عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-18, 09:16 PM   #265

Siaa

نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Siaa

? العضوٌ??? » 379226
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,353
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Siaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond reputeSiaa has a reputation beyond repute
?? ??? ~
يجب عليك أن تدرك أنك عظيم لثباتك بنفس القوة،رغم كل هذا الاهتزاز~
افتراضي

*****************************

اليوم وعلى غير العادة... لم تأتي... جاء قبلها للسطح وأنتظر... وأنتظر طويلًا حتى مل... ولم تأتي...
تعجب فهي لم تغب اليوم عن العمل ورآها صباحًا بشكل خاطف... فلمَ لم تصعد كعادتها اليومية...
شعر ببعض الإحراج من نفسه.. متعلقًا بتلك اللحظات التي لا يسرقها من الزمن معها.. والتي تخبره بكم أصبح متعلقًا بشريكة تلك اللحظات...
زفر بغيظ ثم قرر أن يذهب ويرى ما الذي أشغلها عن الصعود.... مر بالكافيتريا متوقعًا أن تكون هناك مع زملائها إلا أنه لم يراها فذهب لقسمها وكان فارغًا.... إلا من هيئة مألوفة جدًا... رامية برأسها على مكتبها وعاقدة ذراعيها بجانب رأسها... وتبدو بأنها تغط في نومٍ عميق...
اقترب منها مأخوذًا ووقف فوق رأسها... يتأمل جانب وجهها المسترخي والذي يخفيه شعرها كظلال ناعمة بنية اللون...
كاد أن يتهور ويلمس شعرها....إلا أنه أبعد يده في آخر لحظة ووضعها بجيب بنطاله....
تحركت أفنان قليلًا ثم عادت للسكون التام مطلقة أنين متوجع جعل تقطيبة قلقة ترتسم بين حاجبيه .... همس يناديها :
"أفنان..."

لم تستجب ولم تتحرك مما زاد من قلقه فأجبر يده أن تتحرك وتهز كتفها بلطف :
" أفنان..."

أعاد هزته ببعض القوة مستمرًا بمناداة اسمها فتحركت هذه المرة وأطلقت تآوه متعب وهي تستقيم جالسة.... هاله أن يرى وجهها متكدرًا متقلصًا من الألم وعندما رفعت عينيها له كانتا ككاسات الدماء....
انحنى عليها قليلًا وهتف باضطراب :
" هل أنتِ بخير..."

هزت رأسها نفيًا وهي بالكاد تفتح عينيها ثم تأوهت مرة أخرى هامسة :
" رأسي يؤلمني... أشعر به ثقيل جدًا... لا أستطيع تحريكه"

أسندت رأسها على الكرسي واغمضت عينيها فبلع ريقه ومد يده بسرعة لجبينها لينتفض من حرارته اللاسعة....
" سآخذك للمشفى...."

همست بشيء لم يسمعه فاقترب منها وقال :
" ماذا..."

" أين هاتفي.؟"

كان الهاتف على الطاولة فاوشك أن يمدها به إلا أنها استقامت ووقفت تترنح وهي تمسك بالهاتف... فاسندها من ذراعها تلقائيًا بينما هي رفعت يدها الأخرى الممسكة بالهاتف ودلكت بها رأسها وبدت كأنها غير واعية لوجوده...
قلبه ترنح مع ترنحها....إنها مريضة.. مريضة جدًا.... وضعيفة جدًا جدًا...
قال بتوتر وهو يجلسها على المقعد :
" أجلسي فأنت بالكاد تسندين طولك..."

لم تعترض ورآها ترفع الهاتف لأذنها وتقول بعد لحظات صمت :
" عمي.. تعال وخذني من العمل... أنا متعبة جدًا.."

أقفلت الهاتف ونظرت له مرة أخرى يسابق احمرار عينيها الدموع التي تغشاهما... ثم همست وشفتيها ترتجف منذرة ببكاء قادم :
" لم يكن عليك رؤيتي بهذه الحالة..."

عبس ولم يعجبه كلامها وقال بإصرار متجاهلًا الرد على ما قالته :
" دعيني آخذك للمستشفى تبدين متعبة جدًا..."

رأى تلكما العينين تحدقان به وتكادان تخترقانه بنظراتهما الضعيفة بينما تقول بيأس :
" من أنت لتأخذني!... لماذا تصر على اقتحام حياتي بهذا الشكل...أنا لا استحق... أنت لا تعرف شيئًا... وأنا لا استحق..."

كانت تهذي... الحرارة تلعب بها وتجعلها تقول كلام لم يفهمه ولم يكن مركزًا على أن يفهمه وهو في خضم قلقه عليها.... نظر لباب القسم يطمأن أن لا أحد أتى بعد ثم التفت لها وهو يقول بإلحاح :
" لنذهب... "

لم ترد عليه بل ألقت رأسها مرة أخرى على المكتب في بتجاهل لطلبه وهمست :
"سيأتي عمي.."

ضرب قبضته بكف يده اليمنى بعجز وقال بحدة :
" سيغمى عليكِ..."

" اذهب لعملك سيد عامر.. لا أريد أن أشغلك..."

وكأنها بهذه الجملة تصد أي محاولة له بالاقتراب.... لا يدري ما بها... ولا يدري لمَ تريد الابتعاد والانزواء وحيدة... عنه.... هم ليعترض لكن رنة هاتفها أوقفته... فصلت الخط ووقفت تمسك بحقيبتها وقبل أن تتجاوزه قالت بوهن :
" اعتذر عن اضطراري للمغادرة الآن... سأعتبر أنك وافقت عليها..."

قال بنزق وهو يقف أمامها ويمنعها من الرحيل :
" لا تفعلي ذلك أفنان..."

ابتسمت بخفة وكأنها لا تستطيع مد شفتيها أكثر وردت برسمية :
" ربما غدًا لن أتي... أعتذر منك"

ولم تأتي ورغم الأمل الصغير الذي تشبث به لم تأتي.... كان فقط يريد الاطمئنان عليها وهي لم تعطه الفرصة.... طوال يومه الحافل بالعمل وهو يفكر بها... يفكر بأفنان التي تحولت لتصبح شيئًا كبيرًا.... كبيرًا جدًا بحياته...

*************************

لقد عاشت طوال سنوات عمرها العشرين هادئة مطمئنة تحت جناح عمها وتحت مظلة حب معاوية...
في كثير من اللحظات ظنت بأنها ستفقدهم... دائمًا شعور الراحة يعكر صفوه القلق..
قلق من تسرب هذا الاطمئنان من بين اصابعها كالرمال...
قلق من أن تصحو يومًا فتكتشف أن كل ما تعيشه مجرد حلم ناعم محاط بخيوط ماكرة...
لكنها ولا مرة بحياتها تخيلت أن يحصل ما تعيشه الآن...
أن تجد نفسها بعيدة عن عائلتها ومحجوزة لدى رجل لا تعرف من هو وما هي غايته... والأفظع لا تعرف هل ستخرج من عنده أم لا...

" ما رأيك.. جميلة اللوحة أليس كذلك..."

صوته الخشن كان قريبًا من إذنها لدرجة شعرت بأنه يخترقها.... ابتلعت ريقها وتقدمت خطوتين للأمام وهي تمد كفها وتلمس اللوحة بارتعاش...
طفلة صغيرة مبعثرة الشعر...بفستان وردي طفولي وتمسك بيدها دمية قطنية...
الرسمة تبدو وكأنها حقيقية من شدة دقتها.... منبهرة بما ترى همست :
" هل أنت من رسم ذلك..."

ابتسم والأمل المجنون يعصف بعينيه ورد :
" أجل... أنا.."
تتبعت باقي تفاصيل اللوحة بذهول... الطفلة التي تقف ببستان مليء بالزهور وخلفها في نقطة بعيدة مرسوم خيال رجل طويل.... قطبت وقالت بفضول وهي تشير بإصبعها تباعًا :
" من هذه الفتاة؟.... ومن هذا أيضًا.. "

" الفتاة أنتِ... والشاب هو... أنا.."

تسارعت أنفاسها واختلط احساسها وهي تشعر به يقترب منها أكثر مما يجب... انتفضت وابتعدت جانبًا ثم رفعت رأسها تنظر له بنظرات خائفة متوجسة جعلت وجهه يتغير ويسوده الغضب....
هتفت بتلعثم :
" ماذا تقصد... بقولك هذا... "

اضطرت منذ الصباح ومنذ أن ايقظها بطريقة فظة مخبرًا اياها بأنه يريدها الاطلاع على شيٍء ما... مجبرة انصاعت لأمره خوفًا من أن يعود لحالته الجنونية... لكنها لم تتوقع أن يريها هذه اللوحة... بل ويخبرها بوجودها هي وهو بها.... كيف!.... إنها لا تصدقه.... ولا ترغب بتصديقه....

" واضح جدًا...لكنك لا تريدين معرفة الحقيقة خوفًا من اكتشاف أن كل ما كنت تعيشينه زيفًا...."
رسمت تعابير الشجاعة على وجهها وأخفت أي رعب وقلق تشعر به فلا حاجة له الآن... إنها تريد معرفة الحقيقة.. ومعرفة ما يريده هذا الرجل منها... علها تفلح بالخروج من هنا... علها تعود لأهلها ويكون كل هذا حلم... بل كابوس...
لذا قالت بنبرة ثابتة بها لمحة تحدي :
" إذًا أخبرني الحقيقة... من أنت... وكيف تعرفني وعائلتي... أخبرني هيا..."

جاهدت ألا تتغضن ملامحها هلعًا... مجرد الشعور بأن هناك شيء غامض بحياتها يخفيها... يجعلها تكاد تصاب بالجنون...

قال غسان وهو يضع عينيه بعينيها وبنبرة بها حنين :
" كنت شابًا مراهقًا وكنتِ طفلة بالسادسة....تزورنا والدتك كثيرًا لأنها صديقة والدتي المقربة...."

ثم سكت فجأة وتقوست عينيه بضحكة خافتة وهو يقول بحماس غريب :
" كنتِ تحبينني.. تلعبين معي دائمًا وتطلبين مني الهدايا.... كيف لا تتذكريني... هذا مستحيل صحيح.... أنتِ تتذكريني أليس كذلك "

رجعت بخطواتها للخلف بعيدًا عنه واحنت رأسها وهي تهمس بصوت بالكاد خرج منها :
" أكمل أرجوك..."

لا بأس غسان... لا بأس.... قل لها كل ما حدث وهي ستتفهمك وستتذكرك... لا بأس....
هذا ما كان يطمأن به نفسه قبل أن يتابع سرده لقصة قصيرة... لكنها موجعة بتفاصيلها... وأثرها بقي بروحه وجسده للحظة هذه :
" في يوم لم تأتي مع اهلك ... وعندما سألت عنك أخبرتني بأنكِ ذهبتِ لبيت عمك.... انزعجت وقتها... وذهبت لغرفتي.... وبينما أنا أنا خارج انطفأت أضواء المنزل فجأة.... وأنا.. وأنا"

اندفع بسرعة وامسك كتفيها يهزهما بانفعال شديد بينما عينيه تتوسلانها التفهم... تتوسلانها المغفرة هاتفًا بنبرة مجروحة :
" لم أقصد ما حدث... كنت أريد معرفة أين العطل... فتوجهت لعداد الكهرباء.... شمس أنتِ تصدقينني أليس كذلك.... لن أكمل إلا أذا قلتِ بأنك تصدقينني"

رأسها كان يتحرك للأمام والخلف كالدمية من فعل هزات يديه العنيفة... مغيبة أومأت بعدم إدراك ليبتسم ابتسامة ملهوفة وعينيه تغشاها أثر الموقف القاتل.. والذي اجهز على جميع مشاعره ولم يترك له إلا شعور واحد يكنه لشمس :
" حصل تماس كهربائي... وهبت النيران بوجهي... أنظري.. أنظري إلي ... لقد احترقت ولم استيقظ إلا وأنا بالمستشفى ليفجعونني بخبر وفاة الجميع..... الجميع توفي بسبب احتراق البيت.... وبقيت أنا وأنت وحيدان.... شمس..."

شعور طفيف بعيد بذراعيه تطوقانها لكن وكأنها أصيبت بالشلل.... الصدمة أوقفت كل عصب في جسدها عن إبداء ردة فعل معينة..... سمعته يبكي ويهمس باسمها لكن لا شعور....
وفجأة ومضة ذكرى عصفت بعقلها... ذكرى بكائها.... بكاء طفولي متألم لم يكن يدرك معنى الموت..... تقف عند شباك بيت عمها وتنادي والدتها... تنادي والدها لكن دون إجابة.... يد حنونة تلمس كتفها وصوت ابوي عطوف يصلها :
" صغيرتي شمس... لا تبكي... أنهما عند الله... مؤكد سيكونان سعيدان.. أما إذا بكيتِ فسيحزنان جدًا.."

اقترب منها طفل في التاسعة يحمل ملامح معاوية... لكنها أرق أكثر... ثم عانقها هامسًا ببراءة :
" لا تبكي شمس.... لا أحب أن تبكي..."

سارعت لتطلق أنفاسها التي شعرت بها كأنها أيدي تحاول خنقها ثم اهتاجت... وهي تحرك جسدها بارتجاف عنيف تبعد تلك الأيدي عنها صارخة :
" أمي... أبي...أمي.... لا... لا"

صرخت بجنون.. وضربت يداه التي تحاول احتواء ثورتها ثم تحركت يمينًا ثم شمالًا وهو يلحق بها حتى وصلت باب البيت.... شدت اكرة الباب بعنف إلا أنه لم يفتح.... بينما أخذ يهتف بقلق :
" شمس... شمس.. اهدأي..."

تلوت حتى لا يلمسها مزمجرة بوجه منتفخ انفعالًا :
" ابتعد... لا تقترب مني... ابتعد..."

وقف يشاهد جنونها بعجز تام... ثم ابتعد للخلف هامسًا :
" حسنًا... حسنًا ها أنا ابتعدت..."

وعوضًا عن أن تهدأ تابعت صراخها وخبطها على الباب بجنون :
" أنت كاذب.... كاذب... أنا لا أصدقك... عمي أخبرني بأنهما توفيا بحادث سير... هو لن يكذب علي... ارجعني لعائلتي... لا أريد أن أبقى معك.... ارجعني لهم فأنا لا أعرفك... لا أعرفك... "

أي هدوء قد قرر أن يتحلى به طار أدراج الرياح مع كلماتها التي أثارت شياطينه فتوجه إليه قابضًا بكفيه على وجهها الثائر مما جعل حجابها المرتخي يسقط عن رأسها ويظهر شعرها الأسود من خلفه.... ثم زأر :
" أنت لن تختفي من حياتي... لقد انتظرتك لتكبري... تحملت غيابك وتحملت خبر خطوبتك ممنيًا نفسي بقرب اللقاء بيننا... والآن تريدين الذهاب.... هذا حلم مستحيل تحقيقه.... مستحيل... هل تفهمين..... أنت لي.. لغسان فقط... افهمي ذلك..."

تفرس بملامحها بنظرة بنظرة مختلفة.. بينما هي تحاول التخلص من قبضته... وبهوس اقترب من وجهها بنية معروفة ومحددة.... ليشحب وجهها ويزداد تحركها قوة تحت مسكته العنيفة :
" ابتعد... ابتعد... "

" شمس.. شمس "

كان يهمس مغيبًا وهو ورأسه يقترب منها فلم تجد إلا أن تحرك رأسها يمينًا وشمالًا ودموعها تسيل على خدها كالأنهار...
رفعت قدمها وبكل قوتها ضربت بها قصبة ساقه لتفر من أمامها فور أن تراخت يديه عنها وتذهب للغرفة خاطفة المفتاح من الباب وتدخلها وتقفل الباب عليها بأحكام....
تهاوت على الأرض وصراخه الغاضب يصلها ودفعاته الثائرة من خلف الباب تضرب ظهرها... وبعد فترة هدأ تمامًا وجزمت بأنه ابتعد.... لتهتف بعدم تصديق وبانهيار :
" لا يمكن أن يكون ذلك صحيحًا.... أمي.. أبي... ليس صحيحًا أليس كذلك.... عمي لم يكذب علي... وأنتما لم تموتا بهذه الطريقة.... أليس كذلك..... أخبراني...."

ازدادت شهقاتها لتنتبه لوشاح رأسها المنحسر... أمسكته بتعثر ولفته كيفما كان ثم ضمت ذراعيها لصدرها هامسة بمناجاة :
" معاوية... "


يتبع...



التعديل الأخير تم بواسطة Siaa ; 04-10-18 الساعة 09:34 PM
Siaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس