عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 02:19 PM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مــدخل الفصل السادس عـشر
أعـاين على الديـرة من مسافات
بصير العين بس ايدي قـصيرة

×محمد العزاوي×



.
.
.
صُدمت عندما رأيته ينحدر من الطريق الرئيسي إلى آخر صحراوي صرخت به وأنا أحسُ حياتي في بير لا قاع لهُ: مسعود..
دخيلك وين دتروح؟

تحدثَ المُسمى بمسعود: اشبيييك يا رجُل؟
ما كايل لك دامك وياي لا تخاف، - ثم تحدث مجيباً تساؤلي- قبل كُل حاجز دننزل صحراء ومن نتجاوز الحاجز نرجع عالطريق العام، علمود ما نضيع همّين.

تحجج بعودته للشارع الرئيسي بسبب الضياع الذي رُبما يتوه به، وأنا أعلم انه سيعود للشارع الرئيسي حتى يطمئن قلبي أنه صادقاً في وعده ولن يغدر،
فالغدر في هذا الزمان مُخيفاً جداً ، خصوصاً بعد اختلاط الحابل بالنابل، وسط ضياع القوات العراقية التي بدأت تتلاشى وأخرى أميركية بدأت تظهر بشكل أكثر من سابقه فكل يوم يزيد تشبثها في أرض الرافدين، وأخريات وجدت لها طريقاً لتعُيث فساداً في أرضٍ حرسها سيدها سنينٍ طوال حتى لا يعم فسادها، يبدو أن سقوط سيد بغداد اسقط معه كل المبادئ والمحرمات التي يحذرنا منها في كل مجلسٍ يجلسه، فقد حرّم علينا قهر المرأة العراقية الذي لا يتفوه باسمها كما نناديها "امرأة" !
بل يقول لها "الماجدة" ويحيي نساء بلده بقوله "كل التحايا لماجدات العراق العظيم".
وما عاد في يومنا هذا لا ماجدات ولا عراقٍ عظيم يا سيّدهم.

نظرتُ إلى مسعود الذي لا يدل على مسيحيته إلا صليباً مُعلقاً زينة في المرآه الأمامية في سيارته!
كيف لمسيحياً أن يمضي بلا صليبٍ يرافقه ويحميه من آفات الزمان وفتنه التي لا تنتهي إلا وتلحق به أُخرى: مسعود،
وين صليبك؟

تحدث وكأنه يستغبيني: مخبل لو مسودن؟
تريدني ألبس صليب بوضح نهار بعقوبة، والله لأروح فيها قتل.

لقد خشيَ مسعود ما خشيته قبل بضعة أيام، يخشى إرهاباً شوّه صورة الإسلام، فلو لم أكن أعرف الإسلام من صادق ومحمد لحلفتُ ان الإسلام بُني على قتل وتفجير المفخخات وتهجير من لا ينتمي له!
لقد بزغَ هذا الفكر الشيطاني مؤخراً في العراق بسبب الأحزاب والعصابات التي نشرت وبائها بشكل سريع مجرد علمها بحدوث زعزعة في أرض الرافدين.
ليت تلك القوات كانت درعاً مؤصد في وجه الغازيّ!
لا سلاحِ يوجه رصاصته على صدور العراقيين بسبب عقائد ذاك المغدور ومبادئه.
***
صحوتُ وحدي، كما بقيتُ هُنا وحديّ!
كأنني لا أستأنس بوجود رجلٌ وفتاة بجواري طوال تلك الأيام الأربع الماضية،
رأيتهم يدخلا بعد أن قضى ساعة ما بعد منتصف الليل في فناء منزلنا الريفي، الذي أتت منه مَهتاب تكابد السهر باحثة في أوراق جريدة أودى بها مُحمداً في آخر كنبة وُجدت في الصـالة، فكانت أسماء أبنائي تُزيّن الصُحف في قائمة المطلوبين، هذا ما جعل مَهتاب تُصدم عندما وجدت أسم آلن يعلو بيته الذي حُجز للقوات الأميركية..

أتتني مُسرعة: زينب، الحين آلن ما ناطور؟
خرررب طلع هو صاحب البيت!

ابتسمت لها ضاحكة: أي هو صـاحب البيتّ، اشبييج ملسوعة هيج!

وضعت كفها على ثغرها وكأنها نادمة على ما قالت: يوووه، ما تدرين كم مرة عايرته وأكوله ناطـور..
– ثم اردفت – هو اللي كلتي لي أهله عافوه وهاجروا؟

أجبتها بنعم، وودعتني بعد ما أخذ منه السهر ما أخذ هي وأبن أخي حتى جعلهما يغطا بنومهما ويتركاني وحدي بعدما أنتصف صباحي أيضاً وجاوزت الساعة التاسعـة .
مائدتي أمامي، ولكن لن يطيب لي طعاماً وأنا وحيدة هكذا!
لم أصبح وحيدةً طوال حياتي، فمن بيت أبي وجوار أخوتي انتقلت إلى بيت زوجي، ثم عُدت مرةً أُخرى إلى بيت أبي بعد فقدي لزوجي،
ثم سافرتُ إلـى بغداد بعدما صدر تعييني مُمرضة في أكبر مستشفياتها،
في بغداد وجدتُ حياةً أُخرى، مغايرة لسابقها تماماً، لم أعش طفولتي أو صبايّ وشبابي بهذه الصُورة..
هُنا عُشت حياتي مُغامرة، مُغرمة ..
في بغداد وجدتُ طعم حياتي بلا قيود اقتادتني إلى بيت زوجي وأنا في الرابعة عشر من عُمري ..
في بغداد وجدتُ طعم الحُب الذي لم اتعلمه في الكاظمية، ذلك الحب الذي لم اتعلمه على يد زوجي!
زوجي الفـلاح المُناضل الذي يبني قصره الرئاسي بفأسه في بداية مزرعته مُنتظراً ترشيحاتٍ انتخابية تقضي أمره أي حقلٍ يبتدأ به يومه!
وأي فاكهة يقطفُ قبل، وأي شجرةً يحصد !
وأي محصولٍ يحرث.. هذه فقط حياته التي علمني، يخبرني متى مواسم قطف كل نوع من الفاكهة، ومتى تُقطف، وكيف.. وأين يبيعها؟
فأن أتى له موسمٍ زاهرٍ بالعطـاء، هو الموسم الذي يذهب به إلى بغداد حتى يبيع قطافه هُناك .
كان يأخذني بين حينٍ وآخر إلى بغداد العظيمة حتى أتأمل أشجارها المظلومة بسبب البنيان الجائر الذي حطمها ،
ذاك البُنيان الذي اراه ساعة ويظل حديثي لأهل الكاظمية حتى أعود مرةً أخرى بموسمٍ آخر لبغداد وأرى شيئاً آخر أعظمُ من سابقه وأتحدث به!
هكذا كُنت بسيطةً جداً مع ذلك الزوُج الذي لم يعرف من الحداثةِ إلا اسمها .. كمعرفتي ببغداد !
ذاك الزوج الذي لا يريدني زوجةً فقط .. بل يريدني ماسحة جوخ لهّ!
يراني عبدةً بين يديه، تفكيره وعقليته تعود إلى أحقابٍ ولت ومضت، وكأنه لا يعيش في سبعينات القرن الفائت!
لقد جُننت وأنا أتحدث عن ميتٍ هكذا !!
فالميت لا تجُوز عليه إلا الرحمة.. والحي لا يبقى كالميت لابُد أن يبحث له عن جليسٍ يؤنسه!

وقفتُ باحثةً عن جليس يؤنسني وأنا أنوي الذهاب إلى أبن أخي حتى أضعه في زاوية من التحقيق .. ماذا أراد بمحمد مساء أمس عندما فز من مكانه لاحقاً به ..
ما هو الأمر الذي لا يريد سماعي له..
لن تكبر .. حتى تُخفي على زينبك أمراً، فأنت ما زلتُ صغيرها المُدلل الذي دللتهُ مرتـان.
فأني أرى بك صادقاً ابن شقيقي مرةً!
وأرى بك علياً ضنى روحي مرةً أُخـرى ..
يحقُ لك الدلال يا صغير عمتـك الثكـلى..
يحقُ لك الدلال يا صغير عمتك اليتيمة، التي لطالما شاركتك بكاء الليالي فأنت تنعي أمك وأنا أنعي ابني..
فعلمتك الليالي أن تصبح ابن لي تُسليني ..
وعلمني الوفاء أن أُخلص لأبني الجديد!
فتحتُ باب غرفة ابني الجديد .. القديم، فلم تكن تلك الحدود قائمة بيننا حتى أطرق بابٍ يُخفي خلفه ولديّ!
تقدمتُ إليه وأنا أأكد كلام روحي قبل دقائق .. نعم انه أبني فهو يمتلك رموشاً كثيفة سوداء كرموشي.. يجذبك طولها الذي يرسمُ على تحت جفنه الغافي قصص اشتياق عُقدت في سنيناً ماضيه بيني وبينها ..
نعمّ!
كُنت أسامر رمشه إذا غفـى،
كُنت أهاديه حتى ينامّ وأبقى طوال ليلي مراقبة تلك الرموش التي تخفي خلفها جوهرتان زرقاء لطالما تعبت وظمأت ماءها الذي يُهدره كل ليلة على أمهّ،
ابن السبعة يعي الفقد جيداً، فهو ليس أول فقدٍ يتجرعه،
لقد هادته أمه في أيام استشهاد ابيه، كما هاديته أنا في أيام استشهاد أمه ..
قُدر له أن يشهد بُكى النساء ويبقى جرحاً في قلبه الصغير الذي لا يعي شيئاً سوى الفقد والوداع ..
لقد اوجعنا قلبه الفتي.. لقد اوجعنا عظامه عندما نشدهُ باكين الفقد الموجع الذي اصبح عنواننا بعد فقد أبيه..
فكلما دخل مجلس نساء احتضنته الأخرى بعد سابقتها ناثرة على أسماعه أسم أبيه ويلحق ذاك الاسم عويلاً لا ينتهي..
لقد أخبرتني ابنة أخي الأكبر أن صادق ابن الخمس سنوات يسالها لما تبكي تلك النساء على أبيه المُسافر للبصرة منذُ أربعة أشـهر .
شككن الطفل بكلام أهل بيته .. فهذا البكُاء الذي يحدث لا يكون على مسافر!!
قُدر له أن لا يحضر مآتم ابيه، فلم تُقصر نساء الكاظمية عن إقامة مآتم له بكل عزيمة تطرق أبواب منزل والدهّ أو أحد أعمامه!

قربت ثغري إلى أذنه: صـادق!
ماما يله كافي نومّ، يلا قوووم يكفي المصخمة اللُخ نايمة! "اللُخ = الأخرى".

تحرك في نومه متمللٍ من إزعاجي له: أم علاوي بسج إزعاج!
حرامات من هستوه نمت.

هززتُ كتفه : لا ما حرامات يلا، أريدك تفطر ويايّ،
لا تكسر بخاطر عمتك!

جلس ابن أخي والنُومِ يسطر ملامحه على وجهه وعلى عيناه الزرقاويتين، فقد تتلبد على عيناه وابلٍ من دموع النُعاس التي ما زالت تُقاوم يقظته!

تحدثُ إليه وأنـا أنهض: صادق،
أم ينال تكولي خبريني عن آلن، وموبايلي من أمس مُغلق!
أخاف يروح بالها لبعيد . . . .

قاطعني ابن أخي : ما عليج بيها، لو رايدته ما عافته!

مُحقاً ابن أخي بما قال، ولكنني أعرف عنفوان تلك المرأة الذي يلزمها الرحيل ولو تركت خلفها رضيع لا رجلٌ في منتصف عشرينياته!
كبريائها هو ما يجعلها لا تتراجع عن شيئاً فعلته، لطالما قررت أمرٍ بشأن أبناؤها وأتتني حتى أُمثل معها مشهدٍ أكون به وساطةً لذلك الولد الشقي الذي توافق أمه على وساطتي مباشرة وتقول " لو ما خالتك زينب جان ما وافقت!".
وهي موافقة قبل خروجها من بيتها ، ولكنها رسخت في عقل أبناؤها فكرة "مريم لا تتراجع !"
هذا ما جعل آلن يشابهه طباعها، ويعاندا الاثنين حتى تفرقا وكلٍ منهم ثابتٍ على ما آل إليه!
فقد بقيت قدماه متشبثة بأرض العراق، بينما هي ذهبت قدميها تبحث عن أراضٍ تتشبث بها .. فهذين الأثنين أن عشقا .. عشقوا حد الجنون!
لا يحلو لهم العشق العادي .. فأن عشقوا ماتوا عشقاً ..
نزلتُ مرةً أخرى مُنتظرة قدوم ابن أخي.

ذاك الرضيّ الذي لا يحلو له ان تبقى عمته منتظرة قدومه وقتاً طويل: صباح الخيـر يا أحلـى عميمة.

تحدثتُ بعدما رأيته يُقبل رأسي: وانته بخيـر حبيبي.

جلس مقابلي يسكب لنا الشـاي: اشعدج عميمة، ما عادتج تصحيني هيج؟

عرفتُ انني أقلقته، فقد عادت له الذكرى عندما أيقظته قبل عشرة أعوام حاملة معي فاجعة وفاة أخي الوحيد وعمه الوحيد الذي بقيَ لنا، فأنا عندما أيقظه دوماً أخبره بما اريد أن كان خبزاً أو نواقص المطبخ المُهمة!

للتو أدّكرت انها المرة الأولى بعد وفاة أخي أيقظه دون أخباره بماهية أمري، تحدثت مُخبرته أن لا
فاجعة هُناك ولكن بطريقة تليق بأبن الثلاثين عاماً: خلاص فوت نام، ما عجبتك الكعدة ويـاي!

رأيت ضحكته ترتسم وهو يفز واقفاً مُقبلاً رأسي: لج الحشيمة أم علاوي،
دتشاقى وياج ، يابا صحيني وكت ماتريدين فجر ظهر ليل أني تحت أمرج!

ما دُمت تحت أمري إذٍ أخبرني بخبرك أمساً : اش كنت رايد من محمد أمس؟
ليش ما تحجيت جدامي!

بعدما نظر إلى أسفل مُنزلاً كأس الشاي: ما أريده يدور على آلن بديالى!

أوجست منهُ خيفةً: ليش؟

أجابني وهو ينظر إلي: آلن كالي موعدنا ثلاث أيام بس!
وبعدها ما رح تلاكيني إلا بالمعتقلات أو شهيـد.

لم أتوقع ان ابن أخي يتمتع بغباءٍ فاحش! : ماما صادق، نكول آلن مُعتقل لو شهيد، ليش نزلوا أسمه مطلوب!
هاا ليش ؟
هذا معناه انه باقي حر ولا أحد عرف مكانه، اكيد يتوقعون ويـانا.

لقد اشغلت نوراً في صدر هذا الفتى الذي بدأ يؤمل على عودة رفيقه،
لقد ايقظت القلب النائم الذي توسد الفقد من جديد!
طرق الباب في وسط انشغال صادق بأفكار تغيّر مجراها عن ليلتها،

ووسط اشغالي به هو ، تحدثت ناظرةً إليه : منو يعرف البيت؟

تحدث وهو يقف: ما أعرف ..
آلن ما كال لنا أن أحد يعـرفه!
هو بيت صاحـبه، أكييد هو.

آلـن .. ذاك الرجل المُعتمد عليه في حضوره وغيابه، لا شيء هُنا يحدث دون أن يتخلله أسمّ آلن!
فالبيت مأمن من قـبل آلن، والوصايا التي يتبع صادق أوصاها به آلن، ومَهتاب التي خرجت من أسر الاميركان لأسر آلن !

سمعتُ صادق يهتفّ: ولج زينب رجع ولدج!
***
الطريق الذي كنا نسلكه أنا وصادق في ثلاث ساعات سلكتهُ مع مسعود في خمس ساعات ولم نصل إلى الآن فقط وجدتُ يافطة أربيل تأخذ قلبي إليها حيث مالت..
يا لطيبة قلب مسعود الذي يتجاوز كل الحواجز يظن أنني فقدتُ هويتي عند هروبي من جماعتي، لا يعلم أنه يحمل بسيارته من قلبت أميركا "العراق" عليه الدُنيـا ..
فهي تُريده هو .. وبالتأكيد إنها تُريد مَهتاب التي فُديت بالقائد المقتول!
فعندما قُتل راح من فداها ، وبقيت في معقلها ..

نظرت إلى مسعـود الذي يسألني أن كُنت اريد اربيلاً أو أحد اقضيته: أريد شـقلاوة!

تحدث مشاوراً ومخبراً بعض الشيء: بنروح لكنيسة الكلدان ومنها أرجع بعقوبة مع الطريق العام وأنته تتيسر لأهلك ..

هكذا اصبح وضعنا يا مسعود !
نغادر مدينة من خلال كنيسة وندخل الأخرى من خلال كنيسةً أيضاً ..
ها هو عراقنا الذي ربينا به يخوّفنا من غدر الصديق قبل عداوة العدو ويجعلنا لا نحط رحالنا إلا بالكنائس والمزارات !
ها هو عراقنا الذي علمنا في الصغر أننا أجيال المُستقبل، وهل هُناك مستقبلاً يا عراق حتى نكون أجياله؟
طرق عُمره بوابة الثلاثون وهو يبحثُ عن مستقبل ، يدخل في دهاليز الوطن ويخرج منها بعدما يُصفع على وجنتيه وتحط رحاله في كنيسة!
ابن بغداد التي نُردد نشيدها " أنا أم المآذنِ والكنائس"
أصبحت بغدادُ ثكلى بعدما تذابحت المناطق على ابناءها ثم ذبحوهمّ!
يا ليتُ قرع أجراس الكنيسة الباكي يخبر عن حال أبناءها،
ليت مآذن المساجد الحزينة تُشكو فعل أبناؤها الذين فجّروا مفخخاتٍ عند قبابها.
***
خرجتُ وأنا اقدم خطوة وأعود بالأخُـرى، لم أظهر خوفي أمام عمتي ..
ولكنني بدأت أخاف عندما كُنت وحـدي!
لستُ سيئاً حتى أخاف على نفسي، بل خائفاً على حُرمة امرأتين أوصدت الباب دونهما ..
فتحتُ الباب فإذا رفيقي يقف نصف وقفة مائلاً على الجدار،
دنوتُ من نصف روحي لتكمل روحٍ احتضرت أربعة أيام!
دثريني يا روحي الأخرى كما دثرت خديجة مُحمدها، وخففي عني روعـي!
دثريني يا نصفَ روحي من هموماً لم أستطع حملها وحـدي..
تعالي يا ايتها الروح وشاركـيني الهمّ ..
تعال يا أيها الرفـيق، تعال يا إيـها الصديق..
فزينبُك قد تعاهدت مع مُحمد على ان لا يعود إلا بك، تعال لنُخبر زينب سوياً عنك،
تعال حتى نُهاتف مُحمد أن يعود لنا فقد وجدناك ..

احتضنتهُ بعدما ساد الصمتُ إلا من ابتسامته الباهتة على شفاهه التي طالها شُحوب وجهه : أشتاقيييت لك .. ولك مسودن!

هكذا حيّاني .. كطباعه لا يتخلى عن "مسبّاتهُ " حتى وهو في حالة اشتياق: ولج زينب ، رجع ولدج!

استبقَ رفيقي الباب "المدخل" في بيتنا الريفي، باحثٍ عن زينب بعدما حررته من احتضانـي ..
لقد عاد آلـن ، لقد عادت البهجة والحيــاة..
لقد عاد ليُكمل صفوف المطلوبين بهذا البيت!
فلتنحني الحيـاة، منحنياتها التي تُريد، فقد وجدتُ سندي بعدما تخطفتهُ مني!

دخلتُ مُكحلاً عيناي بـه، فهو زينة العين بعد رمدِ : على كيفج أم علاوي، الولد معطوبّ.
قلتُ هكذا بعدما رأيتها تشدُ من احتضانه وسط بكاؤها المُنكبّ على صدره، لم تفتني وقفته المائلة قليلاً

يدو انه يُعاني من مشكلة في أحد قدميه: ولك كييف تتركني هيج وتروح ؟
ما تقول وراي أم علاوي تسأل علي!

تحدث الأخر وابتسامته "الغير معهودة" تطلُ مُجدداً: أروح اني فدوة لأم عـلاوي، والله حاولت أجي من اول ليلة فت ديـالى ..
الله ما كاتب لي إلا اليـوم ..

أفلتت نفسها من أحضانه، محتضنة كتفه الأيمن: تعال ماما،
كولي كُل شي صار وياك ، وين رحت، كيف نمت، جروحك كيف طببتها .
***
صحوتُ على ضجة أصوات غير معهودة على البيت الريفي الذي يحتضن بجوانبه امرأه وابن أخيها .. لا يصدر منهن ضجةً هكذا ..
نزلت أسـفل .. دلفتُ باب المطبخ فلم أجد زينب كعادتها عندما تتجاوز الساعة الحادية عشـر .. خرجتُ

مُتجهة إلـى الصالة، فقُلت مازحة وأنا اقترب من الباب: اشبييكم؟ ، اشبيج أم علاوي من صباح الله وصوتج يلعـ.......

بُترت كلمتي بعدما رأيت ثالثهما مُسلطاً نظرة علـى الباب..
ليس لأنه ثالثٍ بُترت جُملتي .. بل لأنه آلـن!
آلن الذي سامرت صاحبه مساء امس منتظرة قدومه بين الدقيقة وثانيتها ،
آلن الذي عاهتُ نفسي أن لا أخالفهُ برأي .. شرط أن يعود ..
ها هو عاد ويتـوسط مجلسهم كعادته، وزينب تحتضن كتفه وهو يقبل كفها بين الدقيقة وأخرها .. للتو أحس هذا الأرعن بقيمة زينب!
زينب .. التي ندهت وأنا غارقة في بحر ابنها الذي لا اعلم كيف أصبح لها ابن: اشبييج بلمتي هيج ؟
فوتي ما عدج أحد.

دخلتُ وجلست مقابلة لهما : السـلام عليكم ، شلونك آلن ؟
***
جاءت مُعذبتي في مقعدٍ يقابلني، يا لوقاحتهـا .. تتعثر أحرفها في فمها شاحه عليّ بها ،
لما تذهبين وتجعلين قصائدي شبه مقبـورة؟
ثم تأتين شاحةً عليّ بالوصال والحديث، لقد دفنتِ قصائدي التي جهزتها لكِ قبل ولادتـها ..
أين الوصـال الحيّ الذي تزوريني به كل ليلة!
كيف السبيلُ إلى وصالاً هكذا ؟
أين موقع حراستيّ .. أين قصـري التي تسكنين وتأتينني كل مساء تشكين من اختناقكِ وحدك وسط باحاته!

تخطت من أمامي مارةً : السـلام عليكم، شلونك آلن ؟

وما تضنين لوني ؟ وأنتي أمامي يا جوريةً تُزين أرض شقلاوة الصيفية : الحمدلله، وأنتي أخبارك خوما تأذيتي بسجنج؟

تبسـمت، ولا أعلم لما ؟ هل هو لذاكرتي المعمرة وسط الاحداث التي جرت إنها تُنسي الرضيع حليب أمه .. فكيف لذاكرتي المعمرة وسط غيابي الذي تبدأ موافقه اللا منتهية في كل دقيقة من دقائقه، أجابت بعد
ابتسامتها : الحمدلله، هم ما تأذيت بس أنخنكت من الحبسة ! "أنخنكت = انخنقت".
***
رأيتهُ كيف تغيّر ..
تغيّراً لا أحد يراه ولا أحد يعلمه سوايّ ، لقد كبّرته لياليه الماضية، أو عيناي لم تبصره إلا لتوها!

شبيهاً به .. يحمل ذاك الشعر الأسود الكثيف الذي بدأ يخالطه الشيب، تماماً كما كان ذاك حينها، وله عيـنان تبرق بنظرة حادة تقطع السيف الأصـيل من حدتها، وله حاجبان قُل ما تنفردان ..
هذا هـو قـاتلي الذي سعيتُ بقتله، فالقاتلُ يقتلُ ولو بعد حيـن، ها هو إلهي يقتص منه ويجعل أبنه متوسدٍ لكتفي حتى أُقتل في الثانية ستين مرة!

تحدث إليه بعدما رأيته يُنهي حديثه مع مَهتاب: تره محمد ما راجع هنانا إلا ليلكاك .. "ليلكاك = ليلقاك".

تحدث وهو ينظر إلى صـادقّ : اليُوم العصر نروح لأقرب كبينة ونخابره – ثم نظر إلي- إذا ناقص شي خبرينا نجيبه ويانا .

سبقتني بالحديثُ مَهتاب قبل ان أتحدث : د أروح وياكم .

تقدمّ آلن إلى الأمام مُحدقاً نظرة بها : وييين؟

دموعها تخالط أحرفها قائلة: أريد أخابر أهلي همين، من قبل اعتقالي ما خابرتهم!

تحدث جازماً : لا ، ما تدخابريهمّ .

وقفت غاضبة: وليش إن شاء الله؟

تحدث بعدما عاد إلى الوراء مُريحاً ظهره على الكنبة: لأنهم عافووج ولا سالوا عنج لا وكت سجنج ولا بعد ما هربـتي!
تحدث وهي مُمقتة آلن: على الأقل أهلي عفتهمّ بطـهران وأجيت هنانا،
ما عافوا البلد كلها لأني موجودة بيه!

ألقت كلماتها وخرجت!
كانت هذه المواجهة الأولى بينهم وانتهت بهذه الحدةّ، وليست أي حده فقد مسكت يد آلن التي توجعه،
علمت مني صباحاً أنه هو ابن آدم الذي هاجر مع أهله وفجرت قنبلتها بوجهه ظهـراً ..
خرجت كما أتت ولكن بعد هدوء سكن المـكان التي أتته صاخباً، سأنبهها لاحقاً أن لا تتطاول على أحد أبنائي بهذه الطريقة، لقد جرحت فؤادي قبل جرح هذا الولد الذي يُظهر عدم مبالاته وهو تتقطع أنياط قلبه نوطا نوطا ..

وقفتُ هاربة لا اريد أن أرى الخيبة تسكن ملامحه، ثم أمسك بيدي: وين رايحة؟
باقي ما سولفت وياج.

نظرت إليه وابتسامتي تُعيد رسمتها على شفتيّ : بعد عُمري والله، بروح أساوي لكم الغداء.
حرر يدي كعادته التي نُسبت لكل رجلٌ شرقي، ساوموه على كل شيء إلا على ما يملئ بطنه!
خرجتُ وأنا أسمعُ صادق يسأله عن جراحه وعن منامه وقدومه .. كيف أتى ومع من ..


انتهى


مــخرج الفصل الســادس عشر


عراقي اني ولقيت بعشرتك بغداد â‌¤
هم شايف عراقي يعوف بغداده ؟


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس