عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 02:39 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصـل العشـرون..




ياللهَ!
أنني ذاهبةً لأسمـع صوت أُمـي، وصـوت ابي الذي ضعُف قبل عـامين نتيجة جلطة آلمت به!
لن أنـسى وسط حديثـي أن اسأل أمـي هل عادت هذه اللعينة تنهش بجسده أم سـمعت بكائي السـابق واستحت من العودة إليه..

سأسالها أيضـاً عن خـالد هل أكمل جامعتـه أو نفذ تهديده الذي سبق رحيـلي بقليـل،
سأحادث عُمر واسأله هل التـقى بفاطمة؟
تلك الناضجيـن بعقـل مُراهقيــن .. أصبحت لهم ساعي بريد لسنواتٍ طوال!
سأحادث يـامن وأسأله عن كل شيءٍ فقدتـه ، وعن كل شيءٍ كان تحت التنفيـذ،
حتى مشروع زواجـه الذي تعسّر حتى تعـود خطيبته من مزندران التي تكمل بها دراسة الماجسـتير مبتعدة عن ضجة طـهران ..

تحدث محمد : يلا مَهـتاب وصلـنا ..

لم أكن مسـتعدة يا مُحمد بهذه السُرعة .. وبعد زمنٍ طويـل!
لو لي القُدرة على قول "لا" لقُلتها وعُدنا من حيث أتيـنا، محتفظة بأسئلتي التي لا أودُ طرحهـا الآن!

تحدث محمد بعدما توقـع اعتصامي في المقعد "خجلاً منه"! : يالله حجية نزلي وياهـا .

نزلت زينب والفرحة تخالجها وكأنها هي من ستحادثُ أهلها،

فتحت الباب الخلفي الذي أقعدُ بجواره: يلا نزلي ماما، اليوم سعدج،
عكبال رجعتج لهم سالمة يـارب..

حديثها وحده كان إنذارٍ لدمـعي!
حديثـها وحده كان بلسـماً ينتاب الروح ويدغدغ مشاعرها فتتحدث تلك المشاعر على هيئة دمُوع!
نزلتُ إلى الكبينة وأنا لا أعلم كيف ابتدئ فرحتي، وعلى من أتصلُ أولاً ..
الاتصالُ الذي كان اعتيادياً في حياتي الماضية ومن ضمن روتينها ، أصبح أُمنية!

أُمنية .. تحققت وجعلتني أتخبط أمام كبينتها ، مترددة أي رقمٍ أطلب، وعلى من يكون اتصـالي الأول..
ضغطتُ على عجلٍ .. ووجلٍ أرقام هـاتف أخـي يـامن الذي أجاب من الرنّة الأولـى وكأنه يعلم بوقوفي ودمـعي، ورعشةً تسكُن قدماي .. وتجعلني كُدمية لم تحسُ أبداً .. وارتعشت اليُوم من رذاذ المـطر: ألـو.

أجبته مُسرعـة .. مُتلهفة لذاك الحنُون: ألو يـامن، أني مَهـتاب.

شعرتُ بصوت ارتطام حولـه، يشابه ارتطام الكراسي التي توقع بعدها القلب ويرتطمُ أرضاً : هلااو يا قلب أخوج،
وينج؟ كيفج ؟ شغلتي بالنا عليج

أجبتُ على أسئلته المُتقطعة التي تتداخل حروفـها ببـعض! : كلُش زين، لا ينشـغل بالك ، انت كيفك.. وأمـي ، وأبوي وأخـوانـي ،
خالد كيفه صح ما ضاج؟"زعـل".


يبدو أنه يامن الذي "ضاج" وليس خالد!: كلُش مثل ما تحبيـن، لا ما عليج بيـنا تضوجنا ولا رضينـا .. الُمهم ترجعي طـهران بأقـرب وكـت، أمي ما خلت مكان ما دروت عليج، وكل يوم تنطر رجعتج!
تكَول ما هربت إلا علمود ترجع لي، كل عـصر تروح لبيت كاظم تسأله مته أخر مرة شافج ووين رحتي وكيف رجعوا وخلوج .. لعبت نفس الولـد.
مو بس أمي تدور .. همّيـن الخارجية تدور عليج!
روحي سلمي حالج، كبل يصير اشي ما يعجبنا ويتلوج الانتربول!


ما هذا الهُراء الذي يتحدث به أخـي؟
كيف يجعل أمي تبحثُ عني وهو يعلم انني لم أدخلُ أرض إيران؟
كيف يجعل قطعة الجنة تذهب تتوسـل كاظماً أن يُخبرها عن آخر أخباري التي رأى!
لماذا يسمح لها أن تذهبُ إلـى بيته!
وهكذا تكون مكالـمة أخٍ لأختـه الغائبة من شهرين.. المُنقطعة شهر!
كيف أن تُطالب بـي دولتي وتطالب الانتربول تبحث عني وأنا لم أقضَ محكوميتي هُنـا ؟
لقد جُنت إيــران .. لقد جُنت تلك البلد العجوز !

يامـن الذي يؤكد لي العُودة .. لم يعد يامن أخي الذي كُنت انتظر،
لم يعد ذاك الذي اتيه في خضم همـومي وتسقط الهموم على كتـفه التي أتوسـد دون أن أشعـر ..
لم يعد ذاك المُحامي إذا تجادلـتُ مع أخوتـي ..
لم يعد امانـي .. لم يعد ملاذي!

لقد كانت لهفته لدقيقتين فقط!!
أمـا باقي حديثهُ كان أوامـرٍ لا يُجيدهـا من بين عائلـتي .. إلا خـالد
وهن الشُوق في روحي وشـاب!
وهنّ المـلام .. وهن العــتاب .. أُخت يامن لن تحتمل كل هذا، يكفيها ما كانت تجابه من آلـن،
كُنت درعـي الذي أُهدد به ذاك الأرعـن، لم تعد درعٍ لمغتربـة عانيت الأمـرين حتى تظفر بهذه المكالـمة .. الـجافة الباردة!
لقد صدق آلن يا أخـي .. لن تدافع عني.. بُت تطالب بي كما تطالبُ بي دولتـنا !
رددتُ على سؤاله: كاعـدة ويـا حجيـة .. ببغداد!
لن أوافـيكِ بكل ما كنت سأقُول لك، أنت أوفـى لإيـران مني!
أنت رجُل شُرطة ربـما تكسب بي قضيةً احتاجت الانتـربول،
لن أثقُ بك بعد الآن!
لن أثقُ بك وانت جعلت من أمي "متسولة" لكلمتين من شفاه كاظم،
ولو كانت هذه الكلمتين تُجدي نفعاً لما عادت له مراراً وتكراراً ،
لقد نحرتُ أختك بيدك يا عزيزهـا ..


تحدثَ مُجدداً : عليج الله ما تضوجي حالج!
بس لازم ترجعـي، لازم، إيـران ما راح تخليج، وهمّ مهددينا لو أحد كلمج وما خبرهمّ!

هل هذا خبراً تقـوله ليّ، أم أنك ستُخبرهمّ؟
لم أعد أعـرفك!

ودعتـهُ: يلا يـامن حبيبـي أني ما أكدر أتأخر.. إن شـاء الله أخابرك مرةً لُخ!

ودعـني وكأنه يجمع شتـاتي الذي نثر قبل قلـيل: انتبهي على نفـسج، ولا تطلعين كثـير، وهم لا تضوجين من كلامي .. تره مصلحتجّ!

أومــأت برأسي وكأنه يرانـي: سلم لي عليـهم.

عدتُ إلى مُحمد بروحٍ أخرى.. غير تلك التي انتظرتُه بـها في الفناءِ عصـراً،
غير تلك الروح التي جادلت آلـن كثـيراً من أجل مكالمـة! ..


تحدثتَ زينب بعدما صعدتُ السيـارة: هاا كيـف أهلج ؟

هذه الكلمة وحـدها كانت جرحٍ تخترق الروح ويدميـها، شهقتُ الفقدّ!
شهقت العودة إلى إيـران التي حلمتُ بـها ..
شهقتُ ولم تمنع يدي تلك الشـهقة، هذا ما جعل مُحمد يقول لزينب أن تعود للخلف .. بجانبـي .
لم أصدقُ قُربـها بجانبي، حتى اختبأت بحضنها مواريه سوئي الذي جعل يامن يغضبُ مني!
إذا كان ألطفهمّ هـكذا .. ما حالُ البقيـة !
الويلُ لي، لم أسألهُ عن حـال أبي.. رُبـما عاودتـه جلطته بسببي!
بالتأكـيد هذا ما أغضب يـامن .. وجعلـه لا يفكر إلا بعودتـي ، الويل لكِ يا مَهتاب مما جنيتيه على أهلك..
لن اسامح نفسي لو حصل لهم مكروه!
ولكنني يا ربُ لم أنوِ الهرب.. هو من هرّبنـي من معقلـي ..
ماذا لو بقيت وحُوكمت في أبو غريب وعُدت إلى إيـران!
ليتني لم أعرفه يوماً،
سُجنت بسببه وهربت بسببه وأغضبتُ أهلي بسببه!
لقد تسبب بحوادثٍ كثيرة في حياتي .. لابُد لـي أن أدفـع ثمنها حتى أمـوت..

***


لقد غـيرتني هذه الإيرانية على رفيق طفولتي!
بُت لا احبُ قربه لها، رغمُ إنها هي من تقترب إليه..
أعرف أنه لا يراها إلا أختٍ له ، ولكنني لا أريدُ تلك الأخـوة التي بينهما،
لم تكن جديرةً به حتى تكن أخته!
هـي تبقـى إيرانـيةً وفيـةٍ لأرضـها، التي كانت حكومتها قبل أعوام تحت هذه الأرض بمدافعها ..

لم يكونوا إلا كـالكلاب .. أوفيـاءُ حـتى الموت!
حـتى لم تكتفِ إيران بوفاءِ أبناءها واتخذت كلاب الكراسي لها أبناءٍ مُخلصين!
وقفتُ على نداءاتِ صادق الذي يغلي لـنا شايٍ في الداخل، دلفتُ باب المطبـخ الذي لم يخلو من آثـارهـا ..

لابُد لروحي أن تكره كُل مكان احتضنهـا، اليُوم حادثت أهلـها وغداً سترحلُ إليـهم!

خرجتُ من المطبـخ كالملسوع وأنا أحادث صـادق: شـتريد ؟

تحدث وكأنني أرى عيناه متوسعة ومحدقة بي: اشبييك طلعت هيج،
كان ما دخلت من اول!

لابُد لي أن اخبأ عـورة قلـبـي في جدالٍ مازحٍ معه: الصوج مو صوجك.. صوج اللي يجيك من تصيّح عليه!

أكملت خُطاي خارجاً : انتظـرك بالمزرعة..


***


نحيبهـا القـاتل أدمـى روحي!
ماذا لو كانت ملاذ مكانها، بماذا يعوضها غريبٍ راءها تنتحب بعد مكالمة أخيهـا،
وما انا فاعلاً لو حادثتـني والدُموع تحشرج صوتـها ؟
لابُد لنا من تعويضـها ذاك الحنان المفقود، ولابُد لي أن اُعيدها إلى طهـران بأقربِ وقت..

سألتـها أن تكفّ دموعـها: خـلاص مَهـتاب عفية،
حبـابة والله ما يلوك لج الدمع!

ضحكتَ وسط نشيجها الذي خلف نحيبٍ طـويل، وهي تكفكف دمعها بيدٍ مُرتجفة: الله يجبـر بخاطرك خويه!

لقد استشعرت كلمة "خـويه" يا مَهتـاب، لقد شعرتُ بحاجتكِ لهـا،
لا أعلـم لما قسـى عليكِ صادقٍ بعد قسوة رفـيقه!
تمنيت لو لي قُدرةً على أخذكِ لـديـالى .. فهناك ستنعمين بامرأتيـن، واحدة لم تكن إلا أمٍ حنونة، والأخرى فتاةً ستكون اخت غربتكِ ..

وجودكِ بين صاحـبيّ وزينب .. وحدهـا مشكلة لابُد من حلـها.
تحدثتَ زينب بوجهٍ مُتهلل بعد محاولاتٍ بائسة لإخـماد ثورات بُكاءهـا: حمّود،
وكـف على أقـرب مـحل جيب لنا بزر "البرز مُصطلح قديم يستخدم للمُكسرات بأنواعـها"..


***


حبابة ما يلوك لج الدمع"!"
سمعتُ عُمراً يناشدنـي، هذي النداءات نفسـها نداءات عُمر، التي تنقلني من كوكب بُكائي إلى عالمـه الذي بئس عن اضحاكي والتجئ إلى كلمـاته هذه!
لو لم يتحدث مُحمد بهذه الشيفرة لما ركنت حزني جانباً ضاحكةً كما كُـنت،
نقطت كلمة "خـوية" وأنا أراه عمراً وليـس مُحمد..
سمعتُ زينب تطلب منه بزراً، فهذا الغرض في الأهـواز يخصُ السمَـر،
أ يُـعقل أنـها ستترك نومهـا باكـراً لتسـامرني،
أقـصدُ تسامر أوجاعـي التي زرعـها أخي في ثنايا روحي!

تحدثتُ إليـها طالبتـها: زينب حبابة،
كَولي لولِدج يودونـي بغداد!

تكلمت زينب بوجلٍ: لييش؟
تحدثتُ قبل قدوم مُحمد الذي أراه من بعيد يُحـاسب: بس هاا ما تكَولي لهم!
أريد أسلـم حالـي للخارجيـة..

تحدثت بكلمة: وبعـدين؟

قلتُ لها ما لا أود قوله، ولكـن تلك الكلمات التي قالها يـامن لا زالت ترنُ في أُذنـي: ما أعـرف ..
يسلموني أميـركا ، يرحلـوني طـهران، مـا أعـرف المهم أرجـع!

بترت كلامي بعدما أحسيت بتقوس شفاي، موشحي التي كُنت أرتب في صدري لن أقـوله حتى لا أبكي مُجدداً..

كُنت كزهرةً بيد عُبادِ الشـمس ينقلونها إلى النور حيث ما كان، وأصبحت مُصحفاً في بيت مُسلـم يُغـطيه بيت العنكبـوت!


***


أرى تقلبات مزاجـها التي لم اعتدها منها،
فكانت ريّانة تُـزين حياة امرأة تطلب رضاء ولديـها إلـى حيـاة أخرى متلونة بألوان الحـياة التي كُنت أجهل قبـل وجودهـا،
أراها تبـكي وتشهق الموتُ في حُضـني، ثم ترفع رأسـها ضاحكةً لمُحمد الذي جبر خاطرها اليُـوم كثـيراً ..

لقد رأت به ما لم ترى بآلن وصادق، لقد رأت به ما رأيتهُ به!
كُنت طوال عُمري أراهنُ عليه وأمـجدّه بين صاحبيه، الذي يقولا ان رضيَ مُحمد رضيت زينـب..
ها هي مَهتاب تُثبت نظريتي، وتجعل من مواقفه الرجولية "اللا منتهية" شمعةً تُحيي بداخـلي فخـراً واعتزازاً وأن لم أكن مُربيته ولا أمه!

يحقُ لأمـه أن تفخـر به، لقد رأيتها وقت تحرير مَهتاب كانت امرأة رضية، مرضيـة،
سمحة المُحـيا، أم ولـد احيـا بداخـلي أملاً لا مُنقطع،
وأمُ فتاةً لا تشابه غيـرها، رأيتُ فيها في جلسةً واحدة ما لم أرى في مَهتاب ولا في سابقاتها زُمـرد وياسمين!

فتـاةً عصامية، تشقُ طريقهـا وحـدها، لقد أخبرتني بكفاحها في مجال القانون الذي جعل جامعة ديـالى تُسجل أسمها ضمن المتفوقين على مدار سبـع مستوياتٍ دراسيةِ .. وها هـي تنتظر مرتبة الـشرف بعد إكـمالها للمستوى الثـامن، ثم تبدأ بقرع السجـون والمحاكم لتخفف الظلم الذي تعرض له العراقيين على مدار سبعة أشهـر،
والداهـا وأخيـها والقانون .. أكسباها كاريزما لا تنبغي لغيـرها أبـداً ..
تُشـابه مُحمد كـثيراً ..

بل نسخة مُصغـرةً منه .. هذه "البنية" من أخيـها "الكَبد" ..

" كلمة كبد تُقـال في العراق كما نقول: القلب والروح والـعيـن وهكذا ".


***


نجلسُ أنا وصـادق في جلستنا التي كانت منذُ الخامسـة عصـراً،
لم نحس في الوقتِ كعـادتـنا .. فـي نفس جلستنا وفي خضم أمورٍ عديدة تصارعت حناجرنا بسببها، معظمها عن الوضع السيـاسـي القـاتل..


قطـع عليـنا ذاك صـوت الراديـو الذي كان صـامتاً وسط فراغ "إذاعة" من أي منشـورٍ سـابق ..

تحدث المُذيع على غفلـة : كما وردنـا قبل أسبــوع تسجيلٍ صوتيٍ للرئيس البـاقي، للرئيس العراقي.. للرئيس الأشـم صـدام حسين المجيدي..


ثم بدأ القائد "قـائدي العظيم" حديثه ..


"قتل جيوش الأجنبي واجب شرعي ووطني وانساني ولا مجال للغزاة الا ان يخرجوا خاسئين ملعونين من بلادنا أرض العراق.. بلاد العرب والإسلام."
ثم أكمـل قائـلاً ..
"فو الله ان طريق الجهاد والمقاومة هو أفضل طريق عند الله والناس والتاريخ وهو وليس غيره الذي يضمن جلاء قوات الأجنبي الغاشم من بلادنا مع الحرية الكاملة لشعبنا والسيادة الكاملة له على أرضه وفي وطنه."


حقاً يا الله ..

هذا صوتُ صـدام، أعرفه بين ألفٍ صوتٍ وصوت!
حقـاً يا الله..
قائـدي عاد، قـائدي تحدث .. صدامـي نطق!

هرعتُ واقفـاً وأنا من عقد على صادق أن لا نقوم إلا بمجيء مُحـمد


***


اراه يقف وسط كلمـاتٍ باهتة قالـها الرئيس
يحرض الشباب والمقاومـة على الجهـاد وهو مختبئ كالأرنب!!

يبدو أن صاحبي صدقه، اراه يرفع يده قاصداً صليبه الذي يضعه على منكبيه وجبينه كصلاةٍ شُكرٍ!
لقد غُررت به يا آلن، لم يكن الرئيس المطلوب الذي تفديـه بروحك، وتصلـي لربكَ شُكـراً من أجل سماعِ تذبذباتٍ صوتية تخصهُ،

أن كان رئيسكَ صادقاً لما أختفى كل هذا الوقت.. ألم أخبرك؟
لم أعد أنتمي له، وأصارح روحك أنني سعيداً بخلعه!
أراه يختفي من أمـامي بسرُعة، ذاهباً إلـى الداخـل لحقتُ بذاك المجنون الذي يُثير جنونهُ هوساً أسمه
"صدامّ حُسيـن"..

لقد جُن بحق!
رأيته يدلف الباب الخارجي للمنزل ذاهباً إلى المُحلق الصغير الذي يضمُ الأسلـحة،

هرولتُ أمامه لأقف حائلاً بينهُ وبين باب المُحلق: بحق الحُسين ما دتسوي شي!
انته مسودن ما بعقلك، ولكَ ناسـي أنك مطلـوب؟
دتروح الموت برجليك؟ ما كـافيك موت بهالبلد؟

وقف أمامي وصدره يعلو ويهبط، صدره يعاني من لوعة اشتيـاقٍ ساحقة!
شـوقاً ليس عاديـاً .. وكيف يكون عادياً عندما يشتاق الأنسـان لنفسه ؟
كيف يكون الشـوق عاديـاً عندما يشتاق الأنسـان لروحٍ كانت تزهر بين ثناياه؟
كيف يكون الشـوُق عادياً وهو يخُص الأوطـان التي شرع الله حُبها وقرنه في إيماننا،


الشوُق الكافـر .. كفر بصاحبي، الذي تحدث بنبرة غير اعتيـادية تُذكـرني بآلن الذي دُفنت روحه قبل
سبعة أشهـر، نبرة تعلوها البهجـة: صـادق،
انته سمعته شيكَـول؟ ديريدنا نقاوم، يريدنا نحرر البـلاد،
ما صعبة لو اجتمعنا كلنا تحت أيـده من جديد .. صح ؟
ونرجع بغداد وتسقط قضيتنا اللي مفتوحة ملفاتها وظلينا مطلوبين من وراهـا..
انته فاهم علي صح ؟


اراه يهذي ليـس إلا !
وهل حديثاً كهـذا يُنسب لعاقل؟
صدامه لم يجعل به عقـلاً،

كيف يريدني أن أعود إلى يد صدام التي اغتالت الكثـير من عائلتي؟
كُنـت أحمد اللهَ كثيـراً أنني لم أخرج عليهّ ، وهل تظنون انه طاعة؟
بل خوفاً من تعليقُ مشنقتي أمام بيتنا تحت أنظار عمـتي التي لم تهنى في حياتها أبداً من ورا جرائر هذا الرئيـس!

أفكـاري التي جرتني إلى هـذا الحديث شغلتني عن آلـن الذي للتـو رأيتهُ يخرجُ من المُلحق ، وبيده مسدساً صغـيراً أرى لمعته البراقة من بعيد تُنبأ انه مسدسه لا غيره الذي طُليَ بالذهـب!

لحقتُ به مُجدداً وأنا لا أستطيعُ فعل شيء سـواء مراقـبة ما سيعـمـل،
متـى سيقدمُ مُحـمد وعمـتي ليرا هـذا الجُنون ..
لم نحسب له حسـاباً أبداً توقيته خطأ ، لقد أوعـدنا محمد أن يقول لـنا ما نوى فعله هو وأخته حـتى يجلبا وثيقة البيت!

أما الآن فلا نُريد شيئاً سوى دحر هذا الثائر عن جنونه..
استجاب الربّ لنداءاتـي وسمعتُ صوت سيارة محمد، ذهبتُ إلى الفنـاء منتظرة قدومه بهذه الواقعـة تاركـاً خلفي آلن مُنشـغلاً بفحص سلاحه الذي رأى انه لا يحتاج تنظيف فلـم يعد على تنظيفنا له مع بقية الأسلحة إلا أيامٍ قليلة ..

أسرعتُ خطاي عندما رأيـت سيـارة محمد تتوقف في مكانها المُعتاد وسـط المزرعة،

فتحت البـاب القريب منه: محمد، لحق علـينا طلع بهالصـخام خطاب لصدامّ يكَول جاهدوا، وأبـو آدمّ ما صدكَ هالكلمتيـن وطلع سـلاحه وناوي علـى أقرب دوريـة..

وما انهيت حديثي حتى سمعتُ شهقة من مَهتـاب، وندب حظ عمـتي: عزززه!
هذا اللي بوكعنا بطركاعة جديـدة – ثم أردفت – وهالمصخـم وينه؟ توه دتحجي ؟من شهـور مختفي تو يـبان !

حادثتها من نافذة مُحمد الصـامت : ما بعد بان عميمة .. للحين مخـتفي!

بدأت دعواتهـا: الله لا ينطـيه، الله لا يوفقك يا صـدام،
اش رايد من هالشعـب علمود ينهش بلحمهم؟ ما كفاه الشُهداء كل يوم على الحواجز.. الله لا ينطيــه!

ابتعدت عن النافـذة حتى ينزلُ مُحمد الصـامت .. الذي بدأ حديثه: وينه ؟

أشرتُ له: داخـل ..

مُحـمد المحايـد، الذي لا تعلم ماهيـة توجهاته هل كان صـدامي أم لا !
"صـدامـي"
تلك التُهمة الجديدة التي تم اختيارها من قبل القوات الأميركيـة بعدمـا تُريق دم الشـهيد وتكتب في الخط العريـض "ينتمـي للقوات المعـادية" أي "فدائون صدام"..
أصبح الرئيس المخلوع تُهمة تُسجل في المحاكم !

لحقتُ بهم بعدما خلى عليّ الفـناء ..
فلم أرى أمامي إلا مُشادة كلامية بعدما أخذ مُحمد مسدس آلن الذي تحدث: بحق نبيك لتنطيني ،
يا أخـي رايـد أمـوت اش عليكم؟

تحدث مُحمد الواقف متجاهلاً حديثه وهو يضع المُسدس خلف ظهـره: ما أنطيك إياه!
إلا لتوعدني أنك ما تسوي السـودة اللي براسـك .. "السودة= المُصيبة".

تحدث آلن بنفاذٍ صبر: الرئيـس كَـال جاهـدوا ..
ينطرنـا نحرر العراق ، وانته تقول ما انطيك، دخيل ربك حمّود لا تصير زعطوط!

تحدثت مَهـتاب وهي ترش الملح على الجرح: خـوش رئيس والله !
متخفي مثل الخفافيـش وينطر منكم التحـرير؟

تقدم آلـن إليـها متجاوزاً مُحمد : وانتي شعليييج ؟ رئيسج لو بلادج؟
ما يـخصج .. خليج بإيرانج وطركاعاتهـا ،
ما كلت لج؟ أسيـادج كاعـدين يدورون عليج التهي فيهم؟ ما قصروا والله عوض ما يحامـون عنج وياخذوج من أيد الاميركـان جايبين لج الانتربـول! "عوض= بدل".

لم أرى الصدمة تلعو ملامحـها، يبدو ان عندها خبـراً بذلـك: على الأقـل يكَومون بواجباتهم بأنفسـهم ما يوكلون أمرهـم للشـعبّ الضعيف، بهذلكم بأيد الأمريكان سبع شهور وهسه يطلع !
– ثم أردفت ضاحكة – أقصد يتحجى بعده متخفي الخُفـاش ..


ثم خرجت، وسط صراع آلن بين يدي مُحمد الذي منعه من اللحاق بـها : مسـودن لو مخبـل؟ تحط راسـك براس بنية؟


تحدث آلـن الذي أحمرّ وجهه غضبـاً وأيـضاً من مقاومته لمُحمد،
فلم أرى امامي إلا جثتان تتنازع! : ما تعرف مَهتاب انته ولا ما تحجيت!

مدّ مُحمد السـلاح لزينبّ التي تنوي الخروج دون أن ينظرُ إليـها ،

موجهاً حديثه لنا: خلـوكم من مَهتاب هسّه، عقـب باجر بجيب مـلاذ علمود تعرف وصـف البيت من عمـتي زينبّ..


جلسنا وسط غصب آلـن المكبوت، وحديث مُحمد الذي بدأ يسرد لنا خطة أخـته ..


***


لقد أحرقت دمـه تلك الغبية!
لا تعلم أن ذهابـها للتو إلى محادثـة أهلها لم تكن إلا بموافقتـه،

أعرفُ ابن آدم، لن يتراجع عن الجـهاد الذي أمر به قـائده ولو سكنَ لدقائق!

وأعرف أيضـاً أنه لن يمر حديث مَهـتاب مرور الكرام، لابُد من معاقبـتها ..


صعـدتُ أعلـى، رأيتها في تأخذ الراديـو الموجود في غُـرفتي وما أن رأتني حتى سحبتني مع يدي الى غُرفـتها : وين البـزر اللي ويـاج ؟

تحدث وسط تعجبـي من فرحتـها وابتسامةٍ تتشدق: شعدج؟

ضحكت ولم تكتفِ بابتسامة، تحدثت وهي تستلقي بشكل مُعـترض على سريـرها بعدما نزعت حجابها عن شعرٍ أسـود يصل إلى منتصف ظهرها: أخ يا زينبّ، ما تدريـن شكد فـرحانة.

عولت الأمـر إلى محادثـتها مع أهلـها: علمود هيـج كل يوم أوديج تخابـري أهلج..

قـعدت وهي تسحب يدي حتى أقعد جانبها: صح مبسـوطة عشان خابرت يامن أروح له فدوة!
بس همّين انبسطت هوااايه لمـا عرفت أن صـدام ماله حيـلة أبـد، - ثم بدأت تمدُ كلماتها بسـعادة- طــاااار الكُــرسي خلاص..

تحدث وأنا أمسك يدها: قابـل أني ما مبسوطة إلا طايرة من الفرحة!
ما كان منها إلا أن تحضنني وسط ضحكاتها التي تُخبرني أنها أسعد فـتاةً في الكُون!


***


ما هذه الخُطـة التي يقولـها مُحـمد، لقد جُنـت!
أ ترى كـذبها على "أبـونا" بسيطاً ؟

تحدثت وأنا لم أزل غاضباً على مُحمد عندما تشبث بي ناهيني عن تأديب تلك الإيرانية: بس ولـو،
حرام تجذب على أبـونا.

تحدث صـادق: من كَـالك دتجذب عليه؟
هو بيخبر القسيس بكُـل اشي .. يكون جذبهم بس على الجنـود اللي محاوطـه البيـت!

أومـأت برأسـي متفهماً: لعـاد اش تستنا باجر روح ليـوحنا بكنيسة أم المشـورة الصـالحة عـدكم ببعقوبة وكَوله أني من طـرف آلن آدم المنصـور، وإن شاء الله ما يقـصر..

تحدث مُحمد مُعـترضاً على التوقيت : لا باجر بجيب مـلاذ هـنانـا، وعقبها أروح له ويـاها ..

تحدث صادق من جـديد: علـى خيـر إن شـاء الله!
ثم وقفنا جميعنا خارجين مُـودعين لمُحـمد وسط أحاديثٍ تخص تلك الخـطة الجهنمية!



***


أنتصـف الليل، وصـادق يغدرُ بي للمرة الثانيـة ويـنام مُبـكراً،
لا أنيس لي سوى علبة سجائري الأخيرة التي نسيت أن أوصي مُحمد بأخرياتٍ تشابهها،
تلك السيجارة التي تقتات من رئتيَ، تشابهَ بسعاد التي تقتات من روحُي هي الاخرى ..

كتب الرَّبُّ عليَ عشق قـاتليَ!
أيا قاتلة الروحَ،
أيا ذبحة القلب،
الى اين ستصلينَ بعدما مصصتيَ دماء الروح وباتت جوفاء خالية !


صعدتُ أعلـى بعدما نفثتُ آخر هواء تعبئت منه قصـبتيَ الهوائية،
الويلُ لهِا ان رأيتـها قبل ذهـابي غداً للجهـاد..
سأجاهد رغماً عن الجميع !
فلا احد يستطيع إمساك يداي عما اريد، سأذهبُ كل مساء الى معاقلهم في شـقلاوة وبصلاحيات الطي نهاني محمداً عنه !

وصلتُ إلى غرفتي بنفسٍ خالية كروحهِا،

لقد سمعتُ شيئاً ارتطـمّ..

ذهبتُ اكتشف الامر رأيتها في أسفل الدرج مُنزّلة رأسِها لشيء سقط في يِدها..
أسرعتُ إليِها وانا لا زلتُ متوعداً بها ان رأيتها ،

مسكتُ ذراعها مُلصِقها على الجِدار: هاا خانُوم بَسعاد شلونَي ويـاجَ،
خليتجَ تخـابري اهلجَ.. وعضيتيَ اليد النمدتَ لـج!


.
.
.
انتهى



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس