عرض مشاركة واحدة
قديم 14-09-18, 07:56 PM   #14

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

بعد ساعات ، في قلب الظلام ، أدلت ساقيها إلى الأرض بتنهدة استسلام و جسدها يستدير مفلتا من أحضان السرير الواسع .
طوال ساعة كانت متمددة تنتظر أن تغفو و النوم يتجاهل نداءها .
غادرت غرفتها بهدوء تام ، رأت نورا خافتا يتسلل من الدور السفلي ، بدأت تنزل ببطء و رغم ذلك خدعتها إحدى الدرجات كالعادة ، آلمتها الارتكازة المفاجئة على ساقها اليمنى.

- آي ، تأوهت بصوت بدا عاليا في سكون البيت.

بعد لحظة ارتفع صوت أمها متسائلا :
- هل هذه أنت يا ليلى ؟

" و من يكون غيري " ، تمتمت لنفسها بصوت خاف . تبعت الصوت في استغراب ثم قالت ما إن دخلت المطبخ :
- ماذا تفعلين هنا في مثل هذا الوقت يا ماما ؟
- كما ترين أجهز الخضار للمحشي

و هذا بالضبط ما كانت أمها تفعله طوال الوقت : تقوم بحشو الأشياء بأشياء أخرى ، حشو الوسائد ، حشو البطاطس ، حشو العقول ، هذا كان مبدأها مادام الشيء قابلا للحشو فلنفعل ذلك قبل أن يسبقنا أحد إليه .
- تريدين أن أساعدك في شيء ما ؟
- بعد أن أوشكت على الانتهاء ؟ كلا شكرا .
لماذا لم تنامي؟ سألتها بعد قليل من الصمت .

وضعت ليلى يدها على بطنها و هي تقول بتأفف ملول :
- معدتي لم تشأ أن تتركني في سلام .

رفعت السيدة جميلة عينيها في نظرة تقييمية لجسد ابنتها الذي لا تظهر عليه آثار النعمة ثم قالت بجفاء :

- ربما تنتقم منك لأنك تقتلينها جوعا بالنهار .
- رغما عني يا أمي ، كل يوم تتكوم علي أكداس و أكداس من العمل لدرجة أني أنسى أحيانا أن أتناول غدائي

سمعت معدتها تصدر صوتا معترضا آخر فقامت تفتح الثلاجة تقلبها ببصرها تبحث عن شيء يؤكل بسرعة و يُشبِع بسرعة.
للحظة أو اثنتان ظلت السيدة جميلة تتأمل ابنتها في صمت تشغله ألف فكرة ثم عادت يداها إلى تقطيع خضارها بثبات و سرعة كانا ليجعلا أصابع أي امرأة أقل خبرة تتقافز مع ما تقطعه.
ها هي تجد أخيرا الفرصة لتناقش ابنتها في الموضوع الذي انتظرت طويلا لتفاتحها فيه. و أين ؟ في المطبخ ، قدس الأقداس كما تسميه بناتها سخرية . نعم هي لا تنكر أن المطبخ هو مكانها المفضل في البيت لأنها على الأقل ، بين قدرها و نارها ، كانت تفهم كل شيء .
تضع مقاديرها بنفس الطريقة في كل مرة و كل مرة تكون النتيجة مرضية لها و لأفراد عائلتها.
خارج المطبخ لم يتم الأمر بنفس السلاسة ، مع أنها وضعت نفس مقادير التربية : كوبا كبيرا من الحزم ، ملعقة كبيرة من الأخلاق و مراعاة التقاليد و لم تنس أن تضيف بعض رشات من الحنان عندما يكون مستحقا.
نفس المقادير و رغم ذلك كم كانت مختلفة النتيجة بين أبنائها ، ففيما عدا ابنها المغترب و ابنتيها الأكبر سنا خيب الآخرون كثيرا من توقعاتها و عجزت عن تحضيرهم كما كانت تحب و تشتهي و خاصة ليلى ، خاصة ليلى.
أخيرا أبعدت الخضار المقطعة عن متناول يديها ثم قالت لابنتها بعد تنهدة عميقة :

- أتعلمين ما أكثر شيء أتمناه من هذه الحياة يا ليلى ؟
- أكيد أن يتم إلغاء المحشي من قائمة الطعام .

تنهدت أمها مرة أخرى و هي تهز رأسها بأسف على حال ابنتها ثم قالت كأنها لم تسمعها :

- لا أريد سوى أن أراك مستقرة في بيتك ، سعيدة مع زوج يرعاك

هزت ليلى كتفيها و هي تقول باستخفاف :

- و من قال أني أحتاج إلى زوج لأكون سعيدة ؟ صدقيني أستطيع أن أكون في منتهى السعادة فقط حين يخطر لي
- و لكن لا يمكنك أن تستمري هكذا يا ليلى
- هكذا ماذا يا أمي ؟

انتشر صمت ثقيل متوتر ليحيطهما حتى سمعت نفسها تقول ببرود :

- تقصدين مطلقة ، قوليها يا أمي ، ليست عيبا كما تعرفين

بمرارة رفعت إليها أمها عينين دامعتين غاضبتين و هي تقول بصوت مبحوح :

- قولي هذا للناس ، للجيران ، للأقارب و لكل الشامتين

للمرة الثانية هزت ليلى كتفيها قبل أن تقول باستخفاف أكبر

- لا يهمني الناس
- نحن نعيش بين الناس
- و إن يكن

صمتت السيدة جميلة قليلا ثم قالت تلقي بقنبلتها

- أم وليد اتصلت و تريد منك أن تعودي لابنها

ظلت تنظر إلى ابنتها متفحصة تنتظر صيحة استنكار أو نظرة استغراب أو أي تصرف آخر يدل على الرفض لكن هذه الأخيرة استمرت تمضغ طعامها بتمهل كأنها لم تسمعها أصلا . فتحت فمها لتعيد ما قالته حين سمعتها تقول بلامبالاة :

- المسكينة ، كيف أجبتها ؟
- أخبرتها أنك ستفكرين في الأمر
- أخبرتها ماذا ؟ قالت وهي تدفع الطعام عنها بغضب

بغضب أشد ردت عليها أمها و هي تضرب بقبضتها على الطاولة :

- إياك أن تنظري إلي هكذا يا ليلى و إياك أن ترفعي صوتك حين تتحدثين إلي

تنهدت بعمق لتواصل بصوت أكثر هدوءًا :

- لايوجد ما يدعو إلى عصبيتك، نحن فقط نتحدث في احتمالات ، لم نغصبك على الموافقة عليه من قبل و لن نقوم بغصبك الآن على الرجوع إليه.
- نعم إحقاقا للحق لم يجرني أحد من شعري و يجبرني على القبول و لكن ماذا عن تنهداتك العميقة كلما رأيتني ، ماذا عن كلامك الذي لا ينتهي عن أختي سلوى الأصغر مني التي تزوجت و على وشك الولادة أنا بينما أنا أختها الأكبر لم أرتبط بعد و ماذا عن خطابك المتكرر عن الفرصة التي لا تأتي إلا مرة واحدة و عن القطار الذي سيفوتني و و و

صمتت قليلا ثم قالت :

- نعم بالفعل لم يقم أحدكم بغصبي ، و لكنك جعلتني أشعر أني لن أستحق أن أكون ابنتك لو لم أوافق على ذلك الرجل.
- لا تلوميني على أخطاء الآخرين يا ليلى ، أي شيء قلته و أي تصرف قمت به كان لمصلحتك و أنت تعلمين ذلك في قرارة نفسك.

مدت ليلى يدا منهكة إلى جبينها تشعر ببوادر الصداع المألوف ، نفس الصداع الذي يداهمها كل ما تكلمت أو حتى فكرت في هذا الموضوع ثم وقفت تقول منهية النقاش :

- أنا لا أريد أن ألومك بعد الآن يا أمي ، لذلك هذه المرة سيكون القرار لي وحدي و أنا لن أعود ، ليس هناك ما أعود إليه ، أنا مطلقة أمام الناس و لكن أنا و أنت نعرف جيدا أنه لم يكن هناك زواج ليكون هناك طلاق .

بسرعة تكلمت أمها كأنها تقبض على آخر خيط من خيوط الأمل :

- لكنها تقول أنه تعالج و أنه سيكون كغيره من الرجال و ..

للمرة الثانية تقاطع ليلى أمها بنفاذ صبر :

- و أنت تصدقينها يا أماه ؟! تصدقينها بعد ما كذبت علي وعليك و على الكل و زوجتني من ابنها و هي تعرف أنه ليس طبيعيا .من يكذب مرة يستطيع أن يكذب ألف مرة.
- لا تلوميها يا ابنتي إنها أم ، أي أم كانت لتفعل ما فعلته .

نفس ما قالته لها كاميليا و كأن أمومتها تعطي لها الحق في أن تحطم حياة أي شخص من أجل أن تحاول إسعاد ابنها.
" تريد أن تتزوج يا حبيبي و ماذا في ذلك ؟ فلنبحث لك عن عروس ساذجة ، ابنة ناس ، ماذا يهمنا إن كنت غير قادر على الزواج ، المهم أن تفرح أمك بك و أن تبدو طبيعيا مثل أقرانك. "

تنهدت بعمق قبل أن تقول لأمها :

- و أنا إنسانة يا أمي ، إنسانة كانت لدي أحلام و توقعات. و رغم ذلك كنت مستعدة لأصبر ، لأستمر معه ولكنك لا تعلمين ما فعلته بي تلك المرأة : ستة أشهر وهي تنفث سمومها علي لذلك أرجوك لا تكلميني عنها مرة أخرى ، أنا لن أعود ، لن أعود ، لن أعود
- حسنا ، حسنا ، افعلي ما تشائين ، حياتك و أنت حرة فيها ، قالت جملتها و عادت تولي اهتمامها لخضارها الطيّعة تلمها في وعاء.

أغمضت ليلى عينيها قليلا ثم أسرعت إلى الباب.

- ألن تكملي طعامك؟

أوقفها السؤال و هي على وشك الخروج ، نظرت إلى أمها بكل المرارة التي في الدنيا و هي لا تكاد تصدق أنها لا تستطيع حتى الشعور بها و بكل ما عانته.
لكن السيدة جميلة لم تكن تبدو أنها تعي كنه نظراتها ربما لأنها كانت مشغولة في محاولة هضم خيبة ابنتها الثقيلة.


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس