عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 02:37 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مـدخل الفصل التاسع عشـر ..
يوم كلٍ قرر ينحني
بغداد اختارت تطيـح

×طلال الرشيـد×






مرّ اليُوم بسلامٍ نتيجة لطافة آلن الغير معهودة، رغم القلق الذي دبّ في نفوسنا من غياب مُحمد ، الذي كان موعده لنا اليُوم!
رُبما كُنت وجه شؤم على مُحمد،
عندما تعهدوا إلي أن أذهب معه .. غاب!
ولكن ما ذنبي بغيـابه!
يبدو انه نسيَ نفسهُ وسط اسرته، فهو الوحيد الذي يمتلك أُسرةً بيننا ..
وسط غُربتي المُخيرة ، وغربة أهل آلن المُسيرة ، ويُتمّ صادق
يقولون أقسى شعور هو شعور اليتيم!
ولكنهم لا يعلمون كيف هو شعور اليتيم الذي تركه أباه باختيارهمّ،
أرى ملامح الأثنين عندما تذكر زينب أسم أباءهم
صادق يعلم انه رحيلٌ إجباري تحتمّ عليه، فيُخالط حنينهُ ابتسامة رضية تترحم على والديه،
أما آلن، فيتجهم وجهه تسودّ الرؤيـا أمامه، وينقلب مزاجه إلى أعسرٍ لا يلين إلا في أحضانِ زينب!
ماذا لو كانت أُمه في مكان زينب، أتمنى رؤيتها مرةً أخرى فلم أتمعن بالنظر إليها طـويلاً ، فقد أغار مُصطفى على صلبانهم مُشوشٍ تفكيري!
ليتني علمتُ أنها والدته ، لكنـتُ بحثتَ عن شيء لها في ذلك المنزل الذي خلا من كل شيء ما عدا متـاع سفري الذي أتيت به من طهـران!
لبـاسي، صوريّ ، مُذكراتي ، كاميرتي ..
كاميرتي التي تحوي على صور أهلي .. لو كانت هُنا لما أوقعني الحنين ضحيته!
بالتأكيد إنها ستُخفف أعباء الشُوق الليلية .. اللا مُنتهية..
لابُد من إحضارها .. ولكنّ كيف والبيت محتجز!
احتجاز البيت يُشابه احتجاز قلوبنا بيدِ مـن لا يشـتاق،
فما الفرق بين جنود تُعسكر أمام البيت .. وبين صلف المشـاعر التي تُعسكر بين شرايينه وتمنعه أن يشتاق؟
***
وسط ضجةً صـادق المسائية .. تحدثت عمّته غاضبة : عليمن طالع انته؟

تحدث وسط صخبٍ صـادر من الراديـو الذي يُمد ببطاريـات وسط انقطاع الكهربـاء : عليج الله ما حلوة هاي.

تحدث الوالجة حديثـاً وسط عتمةٍ لا يُنيرها إلا بعض الشـموع الضئيلة: تخببل.. ما عليك بزينبّ،

لم يصدق ذاك حديثـاً فأقترب من مَهتاب جاعلاً الراديو بينهما وهو يصدح بأُغنية .. أو ما يُقـال لَطميه،

غير آبه بحزن عمته .. فيُصادف اليوم استشهاد السيـدة زينب بنت علي كما تقـول.. تحدثتُ بعدما رأيته يتمادى بالحديث مع تلك التي تنزع الحدود بين الرجل والمرأة عندما ترى صـادق: يلا طفي الصخام اللي وياك وتعال رايدك ..

همـست ولم أسمع همستها .. ولكني سمعتُ ضحكة صادق مجاوبها : متضوج لأننا خذينا شمـوعه..

تستفسر عن غضـبي .. ولم تعلم أنها سببهّ!
كُنت منذُ قلـيل أمازح زينبّ التي "حادّت" على رحيـل امرأة قبل 1360 عامّ، والآن أغضب من عدم احترام صادق لذلك الحـزنّ "البـاهت"..
ما الذي جرا ليّ وجعلـني أناقض حاليّ هكـذا؟

تحدث زينب التي صدقتّ حديثُ صادق: ماما آلن، خذ شـموعك.. هسه الكهرباء ترجع،
عبادتكَ أولـى حبيبيّ.

يبدو أنها جادةً فيما تقول !: تصدقي هالمـسودن ولج زينبّ؟
بس أني هيج متضـوج من الله!

تحدثت مرةً أخـرى: بسم الله علـيك .. اشبييك ماما من هستوه تضحك ويانّـا شاللي مضوجك ؟

وقفتُ من هول الاعتراف الذي جاء على لسان زينب!
لا تخبريها أنها السبب،
لا تُصغري قدر قلبـي "الحجري" أمامها،
لا تعلم انه يرتجف بحضورها، ويدق دقاته المُملة بغيابها الذي لم أعد أطيقه وأخلق ألف عذر وعذر لمجيئها ..
***
انقباضاتُ قلبك البائنة على وجهكَ أعلمُها ..
تشابه انقباضات اباكَ أمـامـي، أعلم أن هُنـاك شعوراً قاتلاً يتملكك..
فقد ذقت ما تذوقه انت الآن!
قريباً من العين ويسكن في القلب.. ولكنه صعب المـنال ..
عقولنا تحذرنا من قُربه الخطر على عقائدنا المستميتة في دواخلنا،
وقلوبنا تضخُ من أجل ذاك الخـطر!

تحدثتَ مُعذبته التي للتو علمتُ عذابها الذي أذاب قلب بُنيّ .. فبريق عينيه الهائل يشابه بريق عينيّ أباه، وغضبه من مجالستها لرفيقه يشابه غضب اباه: اشبيه آلـن ؟

تحدثـتُ وهي تراه يرتحل، وأنا أراها تمتلك مخالبٍ تُمزق آلن كلما نظر إليـها ، تحدثتُ ماحقة : ما بيه شي!

لقد رأيت صدمتها من نبرتي التي لم تكنّ لها في ما مضى إلا نبرة عطـوف: لعـد ليش هيـج راح؟
أني مضوجته!

لقد عرفتِ تهمتك يا قاتلته، ولكن أثبت براءتها ابن أخي بعدما قال: ليش مختبصة؟
انتي مالج خص ، آلن من يومـه هيج يوم صافي وعشرة معكّر، والحين راح علمود سمّه ويرجع مروّق!

تحدث وهي محدقة انظارها به : يسكـرّ!

ضحك الآخر : لا ويييين يبه،
دخـان مو بطـل!

وكأنك هكذا هوّنت الأمـر، وأصبحت السيجارة التي تُحرق قـلباً انتفخ من الأوجـاع هيّنة!
كأن السيجارة التي تقتات من رئته تطبطب على أوجاعه بعدما نثرت سُمها في قصبته الهوائـية..
***
صباحٍ في محل الخُضـار ..
بعدما ألزمني أبي بشغُل اليوم نتيجة سفره إلى بغداد،
أخبرني عصر أمس أن لا أذهبّ فهو بحاجتي..
أعلم أن قلوبهما هُناك تلفظ النار التي التهمتها نتيجة غيـابي الذي حدث بعد خمسة عشـر يوماً من الحيـاة الجديدة الريفية في ربُوعِ شقلاوة..
لقد أخبرني آلن أنهم بحاجة إلى سيارة مجهولة المُلكية!
خُنق ذاك الرجل الذي لا يطيق أسوار البيت، يراها تجثـو على صـدره ،
وكيف له أن يطيقُها وهو لم يسكن في جنباتها منذُ ستة أعـوام،
حتـى النُوم يحلو له خارجـاً في مقر حراسة بيت بغداد ..
وبيته في ديـالى ساعده كثيراً عندما انحـنى لرغبته الداخلية وقضّ جُدرانه وبات مثقوباً كقلب رفيـقي الذي طاله الجفاء وثقب قلبه وسيّل دمّه مع تلك الثقوب ..

رفعت هاتفي بعدما سمعتُ رنيـنه : ياللهَ صـباح خيـر!

تحدثت الأُخـرى ضاحكة من داخل أسوار جامعة ديالى التي تُكمل بها دراسة القـانون: اشبيييك؟

تحدثتُ ومزاجي يتعدل بشكل نسـبي بسبب صوتها الذي لم يكنّ إلا طربـاً يستقبله الأب من ابنـته .. فهي ابنة روحي وقرةُ قلبـي: أبوج، عافيني هنانا ورايـح بغداد ، لو مخليني أروح بغداد أحسن من كعدتي.

ضحكت شامتة : حيييل بيك حمود، تعلّم الشغل مضيع وكتك وره روحات أربيل..

يبدو أنها نسيت موافقــتي على ذهابها مـعي : أربيل مضيعة وكت!
لعد ليش أخذج ويايّ .. خليج بديالـى يا أم وكت ثمـين.

ضحكت .. ضحكةً صفـراوية : عفيييه حمّود دتشـاقى،
بـصلاة محمد خذني ويـاك.

تحدثتُ مُنهياً مكالمـتي عند قدوم رجل يتبضع : مرة لُخ أخابرج. "مرة لُخ = مرة أخرى".
***
صديقيّ الذي بهت لونه من مسـاء البارحة، هل يضيره مخاطبـتي لها ؟
وكيف يضيره وهي قد رُشحـت لي زوجة ؟
لابُد أن أضع حداً بيننا حتى لا يغضب، فهو لم تكتمل بحياتـه قصةً سعيـدة،
وهل سيكتبَ مع مَهتاب قصته السعيدة؟
أم تحترق أقـلامه بشموُع عبادته، أو هي من تحرق أقلامه بسُنـة إسلامها ..
وقفتُ قاصده في صباحـنا الباهت الشبيه بسابقهَ،
رجالٌ شرقيـون سكنوا البيوت واحتجزوا بها متناسين حياتهم السابقة،
حياتنا التي كانت طفولتها بين "بسكليت" و "طـوبة" في الشـارع ،"طوبة= كرة قدم"
وفتوتنا على أرصفة الشارع ذاته، نحسب العائد والذاهـب، وإن حدث شيءٍ تاريخي يُغير روتين حياتنا ما هو إلا سرقة آلن لسيجارتين من باكيت أبوه ..
الدُخان نفسه .. الذي صحب آلن من فتوته إلى شبابـه!
بينما أنا تركتُه من أجل تلك الزينب ، التي لا تُطيق رائحته ، وتعاقبني ليالٍ وتُجلسني في فناء المنزل بعد إغلاقها لباب المدخل!
بحثـي عن صاحبي لم يطول، وأنا أراه يقعد على رصيـف يشابه ذاك الذي احتضن فتوتنا ومراهقتنا .. ولكنه ليس ببغداد ولا بحيّنا "الفاخـر" ، إنه في شقلاوة الأكراد كما يُسميها آلن!

حادثتُ الماثـل على الرصـيف بعجز ، وسط شرودٍ في عينيه وسيجارةٍ في فمهّ: صباح الخـير.

أجابني.. وأنا لا أعلم كيف لروحٍ استساغة شخصٍ هكذا ؟
كيف صبرت عليه روحـه .. فأن لم يغضب ، أصابه البرود القاتل الذي يُجيب من يحادثـه بتلقائيـة باهتة، مُميتة لخلايـاه التي تضجُ منها طاقة الشباب : هـلا.

سألتهُ وأنا مُشفقٍ على تلك الـروُح التي ستعتل يوماً ما نتيجة تصرفاته الحمقاء التي يتبعها غضبٍ أو برود: اشبييج متضوج من المـساويـة؟

تلقائيته نفسهـا لم تتغيـر .. فقط الذي تغير أنه حرك قدمه اليسار داعسٍ على سيجارته المُنتهية مُخرجاً أُخـرى من باكيته الذي يحمل في جيب بنطاله: مابي شـي .. – ثم أردفّ – اليـوم عـرس ياسمينهّ ..

هذا ما أوجـع روحكَ ؟ أو قطاعتها لكِ منذ ست سنوات هي الموجعة حقاً؟ أو رحيـلُ أهلك تجدد وجعه مرة أُخـرى؟ تحدثت وأنا لا أعلم ما أقول له،

هل بحديثٍ يُجدي! : الله يهنيـها ..
***
هكذا تقولها ببساطة يا صـاحبيّ "الله يهنيهـا " ..

وكأن الأمر أنتهى عندك عند أخر حرف نطقته، لا تعلم عن شُعوري المُر وأنا لم أكن أنتظرهـا بمللّ أسفـل بينما هي في صالون التـزيينّ، لم أكـن ذاك الذي يُخاطب عريـسها بنبرة جدية موصيه عليها ..
لم أكن ذاك الـذي يعوُد للبيت فاقـد صوتها بين أسـواره، لقد فقدتِ قبل ست سنوات ولم يعد اليومّ يُحيي بداخلي الفقد ..
لقد مللت الانتظار ست سنوات ولم يعد اليوم يُشعل بداخلي ملل الانتظار!
لقد سئمت يا أختاه!
من صدكِ الذي ضربت به عرض الحائط في مـا مضى ..
ليتني سمعتُ حديثكِ وهرعتُ إلى بلجيكا ، مُخفياً حنيني لأمـي وأبـي الذي يختبئ خلف المكابرة السقيمـة.
***
عـصر اليُوم ..
أقفّ في الفـناء مُنتظـرة مُحمد كما كُنت أمس،
حنيني لم يسمح لي بالجلوس جانباً انتظره ، كلما استرقت السمع لمحركات السيّارة فزّ قلبي من أقـصاه .. يتنبأ قدوم مُحمد ثم يخيبُ أمله ويعود إلى مكانهّ!
ماذا لو أتى مُحمد ، ووقفت أمام الكبينة، هل سأتصلُ بأمي؟
لا، لن يكون ذلك .. أنني أخاف فجيعتها .
سأتصُل بأبي إذٍ .. ولكنه لا يُنتهي من جلسة رفاقه التي تلحق بصلاة العصـر مُبكراً وأنا أُريد محادثة جميع أهلي ، حتى خالد سأحادثه رغماً عنه!
سأتصل بيامنّ، فـهو أرقُ أخوتي قـلباً .. وأكثرهم فقداً ..
سأتصل بـهَ وأقُول لهُ كل مـا مر بيّ من مشاكـل ..
سأخبره بالاعتقـال المُرّ وذاك الجلمود الذي يقف على باب زنزانتي، وأخبره أيـضاً عن جنرالهمّ الصعلـوك .. وأخبره أيضاً أن آلن قتلهم لأجـل إطـلاق سراحي!
وأخبره أيـضاً عن آلن .. الصديق والعدوّ،
الجارح والمجروح، الهائم على وجهه ورا قائده اللعينّ،
وهو أيضاً لا تنقصه لعانةَ أخرى حتى يتطبع بالرئيس!

سمعتُ صوته ورائي : اش عدج واكفة هنانا ؟

نظرُت إليه، متكئ على بـاب المدخل في وقفته المائلـة، التي ظننتها سابقاً بسبب عرجة قدمه، ولكنها تعافت قدمه وبقيت وقفته نفسـها: انطر محمد.

تقدم قليلاً وهو لم يزل خلفي: نطري داخـل .. زعطوطة!

قالها هكذا ثمّ عاد إلى البيتّ ، ما الذي أخرجه هذا الوقت؟
ولما حادثنـي؟
ألم نتفق أننا لا علاقة لنا بالآخر؟ لا لم أتفق معه!
لقد اتفقت مع روحي ان لا علاقة له بنـا.. لم أتفق معه ..
وهل أملك من الجُرأة ما يجعلني أخاطبه كما خاطبني قائلة " مالك خـص"!
لا أملك الجرأة .. ولا أملك النظر لعينيه أيضـاً..
سمعتُ صوت زُمارة السيارة، إنه مُحمـد ..
ركضتُ مســرعة إلى الباب الرئيسي الذي لا يُبعد كثيراً ، مشرّعة بابيه على مصراعهما حتى يُدخـل سيارته إلى كراج السيارات الذي يتوسط المزرعة..






مخرج الفصل التاسـع عشر
يا أبا الحضاراتِ الأولِ وسيدها قد
كنتَ للبشريةِ دومـا نبراسا ودليلا
فأنتَ العراقُ الأشمُ يا أسدا.. ببابلٍ
تناقلت الاجيالُ شجاعتهُ جيلا فجيلا


×شمعة×

يتبع....


تتمة الفـصل التـاسع عشـر


لا تلهــيكم الرواية عـن ذكر الله




سمعتُ صوت زُمارة السيارة، إنه مُحمـد ..
ركضتُ مســرعة إلى الباب الرئيسي الذي لا يُبعد كثيراً ، مشرّعة بابيه على مصراعهما حتى يُدخـل سيارته إلى كراج السيارات الذي يتوسط المزرعة..
أوقف سيّارته باسماً لهذا الاستقبال "الجديد" ..
لم يعهده!
فقد كان دائـماً هو من يترجل عن مركبته فاتحـاً الباب ومن ثم يوّقفها داخلاً ويعوّد لأغلاق البـاب.. لقد تعوّد على رفيقه عديميّ الضميـر واللباقة!

تحدثَ مُحييٍ: شلونـج مَهـتاب؟

حييته وابتسامتي التي كانت محط استغرابـه لا تُفارق شفاهي : الحمد لله زينة،
وانت أخـبارك؟

أومأ برأسه وكأنه يقول بخيـر، ثم تسأل: شاكو ماكو ..

رفعت منكبيّ ونحن نتقدم بالسير إلى البيت: على حطة أيدكَ!

دخلنا ثم افترقنـا .. دخل إلى المجلس حيثُ صـاحبيه وأنا صعدتُ أعلـى ..
لا أعلم لما لُجم لساني ولم أطلب منه محادثة اهلي!
كُنت أتوعد آلن "في حديث نفسٍ" وأقول سأخبر محمد عنه، فقد يكون لي بمثابة يامن الذي توعدت آلن به جهراً ..
***
تحدث مُحـمد بعدما سألتهُ عن أمر البيت: تكفلـت مـلاذ بيه!

تسألت كيف لصغيرةً أن تتكفل بأمرٍ بقيت ليلتين أُفكر بطريقة تدلنا عليه! : وكيف هاي بالله؟

أجـاب عـلى تساؤلـي، وسط صمت صادق مستمعاً : بعـدين أكولكم كيف،
رايد لها كعدة .. وين عمتي زيـنب؟

وما ان انهى حديثه حتى دخلت بصينية القهوة والشاي مُرحبة : هلاو بحبيب عمّته،

وقف الآخر مقبلاً رأسـها: شلونج عميمة؟

أجابته وهي تُلغمّ حديثها ضدي!: لوني من لون هالخطيّة ياللي لا نومها نوم ولا مقـامها ومقـام .

جلـس مقـابلها والجدية تُسّطر على ملامحه : مَهتاب؟ اشبيها،
من هستوة كابلتها . . .

تحدثت زينب وهي تنقل نظرها "الغاضب" بيني وبين صادق: أسأل هالمصخمّ ويا صاحبـه، - ثم أجابت ولم تنتظر سؤال مُحمد ولا إجابتنا – حارمينها من مخابرة أهـلها،
رايـحين الكبينة ومخابرينـك وهي تاركينها مقهورة من وره كعدتـها .. "مقهورة = حزينة".

تحدث مُحمد بعدما رمقنا بنظرة: صيّحي عليها رايـدها ..


وما ان انهى جملته حتى نهضت عمتي مُسرعة وسط نداءات لا تنكـف،
فقد انتصرت لمَهتاب بوجهة نظرها، وهي تعلم اننا من أقرّ ذهابها مع محمد.
***
نداءات زينب التي تخالطـها الفرحة جعلتني أنهض من سريري راكضة اسفل!
وما أن وصلت إليـها حتى خرج مُحمد وسحب يدي: تعـالي ويايّ!
خرجتُ إلى حيث قـصد .. عُدنا مرة أخرى أمام السيـارة في ظرف نصف ساعة،

تحدث وهو يتكئ على مُقدمتها جاعلني أمامـه: متضـوجة من كعدتج هنانا؟

صوته الذي تملأه الحنيّة اسكب مدامعي .. فانتصب واقفاً من هول دمعٍ راءه،

ظاناً أن سؤاله سبباً فـي ذلـك: لا،
أروح لك فدوة .. هوايه مـرتاحة!

تحدث وهو لم يزل ومنتصباً أمـامي: مـتأكدة؟

أومأت برأسي وأنا أطرقه إلى أسفل، خشية أنا يرى مدامعـي ثانـية،
يمتلك نبرة حنانٍ تشابه نبرةً تسكن في صوتِ يـامن،
يمتلك اهتمام يُبان من انفعالاته كـذاك الاهتمام الذي يملكه عُمر ..
وعينينِ تتفحص ملامحي .. كعيـون خالـد الذي تسألني كلما قدمت من الجامعة أن تعرض لأي بكلمة أذية أم لا ..
هذا كثيراً علي يا مُحمد .. لا أحتمـل تلك الحنـية!

رفع رأسـي قائـلاً : مسحـي دمع عيـنج،
ما أنخلق اللي يضيمج .. – ثم أردف موضـحاً سبب ذاك الحـنان اللا مُنتهي – تعرفين أنج بحسبة أختي .. ولا تكولين لي أنج متضوجة ومقـهورة،
لا ما تنضـام أخت محمد وهو يـباوع!

لولا الحيـاء والديـن لأسندت رأسي على هذا الأخ الذي أصبح "أخ" غُربـتي،

الذي لم ينقضي حنانه، عندمـا قـال: يـلا روحي جهـزي حالج علمود تخابرين أهلـج.

ركضتُ من أمـامه وأنا أتمنى لو استطعت طبع قبلة على جبينه،
لو استطعت احتضان الأمـان وسط زعزعةٍ بيني وبين آلـن وتفرض تلك الزعزعة نفسـها وتجعل من زينب وأبن أخيها أنصارٍ له!
***
تلك الفرحـة التي دخلـت على قلـبها كان سبباً في ابتسامـتي،
تلك الرقيقة كيف هان على آلن جرحـها؟
فقد تنزل أدمعها وتتخالط فرحة وقهرٍ على أيام مضـت لم تكن قليلة!
فقد نصفت الشـهر بسجنها الجديد ، ولم يكن سجانها إلا رفيقي الصلف منذُ نشأته،
لابُد لي أن أحاسبه على كل جرحٍ تسببه لهذه اليافعة، فأنا تعهدتُ أمامها أن أحمي قلبها من شظايا آلن التي تتلظى في فؤاده وتخرجُ سكاكينٍ غادرة على قلب هذه الفتـاة..
لابُد له أن يُراعـي يُتمـها "الجديـد" بفقدها لأمٍ وأب لا تفصلها عن ديارهم إلا بضع الكيلوات ..
لقد أخطأ رفيقيّ عندما أختارَ شقلاوة .. فلم يكن ذاك القُرب إلا عذاباً لمهتاب.
***
عـاد مُحمد وابتسامةٍ تغزو ملامحه التي خرج بتجهمها،
لما لا أغضب أن جالست مُحمد كما يشتعل غضبي لهباً عندما تجالسُ صادق؟
هل جديةُ محمد سبباً؟
أو امر ادعاءه لها سبب آخر ؟

لا علي بـها .. تعمل ما تشاء فلن أحرق أعصابي خلفـها : مـحمد، أريد موبايلـك.

أخرج هاتفه : سلمّ لي علـيهم..

منذُ ليلتين علمت من مُحمد أن ارقام أهلي لم تُراقـب ، وأنا أنتظر مجيئه كما كانت بَسعاد تنتظر،
أصبح مُحمد وسيلة اتصالنا بأهلنا..
صعدُت أعلى وقلبي يحثُ قدميّ على المسيـر بشكل أسـرع،
فالمشيّ بالبطء لا يتناسب مع ملهوفاً ينتظر كلمة تُطيّب خاطره!
ولا يتناسب مع أخ عروسٍ تتجهز الآن قبل زفافها ببضعِ سـاعات..
وصلتُ إلـى غُرفتـي بعد خطواتٍ كانت تقتص من روحي ويُذيبـها،
ما بال يدي ترتجف هكـذا ؟
ولم تستطع الضغطُ على أرقام الهـاتف المبتدأ بخط بلجيكا 32، وكأن هذين الرقمين تُذيب عُمري الذي يحمل نفس الرقم !
لم يردُ ينـال كعادته التي لازمته الفترة الأخيـرة، قطعت الاتصال وهو لم يتجاوز رنته الثالثة،

كاتباً أرقامٍ أُخرى.. ردت مُبكراً قلبُ أخيـها: ألـو،

صمتّ!
فالصمتُ أبلغ من أن أقول لهـا "أنا آلن"..

لم أسمع صوتها منذ بدايات آب المُنصـرم، لقد مرّ شهراً وأنـا لم أزوّد قلبي بهذا الصوت .. الذي تحدث مُجدداً: منـو معاي ؟
لما تجبرني على التعريف بنفسي؟
ألم تكن دقات قلبي كافية ؟ يا أخت قلبـي ..

تحدث بعصبيةً معهودة في مـا مضـى بحكم أنها آخر العنقود "المدللة": د تتحجى ولا أكطع الخط؟

تحدثت خوفاً من قطـعها للخط بعدما خاب أمـلي برد ينال : أني آلـن ..

شهقةً تبعها بُـكى: يا روُح أختـك انته،
وينك شخبارك؟ شمسويّ حبيبي؟ سمعت انك مطارد ،
عسى ما أذوك؟

لا أحتمل هذه الحنّية يا أُخيه، فأخيكِ عودته أمكِ على العتـاب فقط..
فيعـود الملهوف بكسرةِ قلباً وبقايا حنـــين: لا الحمدلله كُلش زيـن،
أنتي اش أخبارج وأمـي وأبوي وأخـواني؟

أجابت وأنا أسمع تلتقـط أنفاسـها : الحمدلله بخـير ، ما ناقصنا إلا شـ......،

بترتي جملتك التي تكون دائمـاً خلف السؤال عن الحال!
كُل هذا خوفاً من غضبـي ؟

لا تعلمين يا أختُ أخيـك انه لم يعد يطيق الفراق، وينتظر إشارة منكمّ تطلبُ منه العـودة!
لا تعلمين بكل هـذا الضُعف الذي زاره وأدخل معه ضيفٍ غير مُرحبٍ به يُسـمى الحنين .. تداركت قـولها قائلاً: حبيبتي والله ..
ياسمـين شلونهـا ؟

تحدث من جديد بعدمـا رأتني أنقذتها وتجاوزت عبارتها: الحمدللهَ،
أنـي هسه ويـاها بالصـالون،
- ثم أردفت قاتلتني بأجوائها - لعبت نفس ينال وهو ينطر تحت.

حنينٍ أذاب قلبِ أخيك لتلك الفرحة العـائلية التي تُحدث استنفاراً وضجة لأيـام عدة: قولي لها أريد أخابـرها..

شعرتُ بوقوفـها، ثم صوت خطواتها التي تقرع في الأرض تخبرني عن استعدادهـا الكامل للزفـاف .. حتى لباسـها للـ "كعب" في منتصف النهـار..

سمعتُ صوتـها البعيد قليلاً الذي لا يُسمـع لولا السكون الذي يسكن الغرفة ويسكنني أيـضاً : ياسمـينه، - لم ترد الأخـرى -،
حادثـتها بمزاحٍ عهدتهُ مـنها وصوتها البعيد نفسه : حرمّ قُصي عطينا وجه!
نسيتينا هسّه ..

سمعتُ ضحكةً خجلا تمنيتُ لو قلتُ لزمُرد ان تبقي الهاتف هكـذا وأسمع ضحكت ياسمين تنساب بحرية وهي لا تعلم عن أذني المتطفلـة لحديثهمـا ..
سمعتُها توقف ضحكتها قائلـة : مو أني ياللي ينـسى أهله يا اخت آلـن..

ليتني لم أسمـع يومـاً ،
لقد جرحتكِ بالبُعد يا روُح أخيـك، وجرحنـي "تعييب" أختي بيّ ،
وكأنكِ تجردتِ من آلـن وبقيتي أُخت ينال لوحـده!
لا ، يبدو أنها لا تقصد ذلـك .. أبي جعل الأخ الأكـبر يعتزيّ بأخته الكُبـرى..
من أجل ذلك قالت ياسمين لزُمرد أُخت آلن ..
نعم من أجل ذلـك .. فالياسمين لا يـجرح!

تحدثت زُمرد وصوتها يتضح أكثـر من سابـقه: آلـن حبيـبي، ياسـمين مشـغولة شوي ما تكدر تخابرك.

عذركِ باهتٍ!
لقد سمعتُ ما دار بينكمّ رغم بُعد الهـاتف عنكما ..

تداركتُ الوضع مُودعهـا : ميخالف حبيبتي، بـاركي لها بالنـيابة..
وسلـمي على الكـل ، وانتبهي تتصلـي على هالخط .. مال محـمد.

تحدثت مُودعة: حبيبي انته، انتبه على نفسـك ولا تشغل بالك بشـي،
تدفـه عدل اروح لك فدوه تره نهاية أيـلول دتشابه تشرين غدارة!
كُل شـيء غدار يا اخـتي، ليس تشـرين وحده من يغدر،
***
أوقفت احكام حجابي وأنا أسـمع صوته مُنبعث من غرفةً مـجاورة!
فتحت الباب قليلاً وأنا أتخفى خلفه وصوته الذي أوصله الهدوء لي واضحاً،
أسمـع صوته الملهـوف الذي تخالطه بحةً لا أعلم ما الذي خالج صوته وجعله مبحوحاً هـكذا ..
بحته تلك تُذكرني بليلة الوداع التي تلت الحرية.
نفس البحة ونفس الكلمات التي تكنّ بلسمـاً، هكذا يُحادث أختهُ التي تركته!
تمنيتُ لو عرفـته وهو بيـن أهله ، هل سيبقى غاضباً كما هو الآن ؟
كيف كانت علاقته مع والده الذي تقول زينب انه هو الوحيد الذي يعدُل آلن عن دربٍ أراده!
لا يسمع قول أحدٍ مثل قولِ أبيه ..
خرجت بعدما سمعتُ صوت إغلاق البـاب الذي توارى خلفه عن أنـظارنا حتى لا نعلم بجـنون المُشـتاق التي تُبان على وجهه وتبُح صوته،

تحدثتُ وأنا أراه ينوي النزول أسـفل: د تروح ويـانا ؟

نظر لي نظرة لا أعلم ما تحمل خلفها ولكنها تُشبه نظرات التفحص: لا.

لا أعلمّ لما تمنيتُ ذهابه، رغمّ أني أصبحت أمتلك أخٍ يُغنيني عن هذا الجلمود!
ولكنني أريدُ ذهـابه معـنا ..
يبدو أنني طبقت المثل الشـعبي " الكلب يحب خنّاقه"!
***
في الطـريق إلـى وسطِ شـقلاوة..
تجلـس زينب بجواري، وتقعدُ خلافـها "مَهتـاب" التي ظُلمت في شقـلاوة كثـيراً،
يبدو أن الظُلم لم يقتصُر عليها .. فقد ظُلمت زينب بين ثلاثة مطلوبين تُداري خواطرهما ، بينما هم لا ينكفون عن مُعاقبة بعضهما بالكلام الجارح!
ما الذي جعل عمتي تتبنى هؤلاء الذيـن لم يكونوا يوماً "أبناءٍ" لهـا ..
تقول لي لو شرع الإسلام تبنيّ لجعلُت آلـن ابناً لي..
ألم تكفيها سنواته السـت التي عاشها بين أحضانها ؟
عمـتي ترحمه كثيراً كأنه يتيماً، حتى أنها توسده حجرهـا ويـنامّ به أكثـر من نومه في غُرفته!
تدلل كثيـراً حتى أصبحتُ أغار بدلاً من صادق!
ويا ليتهُ يُكافئ دلالـها بتقديرٍ لهـا .. أصبح يحادثـها كما يُحادث صديق له.

سألـتها وغرضي الأول مـن هذا السؤال، تخفيف الجو المشحون بالنسبة لمهتاب التي بانت ربكتها وأسمع تخلج صوتـها بدعاءٍ مكتومّ: عميمه،
تريدون اشـي من السـوق؟
دامنا بالبلد

أجـابت عمـتي سـائلة الأُخـرى: ناقصج اشـي مـامـا ؟

تحدثت بصوتٍ ذابلٍ مختلطٍ بدموعهـا التي مازالت تملأ جفنيـها ولم تسمح لهم بالهـطول : لا .
***
ياللهَ!
أنني ذاهبةً لأسمـع صوت أُمـي، وصـوت ابي الذي ضعُف قبل عـامين نتيجة جلطة آلمت به!
لن أنـسى وسط حديثـي أن اسأل أمـي هل عادت هذه اللعينة تنهش بجسده أم سـمعت بكائي السـابق واستحت من العودة إليه..
سأسالها أيضـاً عن خـالد هل أكمل جامعتـه أو نفذ تهديده الذي سبق رحيـلي بقليـل،
سأحادث عُمر واسأله هل التـقى بفاطمة؟
تلك الناضجيـن بعقـل مُراهقيــن .. أصبحت لهم ساعي بريد لسنواتٍ طوال!
سأحادث يـامن وأسأله عن كل شيءٍ فقدتـه ، وعن كل شيءٍ كان تحت التنفيـذ،
حتى مشروع زواجـه الذي تعسّر حتى تعـود خطيبته من مزندران التي تكمل بها دراسة الماجسـتير مبتعدة عن ضجة طـهران ..

تحدث محمد : يلا مَهـتاب وصلـنا ..

لم أكن مسـتعدة يا مُحمد بهذه السُرعة .. وبعد زمنٍ طويـل!
لو لي القُدرة على طول "لا" لقُلتها وعُدنا من حيث أتيـنا، محتفظة بأسئلتي التي لا أودُ طرحهـا الآن!

تحدث محمد بعدما توقـع اعتصامي في المقعد "خجلاً منه"! : يالله حجية نزلي وياهـا .


انتـهى



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس