عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 03:43 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل الواحد والعـشرون:


يا شراعاً وراءَ دجلة َ يجري
في دموعي تجنبَتكَ العَوادي
سِر على الماءِ كالمسيحِ رُويداً
واجر في اليمِّ كالشعاع الهادي


×أحمد شـوقي×




أنتصـف الليل، وصـادق يغدرُ بي للمرة الثانيـة ويـنام مُبـكراً،
لا أنيس لي سوى علبة سجائري الأخيرة التي نسيت أن أوصي مُحمد بأخرياتٍ تشابهها،
تلك السيجارة التي تقتات من رئتيَ، تشابهَ بسعاد التي تقتات من روحُي هي الاخرى ..

كتب الرَّبُّ عليَ عشق قـاتليَ!
أيا قاتلة الروحَ،
أيا ذبحة القلب،
الى اين ستصلينَ بعدما مصصتيَ دماء الروح وباتت جوفاء خالية !
صعدتُ أعلـى بعدما نفثتُ آخر هواء تعبئت منه قصـبتيَ الهوائية،
الويلُ لهِا ان رأيتـها قبل ذهـابي غداً للجهـاد..
سأجاهد رغماً عن الجميع !
فلا احد يستطيع إمساك يداي عما اريد، سأذهبُ كل مساء الى معاقلهم في شـقلاوة وبسلاحي الذي نهاني محمداً عنه !
وصلتُ إلى غرفتي بنفسٍ خالية كروحهِا،
لقد سمعتُ شيئاً ارتطـمّ..
ذهبتُ اكتشف الامر رأيتها في أسفل الدرج مُنزّلة رأسِها لشيء سقط في يِدها..
أسرعتُ إليِها وانا لا زلتُ متوعداً بها ان رأيتها ،

مسكتُ ذراعها مُلصِقها على الجِدار: هاا خانُوم بَسعاد شلونَي ويـاجَ،
خليتجَ تخـابري اهلجَ.. وعضيتيَ اليد النمدتَ لـج!

ردت وأنا أشـعر بها تذوب حياءٍ من هذا القـُرب، وأحمرّ وجهها نتيجة مقاومتها لوجعٍ كان بسبب
قبضتي القوية على ذراعـها: فُـك يدي.. عورتني!

رفعتُ يدي بتلقائية وأنـا الذي لا اؤمر!
تفعل بي هكذا، تجعلني أرفع يدي حيال انتهاء جملتها .. تحدثتُ بعدما أسندتُ يدي إلى الجدار محاصـراً لهـا..

كذاك الحصار الذي فرضـته على قلبي الذي يتضوع جـوعاً لنظرة أو بـسمة: ما خبّرتيني كيف أهلـج؟
من خابـرتي؟ عُمـر منشغل عنج من يُومـه حتى أضواء كاميرتج ما كان طايكـها ،
ولا خالد الصغيـر هستوه بادي شبوبيته ويتمرجل، ومن طلعتي من إيـران وهو نـاسيج !
أكـيد خابـرتي يامن .. بس واضح ان المخابرة ما جابت لج نتيجة!
وكع على راسج طركاعة ،- ثم أردفت- هسه عرفتي ليش ما أريدج تخابريهم؟

لمحت دمـعٍ يبلل خديـها، الجنةُ تفيض لؤلؤاً لم يسبق لأحـد أن يتـمعن به،
أ هذه اللآلئ من جنة الربّ التي بـها " ما لا عينٌ رأت"..


***

من الـذي أخبـره بشـأن علاقتـي بأخوتـي ..
من الذي أخبره بانشـغال عُمر عن أضواء الكاميرا التي لطالمـا ترجيته مراراً أن تلتقط له صـورة!
كيف عـرف بأمـر خالد المُراهـق .. المندفع للحيـاة بوجهٍ عابس يتصف به نصُف شباب العـرب ..

من الذي قـال له حصيلة مكالمتـي مع يامـن ، وهل خبراً من هـذا يُخبئ حتى يقول
"هسه عرفتي لييش ما أريدج تخابريهم"..

مـن هو حتى يكون درع حماية لـي من سوء يخفيه،
ويخاف من اظهار أهلي له!
لقد نسـي ذاك العهد الذي قطعة على نفـسه أن لا علاقة لي به .. كما عقدت أنا ذاك العهد بيني وبين نفسـي، لابُد لذاك العهد ان يكون جلياً أمامه،

ابتسمت وسـط خجلٍ من قُربـه الذي لم أعد أحتمله، وأُنفة الكبرياء التي تجعلني لا أطلب منه البُعـد لأنه نوى بذلك مضايقتي، هكذا تُعايرني بأهلي يا آلن؟: خـابرتهمّ، وكلهم يسلمون عليـك ..
لا تشغل بالـك ماكو أحسـن من عُمر وخالد ويايه.. وكـعت هنانا ورضـوا عليّ وهمّ بطهـران، وما وكعـوني بإيديهم وعافونـي!


رأيت ذاك الفتـور الذي بدأ على وجـهه كتـأثيـر صدمة، كبرمجة عقله الذي عرف ماذا أعنـي .. أو تجديد عهدٍ ذكرى سيئة!
لا أعلم ما هـو .. جُل ما أعرفه أنني ذبحته للمرة الثانيـة بعدما طعنته بخنجر أخوتـه الذي سلوه وتركـوه على رفّ بيتـهم .. حتـى أتيَ من طـهران وأستلم ذاك الخنجـر وأُكمـل ما بدأه أهله به!
لقد قسـوُت عليه..

قسوة لا يعلمها إلا نحنُ ، ليس بمقدورِ زينب ان تدمُـل جراحـه الآن و توسده فخذهـا .. وليس بمقدورها أيضـاً مخاصمتي على هذا الهـراء الذي ندمت للـتو عليه!

أراه يُنزل يده المُسندة على الجدار، ثم ينصب جسده عن ذاك الاستـناد: تظنيج هيج كسرتيني ؟
لا يا بت أبوج، بعدج ما عـرفتي آلـن! – ثم همسّ بعدما أقترب أكثر من قربه السـابق- لهسـه ما عرفـتيني يا بت يُوسـف ..


لقد أربكني وأخافني هذا الحديث المكسور الهامـس الذي يشبه زئير أسدٍ لم تدعهُ الأيـام يتمتـع بأُسـده الذي أعـطاه الله!

تحدثتُ وكأنني أغلف حديثـي بباقة اعتذار، وأنا أسبّ وأسخط من هذا الحـصان الـذي كبـا ولم ينهضُ
بـي، لسـاني كباه جواده وجعله عاريـاً من الإنسانيـة: آلـن..

لم ينظُر لي وأنا للـتو محاصرةٍ بين يديه!

أراه يتقدم لجلسةٍ بجانب الدرج مخرجاً سيجارة التي تبدو الأخيـرة، فقد رمـى ذاك الباكيـت على الطاولـة تاركه مفتوحـاً : اش عدّج!

تحدثتُ وأنـا اقترب قلـيلاً : عفيـه والله ما قصدت أضـوجك بس انته حديـتني!

لم أرى منه تجاوبـاً .. فقط رمـى سيجارته التي للتو أشعلها، داعسٍ بها تحـت قدمه مارٍ بجنبي إلى أعلـى: مـا عليج بيـه.. جبـل!

لا أعلـم ما الذي يرنـو إليـه بكملته الأولـى،
هل قاصـداً أن لا أحمـل همّه .. أو يقصدُ أن لا أتدخل به مرةً أخرى!

لكنهُ فعلاً جبـل ..
هذا الكملة الوحيـدة التي صـدق بـها، وخرجنا بها من معركة منتصف الليل الباهـتة!
لم نخرج بهذه الكلمة وحدهـا .. بل خرجتُ وحدي بجرح آلـن !
ليتني كسبتُ وده وعرفت من اين حصـل على أسمـاء أخوتـي ، وكيف عرف بغضب خـالد وشُرودِ عُمر الذي خلفته فاطمة!


***


لم يرضَ أحدٍ من ابنائي ان يستيقظ ويـشاركـني افطاري،
رأيتُ صادقاً عندما أيقظني أُصـلي، ورأيتُ آلـن الساعة الثانية عندما طرق الباب طالبـاً مُسدسة الذي اودعنياه مُحمد!

ما الذي جعل آلـن لم يحترم التوقيت حتى يأخذ مني شيءٍ بعد منتصف الليلّ
يبدو ان الدلال الذي دللتهُ جعلهُ لا يعرف من الاحترام والادب إلا طرق الباب حتى ولو كانت الساعة الثانيـة فجراً ..

أوهّ!
لقد نسيت ان اوقظ مَهـتاب تُصـلي، رغم نومـها المُبكـر إلا أنها لم تصحُ مبكراً كعادتـها ..
صعدتُ أعلى إليـها .. إلا أن هُنـاك شيئاً أوقفني، سقوط سلسال ذهـب الذي لم أره من قبل!
لقد جذبتني لمعته ولفتت نظري، رفعتهُ فإذا بـه تزيّن بكلمة إنكليزية عرفت أول ثلاث أحرفها المعقدة جاهلة الرابـع الذي استدرجني للجلوس في الجلسة الجانبيـة مكتشفه ذاك الحرف المُعقـد .. التي شوهته زيّنته ولم تزيّنه!
هذا هو الحـرف الذي سيكشف لي هوية صاحب هـذا العقد..

***


أتيت مُسرعاً لتلك العمّة التي نـادراً ما أتأخر على موعد افطارها!
لقد تـأخرت اليُوم وسأجهزُ حالي لـلومها الذي حفظت..
لومـها الذي عهدتُ من أولِ أيام الدراسة الابتدائـية، هذا اللومّ الذي جعلني رجلاً كسـولاً بـلا عمـل!
يكتفي براتب أبيه "الشـهيد"، وراتب عمتـه الذي لازمـها منذُ وصولنا إلى بغـداد.. حتى لم ينقص عندما تقاعدت، لأنها تقاعدت عن العمل مُبكراً من أجلي!

كـان مسؤولها رجلٌ يعرف معنى أن امرأة تُعيل ابن أخيـها اليتيمّ، فلم ينقص منه شيئاً..
قدمتُ أسـفل حيثُ عمـتي التي لم تشعر بوجودي ولم تسمع طرقات حذائي العجولة على بلاط الدرج!

جلستُ بجانبـها مُقبـلاً رأسـها: كيف أصبحتِـي حجية؟

اجابت مُبتسمة: صبحت بوجهـك الحـلو ، كيف تريد صباحي يكون!- ثم وقفت مُقلية ذاك العقد الذي بيدهـا على الطاولة- دجهـز لك فطورك وانته حل لي لغز هالسنسال!
دوخت راسي وأنا ما أعرف شمكتوب بيه!

استملت منها العقد، مستلماً مهمتي التي كلفتني بها، غريباً أمـره!
كُتب باللغة الإنكليزية، الكلمة تقتصر على كلمتين : أما العراق او إيـران!
لا أعلـم ما هذا الفـن الذي سنّه النحات حتى يجعل من الـنـون قـاف أو القـاف نون!
لن أوجع رأسـي كثيـراً ، لن افكر به!

يصحو أحدهم ويأخذ عقده الذي اصبح لغزنـا الصباحي، رفعت صوتي لعمتي : عميمة، آلـن عده سنسـال هيج!

تحدثت الأخـرى بنفس النبرة العالية: مــا اعرف بس هوه يلبس الذهـب..

ناديتهـا وأنا أراها تغسلُ يـديها بعدما انتهـت: خليج من هالمسودن،
تعالي ولد أخوج رايدج بسـالفة!

تلك العـمة التي يبدو أنها "نست" ابن أخيـها، وسط ضجيج الاثنين مـن حولـها،
يحق لي أن أغار وأنا الوحيد الذي بقيَ لـها ..
أنا الوحيـد الذي تمسكت به، ما هي سنين حتى تشبثت به فعلاً بعد موت أخيـها الأصغـر وهو لم يزل غضبانٌ عليـها،
ذاك الغضب الذي ورثـهُ أبـي لبقية أخـوته!
لا أعلم سببه ولكنني أعلم أن عمتي بريئة، هم المخطئون لا هيّ،
تلك النزيهة لا تُخطئ أبـداً ..فما باليّ بخطأ يموتون أخوتهم وهم محملينها ذنبه وحارمينـها من السـماح!

تلك التي قدمت لي جديرةً أن تُسامِح، ولا يحق لها ولا لهم خنوعها أمامـهم طالبة السـماح، منعتها مراراً مـن الذهـاب إلى عمّـي حتى تستمح منه !
لا أُريـد أن تُقلل من قيمتها على ذاك المحسوبُ عليـها أخ ،
ولو كان يعرف حجم الأخـوة لما هجرها سنينٍ طوال تتعدا العشرون عاماً كما تقول!

تحدثتْ وهي توزعُ الفطور على الطاولة التي تركنُ امـامي : اشعدكّ؟

أجبـتها : اليوُم محمد ديجيب أخـته علمود تروح لبيتنا ..

ضربت زينب صدرهـا: وكرطاعة على راسك انته وياه! " طركاعة = مُصيبة".
اش رايديـن بالبنيه ؟ خلوها عد أمهـا ..
وهي مكابلة دراستها لا تشغلونـها، - ثم تصمت من هـول ما سمعت- لك والله خطييية لا تفوتوها ويـاكم.

تحدثتُ وأنا أحاول أن أمتص غضبـها : ام عـلاوي هي اللي رايده،
وبـعدين محمد اللي ديجيبها يعني هم هوه موافق تجي!

كأنها للتـو استوعبت وجـود مُحمد: محـمد راضي؟

ابتسمت لها: يروح لج فدوة الزمـال، من اليوم شدتحجى؟ "تقال هذه الكلمة لتشبيه أفعال المخاطب بأفعـال الحمـار"..

ضربتني على كتفي: وصخام إن شـاء الله!
أني تكولي هيـج ؟

نهضتُ مقـبلاً رأسـها ضاحكاً: نتشـاقى وياج.

دفعتني بيدها: اكعد اتزقنب اكعـد ..

سميتُ بالله وسط ضحكاتي المكتومة ونظراتها الغاضبـة، وأمرهـا الذي لا ينكف كلما كففت يـدي .. آمرتني بأكـل المزيد!


***


أسيـرُ خلف مُحمد بتلك السيـارة التي "زوّر" مُلكيتها بـاسمي!
موصيـني لحظة وصولنا لشـقلاوة أن أُحرق تلك الورقـة ..

شـقلاوة .. العروُس الشـمالية التي تُزيّن أرضُ أربيل،
لطالما تغنى الأكراد بها ورددتُ أغانيهم حالمة بهذه العـروس!
صعبة المـنال، لا ننولهـا إلا بهجرةً تُشـابه هجرة زينب وأبناءهـا ..
لا أعلـم هل طـال الشـمال العذب ما طالنا من حربٍ شرسة، ومن كثـرة الجُند "الغـازي" على أرضـنا..
وهل يعانون أيـضاً من انقطاع الكهرباء؟

لقد خرجتُ قبل قليـل من ديـالى وسط انقطاع الكهرباء الذي صار ضمن روتين يومنـا، ستنصرمّ سنة على هذا الحال!
أخشـى أن تأتي عشرون سنة والحـال كما هـو، والكهرباء كما هـي،
كان العالم مُنحدرٍ والعراقُ تتطـور!
وتطور العالم الآن وانحدرت العِراق..

عراق الأوليـن .. مُنـى الآخـرين!
ها أنا أتجول في ديـارها خلف أخـي في مهمةٍ سريةٍ متجاوزة بغداد وكركوك مُقبلة علـى أربيل..


***


لقد نَفَذت أختي بملكية السيّارة المزورة في ظل انزعـاج العسكر الإميركان من "شوب" أحاط بهم ..
شاكرٍ لتلك الشركة التي الآن أمتنن إليـها بقطع الكهرباء،
مما جعل الجنُود يستقرون في مراكزهمّ وخروجهـم إلى السيـارات يوردهم المشّقة "الحارقـة"،
فنظرةً يسيرة للبطاقة دون قراءة محتـواها تفي بالغرض!
فهم لا يريدون أن تسقط هيبة دولتهم أن لم نجد أحدٍ على هذا الحاجز ..
هذا وأن كان لدولتهم هيبة!


***


صحـى وليدُ قلــبي قريباً من الظـهر، مما جـعل مزاجه متقلباً ، وهذا ما جعله أيـضاً يُغضب صـادق .. أو
يغضبا بعضمهـا بسبب ذاك الجـهاد "المزعوم"!
الذي سنّه قائد مختبأ على شباب للتـو تفتحت زهرات أعمارهم،
ما ذنبُ آلـن حتى يذهب للمـوت برجليه؟
حتى يطيع صدام الذي لا نعلم ارضه من سماءه، ولا نعلمُ أيـضاً هل هو في البلادِ أم خارجـها ..

دخلـت عليّ تلك الـرضيّة التي للتـو تفتح عينـاها مـن نومة عيشةّ: هلااو زيـنب.

أجبـتها وأنا أُخفض النار على القهـوة حتى لا تنسكب: هلاو بيج!
شهالنوم الطايحه بيه؟ أكو أحد ينام المساويات ويصحـى العصـر؟

تحدثت وهي تبدأ تُشغل يدهـا بالكاسات والفناجين كعادةِ أي عربية تدخلُ المطبخ وهي تنشغل بحديث، حتى ولو كان المطبخ ليس مُلكاً لهـا، كيمائية بينهما تجعلها تتكيف مع أي مطبخٍ .. تقدرُه وتشركهُ أمر حديثها الذي غالباً ما يكون مُهماً وهذا ما جعلها تلحقُ بصاحبة البيت حتى تصب بأذنها ذاك الحديث: لا شـدعوه أم علاوي!
ما نمت إلا بـعد الفجـر ..

سألتـها وأنا أسكب القهـوة: شاللي مسهرج يُمه؟

أجـابت بسكون خالي من أي مشـاعر: تعاركـت مع آلـن، وبقيت طـول الليل مقهورة علـيه،
تخيـلي عميمة .. عيرته بعوفة أهله له -ثم أردفت مُمتعضة .. بائسة- صرت شُمات! "الشُمات الذي يفرح بمأساة غيره".

الويـلُ لهـا ، ألم تسمع لتنبيهي السابق؟
ما الذي جعلها تعود لحديثٍ ينحرُ بنـيّ !
تعلم أنه جرحٍ غائرٍ في حيـاته.. تعلم أنه أمرٍ لم يستطع أن يتجاوزه!
الويلُ لها من ربّ تواجهه ، فيسألها بأي حقٍ لوعتـي قلب الملـتاع ؟
الـويل لها منهُ أيـضاً .. لن يصمتُ لها، فهـو "ركّع جيش أميـركا"..
ولن يعجز عن فـتاة مُشـردة!
لقد لعبتي بالنـار يا مَهـتاب..

تحدثت إليـها وكأنني أرى عينيه بائسة ، مكلومة بعد حديثها : عفيه ماما،
حبابة أنتـي .. بس نطري عزاه وتعالي بوسـطه وهلهلي..
هذا البـاقي ما سويتي والله! "هلهلـي = زغردي، غطرفي"..

أراها تتقدم وتُقبل رأسـي: أريـدج عـونّ وصـرتي فـرعـ.....

قاطعتها : خـلاص مَـهتاب .. أنتِ اللي زرعتي وبيجي يوم حصـادك!

رفعتُ الصينية التي جهـزت قبل قليل، مُضيـفة عليـها القهوة والشـاي، متوجهه إلى أبنائي في المزرعة .. منتظرين قدوم مُحمد وأخـته!

أسمعُ صوت ركل رجلها بالارض خلفي دلالة على غضـبها،
فلـتغضب أن ارادت ، فلتفجر البيت غضـباً ايضـاً ..
ولكن لن أسمح لها أن تتطاول على ابن آدم مرةً أخـرى،
فأن سكتْ فقد مرر حديثـها "بمزاجه" .. ويلها لو غضـب!
فغضب الحليـم نارٍ تورد الجحيـم..

لا تعلم تلك البلهـاء أن هذا الذي تُجرّح ليلاً وتبتسم بوجههِ نهاراً ، وكأنها تتلاعب به، هو من أطلق سراحها وإلا عُلقت الآن في اسـلاك كهربائية شائكة يصعقها بها الجُندي كلما رأهـا تسترد عافيـتها ..
ليتها تعلم ماهو جحيم أبـو غريب .. وقـتها ستعرف قيمةُ آلـن!


***


تحدثت إليـه: مخبل لو مسـدون؟
انته مجنـون هذا حجي واحـد صـاحي، بغداد بترجع !
هه وعد يا سيدي بترجع وعلى هالأيـد .. – قلتها بعدما وضعت يميني أمامه-.

تحدث الآخـر وهو يحبُ الهزيمة والروح الانهزامية التي لا تقبل روحٌ عربية: كـفو أبـو آدم!
بس ما قصدت هيج، أصبر لك شوي، بكلي تتكون كتائب ثوار!
أو الجيـش العراقي يرجع .. ما تعرف اش مكتوب لك بكرا،

قطعت حديثـنا بعدما رأيت زينب والتي تمشـي خلافهـا: هلا بأم علاوي،
تعالـي يمّي..

وضعت عمتي ما بيدهـا : مـحمد ما جاي؟

تحدثتُ وأنا أرخي جسدي على الكُرسي، متحججاً بحركتي حتى أراقب تلك التي للتـو قعدت مُقابلاً لي: إلا .. أمس يكول اليـوم يجي.

تحدثت عمتي والخوف ينتابهُا : لعدّ ليش تـأخـر.

تحدث هذه المرة صـادق: ما بيه الا العـافية، وغمضة عين وهو جـاي ..
ثم أردف وهو يُدخل يده في جيبـه – عمتي اليُوم لكيت سنسـال مشروم ولا تعرف لميـن .. شوفوه بالله ؟

"سنسال = سلسال ، ولكنه يُلفظ بهذه الطريقة في دول الهلال الخصيب" .. مشروم = سـاقط".

مددتُ يدي إليه، أعلم أنه ليس لي.. فأنا لا ألبسُ عقدٍ غير الذي يحوي بداخله صليب.. يبدو أنه لبَسـعاد ..
وفضـولي اقتادني أرى ما كُتب عليه!
لقد كتبت عليه أبنة أبيـها "Iran" ، وبكُل جُرأة تُعلقه في صدرها ، مسكته من المُنتصف مُمسكة بقوة وأنا أقطعه كما أردت ، ثم سلّمته لصـادق : ما أعرف لمين ..

لقد كذبت يا لسـاني وأنت تعلم انه لهـا ، لقد كابرتي يا جوارحي وأنتي تقطعين ذاك الرابط الضئيل الذي يربطـها ببلدها.

سمعتُ شهقتها تعلو حنجرتـها ثم تكتمها وهي تُمدد يدها إلـى صادق: انطينـي
مدهُ لها وسط صمت عمتي ودهشةُ صادق.. وحديثـها المصدوم: حرام عليـك،
هذا مال تخرجـي .. انطانياه بـابا..
تعرفين زينب، أني ما أعرف إذا بابا بيه اشي لو لا، يامن ما خبرني عنه ،
قلبي حاسسني بيه شي .. ما مرتاحة والله!

انهت حديثهـا ثم قامت مُتخبطة، يشبه تخبطي البـارحة أمامها،
ولكـنه أُنـثى لا تُداوي جراحـها إلا بدمعٍ يخنقُ الروح ويجدد لوعتـها ..
وأنا أيـضاً أعرف فقد الأب وهو حيٍ لقد تجرعت فقده كُل ليلة وأنا أعلـم انه على قيد الحيـاة!
فكيف هي التي لا تعلمُ عنه شيئـاً ..
ما الذي جعلك تُفكر هكذا يا آلـن؟ ما هذا الألـم الذي أجتاح يسار صدرك؟
هل هذا ما يُقال له تأنيبُ ضمـير ؟

تحدثت عمـتي: خطية شوف كيف زعلـتها !!
ما يسـوى تكطع آخر حبـل لها مـع أبـوها .. خطية هالبنت شدتتحمل لتتحملّ!

تحدثتُ وأنا أُصـارع روحي .. أقصد ضميري الذي أنبني : أني كطعت إيـران ما رقبة أبـوها ..

سكب لي صـادق كأسة شـاي: بسيطة أبو آدم بسيطة!
الذهـب يعوض عنه ذهب .. بس الروح ما تتعوض!

يا لبساطة تلك الروح التي تمتلك يا صـاحبـي، تظنُ أن انقباضات صـدري التي بالتأكيـد بانت لك .. بس طوق ذهب كُتبَ عليه أسم أقبح الديار !
توهمت يا صاحبي..
ولم تضع نفسـك موضعهـا لو جهلت مصـير أبيــك!!
ولكـن حال ما يأتي مُحمد سأحادث أبي وأُريّح قلبـي المتوهنّ ،
لقد نقلت لي داء الخوفّ على أبيـها وأصبحتُ أخاف علـى أبي..


***


كيف سولت له نفسه ان يفعل هكذا ؟
ماذا لو قطعتُ صليبه ؟ ماذا لو أخفيت قُطعة تربطـه بأبيه ؟
لم يفكر بكل هذا ..
فقط فكر بالانتقام من إيـران حيالُ قراءته لأسمها،
لا يعلم أن أسم إيران يشرفه ويشرف كُل شبرٍ من تُراب دولته الواهـنة.
بُت أستحـي من قـول أنـي "عربية" !
بسبب هذا التخلف العُنصري الذي تشبعت منه أرواح العربّ..
لما نسيَ أنـي أهوازية ؟
ولما يُجـالس مسلمين وهو عُنصـري..
ما أرذلُ تلك العُنصرية التي تأتي على الكـيف والمزاج.

طـرق البـاب .. يبدو أن عمته أتت تُكمل عليّ ما بداه أبنها، وتحاسبني على عراكي معه ليلة البارحة،
تحدثتُ بصوت يصل إلـى الباب وأنا لم أتحـرك من مكاني: زيـنب عفيه روحي،
ما مبطلة البـاب، إذا جايه علمود سالفة عراكنا البارحة خذا حقه ابنج وكدام عيـنج،
وإذا جايه تراضيني علمود ابنج ما يتضوج !
يتضوج وعمريـنه ما يرضـي .. خل يبلط بحر قبل يدخل وسيط دتراضـيني .

لم أسمـع جوابٍ من عمـتي..
سمعتهُ من فتاة قالوا أنها ستصلُ بعد قليل، ما هذا الحديث الذي استقبلتيها به يا مَهـتاب: أنـي ملاذ .. ما زيـنب!


***


صمتٍ أحاط بنـا بعد آخـر كلمتين نقطها ابـن أخـي!
لقد قتلها بسيفٍ مقابل طعنها له بسكين ليلة البـارحة كـما قالت ،
لا يعلم مدى حبُ الفـتاةِ لأبيهـا وإلا ما فعل هذا التصرف الصبياني،
الذي يرد بعده ببرود مُخبرني انه لم يقطعُ رأس ابيهـا .. فقط قطع له عقدٍ بسيـط!
ليته ردت عليه وشمتت به، ألم تقل انها أصبحت "شُمـات"..
ليتها لم تهذي وتخبره عن شيءٍ أخافهـا ولم تجد لها كلمة أمان تُطمنـها عليه..
سيأتـي مُحـمد ونجد لآلـن حدٍ يقف عنده ولا يتطاول عليهـا بعد الآن!

أتـى حبيبُ عمـته عند ذكـره ..
وقفتُ وأنا أرى صـادق يُسـرع لفـتح البـاب حتى يُدخلا سيارتيهمّ،
التي للتـو تبيّنت لـي!
ويحـها كيف تقودُ سيارتها هكذا وحـدها وسط الحواجز التي أصبحت أكثر من الشعب نفسـه!
قدمـتُ إليـها وأنا أحملُ لهـا مشاعر الأعـجاب والشوق الذي حظيت به من أسابيع عندما ألتقيتها أول مرة!

قدمتُ إليـها وأنا أحـملُ مشـاعر الأمّ التي ترى أبنتها الوحيدة تُخـاطر وتقود سيارتها في هذا الوضع الراهـن ..
قدمتُ إليها محتضنتها : هلااو بحبيـبتي.. هلااو بأمـي!

تحدثت هذه الفتـاة التي تُشابه أخيها بطريقةُ حديثهـا فضلاً عن مظهرها الخارجي الذي يخبرك من الوهلة الأولـى بتؤامتهما: هلااو بيج خالة زينب..
شلـونج؟

ابتعدتُ عـنها وأنا أرى بريقُ عينيها الضاجّة بالحيـاةِ عكس البؤساء الذين أُعـاشر : الحمدلله كُلش زيـنة.

امسكت بيدي، مُكملة طريقهـا الى الشـباب الذين قد اخذوا مقاعدهم،

وما ان وصلـنا حتى مدت مفاتحـها على آلـن، مُنبهة له إشارتها إليـه: أبـو آدم!
وما أن رأها أو رأى ما في يدها حتى وقفّ آخذه ثم مُصافحـاً لها: شلـونج؟

أجابت بابتسامتها البراقة : الحمدلله .. وانته شلونك – ثم نظرت إلى صادق – وانته صادق شلـونك ..
اتتها اجاباتهم مُتفرقة : ويـن مَهـتاب؟

تحدث آلـن: باعيها فوك، ثالث غُرفـة ع اليميـن ..

خرجت تلك الفتاةُ من المزرعة دالفة باب المنـزل مُنادية باسم مَهتاب،
كدلالة على تنبيهها بوجودهـا..

نظرت إلـى مُحمـد : محمد دخيـل اسمك شوف لي حل مع صـاحبـك،
كل يـوم مضوج هالبنية ،
الله وكيلك ما تحلى لها نفس إلا يجي ويخبص الدنيـا بيها ..
اليوم لكيت سنسال مشروم وسألنه له وما كال لا كطعه كدامها لانه مو مالته!
تباوع صخـامه وين وصل!
انا ما عاد لي قدرة عليـه .. تفاهم ويـاه.

تحدث مُحمد بقليـل من الابتـسام : ما عليج بيـهم يا عمّة،
أني سمعتها أمس شكد لسـانها طـويل وتعرف تتحجـى!
ما ضعيفة ندافع عنـها .. حيلهـم بيـنهم ما لنا خـصّ ..

تحدث آلـن وهو يجد من ينتصر له : يسلم لي أبـو خالد..


***


خجلتُ أن افتح لهـا البـاب بعدما قُلـت لهـا حديثاً غاضبٍ هكـذا ..
لطالما تمنيتُ رؤيـة أختُ محمد العـطوف ولكن ليس بهذا الصورةِ أول لقـاء!

فتحت الباب علـى خجل: هـلااو بيـج مـلاذ، - سلمتُ عليـها- أعذريني خيّه،
كلـه من صخام ولّد زينب.

تحدثت الأخـرى ضاحكة وهي تخفف الأحراج عني : أي واحـد بيهمّ!

جاوبتها وأنا افسـح لها الطـريق : آلـن..

توقفت عن المـشي: حراام عليج .. الولد حبّاب ويخـبل!

رفعتُ لـها عقـدي : باوعي اش سوى.

انفجرت ضاحكة : عليج الله متضوجة عشـان عقد وأنكطع !
ما عليـج فدوة لأبـو آدمّ باينته ما يقصدّ..

لم تعرفيـه و إلا لم تتحدثـي هكـذا..
لم تعرفي قسـوته التي جرحت معنى اسمـه!

تحدثت : انطيني السنسال أصلحه لج وأرجعه مع محمـد..

أجبتها وأنا أخبأه بين يـدي: لا عفـية،
عشـان تتورطـين بيه ما احد يقبل يصلحه، نطلع من آلـن ونطيح بيج!

تحدثت مرة أخرى : وليييش ما احد يقبل؟

هل أخبركِ عن سبب قطعه؟
أو أخبـرك بالعنصرية التي ستذهب بك إلـى أبـو غريب لو عرضتيه على صائغ!
رفعـت إليـها العقد مُبنيّة لهـا ما يحمــل،

رأيـت الصدمـة تعلو ملامحـها ، ثم تصدمني بقـولها : الله يخبببل !
تعُرفي روح قلـبي النقـش اللي هيـج !

هذا ما قدركِ الله علـيه !
لا تصدمينني وتقولي وحده آلـن من يحمل ذاك الكُره لإيـران!
قولي نحنُ العرب وأخرجيني منكم .. ولا تقولي آلـنَ وحده ..






مخرج الفصل الواحـد والعشـرون

وفي الارض ببغداد هواء هو المنى
وعيش هو السلوى وماء هو الخمر
انس زمان الكرخ والكرخ معرس
وتذهب عن ذكرى الرصافة والجسر


×الشيخ محمد رضا الشبيبي ×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس