عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-18, 12:11 AM   #1749

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي

مساء اليوم التالي

دخل أكمل المنزل شاعرا بضيق غريب ورغبة برؤيتها فقط .. هكذا هو الشوق بعدما أحاط بهم خطر الابتعاد بالأمس ثم تباعدها عنه اليوم صباحا ..
بعد أن عاد مساءا بالأمس مر الأمر وكأن لم يكن شيئا فجهزت لهما العشاء ثم ناما مبكرا وكل منهما يولي الآخر ظهره حتى شعر بها تلمس جرح أظافرها بجانب رقبته فاستدار ينظر إليها عتابا لم يقل عن عتاب عينيها له ..
لكنها أغمضت عينيها وهى تندس بحضنه بصمت فيستقبلها صدره بترحاب الشوق وتسامح العشق ..
صار يعرف شمس جيدا ..
شمس امرأة تعاقب بالاحساس بالذنب .. قسوتها تكمن في قدرتها على إيذاء نفسها كي تمزق الآخرين ندما .. تحتمل لأقصى درجة من عذاب النفس فقط كي تنتقم ممَن أذاها بنظرة ..
يبحث بعينيه عنها حيث بهو المنزل الخالي ثم غرفتها المظلمة ثم يتجه يمينا ويدخل الغرفة التي تحب مشاهدة التلفاز بها أمام المدفأة الحجرية ..
وسط الضوء الخافت تمر عيناه من الأريكة البيضاء إلي الكراسي المتباعدة فلا يجدها ثم يتقدم خطوات للداخل على البساط الأنيق بلونيه الأبيض والأسود ينظر يمينا فيرتاح قلبه أخيرا ..
أمام المدفأة نائمة أرضا ورأسها على إحدى الوسائد العريضة الملونة .. يتقدم أكمل باتجاهها منتبها لبعض الأوراق المتناثرة جوارها حتى جلس أرضا بحذر مبتسما يتأمل ملامحها ..
شعرها البني مفرودا على الوسادة فتنام أطرافه الطويلة أرضا كطرفيّ مبذلها المفتوح بلون السكر .. ليظهر قميص نومها الذهبي الطويل محددا جسدها كاشفا ساقها بفتحته الجانبية ..
عيناها مظللتان بلون ذهبي خفيف محددتان بالأسود كرموشها وشفتاها بلون خمره الخاص بها هى ..
تتسع ابتسامته وهو يمد يده لذقنها لامسا شفتها السفلى بإبهامه .. كانت بانتظاره .. تزينت لأجله .. ولو تعرف كم تروي ذلك العطش بداخله كلما يراها ومنذ اللحظة الأولى ..
كان تآلف أرواحهما موجودا منذ البداية لكن لم يستطعا توصيفه أو شعوره إلا بمرور الوقت ..
كيف سامحته وكيف سامحها وكيف مر الأمر ؟.. لا يهم .. هى هنا .. وهو هنا .. وهذه هى الحقيقة الثابتة بهذه اللحظة ..
تتململ شمس تثني ساقيها فيتراجع قميصها أكثر حتى ناداها بصوت منخفض :

" شمس "

ببطء تفتح عينيها تزفر نفسا ضائقا ثم تستوعب وجوده فتنهض جالسة على الوسادة تغطي ساقيها وهو يسأل بهدوء :

" لماذا تنامين هنا ؟! "

تمرر أصابعها بشعرها ترجعه للخلف وهى ترد بصوت مبحوح قليلا :

" كنت اقرأ أوراقا هامة وغفوت "

تتماوج خصلاتها بين يديها فتتماوج دقات قلبه بجمالها الليلة .. جميلة اللون الذهبي .. جميع درجات الشمس تبدو عليها حكاية أنثوية بإمكانيات فتاكة ..
ناظرا للقميص الذي اختاره بنفسه من لندن يعيد عينيه لعينيها المكحلتين يقول بابتسامة حنونة :

" هيا لتنامِ وتنهيها غدا "

تجمع شمس الأوراق وترتبها وهى ترد دون النظر إليه :

" لا لن ينفع .. لابد أن أنهيها اليوم "

تتلاشى ابتسامته قليلا وملامحها تبدو متضايقة مشغولة الفكر فيهز رأسه بتفهم قائلا وهو ينهض :

" كما تحبين "

تراقبه يغادر الغرفة فتلقي نظرة على الأوراق ثم تضعها جانبا وتنام مجددا على جانبها واضعة رأسها على الوسادة تنظر للمدفأة بوجوم .. قبل أن تغفو عيناها مرة أخرى تعبا من كثرة التفكير.


بعد دقائق يدخل أكمل الغرفة وقد أخذ حمامه وبدل ملابسه لبنطال أسود بيتي وكنزة نبيذية داكنة خفيفة منتصفة الأكمام .. حاملا بيده صينية مستطيلة عليها وعائين صغيرين من المثلجات وكوب من عصير الفواكه ..
تتوقف خطواته مبتسما وهو يجدها نائمة مجددا فيقترب منها يضع الصينية أرضا ثم يعدل الوسائد ويجلس على واحدة جوارها يمرر يده بشعرها حتى فتحت عينيها واستدارت على ظهرها ..
تنهض شمس جالسة وهى تتثاءب فيمد لها كوب العصير قائلا :

" لم أرد أن أعد لكِ قهوة أو شاي حتى لا تسهرين أكثر .. العصير سيفي بالغرض حتى تنهِ أوراقك "

تأخذ كوب العصير من يده ثم تهم بالنهوض وهى تقول :

" سأكمل بغرفتي "

أمسك أكمل ذراعها يثبتها مكانها يفتح طريقا للوصول إليها :

" لم يعد هناك غرفتي وغرفتكِ .. صارت غرفتنا "

ترد شمس باعتراض وهى تضع كوب العصير أرضا :

" لابد أن أنهي أوراقي وغدا ورائي يوم طويل بالكلية .. لن ينفع اليو .. "

يسارع أكمل بتكميم فمها يقول بحنق مصطنع :

" هششش .. لا تنطقيها .. صرت اتشائم من هذه الجملة !! .. يكفي لندن وما قبلها ! "

تبتسم باشتياق تحت يده ناسية أي غضب منه قبل أن يبعد يده ببطء ثم يأخذ وعاء المثلجات يتناول منه فتهز كتفها قائلة بلا مبالاة ماكرة :

" في لندن أختك كانت السبب .. لم تكن تتركك لحظة واحدة ! "

ينظر لها بطرف عينه رافعا أحد حاجبيه يذكرها بما حدث بلندن فتخفض شمس عينيها تأخذ كوب العصير تشرب منه بصمت ..
منذ الأمس وهى تفكر حتى وصلت لنتيجة أرضتها .. قد يكون استغل الفرصة لمصلحته لكنه لم يخطئ .. تزوجها رسميا ثم طلقها قبل أن يبدأ معها ..
وما يرضيها حقا أنها أعطت لقلبه عذرا لأنه لم يكن يدق هكذا وقتها .. لم يكن بحياته سوى العمل .. لم يكن بحياته هى ..
أكمل لا يخون .. ولا يستحق بعد كل ما فعله لأجلها أن تعاقبه جفاءا لا ينتهي ..
لحظات مرت حتى أنهت العصير ووضعت الكوب بالصينية فيسأل أكمل بنبرة جادة :

" هل علمتِ أن منصور قُبِض عليه ؟ "

تلتفت شمس إليه متفاجئة تهتف بدهشة :

" ماذا ؟! .. لماذا ؟ "

عيناه تبرقان بلونهما الأزرق الداكن وهو يرد بنبرة غير مكترثة حملت غرور سيطرته :

" أعمال مشبوهة لا تشغلي بالكِ "

ظلت شمس تنظر إليه ترى تلك الهالة الجاذبة حوله تشتد كالأمواج العاتية فتعقد حاجبيها متسائلة :

" وأنت كيف عرفت قبلي ؟! "

التفت ينظر لعينيها فتطالع ملامحه الثابتة وهو يقول باقتضاب :

" عرفت "

أجراس تدق بعقلها وهى تبحث بكل ما حدث ثم تتسع عيناها واضعة كفها على فمها تشهق وهى تستنتج بصدمة :

" يا إلهي .. منصور هو .. مَن فعل ذلك بك ! "

هى السبب إذن ..
تتذكر يوم الحادث وهو ملقى بالشارع بعد منتصف الليل لا يجد مَن ينجده فتلمع عيناها بالدموع وهى تمسك ذراعه تقول بخوف :

" أكمل .. لا تورط نفسك بشئ معه .. طوال عمره مؤذيا لكل مَن حوله "

ابتسم محيطا خدها براحته يرى ذوبان الجليد ودفء الآشعة يعود إليها فيطمئنها بثقته :

" لا تقلقي لم أفعل شيئا .. بحثت فقط "

رغم تصديقها له إلا أن الخوف أقوى منه على القلب .. ها هو قد أخذ حقه .. وتدعو أن ينتهي الموضوع عند هذا الحد فلا يردها له منصور ليعيد أكمل ردها وتظل هذه الدائرة الشائكة.
تشرد عيناها منه فيحرك يده على وجهها هامسا بشوق :

" خائفة عليّ ؟ "

تنظر شمس لعينيه فتؤكدها له دون كلام .. تخاف فيه على أبيها وأخيها وصديقها وزوجها .. وحبيبها .. سندها ونعمة الخالق سبحانه لها ..
فكيف لا تخاف عليه ؟ .. وأي خوف قد يكفيها لرجل مثله ؟..
يراقب أكمل حنجرتها وهى تبتلع ريقها بتوتر فتنزل يده على كتفها يبعد مبذلها قليلا ويسأل بابتسامته العابثة :

" إن طلبت شيئا هل تنفذيه ؟ "

لا زالت شمس مشغولة البال بما صار مع منصور وهى تسأل بجدية :

" ماذا تريد ؟ "

يشتت أكمل ذهنها عن القلق تماما وهو يقربها منه هامسا بأذنها أن ترتدي له شيئا ما من ثياب لندن وبينما يده تداعب حمالة القميص الرفيعة على كتفها كان وجهها يشع سخونة وهو يصف ما سيفعله .. بضمير ! ..
تبعده شمس تزفر بعنف وكلها يتوهج متخيلة هذا الـ .. الشئ الذي يريده والذي لا تعرف إلي الآن كيف ترتديه ومن أي جهة وهو لا جهات مغلقة به ؟!!..
ترجع مبذلها على كتفها وتضمه عليها وهو يضحك ويعود لتناول المثلجات ببراءة قائلة بحنق زائف :

" ألم تكن هذه الثياب لشقراوات لندن .. هكذا قلت لي وأنت تشتريها من تلك .. الشقراء ؟!! "

مجرد كلمة شقراء كانت كفيلة أن تعيد إليها أحداث الأمس مجددا فتتذكر وجدان ووقفتها المتبجحة أمامها لتكسو ملامحها ظلمة نستها منذ أعاد لها بسمتها ..
يضع أكمل الوعاء بالصينية ثم يريح جسده أرضا واضعا رأسه على رجليها وهو يقول متنهدا :

" صاحبات الشعر البني أجمل "

تمرر شمس أصابعها بشعره الأسود الرطب واضعة يدها الأخرى على صدره بموضع قلبه فيمتلئ قلبها حنانا لأجله ..
حين ينظر إليها هذه النظرة فتعرف أنه لم يشبع ولن يشبع منها .. لا زالت ثقتها بنفسها لم تكتمل بعد .. أحيانا تخاف أن يكون حبه عابرا وسيختفي مع الوقت .. أن تبرد اللهفة ويفتر الاشتياق ..
لكنها تعود وتذكر نفسها ماذا كانت تملك قبله سوى الكثير من الأحزان ؟..
والآن بعدما امتلكت فرحها الخاص لماذا تقتله بالخوف ؟ .. فلتعيش هانئة في كنفه وغدا تتركه لله سبحانه يدبر أمره.
تنظر لعمق عينيه فتبتسم شاكرة المولى تعالى لقدرها الجميل وهى تقول بخفوت :

" وأصحاب العيون الزرقاء أجمل "

يرتفع حاجبا أكمل وهو يذكرها بنبرة ذات مغزى :

" آه .. عينايّ الباردتان !! "

تتسع ابتسامة شمس وهى ترد بلؤم :

" مَن قال أني أقصدك ؟! .. قصدت فتيات لندن ! "

لكنه بدا جادا للغاية وهو يضع يده على يدها الموضوعة على صدره يسألها :

" أما زالت عينايّ باردتين ؟ "

تراوغ شمس وهى تبلل شفتيها ببطء :

" جدا "

يمط أكمل شفتيه بغيظ فيعاقبها بجرأة :

" من أين جاءت تلك الحرارة بيننا إذن ؟! .. الغرفة كل يوم تحترق بنا "

تبعد شمس رأسه عن رجليها هاتفة بحنق :

" قوم "

يثبت رأسه أكثر قائلا بعناد :

" تعالي وأنا أقوم ! "

تنفخ وهى تحاول رفع رأسه تقول بحنقها الزائف :

" أففف .. ما بك اليوم تبدو كالطفل المتدلل ؟! "

يبتسم أكمل باستفزاز وهو يرد بوقاحة :

" ألا يعجبكِ الطفل ؟! .. تعالي أريكِ الرجل إذن !! "

رغما عنها ابتسمت وتوقفت عن رفع رأسه فتحاول الطلب بهدوء :

" يا أكمل قوم "

عيناه تحتدان على تلك الشفاه الممتلئة وهى تضم الحروف بإثارة فيخفت صوته متلاعبا :

" قبلة واحدة وأقوم "

لم ينتظر رأيها وهو يضع كفه على مؤخرة عنقها فيقرب رأسها للأسفل يقبل شفتيها بعطشه الدائم ويده الأخرى تعتصر معصمها بلا وعي على صدره ..
متذكرا دقائق الجنون التي جمعتهما بالأمس بين الغضب والرغبة وانتهت بخدش صدره لكنها كشفت له شيئا آخر .. بإمكانه أن يجرفها معه إلي حيث لا تعلم مطلقا العنان لنفسه غير مقيدا بحرص دائم يشتته بعلاقته معها خوفا عليها ..
لم تعد تخشى تلك العلاقة كما كانت .. لم يعد خجلها منه يغلبها بل صارت حرة أن تتمتع لنفسها دون أن تشعر أن الأمر مجرد عادة ..
رفعت رأسها تفتح عينيها ببطء فيبتسم قائلا بعبث :

" غيرت رأيي .. لن أقوم .. طفل !! "

يده تترك معصمها بهدوء مكتفيا بتغطية يدها على صدره ويدها الأخرى ما زالت بين خصلات شعره الأسود ..
تتحسس رطوبة فروة رأسه فتحب هذا الاحساس المنعش وهى تنظر لعلامات أظافرها الدامية على جانب رقبته فتشعر بالذنب لتعود لسؤاله فتجيبه بصدق :

" عيناك حبيبتايّ ... محيطي الغامض الذي يغرقني ولا اتمنى النجاة منه يوما "

تتزايد نبضاته تحت يدها فتتذكر أول يوم رأته .. وبعده .. وبعده .. ويوم الزفاف .. وبعده ..
هل صارت تملك كل تلك الذكريات له ؟ ..
تتذكر حين وصفت عينيه بالباردتين .. وحين شبهتهما بالمحيط .. وحين كانت ترى البحر يلمع تحت آشعة الشمس فتتجسد عيناه بأجمل صورة نهارية ..
وها هى عيناه تتعمق أكثر فيشع منهما وهجا براقا يشق الزرقة واصلا لروحها العاشقة وهى تتابع بحنين :

" ورأيت في زرقة عينيك صفاء نفسي .. دوما كنت أشبه العيون الزرقاء بالبحر .. لكن عيناك أنت ليست بحرا .. بل محيطا .. محيطا غامضا داكنا ... زرقة عينيك الداكنة تشعرني بهذا الغموض الغريب .. وكأنك رجل من وقت آخر ... عيناك تتوهج بلآلئ تبدو كأنها منثورة على صفحة المحيط في شمس النهار ... وتتعمق ليلا فتصبح كالفضاء العريض في ظلام الليل "

هى حتى لا تعرف كيف نست غضبها بين ليلة وضحاها .. كيف تلاشى الغل رغم بقاء الغيرة ؟..
لكنها تعلم أنها لا تستطيع الاستغناء عنه مهما فعل .. ومهما عرفت عنه ..
ومهما كان محيطه ما زال يحمل أسرارا ..
هو روح سكنت داخلها آلفتها فتعودت عليها فعشقتها .. فتوحدت فيها وصارت روحها ..
الآن فراق يُعني .. موتا محتوما ..
ظل أكمل صامتا طويلا ينظر إليها ثم قال بتأثر أجاد إخفائه خلف نبرة المزاح :

" أصبحتِ تجيدين الكلام ! "

تبتسم شمس بضعف وهى تنظر للمدفأة رغبة في رؤية نيرانها ثم تتلاشى ابتسامتها قائلة :

" هل تعلم أن عيد ميلاد أبي الأسبوع القادم ؟ "

ينتبه أكمل لملامحها الغائمة فيقول باهتمام :

" سنذهب إليه إذن وتحضرين له هدية "

عادت ابتسامتها تتشح بالسخرية وهى ترد عليه بما تعرفه جيدا :

" هل تعرف ماذا سيقول ؟ ... سيقول بمَ تحتفلوا ؟! .. لقد كبرت عام "

لذلك لم يحتفل يوما بعيد ميلادها هى أو قمر .. لكنها كانت تحتاج لأحد يقدر ذلك اليوم الذي فتحت فيه عينيها للدنيا ..
لم تكن تريد احتفالا .. فقط ابتسامة لعينيها أنها كبرت عام ودعوة صادقة أن تكون سعيدة بعامها التالي ..
كانت تحتاج أن تسمع تلك الدعوة بأذنيها حتى لو كان يدعو لها بظهر الغيب .. لكنه لم يريحها يوما بدعوة أو ابتسامة ..
ترتفع يد أكمل يمررها بشعرها فيحضره على كتفها قائلا :

" لا يهم .. المهم بداخلكِ ستشعرين بالراحة "

نظرت إليه قليلا تشعر أن مجرد كلامه معها أراحها فتمسك يده التي تتلاعب بشعرها هامسة بابتسامة :

" لا حرمني الله منك "

كانت تحتاج أن يسمعها ويشعر صدقها منها وهى التي صارت تدعوها دائما .. أحيانا أشياء صغيرة تعني لنا الكثير ..
وكان ذهنه يتراخى أخيرا وهو يشعر أن الأمس مضى ولن تحاسبه عليه طويلا ..
رغم ذلك يشعر بها اليوم وببالها المنشغل كأن الأفكار توسوس لها لتفسد سعادتها ..
ترى ذاتها بعينيه كأنها حقا مرآتها حتى سألها فجأة :

" ما حلمكِ يا شمس ؟ "

تبتلع ريقها وهى تتذكر سؤالا مشابها لقمر فترد بلمحة حيرة :

" حلم ماذا ؟! "

غافلا عن الشرارات التي بدأت تومض بعقلها يسأل بجدية :

" أي حلم .. ألم تحلمِ بشئ من قبل وسعيتِ لتحقيقه ؟ "

كان راغبا أن يعرف عله يساعدها بتحقيق شيئا جديا يشعرها بقيمة ما أنجزت .. يمسك بيدها لعبور حاجز القوة ليشعرها بقوتها .. وذلك الاهتزاز بثقتها يمحوه تماما ..
تميل شمس برأسها وهى تترك يده بشعرها تسأله بنبرة حادة قليلا :

" إن أخبرتك ستحققه لي ؟! "

يرد أكمل مباشرة بنبرة قوة نابعة من داخله :

" طبعا .. إن كان باستطاعتي لفعلت كل شئ لأجلكِ .. أريدكِ أن تشعرِ أنكِ قوية وتثقِ في نفسكِ .. وإن عجزتِ عن أي شئ في أي مكان وأمام أي أحد قولي فقط أنكِ زوجة أكمل الفايد وخذي حقكِ من عين أي شخص ولا يهمكِ "

هيبته حاضرة حولها دائما تذكرها بما فات .. أيام خافت منه ومما يمكن أن يفعله .. لأنه نفس الشخص لكن .. لم يعد يحدثها كغريبة بل كجزء من روحه .. لغته الحقيقية الحنونة المخبأة خلف جليد التحكم ..
لكنها ورغم كل امتنانها وعشقها هناك غصة علقت أشواكها تنشب غيرتها فتقول بلوم قاس :

" لكنني لم احلم بشئ ولا أريد شيئا .. مثلا ... مثل قمر "

يدير أكمل وجهه على رجليها نافخا مدركا ما تحاول الوصول إليه .. حسنا .. لم يمر الأمر كليا .. سيظل تأثيره ربما لعدة أيام بهذا الشك ..
تسحب شمس شعرها من بين أصابعه تجمعه في كعكة عالية عشوائية فيعيد عينيه إليه هاتفا بضيق :

" اطلقي شعر.... "

توقفت الكلمة على لسانه وهو يتذكر يوما قالها لقمر واستجابت له .. لو كان يعلم ما فعلها أبدا .. لكن كل ما حدث سببا في هذه اللحظة مع شمسه الآن ..
بعد ما حدث بالأمس وهو يرى هذه النظرة بعينيها كثيرا كأن هذا ما يشغل بالها .. تخبو وتظهر كأنها تقاوم المعرفة ..
لا زالت عيناها تلومه لكنها تضعف قليلا وهى تسأل بنبرة مرتعشة :

" قلت لي قبل زواجنا أن .. قمر .. كانت تتجاوب معك ... كـ... كيف ؟ "

الآن تأكد أن هذا ما يشغل بالها .. قمر ووجدان وغيرها .. محطات عابرة مرت بحياته كأي رجل ..
وكان يرد على محطته الأخيرة والثابتة بحزم :

" شمس .. للمرة الأخيرة أقول لكِ أنها مجرد فتاة قدمت لها عملا .. خرجنا معا مرة نعم .. لكن لم يحدث شئ بيننا .. ارتاحي وانسي "

ربما لأنه يعلم أنها لن تجرؤ على سؤال قمر حين تعود .. لكنه يعلم أن هذا سيظل بينهم طوال العمر .. كيف يمكن أن تمر الأمور بينه وبين قمر كأن لم يكن شيئا ؟!.
تصمت شمس قليلا تلوم نفسها كيف تسمح لتلك الشقراء أن تقلب حياتها وتزرع الشكوك برأسها ؟.. كيف تستجيب لامرأة حقدها يدفعها لتسرق سعادتها ؟..
تطلق نفسا محتارا ثم تسأل بافتقاد رهيب :

" ألم تستطع إيجادها ؟ "

يهز أكمل رأسه نفيا ليصمتا دقائق طويلة حتى أغمض عينيه وهى تحرك أصابعها الرفيقة بشعره وتمر بظاهر يدها الأخرى على جرح رقبته ..
يغلبه النعاس فيريح رأسه على رجليها أكثر ليغفو حتى أطارت النوم من عينيه فجأة :

" أكمل .. مَن زينة ؟ "

شعرت بجسده كله يصطدم بسؤالها فتتصلب عضلاته وتتحشرج أنفاسه المنتظمة قليلا ..
يفتح عينيه ثم ينظر إليها فيسأل بلا أي تعبير :

" أين سمعت هذا الاسم ؟ "

ترد شمس وهى تدقق النظر بملامحه اليابسة :

" أنت قلت لي من قبل أنني وقمر ووجدان وزينة نفس الـ.... "

يضع أصابعه على شفتيها فيقول بفتور :

" لا تجمعي نفسكِ بأحد مجددا "

يا إلهي .. كيف تذكرت هذا الاسم بتلك الكلمات دونا عن كل شئ قاله يوما ؟!..
ظل صامتا قليلا فيشعر بإلحاحها رغم عدم مبالاة السؤال :

" مَن هى ؟ "

بهذه اللحظة أرادت أن تعلم كأنه باب انفتح بالأمس ويأبى الانغلاق .. عقلها يلف ويدور بحثا عن كلمة هنا أو نظرة هناك .. رغما عنها .. تكاد أن تقسم له أن الأمر ليس بيدها ..
ذلك الشك المتسرب همسا كأنه يضع بذوره لغرس قادم يوسوس بأذنها ولا تستطيع إيقافه .. على الأقل اليوم ورائحة الأمس لا زالت عالقة بالذاكرة طازجة وشهية للشك ..
ترى حنجرته تتحرك ببطء ثم يرد وهو ينظر لعينيها مباشرة :

" كانت أول حب في حياتي يا شمس "

صمتت .. هل ارتاحت الآن ؟!..
أم وخزت جسدها بيديها بأشواك المعرفة ؟!..
هل كان من الممكن أن يكون نائما على رجليّ امرأة أخرى لو تزوج بحبه الأول ؟!..
لكنها أرادت معرفة المجهول لأخره حتى لو سيمثل لها عذابا فيما بعد فخانتها رعشة صوتها وهى تسأل :

" وأين ذهبت ؟ "

كان مصرا أن يمشي معها هى طريق لنهايته فيجيبها باقتضاب .. قاتل .. يصارحها مباشرة فيلقي الكلام بوجهها عسى أن تفهم أنه ملكها .. أنه مكتفيا بها ..
لكن هذا الموضوع رغم عدم تأثر مشاعره به أبدا لكنه يؤلم كرامته .. كما آلمها وقتها ..
نفس الألم يتكرر وإن خفت قليلا لكن .. ألف طعنة سكين يشعر بها بجسده بوقت واحد .. هكذا هُدِرَ كبريائه ..
أسبل أهدابه ليخفي عينيه فلا ترى قسوته ورغبة الانتقام تشتعل لكنه يطفئها .. لن يفعل لزينة شيئا .. ليس بعد كل هذا الوقت .. لن يفسد حياتها كما فعلت .. ورحلت ..
تتجسد صورتها بذلك اليوم البعيد أمامه وهى ترحل فيقول بملامحه الغير مقروءة لها :

" تركتني حين رأتني اعمل بمقهى شعبي "

تتسع عينا شمس وهى تهتف باستنكار :

" ماذا ؟! "

أنفاسه تنتظم مجددا وهو يرد بذاك الاقتضاب :

" هذا ما صار "

صمتت شمس عاقدة حاجبيها غاضبة لأجله رغم غيرتها الحارقة ..
أصبحت تعرف أكمل حين يحب .. يعطي كل ما لديه وتتغير لغته لتصبح لها وحدها .. ومؤكد كان هكذا مع تلك الفتاة .. التافهة ..
لم تكن تعرف أنه عمل بمقهى شعبي يوما لكن هذا يبرر لها رغبته بامتلاك الشركة كلها وحده ..
يدها تلامس خده بحنان وخيالها يرسم صورة لها إذا كانت تلك الفتاة .. لكانت تزوجته لتنتظره كل يوم فتمسد جسده من تعب الوقوف طويلا وتحمل عن صدره همومه ..
يبعد أكمل يدها لتحتل عيناه نظرة مخيفة وهو يسأل بنبرة غريبة :

" ماذا كنتِ ستفعلين لو كنتِ مكانها ؟ "

تُفَك عقدة حاجبيها وهى تتبسم بوجهه قليلا فتقول بصدق ما تخيلته دون أن يعلم :

" كنت سأطلب منك الزواج "

ظل ينظر إليها بنفس النظرة للحظات ثم أسبل أهدابه مجددا بلا رد فسألت بقلق :

" ألم تحاول البحث عنها بعدها ؟ "

رفع عينيه إليها فأجفلت من صرامتهما وهو ينهي النقاش بقوله الجاد :

" مَن يبيعني أبيعه يا شمس "

لمعت عيناها فجأة وهى تنظر لهدر زرقة عينيه الهائجة فتتمادى :

" وأنا لو رحلت .. ماذا ستفعل ؟ "

يده أفلتت منه وهو يحاول قتل غضبه بسيرة هذا الموضوع فيمسك معصمها بعنف ليرد بقسوة :

" لو بعتِني سأقتل قلبي بيدي وأبيعكِ "

آلمها ألمه وهى تدرك بطريقة ما أنه لا يكن أي مشاعر لتلك الفتاة لكنه غاضب لكرامته ..
ولا تعلم لماذا تسلل الخوف إليها فجأة فانقبض قلبها لتسأل :

" وإن رحلت دون بيع ؟ "

يده اشتدت على معصمها فتأوهت وهى تنظر لملامحه وكل مشاعره المختلطة بتناقضها تمر عليها .. لا تعرف كيف يملك كل ذلك اللين والعطف وكل تلك الشدة والقسوة معا ؟..
يتخيل الأمر فيحترق صدره ويده تترك معصمها ببطء ليقول بهمس غاضب مشتعل قبل أن يستدير ليدفن وجهه بجسدها يحيط خصرها بذراعه بقوة :

" سأقتلكِ "

ولم تعرف لماذا شعرت فجأة أنه .. سيفعلها ؟!.



....


نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس