عرض مشاركة واحدة
قديم 13-01-19, 10:25 AM   #8

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع




أعادت ميغ السماعة إلى مكانها وهى تتنهد . لقد حاولت الاتصال بزوجة أبيها ثلاث مرات . وفى كل مرة كان الهاتف يبدو مشغولا . وعليها أن تعاود الاتصال فيما بعد .


وفكرت وهى تجيل نظرها حولها فى رفوف الكتب المكتظة بها المكتبة , فى أن مكتبة آل بريسو هذه تستحق هذا الاسم فعلا . لقد كانت الجدران مرصوصة بالكتب حتى السقف . هذا إذا استثنيا الجدار الذى تقوم فيه الأبواب الفرنسية التى تفتح على الشرفة , وكذلك كانت صناديق الكتب موزعة على أرضية الغرفة . وكانت معظم الكتب مجلدة ومؤرخة بتواريخ القصر المختلفة .

مشت نحو أقرب رف , حيث أخذت تتفحص عناوين الكتب . وتملكتها الإثارة وهى ترى محتوياتها عن قرب . وركعت على ركبتيها تخرج المجلدات وتقلب صفحاتها بكل احترام وعناية .

رأت على الرف , كتابا قد توارى وراءه غيره من الكتب . ولما تناولته وجدت أنه مجموعة أشعار فرنسية قديمة , ولكن الطبعة كانت أكثر حداثة من غيرها من هذا النوع من الكتب .

ابتدأت تتصفحه تفتش فيه عن شعر الأوباد الذى سبق وقرأ لها جيروم شيئا منه . ولكن أملها خاب إذ لم تجده فى هذا الكتاب , مع أن أغلب الاشعار الموجودة كانت تتحدث عن الحب . ورغم أن أغلب الكلمات كانت قديمة مهجورة , إلا أن تعابيرها كانت مألوفة , البحث عن حب . الاشباع العاطفى , فقدان الحب , الذى كان أقوي وأعنف تأثيرا من غيره . كان كل هذا موجودا , كانت مشاعر العذاب والشوق التى تتفجربها أبيات الشعر تلك , من الجدة وكأنها حدثت أمس فقط , وليس فى تلك الايام البعيدة من العصور الوسطى .

جاء صوت جيروم من خلفها يقول : " تبدين مستغرقةجدا . "

جفلت ميغ وسقط الكتاب من يدها وهى تستدير إليه . كان واقفا عند الباب يراقبها وقد وضع يديه فى جيبه .

قالت بخشونة : " إنك .. لقد أفزعتنى . "

فبدا على شفتيه التهكم وهويقول : " هذا واضح . هل أنت عصبية دوما هكذا . "

قالت : " ليس هذا من عادتى . "

قال بلطف : " إننى السبب إذن , إنك تحيريننى فقد كنت أظنك أقوي من ذلك يا جميلتى . "

قالت : " إنك , إذن لاتعرفنى . " وعندما رأت ابتسامته تتسع , تتضرج وجهها وتابعت تقول : "أعنى .. على كل حال , لاشئ مهم . "

قال : " ربما كنا نختلف فى بعض الأمور المهمة . "

أجابت :" أظننا نختلف بالنسبة لكل شئ " واستعادت كتابها من حيث سقط . بيد ترتجف قليلا , ثم نهضت واقفة على قدميها وهى تتابع : " حيث أننى أحب الانفراد بنفسى , فإننى أرجو أن تعيد إلى المفتاح الذى سبق وأخذته من باب غرفتى من فضلك . "

قال : " يؤسفنى أن أرفض طلبك هذا . إذ أننى أظن أن من الأفضل الاحتفاظ به معى , وهذا أكثر أمانا إذ أنك بالنسبة إلى طبيعتك المتوجسة أكثر من اللازم , قد يخطر لك أن تقفلى عليك باب غرفتك ,. وهذا شئ بعيد عن الحكمة لأن الأسلاك الكهربائية فى هذا المنزل هى أكثر اهتراء وقدما من كل ما فى البيت , فإذا حدث وشبت النار, فإنك ستموتين حرقا بينما نحن نحاول أن نكسر باب غرفتك ذاك . "

قابلت ميغ تلك السخرية فى صوته بوجه متحجر وهى تقول : "يوجد طريقة للموت أبشع من هذه ."

قال : " لا أظن ذلك . أم أن فكرتك هذه استوحيتها من قراءتك عن مذابح الكاثار ؟ "

ارتعشت بالرغم منها وهى تقول : "آه , لقد قفزت عدة صفحات مخيفة بعد محاصرة مونت زيغر ."

قال : " لايلومك أحد على ذلك ." وسكت لحظة .

ثم سألها : " ماهى الصفحات التى تقفزينها الآن فى هذا الكتاب ؟ "

أجابت : " إنها قليلة جدا . " لم تكن بالطبع تريد أن تخبره بأنها تبحث عن أشعار الأوباد التى سبق وقرأ لها بعضها . وأشارت إلى ما حولها وهى تقول : "إنه الفردوس هنا . وأنا أتساءل عما إذا كانت السيدة تعرف كم تساوي بعض هذه الكتب ."

رفع حاجبيه متهمكا وهويقول : " هل تحسبين الأشياء الثمينة التى يمكن بيعها لتسديد الديون ؟ "

شعرت وكأنه قد صفعها على وجهها . فقالت : " أؤكد لك أن اهتمامى مهنيا أكثر منه شخصيا . "

قال ببطء : " إنك تذهليننى على الدوام يا عزيزتى مارغوت إذ أرى اهتماماتك تنتقل من الكاثار إلى السياسة والآن إلى الكتب النادرة .. أليس ثمة حدود لخبراتك ؟ "

تمتمت وقد احمر وجهها وبدا عليها الشعوربالذنب بعد إذ أدركت أنها كانت على وشك أن تفضح نفسها , وذلك بفضح مهنتها الاًصلية , قالت متمتمة : " إننى لست خبيرة . إن عندى صديق خبير بالكتب القديمة وكنت أساعده أحيانا ."

فقال بهدوء : " يالها من حياة خلابة , حياتك . ما الذى بإمكانى أن أقدمه إليك لتعويضك عن خسارتك تلك , المؤقتة طبعا . "

كان ما يزال يبتسم . ولكن كان ثمة خطوط حول فمه , بينما ملامحه خالية من التعبير . شعرت بالضيق , وأرادت أن تخرج من هذه الغرفة لتنجو بنفسها من قربه الخطر . ولكنه كان يسد الباب بجسمه ومتعمدا أيضا . كما شعرت .

قالت بهدوء : " ليس عليك أن تقدم شيئا . فأنا راضية تماما بوضعى هذا , وبجانب ذلك . فهذا الشهر مخصص للسيدة .. لعمتى ."

قال بصوت اجش : " ما أجمل تفانيك فى واجبك . وآمل أن تكونى ممثلة جيدة يا عزيزتى , لأنك بحاجة لكى تكونى ذلك . "

هتفت والشعور بالذنب يبدو على ملامحها : " ممثلة ؟ ما الذى تقصده ؟ "

وفكرت يائسة فى ما إذا كانت زلة لسانها الحمقاء تلك عن الكتب قد غيرت فكرته عنها , وجعلته يعرف بأنها مخادعة ؟ وإذا كان الأمر كذلك , فما الذى سيقوم به بهذا الخصوص ؟

ومد يده يمسك بذقنها بغلظة , يدير وجهها إليه , وهو يقول مستهزئا : " يا للبراءة التى يبديها تضرج وجهك هذا , بينما نحن الاثننين , نعلم أن براءتك هذه مجرد رياء , أليس كذلك يا عزيزتى ؟ " وانخفض صوته إلى درجة الهمس وهو يتابع قائلا : " ما الذى تفعلينه هنا يا مارغوت ؟ ما الذى أغراك بالابتعاد عن عملك . عن مهنتك العالية وحياتك اللاهية واصدقائك الكثر , وذلك لكي تأتى لتمضى أربعة أسابيع طويلة فى هذه العزلة الريفية هنا ؟ "

أجابت : " لقد أرسلت السيدة تطلبنى . "

ضحك بخفة وهو يقول : " وهكذا تخليت عن كل شئ وكل شخص على الفور . إن الشخص يكاد يظن أنك هاربة من شئ ما . من وضع لم تعودى تستطيعين التحكم فيه . مثلا . "

تراجعت خطوة إلى الخلف وهى تقول : "إن هربى ذاك إنما مجرد تصورات منك أيها السيد , ولا أدرى ما الذى يجعلنى أخضع لكل هذه الأسئلة الدقيقة منك . " وارتفع صوتها قائلة : " إن هذا ليس من شأنك أبدا . "

قال : " إنك مخطئة . ذلك أن كل شئ يؤثر على السيدة مارغريت يهمنى ., فكونى حذرة . "

أطلقت ضحكة سريعة وهى تقول : " تبا , لقد سبقك أوكتافيان إلى تحذيرى , والآن أنت أيضا تحذرنى ., لقد ابتدأت أشعر بالأسف لحضورى , والآن أرجو المعذرة فأنا بحاجة إلى بعض الهواء النقى . "

وتوجهت نحو الباب المؤدى إلى الشرفة راجية ألا يكون مقفلا , ولكن مقبض الباب استدار فى يدها بسهولة , وتبعها صوت جيروم قائلا بخشونة : " وأنا أيضا أشعر بالأسف لذلك , إننى أتمنى من كل قلبى يا جميلتى , لو لم أكن قد قابلتك قط . ولكن الأوان قد فات الآن . "

لم تنظر إلى الخلف . ولكن صدى كلماته ما زالت تلاحقها وهى تخرج إلى الشمس . لقد قال إن الأوان قد فات .. نعم , لقد فات الأوان حقا بالنسبة إليها , وذلك عندما أصبح قلبها أسيرا . بصورة دائمة , لجيروم مونتكورت الذى لم يكن ليضمر لها سوى الإزدراء .

كان الجو حارا والنسيم ساكنا عندما نزلت ميغ من الشرفة إلى الحديقة . ولم يكن هذا المكان ذو الجو الخانق بالذى يصلح لجلوسها , رغم رغبتها فى الانفراد بنفسها , كانت تفكر فى ذلك , وهى تسير مفتشة عن مكان ظليل تجلس فيه .

وبعث فى نفسها الحزن أن ترى الوهن يدب فى هذه الحديقة بنفس النسبة التى يدب فيها في المنزل , وذلك أثناء سيرها بين الأجمات والأعشاب البرية المتطاولة والتى تحتاج كما أخذت تحدث نفسها , إلى جيش لتشذيبها وتنظيمها . واستدارت حول زاوية ثم توقفت شاعرة بالسرور وهى ترى المكان الذى قادتها إليه خطواتها . ذلك أن شخصا ما قد غرس هنا . منذ وقت بعيد ورودا من أنواع ممتازة ما زالت تتذكرها منذ الطفولة , كانت ورودا غرسها أبوها بنفسه فى حديقته وغمرها بحبه , وهويغذيها ويعتنى بها كأحد أولاده .

رفعت ميغ وجهها تنتشق عبير هذه الورود وقد غمرها الحنين . لقد اجتثت ايريس زوجة أبيها كل هذه الورود , بعد وفاته لتغرس مكانها ورودا مهجنة عديمة الرائحة مقاومة لأمراض النباتات , وهى ترد على احتجاج إبنة زوجها باقتضاب : " إن هذه أقل إزعاجا . "

جلست ميغ على المقعد الحجرى وقد عادت بها الذكريات إلى زواج أبيها من ايريس بعد سنوات من ترمله , لقد تزوجها فى خلال أسابيع قليلة من تعارفهما , غامرا إياها بعواطفه المحمومة التى لم تسمح له برؤية عيوبها . وفكرت ميغ بحزن , فى أن شعوره بالوحدة هو الذىجعله يغرق فى حبها بهذه السرعة والعنف , وكان فى هذا درس لها هى أيضا , يجب ألا تنساه مهما كان وضعها .

وحدثت نفسها بأنها هى أيضا , تشعر بالوحدة وجيروم مونتكورت الرجل الوحيد الذى أظهر اهتماما بها . ولكنه إنما كان يسلى نفسه لا غير وعليها ألا تنسى ذلك . فهى ترى بنفسها النهاية التعسة لمثل هذا الحب .

واعترفت بأن ايريس قد أسعدت أباها فى السنوات الأخيرة من حياته , وهذا فقط ما يجعلها شاكرة لها , إذ أن هذه ما ان صارت ارملته ووضعت يدها على أملاكه , حتى تغيرت كليا وقضية المربية والكوخ الذى تريد الآن اخراجها منه متجاهلة وصية زوجها لها , هذه القضية هى مثال لتصرفاتها تلك .

قالت تناجى أباها وقد برح بها الحزن : " آه , يا أبى . لماذا لم تترك هذه الوصية كتابة بدلا من أن تثق بزوجتك إلى هذا الحد ؟ فلو كنت فعلت لما كنت أنا هنا الآن , على وشك أن أصبح محطمة القلب ..."

وغامت أمام عينيها تفاصيل الورود وهى تغطى وجهها بيديها . تنشج بالبكاء كما لم تبك منذ سنوات , ذلك أن الضياع امتزج بإثارة عواطفها من ناحية جيروم .

" مارغريت "

ولأن التفكير فى جيروم كان مستحوذا على كيانها , فقد خالت هذا الصوت من تصوراتها . ولكن اللمسة الخفيفة على كتفها جعلت الأمر حقيقة , ورفعت ناظريها إليه وهى تشهق لتراه , واقفا كتمثال قاتم فى وهج الشمس .

قالت : " ماذا تريد ؟ "

تأملها عابسا وهويقول : " لقد طلبت منى السيدة أن أبحث عنك , ما الذى حدث ؟ هل أتتك أخبار سيئة من بيتكم ؟ "

كانت قد نسيت المخابرة الهاتفية التى فشلت فى إجرائها , فتحركت وهى تزيح يده عن كتفها قائلة : " كلا , لا شئ هناك ."

قال : " ليس ثمة من يبكى بهذا الشكل للاشئ . " وأخرج من جيبه منديلا نظيفا ناولها إياه , ناظرا إليها وهى تمسح الدموع عن وجهها . واشتمت فى المنديل رائحة الكولونيا التى يضعها بعد الحلاقة , وكبحت آهة كادت تفلت منها إذ كانت تدرك أنه يحدق النظربها .

قال بلطف : " لا أظن أنك كنت صادقة تماما معى يا جميلتى . "

وكاد يتوقف قلبها عن الخفقان وهى تقول : " ماذا تعنى ؟ "

فأجاب : " لأنك سبق وقلت ان ليس ثمة رجل فى حياتك فى بلادك . " واشتدت لهجته وهو يتابع : "ولكن هذا كان كذبا , لأن مثل هذه الدموع هى لأجل رجل , أليس كذلك ؟ أجيبينى يا مارغوت , أخبرينى بالحقيقة هذه المرة . "

صعدت إلى شفتيها كلمات تحوى إنكار غاضبا ولكنها سرعان ما ردتها وهى تفكر فى أنه , إذا هو ظن أنها تحب شخصا آخر فإن هذا يمنحها ستارا تتوارى خلفه .. عذرا هى فى حاجة ماسة إليه لكى تبقيه بعيدا عنها .

أبعدت شعرها عن وجهها وهى تنظر إليه قائلة بلهجة واضحة : "نعم . إننى ابكى لأجل رجل أحبه , إننى أعترف بذلك . " ولقد كانت هذه هى الحقيقة على كل حال , وعلى جيروم أن يفسر كلامها هذا كما يشاء فهذا شأنه هو . وتابعت تقول متحدية : " هل أنت راض الآن ؟ "

قال لاويا شفتيه : " طبعا , ما دمت جعلتك تؤكدين لى ما سبق وعرفته . "

قالت : " هل لك أن تتركنى وحدى الآن ؟ "

هزرأسه قائلا : " هذا مستحيل . ونحن الاثنين نعرف هذا . " والتقط كتاب الشعر الذى كان قد سقط منها على العشب بجانبها , وناولها إياها وهو يتابع قائلا : " إن السيدة تريد منا أن نذهب غدا إلى مدينة ألبى , لنسوى مسألة السيارة . "

قالت بحدة : " شكرا , ولكن فى استطاعتى أن أقوم بهذا العمل بنفسى . إننى لا اريد حارسا بجانبى . "

رفع حاجبيه قائلا : " وكيف ستذهبين إلى هناك ؟ "

أجابت : " أظن هنالك مواصلات عامة . "

أجاب : " نعم , هناك باص , ولكن ليس غدا . " فعضت شفتها قائلة : " سأستعمل إذن سيارة السيدة . فإن أحد الأسباب لقدومى هنا هو قيادة سيارتها . "

قال : " نعم هذا صحيح , ولكنى أريد أن أطمئن شخصيا ألى أهليتك فى قيادة سيارتها ."

قالت وهى تهب واقفة : " كيف تجرؤعلى هذا القول ؟ إنك تعلم أن بإمكانى قيادة السيارة , وقد كنت أقود سيارة عندما تقابلنا . "

قال : " كلا , بل كنت واقفة فى الطريق فى انتظار شجرة تسقط عليك يا جميلتى . وهذا لايدل على شئ . إن خالتك إذن تريدنى أن أصحبك غدا لنتأكد من أن كل شئ على ما يرام . والآن إذا كنت لا تريدين مواصلة هذه المجادلة العقيمة . فأنت حرة فى الذهاب إليها . "

وعندما استدارت ميغ مبتعدة عنه . سمعت صوته وهو يضيف قائلا بهدوء : " هذه المرة . "

وفى غرفة السيدة دي بريسو . كانت مصاريع النوافذ مغلقة وسرت ميغ للعتمة الخفيفة التى تسود المكان والتى تستر آثار الدموع على وجهها , وكانت السيدة مستلقية على السرير , مستندة إلى الوسائد خلفها , وقد غطت ساقيها بشال من الحرير . وكانت قد وضعت نظارتها القاتمة جانبا بينما بدا الارهاق على وجهها .

حيت ميغ بابتسامة باهتة وهى تقول : " تعالى واجلسى بجانبى يا عزيزتى . " ومدت يدها تقبض على يد ميغ بشدة هى تستطرد : " إن وجودك هنا حسن جدا إذ منحنا الفرصة لنكون أصدقاء , أليس كذلك ؟ "

قالت ميغ بسرعة : " نعم .. نعم , طبعا . " ولكن شعورها بخداعها اشتد وقعه على نفسها .

عادت السيدة تقول : " إن هذا يجعلنى سعيدة . " وسكتت برهة ثم استطرد قائلة : " إن جيروم كان متشككا بالطبع , بالنسبة لطريقة حياتك فى انكلترا , والفرق بين عمرينا وقد شعر أنه كان على أن استشيره قبل أن أرسل بدعوتك . "

قالت ميغ : " يبدو أن السيد جيروم مونتكورت يريد أن تكون كل الأمور . هنا حسب مشيئته . "

قالت السيدة بعد فترة صمت : " لقد كانت أسرتنا وأسرته دوما جارتين وقد كنت .. سعيدة جدا حين عاد ليقيم فى منزله , فقد بقى المنزل سنوات طويلة دون رجل . وكانت عودته نعمة على , لأننى صرت استطيع ان استعين بخبرته فى خطتى لاصلاح ما أفسده الاهمال الطويل فى هذا المنزل . " ابتسمت وهى تتابع : " وهو قد جدد حيويتى أيضا . "

وحدقت فى ميغ بعينيها الكليلتين وهى تستطرد :" ربما تتساءلين عما جعل الأمور تتأخر طيلة ذلك الزمن . ولماذا لم تكن الاصلاحات الضرورية تجرى فى المنزل كما يجب . "

قالت ميغ : " قد خطر لي هذا فعلا . "

قالت السيدة ببطء : " لم تكن تلك رغبتى . ولكن زوجى لم يكن ليسخو بالمال فى سبيل اصلاح المنزل , ذلك أنه عندما أدرك أننا لن نرزق أولادا , وأنه سيكون آخر فرد من سلالته , بدا وكأنه قد فقد كل اهتمام بالمنزل , وكأنما كان يريده أن ينمحى من الوجود . ولم يكن بإمكانى اقناعه بغير ذلك , بأية وسيلة . "

قالت ميغ : " إن هذا أمر معيب حقا , كيف أمكنه التصرف بهذا الشكل ؟ "

فهزت العمة كتفيها وهى تقول : "اظن ان المسألة كانت بالنسبة إليه , كما قالت السيدة دي بومبادور ( من بعدنا الطوفان ) . لقد كانت اهتمامات هنرى منصرفة إلى أمور أخرى . "

قالت ميغ : " ولكن من الممكن أن يصبح مثل هذا المكان رائع الجمال . "

فقالت العمة بقوة : " سيصبح كذلك . إن جيروم هو خبير فى الاصلاح والترميم . وسيعود قصر هاوت أرينياك متألقا كما كان . وسترين ."

قالت ميغ بحذر : " أرجو ذلك . "

فقالت العمة وهى تلوى شفتيها : " لايبدو عليك الاقتناع بهذا الكلام يا عزيزتى . ولكن عليك أن تثقى به , إننى أريدكما أن تكونا صديقين , وهذا شئ يهمني جدا . "
ونطقت جملتها الأخيرة بإلحاح مفاجئ .

فقالت ميغ بهدوء : " إننى لا أعرف فى الحقيقة , ما إذا كان هذا ممكنا . "

اشتدت أصابع العمة على يدها وهى تقول : "هل الأمر سيئ إلى هذا الحد ؟ لقد كان صوت وقع خطواتك وأنت قادمة إلى غرفتى مضطربا , كما تراءى لى . وكذلك يدك كانت ترتجف قليلا . هل كان جيروم يضايقك ؟ "

عضت ميغ شفتيها وهى تقول : " يمكنك أن تقولى هذا . "
ومع أنها مسحت عينيها من الدموع جيدا , فإنها سرت لعدم استطاعة السيدة أن ترى وجهها .

ضحكت السيدة دي بريسو وقالت بعطف بالغ : " إن ذلك الفتى لايمكن تقويمه , فهو مولع بالاغاظة , إنه يشبه جده فى صفات كثيرة , كما يحمل اسمه أيضا . " وتنهدت وهى تتابع : " ولكنه طبعا , لا يضمر لك أى ضرر ,. ويجب أن تثقى بكلامى . كما أن لقاءكما الغريب ذاك أثناء تلك العاصفة . كان شاعريا تماما . ألا تظنين ذلك ؟ "

حنت ميغ رأسها تجيبها : " لقد كنت فى حالة من الرعب بحيث لم ألحظ ذلك . "

تركت السيدة يد ميغ برقة وهى تقول : " ولكن شكرا على سلامتك فى ذلك الحين . وطبعا الشكر لجيروم . إن الصينين يعتقدون أنك إذا أنت انقذت حياة أحد فإنك ستبقى مسؤولا عن تلك الحياة إلى الأبد . "

أرغمت ميغ نفسها على الابتسام قائلة : " حسنا . إن فى إمكانى العناية بنفسى . وهذا ما كان عليك أن تهتمى به , إذ أن هذا الوقت هو وقت راحتك كما أظن . "

تجهمت ملامح السيدة وقالت : " لم يكن من السهل على هذا النهار . أن أنام , وذلك لشدة سعادتى بوجودكما . أنت وجيروم معا تحت هذا السقف . " وتنهدت وهى تتابع قائلة : " إن عقلى مشتت . "

سألتها ميغ برقة : " هل تريدينى أن أقرأ لك ؟ إن الصحف لم تصل بعد , ولكننى وجدت كتاب شعر رائعا فى المكتبة . "

بدا وكأن السيدة جفلت قليلا وهى تقول :" أحقا ؟ أيمكن أن تعطينى إياه ؟ "

ووضعت ميغ الكتاب بين يديها , فأخذت هذه تقلبه وتتحسسه برقة بالغة . ثم قالت : " ثمة قطعة من الشعر تبتدئ بكلمات هى ( حبى الوحيد , حبيبتى التى تسعدنى ) هل يمكنك أن تجديها , يا عزيزتى ؟ "

واستلقت إلى الخلف مغمضة عينيها , عندما ابتدأت ميغ تقرأ بشئ من الصعوبة فى البداية , وتعثر لسانها ببعض الكلمات والجمل الصعبة المهجورة . وعندما أنهت أول قطعة أتبعتها أخرى . وهى تخفض من صوتها شيئا فشيئا , إلى أن أنتظم تنفس السيدة دي بريسو معلنا استغراقها فى النوم .

وتركت ميغ الكتاب يسقط فى حجرها , ومضت تتأمل ذلك الوجه النبيل أثناء سكنه , ورأت أن هيكل السيدة قد تحدى الأيام . ولم يكن هنالك شك فى أنها كانت رائعة الجمال فى زمن مضى . ورأت كذلك , أثار دموع الوحدة والعزلة على خديها .

ألقت نظرة على الكتاب , وهى تتساءل عما إذا كان فيه ما يذكرها بزوجها الراحل , لما أحدثه من ردة فعل عندها حينما أبتدأت هى تقرأ لها فيه , ربما كان هذا الكتاب له , أو ربما كان يشير إلى علاقة غرامية غامضة .. وفتحت الكتاب على الصفحة الداخلية البيضاء لتجد كتابة , بخط اليد بهت لونها بمرور الزمن ولكنها ما زالت مقرءوة . وكانت تقول ,. ببساطة : ( إلى مارغريت . من كل قلبى .. ج )

وحدقت ميغ فى هذا الحرف ( ج ) الموقعة به هذه الكتابة . ولكن السيد دي بريسو زوجها كان اسمه هنرى . وأغلقت الكتاب وقد ساورها شعور بالضيق فى أنها أقحمت نفسها فى مسألة خاصة جدا . ذلك أن هذا الكتاب كان يعنى شيئا خاصا للعمة , ولكن ليس كما تصورت هى . وبدا عليها خيبة الأمل إذ بدا لها , تبعا لما سبق وأخبرتها هذه المرأة المسنة . أنها قد تركت وشأنها فترة طويلة . هل معنى أن السيد دي بريسو قد أهمل زوجته الانكليزية بنفس الطريقة التى أهمل بها منزله ...؟

وعاودها صوت أوكتافيان الخشن يقول بنفور وكراهية ( انكليزية ) أوكتافيان الذى خدم جيروم الأول ... جيروم مونتكورت الآخر إلى أن ترك هذا , المنزل دون عودة .

ازدردت ريقها وهى تتذكر بعض الكلمات الغرامية الملتهبة , والتى تشكو الحرمان وفقد الحبيب التى قرأتها منذ فترة بصوت عال . هل كان هذا ما حدث ؟ كانت تتساءل بذهول , عما إذا كان جد جيروم قد وقع فى غرام جارته الجميلة الوحيدة , ليتخلى عنها بعد ذلك , متملصا من كل ارتباطاته . لم تكن تعرف ما الذى حدث بالضبط بالنسبة لهذه الورطة , فى ذلك الحين . ولكنها تعرف أن الطلاق فى ذلك الحين لم يكن سهلا أبدا .

هل كان هذا هو فى ان يرغم جيروم الجد على أن يهجر منزله ليعيش فى المدينة ؟ وهل هذا هو سبب كراهية أوكتافيان المرة لكل ماهو انكليزى ؟ وهو أن سيده المحبوب أرغم على الرحيل بسبب تورطه مع انكليزية ؟

كان كل هذا معقولا إلى درجة مروعة , وهى تفسر عاطفة السيدة دي بريسو وثقتها فى جيروم الحالى .

عادت إلى ذاكرتها كلمات فيليبين ( إنه كالإبن الذى لم تحصل عليه قط ) وتوقف قلبها عن الخفقان وهى تفكر فى أنها هى طبعا , كانت ابنتها الروحية المسنة , أو كما تفترض السيدة بها على الأقل . فتاة استدعيت إلى هذا المكان بالذات وفى هذا الوقت بالذات ولكن لأى سبب ؟

ازدرت ريقها وهى تفكر فى كلمات السيدة , ( أريدكما أن تصبحا صديقين . وهذا شئ يهمنى جدا ) .

وفكرت ميغ فى أنها ربما كانت مبالغة فى تصوراتها , ولكن هل من الممكن أن يكون وراء دعوة السيدة لمارغوت غرضا أعمق مما تصورته هذه ؟

الابن الذى لم تنجبه قط والفتاة التى فقدت الاتصال بها , جمعتهما معا تحت سقف واحد . كما أعلنت العمة منذ برهة , وهى فى غاية الابتهاج لتلقى بالواحد منهما بين ذراعى الآخر مدة أربعة أسابيع كاملة تحت شمس لانغيدوك الملتهبة . هل كانت هذه خطة السيدة السرية ؟ الحلم الشاعرى بإعادة خلق الماضى ؟ وللاطمئنان إلى أن ميراث هاوت أرينياك سيستمر إلى الجيل القادم ؟

إذا كان الأمر كذلك , فهو جنون محض محكوم عليه بالفشل لعدة أسباب . السبب الأول هو بالطبع الوضع المخادع لميغ والذى يسبب لها ندما هائلا , أما السبب الثانى فهو الصديقة القديمة التى اتصلت به عند وجودها فى مسكنه . ذلك أن الدفء الذى كان فى لهجته وهو يتحدث إليها . لاتخطئه . اذن كان واضحا من أن ثمة علاقة عاطفية متينة تربط بينه وبين امرأة أخرى .

ولكن , إلى أى حد يعرف جيروم خطة العمة إذا كانت موجودة فعلا خارج تصوراتها ؟ وإذا كان يعرف فهل هو يقبل مثل هذا الزواج المدبر , من غريبة ؟ وذلك فى سبيل أن يصبح سيد قصر هاوت ارينياك ؟ وذكرت نفسها , وهى ترتجف . كيف ابتدأ محاولاته لإيقاعها فى حبه .

وبعد . ما الذى تعرفه هى عنه ؟ فى الحقيقة . لقد كان غامضا منذ البداية . كان جسما قاتما إنبثق عن العاصفة بنفس الخصائص التدميرية .

لقد كانت دوما فى انتظار ذلك الحب الذى سيطرق قلبها بكل رقة وعذوبة , متطورا من صداقة تغذية ميول مشتركة .

وليس مثل هذا الشعور الكاسح المعذب المحطم للقلب والحافل بالرغبة والذى هو لا يشاركها به , وليساعدها الحظ . كانت تلك هى الحقيقة المرة التى عليها أن تتمسك بها مهما كلفها ذلك دون النظر إلى أى اعتبارات أخرى .

شوقه . ولهفته . كل هذا لم يكن لها قط . بل كانت لمارغوت ترانت وعندما تتذكر هى هذا . يمكنها عند ذاك , أن تحفظ نفسها بأمان .

وبهدوء . وضعت الكتاب على المنضدة بجانب السرير . لتخرج بعد ذلك . من الغرفة على رؤوس أصابعها .


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس