خرجت أخيراً من الكنيسة ، وكانت كل السيارات قد غادرت الساحة ولم يبق هناك سوى سيارة واحدة ، عندما رأتها الفتاة ، احست بقلبها يقفز من صدرها . حبست انفاسها ، وبحثت عن صاحبها . انها سيارة كارل الذي يستند على جذع احدى الشجرات . حمل عصاه ، واتجه نحوها ، انه نفس الرجل الانيق الواثق من نفسه . " اكدت لي ماغدا انني سأجدك هنا ". بدأ كلامها وانحنى امامها ، خلعت نظارتها الشمسية واخذت تتلاعب بها بعصبية وتوتر . " نعم ، كنت احضر قداس الاحد ... ارتغب في الكلام معي ؟" سألته وهي تحس بجفاف في حلقها . " لا ، كنت اريد ان اراك ". لم تعرف ماذا تقول ، فتأملته بصمت . " هل انت جائعة ؟" سألها فجأة . " جائعة ؟" رددت بدهشة " لا ...". " حسناً ! هذه المرة ، انا ادعوك للغداء ،ليس الآن طبعاً ، طالما انك لست جائعة ، فيما بعد ، ربما ..." ثم دعاها لكي تتبعه ، فتبعته بصمت وجلست بقربه في السيارة . " الى اين تصطحبني ؟" سألته بحذر . " ستعرفين قريباً ". وانطلق بسيارته بكل هدوء متجهاً نحو الجبل . لم يكن يبدو عليه انه يرغب بالثرثرة ، وجوليت لم تجرؤ على البدء بالحديث ، تتالت المنعطفات امامهما ، ففهمت فجأة انه يصطحبها الى الجبل حيث موقع منزله الجديد . لماذا ؟ الطريق الفرعية اصبحت واسعة . كانت جوليت قد علمت من عمال المدرسة ان عملية البناء مستمرة لكنها لم تحاول ابداً ان تتحقق من ذلك بنفسها ، طالما ان كارل يبنيه من اجل لسلي ... كانت آلة الاسمنت تتوسط الورشة ، لكن لحسن الحظ ، عدد قليل من الاشجار فقط قطع ، من جديد ، تساءلت الفتاة لماذا يصر كارل على اصطحابها الى هنا ، أيأمل ان يثير غيظها بتهديده من جديد سلام الحياة الهادئة هنا ؟ بالتأكيد لم تكن هي سعيدة بسكنه في ريتغن ، لكنه لا يمكنه ان يفهم حقيقة اسباب مخاوفها ... ايحاول ان يبدأ من جديد بالمشاكل معها ؟ لكنها عندما رأته امام الكنيسة لاحظت ان نظراته مختلفة ، ربما كان يقول الحقيقة عندما اخبرها بأنه جاء فقط رغبة برؤيتها ... نزلت جوليت من السيارة ووقفت تتأمل واجهة المنزل الذي لم ينته العمل فيه . " ما رأيك ؟" سألها كارل وهو لايزال واقفاً امام سيارته . " حالياً ، المنزل ليس سوى هيكلاً ، ولكن الموقع رائع حقاً ... متى سينتهي العمل فيه ؟" " بعد ستة اشهر تقريباً ، اذاً ، في الفترة المناسبة لبيع الابنية ..." " البيع ؟ ولكن ... كنت اعتقد انك ستقيم هنا ..." " كنت بالفعل انوي ذلك ، لكني غيرت رأيي إثر ... صدمة ، في حياتي الخاصة ... الآن ، سأبيع المنزل لاول مشتر ". أيحاول ان يعلن لها عن فسخ خطوبته مع لسلي ؟ في هذه الحالة ، لماذا يسألها رأيها في منزل لن يسكنه ؟ كان يتكلم بمرارة ولكنها لم تتمكن من التوصل للفظ كلمات المؤاساة التي ينتظرها منها . " اتمنى ان تغير رأيك بخصوص المنزل ..." تمتمت جوليت " هل قرارك نهائي ؟" " يتوقف على بعض الظروف ". شعرت جوليت بالكآبة ، الا يزال لديه امل بمصالحة لسلي ؟. " احب معرفة رأيك حول تقطيع الغرف " قال فجأة وجذبها نحو المنزل . توقفت ورفعت نظرها نحوه وعقدت حاجبيها . " لماذا ؟ لماذا تستشيرني ؟" " ولما لا ؟ كنت قد همست للمهندس بانك تملكين بعض الافكار ، ستجرحينني اذا رفضت مساعدتي بافكارك ..." " هير برنتل كان يمزح ، في ذلك اليوم " اجابته بجفاف امام لهجته الساخرة " والآن لو سمحت ، اريد العودة الى البلدة ..." " ألم تعرفي بعد لماذا اصطحبتك الى هنا ؟" " بلى ! انت تشعر بالملل ، وقد قررت ان تمضي وقتك في اصطحابي الى منزل لن نتهي العمل فيه قبل مدة طويلة ". " حماسك ربما اقنعني بعدم البيع ..." " انت صاحب القرار ..." " نعم ، هذا صحيح ، للاسف ". " للاسف ؟ لماذا ؟" " انت تفرطين في استعمال كلمة لماذا ؟" " لعبة الحزازير هذه طالت كثيراً " صرخت بنفاذ صبر " لا افهم سبب اصطحابك لي الى هنا ، واهتمامك برأيي ، مع انك في الحقيقة قلما تهتم لذلك !" " سبق وقلت لك انه تحت بعض الظروف ، سأهتم مجدداً بمشروعي هذا". " حسناً ، وماهي هذه الظروف ؟" " اذا كنت انت ايضاً مهتمة ، هكذا يمكننا معاً نحن الاثنان ان نكمل بناء المنزل ". هذا الجواب كان غريباً لدرجة ان جوليت انفجرت ضاحكة ، لكنها ضحكة ليس فيها اي مرح . " نحن ؟" قالت بمرارة " انت تمزح ! نحن لا نتفاهم ابداً ! انت تكرهني ، تحتقرني " وانهمرت دمعة من عينها دون ان تنتبه " انت اثبت لي ذلك اكثر من مرة ، حاولت ان تتلاعب بي بكل الوسائل لانني اعارض بناء منشرتك ، طلبت من لسلي ان تحذرني بانك سترميني خارجاً اذا زرتك في المستشفى ، ووفيت بوعدك عندما احضرت لك الكتب التي ارسلتها ماغدا! والآن تجروؤ ..." قطعت كلامها وقد جرحتها هذه الذكريات المؤلمة . " ولم تعلمي لماذا طردتك بهذا العنف ، ذلك النهار ؟" سألها كارل بحدة وبدأ يهز كتفيها بعنف " الا يوجد ذرة ذكاء في رأسك ؟" صرخ كالمجنون " الا تفهمين انني كنت بخطر البقاء مشلولاً بقية ايام حياتي ، وان ذلك القدر كان يرعبني ؟ كنت اخشى مصير جيرارد ، هو ايضاً كان مريضاً ، تائهاً ، هو ايضاً كان يحبك ، وتسألين لماذا شفقتك ترعبني ؟" " الحب ؟" رددت بذهول " انت تحبني ؟ ولكن هذا مستحيل ! ... لابد انك ... مخطئ ... ابداً لم تلمح لي بأية ... اشارة ..." " مع انني حاولت ..." اجابها بمرارة . احمر وجهها عندما تذكرت كيف قبلها في السيارة وعناقه لها على متن المركب ، هناك ، كان قد تظاهر بأنه كان يريد الثأر لاخيه ، لم يكن يعلم ابداً انها كانت على وشك الاستسلام له طوعاً وبكل رغبتها ... مرتين ، سرق منها قبلة دون ان يظهر لها حباً ، والآن يؤكد انه كان يحبها ، لكن كرامته اجبرته على طردها بقسوة في المستشفى ، اين هي الحقيقة ؟ " لم اشك لحظة انك ..." بدأت كلامها مترددة . " هل كنت تتمنين ذلك ؟" قاطعها ورمى عصاه ليضمها الى صدره " كنت تتمنين ذلك ؟" حنان صوته طرد آخر مخاوفها وشكوكها ، فرفعت وجهها نحوه بخجل . " نعم ، كنت اتمنى ذلك ..." تمتمت جوليت " منذ مدة طويلة ..." اغمض عينيه للحظة وكأنه لا يجرؤ على تصديق سعادته . " هل انت متأكدة ؟" سألها متوسلاً . كجواب على سؤاله ، عقدت يديها حول عنقه وقدمت له شفتيها ، تنهد وتناول شفتيها وضمها اليه اكثر ، كانت تنتظر هذه اللحظة منذ مدة طويلة جداً ، كانت تنتظر ان يقبلها مثل الآن بحنان |