عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 02:09 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مــدخل البارت الرابع عشـــر
بغْدَادُ يادَارَ النهى
وَالْفَنِّ يابَيْتَ الْقَصِيدِ
نبتَ الْقَرِيضُ عَلَى ضِفَافِكِ
بَيْنَ أفْنَانِ الْوُرُودِ

×علي الجـارم×


أعتذر على التأخير .. تو أنتهيت من كتابة البارت..
لا تلهيكم الرواية عن ذكر الله

.
.
.
في وسط حديثاً هامس بيني وبين صادق حتى لا تسمع العمة ما يُقال عن قُرة قلبـها، رنّ هاتـفي.. أبيّ يتصل صـباحاً هذا يعني أنه خارج من المحل!

وهذه من أندر الحالات التي تخبرني بوقوع أمراً جلل: هلاو يبه.

تحدث أبي على عجل : انته وينك؟

منتظراً وقوع المُصيبة: بأربيل، ليش؟

أبو محمد : خابرني آلن، ورحت له ولكيته بخرابة ومعطوب!

أعرف استخدام أبي للجمل فقوله "معطوب" يعني انه أُصيب بجروحٍ غائرة!: شوكت هالحجي؟

أبو محمد : من شي ساعتين – ثم أردف- فاتوا العسكر ديـالى.

تحدثت وأنا أرى بعيني عمـتي الثكلـى، وصادق فاقد أخٍ، وأنُاسٍ من ورا الأمـصار والأنهـار للتو شعرت بمكانة أبنها: وطيب انته لهسه عده، هو كيفه؟

تحدث أبي من جديد بشكل أسرع وكأنه يريدُ أنهى المكالمة: لا هسه راح من عدّي،
جبت له طبيب، وعقبّ انهزم لخان بني سعد ،أني كلت له يروح هناك، انتبه علـى حالك وعلى اللي وياك حاسسني قلبي أن آلن مطلوب . . .
"انهزم = هرب".

صرخت بعدما سمعتُ صوت سيارات عسكرية تتمحور حول موقع أبي: يُبه.
الله يخليك لا تعُوفه يروح لوحـده تره ما يعرف شي بديـالى.

أنقطع الخط بيننا، وما زادني هذا الاتـصال إلا رُعباً !
يبدوُ أن آلن أخبر أبي بكُل شي، هذا ليس بالأمر المُهـم،
ولكن كيف تُعرف هوية آلن ويُطلب، وهو لم يُرى إلا من المقتولين!

رجعتُ لواقعٍ فرضه علينا سلاحٍ غيّر مجرى حياتنا وقلبها رأساً على عقب، سمعتُ صوت زينب: محمد، شبيييك يمه؟ ليش مختبص هيج، شكال أبوك؟

لا أعلم ماذا أقول لكِ ، وهل لمثلكِ حديثاً كحديثي يُقال! : ماكو،
بس القوات دخـلوا ديـالى وآلن منهزمَ.
وهل تُرى ربـع حديثاً كهذا يُسبق بـ "ماكو"!

تحدثت وهي تدخُل إلى الصـالة والدمُع يأخذ مجراه بعينيها : اللهَ يحميه ويبعده عن عيون الظـلام،
خومـا تأذى البـارحة، والله قلبـي على نـار من أمـس!

وهل لمثلكِ يُقال لها كـمقولة أبي "معـطوب" وجراحه لن تندمل في يوم أو أسبـوع ، هل أقول لكِ أن أبنكِ الهـارب مجروحٍ!
جراحاً لا تُسـاعده على الهـرب والتخفي فقد تنزُف في أي وقت ويفقد وعيه، قد تكشف أمره وتكشف سبب وجودها في جسده!
قد تودي به هذه الجراح إلى أبو غريب: لا، عميمة، شوية خدوُش ما شي، باعي منهزم ما فيه إلا العـافـية "باعي = شوفي".

عادت العمة تُخبر تلك المُنادية لها من المطبخ تستكشفها الأمر، بينما عُدت كما كُنت هامساً لـصادق: أبوي يكول آلن مطلوب، أمره أنكشف، لا وفوكٍ منها يكولك الولد معطوب ، وما بعيدة كلنا مطاليب!

تحدث صـادق المُصدوم بما يُقـال: خرررب حظنا على حظه،
كيف يكشفونه؟ تتـوقع أحد نجا من التفجير ؟ ولا كييـ . . .
- قطع كلمته مبهوتاً- ليكون مراقبين!
أي أي أكيد مراقبين علمود القائد والضابط ، خرررب حظنا تتوقع لاحقينا لشقلاوة!

جد جديداً بعدما أنـار صادق عقلي بمـوضوع المُراقبة، وهل لهم ان يصمتوا ليلة وربع يوم بـلا مداهمة؟
بعيد كل البعد هذا الصبر عن القوات الاميركية، فهي تقتل القتيل قبل أن تتأكد أن كان من "فدائي صدام" أم لا .
***
لم يخلف التفجير الذي رأيت خدوشـاً خفيفة كما تقول زينب،
أعلم أنه موجوع.. وليس وجعاً عادياً ، الويل لكِ يا مهتاب قد ألقيتِ به إلى التهلُكة!
الويل لكِ من دموع عمته، الويل لكِ من فقد الاثنين له. . .
الويل لكِ من حسرة رجلاً يُدعى "آدم" تتحسر عليه زينب طوال ليلها .
أنتي من جره إلى أمرٍ كهـذا ، لم يكن إلا ناطوراً بسيطاً وحولتيه إلى مجرم حرب!

سألتُ زينب: أم علاوي، ميين آدم؟

أجابت بخفوت وهـي تجمع الأواني: أبو آلن.

هكذا إذٍ !
تتحسرين عـلى الراحل من هوّل ما يسمـع وأنتِ صدقـتي أبناءكِ بأمر آلن!
لم تكوني حاضرة المـشهد ولم ترِ نظرته التي حلفتُ يميناً أنها لا تُشابهه،
هل تُراها نظرة وداع؟
ولكن هل للمودع أن يُناديني بَسـعاد ؟
***
تحدث الصـامتة منذُ علمها بما حدث لآلن : أم علاوي، ميين آدم.

وضعتُ الذي كان بيدي، ملقـية نظري إليها، ما الذي خطر على بالكِ يا صغيرتي؟
من الذي أخبـركِ به؟ هل حدثكِ أحدٍ عنه،
قد ذكرته لكِ سابقاً عندما أخبرتكِ أنه صاحب البيت!
لمـا تسألين عنهُ مرة أُخرى؟

تداركت نفسي ثم أجبتهـا : أبو آلن.

صمتت تلك الفتـاة مرةً أخـرى مما جعلني أكمل عملي، ثمّ لحقت بي وهي تحمل بيدها ملعقتين: أم علاوي، مين بَسـعاد؟

أنه يُوم المُفاجآت يا مَهتاب ، بكل كلمة تقوليها أمسـك قلبي من التي بعدها، من سمح لكِ بنبش شيءٍ أصبح ماضي، ولكن حقاً من هي بَسعاد؟ : مين بَسعاد؟

تحدث وهي تبتسم رافعة كتفيها : أني اسألج .

فعلاً أنها تسأل عن شي تظنُ مني معرفته! : مَهتاب، أني ما فاضيـة لحجايات الزعاطيط هاي ،
نوُبة تسالي عن آدم ونُوبة عن هـاي بسعاد!
رأسـي ترى مو مال صـخامج ، تحجي زيـن ولا وليّ.

تعوُد إلى إزعاجها الطفولي الذي عهدتهُ منها قبل اعتقالها : شعلييه يا أم علاوي، أني دولـي من عدّج ،
بس هاا ترى باقي فطور ولدج ما جبته!

جاريتها بما تقول وأنا أكرر أسم "بَسعاد" بقلبي حتى اسأل عنهُ من أراه أسماً خاصاً به: : ولي يلاا .. مسودنـة.
***
خرجتُ من ديـالى بمساعدة أبو مُحمد ، الذي دلّني على منطقة يقول
" لا يتواجد بها أُناس كثـير ولا يوضعوا في محل شبهة !
هذا ما يجعل العسكر لا تتكلف بزيارتها".
دخلتُ الخان "خان بني سعد" صباحاً والآن يُؤذن العصـر،
أريدُ الذهاب إلى بعقوبة بأي ثمنّ، فلن أجد مُطبب لجراحي إلا بـها ، أعرفُ طبيبها وعلاجـها الذي لن يغدُر بي ولو تُؤخذُ منه روحه،
وقفتُ أمام المسجد وأنا أُخفي عرج أمال استقامة رجلي اليُمنى خوفاً من مرور جاسوس في هذه البلدة المتوسطة،
متوسطة الحال، متوسطة الشعب، متوسطة الحركة، متوسطة البلـد !
سمـعتُ الأمـام يُعلن ختامه الصـلاة، تحركتُ مسرعاً إلى الجدار الآخر، هارباً عن وجه المُصـلين الذين بدؤوا انتعـال حذائهم مُتفرقين بخطواتهم راحلين إلى حيث أتوا، تقدمت وأنا أرى الأمام يتبعهمّ ثم يدير وجهه إلى المسجد مُغلقاً بابه،
أخفيتُ الصليب في لبـاسي الذي أتى به أبو مُحـمد صبـاحاً، لا أعلم هل هذا شيخاً فضيلاً، أم من كهنة المساجد الذي لا يعرفُ من الدين إلا أن يرفع رايته في المكان الخطأ، لا ضير أنه يستعد لقتلي لو كان منهم!
فأنا مسيحياً ، أي أنا عدواً لله!
أنا مسيحياً ، أي أنا كـافر!

تقدمتُ إليه وأنا أضع يدي حول رقبتي مُخفياً جروحها: هاي حجي؟

أبتسم قائلاً : هلا أبـني.

طلبتهُ وأنا مُتردد من هذا الطلب الذي لا يقبل خيارين أما السـلام الأبدي، أو الموت المُحتم: عمي، أني داخل على الله ثمّ عليك،
أريدك توصلني لكنيسة بعقوبة.

أنـزل رأسه قليـلاً، لا يعلم لما طلبتهُ ذلك، ولا يعلم ماهية الأمر الذي أريد منه الوصول إلـى الكنيسة، هل أُريح حيرته وأقول له أني محط اعتقال!
هل لي أن أُفصح لهُ عن أمرٍ لم يكن بالحُسبان،

تحدثت بعدما وجدتُ حيرته: عمي، أروح لك فدوة أني من بغداد وانهزمت من جماعة يريدون يقتلوني، فما لي بعد الله إلا أنت.

تحدث وهو يرفع يده كأنه ناهي عن إكمال حديثي: انتظرني هنانا، ثواني.

لم يُدخلني المسجد ولم أنتظر منه ذلك، ولكني أخاف وقوفي هُنـا،
نعم.. بدأت أخاف كُل شيء، ما هذه الحرارة التي تسري في جسدي؟
ويدبّ معها الوجع مُجدداً !
لا ضيّر إنها حرارة تستقر في جسديّ بعدما اختلفت عليه هيكلته!
لابُد للشيـخ أن يقدم قبل أن يتطور الأمر، فباديهُ وجعاً ضئيل ، وآخــره .. وحده الربّ يعلمّ ما هو آخــره!
***
وقفتُ في فناء البيت الريفي بجانب مُحمد الذيّ لم يلقى جواباً من هاتف أبيه منذُ آخر مكالمة حادثه بها صـباحاً .
أخذتنا الظنون إلى اعتقاله، فصرير السيارات الذي سمعه محمد لم يحمل وراءه إلا أمراً هكذا.

تحدث مُحمد إلي : ما راضي يرد!

اقترحت عليه حلاً آخـراً : طيب، خابر المحل بيكون موجود فيه للمساويات مو هيج ؟
أومأ برأسه وهو يبحث عن رقم المحل.. ولكـنهُ لم يجد إجابة!

نظر إلـي بقلة حيـلة، لقد انتقل الخُوف إلي وكأن دائرة السوء تتمحور حول أبي .. نعم أنه أبي بعد رحيل أبويّ .. كاظم و آدم!

سألته وكأنني وجدتُ طوق نجاة لا أعلم كيف تناساه مُحمد : خابرت أمك؟

رفع هاتفه الأخر ملهوفاً وهو يضرب مقدمة جبهته: انسيييت!

نظرتُ إليه وهو يردُ متلهفاً : هلااو مـلاذ .

تسلل لي صـوتها: هلاو بيـك حمّود.
***
هذا كثيراً يالله..
يكفيني مصيرُ آلن المجهـول، حتى أجهل مصير أبـي!
مضت سبع ساعات وهاتفهُ مُغلق، أبي يندُر إغلاق هاتفه حتى أنه يواظبُ على شحنه مساء حتى يصحو وهو ممتلئ، يكره إن يفرغ منه جيبه حتى ولو كان موصولاً بالكهـرباء، خصـوصاً بعد السـقُوط الذي دمّرنا ..

اتصلت على أمي كما أقترح علي صادق، كيف لي أن أنسى اتصالاً يُخبرني عن مصير أبي المتعلق منذُ
سبع ساعاتّ، ردت علي تلك الصغيرة المُدللة: هلاو ملاذ.

ردت عليّ تحيتي: هلاو بيك حمّود.

إن أخشـى أن أفتح عيناها على شيءٍ لا تعلم عنه!
ماذا لو كانت تعتقد أن أبي في دكانته إلى الآن ..
ماذا لو كانت تنتظره عـلى قهوة " المغرب" كعادتها..
ماذا لو فجعتها به وفجعت أمي وهن وحيدات في البيتّ

سألتني: هاا كيف أربيل؟
لـيكون متزوج كُردية ورايح لها، كثـرت روحـاتك آغاتي محمد!

رددتُ على مزاحهـا بعدما أراحتني، فعلمها بأنني في أربيل .. يعني أن والدي أخبرهما بذلـك، تحدثت زاجرها: يا بت.. عيبّ هالحجي بعدجّ صغيرة، لا تزعلين باجر أخذج أربيل تتنقي عريسّ!

علمت أنها استحت، وإن خدّيهـا تلونت بالأحمر القاني: أدبّ سزز ،
وبعدين لا تكول صغيرة صغيرة، باوع وصلت الـ 23 وبعـدك تكول صغيرة.

أغضتها مُجدداً : مو بس صغيرة.. همّ زعطوطة!

أغلقتُ الهاتف وهي لم تُنهي شتيمتها..

حدثتُ صادق الذي يبتسمّ لحديثٍ عرفه كامل حواره من خلال طرفٍ واحد: الحمدلله .. أبوي طلـع عدّهم.

أخذ شهيـقاً ثم زفر وكأن روحه للتو عادت له: الحمدلله،
- ثم أردف- تُعرف آلن كالي ثلاثة أيام وإذا ما اجيتكم دوروني بالسجون ولا مع الشُهـداء .

تحدثتُ مطمأن له وأنا أحتاج من يهدئ روع قلبي على ذلك الرفيق: معليييك بيه،
آلن سَبع، مينخـاف عليه الحمدلله هستوة الصبح مابيه الا العافيـة .. وتعرف أنه بخان بني سعد، وأني باجر بحاول أمر عليه وأجوف وين راح وأخـابرك ..
***
ودعتُ محمد الذي لابُد له العودة إلى ديـالى قبل المسـاء .. ولا أعلم متى سيعُود!
فمشوار يُقارب 300 كيلو ليس بالقريب أبداً حتى يسلكه يوميـاً..
رحل وهو يكرر " آلن سبع مينخاف عليه!".
ولأنه سبع لا يرتضي لنفسه خدشاً إلا يأخذُ بحقه أخافُ عليه!
ولأنه سَبع لا يرتضى لنفسه هوانٍ أخافُ عليه!
ولأنه آلن السَبــع أخافُ عليه

عدتُ أدراجـي إلى المنزل .. رأيت عمتي تخلع حجابها، بينما مقابلتها تتأكد من إحكامه على رأسها
بسبب تنبيهي الذي أخبرها بقدومي: السـلامّ عليكم.
ردنّ السـلامّ بصوتين خافتين: أني دروح أشتري حاجيـات تريدون اشي؟

تحدثت عمتي : دنروح معـاك .. جينا خالين!

كُلنا أتينا خالين الأيدي والوفاض يا عمّتي ..
خالين الروّح أيـضاً ..
***
نقفُ إلى أول شارع رئيسي ننتظر قدوم سيارة توصلنا إلى أقرب مُجمع تجاري،
فقد تأزم صادق من وجوده بلا سيّارة، أتينا ليلة البارحة مع مُحمد الذي رحل قبـل دقائق .. ولم تبقى لنا إلا أقدامنا التي أوقفتنا على الـشارع الرئيسي منتظرين السيارة التي بدأت تتوقف ويتقدم لها صـادق..
ركبَ صادق أمام، بعدما أشار لنا بالقُدوم، ركبتُ بجانب عمتي خلفّ، متأملة منـاظـر شقـلاوة الصيفية التي تُخبرك أنك في شـتاء بغداد وطهران،
أراضِ خضـراء، تظلمها الشوارع والمباني التيّ تقطع أشجارها حتى تُعمـر!
سُرعة السائق "الطبيعية" كانت مُزعجة لي ولم تدعني أتأمل كيفما أشاء،
من أول نظرةً أُلقيها على مبنى أو سفحٍ، يقطعها بسرعته ولم تتبعها ثانية!
هذا ما جعلني أنظرُ أمام وأتأمل سواد الشارع من واجهة السيّارة التي بدأت تنحدر وتنعطف كثيـراً وسط صمتاً مُهيبٍ،
لم يكن سببه إلا كُردية السـائق وعربية الرُكـاب!
توقف السائق عند المُجمـع دهشتنا .. ليس لأنه توقف!
بل من سُكان هذه المنطقة ولباسهم .. أعني النساء ..
فهنّ يلبسنّ ألواناً صارخة جُلها ما بين الأصفر والبرتقـالي مع حجاب يُغطي نصف الشعر بنفس اللون !

أما لباسهن فكما وصفه صادق: شبه لبس الأفغـان!

مُحقاً في ذلك.. فلباسهن هنّ والرجال يتشابه ، سواءً رجال الأفغان أو رجال الكُرد، فهو يحتوي على قميصاً طويل يصل إلى مُنتصف الساق وتحتهُ سروالاً عريضاً ..
تحدثت زينب وهي تنظرُ إلى اللافتـات: تعالي مَهـتاب للمحل هذا.
مشيتُ معها بينما ذهب صادق إلى آخر بعدما أوصى عمته بالاتصال به فور انتهاؤنا .
***
أركبني ذلك الشيـخ في ظهر سيارة تقلّ أكياس شعير وحنطة، لقد وضع خشبة في المنتصف وأركبني تحتها، ثم وضع أطنان الشعير والحنطة فوقهـا،
ستوُن كيلو وأنا في هذه الحـال، ومع حركات السيارة وميلاتها تميلُ تلك الأكيـاس وتتحرك الخشبة فوق ظهـري فاتقه جراحي لقد آلمتني كثيراً، أحسُ وجعها وهي تسيل دماءٍ وكأنها تصرخُ بي تقول "كـافي" ..
فقد كفى نفسي وجعـاً .. وكفى جسدي وجعاً أيضاً ،
فأوجاع الجسد تندمـل ولا يـبقى لها أثراً، ولكن جروح القلب باقية لن يُخفف وقعهـا مُرّ السنين أن مـرت!
ولكن طبيبي الذي ذهبتُ قادراً إلى مداواتها بلا كللٍ ولا ملل ولا غدرٍ ولا منة. . .
***
عُدت إلى منزلنـا .. الذي كُنت به مسـاء البارحـة مُجهـزاً لرحيل أوجع روحي قبل روح عمتي زينب وروح صـادق .. وتلك التي نُسيّرها معنا حيثُ سرنا ولم نردُ لها رأي!
ربـما كانت تُريد البقاء في المُعتقل والذهابُ إلى إيران بعد انتهاء محكوميـتها ..
ربـما كانت تُريد مُفارقة أرض العراق فهي لا تحمل لها ما نحمل من ولاءٍ وحب!
لما نسيرُ خلف رغباتنا غير آبهين برغبتها ؟
لقد ظلمـناها كثيـراً وجاوز ظُلمها المـدى، يبدو أننا ندفع حوبتها بانتظار خبراً عن آلن. . .

سـألتُ أبي الذي كان يمدُ فنجانه إلى أُخـتي: ما عرفت خبر جديد عن آلن؟

أجابني أبي: لا،
وصله أحد العُمـال للخـان السـاعة 8:30 هذا أخر شي عرفته!

سألتني أختي: شمسوي هو علمود ينهزمّ؟

سبقني أبي بإجابتها: سوُالف عيـال، منهزم من أهليته! "أهليته= أقاربه".

الصمتُ ساد مجلسنا بعد آذان المغرب مما جعل أبي يضع فنجانه ونقوم سوياً إلـى المسجد .
***
عُدنا مُحملين بأكيـاس وذكريات وأموراً جديدة لم نعهدها جميعنا، رغم اختلاف جغرافيتنا . . .
طريقة التعامل تُختلف ، واللباسُ أيضـاً يختلف، وطريقة الحديثُ بين بعضهما البعض، كلُ شيئاً مُختلف . . .
هذا ما جعلنا نبقى بالسُوق طـويـلاً، نتبضعُ دقيقة ونتأمل النـاسُ عشرا حتى أنضم صادق إليـنا ولم يخلو تأملاتنا من تعليقاته التي جعلت الناسُ يديرون وجههم لـنا وسط توبيخ زينب لضحكاتنا العالية.
أنتظرُ عودة صادق من المسجد الذي ذهب رغم تحذير أبو محمد الذي أوصله لنا أبنه أن لا يخرُج أحدنا إلا لحاجة ضرورية!
ذهبتُ إلى زينب التـي تعدُ قهـوة المـساء، تلك القهوة العربية التي بدأت تعدلُ مزاجي، وما علمت زينب بذلك .. قالت "قهـوة بغداد هي من عدلت مزاجك.. أم تلك القهوة العربية تعملها أمكِ منذُ سنين!".
لقد اغترت امرأة بغداد ببغدادهـا ..

دخلتُ: اللهَ .. شو هالقهـوة يا زينب!
جابت رأسي وأني بداري ونزلت لج.

تحدثت الأخرى وغرورها يزيد ولم ينقص وهي تسكب لي فنجاناً: اشعبالج ؟ هااي بغدادية
- ثم دمعت عينها- ما تدرين قد ايش اشتاقيت لبغداد !

أجبتها ضاحكة، مُقللة من شأن بغدادها: على شو تشتاقين؟ كلها كرخ ورصافة!!

ضربتني على كتفي بعدما شربتُ من قهوتها التي سببت مصـدرها .. بغداد : سم وزقنبوت على قلب العدو!
***
أنزلتني تلك السيـارة بعـدمـا شكرتُ صاحبها كثيراً، فهو منقذي من جحيم أميركا التي سوف يوصلني محاكمتي إلى منافيها . . .
دخلتُ كنيسة "أم المشورة الصالحة" الكنيسة الوحيدة التي تُزيّن ديـالى ومركزها بعقوبة.. فقرع الأجـراس كفيـلاً بمهاداة أرواحهم وسُكناها من هماً يعتريهـا..
تخطيت البابَ الكبيـر المُشرّع، وأمامي تتجلى صورة العذراء وأبنها المسيـح متخطياً الكراسـي الواسعة الكثيرة التي تملأ باحات الكنيسة، ثم خرج لي دليلي وهادي سبيلي – بعد الله – تقدمتُ إليه ثم سلمت

على يده وهو ينظر إلى جراح أدمت ظهري وبانت له لما انحنيت: عليك السـلام يا أبونـا ..

أجابني : شبييك هيج يا بني، من اللي تـطاول عليكَ؟

لم ينتظر إجابتي على تساؤله فمسكني مع يدي مُدلفاً السـتار الواسع الذي يُغطي جزء كبيراً من الكنيسة، آخذني معه إلى قسمـه الذي يعيش به في آخر الكنيسة.
***
السادسة صباحاً في صـباح الأول من سبتمبر .. أيلول الشُعراء وحادي اصبوحاتهم
أيلول المغتربين كغُربتي.. المظلومين كظُلمي!
ها أنا أسكنُ أربيـل .. متمركزة في شـقلاوة وقلبي ينظرُ إلى حاج عُمران الذي يحدّ بلدي العزيزة .. إيـران.
اشتقت إلى نسمـة هواء طهران، اشتقت إلى أمي بعصُبة رأسـها التي تُشابه نساء البادية في العراق!
اشتقت إلى الأهـواز.. أريدُ أن أعتذر منها، فقد قُلت لها أنني لا أريد أن أعيشُ بها يوماً واحدٍ ، قلتُ هذا وأنا أتوسد ترابها وأفترش سمائها !
عُذراً يا أهواز طفولتي .. أن خدشتُ عروبتكِ عندما فضلت عليك فارسية طهران!
عذراً يا أرجوحة طفولتي التي تشبثت بها أرض الأهواز حتى لا توقعني وأنا أمرح.
عُذراً يا أهواز .. عُذراً يا إيران ..
عُذراً يا أبي .. عُذراً أمي وأخــوتي!
عُذراً من خالدٍ الذي جرحت شبوبيته التي للتو بدأ مراهقتها ، وأراد أن يظهر رجولته برفضه طلباً هكذا من أختهُ ، ولكنها جرحته جرحاً لا أعلم كيف أقابله بعده!
وهل لي أن أقابله بعد الآن؟
عذراً مرة أخرى لكم .. لكم جميعاً من أُناس وشوارع وجمادات ومُدن!

عُذراً يا أهواز الطـفولة ، عُذراً يا طهران الشباب..
فالعـودة المحـتومة، لم تحنّ .. وحان الغيــاب!
***
استيقظت على صوتُ عمـتي: صاادق يله قوم، موبايلك من اليوم يرنّ!
وقفتُ ملهوفاً .. متشوقاً، أريدُ خبراً يهونّ روعـي .. أريدُ خبراً عن آلن،

رأيتُ المتـصل محمد : هلاو محمد.

تحدث محمد: صادق قفل موبايلك ، وشوف مهتاب إذا معاها مُوبايلها تقفله، أو تدري أشرم الخط بعيد عنك لو أكسره " الخط = الكرت أو الشريحة".

تحدثت متسائلاً مرعوباً من عاقبة هذا الطلب! : نزلت أسمائكم مطلوبين.

أغلقتُ هاتفـي بتلقائية ناظـراً إلى عمـتي المتسائلة: خييير ؟

أجبتها وأنا لم أستوعب بعد كيف كُشفنا : طلعنا مطلوبين!

وقفتُ باحثاً عن مَهـتاب حتى اخبرها متجاهلاً نداءات عمتي المتسائلة..
كيف، ولماذا، ومتى!
وجدتُ الأخـرى تدخلُ المنزل بعد انتهاء جولتها الصباحية في الفناء مُحملة بالخُضار التي جلب محمد مثيلها مساء أمس وسط عزوف عمتي ومهتاب عن أكلها .. لا يريدان إلا شيئاً قُطف للتو!

وكأنهم شهورهم الماضية في بغداد يقطفانِ من أشجار مُثمرة كهذه: مَهـتاب، وين موبايلج؟

أجابتني وهي تبتسم: النـاس تكول صباح الخـير!

نحنُ مطلوبين والأختُ تستظرف! : مَـهتاب، علمود النبي وين موبايلج؟

تحت وهي تُقطب حاجبيها : اشبيييك ؟
وبعدين موبايلي ما أنطونياه الاميركان .. الله لا ينطيهم!

تجاوزتها خارجها، وأنا أُخرج شريحتي كاسرها، مما جعلها تستفسر : ليييش؟
أجبتها : لاننا مطلوبين!

ضربت جيبها بيدها : خرررب حظظك!
أمانه صج؟

ابتسمت على صدمتها الباهتة ومازالت تستجوب تضنني أستظرف! : و محمد !

أوشكت عيناها على الهـطول مُديرتني ظهرها، مُجيبه عمتي التي للتو نزلت أسفـل عن تساؤلها ، وكأن الحديث في لغة النساء يقطع وابل الدموع حتى ينتهي!
لقد تلاقيا ثرثارتان وهذا ما يجعل الأمـور تسيء بنظري أكثـر، فقد أطلقت تلك العنان للسانـها حتى تُخبر عمتي عما جرى ..
وما هي دقائق حتى تنتهي من حديثها وأسمع عويلهما !!
***
لقد وقع صحبي في الفخّ وأصبحوا مطلوبين لدى القـوات الأميركية ، التي

ستدفع الغالي والنفيس حتى تُمسك بمن غدروا بجنودها وكُبار ضباطها،
فمن رحلوا ليس برجالاً عاديين!
فهمّ قائداً عسكرياً .. ثالث رجل أميركي في أرجل العراق ويشاركه الرحيل ضابط أفنى حياته حتى تقلّد رتبه جنرال !
لقد أخطى آلن بقتلهم، وضع رأسه برأس أميركـا.
تحدثت أختي وهي تحمل الجريدة فاتحة صفحتها التي تحمل الخبـر ..
" عشرة ملايين عراقيـة لمن يقبض على هؤلاء"..
ثم ينساب الكاتب بكاتبته عن حدثٍ مشين قامـا به شـابّان أطلقا سراح فتاةً مُذنبة .. ثم ألحقوا ذنبها ذنباً
آخر وفجّروا بالمركبتين وما تحمله : أقـول محمد، عمتي زينب وين تروح ؟

رفعتُ رأسي لها : وين دتروح؟

تحدثت وهي تتحدث بخفوت وهمس: يعني لو مسكوا صادق هي وين بتروح؟

لا تتفاءلي بالشـر يا أُخيتي ..
فقلب أخيكِ لا يحتمل فراق رفيقي دربـه!
كيف إذا حملاه بأمانةً لا يرون النور إلا من عينيها،
ولا يحضون بالدفء إلا بين يديهـا ..
فهي من تقلبهم يميناً وشــمالاً كيفما أرادت وهم عليهم سمعها ولو أخطـأت ..
فيقـول آلن قبل سنـوات " زينبُ لا تُخطئ الرأي لو أخطأ ألفُ رجـل".
هي أمهم وهي والدهم وهي كل ما أرادوا ..
لا توجعي القلب بحديثٍ كهــذا، أجعلي تساؤلكِ حديث نفساً ولا تُلقيه على مسامعي!
لا توجعي القلب يا مهجته.
***
صحيتُ الخامسة فجـراً، صحوت بسبب علةً أحاطت بقلبي وأفزعتني، تلك النغزات تزدادُ مما جعلني
أُوقظ النائم في جواري: أبو ينـال .. آدم،
دخيلك ربك قوووم .

صحا ذلك النائم متضجراً: شبيييك؟ في أحد يقعد خمسة الفجر!

تحدثتُ والدموعُ تسكن عيناي : أبو يـنال دخيل ربـك شوف آلن اشبيه،
حاسسني قلبي بيه شي!

تحدث والنُوم يذهب من عينيه وكأنه لم ينمّ: عطيني موبايـلي، ما خابرتيه؟

لم أستطع محادثته، ماذا لو صابه مكروهاً وهو من ينقله لي!

ماذا لو لم يردُ وأنا من ينتظر كلمةً منه: لا .. ما أريد.

أحترم رغبتي رافعاً هاتفه على أذنه منتـظراً إجابة .. ولكنه لم يجد !
أراه يبحث عن رقمـاً آخر ولكنه لم يجد أيضاً : خابرته هو وصادق ما يردوا!

تحدثت إليه وقلبي يعاود ألمه ويصرخ باسم ثاني أبناءه : دخيل ربك خابر محمد، أو تدري خابر زينب.

رجفةً تسكن يده تحت أنظاري!
هل ترى خوفي أنتقل إليك أيضاً .. أم أن للأبوة أحساس يتجسد أيضاً ؟
رفع هاتفه متصلاً على مُحمد، ولم يجد إجابة ولكن الرقم لم يُغلق كسابقيه،
هذا لوحده أملاً صغيراً يؤنس الروح ويزيل بعض كدرهـا .

أتصل على آخـر رقماً رشحتهُ لهَ، مُمداً لي الهاتـف: خابريـها .
***
قطع علي حديثُ مهتاب الذي جرح روحي أكـثر وجعلها تسقط أرضاً،
كيف لهم أن يتركوه يشعل النيران وهو وسطـها ..
لهذا ألاحظ الشـرود يسكن عينيّ محمد وصادق!
لهذا بُكى مهتاب المتواصل ونحيبها طوال الطريق ، لهذا كُنت بلهاء بينهم .. مُغفلة ..

رنّ هاتفي مما جعلني أرتبك وسط أنظار أبن أخي الذي للتو أزال دمعاً يسكن عيناي ، ووسط أنظار
أخرى للتو سكبت دموعي بحديثها، تحدث صادق : شبييك عميمة، ردي على موبايلج!

نظرت إليه تائهة: هذا آدم، ما ادري شيريد.

تحدث مرة أُخرى: خطية تلاقيه خايف على ابنه، خابريه.

رفعتُ هاتفي أمام أنظارهم : هلاو أبو ينال.

ردت تلك المريـم: زينب .. دخيلج وين آلن؟

لُجمت .. أنا للتو علمت به، هل تُريدين أن أُعيد لك سيمفونية مَهتاب المُبكية؟ هل تُريدين أن أخبركِ بكل هذا ؟

هذا كثيراً عليّ يا مريم: هلاو أم يـنال .. الحمدلله آلن بخـير.

تحدثت متسائلة: هو عدّج؟
ليش ما يرد على موبايله

أجبتها وأنا لا أعلم بما أُجيبها : لا، راح من عدّي أمس هو وصادق لديـالى!
وهناكا ماكو تغطية كلشّ.

أنهت المكالمة بقولها : دخيل ربج من يرد لج كولي لي .. واه قلبي عـلى نـار حاسه بيه شي.

انتهت المكالمة من هُنا .. وابتدأت سيل الدمُوع!
هي أمهُ وتحسُ به حتى ولو كانت بعيدة، هي من فزعت من سُباتها بسببه!
***
صحوتُ على صوت "يوحـنا" : الحمدله على السـلامة يــا ..،
ما كلت لي أسمك؟

أجبته وأنا أتناول من يده صينية إفطار : آلن .. أسمي آلن.

حيّاني بقوله : أهلاً وسهلاً..
من شو منهزم!

أجبته وأنا أترقب ملامحه، أعلم أنه لن يتخابر عليّ مع اارميركان .. هذا وحده ما يُريحني : من الاحتلال!

أومـأ برأسه بخفوت، ثمّ بدأنا نُصلي ..

وما انتهينا من إفطارنا حتى سألني : تعرُف صادق ومَهـتاب؟


انتهى


مـخرج الفصــل الرابع عشــر
بَغْدَادُ يَابَلَد الرَشِيدِ
وَمَنَارَة َ الْمَجْدِ التَلِيدِ
يَابَسْمَة ً لَمَّا تَزَلْ
زَهْرَاءَ في ثَغْرِ الْخُلُودِ

×علي الجـارم×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس