكاد أوصلها للسيارة قبل أن يُسقطها أو يسقطا معا...رجليه تبدو له ثقيلة جدا و جسده يرتعد برعب أن يفقدها و قد استعادها...
- " لا أعرف مالذي حدث فجأة سقطت دون مقدمات...."
- " أرجوك سيدتي... فقط اهتمي بروح... سآخذ فلك للمستشفى... "
- " لا تقلق سأهتم بها..."
ضغطها منخفض جدا.... و جرح الولادة القيسرية ملتهب قليلل....لكن ما يقلقني أنها لا تتوقف عن البكاء.... و تهذي بكلمات عن كونها السبب.... هل هناك شئ تريد اخبارني به سيد قاسم... لأن المريضة هناك لم يجب من الأول أن تكون في المنزل بدون رعاية نفسية... "
- " مرت بانتكاسة....و أخرجتها من المستشفى ابن سينا من ايام.... هي متعبة و تحتاج فقط للراحة"
- " سيد قاسم... بالرغم أنني أعلم ظروف ذلك المستشفى... لكن من واجبي أن أكون صريحة معك....زوجتك تحتاج لعناية خاصة... أو ستكون خطرا على نفسها و على المحيطين بها..."
- " اللعنة...." صرخ ضاربا الحائط بجانبه " أتعتقدين أنني لا أعلم.... لكنني اقسم لن اجعلها تعود لذلك المكان... حتى لو اضطررت لعزلها في غرفة...."
سكتت تنظر إليه لثواني لتقول
- " لو كنت مكانك... لخرجت الآن للبحث عن احسن مصحة.... فحالها يزداد من سئ لأسوء... " قدمت له عدة منشورات " هذه لأهم المصحات الموجودة في المدينة....لكن هذه أفضلها....ستنام قرير العين و هي بين أيديهم... "
لم يهتم لباقي المنشورات....بل التقط الأخيرة.... ينظر للخدمات التي يقدمونها...
- " شكراً لك..." خرج مهرولا وهو ينسل هاتفه...يتصل بصديقه
-"مرحبا كريم... هل مازلت تريد سيارتي؟!"
- " هل تنوي بيع سيارتك؟! "
- " و المنزل كذلك...."
- " لكن... "
- " فلك تحتاج للعلاج كريم....لا أستطيع أن أشاهدها وهي تدوي هكذا...لم تعد تتحدث...كل ما تفعله النظر للحائط أمامها و البكاء ...تلك الإستجابة السابقة اختفت....هذه المرة سأخسرها إن لم تتعالج بطريقة سليمة"
- " سأرى ما أستطيع فعله...."
- " لكن أرجوك...اسرع....فأنا حقا احتاج للمال....و لا وقت لدي.. "
نظر حوله ...بعض الشباب الذين عملوا معه الليلة الماضية مازالوا مُستغرقين في النوم... كلمات صديقه تتردد في أذنه... كيف سيحصل على مُشتري لمنزله بهذه السرعة...و بالكاد يملك ما يُقرض صديقه.. كان يرتدي ملابسه عندما ... تبادرت لعقله فكرة...أسرع يتصفح هاتفه...ليبتسم بانتصار و هو يجد رقمها مُسجلا.... كان يعلم أنه سيأتي الوقت الذي سيحتاجه به...

***
الساعة التاسعة و النصف صباحا
تكاد تلتهم كل أظافرها وهي تنتظر اتصال أحمد...لم تستطع النوم و لا لثانية وهي تتأرجح بين شعورين...شعور اللهفة أنها و أخيرًا عرفت مكان طفلتها...و شعور الرعب أن يعرف آل العياشي بخطتها تجاههم... حدقت بلعبة زهرة التي لم تُفارقها منذ اللحظة التي حصلت عليها...لتترك الشعور الأول يتفوق على شعورها بالرعب...لثواني فقط كانت تتخيل شعورها و زهرة تندس في حضنها...لكن رنين الهاتف الذي بدا لها مزعجًا جدا...كدوي رصاص ثقب أذنيها...لتسرع إليها تُحدق في الرقم الذي ظهر غير مسجل لديها...بين أن تُجيب لتتلقى أخبارا سيئة...و أن يكون أحمد من يتصل في رقم آخر درءا للشبهات...ابتلعت ريقها و استجمعت قوتها لتهمس بصوتٍ خافت بالكاد وصل للطرف الآخر من الخط
-" ألو ؟"
-" سيرين؟!! "
وصلها اسمها من صوتٍ بدا خجلا و مألوفًا لكنها لا تستطيع التعرف عليه...و حالتها النفسية الىن تجعلها لا تستطيع تذكر أين سمعته... فطنت أنها لم تُجب السائل
-" نعم...من معي؟"
-" أنا كريم...صديق قا...كريم الأحمدي...تذكرينني ؟" أجابها بارتباك و تخبط
-" آه كريم...زميل قاسم ... بالطبع أذكرك ...كيف أستطيع مساعدتك؟"
السهولة التي نطقت به اسم قاسم أعلمه أنه صار من الماضي كما هي بالنسبة لقاسم...ليجيبها بهدوء أكثر
-" أحتاج لمساعدتك..."
-" بالطبع كريم..." أجابته بترحيب
-" كنتُ سأطلب رؤيتك لكنني في العمل الآن و الموضوع لا يحتمل التأجيل..." تنفست الصعداء و هي تُجيبه أن لا مشكلة ..." قاسم يحتاج للمال لإدخال زوجته لمصحة نفسية خاصة...و تكاليفها جد مرتفة لم تصل لربع ما استطعت جمعه...فربما ستُحبين أن تُساعدينني ...أقسم سأرد لك المال لآخر مليم ..." قلبها انقبض و هي تسأله
-" هل انتكست مجددا؟ ...مالذي حدث؟"
-" والدها توفي...انا أفعل هذا كيلا يبيع قاسم سيارته و منزله..."
-" لا داعي لتُبرر لي كريم...لطالما كنت نعم الأخ له...ابعث لي الحساب البنكي و سأتكفل بالباقي..."
-" شكرا سيرين...لن أنسى معروفك أبدا"
و قبل أن تقطع الإتصال ....همست بصدق
-" أرجوك كريم اهتم به..."
ابتسمت...تُحاول تذكر ذكرياتها مع قاسم و أصدقائه ...لكنها كانت مشوشة و كأن دهراً مر عليها... نغمة استلام الرسالة أيقظتها من مُحاولة احياء الماضي... و مع تحققها أنها من كريم...كان جرس بابها يدق...فتحت ليدلف أحمد و معه محامي الذي قدم لها الأوراق التي ستُوقعها...و معها الشيك ثمنا لكل املاكها... حدقت به برهبة...كان مُكونا من رقم من ثمانية أرقام...
-" المحامي سيتكفل بكل الأوراق الأخرى..."
-" شكرا أحمد...شُقتك ستكون لك اليوم مساءً..."

"ليس هناك أجمل من أن يدق حمزة الباب مُتوقعا وجهك الجميل ليُفتح على وجهي...منظر ملامحها ستكون أروع مشهدٍ سأراه يوما..." اغتصبت ابتسامة...لتتغير ملامحه و نبرته و هو يستطرد " فقط كوني بخير...و لا تنسي أنني دائما لجانبكِ...و الشقة تحت تصرفك ..."
ليتفت مغادرا خلف المحامي الآخر... خرجت مهرولة خلفه وهي تُناديه وضع يده يمنع انغلاق المصعد عليهما المصعد عليهما...
-" لا تُعلن عن العملية قبل الغد أرجوك...أُريد ان أبتعد أولا..."
أشار برأسه موافقا...و هو يُبعد يده عن الباب ...الذي أُوصدَ على نظراته إليها...و كأنه يُخبرها أن تتراجع عما تنويه... لكنه مجرد رجل...و ما أدراه عن معنى أن تكون أمًّا !
***
جمعت كل ما تحتاجه من ملابس...حولت ربع المبلغ للحساب البنكي الذي أرسله كريم سابقًا... قامت بكراء سيارة...فعلت كل ما اختاجت القيام به و ما زالت الساعة تُشير للسادسة مساءً.
تأكدت أن كل شئ في مكانه...ثم اتجهت لغرفتها تنظر للملابس التي وضعتها على السرير ...سروال ضيق أسود لا يمنع تحركها...مع قميص يثماثلها لونا...بحمالات عريضة و سُترة جلدية... ثم اتجهت للحمام...طول استحمامها تمنع نفسها من النظر لآثار الليلة الماضية على جسدها...و كأنها تخشى أن تُذكرها بما تشاطراه...لتُسرع تُحيط جسدها بالمنشفة و تهرب بعيدا عن المرآة الضخمة في الحمام...
رفعت شعرها كذيل حصان...لتبتسم بإصرار...فهي جدا مُستعدة...!

منذ نصف ساعة وهي تقف أمام المنزل المنشود.. تُحاول تسكنة نبضات قلبها الهلعة و لعبة طفلتها بين أصابعها تضغط عليها بشدة...و كأنها تُفرغ الشُحنات السالبة التي تُهاجمها من كل صوب أنها ستفشل...بمجرد ما ستخرخ من هذه السيارة ... صفارات الإنذار ستنطلق و ستجد نفسها مُكبلة...و إن كان حظها جيدا ستصل الشرطة قبل عائلة زوجها..
لكنها لا تهتم...لم تعد تهتم...و قد ذاقت الويل بعيدا عن زهرة...هل هناك عذابٌ أقسى من ذالك... أغلقت سُترتها و هي تتأكد أن الشيك في جيبها...
لتدلف ... و قبل أن تطرق الباب ... تناهى لمسامعها صوتٌ من الغرفة الجانبية المفتوحة يبدو عليه التعب و الإهتمام
-" أرجوك لطيفة...ابحثي جيدا فهي لن تستطيع النوم بدون لعبة الزرافة خاصتها..."
ليُجيبها صوتٌ آخر يبدو انه للمسماة لطيفة
-" المكان الوحيد الذي لم أبحث عنه هو الحديقة الخارجية...فالبارحة غفت هناك ...سأذهب الآن للبحث هناك..."
تراجعت سيرين لمدخل الحديقة...بمجرد ان فُتح الباب كانت تنسل هاتفها ...هاتفةً بدلال
-" نعم حبيبي لقد وصلت...لا يبدو أنها مازالت لم تنم بعد...بالطبع ستستقبلني و لن أضطر للقيادة عائدةً للمزرعة...بلغ جدي سلامه"
أبعدت الهاتف تبتسم بتكلف و نظرة علوٍّ تحتل ملامحها للمرأة العشرينية المحدقة بها
-" أنا سيرين العياشي ...زوجة حمزة العياشي..."
-" مرحبا سيدتي...سأنادي نورا تفضلي" همست لطيفة برهبة... لتظهر امرأة تصرخ بسرعة
-" لا لطيفة...لا تدعيها تدخل"
ارتبكت كل من سيرين و لطيفة اللتان حدقتا في بعضهما بصدمة... و قبل أن تستدير لطيفة مُغلقةً الباب...كانت ارتباك سيرين وصل بها لأقصاه...لترفع الخزفية على الطاولة بجانب الباب و تضرب بها مؤخرة رأس لطيفة...و تسقط جثةً هامدة امام رجليها
-" يا إلهي ماذا فعلت..." همست سيرين برعب ...ثواني وهي مسمرة بعدم إدراك...صوت بكاء انطلق من مكان ما في المنزل جعلها تنزل و تتفحص نبضها الذي كان ضعيفا...
أسرعت تتبع الصوت الذي يعلو كلما تقدمت للأمام... لتجد المسماة نورا ترتدي ملابس منزلية مريحة و تُحيط رأسها بوشاح ...تهمس لزهرة أن تهدأ و هاتفها في أذنها...لتهمس و كأنها تم إنقاذها للتو
-" حمزة إنها هنا.. هنا ....ستأخذ الطفلة ... تعالى أرجوك"
زاد غضب سيرين و هي تسمع استنجادها بحمزة....و الذي أخبرها أن تنسى وجود زهرة...تقدمت نحوها سيرين بغضب... لتصفعها بقوة
-" أيتها السارقة الوضيعة...إن كنتِ لا تستطيعين تقبل فقدانك لطفلك فهذا من شأنك...لكن ان تأجذي ابنتي أنا...هذا ما لن أسمح لك به..."
بدت نورا هشة للغاية...لم تستطع الدفاع عن نفسها... وهي تُمسك بخذها بألم و تبكي...
لم تهتم سيرين لنحيبها و هي تدنو تُقدم لزهرة لعبتها... حاولت حملها لكن نورا دفعتها بعيدًا... ليزداد غضب سيرين وهي تدفعها أكثر...و تسقط على ألعاب كثيرة مكدسة في الزاوية... الدماء نزلت من انفها و الوشاح انزاح من رأسها...ليظهر خاليا من الشعر... ثواني أخذتها سيرين لتفهم أن نورا مريضة... اقتربت منها تُساعدها على النهوض... لتجلس بتعب
-" هل أنتِ بخير؟...لم أكن اعرف انك مريضة ...آسفة" لم تهتم نورا لإجابتها على السؤال...لتهمس لها برجاء وهي تمسح الدماء من على انفها
-" أرجوك لا تأخذيها ...أتوسل إليك "
نظرت سيرين لابنتها التي تلعب بدميتها....ثم لنورا...لكنها وقفت ... وقد سئمت من التنازلات التي قامت بها على حساب نفسها...أخرجت الشيك من جيبها لتمدها لها
-" أخبري أخاك أننا مُتعادلان....و ألا يبحث عنا..." و عندما لم تُمسكه وضعته على المنضدة بجانب السرير... ثم حملت زهرة و اتجهت نحة الباب تصمُّ أذانها عن صراخ نورا... لمحت لطيفة...جالسة تستند على الحائط و تُمسك برأسها بيدها...
-" آسفة لم أقصد...كنت عثرة في طريقي كان يجب إبعادها"
ثم خرجت من الباب...لا تُريد تحليل مشاعرها الآن فهي مُستنزفة جدا...
وضعت زهرة في المقعد الخلفي للسيارة... ثم سلكت الإتجاه المُعاكس ...باتجاه المجهول.

****
-" نورا...انا لا أفهم...من الذي سياخذ الطفلة؟" تساءل حمزة وهو ينهض من أمام مكتب جده في المزرعة حيث يُناقشان عائدات الصادرات لهذا العام...لم تُجبه نورا...ليقلق أكثر و هو يسمع صوتًا لن يغفله و لو بين آلاف الأصوات...ارتكب و ملامحه تبهث بشدة...ما جعل جده ينظر إليه بتركيز
-" سأذهب لرؤية سير " استدرك بسرعة "..أقصد نورا لا تبدو بخير"
-" ربما تُهددك فقط لتوقف العلاج مرةً أخرى...ماذا سيكون الثمن هذه المرة ان تشتري لها زوجًا؟" قال عز الدين بتهكم..
-" جدي...هي مريضة جدا...أبعدها عن حساباتك أرجوك..." قال حمزة يُخفي امتعاضه من كلام جده
-" و كأنني أهتم...هي لا تنفع لشئ أصلا...تُشبه والديك "
-" جدي لقد سئمت من سماع نفس الأسطوانة...أرجوك..."
نظر إليه عز الدين بعيون كالصقر... لينهض و هو يقول
-" قلبك الضعيف من سيقودنا للهاوية...على ما يبدو سئمت من الطفلة و تريد لعبةً جديدة... خطئي أنني وكلتُ لك تربيتها...لتغدو جبانة و اتكالية ..."
وصل لمنزلها... ليجده في حالةٍ يُرثى لها ... سيارة الإسعاف تقف أمام الباب... ليخرجوا حاملين نورا الغائبة... وقف يقطع طريقها ... كاد يُجن و هو يراها مغمضة العينين ...شاحبة و كأنها .... ميتة !
-" ما الذي حدث؟" تساءل و الرعب يشل لسانه
-" محاولة انتحار..." قال له أحد المسعفين و هو يُبعده ليرفعوا الحاملة التي ترقد عليها نورا بدون حولٍ و لا قوة لسيارة الإسعاف... أسرع حمزة يجلس بجانبها و يُمسك بيدها الباردة... و كا ما يسمعه همسة والدته تُخبره ان يهتم بأخته لحين عودتهما لأجلهما.
طوال سنوات عمره لم يعرف اتجاهًا للقبلة... ولكن الآن كل ما يُردده هو الدعاء لله أن تكون بخير... ان يحميها فهي الوحيدة المتبقية له من عائلته و التي يتحمل كل شئ لأجلها...
-" لمُستشفى العالمي أرجوك ..." همس للمسعف المقابل له...الذي بدوره أخبر السائق... ليُخرج هاتفه يتصل بأحد معارفه هناك " محمد العالمي" يُخبره بقدومه.
****
نظرت للطفلة النائمة في مقعدها...لتتذكر نورا... قلبها آلمها و هي تستذكر الكلمات التي نطقت بها في وجهها... كانت جارحة و فقط أم مثلها من يستطيع الشعور بها...
كانت قد ابتعدت كثيرا...عندما استدارت عائدة...
وصلت لنفس المنزل الذي غادرته منذ ساعتين... لتجد نفس السكون يُحيط به...زهرة النائمة على كتفها تسندها بذراع....و باليد الأخرى ضغط على جرس الباب...لتفتح لطيفة و شرشف طبي يُحيط برأسها... لتُهاجمها قبل أن تتراجع وهي تلمح زهرة النائمة في سلام...
-" انا ...عُدت لأعيدها...لم أستطع اخذها بعيدا"
لكن عدائية لطيفة لم تخف وهي تقول بصوتٍ خانق بالدموع ...
-" بعد ماذا؟؟ بعد أن أرسلتي نورا للمستعجلات...أقسم إن حدث لها شئ لن أعتبر أمر حمزة ... و سوف أريك مقامك يا قاتلة"
الفكلاة جعلتها تنصدم...نورا لم يحدث لها شئ... كانت بخير عندما تركتها...لم تشعر أنها نطقت بالأمر...إلا عندما أجابتها لطيفة بكل حقد
-" بسببك ابتلعت دواءها...عندما أخذتِ منها الطفلة...اخذتِ منها الامل الوحيد الذي جعلها تُحارب مرضها من أجله..."
-" في أي مستشفى..." حاولت لطيفة إغلاق الباب ...لتهمس برجاء " أتوسل إليك..."
-" المستشفى العالمي الخاص.."
أغلقت سيرين عيونها بقوة و لطيفة تُغلق الباب في وجهها بقوة...غير مراعية لزهرة التي استيقظت مفزوعة.
***
ساعات و هو يجلس لا يفعل سوى التحديق في حذاءه... ليهتز هاتفه ... رفعه لأذنه دون أن يهتم بتبين من المتصل
-"أين هي؟ ..." صاح جده بغضب هادر
-" ما زالت في العناية .." أجابه بهدوء
-" أنا لا أسأل عن تلك الجبانة...بل عن زوجتك سيرين...تلك الوضيعة باعت حصتها لأحمد لمرابط...و غدا سيدعو لانعقاد مجلس الإدارة...و حتما سيطردنا"
-" نورا في خطر...و كل تفكيرك في المكز اللعين.."أجابه بحدة لم يستطع ان يبقى على بروده الذي تعلمه غصبا عنه...فالتي لأجلها تنازل كثيرا بين الحياة و الموت...و لن ينالها بطش جده...كبح نفسها من أن يُجيبه بوقاحة و هو يسمعه يقول مُتوعدا
-" سأجد تلك الحقيرة...و ستتمنى لو لم تولد ..." قطع عليه حمزة الإتصال... وهو يعلم أنها غادرت منذ ساعات ... و لن يستطيع الوصول إليها... الآن على الأقل..
عاد للمقعد في غرفة الإنتظار...ينتظر خروج احدهم ليُخبره أنها بخير...ابنته كما يُسميها بخير... هي فقط إحدى نوباتها الطفولية التي تستغلها ضده كلما رفض لها طلب...رفع عيونه...ينظر لأحد موكليه و والد صاحب المشفى...الذي وضع يده على كتفه يضغط عليها بحنية مواسيًا...و قبل حتى أن ينطقها كان قلبه قد عرف...نورا ماتت...ينظر لشفاه محمد العالمي تتحرك ...لكنه لا يصله صوتها...كل ما يُفكر به أن آخر أفراد عائلته قد مات...
تقف خلف الطبيب مباشرةً و هو يخبره أن جسدها كان ضعيفا ... بسبب المرض و العلاج الكيماوي و لم يستطع أن يتحمل ... لقد قتلتها...
-" حمزة " همست...ليتلفتا اتجاهها...ينظران لبعضهما...و كأنهما في عالم لوحدهما فقط...لم يفطنا لاستئذان الطبيب... ولا لاستيقاظ زهرة و بكاءها...كلما تُريده أن يُخبرها أنها ليست السبب في موتها...و كل ما يُريده أن يُعانقها حد الإختناق ليسلبها روحها...فيُغادره هذا الوجع...و يقتص من موت أخته منها...قطع تواصلهما و عيونه تتجه لزهرة... دون أن يهتم لاهتزاز هاتفه في جيبه كان يقول
-" أخبرتُك أن تنسي أمرها...لكنك لم تفعلي...الآن أنتِ انتقمتِ...سلبتِ مني اختي و شركتي..." رفع يديه و صفق " هنيئا لك...أخبرتني مرة أنك ستنتقمين ... لكن عشقي لك أعماني" بلع ريقه " و الآن اذهبي ...لا أريد أن أراك...أو انني سأتصل بالشرطة و لن تري ابنتك مهما حييت ..."
-" أرجوك..." همست و دموعها تجري دون ان تستطيع التحكم بها...لكنه لم يهتم و هو يتركها...تُراقب ظهره المُتيبس يبتعد عنها...و علمت أن انتقامها...قد ارتد عليها ...و جعلها تخسر نفسها قبل أن تخسره.





..


ملاك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس