عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 02:28 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مدخل الفصـل الثامن عشـر
بغداد، يا هزج الأساور والحلى
يا مخزن الأضواء والأطياب
لا تظلمي وتر الرّبابة في يدي
فالشّرق أكبر من يدي وربابي
قبل اللقاء الحلو كنت حبيبتي
وحبيبتي تبقين بعد ذهابي

×نزار قباني×


.
.
.

صُدمت من ما رأيت، من الذي أتى بهذا "العفن" في هذا المنزل؟
من الذي تجرأ يضعه في الثـلاجة التي ستُفتح أولاً من قبل زينب!

نظرت إلى زينب بعدما رفعتُ واحدة منهما : منو اللي جايب البـطلّ هنانا "البطل= الخمـر – المُسكر ".

تحدث آلن وهو يدخل المطبخ : عوفيـها من أيدج..
شي مو الج لا تحشري نفسج بيه!

هكذا يقولها بوقاحة، وأمام زينب أيضاً !

نظرتُ إليها، منتظرة حديثاً منها ، لم تتحدث لم تقل شيئاً !
تقدمّ إلي .. أقصدُ إلى الثـلاجة، فأخذ أربع علب تاركاً خلفه أضعاف ذلك العدد،

خرج مع دربه الذي لا أعلم أين .. نظرتُ إلى زينب وأنا مندهشة مما رأيت: رايد يتزقنب .. شوفي ولدج ديتسمم بسم الهاري !

لم تجبني زينب بإجابة كافية .. فقط قالت : اشعليج بيه!
مو يكول لا تحشري حالج ؟ خلاص لا تتدخلي بيه.

هكذا يأتيني ردها ، بارداً باهتـاً ،
ثم تُلقي إلي بخُضارٍ إفطارها، لن اقطـعها وأنا أعلم أن أبنكِ سكيراً ،
كيف تسمح له ، وهل يسمح له دينه أيضاً ..
وأن سمحَ له .. لن أسمح له !
وبصفتكِ من يا مَهتاب حتى تُقرري عنه أمراً هكذا ؟
ألم يقل لكِ لا علاقة لك به ؟ كفاكِ عبـثاً بأمورٍ لا تعنيكِ ..
عليك التفكير بأمركِ وحدكِ .. لقد نسيتُ أمراً أتيت من اجله!
نعم .. أنا لم استيقظُ باكراً من أجل طهو طعامهم.. أريدُ الذهـابَ إلى الكبينة،
وقفتُ تاركة ما في يدي من خُضار بعدما قطعت نصفها وسط نداءات زينب اللا منتهية..

خرجت أبحث عن ابنيها اللئيمين.. أريدُ الذهاب إلى أهلي ، فهم لم يقولوا لي لا تتدخلي بأمـرنا!
يراني غريبة وهو من شرع غُربتي ، يراني نجسٌ لا بد أن يتطهر منه وهو من أغرقني بوحل الطائفية!
وقفتُ خارجاً في الفناءِ باحثةً عنه ، أعلم أنه لن يسكر في البيت حتى لا نسمعُ هلوسته المريرة!
وجدتهما خارجاً في مكان جلستنا عصر أمس!

تقدمتُ وبانت لي الرؤيا.. انه يُناول صادق الخمّر ،
كفاك عبثاً يا آلن .. أفعل بنفسك ما تشاء ولكن هذا الناشئ اللطيف لا تفسده!
لا تُفسد على زينب تربيتها .. إنها في الداخل تطهو لك الطعام غاضبةً!
وأنت هُنا تُسقي ولدها خمرا !

سمعتُ صادق من بعيد : تعالي مَهتاب حياج .

يعزمني على حفلة سُكرهما الصباحية !!
يا لوقاحته ، وانا للتو لا أريد له الغرق في وحل آلن،
قدمت وأنا ناكرة عليه هذا الفعل ، ولكن علي أن لا أهتم لأمرهما ، فقد أريد أن أخبرهما أنني ذاهبة إلى الكبينة ،

تقدمت أكثر فوضحت لي الرؤيا أكثر .. لقد ظلمتهما، فكانا ينظفا السـلاح بالخمر، يا لبهتانكِ يا مَهتاب !
يا لظلمكِ لهذا الرجل النبيل .. وصاحبه اللئيم ،
لقد افتريتِ عليهما ذنباً لا يُغتفر ..

تقدمتُ وأنا خجله من ظنوني التي يعلمها آلن .. وسط نقاءٍ في نوايا صادق: السـلام عليكم .. صادق أروح لك فدوة أمن لي سيارة دخيلك، أريد أروح الكبينة أخابر أهـلي .

تحدث البغيض، المظلوم من ظنوني الحمقى : وين تريدي تروحي حجية بسعاد؟

يا له من وقح ، يسميني باسم لم يكن لي!
إلا يعلم أنني جالية الليل بصبحٍ قريب ، ألا يعلم أنني مهتاب العالم الذي ينتظرون مجيئه!
يا لوقاحته يسميني باسم لا أعرف معـناه ولا استسيغه،
يظن أن سكوتي السابق موافقة؟

والله لن اوافقك بشيء يعنيني بعد اليُوم .. فحتى انت لا علاقة لك بشيء يخصُني : أولاً أني مَهتاب ما بسـعاد ،
ثانيـاً دروح الكبينة والحيـن، ما أحد له عهدة عـلي ولا ولاية!

تحدث وهو يرمي على الطاولة مسدس ذهبـي مُطرز جانبه باسمه بعدما نظفه بخمره، ثم يقول ببرودة أعصاب: أسميج باللي رايد مالج خص!
ومن كال مالنا عهدة ولا ولاية عليج هاا ؟
أني متعهد بأمرج لما توصلي طهرانج فاهمة .

لقد تجاوز حدوده كثيـراً .. لن يكون أمري بين يديه ولو على موتي،
يقول أن عهدتي بيديه ، لن يطول من المهتاب إلا نورها من بعيـد: بأحلامك حبيبي .. أني مَهتاب ما مخبلة أرضخ لك ..
***
اقبلت الشمسُ البهية قبل موعدها ، لقد اقبلت مهتاب الليل بنهارنا ،
وحدها من تحيي بليلِي نهاراً .. وبنهاري ليلاً ..
استجابت لنداء صادق .. أرى بنظراتها الندم على ما ظنتُ بي!
كانت تراني منذُ قليل سكيراً والآن شريفُ مكة، حتى أنها أغضت بصرها عني محادثة صاحبي بحديثٍ أزاغ عقلي عن مكانه .. ليتها تفهم أن ذهابها لن يكون!
ليتها تفهم أن اسرها بين يديّ حُرية، تجادلني بالعهدة والولاية ولا تعلم أن قلبي ولايتها وهي رئيسته، لا تعلم أن عهدة دينـي في يدها .. فقد جرحت ديني بإسلامها، لقد هَمشت صليب بيتي .. ثم هَشمت بعدهُ قلبي!
تركتك تتطاولي على الصليب فهان علي .. وهان بعده قلبي الذي لم تضخُ دماءه يوماً معلنة حبّ امرأه ..
كُنت غافلاُ وأفزعتِ القلب من غفلته، سلبتي الروح ألوانها ..
باتت لا تشعر إلا بحضورك .. ثم تعود سوداوية بغيـابكِ، لا تستغربي حديثاً هكذا، ولا أستغربُ قولهم عندما قالوا "الحبُ من النظرة الأولى" ..
بل الحُب ..
حب الحرب الأولـى.. لقد تحاربنا حرباً طاحنة في ليالي مسامرتنا،
خسرتِ بمجادلتي وربحتِ قلـبي ..

أ يا بسعاد القلب .. رُدي للروح ألوانها وللقلب بهجته ..
أ يا بسعاد الروح .. رُدي للعقل صوابه وللعين بصيرتها ..

رايتها متهكمة بعد حديثي لها عن عهدةٍ امتلكها : بأحلامك حبيبي ،
أني مهتاب ، ما مخبلة أرضخ لك ..

ليتني حبيبك بحقٍ يا بسـعاد .. لما تقل مَهتاب وانا أسميتها بسعاد ؟ : بسعاد باعي زيين ، طلعة اليوم من هنانا مـاكو ،
عادت موليتنا ظهرها .. وسط غضبها الذي يذكرني بغضبٍ ماضٍ ..
كانت تعود بهذه السرعة والطريقة عندما أشتم ايرانها ..
أصبح أسم "بسعاد" اغاضةٍ جديدة تنضم إلى مسمياتٌ عديدة ..
" صدام، حرب الـثمانين ، شتمي لإيران ..."

تحدث صادق بغيضٍ: شدينقصك إذا ما ضوجتها ؟
خطية مغتربة وهاربة .. وفد مخابرة ما راضي لها ..
وبعدين من سمح لك آغاتي تتولى أمرها؟ "مخابرة= مكالمة".

اجبته وأنا أرى الجميع ضدي!
حتى هو لم يفهمني.: أني ما أريدها تولي لإيران،
وأني وره هريبتها مثل ما تكول .. يعني أني وليها..
***
لا أعلم لما قدومها يجعل مزاج صاحبي "ورديّاً " لا يحتمل أي كلمة!
يتوقع محمداً أن آلن وقع في فخها وأحبها، ولكن الحُب لا يجعله يشاجرها ويمنعها من محادثةِ أهلها !!
الحُب لا يجعله يشتمها ويقلل من قدرها على مرأى الجميع، فالمُحب لا يريد أن يرى أحدٍ انكسار حبيبه،
الحُب .. وأن كان بينهم حباً سيوردهما للجحيم لا محالة.
لقد وقع صاحبي "ولا أحد سمى عليه"!
عليه أن ينفذ من شراك "السُنية" قبل أن يجرح "مسيحيته"..

نظرت إليه وأنا أُبعد علبة الخمر بعدما نظفت بها نصف الأسلحة: نشرمها؟

تحدث مُستغرباً : شحقه!
بلكي نحتاجه، خليه ما ضـارنا، كل فترة ننظف سلاحنا عشان ما يصدأ !

انه يضر يا صاحبي، فأنت ليس في البيت وحـدك حتى تُدخل الممنوع إليه!
أنت في البيت يحوي امرأتين معـك ..
فقد تجرح ديُن عمتي عندما ترى هذه العلب!
عمتي المتدينة، التي لا يرضى بشيء يمُس دينها ، وماذا عن مَهتاب يا صاحبي!

بالتأكيد لن يعجبها هذا الأمر بتاتاً: وأم علاوي بتخليها ؟

تحدث آلن وهو يأخذ قطعة قماش بعدما بلّها بالخمرَ يزيد لمعان صليبه: أي شي يرضى بيه محمد ترضى بيه أم علاوي!
لو وراك ألف مصيبة ومحمد راضي أعرف انك كسبت رضاها . . .

مُحمد .. المُقدر عند عمتيّ،
الذي أصبحنا نستند جميعنا على ظهره، الذي أشغلنا باله عن تجارة ابيه،
أصبح يتردد كل يومين إلى شـقلاوة!
رغم وجود العسكر والحواجز التي لم تمنعه من مجيئه هُنا ،
ليت مَهتاب تستند عليه كما تستند علينا ونحنُ لا حراك لنا !
ليتها تعلم أن محمد لا يرد شوره لأحد .. حتى صاحباه .

لابُد لها أن تلجئ إليه .. فهو الوحيد الذي سيساعدها : أكول آلن،
القصة هاي ما مطولة ، مَهتاب دتخابر أهلها إذا جاء محمد ،
فلا تعارض عشـان ما تطيح هيبتك كدامها ..

أومأ براسه وأنا أعلم أن سكوته لا يُنبئ عن خير
***
صُحوت على صوت ملاذ الذي أصبح أحد أجزاء صباحي،
فقد بدأت هذه المشاغبة بنبشِ قضية أصحابي ، تُريد الذهاب معي إلى شـقلاوة فقد خطفت قلبها عمتي زينب من أول جلسةٍ تحادثا بها .
وتتوق إلى مرأى مَهتاب التي تراها نموذجٍ رائعاً لفتاةٍ عصامية،
لا تعلم أن مَهتاب هُناك تذوق الأمريـن .. مرارة غُربتها عن إيران التي لا تُبعد عن ملجأها إلا بضع الكيلوات ، ومرارة أخرى تجرعها إياها آلن الذي لم يقدرها ولم يحترم غُربتها ووحشتها وزاد عليها الغُربة غربتـين ..
تحدث مُنزعجاً من ملاذ التي قادتني معها إلى فناءِ منزلنا، بتوقيت قهوتها الصباحيـة : ملاذ، بحق محمد عوفيني أنام.

بابتسامتها المعتادة: لا، حبيبي بتكعد وياي دتحجي لي اش ناوي تسوي ويا ربـعك.

حادثتها بأمرٍ شُغلت به: آلن يريد أبيع له بيته ياللي بديـالى قبل ما ينتبهون عليه الأميركان ويحجزوه!

سكبت لي فنجان: معقولة!
للحين ما حجزوا عليه ؟

أجبتها موضحاً : لأنه باسم أبـوه، ولأن أبوه خارج البـلد ما اهتموا بالبيت،
بس هذا ما يمنع انه تحت المراقبـة ..

تحدث مستجوبة: وبيته ياللي ببغداد ؟

مددتُ لها فنجاني : لا هذا بأسمه هو، أبوه انطاه إياه قبل يطلع بأيام،
علّيتي قلبي باسالتج ولا قلت لج المُشكلة ياللي واكعين بيها .. "واكعين= واقعين".
- - أردفت بعد ما رأيت اهتماماً يعلو ملامحها
هذا سلمج الله آلن لما أجر بيته للصحيفة نقل كُل حاجياته لبيت صادق،
ومن ضمنهم عقد البيت .. وما عارفين كيف نجيبه بعد ما أنحجز البيت ..

أجابت هي بعدما عرفت ماهية الأمر: بسييطة هاي خليها عليّ..
بس بشرط أروح معاك اليُوم شقلاوة أريد أسال زينب أو صادق عن أشياء لازم أعرفها ببيتهم ..

أومأت برأسي: لا لا ما اليوم ولا باجر،
لازم أعرف شاللي براسج وبعده أروح اكولهم عنه وإذا وافقوا تروحين ويايّ..

أبصم لكِ بالشعرة أنهم لم يعارضون،
لقد حققتِ ما أردتِ يا بنت أبـي ، أردتِ الذهاب إلى شـقلاوة وأنا مُمتنع!
والآن يجب أن أعلم ما قررتِ ومُجبراً على إقناع أهلي بذهابك ..
هذا ما يجعلني أُصر على ذهابك رغم أني مسكت خيطاً من خطتك،
ستذهبين إلى بيت صادق المُحتجز !
لا نخشَ شيئاً ما دُمنا بجوار بعض يا ابنة الروح..
***
عُدت إلى الأعلى وسط تجاهلي لنداءات زينب المُلحة،
فلتذهب إلى ابنيها أن ارادت، لا عليّ بهما بعد اليُوم ..
صادق الذي ظننتهُ أخاً يصمتُ عند رغبة صديقه ، وهل تضنين يا مَهتاب أنه سيقدم رغبتكِ على رغبة رفيق عُمره!
لقد أخطأتِ عندما ظنيتي أنه أفضل من صاحبه، كلاهما نفس الطيّنة ،
ولكن الفرق بينهما ان آلن يجرح بالحديث المُباشر، والآخر يلتزم الصمت على مضضٍ..
طرق الباب .. لن أفتح وأنا غاضبة حتى لا يتشفَ بي الطارق أن كان آلن،
لن يطرق الباب من أجلي، فقط يريد أن يرى الخيبة التي تغزو ملامحي..

لقد خاب أملي عندما سمعتُ صادق: مَهتاب عليج الله أفتحي،
لا تضوجين من هالمسودن!
أوعدج أول ما يجي محمد تروحين.

هرعتُ إلى الباب مُسرعة، فتحتهُ ببطء وابتسامة برود تكسو ملامحي عكس تلك النار التي تضطرم في جوفي: لا !!
ما قصرت يُبه ، ما رايـده منك شي.

تحدث ذاك الملاك الذي يشابه كاظم في الطيبة والأخلاق: الحين لو رحنا وأحنا مطلوبين بنكون محل شبهة!
عددنا ثلاثة .. شبّين وبنت، واضحة صح؟

خجلت ان أقول له سنذهب وحدنا دون آلـن، يكفي انه أمس تحدث بخطبتي، لن أجرؤا على طلبه أمراً هكذا : خلاص صـادق عفيـه، والله لعبت نفسي من كثر ما رجيتكمّ! " لعبت نفسي = أشعر بالغثيان ".

تحدث وكأنه يشحذ رضاي : وإذا تريدي هسه، أروح أقنع لج آلن،
هو تره ما يقصد انه ما يريدج تروحين ويعاندج!
هو خايف عليج .. وعليـنا هميـن .

كفاك كذبٍ يا هذا .. أعلم انك توافقه الرأي : خلاص عمّي لا ترقع لصاحبك، الله لا يحوجني له..

عاد الآخر حيثُ أتى .. شعرتُ بتأنيب الضمير
والله! لم أشعرُ به قط مثل ما شعرتُ به الآن!
كفاكِ يا مَهتاب خلط الحابلِ بالنابل ، هذا اللطيف أتى إليك يسترضيك ،
مع علمي أن رفيقه دخل معه ليستلقي بحجر زينب كعادته عندما ينقلب مـزاجهّ!
لم يأتي يستلطفني بكلمة مثلَ صاحبه، وزينب أيضاً نستني وجعلت من نفسها وسادة لذاك البليـد ..
***
أقعدُ أمام عمتي، أراقب تحركاتها في المطبخ ، الذي تقول إنها عاشت وترعرعت في داخله!

لقد جلبت لي صُداعٍ بكثرة حركتها التي تصدر أصواتٍ في حديد الأواني: أم علاوي متى دتخلصين ؟

نظرت إلي تساءل سؤالاً "ابلهٍ" خُصص لأمهات الشرق الأوسط بعدما يسألها ابنها عن انتهاءها من وجبتها التي تُعد : جـوعان ؟

ليستِ أم ..
تمنيتُ لو أنني رأيت تعاملك مع علي الذي ارتحل قبل اوانه،
تمنيتُ أن أرى تمييزاً وحُباً أعظم مما اعطيتينا،
لقد ربّيتي صادق في صغره حتى بلغ ما بلغ من العُمر ،
ثم ربّيتني على كبر .. "كل يوم" تُربينني على شيء جديد يا زينبّ!
ماذا سيكون حال عليٍ وهو يمتلك أُمٍ بهذه الصورة؟
كثيراً ما تمتدحك هذه الأم رغم رحيلك المُبكر وأنت لم تبلغ أعوامك السبع.
كُنت أكبر مننا بعـامّ!
تُشبهه برزانة مُحمد .. رغم انه طفلٍ لا يُعرف عقله من بلاهته ..
تُشبهه بعينيّ صادق .. الذي عرفتُ منه أن عينيه لم تصبح زرقاء إلا بعد بلوغه العاشرة من عـمره .. هكذا كان وراثتهما للأعين ، تبدأ رمادية وتبدأ مع الطفولة المتأخرة زرقاوية !
كيف لأبن السبع سنوات ان يمتلك عينين زرقاء لم تسمح له جينات عائلته بامتلاكها قبل سن العاشـرة ..
لم تقل لي في يوم من الأيام انه يُشابهني بصفة، أو خلقه، سألتها متجاهلاً سؤالها: أم علاوي،
ما كلت لي ابنج علي بشو يشابهني؟

نظرا إلي باسمة بعدما تأملتني قليلاً : الحمدللهّ ما يشبهكَ بشيّ!

لقد تعمدت شتميّ هذه الزينب!
ولما لا يُشبهني ؟ لم أكن الولد المثالي بعينها، ولكنني رأيت نظرةً معاكسة لما قالت.. نظرة يشوبها الحنين من جهة، والحُب من جهة!

يحق لها أن تحن لشهيدها.. ويحق لها أن تحبّني : أفا عليج يا أم علاوي، أني أحسن ولدج ..

دخل صادق: ومن كال أنك أحسن ولدها ،
أني أحسنكم وفوكها ولد أخـوها ..

قالها وهو يقبّل رأس زينب، تلك التي انهت تجهيز إفطارها موليتنا نقله إلى صالة الجلـوس ..

ابتسمت مُداعبة لنا بابتسامتها التي تكشف خلفها عقد اللؤلؤ: من حلاتكم !

تحدث صادق المتشدق ابتساماً : لعد ميـن الحلو؟

يقلها هكذا واثقاً من "حلاتـنا " ، ثم أتاه ردها : تروحون له فدوة .. حمودّ.

رفعت يدي مُستسلما : لا عاد هنانا ما نكدر نكول شي .. حبيبج يبه من حقج.

نظرت إلي نظرة تأملية ، تشابه سابقتها التي نظرتني بها عندما سألته عن رابطٍ يربطني بعلي : دتشـابه أبوكّ!

تحدث صادق مخالفها : يمكن كشكل ولا بالطبع يشبهج أم علاوي ..
***
رفع يديه مستسلماً بعد قولي، كُنت فما زلت بنفس الابتسامة الصباحية المعهودة على شفتيك، كُنت بنفس مزاحه لم تتغيــر، مزاح الرجال الثقيل على قلب المرأة، سرق لساني أفكار قلبي فاضحني أمامهم: دتشـابه أبوك!

نظر إلي نظرة استغراب .. دهشة!

ليس استغرابٍ من حديثي عن والده ، لا فأنا جارته وبنظرهم أختٍ له ولزوجته ، تحدث أبن أخي قاطعاً
تلك النظرة المُرسلة الي بعيون آدم: يمكن كشكل ، ولا بالطبع يشبهج أم علاوي.

ألم أخبرك يا ابن أخي انني تطبعت بطباعه؟
ألا تعلم أن عمتك تدربت وتربّت على يديه .. تشبهني بطباع آلن بين الحين والآخر ولا تعلم أننا اكتسبنا نفس الطباع من النفس الرجل ..
ولكن الفرق يبقى بالاكتساب .. فآلن اكتسبها وراثةً!
وأنا كسبتها عنـوة!
ما الذي أتى بـ "آدم" هذا الصبـاح؟
ا يعقل كلما رأيت ابنه تذكرتهّ! ، أ يعقل ان ابن ابيه بقيَ بجواري حتى يقتص لأبيه مني؟
ليت ينال شبيه والدته من بقيَ بجانبي ورحل ابن ابيه معه!

تحدث ابن ابيه بنظرة متفحصة: أم علاوي؟
اشبيييج شاردة ما عوايدج!

أجبته وأنا أغُض بصري عن عينيه : مَهتاب ،
وين مَهتاب ما شفتها، ومرت من هنانا وأصيّح عليها وما ترد! "أصيح = أنادي".

تحدث بعدمّ مبالاة: مضوجها ، تريد تروح الكبينة! "مضوجها = مزعلها ".

لا علم لما كل هذا العناد الذي يكسر قلب الفتاة يوم بعد الآخر : وليش ما تخليها تروح ؟

تحدث مُنهياً الحديث وكأنني أتحدث بعظام روحه لا عظام لساني!: خلاص إذا جاء محمد تروح وياه!

تحدثت إلى ابن أخي : صادق روح خليها تجي تفطر ويانا – ثم وجهت كلامي لآلن – وتراضيها همين ولك مصخم!

مسك آلن يد صادق : لا لا عوفـها ،
خل تأخذ حقها من الزعل وبعدها أني أعرف كيف أراضيها
***
ذُهلتُ من تلك الخطة التي قالتها لي ملاذ!
لا تخطُر على قلب بشر .. هكذا تكون عقول النسـاء في الحربَ،
ولكنها ليست من النساء ، هذه طفلتي الصغيرة ، كبرت وأصبحت تفكر مثلما أفكر ، أصبحت تُدير شؤون حكومات وتُنير عقول الزعامات بتلك العقل المُدبـر .. الذي تغلب على كل ذي عـقل: متأكدة تنجح؟

ضحكت متعجبة : شو هاي تنجح، خلينا قبل نجربّ،
وبعدين انته تعرف هي دقيقة أي غلطة بيها توقعنا بطركاعـة ..

تحدث وأنا أنظر إلى الساعة التي تُشير إلى الحادية ظُهراً : لا ما عليج ، بكون حامي ظهرج بعد الله !
أني اليوم لازم أنزل على شـقلاوة..

ابتسمت تلك الحالمة بشقاوة : يعني أعجبتك فكرتي ، وباجر أو عقبه أني أروح معاك صح ؟

ابتسمت لها أنا اعبث بشعرها : همّ صح.
***
وقفتُ أمام باب غُرفـتها ، عزّت علي نفسي أن أعتذر ، ولكن أعرف ان أُلين رأسها بلا اعتذار : بَسعاد ، بسج عناد فتحي الباب،
ليش ما راضية تفتحي لعميمة ؟
باعي أني جايج أكول طلعي حاجيـني ..

لم أسمع رداً منها ، وسط تحريات صادق الواقف بعيداً ..

تحدثتُ مجدداً : بتفتحيـن ولا أكسر الباب على راسج!

فتحت الباب بقوة وهي مُمسكة بقبضته، بوجهٍ ملائكي وحجاباً عنابيٍ زاد من نور الشـمس نورا !
وبعينين أو بالأصح جنتين تملأها المدامع مستعدة للهطول : إذا بيك خير كِسَره!

ابتسمت لـها .. فاتنتي الشقية : بعدج زعـلانة!
يووه بسـعاد ما يسـوى ، كلت لج وعد إذا جاء محمد تولين وياه اش تريدين بعد تدلليّ! ..

تحدثت مُمتعضة وهي تقلد صوتي : تدللّي – ثم عادت لصوتها الطبيعي- أحد كالك دمك ثقييل ، وبعدين شو هاي تولينّ!
وللمرة الأخيرة لا تكول بسـعاد..

أغلقت الباب ، فدفعته بيدي : اشبييج حبابة !
نتشاقى وياج ، تعالي ويايّ – ثم أردفت- ويـانا ما تحلى كعدتنا بلاج!
يلاا مَهتـاب ، ما بقى وكت على الغداء .. "نتشاقى = نمزح".

ابتسمت!
وربّ عيسى ابتسمت ..
أ ترى أسم مَهتاب كان حلماً تريدي أن يخرج من بين شفاهي!
تحدث وابتسامتها لم تزل عالقة : إذا هيج يلا روح وأني جايـة وراك ..

أعلم أنها تخجل من المشي بجواري .. فلذا حافظت على رضاها السريع الذي لا أمان له ورحــلت ..
***
لم أعهده لطيفاً هكذا، يبدو أن صادق نقل له عدوى اللطافة ..
أ يُعقل أن آلن يتنازل عن كبرياءه ويأتي يترجى نزولي إليهمّ!
هل يُعقل أنه مُجبر على فعل ذلك .. ليس مُجبر بالمعـنى الاصح ،
ولكن رُبمـا صادق طلب منه ذلك .. أو زينب ..
هذا لا يهمّ .. الأهم أنه أتى !
نزلتُ إلى اسفل بطاقةً جديدة ، تشابه التي خرجت بها صباحاً ..

مررتُ إلى زينب التي انتهت من الغـداء ، تقول ضاحكةً : تخيلي مَهتـاب ،
آلـن نزل من برجه العـاجي وغسـل ماعون الفطـور!
يبدو أن هذا الـ آلن سيجلطنا جميعاً يا زينبّ..

ظننتُ ان لطافته معي بأمرٍ منك، أصبح أيضاً لطيفٍ معك! : أني بروح أكعد وياهم قبل ينقلب مزاجه.

ضحكت زينب : لا دخيلج!
هذا بدل ما تكولي الله يثبته!!

أدعي لقلبي بالثبـات يا زيـنبّ ، أبنكِ لم يجعله بي ثباتٍ ..


مخــرج الفصــل الثامن عشر
كــل عام ووطـني بخـــير ..
اللهم احفظ بلادي من كل شــر.
وانصر المستضعف من المسلمين واحفظ أمن الآمنين




* الخمر كان وسيلة لتنظيف الأسحلة وتعقيم الجروح في 2003 وما قبلها وما بعدهـا ..
حتى اليُوم تستخدم في أواسط ثوار سـوريا




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس