عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-09, 05:36 PM   #43

na3no3a
 
الصورة الرمزية na3no3a

? العضوٌ??? » 89513
?  التسِجيلٌ » Apr 2009
? مشَارَ?اتْي » 292
?  نُقآطِيْ » na3no3a is on a distinguished road
B11 8 ـ منجم الحنان

8 ـ منجم الحنان


عندما استيقظت كيم على رائحة اللحم المقلي، ظنت أنها تحلم.
كان الفجر قد بدأ يلوح حين استغرقت في نوم متقطع، ولاحظت وهي تنظر إلى المنبه بجانبها، أنها تأخرت في النوم ساعة على الأقل.
وبسبب الارتباك الذي تملكها الليلة الماضية، نسيت أن تربط المنبه. أخذت تفكر في ذلك بشكل سريع وهي تنزل قدميها إلى الأرض.
من سوء حظها أن لوكاس اختار تلك اللحظة لكي يحمل إليها كوب شاي. أما بالنسبة إلى لوكاس فكان منظر كيم بقميص نومها، وشعرها المنثور حول وجهها، وعينيها المتسعتين ذهولا، أحسن بداية ليومه، بداية لم يعرفها منذ زمن طويل.
ـ لوكاس!
نظرت إليه وهي تندفع عائدة إلى السرير رافعة الأغطية إلى ذقنها، ولكن ليس قبل أن ترى شررا حارا في العينين الفضيتين.
فقال بهدوء:" هذا ما أرجوه. هل كنت تتوقعين غيري؟"
فقالت بحدة وقد احمر وجهها:" لم أكن أتوقعك. وأنا تأخرت فقد نسيت ربط المنبه"
ـ استريحي، لديك وقت كاف لإعداد ميلودي للمدرسة. وإذا تأخرت عن عملك، فرئيسك سيسامحك.
وسار نحو السرير فتصاعدت خفقات قلبها... ومدت ذراعها من تحت الأغطية تتناول منه كوب الشاي بإيماءة شكت، بينما شدت بيدها الأخرى الملاءة حول عنقها.
وقال بكسل:" ملعقة سكر واحدة. ميلودي تساعدني على تحضير الفطور وهي منجم معلومات لما تحبين أو لا تحبين. لديك طفلة غية في الذكاء"
ـ أعلم هذا، لكن اذهب، اذهب فقط.
ـ تبدين رائعة لمن يستيقظ على رؤيتك.
لم يكن لوكاس مستعجلا للذهاب. وتركزت نظراته على وجهها المتوهج، وفمه الحازم يبدو رقيقا.
فقالت تحتج بسرعة:" أنت لم تستيقظ على رؤيتي"
ـ لكنني استيقظت وأنت هنا...
وتلاشت كلماته لأنه مال إليها يعانقها. فاهتز فنجان الشاي في يدها. كان عناقا مختصرا وحلوا بشكل لا يصدق. وعندما انتصب واقفا تأمل وجهها لحظة ثم قال بنعومة:" رائعة"
ـ لوكاس... ما كان لك أن تكون هنا. ميلودي ستظن..
أكمل جملتها:" لا شيء أبدا، فأنا أعلم كيف يفكر الأولاد الذين في سن ميلودي"
ذلك هو السبب إذن في ألفته للأولاد. وحملقت كيم فيه وقد أدركت، بشيء من السخط، أنها كلما عرفته أكثر، كلما تبدد جزء من صورة الرجل القاسي الآلي... أرادت أن تكتشف أنه دنيء مع السيدات المسنات، وأنه لا يحب الأولاد، وأنه يرفس القطة ويضرب الكلب.. أي شيء!
وسألته دون تفكير:" أتحب الأطفال؟"
لم يبد عليه أن وجد السؤال غريبا:" عندما يكونون فقط مثل الأولاد في أسرتنا أو مثل ميلودي. أما العفاريت، فلا"
ثم ابتسم ساخرا:" ليس هذا ما "أردت سماعه أليس كذلك؟"
ـ لا أدري ماذا تعني؟
وعاد وجهها يتوهج. يا له من رجل صعب!
فقال ساخرا بلطف:" طبعا لا تدرين"
إنها لن تنتصر عليه الآن، فحاولت أن تبدو جادة متصلبة، فسألته:" أين ميلودي؟"
ـ تتناول المثلجات قبل اللحم والبيض.
ولمس أنفها بإصبعه ثم خرج من الغرفة وهو يقول من فوق كتفه:" يمكنك أن تدخلي الحمام أولا ولكن أسرعي. الفطور سيكون جاهزا في غضون خمس دقائق"
تدخل الحمام أولا؟ رباه، من يسمعه يظن أنه يسكن هنا.
وقبل أن تجد وقتا تعدل فيه ملامح وجهها الساخطة، انفتح الباب مرة أخرى وأطل منه رأس لوكاس:" نسيت أن أشكرك على استضافتك لي. وأنا لا أستطيع التعبير عن مقدار شكري يا كيم"
كان رقيقا وهو يقول هذا، وبدا الهزل في عينيه وهو يرى التعبير البادي على وجهها.
استطاعت أن ترسم على وجهها ابتسامة مهذبة جديرة بالفخر:" لا بأس. كان واضحا أنك كنت بغير وعيك. وكنت سأفعل الشيء نفسه لأي شخص آخر"
ـ والآن، لا تفسدي ما فعلته. وبالمناسبة بقي أمامك أربع دقائق وثلاثون ثنية لكي تنزلي.
أخذت دوش سريعا ولفت شعرها قبل أن تهرع، إلى المطبخ.
كان لوكاس وميلودي جالسين يتناولان الفطور وقد بدا عليهما الانسجام إلى أقصى حد. كانت ميلودي تتحدث عن المدرسة. ولوكاس يصغي إليها بانتباه فتملكها الذعر.
ـ أمي، قال لوكاس إن بإمكاني أن أتناول فطوري مع كعكة. هل يمكنني هذا يا ماما؟
ـ نعم، بشرط أن تأكليه كله.
قالت كيم هذا وهي تسير إلى ميلودي تقبل رأسها بشكل آلي، بينما جذب لوكاس لها كرسيا وأشار إليها بالجلوس. أكلوا بينما كانت ميلودي تنظر إليه بإعجاب سافر.
حدثت كيم نفسها باستياء أن ابنتها تعتبره أحسن من يعد شرائح الخبز، وأن لوكاس يمثل دور رجل الساعة باستمتاع بالغ. لكنها ما لبثت على الفور، أن اعترفت بأنها لم تكن عادلة في ظنها هذا، لأن لوكاس هو لوكاس نفسه.
ـ هل يمكنني طلب خدمة؟
عندما صعدت ميلودي راقصة إلى الطابق الأعلى لكي تغير ملابسها، جلس لوكاس مكانها فأصبح أقرب إلى كيم من قبل.. بكثير. فأجابته كيم بشيء من الحدة:" نعم؟"
ـ هل لديك موسى للحلاقة؟
لم يكن هذا ما توقعته، وهو بالتأكيد يعلم ذلك جيدا. كانت تعلم بأن وجهها توهج احمرارا ومع ذلك بقي صوتها هادئا وهي تقول:" ليس عندي سوى الشفرات الخفيفة التي أستعملها لساقيّ، وأخشى ألا تكون صالحة للحية رجل"
ـ سأتدبر الأمر.
وقبل أن تنتبه إلى ما يفعل، أدار كرسيه نحوها وقال:" ثمة فتات كعك على ذقنك"
قال هذا برقة فائقة وهو يمد يده يمسح ذقنها.
كانت تعرف ما يريده... كان هذا مكتوبا على وجهه... عانقها ببطء متمهلا، وعندما بدأ تشنجها يزول راح قلبه يتجاوب. شعرت بالفرح لأنها بين ذراعيه. وعندما جذبها عن مقعدها لتقف أمامه، لم يعد لديها قوة على المقاومة.
سمعت دقات قلبه عنيفة كمطرقة الحداد. ثم وببطء، شعرت بالعناق يتغير.
رفعت عينين ذابلتين، وكانت العينان الفضيتان في انتظارها، فقال بصوت خشن غير ثابت:" ميلودي في الطابق الأعلى"
وعندما رآها ذاهلة مشوشة الذهن تابع يقول:" دقيقة أخرى وسأعجز عن التوقف، لما تفعلينه بي، يا كيم. إنه يعصف بالعقل"
ـ أحقا أفعل هذا؟
سألته بفتور، شعرة بالمنشفة تنزلق عن رأسها فيسقط شعرها حرا.
همس بصوت أبح:" سننسجم تماما.. أنت تعلمين هذا، أليس كذلك؟ قولي هذا... قولي إنك تعلمين هذا أنت أيضا"
نعم، سينسجمان بشكل لا يصدق. ولكن ماذا بعد أن تنتهي علاقتهما؟ تساءلت بصمت. كيف يواجه الإنسان نتائج انفجار القنبلة الذرية الذي يحوّل كل ما كان آمنا ومألوف إلى حطام؟
لم تكن تريد هذا أبدا، لم تكن تريد أن تقع في الحب مرة أخرى. عند ذلك جمدت مكانها، وشحب وجهها لأنها وجدت الحقيقة التي بقيت أسابيع تحاربها، وهي أنها تحب لوكاس. تحبه.
ـ كيم؟ ماذا حدث؟
كان يراقبها عن قرب. فأجابت:" لا شيء"
كل المشاعر والرغبات التي كان يبعثها في كيانها تلاشت وتركتها باردة كالثلج.
قال وهو يحاول التمسك بالهدوء:" تبدين وكأن شخصا ما لكمك على أسنانك"
ـ قلت لا شيء، وهذا يعني لا شيء.
قالت هذا وهي تحاول التملص من بين ذراعيه بقوة أدهشته:" فقط دعني وشأني يا لوكاس"
فقال غير مصدق:" أدعك وشأنك؟"
فأجابت بهدوء رغم أنها كانت تصرخ وتصيح في داخلها:" نعم، وأريدك أن ترحل الآن"
ـ آه، لا... يا حلوتي. لا سبيل إلى ذلك. لقد سرنا طريقا طويلا منذ تشرين أول، وأنا واثق من أننا لن نتراجع. تكلمي.
كان التصميم البادي في صوته أقوى من الغضب.
ـ لا يمكنك أن ترغمني على فعل أي شيء.
كان رأسها مرفوعا، لكن الخوف والتمرد في وجهها يعارضان ما يطلب منها. حدق لوكاس إليها، مدركا أن لهذه المعارضة جذورا أعمق من حديثهما هذا الصباح. ورغم كل هدا التجهم، بدت له الآن بعمر ميلودي.
تلاشى غضبه وقال بهدوء:" لا. الحق معك. فأنا لا أريد ولن أتصرف بهذا الشكل. العنف أو أي نوع من الابتزاز ليس من عادتي يا كيم، ولكن، مع ذلك، سنتحدث. أتعرفين لماذا؟"
حدقت إليه بعينين واسعتين وسط وجهها الشاحب. فقال برقة فقال برقة:" لأنني أحبك"
ـ لا! هذا غير صحيح.
جاء هذا جوابا منها لكنه ليس الذي كان يرجوه. وشعر وكأن مياها مثلجة صُبت عليه، لكنه لم يظهر أي رد فعل. بل قال ببرودة:" بل هو كذلك. فقد بقيت معك مدة طويلة تكفي لأعرف الشيء الحقيقي عندما يحدث، يا كيم. ولمعلوماتك فقط، لم أقل هذه الكلمة قط لامرأة أخرى، حتى في أكثر الأوقات... حميمية"
انتفضت وبدا العنف في عينيها وانتفخت أوداجها تريده أن يرحل:" وكان هناك كثيرات منهن"
قال بنعومة بالغة:" لم أكن راهبا"
قالت ببطء:" لا أريد علاقة معك"
وكانت تسكت بين كل كلمة وأخرى. وشعر لوكاس بغضبه يتصاعد مرة أخرى وهو يرى العناد الخالص في وجهها. وقال بنفس بطئها وهو يصرف بأسنانه:" إذن عليك أن تقولي السبب. أنت مدينة لي بهذا على الأقل وأنا لن أتزحزح قبل أن نتحدث معا، يا كيم. خذي ميلودي إلى المدرسة ثم عودي إلى هنا. أنا أعني هذا"


na3no3a غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس