عرض مشاركة واحدة
قديم 14-09-18, 07:49 PM   #12

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الثاني




ظلت ليلى تتأمل شاشة هاتفها في عبوس .
بكلمات معدودة استطاع أن يبدد تماما جو الأمان والراحة الذي تنفّسته منذ اللحظة التي دخلت فيها بيت أسرتها البسيط و تركته و بيته الضخم و عائلته بأسرارهم الأنيقة المعقدة و علاقاتهم الراقية الهشة.
أعادها والدها إلى الواقع و هو يقول معلقا على ما يشاهده على الشاشة من مهازل الواقع الحاضر:
- لو كانت تلك الفتاة ابنتي لكنت دفنتها بيدي هاتين.

بدا صوته قويا ، جليا ، قاطعا كمطرقة قاض في محكمة النّقض و بحدة لم يألفها الآخرون منها وجدت نفسها تقول :

- و لو كان ذلك الرجل ابنك يا بابا ؟
- ليلى ! نهرتها أمها بصوت عال

صمتت من فورها فلم تكن المعارضة من شيمها ولكن شفتاها المضمومتان في شدة عبرتا عن امتعاضها العالق بداخلها .
كانوا مجتمعين في الصالون كعادتهم كل نهاية أسبوع و كعادة كل أسرة لم تتفكك بعد .
الأب و الأم و أبناؤهما الذين لم يتزوجوا .
يشربون شايهم الساخن و يشاهدون واحدا من تلك البرامج التي ترغمهم أمها على مشاهدتهم معها .
تلك البرامج التي يجني منتجوها أرباحهم منها بكشف الأسرار و الخبايا و كل ما تستره الجدران و الحيطان .
و هذه الحلقة بالذات لم تكن استثناءًا .
فتاة ما من مكان ما تتحدث عن "رجل" ما زرع جنينه داخل أحشائها ثم رحل بلا وداع و بلا نية للعودة .
قصة حصلت مئات الآلاف من المرات من قبل و ستحصل مئات الآلاف من المرات من بعد لكن الجديد كما يقول والدها أن الناس لم تعد تكترث بأن تسمي العيب عيبا و الحرام حراما .
ظلت ليلي ساكنة في مكانها بينما عيناها تسافران من وجه لآخر من وجوه أفراد عائلتها ، الوجوه المألوفة و الغير المألوفة في الوقت ذاته .
تأملت وجه والدتها الجميل المستغرق، هذه المرأة التي عاشت حياة خالية من أي تعقيد ، حياة طبيعية جدا لدرجة جعلتها مولعة بمشاهدة حيوات الآخرين البائسة و الممزقة ، بالاستماع إلى أسرارهم التي يكشفونها على الملأ ، أسرار محرمة ، أسرار كان يجب أن تبقى على حالها ، مركونة في أحلك الزوايا ، أسرار لم تعد أسرارا في عالم حافل بالعيون الفضولية .
ثم استقرت عيناها على وجه والدها ، الرجل البسيط المليء بالتناقضات ، حارسهم و سجانهم .
مخيف ، حان ، قاس و رحيم كيف تجتمع الأضداد لا تدري و لكنها تفعل مع أبيها .
بتقطيبة اهتمام كان يراقب الوجوه الغريبة على الشاشة المسطحة ، ليس لتغذية متعة سرية مثل والدتها لكن بتعبير مبتئس قاتم كما لو أنه يستشعر قرب كارثة ، كان رجلا مستقيما جدا وهذا ما يجعل من الصعب بل من المستحيل عليه أن يفهم كيف لأب آخر أن يسمح للأمور أن تصير بهذا السوء ، أن يدع أسرته تتحطم إلى أشلاء مبعثرة ،
كان يهز رأسه الآن في أسف كأنما ليؤكد توقعاتها.
بشبح ابتسامة حانية غادرته عيناها لتتفحص وجوه إخوتها ، و مثلها تماما لم يكونوا يشاهدون بالفعل ، فقط بعض النظرات اللامبالية إلى الشاشة من وقت لآخر و بعض الضحكات من تعليقات أمهم ولكن فيما عدا ذلك كانوا منسحبين بعمق ، كل منهم منغلق في عالمه الخاص به .
شقيقها الأوسط عصام كان منجذبا إلى لوحته الرقمية مثل ما يفعل دائما ، يشاهد بعض مباريات كرة القدم التي لا تنتهي ربما الدوري الانجليزي ، الدوري الإسباني أو حتى الدوري الأسترالي ومن وقت لآخر كان يستقبل كلمات من خطيبته و على شفتيه ترتسم ابتسامة معينة ، نوع الابتسامات التي يخص بها الرجال حبيباتهم ولكنهم لا يظهرونها أبدا لأخواتهم .
شقيقها الأصغر سامح كان مثل معظم شباب هذا الجيل ، لا يكاد يبدأ في فعل شيء ما حتى يمل منه ، في المدة القصيرة التي حطت بنظرها عليه كان قد كلم عشرة من أصدقائه و شاهد عشرة فيديوهات على جهازه ثم علق عشرة تعليقات مقتضبة على المباراة التي يشاهدها أخوه و أخيرا عندما شعر أنه قام بواجبه تجاه أفراد أسرته قام واقفا في كسل و قال في ملل جملته التي صارت كشعار خاص به :

- أنا خارج

و بسرعة تفوق سرعة استيعابهم كان قد قرن القول بالفعل و صفق الباب في وجه الأسئلة المعتادة :
إلى أين ، مع من ، متى ستعود؟
و مع صوت الباب ارتفعت جميع الرؤوس في اتجاه واحد و بنظرات مخلتفة .
جميع الرؤوس ما عدا رأس شقيقتها الصغرى ، فرح ، آخر العنقود ذي الثمان حبات ، طفلتهم جميعا فكلهم راقبوها تولد و تحبو و تتمتم بأولى كلماتها ، طفلة تحدت المواقيت و الجداول و أتت في غفلة من الزمن و ظلت تعيش في غفلة من الزمان و المكان فلم تكن فقط منغمسة في عالمها الخاص بل كانت تبدو معظم الوقت كأنها في كوكب آخر .
كما هو حالها الآن و هي منغمسة بذاتها ، بكلها في تنظيف و تقليم و طلاء أظافرها .
فتاة حقيقة ذات عشرين ربيعا كما يقولون ، فهكذا كانت حياتها في كنف أسرتها ربيعا تلو الربيع ، حتى العواصف الرعدية التي كانت تمر عليهم من حين لآخر احتمت منها خلف ظهور والديها و إخوتها الأكبر منها .
كم كانت مختلفة عنها في سنها مع أنهما تبدوان متشابهتين فليس من يختبأ من العاصفة كمن يواجهها عاري الصدر.
في تلك اللحظة التفت إليها والدها و شيء من القلق يلقي بظلاله على تقاسيم وجهه .
كانت الحلقة قد انتهت كما تنتهي زوبعة في فنجان دون أي أثر حزن في قلب واحد ، فقط تصفيق الجماهير التي تبدو سعيدة بسماع أقصوصة تعيسة أخرى .
و مرة أخرى يعيدها إلى واقعها و هو يقول بصوته الهادئ يسألها و يعاتبها :

- هل يعجبك هذا الحال يا ليلى
- طبعا لا يعجبني يا بابا ، لكني أكره أن يلوم المجتمع المرأة و يتسامح مع الرجل كأنه طفل صغير لا يعرف ماذا يفعل
- لأن الرجل يظل رجلا حتى لو أخطأ يا ابنتي .
- لا يظل رجلا إلا لأنكم لا تصمونه بنفس الوصم الذي تصمون به المرأة .
أشاحت بوجهها قليلا لتخفي استياءها من هذه الرؤية القديمة المتجددة فشاهدت ابتسامة صغيرة متسلية ترتسم على شفتي فرح الجميلتين .

- ما الذي تدعين إليه إذن ؟ تساءل والدها ثانية ، أن تصبح المرأة كالرجل .
- بل أن يصبح الرجل كالمرأة يا بابا ، يخطئ فيتحمل مسؤوليته و يعاقب .
- و مع ذلك أرى أن العقوبة على المرأة يجب أن تكون أشد لأنها في أغلب الحالات تكون السبب في وقوع الرجل فيما حرّم الله .
- و من وراء ذلك النوع من النساء يا بابا ؟ أليس رجلا تخلى عن دوره في أن يكون رجلا ؟
- ليلى ، اسمعيها مني يا ابنتي و لا تصدحي بأرائك هذه أمام أي كان ، قد يفهمك الناس خطأ .
- منذ زمن طويل و أنا لم أعد أهتم برأي هذا المجتمع الناقص يا بابا .
ما دمت أرضي ربي و لا أقوم بما يعيبني فليفكروا كيفما يريدون .

رأت انشغاله عليها في نظراته و هو يجيبها متنهدا :
- لله دواخل الأنفس يا ليلى و للناس المظاهر ، هل تفهمين يا ابنتي ؟
- أفهم يا أبي ، قالتها لتريحه .

فهكذا كانت خاتمة كل نقاش مع والدها .
أفهم يا أبي ، حاضر يا أبي ، نعم يا أبي .
و كعادته في كل مرة هز رأسه مرتين في شيء من الرضا ثم صمت .
لم تكن تلومه على تحفظه و تزمته في كثير من الأوقات فكونه أبا لخمس بنات ، خمس مصيبات في الانتظار ، خمس فتيات شابات في زمن أصبح فيه السيطرة على فتاة شابة أصعب من السيطرة على سيارة في طريق مزلق ، كل هذا جعله بالتأكيد يشعر كأنه يلعب لعبة الروليت الروسية ، في أية لحظة ستكون هناك طلقة مميتة تمزق شرفه ، فقط هو لا يدري متى و مِن مَن .
ابتسمت من أفكارها و زادت ابتسامتها اتساعا و هي تشاهد فرح تتأمل يديها المرفوعتين أمام وجهها باستحسان .
كانت تبدو و كأنها حلت كل مشاكل الدنيا و بما أن أظافرها صارت مثالية فكل شيء آخر صار مثاليا ، فلا مجاعات و لا حروب و لا كل كوارث هذا العالم بإمكانها أن تفسد هذه اللحظة عليها .
كم هي محظوظة أختها بسطحيتها ، أما هي فكتب عليها أن تغوص دائما في العمق .
.
..


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس