عرض مشاركة واحدة
قديم 29-07-09, 01:02 PM   #7

na3no3a
 
الصورة الرمزية na3no3a

? العضوٌ??? » 89513
?  التسِجيلٌ » Apr 2009
? مشَارَ?اتْي » 292
?  نُقآطِيْ » na3no3a is on a distinguished road
B11 1ـ في شباك المال

أرغمت نفسها على قول هذا من بين شفتين جافتين ثم ابتلعت جرعة من قهوتها الساخنة، وهي تفكر في أنه لا يعرف أبدا كيف يعيش الجزء الآخر من الشعب.
وظللت عينيها بأهدابها الكثيفة كيلا يرى الغضب فيهما، في السنتين الماضيتين كانت تستلقي في سريرها مفكرة في الحسابات والديون التي لا تنتهي.
كان زواجها كابوسا، لكن موت غراهام بعد حفلة صاخبة كشف عن ديون رهيبة. ولأنها كانت غبية في بداية زواجهما وقعت الأوراق من دون أن تطرح الكثير من الأسئلة؟ والراتب الذي كانت تعتقد أنه منتظم كالساعة، لم يكن له وجود.
ليس هذا فقط، بل استدان من أصدقاء ومن كل من يقبل أن يقرضه نقودا لتمويل عمل فاشل.
أدركت، عندما حملت بابنتها ميلودي، أن ثمة شيء فظيع. العاشق الوسيم الساحر المتألق العينين أيام الجامعة استحال إلى شخص لم تعد تعرفه، لكنها عزت ذلك إلى ضغط العمل، والحمل الذي لم يكن يريده.. فقد حملت بعد معاناتها من التهابات في معدتها جعلت حبوب منع الحمل عير فعالة.. وقتذاك عزت ذلك إلى كل شيء إلا إلى السبب الحقيقي، ولأنها كانت تحبه، كانت تجد له أعذارا.. ويا لها من حمقاء، حمقاء! وطوال هذا الوقت كانت الديون تتكوم، ديون تكافح الآن لكي تدفعها، شهرا بعد شهر.
وكانت ماغي رائعة فقد سامحتها يوم الجنازة بالمبلغ الذي استدانه غراهام منها، ولكن الكثيرين لم يكونوا بهذه الشهامة. كانت كيم ممزقة على الدوام، فهي تريد أن ترتدي ميلودي ملابس حسنة، وتتناول طعاما جيدا، وتعيش في بيئة سعيدة. وقد أخذت تكافح بمشقة لكي تحسن الغرفة الصغيرة التي استأجرتها منذ الجنازة، وكانت الديون تتناقص ببطء لا يصدق.
ـ هل أفهم أن بإمكانك، إذا حصلت على الوظيفة، أن تباشري العمل على الفور، يا سيدة ألن؟
كانت كيم من الاستغراق في مستنقعات الماضي بحيث بدا الارتباك في عينيها وهي ترفعهما لتقابلا عيني كين
ـ نعم... أنا.. آه، نعم
وهزت نفسها إذ عليها أن تتمالك ذاتها وتتصرف كسكرتيرة قديرة.
سألها برقة:" وهل ستقبلين الوظيفة إذا عرضت عليك؟"
حدقت إليه مرة أخرى ومعدتها تتقلص لأنها شعرت بأنه يعبث بها. وهي التي أصبح لديها من ذلك... التحايل، والخداع.. ما يكفيها الحياة بطولها.
ـ آه آسف، كان يجب أن أذكر الراتب قبل الآن
وبصوت بالغ الهدوء ذكر رقما يعادل ثلاثة أضعاف ما كانت تقبضه في شركة كيرتس وبراكلي.
نظرت إليه فاتحة فاها ذهولا، وشعرت بالسوء لذلك. لكن الذهول منعها من أن تفعل سوى ذلك.
فقال بابتسامة ساخرة:" أنا أحب إعطاء الأفضل لأحصل على الأفضل، سيدة ألن. ولكن إذا اشتغلت عندي فستستحقين كل فلس... فأنا أريد ولاءً كاملا، وإخلاصا لا نقاش فيه لشركتي. هل فهمت ما أعنيه؟"
كانت ملامحه ساخرة، لكن كيم لم تكن مهتمة بذلك فقد راح ذهنها يحسب بسرعة ما يعنيه هذا المبلغ لها، فضلا عن السيارة وبدل الملابس.. لكن الوظيفة لم تعرض عليها بعد. وعادت إلى الواقع مصدومة.
ـ أظن.. أظن أنه يحق لك أمام هذا السخاء أن تتوقع التزاما كاملا من سكرتيرتك، سيد كين
ـ أحقا؟ هذا حسن. وأخرا، تقاربت وجهتا نظرنا
كان صوته عميقا هادئا.. مضت لحظة لم تفهم فيها ما يعني بهذه الكلمات. ثم، عندما صدمها ذلك التلميح إلى أن وجهتي نظرهما لم تتقاربا إلا الآن، تورد وجهها.
جالت نظراته فوق وجهها المتورد، وشعرها المكوم فوق رأسها، مبرزا لون عينيها البني الغمق ثم وقف فجأة ودس يدين في جيبيه وهو يستدير لينظر إلى خارج النافذة الواسعة، ثم قال وصوت شارد:
ـ أنت لم تجيبيني عن سؤالي يا سيدة ألن.
ـ لم أجب؟
كان ذهنها يدور. وللحظة لم تستطع أن تستوعب ما يقول.
ـ لقد سألتك عما إذا كنت ستقبلين الوظيفة إذا عرضت عليك
حدقت إلى الجسم الكبير الواقف أمامها، وجزء منها يقر بأنه أحد أطول الرجال الذين قابلتهم في حياتها، وأكثرهم إثارة للاضطراب، ثم وجدت نفسها تقول:" نعم، سأقبلها، يا سيد كين، إذا عرضتموها علي"
جمد لحظة ثم استدار ببطء ينظر إليها وهي ما زالت جالسة.
يا لها من امرأة رائعة الجمال! خطرت له هذه الفكرة فوجدها مزعجة. رائعة الجمال إنما يحيطها حينا جو من الضعف والحذر، وطورا جو من الصلابة الفولاذية. وكان واثقا من أنها كتمت عنه أشياء كثيرة تحاول أن تخفيها. فما قالته جعله يشعر أنها لا تعتبر طفلتها سوى ملحق في حياتها، لكن هذا كان تقويما سطحيا، وهذا ما زاد في انزعاجه.
تبا لكل هذا، فهو لا يعرف شيئا عنها، وحياتها الخاصة لا تهمه. كل ما يهمه منها هو أن تؤدي عملها. ساورته هذه الفكرة فازدادت شفتاه توترا. أي شخص قد يظنه عرض عليها العمل بينما عليه في الواقع مقابلة امرأتين أخريين، إحداهما ستصبح على ما يبدو جين الثانية...
ـ شكرا لحضورك سيدة ألن. وسنتصل بك خلال يوم أو يومين.
كان هذا طردا واضحا فنهضت كيم على الفور، وإذا بها لا تدري ماذا تفعل بكوب قهوتها.
ـ اسمحي لي...
وعندما دار حول المكتب، تملكها التوتر إذ شعرت بنفسها وكأنها قزمة أمام طوله وعرضه. ولكنها لم تتعود هذا الشعور فهي طويلة، وهذا ما جعلها تشعر بالارتباك.
وعندما مد يده يأخذ منها الكوب، حاولت ألا تلامس أصابعها أصابعه. وكان من القرب منها بحيث شمت رائحة عطره الغالي لثمن، فكان تأثيرها في أعصابها الحساسة كافيا لكي تتراجع بسرعة فكادت تقع على الكرسي خلفها.
لو حدث هذا لكان عظيما جدا.. فهو كل ما تحتاجه. أما كان سيعجبه أكثر أن تقع على وجهها أمامه؟ وهكذا وقفت بثبات ورسمت على شفتيها ابتسامة متوترة وقالت بهدوء:" وداعا، سيد كين. سأنتظر اتصالكم"
لكنهما يعلمان بالضبط قراره وتملكتها المرارة وهي تفكر في ذلك بصمت.
ـ وداعا يا سيدة ألن
كانت كلماته لاذعة نوعا ما.. من الواضح أنه لاحظ تراجعها اللاإرادي عن موقفها السلبي فلم يعجبه ذلك.
وزاد شعورها بالبؤس والمذلة من احمرار وجهها.
بدت لها الخطوتان أو الثلاث التي تفصلها عن الباب كأميال، ولكنها أخيرا أصبحت في مكتب جين، وعندئذ تملكتها الحيرة لأن كل شيء هنا بدا طبيعيا. لقد عانت لتوها من أكثر التجارب التي عرفتها في حياتها إثارة للأعصاب بينما جين هنا تطبع على آلتها الكاتبة وكأن شيئا لم يحدث. ووجدت كيم نفسها تنظر إلى جين باحترام جديد وهي تودعها وتهرب إلى المصعد.
ما الذي جعلها تقول إنها ستأخذ الوظيفة إذا عرضوها عليها؟ عندما نزل بها المصعد، نظرت إلى صورتها في مرآة الجدار بذعر. حسنا، إنها تعرف السبب.. إنه المال القذر! وابتسمت بضعف فبادلتها الفتاة القاتمة العينين التي كانت تنظر إليها في المرآة، الابتسام.
وهذا لا يعني أن موافقتها كانت مهمة... فاحتمال تقديم لوكاس كين الوظيفة لها، كاحتمال رحلة إلى القمر.
لم تعرف كيف يستطيع أحد أن يعمل مع مثل هذا الرجل. إنه بارد جدا، وأكثر قسوة وسيطرة من أن يكون إنسانا. لكن المال يقهر. وأغمضت عينيها لحظة تفكر في ما سيحل ببقية ديون غراهام إذا كان لديها راتب كالذي ذكره لوكاس كين. بإمكانها عندئذ أن تنتقل مع ميلودي من هذه الغرفة الشبيهة بالكهف التي أرغمتا على تسميتها بيتا، وهناك أيضا سيارة كما قال.. وسيكون ركوبها ممتعا.
توقف بها المصعد ففتحت عينيها. كفاها أحلام يقظة! دخلت الردهة ثم سارت بعزم نحو الباب البعيد دون أن تنظر يمينا أو شمالا. هذا لن يحدث..
سوف تحصل قريبا على عمل آخر وفي النهاية ستتخلص من هذا العبء الرازح على كاهلها. كما أن لديها ميلودي. وفكرت في وجه ابنتها الصغير الحلو وشعرت بفيض من الحب يغمر كيانها، مبددا كل آلامها. نعم، لديها ميلودي، ومقارنتها بلوكاس كين وكل ملايينه جعلها تشعر بأنها أغنى امرأة في العالم.
***


na3no3a غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس