عرض مشاركة واحدة
قديم 15-08-18, 11:17 AM   #1

jasmine

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية jasmine

? العضوٌ??? » 415180
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 1,323
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
?  نُقآطِيْ » jasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond reputejasmine has a reputation beyond repute
¬» قناتك action
?? ??? ~
سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله اكبر
افتراضي في الغد .. البعيد!!


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله
x

صباحكم معطر بذكر الرحمن
احببت أن أضع بين أيديكم قصتي القصيرة الأولى
بعنوان

في الغد .. البعيد!!





وضعت قطعة البسكويت التي قضمت نصفها في الطبق ثم استدارت إليه تقول بشرود"أتدرى لقد ذكّٓرٓتني كلماتك عن الحرب .. عن لحظة خروجنا من منزلنا في الوطن .. أتذكر كل شيء بوضوح عندما كنتُ أجلس أنا و عائلتي أمام شاشة التلفزيون نشاهد مسلسل (عليوة و الأيام) ضحكاتنا تعلو فتملأ أركان الغرفة .. و فجأة دقّات قوية على الباب أجفلتنا و أفزعت قلوبنا حتى ظننتُ للحظة أن الباب سيُكسر فوق رؤوسنا ..ثم هرعت أمي تبحث عن وشاحها الأبيض تلقيه على رأسها بتعثر بعدما أخفانا أبي في غرفة داخلية و فتح الباب .. فإذا بشاب طويل ضخم البنية يخفي ملامحه بوشاحا أبيضا مرقطا بتعرجات سوداء مربعة الشكل .. عينيه السوداوين كانتا تنضحان قوة و غضبا و شيءٌ من الثوران و كأن في عينيه جمر متقد .. يخبره بكل وضوح أنه ينبغي علينا المغادرة فوراً إذا أردنا النجاة بأروحنا .. فالاحتلال يهدد بقصف الحي"


تململت في جلستها حين شعرت بتوتره فسحبت نفسا طويلا و نظرت إلى أشعة الشمس الوليدة تطالعها بلهفة لم تغادرها منذ سنوات طويلة ثم عدّلت وشاحها و أكملت "وقتها لم أفهم كلام ذلك الرجل و لكنني شعرت بما يعنيه عندما تعلقت عيناي في وجه أبي .. كان شاحبا و عينيه تستحيلان إلى بقعتان داكنتان من الدماء .. حتى أنني استطعت سماع هدير أنفاسه و نبضات قلبه و هو يخبر أمي بالأمر فبدأت الدموع تُذرف بينما لم يملك هو إلا أن يطبطب على رأسها و يقول صبراً يا أم مصطفى فنحن عائدون في الغد بإذن الله ..

ثم دنت أمي مني و قبلتني بدموع حاره فسألتها ببراءة"ما الذي يجري يا أمي؟"

بابتسامة شاحبة و عينيها ترويان الكثير مما لا أفهم"لا شيء صغيرتي .. فقط سنغادر منزلنا الآن .."

ركضتُ مسرعة إلى غرفتي ألملم ألعابي و ثيابي و أضعها في حقيبتي حتى امتلأت .. فاقتربت أمي مني تحتضن وجهي برقة تقول و عينيها تدمعان مجددا "لا .. لا يا بيسان .. سنأخذ القليل فقط .. فنحن سنعود في الغد إن شاء الله"

ثم دوى صوت إنفجارٍ زلزل أركان البيت فصرخ أبي و شدتني أمي بهلع من كفي لنترك البيت و نتحرك فورا .. فتبعثرت كلّ العابي المفضلة و مدت يدي ألملمها بسرعة حتى لا اتركها وحدها لكن أمي كانت مصرة على سحبي بكل قوة .. فأدرت رأسي إلى الخلف لألقي نظرة على غرفتي لأطمئن بها العابي أنني سأعود و لن أخذلها .. لكنني لم أكن أعلم أنها ستكون النظرة الأخيرة"




توقفتْ قليلاً عن الاسترسال في البوح عن ذكرياتها و لمست أنفها بأنامل مرتعشة تستنشق دموعاً أبت أن تذرفها على الدوام فاحتوى يدها بكفيه و كأنه يشجعها و يمنحها الأمان الذي لطالما شعرت بالجوع إليه فازردت ريقها و أكملت بارتجاف"كانت ظلمة الليل الحالكة والبرد القارس هما من استقبلنا و رائحة الدخان الخانق و قنابل الغاز تملأ الشوارع كما القذائف المشتعلة في كل ركن .. منظر الناس و هم يتخبطون بأكياسهم التي تحوي اغراضهم وسط اشتعال النيران و ضرب المدافع لن أنساه مهما حييت .. و أبي يجاهد لابعادنا عن كل أذى من الممكن أن يصيبنا .. لم يكن هناك مكان يأوينا فبتنا ليلتنا في العراء بالقرب من تجمعات الناس و في الصباح هاجرنا إلى الخارج بصعوبة ثم استقرينا في أحد المخيمات"


توترت أنفاسها حين توقفت عن الكلام و استدارت إليه تكمل بصوت متهدج"أنت لم ترى كيف كان الوضع آنذاك .. كيف مرضنا و نحن نقتات على بقايا الطعام والشراب .. طفل صغير لم يكمل العام مات أمام أعيننا بكل قسوة"


نفضت عنها تلك الذكريات الأليمة حين التقطت أنامله دموعها بهدوء فحركت يدها في الهواء بعشوائية تكمل في سخرية"و مرت الأيام ثقيلة علينا و أصبح عمري عشرون عاما و مازلت أذكر كلمات والديّ جيدا عندما أخبروني سنرجع في الغد يا بيسان و ها نحن لم نعد في الغد كما قالوا و لا حتى بعد الغد .. و ظننت حينها أن الغد بعيد ..

أنا حتى لا أكاد أذكر وطني !

و عادة ما يراودني هذا السؤال هل هو يتذكرني ؟


و استدارت إليه تسأله في لهفة و استجداء
"هل هو يتذكرني يا عصام؟

هل سيُكتب لي أن أراه مرة أخرى ؟

أذكر أنني في يوم ما وقفت أمام أمي أقول و قلبي يحترق شوقاً للوطن"ألم تخبريني أننا سنعود في الغد القريب ؟ لكنني أظنه بعيدا كبعد الشمس عن الأرض"

ردت وقتها بهدوء و الصبر في عينيها يتألق"تذكري دائما هذه الآية يا بيسان .. 'قل متى هو قل عسى أن يكون قريبا' .. و إن اشتقت له تأملي شمس الصباح و لون التفاؤل فيها .. و ستمنحك الصبر" "



توقفت عن الكلام و استدارت لتنظر إليه بكلتيها .. زوجها الذي يحمل نفس دماء وطنها الحبيب .. لم تجد وطنها لكنها وجدته هو .. هو وطنها ، أمانها و حمايتها .. من يحمل عبق الحرية و أصالة شجر الزيتون .. لكم تمنت أن تلد طفلهما الأول في الوطن .. ليعيش الطفولة الجميلة التي عاشتها ..
تحسست بطنها الصغيرة بحب ثم أرجحت قدميها قليلا في الهواء و تزحزحت من مكانها عن سور البيت لتقترب منه أكثر و تميل رأسها إلى كتفه فتعود لمراقبة خيوط الشمس الذهبية بعيون لامعة و تكمل بصوت عذب "و من يومها و أنا أنتظر إشراقة شمس صباح كل يوم جديد بعينين موشحتين ببريق الحب الذي يمنحني صبراً و أملاً جديداً بأن الغد سيكون قريبا بإذن الله"


شدد على إحتضانها و قال بثقة"سنعود يا بيسان .. سنعود فالشمس تحكي قصة أمل وسط ظلام العدو و بإذن الله سنكون نحن الشمس التي ستشرق و تبدد ذلك الظلام"



تمت


jasmine غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الحالية
..
على شفاه الورد
رد مع اقتباس