عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 03:50 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مـدخل الفصـل الثـاني والعشـرون

دَع عَنكَ روما وَآثينا وَما حَوَتا
كُلُّ اليَواقيتِ في بَغدادَ وَالتُوَمِ.

×احمد شوقي×

.
.
.


عرفت مـلاذ كيف تراضـيها وتُنزلها من برجـها العـاجي إلى جلسـة أرضيـة تحت شجر المزرعةّ!
جميعهم مشغولون باحاديثٍ متفرقـة،
ملاذ تُحادث صادق عن خـطتها وتطلب منه تزويدها بإحداثيات البيت الدقيقـة،
وعمـتي تحاور مُحمـد بما وصلت لهُ العـراق وماذا سيحصُل!
وهي تبقى وحيدة بـلا جليسٍ تستمع لحديث مـلاذ الذي يبدو وكأنه من المغامرات الأسطورية الخالـدة!

قدمّت إليـهم بعدمـا أرسلـني مُحمد لجلب سلاحٍ ضمّه في ما سبق إلى المجموعة التـي نُخبئ .. دنُوت
منه جالسـاً : هذا اللي رايـد؟

أومأ براسـه مُخـرجاً تصريح سـلاح من جيبه: إذا ناوي تـجاهد لا تأخذ وياك إلا السـلاح هذا .. وهذي رخصـة هميـن..

نظرتُ إلى جنونه الذي بدأت بجانبه عاقلاً : هذا سـلاح أبـوك!
تريد تورطـه ؟

تحدث وحاجبـاه لا زالت مُنعقدة وهو يُشرف على مخزن الرصـاص: أني مطلع عليـه تعميمّ سـرقة،
يعني إذا حسيـت أنك انكشفت أشرم السـلاح وانهزمّ!
كل اللي بيديهم أنهم يجيبون السـلاح لأبـوي،
وبكذا خسروا جنودهم وأنت كسبت السـلاح للمرة الثانيـة!

بحقّ عيسـى انه داهيـة .. سيوصلنا هذا الدهـاء الخارق إلـى الموتّ،
دهـاءٍ لا يقبل الغلطة .. وأن حدثت تلك الغلطة أصبح غباءٍ خـارق

***

لقد جُنـا .. اثنينهم تقاسمـا الجـنون!
إنّ جُن محمداً من سيبقى عاقـلاً في صفّ هؤلاء المجانين،
كيف يقول له خطةً هكـذا، وإنّ حُبكت .. وإن تحدث بها مُحمد
هذا لا يعني نجاحـها التامّ!
إن لم يستطع الهرب وأمسـكت به القوات لم ترحمه وهو متلبس بجريمةً جديدة فضلاً عن جرائمه السـابقة..

لـن أتركُ ابن آدمّ يضيع من بيـن يدي، فقد أوصـاني به: شهالصخـام التحجون بيه!
يُبه ما يصيـر، تره بتلعب بالنار بيديـك، طيب فكـر بمصيرنا من وره عمايـلك..
راح تتسكـر منافذ شقلاوة قبل ننهزمّ مرة ثانية،
ولو ضلت مفتوحة .. شكد حواجز بطريقـنا وصادق ومَهـتاب مطلوبين!

يبدو أن انفعالي وصل إلى صادق وملاذ والثالثـة التي تستمع، فبدأت ملاذ بالحديث الذي لا يقل جنونٍ عن سابقيّها: لييش خالة؟
خليه يجـاهد .. الرئيـس طـالب من الشبـاب تجاهد علمود يقوى العـراق ويـرجع!

يبدون أنها "صـدامية" كـ آلن وإلا ما تحدثت بهذا الهراء.
صمتّ كما صمت صادق ومَهـتاب ممتعضين من ذاك الذي فرض الجهاد على المجانين .. فصدقه آلـن وملاذ وسط حيادية مُحمد..

تحدثت مـلاذ قاصـده آلـن: شنو نوع سـلاحك؟

قلب المعنيّ ورقة الـتصريح: سـوفيتي.

ابتسمت مـلاذ برضاء يبدو انه تعبيراً عن جودة السـلاح الذي صدر في منتصف الأربعينيات المنصرمّة .. وقت الحـرب العالميـة الثانـية.

***


أنهُ ليضـيق صدري من هذا الحديث الذي يكتمّ على أنفـاسي ..
كيف سيبيع رفيق روُحـي نفسـه من أجل جهادٍ باطـلاً، نعمّ باطل!
كيف له أن يُجـابه عساكر أقـوى قوى العـالم بسـلاح من قطعة قديمة أمام سـلاحهم الـذي صُنـع عامنا هذا ..

تحدثتُ وأنا أعني بحديثي الصدامية الجديدة التي لا تقل عن صديقي ولاءٍ: صـدام ما نافعـكمّ ، إذا شحطوك ونفوك لواشنـطن كَول صدام طلب نجاهد

تحدثت مَهـتاب الصامتة مؤيده: هذا إذا كان صدام موجود هـنانـا ما بواشنـطن!

غضب آلـن من تصريحـها بخيانة صـدام ومولاته لأميركا : وصخـام يسد حلكّج،
كَـالوا لج خايـن، ولا عـميل مثلهمّ!

تحدثت مُتحدية : لا والله كَالـوا لي بـعثي، وهذي أكبر خيانة ..

غمـز مُحمد لآلـن طالبـه السكُوت، وسط تصدد عمتي بابتسامتها التي يبدو انها ابتسامة انتصار على صـدامّ..

ردتّ ملاذ قاصدة مـَهتاب بحديثٍ يقال له مزحةً برزحة: من هسـتوة صـرنا حبايب .. لا تضوجيـني و أضوجج.

تحدثت الأخـرى ويبدو أن كيد النـساء بدأ بينهما: معج حق،
ما يسـتاهل نتضوج علمودهَ !

وقفَ آلـن بعدما طفح كيله من حديثٍ يمسّ بصـدامه، فلأول مرة يتعقّـل صـاحبي .. ولا يُـرد !
لم يـكن ذلك تعقلاً محمود، بل أمرٍ من محمد الذي نوى حديثٍ آخر أهم منه.

***


ما زالت الإيرانية تمتص من دمـاءِ صدام فيطلبون مني الصمّـت!
ليت مُحمد يعلمّ ما معـنى أن توالي قائداً تفتديه بروحك قبل أن يطلبّ،
ليتَ صادق وعمـتي لم يشهدا حرب الطائفية التي أدمت الكاظمية وإلا ما تحدثا هكذا ..
ليت تلك الإيرانية تعرف حدودهـا،
الحدود لم تكن خطـوطاً رُسـمت بين أرضي وأرضـها، بل جعلت من بلادي قُدسية مُحرماً عليـها المساسُ بـها ..
كيف لها أن تتجرأ وتتحدث هكـذا، أيـن سُنتيها؟
ألم تشفع لها كلمات الرئـيس التي تتحدث عن قُـدسية السُني في بلاديّ!
ألم يشفع لها أن الـرئيـس يعتنقُ مذهبـها ..
لا تواليـن حكامك الشـيعة على حسـاب السُني .. نصيحةً يقدمها لكِ مسيحي الدين !

***



رَاق لـي ذلك الحـرب الكـلامي الذي بدأ بين آلـن ومَـهتاب!
لقد بدأت امـتهنُ تخصصي دفاعاً عن صـدامّ ..
لا أودُ مجابهتـها بخصـامّ لا نعودُ به إلا بخفيّ حُنـيـن،
أعلم أنها قد تشبعت بالفكر الخميني والـصفويّ وهـذا ما يجعلها تستنكر أي كلمـة تُقال بحق الرئيـس..
حديثي معها لن يزيد اللهب إلا وقوداً، فحربٍ استمرت بالنيرانِ عشر سنوات لن تنطفئ عن ألسنـة الشعـب طوال العُـمر ..
سوف نُقبر ولن يُكتب على قبورنا تلك المُسـميات الدنيئة ،
لن يُكتب على قبري "ناصبية" ، ولن يُكتب علـى قبر شيعيةً بجانبي "رافضـية"..
كلانا سنُقبر بمقابر مُسلـمين فلما الفُرقة التي قامت بيننا !!
ناهيـك عن حرب الأعـراقِ التي تضامنت مع حرب الطوائـف ،
فأنا الآن أقعدُ على أرضِ قُنبلةً موقوتة تُصنّع بيد الاكـراد يقولون أنها لن تنتهي الحرب إلا وقد أقامت الاكراد إقليـماً خاصاً بـها ..

حتى أن الغـازي أصبـح يُسمينا بأسماءٍ "إرهابية" طائفـية!
فمن عاشـر قوماً أربعيـن يومـاً أصبح منهمّ. . .

***


قَدمت إلـي أُخـتي الصُغـرى التي كانت شبيهةٍ بالزُمـرد!
فقد تلاقيـا هذين الفتاتين مرة واحدة عندما أتت زمُرد معي أنا وصادق إلـى ديـالى، وبقيت ملاذ محفورةً في ذاكرتها أياماً بلياليـها ولا نتحدث بشيءٍ إلا وقالت لنا هكـذا قالت مـلاذ وهكذا فعلت .. فتاتيّ الرابـعة عشـر لم يلتقيا بعد!
ولكن التقت الأخـرى بأخ زُمرد بعد مرور تسعِ سنوات على اللقاء الأول ..

تحدثت مـلاذ: أبـو آدمّ عليك الله لا تضوج،
ما يلبكَ لك الزعـل يا جمـيل !

ابتسمتُ على مزاحـها اللطيف: أروحن لـج فدوة،
ما متضوج بـس شايلّ هم روحتكمّ باجر لأبـونا .

تحدثت وهي تلفظ أسمه كما ألفظه: أبـونا حبّاب من نكول له راح نسـاعد مطلوبين راح يوافكَ .. وهمين أبـوي يعرفه.

تحدثتُ إليـها وأنا أعلم أن يُوحنا وطنيّ لن يردُ من أتاه ناصيه بأمر مطلوبين : مـلاذ أريـد منج شـغلة.

ابتسمتّ وهي تقول : تأمر يابو آدمّ ما تطلبّ ..

يا لطافة هذه الفـتاة!
ليـتها تُخبـر تلك الصلفة عن اللطافة التي تجهل!: كَالج صـادق وصف البيت ؟
أومـأت برأسـها .. ثم أكملت شارحاً لـها : بالطابكَ ياللي فوق ثـلاث غُـرف.. صح؟

أجابت بكلمة واحدة : صح.

أكملت حديثي: تلاكي بالغرفة الثـانية كاميـرا وسنسـال ذهب جيبيهم،

ثم أكملت مُحذراً : محـمد لا يدري لهمّ!

ضحكتّ: ومن اللي ديجيبهم لك؟
مـحمد حالف ما أطب شقـلاوة عقب اليومّ..

ابتسمت على ضحكتها التي لا تشابه إلا ضحكات طفلةً تحادثُ والـدها ،
شعرتُ بحديثي معـها بشعورٌ لم أشعر به إلا بوجود أخوتيّ ..
شُعـور الأبـوة الذي يخالطه طيش الشبـاب .. لقد ملأنـا الطيش يا مـلاذ ،
طيشاً من نوعٍ جديد!
طيش الحـرب.. لم يعشُه أحداً قبلـنا،
نتسـامر على تركيب ذخيرة رشاشٍ سوفيتي ، ونتضاحك انتصاراً على رُفـات جُنـدي!
هكذا غيّرتنا الحرب وصيّرتـنا ..
تُناقضـنا الحرب وتبحث خفايانا..
لا تُفكري بما أُفكـرُ يا صغيرة، لا تتعمقي بكل هـذا فقط نفذي لـنا خطتنا القادمة وعودي إلى مُجلدات القـانون التي تملأ أدراج غُرفـتك وأنكبي عليها ..
لا تعودي هُنا ثانيةً .. لا ترين الحرب من قربٌ وعن كثب!
لا تُسجل ذاكرتك كل هذه الأمـور ، فقط اشغليها بسطور تملأ كُتب الدراسة..
وأجعلـي من هذه الكُتب جنداً .. وأنت محارب يريد القضـاء عليـها ..
لا تعودي ثانيةً يا صـغيرة!
هكـذا أصـبحنا نقف في أرضِ شـقلاوة مستعينين بشخصٍ من ديـالى حـتى يُنفذ معـنا عمليةً فـي بغداد ..
رأيتِ التناقض الذي سيّرتنا له الحرب ولم تخيرنـا !

***

لما كل هذا الرضـاء الذي يكسـو ملامحه عندما تدنُو منه !!
كيـف لغضبانٍ أن يبتسـم في ظرف ثوانّ،
غريبِ الأطـوار أن صح المـعنى .. تمتلك هذه أبنة ديـالى سحـراً أضفته على الجميع..
بدايةً بزينب التي استقبلتها فور وصـولهـا..
ثم بصادق الذي يحادثـنا وعيناه تنتقل إليـها خلسةً،
وما أثار أعجابي أحدٍ مثلُ آلن !
يتركاه رفيقيه بغضبـه لأنه كما تقول زينب " لا تواطـن "..
لكنها لا تعلم ان هذه المـلاذ واطنته وفردت حاجباه وبينت صفّ اللؤلؤ الذي قليلاً ما يُبـان!
ماذا قالت له حتى دنا منها ضاحكاً ،
ما الذي حذرها منه بلطفٍ وجعلها تضحك وسط تأملاته البـاسمة!
كيف يكون ذلك على مرأى أخيـها؟
توقعتكِ امرأة ناضجة يا أخت مُحـمد !

***


الصُبـح لم يكنّ كسابـقه!
فضـلاً عن أنه بداية أكتـوبر الخريفـية التي بدأت تُشتّي بها أجـواء شقـلاوة،
صدقت أختي زُمرد عندما قالت نهاية أيلـول غدارة!
فقد بدأت الحُمـى الموسمية تنهش بقوته صـادق، مما جعل زينب تسهر بجانبه طـوال الليل ، متخذة طور الممرضة التي لم تمارس منذُ عشرين سنة فائتـة،
دلفتُ البـاب ناظراً إليـه، لقـد نامّ بعدمـا أوصتني زينب أن أرعاه حتى تصحو!
بوجهٍ أبيضاً اعتلت وجنتيه الحـرارة، يعُود صـاحبي إلى أيامّ مراهقةٍ يتضجـر بها بوجهه إلى أحمرٍ ..
نتيجة غضبه ، لعبه ، مرضه!
كان ممتعضاً من هذا اللون الزهري الذي يراه عائقـاً من لعبه مع شبيبة المتوسطة التي بدأت تُسـمي نفسـها بأسماء الأبـوة!
لا تجد طالبـاً إلا وأتخذ من أسم أبوه إلا أسم ولده ، وقـتها كنيتُ نفسي بأبو آدم!
بينما كنّا صادقـاً نفسـه بأبو كاظمّ!
فبقينـا إلى يومنا هذا بهذه الأسـماء ..


دنُوت منه بعدما جلبت له إفطاراً جهزت زينب قبل أن تنمّ : صـادق،
يلا قووم!
النّوم يزيد الحمـى.

نهض صادق بثقل: عوفـني، ما نمـت إلا الفـجر.

مددتُ يدي منتظراً يده تلقفني حاثه على القيـام: كَوم أفطـر وبعده نامّ.

أمسك يدي، وبدوري أوقفته..
ماذا لو رحلَ صادق؟
هذا الشيء الذي نبهتني عليه زينب مساء البارحة ولم القِ له بالّ!
زُكـامٍ طرحه في فراشـه أيقضني من مخدعي،
كيف لو ذهبتُ مُجاهداً واستشهدت أو اُسرت!
أين سيذهـب بزينب ومَهـتاب؟
أعرفُ صاحبي ينتظر الموت ولا يخاطر بنساء!
فان كان لطيفٍ غير عدائي ، هذا لا يمنع انه شهمٌ ضرغامٌ أمام من يعاديه،
لا أجد أحدٍ أكفئ من صادق استند عليـه حتى ولو كان أخي ينـال،
يصدقُ ما يُعـاهدّ!
لقد عاهد بَسـعاد أن لا تبتئس وهو بجانبهـا ، عاهدها قديمـاً عندما طلبت منه مجيئ امرأة تُسلي غُـربتها..
عربيٌ غـيور!
يرى بَسـعاد العروبة التي لا أحد يُدنسها ولا يُنزل لها دمعـة!
لقد أخطأت كثيـراً بحقـها فكان صادقٍ ظاهرياً غير مُـتهم، وما أن ترتحل حتى يُدافع عنها دفاع المُستميت الذي حلف أن لا يعودّ إلا بما أراد !

لن أجـاهد وصادق هُنـا ..
فأنا أعلم خطر جهاده ، كما أعلم أيضاً خطر بقاءه!
لا أود له الرحـيل مُبكراً ، ولا حـتى التغييب الذي أفقد أغلب العراقيات مصير ابناءهم ، فلا تعلم هل هو في معقلٍ او شهيدٍ .. أو نفيَ إلى اميركـا .
لا أود هذا الطريقُ الشـاق له،
فقد تجرع ما يكفيه في حيـاته..

حدثنّي بعد عودته وجلـوسه على السـرير أمامي بينما أنا في مكاني على الكرسي وقتما أيقظته: اشبييك احاجيك ولا انته وياي؟

نظرتُ إليـه متفحصاً وجهه الذي رسمّ الوجع تقاسميه في تلك الملامح: شلون صرت الحيـن؟

تحدث مُبتسماً ، ابتسامة أخذ منها التعب رونقـها ولكنه إبقاء بها حياة لا تشابه شيئاً آخـر .. تُشابهه صادق وحدهّ: لا الحمّد لله هسّه احسنّ.

قطع عليـنا حديثنا إضـاءة إنارة الغرفة المنقطعة من أربعة أيام،

وقفـنا جميعنا بعد قول صادق: تعـال نفـطر تحت فرصة ما تتعوض!

نقلت الفطور معي، أصبـح التلفاز ومتابعة الاخبار صوتٍ وصورة فرصةً لا تتعوض !
هكـذا أصبحت فرصنا التي ننتهز بين حينٍ وآخر..
وهل يُعقل أن عراق الأعـراب أول بلدٍ أنارت بيوته الكهرباء يفتقدها في القرن الواحد والعـشرون!

***


ماهذا الصخّب الذي عكّر عـلي نومتي، نصفُ ساعة والصوت يرنّ في أذني،
الساعةُ لم تتجاوز التاسـعة!
تناولت حجابي الموضوع جانباً تحسبٍ لطرق البـاب، أحكمت حجابيّ مكتشفة هـذا الصـوت الغيـر مألـوف وكانه صوت مُذيـع اخباري!
مُذيعٍ اخباري في هذا البيت؟ وفي شـقلاوة التي تُعاني من نقص الوقود ونقص الكهربـاء ..
نزلت أسـفل، ووجدتُ زينب وأبناؤها في جلسة جانبية، يتابعـا التلفاز الذي أصبح أحد أُمنيـات هذا العصـر ..

صبحت عليهمّ بصوتٍ هـامس، ثم شاركت زينب الإفطار،

وسط أتكأ صادق على أحد الصوفيات مُسنداً رأسـه للجدار، وملازمه عاقدٍ حاجبـيه متمعنٍ بقول المُذيـع: وآخـر خبر سجلته الصُحف عن الرئيس في منتصف أيلول الماضـي عندما أمـر شباب العراق اليـافع بالجهـاد . . .
ثم ابتدأت بعده أنـاشيد الثـورة التي قد سمعت معظمها مع أخـي يـامن الذي يجمع لي الأخبـار ومصادرهـا حتى أنشرُ خبراً ..

يا كـاع ترابج كـافور
ع الساتر هلهل شاجـور ..


أرى ابتسامته تتوسـع وحاجباه تنفرج!
أ هكذا يفعل حُب العراق في قلبك؟
أنت لا تعلم دسائس هذه القناة التي ذكرتك بمقولة الرئيس الأخيـرة ثم قرنوها بأناشيدهم الثورة التي لا تُشابه نشيدٍ قبله!
فقد أقترن بحرب الخليج الأولـى التي عشتها في أواسط طهـران،
لقد مرّت من فوقي صواريخٍ مذعورة منها .. وبنفس الوقت قبل أعوامٍ أحتفل هؤلاء الجلوس أمامي بهذه الصواريخ!

نظرت إلى زيـنب هامسةً: اشبيه صـادق؟

تحدث زيـنب بحنان الأم وقلقها : أروحن له فدوة،
من المسـاويـات وأني حاسه بيه تعبان، ما دتشوفيه كيف جان ما يتحرك كثـيرّ؟
هوه هيج من يومه ما يقول أخ!

تحدثتُ إليـها وأنا أشعرُ بما تشعر به تماماً، فقد فقدت الاتصالُ بأبي وأنا كل ليلة ينتابني شعور الفقد أكثر من أي شعور : ما يشوف شر إن شاء الله..

شدّني تغيير آلـن محطة التلفاز متنقلاً بين القـنوات، حتى أتت قناة إيـران الرسمية، بمذيـعها الذي أعشَق حديثه، فهو أسطورة الحوارات السياسية فزّيت واقفة : عليك الله ما تغيّر!

لا تهمّني نظرة الاشمئزاز التي تسكُن عينيه!
وقفت جانباً بقرب التلفاز ، قارئة ذاك الشـريط الاخباري الذي أثـار غضب آلن لجهله بما كُتب بـه،
وجهله أيـضاً بفارسية المُذيـع فلا يعلم من حديثه إلا كلمتي " صدام وبوُش".

ومما أثار غضبه وجعله يقف بجانبي عندما قرأ كلمة عراق في الشـريط الاخباري : اش مكتوب؟

نظرتُ إليـه وأنا أتلاعب بأعصابه: ما أعـرف فارسـي ..

نظر إلي نظرة أرعبتني .. ليس أنها مُرعبة!
بل لأن بهـا الكثـير من الـرجاء الذي لم أعهده، أ هكذا تفعل بك عراقك ورئيسها، تتابع الشريط الاخباري الفارسي حتى تجد زلةً عليهم وتنتقم من إيرانيةً عربية بين يديك!
تحدثتُ بعد تلك النظرة التي أماتت بداخلي شعورٌ لا أعلم ما هـو،

يبدو أن لهفته تشابه لهفتي التي جعلتني أطلب منه أن لا يُغيّر ما وضَع حتى ألمح خبراً يخبرني عن طـهران: يكَولون بُوش متوعد بكل واحد تابع لصدام،
وهمّين بعد – ازدرت ريقي من نظرته – يكَولون العراق كلها راحت بإيده!

عاد إلـى مكانه، ويبدو أنه مسـالمٍ اليوم لولا انعقاد حاجبيـه مُجدداً : يديهمّ وما تطـول صدام ما تتحـداه هالـشواربّ!


أيا لصدامك العجيـب!
لا تستطيع ان تتحداه اميركا وهو مختبئ ولم يواجهـها..
أي شواربٍ تتحدث عنـها يا هذا ؟
هل تقصد الشـوارب التي اقتادتنا من بغداد إلى بيتٍ ريفي في شـقلاوة!
هل تقصد الشـوارب التي ذهبت بك من فرعك السكني الذي يضمّ كبارية بغداد إلـى وقوفك بجانبي تتهجأ أحرفٍ فارسـية تخص قائدك!

***


وقفت بـجانب مُحمد
وأنا أحكم حجابي المُحكمّ، أمسـكت بعضد محمد بعدما عتبّنا باب الكنيسة!
هذه الكنيسة التي قال آلـن انها بسيطة، لا أعلم لما شعرت بالعظمة عند رؤيتـها، وهل يرون المسيح هذا الشـُعور روحانية؟
لا أعلـم لما أحسُ أنني أخطو خطواتٍ خاطـئة!
هل لوجودي بمعبدٍ غيـر المسـجد؟

سميّت بالله مارةً بجانب مُحمد وسط الكراسـي الضخمة التي تملأ الكنيسة،
ثم خرج علينا رجلاً يتسربلُ بالسوادِ ، وقبعة سوداء طويلة ممدودة إلى الأعلـى تتوسط رأسـه، وذاك الصليب الذي يشابه صليب آلن..
لولا ضخامته وكبر حجمه الذي يبين من بعيد .

قَدم إليـه مُحمد بعدما عُدت خلفه : السـلام عليكم .

تحدث الآخـر بعدما عرف ماهية الدين الذي نعتنق بعدما استغرب عدم تقبيلنا ليده : وعليـكم السـلام!

تحدث مُحمد شارحاً له مجيئنا له : احنا جاييـنك من طـرف آلن!
تعرفه ؟
اللي جاك منهزم من كم أسبـوع.

أدّكر القـسيس ذاك الهارب : حيـاكمّ الله!
شخبـار آلن ، وصل أهله ؟

تحدث مُحمد بعدما أشار لي أن الحق بهما بعدما أشار له القسيس أن يتفضل داخـلاً : يسلـم عليك ..
***
ما ذنبها حتى يعاقبـها صاحـبي بهذا البروُد الذي يخاطبه بها ،
ما ذنبها إذ نشرت قناةُ إيران حديثاً عن صدام!
فكل العالم يتحدث عنه اقتصر الإساءة فقط لإيـران ..
أوعدتُ مُحمد ان لا أتدخل بينهمـا فلم يزيد ذلك النار إلا لهبٍ،
نظرت إليـها وهي لم تزّل تقرأ ذاك الـشريط الاخباري بتمعن،
مع علـمي ان الكلام أُعيد لأكثـر من مرة.. ولكـن ما زلت تقرا !

سألتـها .. أو سألت لهفتها ولمعة عينيها التي تأتي بعد كل خبراً تقرأه : هاا لكَيتي خبـر شـيرين؟ "شيرين = زين بالفارسـية".

نظرت إلـي ضاحكة : كُلش شيـرين .

وما قالت جُملتها حتى عادت بجانب زينبّ ، محادثتها بصوتٍ هـامس،
مما جعـل آلـن يُعيـد التلفاز على محطته السـابقة ببدء أغنيةً ظهـرت بها صور صـدام التي شبّعت الفيديو حتى الموت!

مما جعل صاحبي تنهال سرائره وتنفـرج: أكَول أبو آدمّ.

ابتسامته لا تزلَ عالقةً بالتفاتته التي تُنبئني انه صبّ جُل اهتمامه لحديثيّ : لازمّ نخـابر مـحمد ، بلكي ما لقى يـوحنا أو تعرض لهم أحـد.

أعـاد نظرة إلـى التلفاز: العصـر ان شاء اللهَ ، وكتها يكونون خلصوا كل اشي..

فزّت الأخـرى بلهفة : دتروحوا الكبينة ؟

نظر إليـها آلـن بعدما اكفهررت ملامحه ، ثم اجبتها : ان شاء الله – ثم عرضت عليها – دتروحين ؟

تقدمـت قليلاً: أي اروحن لكمّ فدوة،
بخابـر بابا .

تحدث آلـن : مرةً لُخ!

لم استطع ان اُحيده عمـا نوى ،
أعلم انه ينوي تأديبها بهذا الأمـر .. حرمانها من مكالمة أهلها بحد ذاته وجعاً على فتاةٍ فزّت بعدما ايقظها الحنين لهفةً!

***


لن تذهبـي الى مُحادثتهم مُجدداً ،
فعودتك إلى محادثتهم .. تعبي عودتك إلى طـهران!
والله لن تعودي إلـى طهران قبل أن تشفِ القلب من كمدٍ،
ابقي هكذا بجانبي أقطعي صلتك بأهلك كما قطعتي أوتار قلبـيً!
قلبي القوي خرج من صدرٍ قـوي ثم خرج إليـك ضعيفاً ينتظر لمسة حنانٍ من يديكِ!

نظرت إليـها : مرةً لُخ "مرة ثانية".

أراها تعود دون ان تناقشـني وتُكمل حديثـها مع عمـتي وصادق الذي يشاركهم الحوار من بعيـد . . .

***


عصـر 1 أكتوبر..
عُدنـا إلى القسيس الذي قال لنا صباحاً عودوا إلى الرابـعة،
حتى أجهز لكم هوياتٍ جديدة تحمل الديـن المسيحي !
لبستُ لبـاسٍ سلمني إياه للتـو "يوحـنا"،
لم يكن إلا عن تنورةً سوداء تعلوها سترةً بنفس اللون، وفوقهما صليباً ضخم يصـل إلى منتصف بطـني،
وأرد مني نزع حجابـي حتى تكملّ الصورة للجُـند،
لولا أنني غطيت شعري بعدما لففت عليه الحجاب، مستغفرة ربي على ظـهور عُنقي الذي لم اخرجه لأي رجل منذَ أحدى عشـر سنة !
ذهبت إلى أخـي الذي ساعده اللبـاس الحضاري على أن يكتفي بلباسه الذي جاء به وهو عبارة عن بنظال أزرق يعلوه قميصاً أبيض .. فقد أضاف الصليب الذي حملت أخـاه!
كُتمت انفاسي طـول الطريق الطـويل الذي لم يكن ستين كيلو كما يقول مُحمد ،
بل ستـون قرنـاً . . .

لم أستطع أن أتحدث وأنا اراه يتجاذب أطراف الحديث مع أخـي،
لم أكن مستمعة ولا مستمتعـة أيـضاً،

خائفة من هذه الخطـة التي للـتو علمت بجنونها عندمـا رافقنا القـسيس الذي سألني : تعرفي تحجي انقليزي ؟

أجبته بصوتٍ هامسٍ فلو خلعت حجاب عُنقي لم أخلع ديني،
بل تركي لجزء من أجزاء الحجاب جعلني متوحلّه بوحل الذنب الذي استحي أن أقـابل ربـي به!
ولكن ياربّ أنها نصرةً مـظلوم! : أي عمّي أعـرف.

أومـأ برأسه : خـلاص ما تتحجين ولا حرف عربي،
هوياتكمّ بلجيكية .
***
أصبحت هذه العراكات جُزءٍ لا يتجزأ من يومي،
حتى أنني فقدتُ ردها على آلن عندما رفض ذهابها ،
بل وبقيت مسالمة حتى انهت غسيل أواني الغـداء، وذهبـت أعلـى إلى غُرفتها حتى تنمّ متحججة بإيقاظها مبكراً بصوت التلفاز !
حملت فناجين القهـوة التي الحقـتها بقهوة العـصر التي تمتد إلى صلاة المغرب في فناءِ المـنزل ..
أسمع همس أبنيّ من بعيد ، وأنا أعلم أن هُنالك أمرٍ يُخبئانه ولا ريث انه عن مُحمد ..

تحدثت إليـهم : محمد اشبييه ؟

تحدث آلـن بابتسامة : ما فيه إلا الخيـر،
توه بدري الوكـت .. واحنا ما نعرف متى يطلع من هـناك،
علمود هيج أجلنا روحتنا بالليل .

قعدت مقابله لهما وأنا أسكب لهم فنجاين القهوة مستودعه الله في سرّي لذلك الـولد وأختـهّ!

***


رافـقنا عسـكر آخر حاجز ، ذلك العسـكر الذين قد تعاركنا معهم ليلة اعتقال مَهـتاب ، يتقرب العسكر من القسيس ويتبركون بلباسـه ،
وسمحوا لنـا بالدخـول وتسلمينا مفاتيح البيت التي كانت بحوزتهمّ بحكم قربهم من المـنزل ، تحدث

أحدهم بانكليزيةً أفهمـها : قلت لي أن هذا البيت يحمل آثـار مسيحية؟

أومأ يوحـنا برأسـه،

ثم عاد ذلك حديثه: سأدخل سُياحك وحدهمّ ولكن بشرط.
نظرت إليـه بقوةً لا أعلم أن لاحظـها أم لا.

ردّ عليـه يوحـنا : وما هو شرطك أيـها الجُندي؟

تحدث مُجدداً بابتسامة حالمـة : تُصلـي لي أن عُدت للكنيسـة،
وتدعوُ لي أن أتزوج عشيقتيّ التـي تركت في أميـركا ..

تمتم القسيس كلماتٍ أرضت العسـكري الذي وعده أيـضاً أن يُصلي له فور عودته للكنيسة.

***


أرى مُحمد الذي تعلقت عيناي به خوفاً من فقده بين هؤلاء المسيحيين،
ماذا لو خطط هذا القسيس مع عسكره !
لقد تقرّبا منه بما فيه الكفاية، وهذا دلالة على معرفةٍ سـابقة بينهما ..
لما مُحمد غاضبٌ هكذا ، ما الذي دار بين الجُنـدي والقسيس !
حاسـتي السادسة لا تخـيب ..
لابُد من الهـرب، حتى القسيس لا أمانٍ معه!
كيـف أُنادي أخي من بينهم وأخطفه عن الأنظـار ، كيف تسلموا مفتاح البيت وهم لا يعلمون اننا سنطلبه؟
هل هذه دلالـة على وجود كمينٍ في الداخل؟

وقفنا أمام البـاب حتى أشـار لي محمد بين جمـوع العسكر والقسيس أن أدخل!
وددت لو لي القدرة على قول أدخل معي،
ولكن أنعقد لساني وخفت ان يشتلوا علـى أمرنا ..
سميّت اللهَ ثانية وأنا اردد اسمه في قلـبي ثم دلفت الباب متألمة هذا البيت الذي كـان سكناً لزينب وابنها ،
علي انهاء المهمة بأسـرع وقت ، وما ان تحركت قاصدةً السـلالم حتى
فـزعت بعدمـا أحسست بأن يدٍ تمسـك بعضدي ثم تهمس بإذنـي : .........

انتـهى




مخرج الفصـل الثاني والعشـرون:

ايه بغداد والليالي وكتاب
ضم افراحنا وضم المآسي
عبث الدهر في بساتينك الغناء
والدهر حين يعبث قاس
فتصديت للغزاة وجابهت
اذا هم مثل الجبال الرواسي

×احمد رامـي×




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس