عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 11:58 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



لا تلهيــكم الرواية عن ذكر الله ..
قــراءة مُمتعة



مــدخل الفــصل العـاشر:



من أسكن الشاعر الولهان موطنه
بغداد أنت نجوم الليل والظلمِ
بغداد أنت شفاء العين من رمدٍ
بغداد أنت لقاء الله بالأممِ

×المتنبي×

.

.
.

أحسست بثقل على كتفيّ نظرت بطرف عيني لها، إنها يد رجُل!
تسحب الكاميرا من خلال حاملها، وما أن أدرت وجهي ناحيته ورأيت رتبته العسكرية التي تخبرني انه نقيباً،

حتى تهاوت جميع أمالي الصحفية وجهزت حالي لمرحلة الانتقال التي يتبعها اعتقال : ما الأمر؟
لم يرد، عُدت سؤالي : ما الأمر يا أيها النقيب؟

سحب الكاميرا وسحبني خلافها دون أن تنطق شفتيه بكلمة واحدة!
لا أعلم لما يسحبني هكذا بظلمة الليل الحالك!
أشعر بأن عضدي تخلت عن موقعها التي فُطرت به لتلتحم بين أصابع ذاك النقيب!
وهل نقابته تُخوله لما يفعل؟
حجابي بدا ينفلت لولا إمساك يدي المُحررة له
لا أعلم ما الذي يجري، جُل ما أعرفه معركةً تدور خلفي..
وبقيت كاميرتي الواقعة أرضاً توثقها، ولكني أتحسر أيضاً على تلك الكاميرا التي لا يوجد لها مثيلاً!
كما أنني أتحسر على سوء وقعتها وسوء ما توثق!
فلن تظفر أبداً إلا بفيديو عبارة عن أقدام تقاربت كـ" أمعاء" بطوناً خاوية ابتلت بشيء قليل بعد ظمأً فاحش و تقاربت مواصلة عراكها من يظفر بالماء أولاً!
أركبني ذاك النقيب في أخر الجيب العسكري الذي لم يكن جيباً عادياً بل كان من أضخم السيارات العسكرية التي قامت أميركا بإنتاجها،
انه الهامفي لا غيره!
الذي امتاز بسرعة الأداء والقوة التي تجعله حامل للأسلحة الثقيلة،
يبدو انه لا وقت لديه فقد نقل أسير في جيب عسكري غالباً ما يكون للسـلاح فقط !
أن الذي ينقلني الآن لم يكن إلا حاملاً لـ (rpg) ولكنه قد أُفرغ!
بالتأكيد أطلق النقيب مع جُنده هذا القاذف وأتوا يسامرون باقي السرية على الحاجز،
ومتناسين جراحاً خلّفها هذا القاذف بعد منتصف الليل!
ففي بغداد يبدأ الوجـع بعد منتصف الليل . . .
***
أتينا سنداً وعوناً لصحبيّ الذي بالتأكيد هم المظلومون في هذه المعركة!
لأنهم أهل الأرض .. ولا يجوز التطاول على صاحب "المحل".
عراك الأيدي كان سهلاً يسيراً لشبابٍ أفنوا فتوتهم في هذه العراكات الصغيرة التي تتبعها انتصارات صغيرة وهتافات متناسين ذاك الدامي الراكض الى أمه وهو منذ قليل يقول انه فتى مُعتد لم يحتاج أمه بعد اليوم!
من تلك الأيام وجدنا فائدة من تلك الاشتباكات الكثيرة..
أنها تنصرنا اليوم على ثُلة جند أفنوا فتوتهم في مراكز التأهيل العسكرية لا شوارع الشرق التي تصقل الفتى على قوة البأس!
عراكنا الذي كان بادئ أمره عراكاً عادياً ولكنه يخفي خلفه أسلحة تجعلنا نسكن أبو غريبَ!
لم نبقى وقتاً في عراكنا الذي أدمى ساعد أحد صحبي نتيجة اصطدام يده بأحد أنواط الجندي المعلقة يمين صدره!
أشتغل محرك الجيب الأقـصى فأنسحب الجند من جهة أُخرى!
يبدو أن هُناك إشارة لم ننتبه لها وصلت إلى العالقين بهم.
أنسحب الجند،
فأخذنا نلقط أنفاسنا بعد عراكٍ أخرج معه ما في صدورنا من غضب وحسرة على وطننا الذي ظفرت به دولتهم!
وأتحسر أيضاً من "حيدر" حسرة يسبقها " شر البلية ما يضحك" الذي عزمنا على بقايا شاي من انسحبوا، يبدو أنه فقد عقله!
أ نجلسُ في مكاناً ضمّ قبلنا عديميّ الإنسانية والشرف؟
فنحن أكثر شعوب الأرض أخلاقاً، وعندما أقول أخلاقاً فأنا أعني هذه الكلمة جيداً،
ليس كما يقولها الجندي الأميركي من قمره طائرته إلى قائده : "أصبت الهدف بدقة، دون المساس بالمدنيين فنحن الجيش الأكثر أخلاقاً في العالم !"
***
تحدث أحد صحب آلن الذي يكبرهم عمراً وعقلاً، فهو لا يتمتع بطيش الشباب كما يتمتع به البقية، يبدو أن عُمره أجبره على التعقل، الشيب الذي غزا رأسه وتجاعيد ترتسم حول عينيه حينما يضحك تخبرني أن عمره جاوز
الخمسون بعدد قليل: العركة هاي دتجيب لنا هوايه مشـاكل، لها أول ولا لـها تالي، لازم نأخذ حذرنا كلش!

ثار حيدر الذي كان شبيهاً لصادق بأفكاره وتفاصيله الطريفة، وكأنهم خُلقا من بطناً واحد فكلاهما لا يجيدان التعقل في
أمراً كهذا : ما علينا بيهم،
أبو آدم بلا زحمة جيب لنا السلاح دنتيسر !

تحدث آلن المنشغل في تضميد جراح صاحبه المُصاب بعدما تكرم عليه صادق وجلب من بيته قطع شاش ومعقم جروح: أني حاسس انسحابهم ورة طركاعة مساوينها،
ما انسحبوا هيج لأننا أقوياء!!
كل واحد منهم سـلاحه على جتفه يكدر يروحنا برصاصتين،
بس هم وراهم سودة ما رايدين نعرفها هسه! "طركاعة + سودة = مصيبة".

لقد صدق آلن بحديثه، نطقت بعد صمتاً لم ينتج إلا كما قال آلن:
علمود هيج خلونا نشوف صرفة للسـلاح قبل ما يفتشون!
تحدث ألن آمراً: اخذه وياك لبيتنا بديالى.

عزمنا الأمر باتفاق الجميع ورحيل "الجماعة" تاركين خلفهم ميثاقاً لا ينقطع وعراكاً لا تُعرف عواقبه!

وما أن رحلوا حتى سكب صادق الشاي مُجدداً : ما كلت لي متى ديولون الفُرس؟ اشتاقيت لعمتي هوايه!

أجابه الآخر على مضضاً: بداية سبتمبر.

سألته مُجدداً بسؤال يختلف عن سؤال صادق: ها خوما لقيت عليهم ممسك؟ "ممسك = دليل".

أجابني أيضاً و مضضه نفسه: لهسه باقي،
- ثم أردف واضعاً يمينه على غُرز الخياطة الحديثة- تعاركت مع واحد هنانا . . . خميني أصل وفصل!

يرى كُنية رئيسهم مسبّة!
ما الحال لو أحد شتمه بمقولة صدامي أصل وفصل؟
وكأن صدام من يجلب لنا حماقات الدُنيا ولعناتها السبع وتخرج للملأ على هيئة شتائم لا توسعها دواوين العقاد ولا مواويل فيروز لتخرج بكلمة واحدة " صدامي"..
هذا هو الحال مع الإيراني عندما يُسب بالـ "خميني"..
أخشى أن تلك الغُرز الواسمة جبين صاحبي لم يكن سببها إلا هذه الكلمة!

إلا أن صادق أراحني ولم يرحني أيضا عندما أجاب ألن على سؤاله: مدري هيج مشيت من عدك علمود محفظتي،
و اجيت هنانا لكيته يتعارك ويا الإيرانية وأسمعه يكول صدام وقربت دأفهم اش صاير،
إلا يعيد نفس جلمته عن صدام، وما شفت حالي وكتها إلا وأني مطيح له أسنانه بالكاح طاح حظه!

المسألة نفسها، فالعراك لم يكن إلا بسبب صـدام!
هذا وهو لا يعلم ماذا قيل بقائده .. كيف لو عرف؟

***
أجبت على تلك الاسئلة التي تُطرح شبه يومي وبشكل أملُّ من سابقه!
متى يفهما صاحبيّ أنني لا أريد أن ترحل إيران من منزلي!
أريد أن أقتص منها أكثر من خلال شبيبتها المملوكة لي حاليـاً .
متى يفهمون أنني أريدُ أن أقتص من ابنتها الحمقى التي لم تكفُ عن مجادلتي بشأن صدام حتى وأن كفت زيارتاها لي !
ليتُ صادق لم يأتي بعمته، وبقيت كما كانت. . .
وضعت يدي على رقبتي بعدما أحسست بفراغ!
كان للوهلة الاولى فراغ .. ولكنه مكان الصليب خالياً منه
ذاك الصليب الذي يرافقني منذُ ولادتي..
لا أريدُ أن افقده هو الآخر، لأول مرة أحسُ بالضياع
لأول مرة أحسُ بالتية!
كان رفيقي في كُل نكباتي ونكساتي ودمعـاتي وقبلهم رافق ضحكاتي وألعاب طفولتي .. وإنجيلاً أتوسده قبل أن أنام !
كان هديتي من والدي عند ولادتي وأصر على أن لا أخرج من المشفى إلا بعدما أتقلده !
لقد ضاع وذهب حيث ذهبوا!
ولكنه لا يستطيع قطع الأميـال والبحار إلى بلجيكا كما فعلوا،
بل سأبحث عن قطعة ذهبية سقطت أرضاً وتنتظرني أنتشلها من قارعة الطريق مُعيذها من الوحشة والوحدة ومُعيدها إلى صدري!

صرخت بصاحبيّ المنشغلان ببعض الأحاديث: الصليب!
***
زنزانة سوداء الطلاء، وساعة تتجاوز الواحدة ليلاً!
في هذه الزنزانة سأضلُ إذن!
تمنيتُ لو لها نافذة تطل على اللا شي . . .
فقط أريدُ أرضاً بيضاء قاحلة التي تتمتع بها منطقة سجني!
تلك السماوة المنطقة الحدودية مع المملكة العربية السعودية،
فكسبت من تلك الأرض القُحل الذي تجهله العراق!
لم أتي السماوة ولم أزرها .. بل أنني في نقرة السلمان
السجن الذي حضن مُظفر النواب أعواماً لا تُعد
هل تُرى قراءتي لسيرة مُظفر في عامي الماضي تمتلك الجاذبية حتى تُسير الأقدار – بعد الله – لكي تمنحني مكانه!
ولكنني لا أعلم ما هي الجريرة التي جرّتني إلى هُنا ، فهذا السجن يعتقل السياسيين والمعارضين،
فأنا لست سياسية ولا معارضة أيضاً !
ما سبب اعتقالي إذن؟
وكأن الله رحمني من هذا الوسواس في زنزانتي التي لا تتجاوز 3×3
وبلباسي الذي يتكون من حجاب كُحليّ و بنطال وكنزه سوداء ويضفي فوقهم جلباب بدايته من أعلى أكتافي ونهايته

أعلى الكعب ولونه أيضاً كحلي : السيدة مَهتاب يوُسف،
استدعاء.
***
قطع حديثنا صرخة آلن : الصليب!

تحدث محمد وهو ينظر إلى مكان الصليب الفارغ منه: على كيفك،
بلكي وكع هنانا لو هناك.

تحدثت مبتسماً، مستغرباً من هلعه وكأنه فقد أغلى ما يملك!: يروح لك فدوة ألّون!
نجيب لك غيره، وقيراط 24 لو تريد همين.

تحدث ناهيني عن ذلك بلطفٍ لم يعتاده : دخيل ربك صادق، جيب لي إياه هو ما أريد غيره !
لم أره من قبل مسالماً هكذا, يبدو أن العدوانية في صليبه!

محمد: بنروح ندوره عند الأسلحة بلكي وكع منك،
وإذا ما حصلناه نروح للحاجز قبل يرجعون العسكر.

ذهبنا جميعنا خلسة إلى خلف المنزل فالساعة تقارب الثانية صباحاً والجميع أصبح مكتفياً من نومه فقط ينتظر حراك شيئاً قريب حتى يصحو!
وخوفي يكون هذا الأحد عمتي أو ذلك الذي تعارك معه آلن،
لسنا بناقصين مصائب حتى تنُبش السفارة الإيرانية عن أسم الناطور الغير أمين وتُخبر عنه صاحب المنزل الذي جلبه لهم تجد انه هو صاحب المنزل أيضاً !

تحدث محمد متسائلاً: أنته تارك الباب هيج؟

نظرت إلى الباب المفتوح وإجابة آلن: لا تارسة عدل!

بدأت الشكوك تلعب لعبتها في عقولنا، حتى وصل الأمـر إلى تشكيك آلن بنفسه، هل أغلق الباب كما يقول أم تركه هكذا على مصراعيه!

ثم يعود يثبت لنا صحة قوله، ماسحاً وجهه بباطن كفه نتيجة لقلقه: ولك والله أني ما افتح الباب هيج،
وأني متأكد مو بس تارسه إلا قافله.

خطيراً ما يتفوه به هذا الـ آلن لو لم يوهم بنفسه بقفل الباب،
فربكته وفركه لعارضيه تنبئني عن حدوث مشكله لا خلاص لها،
يعلمها هو وحده!

محمد بتوتر أقل وكأنه تأكد من توهمات آلن: لك يالله فوت شوف سنسالك هنانا لولا. " سنسال = سلسال أو عقد".

دخل آلن وهو يمشط المكان بعينيه عائداً لنا بلا جدوى، بالكاد يُفكر كيف له أن يبحث عن عقداً في ظلمة الليل!

وما أن قال لم أجده
توجهنا مُباشرة إلى الحاجز الذي لا يبعد عن بيت آلن سوى أميالاً قليلة!
من بعيد رأينا لمعة الذهب تُبرق على ضوء إنارات الشـارع الصفراوية!
ذهب إليه آلن مسرعاً قاطعاً الشارع الرئيسي الواقع بين الفرع والحاجز،
بينما توقف محمد وأنا على بداية الفرع السكني مُنتظرين عودته من الموقع.
***
دخلت إلى المكتب الذي أشار لي الجُندي بالدخول إليه.
مكتب فخم، مُهيب ..
بارداً في منتصف أغسطس، برودته ليست بفعل المكيفات بل من فراغه الموحى إلي!
فارغاً من كل شي ، حتى من الحياة في الخارج!
كأنني في مكاتب عُظماء نيويورك لا في السماوة العراقية،
مكتب ضخم ، يحمل اللون الاسود الجلدي طابعاً لمكتبه وخزانة صغيرة على يمينه تحتوي على ملفات لا أعرفها!
ولكنني عرفت نظرات الجاثم خلف هذا المكتب،
مُخيف بما تحمله الكلمة من معنى!
يملك في وجهه عيون وساع رمادية اللون،
وعارضاً أشقر كما هو لون شعره أيضاً..
ومنكبين عريضين تمنيت لو الله أبدل ذات النطاقين بها حتى لا تحس أنها حاملة شي !
أشار لي دون أن يتحدث على المقعد الذي أمامه،

جلستُ حيث أشار، ثم انه بدأ حديثه مسنداً ظهره إلى كرسيه الجلدي واضعاً قدماً فوق الأخرى: ما أسمك؟

وكـأنه لا يعرف! : مَهتاب يوُسفّ.

تسأل مرة أخرى بسؤال أغبى من سابقه: ما الذي جاء بكِ إلى هُنا؟

تحدثت بنفس طريقته رافعه عينيّ على أنواطٍ تعلو منكبيه: وهل هذا سؤال يسأله جنرال ؟

يبدو أنه داهية لا أجيد اللعب معه، ويبدو أيضاً أنني أتيته ومزاجه جيد وإلا دفنني بمكتبه: أُليس من حق المُدان رفع التُهم عنه؟.

غبائي هو جريرتي التي جلبتني لهذا السجن، وغبائي أيضاً من جعلني أصدقه برفع التُهم: لم أفعل شي يا حضرة الجنرال،
فقط كل ما فعلت وثقت اشتباك بين الجنود وشباب في الشـارع!

أفزعني عندما ضرب الطاولة معدلاً وضعيته متقدماً نحوي صارخاً: بل وثقتي لحظة ضعف من جندنا،
ألا تُخبرك صحافتك عن منع تصوير الجند الاميركان بأية حال!
لقد علمتم هذا الشيء قبل دخولكم العراق..
- أخفض صوته قليلاً – ولكننا لم نخبرك ما هو جزاء من خرج عن القانون،
- أبتسم متشفياً - : جزاءه أبو غريب!

هل يعقل أن أفني شبابي ويقضي عُمري تحت التعذيب والاضطهاد في أبو غريب،
من الأوائل السجون التي تنافس جوانتانامو ..
سحبني الجندي مرة أخرى وأنا لا حراك ولا حول لي.
كيف يحاكمني بليلة واحدة ؟
ويكون حكمي في أبو غريب!
ما هذا الحُكم المستعجل؟ الظالم المُستبد!
للتو شعرت بظُلم الأسرى هُنا، فطول طريقي مع هذا الجُندي أسمع صراخاً مكبوتاً وصوت سوطاً يقرع فوق أجسادهم!
إذا كان هذا حال أسرى نقرة السلمان فما حال أسرى أبو غريب!
هذا ما تبادر إلى ذهني وجعلنني أنتفض بين يديّ الجندي الذي حسّ بي وأوصلني بشكل أسرع إلى زنزانتي لكي أقضي بها "أيام الهناء" قبل جحيم أبو غريب . . .
***
رأينا آلن يعُود أدراجه بعدما حُبست أنفاسنا خوفاً من عودة الجند إلى موقعهم الذي غابوا عنه ما يقارب السّاعة،
قدم آلن وهو يبرر تأخيره بسبب انقطاع الكهرباء المفاجئ وهذا ما جعله يتأخر بإيجاد ضالته،
ولم يخلو تبريره من لعن وشتم الاميركان والرؤوس الكبيرة في البلد!
يبدو أن ضياع الصليب قد لوّن مزاجه.

تحدثت بشيء من اللباقة بعد نصف الليل: ها شباب دتسهرون عندي؟

تحدث آلن الذي علمت موافقته قبل أن أتحدث أصلاً : بس قبلها بنروح ناح بيتي دنشوف سالفة هالباب وأريد أتطمن على عمتي،
تعرُف ما لهم آمان.

الخوف جعله يقول لها عمهّ بغيابها.
ليت مزاجك دائماً متلوّن ومترصد حتى تعرف مقامات الناس وتسميها بأسمائها !

أوقفنا محمد مشيراً إلى ضوءً خافت يمينه: شوفو هاي شنو ؟.

وما أن رفعها حتى بانت له كاميرا، أوقف وضعها فقد كانت تُسجل فيديو ،
اتجهنا مباشرة إلى بيتي، بحجة انه أأمن من حراسة آلن لموضوع هكذا.
***
مسكت الكاميرا متوسطاً محمد وصادق.

بدأ الفيديو: دصور لكم اليُوم حدث تاريخ، هيج عركة شمدريني مال شنو.
سمعته يكول هيج!
بس ما ناشره الفيديو لاني أخاف على ولّدّ عمه المسودنين،
- ثم أردفت بعد صمتاً قليل - لا صادق خطية حباب.

وبدأت تتابع المعركة المنصرمة منذُ ساعة وتخالط صوت أنفاسها التي تُنبأنا بقطعها لمسافة طويلة بأنفاسنا المترقبة بمصير هذه الكاميرا بعد علمنا لمن تعد ملكيتها، انها لمَـتهاب !
التي لأول مرة أنطُق أسمـها التي أسماها والداها به!
هل قلقي من مصيرها يفعل بي هكذا؟
ومن قال أنني قلقٌ على مصيرها ، بل أنني قلقٌ على مصيري أنا وصحبي بعدما بانت ملامحنا في هذا الفيديو الذي أحمد الله أن عثرنا عليه قبل أن يقع في أيدي من لا يخاف فينا ربه!

شدتني حركة الكاميرا مغيّرة وجهتها عن اشتباكنا ثم ملحقتها بكلمة: ما الأمر . . .
ما الأمر أيها النقيب .

ثم سقطت الكاميرا أرضاً مظهره فقط أرجلنا وسط هذا العراك وصوت خُطى سريعة خلفها .
لم نحتاج إلى تفكيراً عميقاً أو سطحي حتى نعرف لما وجدنا هذه الكاميرا ، فنطقها بكلمة نقيب تخبرنا بأنه هو من تسارع بالخطى جانبها،
وحديثها بالانكليزية تخبرنا أنه نقيباً في الجيش الأميركي لا العراقي.

: علمود هيج انتهت العركة!
هذا ما نطق به صادق ، وسط صمت مُحمد وذهولي مما حدث.

بقينا على هذا الحال، ما بين شاردة وواردة..

ثم تحدث ذاك الصـادق مُجدداً: ما عليكم بيها، وراها دولة تطالعها بساعة،
مو مثلنا بطيحة حظ !

الأمر ليس سهلاً كما يقول صادق،
إيران لن تستطيع إلا بعدما تأخذ أميركا حقها الكامـل في معاقبتها،
ثم تُرحل إلى إيران لتُعاقب على "سواد الوجه" الذي جلبته للصحافة الإيرانية و الوزارة التابعة لها، هذا إن خرجت من معتقلات أميركا!
هذا كثيراً عليها يالله!
فهي هشّة لا تستطيع تحمل ذلك،
رغم عنادها لي وقوة بأسها إلا أنها تغضب من كلمة واحدة ضد مبادئها فترتحل من أمامي وهي كطيرٍ جريحٍ دامي .. رغم أنها تتحفظ على قوة شخصيتها ولكنني اعرف الانكسار من نظرة العيون!
فهي مشتتة بين عرب وعجم وإيران وعـراق،
الآن حملاً ثقيلاً تستند عليه عندما تتشتت بين سجون ومعاقل العراق هذا أن لم ترحل إلى المعاقل هُناك في أميـركا،
فكرة ذهابها إلى أميركا موجّعة، كيف ستتقبلها وهي لم تستطيع تقبل شخصاً واحد، لا معاقل وحرس وضباط ومحققين ومحاكمات ومحققين.
هذا كثيراً عليها يالله!
فهي لم تذنب، فقط أرادت أن تحفظها ذكرى لأنها سترتحل إلى إيران بعد عشرين أيام كما قالت.
يجب أن أفعل شيئاً لن أتركها تذهب هكذا من يديّ .. ليس لشيء فأنا لا أكُن لها أي شُعور!
فقط أريد أن أقنعها بسلامة نهج صدام التي تُمحق!
وهل ترى هذا سبباً؟
نعم هو وحده السبب،
أنا مقتنع أنه هو صدام السبب .. لا هي
***
رعشتي التي نتجت بين يدي الجُندي، تطورت إلى أن أصبحت حُمى!
أتمدد على فراشيّ البـالي الذي أظن أنه أُستخدم في هذه الزنزانة عندما تكونت أسوارها للمرة الأولى.
الحُمى جعلت العاشـر من أغسطس صقيعاً وكأنني في أواسط فبراير،
طلبتُ من ذاك الجُندي "الحليم" غطاءً، ولكنه خرج ولم يعد،
فبُدلَتُ بجندي آخر !
وكأنني اسمعه طلبهم ما طلبت، و زجروه وأرسلوا هذا الجلمود الذي لا يرد على نداءاتي بدلاً من ذاك العطـوف،
أخطئت عندما أسميت آلن جلموداً،
فهذا الجلمود لا ذاك . . .
وما الذي أتى بذكر آلن، يبدو أنني اشتقت لتمجيد صدام اللا منتهي!
أو ربـما اشتقت إلى العمّة التي تُقاسمنا المعشر فقط دون رابطاً آخر.
بل اشتقت إلى سماع أصوات أهلي التي لم أنقطع عن مهاتفتهم يومياً حتى خالد تتظاهر أمي بالحديث معه وهاتفها في يدها القريبة من خالد تنقل لي أثير صوته التي أفتقد محاورته لي!

***
خرجا صادق ومُحمد يُصليا الفجر، فعاد الأول لوسادته والأخر عاد إلى ديالى،
بقيت أنا في مكاني حيثُ الكاميرا، متنقلاً في صوراً عدة،
بدأتها من تصوير العراك الذي حصل إلى صورة تجمعها بعمتي،
وأخرها لعمتي وحدها، وهُنا فيديو تفجير حصل قبل ثلاثة أيام في السفارة الأردنية، ضغطت مطولاً على سهم الانتقال، حتى خرجت لي وجوهاً غير مألوفة وأرضاً أعرفهـا .. إيران التي تشابه شقلاوة كما قال مُحمد!
صورة لرجل ثلاثيني يشبهها كثيراً حتى في لون الجنة التي يسكُن عيناهما، وهذا الآخر غاضباً بوجهاً صغيراً يخبرني أن صاحبه فتيّ في وقت مراهقته .. لم يتخطى حاجز الـ 18 .
وهذه صورة جماعية، تضُم أربعة رجال اثنين منهم قد برزا لي بصور سابقة، ويتوسطهم رجلٌ وقـور وامرأة تُشبه نساء الاهوار – منطقة عراقية حدودية مع إيران – بتطريز لباسها الذي يعود إلى التراث العربي وعُصبة سوداء تتوسد جبينها مُحكمة تحتها خماراً أسود يفيض إلى أن يصل خمص قدميـها.

ضغطت السهم بشكل بطئ فبدا لي فيديو: هلو عمّور.
ذاك الرجل الذي يقاربها عمراً ما زال يتخبط في منتصف العشرينات يغطي وجهه عن عدسة كاميراتها وتحدثه مرة
أخرى: شوكت بتطلع وجهك لكاميّراتي ها ؟

أجاب الآخر مازحاً : بجادرج اقولهم شقد جنتي صحفية مثابرة،
حتى متقنة الدور داخل بيتج. "جادر= مكان يوضع به العزاء أمام البيت".

أدخلت يدها في الفيديو ملقيته ضربه خفيفة على مؤخرة رأسه : أدب سز! "قليل أدب".

تحدث الآخر ضاحكا من غضبها: أخوج الكبير يابتّ.

أغلقت الكاميرا فقد اكتفيت بهذا القدر،
وكأن الله جلبها لي حتى تهوّن عليّ مرارة الوحدة فصادق الخائن نامّ قبلي!
وكأنني لم أطرده من ساعة حتى أختلي بكاميراتها،
لا أريدُ أن تستنقصني أمام أحد، أو لا أريدُ أن تفضل علي أحد!
لمـا رأتني "مسودن" وصادق الـ "حباب".
رغم ان مقابلتها له لم تتجاوز الدقائق حتى!
ونكرت أنيس وحدتها السـابقة الذي سامرها ستة عشر ليلة وتتشفى منه وهي تصوره في عراكٍ وتصدر ضحكتها القصيرة الخافتة عندمـا يُلكمّ أو يصرُخ شاتماً . . .
أ هذا حق الأنيس يا مَـهتاب ؟
إذٍ ، حلالٌ ما فعله بكِ الاميركان حتى يشعروكِ ما معنى الوحدة.
***
عصر اليُوم التــالي. . .
أقف مكملاً صفهم لأصبح الحادي عشر بحكم أنني ناطورهم!
تحدث المخول القادم إلينا منذ عشر دقـائق متحدثاً بفارسيةً لا أفهمها،
اسمع أسم مهتاب يتردد كثيراً في كلامه، هذا يعني وصول الخبر له!
أرسلت إلى صادق أن يخبر عمته بضرورة خروجها من المنزل،
وما هي بضع دقائق ألا عاد الرسالة بأختها مفيدني بوصـولهم إلى بيتهمّ.

تقدمّ لي رجلاً قد حادثته مرتين قبل هذه، مرة عندما تسلّم مني المفاتيح، ومرة أخرى عندما كان يخبر مصطفى بحديثي قبل عراكنا : سيدي، حدث هنا أمراً لابد أن تعرفه،
أحد منسوبين الصحيفة الذين أتوا معنا إلى هنا، أخلفت الشروط التي اتفقنا عليها مع الاميركـان وقد سُجنت ليلة البـارحة، وقطعت علينا رحلتنا في هذه الأرض، علينا العودة بأسرع وقت إلى طـهران.

- ثم أردف بعد ما تحدث مصطفى – لا عليك ،
تستطيع الرحيـل الآن حتى قبل أذن صاحب القصر، سلمني المفاتيح وأذهب.

سألته: اش كان يكول مُصطفى؟
أجابني بربكة وضيـاع لا أعلم سببه، جميعهم غاضبون ولا أعلم لما: لا عليك بما يقول، فقط نفذ ما سمعت، انه أمر القائد لك.

سألته مُجدداً : بروح بس بعد ما تخبرني شنو قايل؟

تحدث بعدمّ صـبر: لا علاقة لك بذلك، لقد كان يسبّ تلك الصحفية التي قطعت جولتنا بفعلتها الغبية .. فقط هذا كل الأمر.

وتقولها هكذا "فقط"
وكأنها شيئاً عادياً لا يهمكم أمرها وكأنها غير التي رافقتكم وقتاً ليس بالقصير هُنا،
ستشدون رحالكم وتمضون إلى إيران، وتبقى رفيقتكم إلى معاقل الحجيم ، لا عليهم, كما يقول هذا الرجُل.

دلفت باب منزل صـادق متسائلاً: شوكت يروح القائمقامية والحاكم العسكري لبعقوبة؟

أجابني: بعد ثلاثة أيام ليش؟

رددت تسأله بأمر: دنولي هـناك يمهم.

رأيت الجزع يعلو ملامحه وكأنه فهم ما أرنو إليه: آلن،
لا تخبلني ويـاك، روحة لبعقوبة ماكو ، تعرف شمعنى ماكو يعني ما تعتب بغداد خطوة.

أجبت بغضب لا أعلم لما يقف بطريقي مرة أخرى.. انه لا يفهم لما لا يفهم : مو على كيفك، بنروح يعني بنروح،
خلاص خالي انته لا تروح اني بروحي بروح!

تحدث بعدما فقد صبره: هاذ اللي مجنني أكولك الروحة من أساسها ماكو ،
تريد تذبح روحك انته؟ تريد تروحنا وياك؟
ياخي كافيك لويه، هه شفتك بعينك شصااار حميتهم ببيتك وطلعت بنتهم شلايتية وباقية عند الاميركان.

لم يعدّ يفهم، بل وزادت بجاحته أكثر من سابقها، كيف يسبّها هكذا وهي في المعاقل، يكفيها ما تُعاني هُناك: و سسم إن شاء الله!
هذا بدل ما تروح تطالب بالافراج عنها،
خاف ربك! إسلامكم يأمركم بهيج ، انته تشمت وربعها طشروها وراحوا، هيج إسلامكم !

وقف صادق ذاهباً إلى عمته في المطبخ بفقدان صبـر لا يُريد أن يستهلك حباله الصوتية أكثر من ذلك،
مصيره سيقتنع وهو من سيذهبُ بي إلى ديالى أيضاً . . .
***
حرارة تسكن أعماقي وتجعل مني طريحة فراش لا حراك لها منحتني القُوة بتأخير النطق في حكمي ونقلي إلى أبو غريب حتى أتماثل بالصحة الكاملة.
حمد لله!
حمداً للذي لا يُحمد على مكروهاً سـواه.
هل يُعقل أن أهلي لم يفقدونني، لم يبحثوا عن رقم أحداً يدلهم علي،
والصحيفة أيضاً والصحفيين وكاظم، لما لم يذكرونني!
وآلن أيضاً وعمة صادق ماذا فعلوا؟
وماذا عليهم أن يفعلوا لما أنتي متأملة بهم هكذا يا مهتاب؟
ماذا ترجين من ناطور وقريبة له أتت لتسليكِ في غربتكِ!
***
بعـد ثــــلاثة أيــام. . .

نتناول مائدة الغداء بهدوء لم يسبق بمثله، خصوصاً بين مثلث برمودا!
أنا وآلن وعمتي، ليسجلها التاريخ في سجلاته !

قطعت عمتي تلك السُكون المميت: تره ساكتة عنكم يومين أريد واحد بيكم يحجي،
مخليني هيج مثل المسودنة بينكم، أريد أفتهم شنو هاي الالغاز ياللي بينكم، وليش رجعتوني هنانا ، مو جنتم تكولون لبداية أيلول؟
ها للحين باقي عشرين يوم؟

تحدث صادق مازحاً وممتصاً من غضبها : افاا يا أم علاوي نستج هالإيرانية أيامنا الخوالي!

لم ترد، رمقته بنظره جعلتني أغص بلقمتي أثر تعابير وجهه المصدومة!

مدت لي كأس الماء: انته البله من تحت راسك بتكولي الحين كل شي تفتهم!

أجبتها بعد ما وضعت كأس الماء جانباً: ليلة اللي خذيناج من هناك، هاي الايرانية ياللي عدج.

قاطعتني: أي مَهتاب اش بيها؟

أ تراكِ متلهفة عليها يا عَمتي؟
أ كان الهـوى يُعيد لنا قصة يعقوب ويُوسُف.
بل يعيد لكِ وليس لنا !

أكملت حديثي مظهراً اللا مبالاة: أي يكولوا لج أنها سوت لها هذيج الليلة صخام ويا الاميركان واعتقلوها.

لطمت صدرها : سوده عليج يا زينبّ!
سوده عليج يا أم علاوي.

لم تفتني تلك الدمعات التي نزلت من وجنتيها : قولي يالله!
أم علاوي اتشبيج ؟ قابل أني مبسوط يعني،
كلنا متضوجيـن، بس ياللهَ شدة وتزول.

وما أن كفكفت دمعاتها استأذنتها أو أخبرتها : ترى اليُوم بنروح أني وصادق لديـالى لا تنطرينا على العشـاء، واترسـي الباب عدلّ أو اقفليه بالمرة!

أومأت برأسها، ثم بدأت بنقل الأواني الى المطبـخ،
نهض صادق وأنا مساعدين لها بمهمتها الصغيرة !
لا أعلم لما أريدُ أن أُشبع عيني بها ،
هل هو خوفاً من مجهولاً لم يأتي، أو أن عقلي الباطني يفسر حماقاتي على هيئة خوف ورهبة!
لا أعلم .. لما كل هذا الشُعـور.



مخرج الفصـل العاشـــر
بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ
بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ
بغداد أنت هوى العصفور مهجته
كالريح تعزف ألواناً من الحلمِ


×المتنبي×


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس