عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 04:40 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل الثالث والعشـرون

أبشرْ عراقُ ففي الغيوب وعودُ
وكأنها بشراكَ جاء العيدُ

أبشرْ عراقُ فإن مجدك راجعٌ
نضراً عليهِ من الجلالِ برود

×حيدر الغدير×



لا تلهيكم الرواية عن ذكر الله ..



أرى مُحمد الذي تعلقت عيناي به خوفاً من فقده بين هؤلاء المسيحيين،
ماذا لو خطط هذا القسيس مع عسكره !
لقد تقرّبا منه بما فيه الكفاية، وهذا دلالة على معرفةٍ سـابقة بينهما ..
لما مُحمد غاضبٌ هكذا ، ما الذي دار بين الجُنـدي والقسيس !
حاسـتي السادسة لا تخـيب ..
لابُد من الهـرب، حتى القسيس لا أمانٍ معه!
كيـف أُنادي أخي من بينهم وأخطفه عن الأنظـار ، كيف تسلموا مفتاح البيت وهم لا يعلمون اننا سنطلبه؟
هل هذه دلالـة على وجود كمينٍ في الداخل؟

وقفنا أمام البـاب حتى أشـار لي محمد بين جمـوع العسكر والقسيس أن أدخل!
وددت لو لي القدرة على قول أدخل معي،
ولكن أنعقد لساني وخفت ان يشتلوا علـى أمرنا ..
سميّت اللهَ ثانية وأنا اردد اسمه في قلـبي ثم دلفت الباب متألمة هذا البيت الذي كـان سكناً لزينب وابنها ،
علي انهاء المهمة بأسـرع وقت ، وما ان تحركت قاصدةً السـلالم حتى

فـزعت بعدمـا أحسست بأن يدٍ تمسـك بعضدي ثم تهمس بإذنـي : وين رحتي و عفتيني وحدي بينهم ؟ كلت لج انطريني !

ابتسمتُ لصوته الذي همس به خوفاً من وجود أحدٍ قريبٍ يلتقط لكنته العربيةّ : انته شاللي أخرك ؟

تحدث وهو ينقل نظره بين أزقة البيت خوفاً من مرأى أحد : ما عافني القسيس إلا هسـه !

صعدتُ معه أعلى : محمد،
قلبي ما مطمنّ مدري ليش!

سبقني وهو يُعلي صوته قليلاً : ما صاير إلا الخـير، خل نخلص بدري ونمشي!

ذهبتُ معه أولاً إلى غُرفةِ زينب مُخرجيـن الصندوق الأثـري الذي يحوي ذهبها لقد قالت ان هذا الصندوق هدية جهازها من أخيهـا كاظم!
خرجـنا وإذ بمحمد يفتح أيـضاً الغُرفة التي دلّني عليها آلن ..
غُرفة مُرتبة لا تليق بآلنّ الفوضوي!
يوجد بها صورة مريـم العذراء ، ولكنني لم أرَ صليبٍ وصفه لي،
يبدو انه أحترم اسلام البيت وأهله ولم يستطيع أن يُعلق صلبانه،

سألت مُحمد الذي أخذ له مَقعداً بعدمـا حصل على عدةِ أوراقٍ وصور وبدأ مهمته بالبحثِ عن ملكية البيت: محـمد،
آلن وصاني أجيب له سنسال وكاميـرا ، ولا أعرف وين ظامهم والغرفة عودة! "كبيرة".

تحدث منشغلاً : لحظة خل أخلص اللي بيدي..

قعدتُ بجانبـه على الـسرير منتظرة انتهاءه من البحث،

لفت انتبـاهي صورتين خلف بعضها، مددتُ يدي: انطينـي .

مدّهما لي دون أن ينظُر إليـهما، كانت الصورة الأولى تحوي صورة آلن في فتوته وبجانبه شابٌ يشبه آلن أكثر من آلنَ نفسه!

خرجت كلمتي عفويةً : حبااب، باوع يخبل .

نظر مُحمد إلـى ما أرنـو إليه، كان آلنٍ مبتسماً ابتسامةً لم أعهدها، ابتسامةً صادقـة ، وعينين تلمع بهجةً بهذه الحـياة،
من عينيه وتفاصيل وجهه يبدو انه عاش حياةً مترفة لا تخلو من الشـقاوة!
ابتسم مُحمد بعدما تأمل الصورة بشكل آخـر : ضميها وياج! "خبيها".

فتحتُ حقيبتي وخبأتها هي وثانيتها دون ان اراهـا،

أخيـراً أخرج محمد ورقة المُلكية التي أتينا من أجلها ،
ثم قال لي: شاللي وصاج آلن عليـه؟

هل أقول له أمر الكاميرا ؟ رغم توصيات آلن أن لا يعلم محمد بشيءٍ عنها !
ولكن كيف لا يعلم عنها وهو من سيوصلها له؟: رايـد سنسال وكاميـرا ..

رأيت استغرابٍ يعقد حاجبيه: كاميرا مال شنـو؟

رفعت كتفاي دلالة اللا ادري : هيج كال لي ..
تقدمّ مُحمد باحثاً عنهما، وسط خجلي من "تفتيش" مستلزماتِ رجل!

فتح مُحمد أدراجٍ تحاوط السريـر ، فوجدت ضالتي الأولى بها : باوع هذا السنسال اللي رايد .

رفعه مُحمد ولم يكن إلا سواء صليباً يشابه الذي نلبس بشكله ولمعته، فضلاً عن حجمه الصغيـر نوعاً مـا : متأكدة هذا اللي رايد ؟

أومأت برأسي مُردفة : دخيلك يالله دور الكاميرا ، تأخرنا .

لم نتأخر ولكن قلقي كان أسرع ،
ماذا لو نزلنا تحت وطلبوا منا رؤية الآثار التي يتوقون إليـها ويبحثون عنها كبحثنا الذي اتى بنا من بلجيكا !
ماذا لو كشفوا الكاميرا وعلموا انها تعود للصحفية المطاردة،
وقتهـا نسأل الله أن يُمنن عليـنا بأبو غريب بدلاً من النفيّ ..
لقد تهورتِ يا مـلاذ بهذه الخُطة التي لا تعرفي شيئاً عن خطوتها القادمة!
أصبحنا نخطي خُطانا على البركة كما يقولون..
نظرت إلى مُحـمد الذي أخرج مُجلدٍ يشابه مجلدات الطبـري العظيـمة، اقتربت منه واستغرابي يزيد من هذا الرجل غريب الأطـوار يحمل بين طياته أشياءٍ غريبة!

سألت مُحمد الذي أغلق الكتاب حالاً بعدما عرف ماهية أمره: شنو؟

تحدث وهو ينظر إلـي: مُذكـرات!

ابتسـمت،
هل آلن قادراً على مسكةً القلم ليدون مُذكرات ،
هل تطيعه الأحرف على الكتابة!
تقدمت إلـى مُحمد: عفيه حمّود، انطينياه.

عقّد حاجبـاه : اش رايده بيـه؟

وهل هذا سؤالاً يُسـأل : دقراه،
قابل اش رايده بيه؟ "قابل = يعـني".

تحدث وهو يغلقه ثم يعاوده إلى مكانه: عيب بابا ما يصير!

وما هو العيب؟
هل هي مُذكرات صديقه ، أو تطفلـي عليها؟
ليس تطفل!
أريد أن استكشف هذا الرجل الغريب الذي ظننتهُ أبسط من ذلك .

نظر إلـي محمد: هاي الكاميـرا ياللي قالج ؟

نظرت إلى ما في يده: أي!

مشـى بخُطاه مُخرجاً مفـتاح الغُرفـة: يلا مشيـنا .


أخيـراً أتاني الفرج!
وأكملت خُطتي وخرجت "ببياض الوجـه" أمامهم.
خرجت مُسرعة خلف أخـي الذي بدأ ينده عليّ طالبنـي الخروج وسط سرحاني!
نزلنـا اسفل وأنا أحملُ بين يدي الصندوق الذي بدأ للجُند أنه الآثـار!
ولكنه ذهب زينب أم المطلوبين!
بينما مُحمد يحمل الكاميرا على كتفـه وكأنه أتـى بها ..

وقفَ مُحمد بجانب القسيس متحدثاً بانكليزية : لقد وجدنا ضالتنا يا أبونـا ..

ابتسم القسيـس: هـذا جـيد، أعطني المفـتاح !

تناول المفتاح مُسقطه بيد رئيس الجُند : شُكراً لكمّ،
لقد خدمتمّ يسوع هذه الليلةّ!

تحدث الجُندي الذي تفوه منذ قليل: لا تنسـى صلواتك لي يا أبونـا .

أومأ القسيس برأسه مع طيف ابتسامة حل : أعدك بذلـك .

خرجنا من هذا البيت .. العراقي الذي ملك أقفاله أميركان!
وكأنه باب حرمٍ أشرف عليه يـهودٍ،
وهل لليهـود من سقاية في حـرمـنا ؟
وهل للإميركان مكـانٍ في مساكننا حتى يشرفوا على بيت صـادق وآلن !
بيتُ آلـن الذي حُوطت أسواره بأسـلاكٍ شائـكة،
مع وجود جُنديين في غُرفة في فناءه!
هل هذه الغرفة التي قال مُحمد أن آلن استخدمـها للحراسة !

نظر إلـي مُحمد والمكان قد خلا من الجُند : اشبييك صـافنة يلا مشيـنا .


***

لقد تأخرا ولم يذهبـا إلى الكبينة،
ما الذي أخرهما إلـى هذا الـوقت .. رُبـما أراد آلـن أن يُراضيني ويأخذني معهما ..
عليّ ان أذهـب وأجلسُ بجانب زينب حتى يُراضيني من قريبّ!
نزلت أسـفـل باحثـة عنهمـا .. لم أرَ أحداً مـنهم من الظهيـرة،

ندهتُ بصوتي كأحد الواجبات حتى أن كانا يتحدثانِ بحديثٍ خاصٍ يُغلقاه قبل مجيئـي : زينـب .. أم عـلاوي!

أتاني صوتها من قريب : تعالي ماما،
احنا هنـانا ..

لقد علمت مصدر الصـوت الذي أتـاني من الصالة المُغلقة،
فقد بدأ أكـتوبر وبدأ يبرد الجو ليلاً، برودة تتنافـى مع الجلوس خـارجاً تحت الأشـجار : السـلامّ عليكم ..

تحدث أولا آلـن : وعليـكم السـلام ، حي الله الخانـومّ !

الآن سيراضيني .. أعلـم نظراته وما تحوي!
رُبـما أستصعب رضائي في وجود عمـته وصادقّ، علي أن أصبر قليلاً حـتى يتحدث بذلكَ..

تحدثت زينـب: اش رايديـن عشـاء؟

صادق مازحاً : امّ عـلاوي اش هالرضـاء دتشاوريـنا !

ابتسمت: ولك مصخم،
فد مرة كليت شي ما عاجبكّ، حـتى أكلنا صار على مزاجـك ومشتهاك !

هل هذه دلالة على علم زينب بذهابي معهما وتلمح أنها هي من ستعمل العـشاء؟
عليّ ان أصـبر حـتى يتحدث آلـن!
لو طلب رضاي لن أتردد، فذهابي للكابينة عربون رضاء دائمّ ..

تحدث وأنا أسمـع لحديثه كلمة تلـو كلمة: يالله عميمة ، دتوصينا بشي !

تحدثت زينب : روح الله يسهل طريقكمّ،
بس هاا ماما انتبهوا من الطريج ورجـعوا بدري ، ما ضل وكت على العشـاء ..

لقد خرجا ..
لقد تركاني وحدي!
لم يطلب رضـاي كعادته، لم يلقِ لي بالاً ، لم ينظر إلـي !
حتى صادق لم يتحدث معي بشيء، لما؟
وأنا أتيت من أجل أن يكسبا رضاي ويأخذني معهّما!
لقد خُذلتي يـا مَهـتاب للمرة الثانية،
خذلكِ أخـوكِ أولاً .. ثمّ أبناء زينبّ ..

تحدث زينب التي شعرتُ للتو "لصفنتي" كما تقول : اشبيج حبابـة؟

ماذا أقول لكِ؟
أتيـت أُكسبهم رضائي وخرجـا دون أن يطلبـاه ؟
أم أقـول لكِ عن خيبتي بالذهاب معهما ..
لا تعلمي معنى أن يكون أباكِ مجهول الحـالِ بالنسبةِ لك..
وهو من عصا الجميع وجعلكِ تذهبي وحدك!
هو من علّمت يداه على خدِ أخي خالد أثر كفٍ جازاهُ به لأنه رفع صوته علي!
هو من أرغم أخوتي الأربعة على المثـول لأمرٍ سلكتهُ ولم يقتنع به إلا أبـي ..
كفاني كذباً .. لم يقتنع ولكنه لم يعصِ أمـري،
وكأنني أنا من وهبني الله رضـاء الأبناء !
لقد وهبني الله في ما مضـى رضـاء والديّ .. فقد كان يشحذا رضائي!
لا يخالفا قراري أبـداً .. وكيف يخالفاه وكان أبـي شيخٌ لعشيرتنا في الاهواز وتخلى عن مشيخته وعن بيته العامر حتى يذهب إلـى طهرانِ غريـباً ،
لا يستسيغه الجميع بحكم عربيته المريـرة!
لقد تحامل على بقاءه غريبـاً من أجلـي ، بعدمـا كانت أبواب بيته لا تغلق من كثـرة الضيوف!
كُل هذا جازيته بالهرب من السـجن وعدم اكتراثي بأمره!
ظاهراً لكم وله عدم اكتراثي .. ولكنني والله أحترق في اليوم ألف مرة بسبب مصيره المجهـول لدي !
لو طلب ابائي رضـاي لن يطلب أبن ابيه رضائي!
لقد خاب أملـي وخـابت اعتقاداتي التي ظننت بها ان الرضـاء واجباً على الجميع كما قُلب الحال واصبح اهلي يبحثون عن الرضـاء اللي اشح عليهم به،
لن يطلبهُ آلن ولو تكرمت عليه به!
لقد أصبحتِ مسخرةً يا مَهـتاب ..
ضحكت من روحكِ جوارحك!
هل هذا يستحـق دمعةً بللت وجنتيك ..

سمعتُ صوت زينب من جديد : ماما اشبييج ، والله وقعتي قلبـي ..

وقفتُ : ما بيه اشي .. بس اشتاقيت لأهـلي..


لا تتعبنا الأصوات الداخلية التي تستصرخ بـنا،
بل يعتبنا صدى هذه الأصوات أن خرجت !


***

من أمـام الكبينة التي تتوسط شقـلاوة!

أسمـع تلك المكالمة التي بدأها آلن: شكو ماكو ؟

تحدث مُحمد: كُلش مثل ما تريـد..

أردف الآخـر : للحيـن القسيس يمّك؟

تحدث مُحمد الذي أسمـع صوته بسبب التذبذبات التي تصلني بسبب ميـلان السمّاعةِ بيننا : الحمدلله كُلش تمـام ..

لقد علمت انها "تصريفه" وأن القسيس لم يزل بجانبه ،

تحدث آلـن مودعـاً : متى تجي؟

ابدأ الآخـر استياءه من أسئلة آلن التي ليست في محلها ولا وقتـها، لابُد ان القسيسَ يسترق السـمع! : اشبييك صاير طـرن – ثم همس- عقب باجـر .

بالكاد سمعنا صوته!

استياءه لم يقف على ذلك، فقد أغلق الخـط فور انتهاءه، وسط انزعاج آلـن من شكّنا في "قسيسه" : تره القسيس حبّاب اش بيكم انته وصاحبك؟

لن نراه كما تراه!
تراه الشـيخ الوقور الصالح، ونراه رجـلاً مهما أمنّا له سيحابي الجُند أكثـر مننا ..
لا تقُل لي دع عنك العُنصرية،
عليـك ان تعلم لو لم يخبره مُحمد انه من طرفك لم يقمّ بفعل كُل هذا ..

تحدثت إليـه مُجيباً : يمكن الحـرب افقدتنا الثقة !

استاء هو الآخر أيـضاً : شكو ؟
باوع خـالي ، كلهمّ يغدرون إلا القسيس ما يغـدر .

أجبـته وأنا أراه ينحاز لهُ : طيب ليش خبّيت على أمام المسـجد أمرك وطلبت منه تروح القسـيس؟ ليش ما بقيت يمّه وهو يوصلك لشـقلاوة؟

تحدث بصدقه الذي لا يعرف المجاملة كما اداري خاطره أغلب وقـتي : وانا اش عرفنيّ بيه؟
كل من لَبس لبس الدين مشكوك بأمره!

لقد افار الدمـاء في رأسـي .. يستوجب علينا الثقة بشيخه، بينما شيخنا أصبح احتمالية ارهابه اكثر من اسلامه : يُبه علمود هيج ما وثقـنا بقسيسك!

بدأنا نتلاسـن أمام الكبينة بسبب العُنصرية: ما باوعت بعُمري مسيحي إرهابي.

تحدث وأنا أتقن البرود الذي تلبس آلن : والإميركان شـنو ؟

لقد أجاب بصدقه: بس احـنا ما نستخدم المسيحية بالإرهـاب !
فد مرة باوعت مسيحي قبل يفجّر يقول يا عذراء ؟
فد مرة باوعت مسيـحي يقتل وهو رافع صليبه ؟
فد مرة باوعت مسيحي يـسافر لروسيـا ودول المسيحيين علمود يقتل المسلمين بيـها ..


لقد صدقت!
لا يوجد أحدٍ جعل من دينه إرهاباً إلا نحـنّ!
حتى اليـهود جعلوا من كـلابهم صهاينة وليس يهـود..
فقد نحنُ من احتمى شرذمتنا بالديـن، جعلـوا ديننا محط استهزاء وذعراً يسكن الجميـع !
لا ألوم الدول الغربية ان خلعت حجاب المسلمات وهذه اعمال رجالهنّ!
لا ألوم الدول الغربية ان حولت المساجد إلـى كنائسٍ ومتاحف..
لا ألوم أحدٍ ..
بل ألـوم انفسنا عندما تفرقنا بين سُنةٍ وشيعة متناسين من ينسب ديننا إليه ليواري سوءته ارهابه !

***


عُدنـا وانـا لم ازل ألوم نفسـي علـى ما حادثت صادق بهّ،
لن يضرني صمتي وسط شكوكه بالقسيـس، أغضبت صاحبـي وجرحته بدينه!
أعلم انني مُحقٍ بما قلت ولكن يتحتم علي أن اجعل رائي لنفسي ولا أفصح به،
يكفينا من النزاع ما حدث،
ويكفينا من الطائفية ما جرت ..
حتى أقوم انا وأدُمي قلب صـاحبي بدينه!
ما ذنبـه هو؟ هو لم يقتل ، لم يفجر .. لم يسلب، فقد دافع عن دينٍ يعتنقه مثلما أدافع عن ديني ،
ما الذي جعلني احادثه هكذا وأنـا أعلم أن دينه الآن في وحل الفتنة !
دينـه الذي جعلني أبقى بارضه وشرع في احكامه أن لي في الدولة مثل حقهم،
دينهم الذي كُتبَ في صحفه ان الحق حق وأن كان لـغير مُسـلم ..
لا أنـسى سجنِ مُسـلمٍ اعتدى على خـالي .. سجنوه بعدما دفع ديته!
هذه شرائع الدين الذي ينتمي له صادق .. وليس دين الإرهـاب،
اُنسيت ذاك الشعار البالي الذي لا يغني ولا يسمن من جـوع،
تُعلقه الأمم المتحدة على جُدرانها .. "الإرهاب لا دين له ".
لقد صدقت ولأول مرةً تصدق !

حادثت صادق السّاكن بجانبي: أكَول صادق،
اش رايك باجر نطلّع عمـتي من البيتّ.. خطيّة من زمان ما طلعت..

تحدث اللطيف الذي يبدو انه "تناسـى" حديثـي: نروح جبل سفين اش رايك ؟

وافقته الرأي: همّ أبعد عن النـاس علمود ما احد ينتبه عليـنا ..

***


لقد عادا احباب عمتهما بالوقت الذي حددت!
ما الذي سيضرهما لو ذهبتُ معهما ، هل به ضرر على احد؟
لا أجد سببٍ مقنعاً لبقائي هُنا.
لابُد ان اسألهم عن ذلك .. لقد قُهرتُ بأهلـي!
يشفي غليله بتركي خلفه وهو يعلم لهفتي .. وهو يعلم حاجتي إليـهم..
هو لا يشعر بي لأنه يحادث اهله كلما اتى مُحمد، ويجد هذا سببٍ لبقائي هُنـا لان لا احد يحتاج الكبينةَ غيري!
وانتظرت ذهابهم لأجل محمد .. وعندما حان الوقت لم أذهب.
الحقُ عليّ أنا ، لمَ أغضبه بيومٍ كهذا، لمَ أسمح له أن يشفي ما في صدره من غضب بهذه الطريقة!
لقد أوصاه مُحمد ان لا يحادثـني بشيء كحديثنا السـابق ، هذا ما جعله يعاقبني بطريقـة أُخرى!

ذهبتُ إلى زينبّ : وين ولّدج؟

لمحت بي العصبية ، مما جعلها تبتسم: بالصـالة!

ذهبتُ إليـهم وأنا لم أرَ طريقي من دموعٍ تكومت مُغشيـة بصري وبصيرتي،
دلفت البـاب دون أن اطرقـه: لييش ما اخذتوني وياكم؟

تحدث آلـن مبتسماً : على كيفج!
أني كَلت لج الظهر مرةً لُخ ولا أعترضتي .

اللعنة!
أخذ سكوتي رضاء!: قابل اعتراضي ديجيب نتيجة !

ابتسم لاغاضتي : بلكـي.

تحدث صادق: وحياتج لو قلتي لي ان لج خاطر بالروحة ويانا ما تضلين هنانا دقيقة!

لقد جنيتُ على حالي عندما صمتّ ..
خرجتُ بعدما شعرتُ أن دموعي أحرقتني!
لا أريد أن أشعرهم بضعفي .. أعلم انه يأخذني هزواً ويصفني بالصغيرة التي بكت لأنها ضيّعت على نفسـها مكالمة!
ذهبت إلـى المطبخ حيثُ زينب التي تُقطع خُضارٍ تعتبر كماليـات العشـاء !
لا فـائدة منها .

***

دمعهـا لم يكنّ سهلاً حتى ينزله صاحبي بين دقيقةٍ وأخـرى!
دمعـها غاليٍ جداً .. لم أسمح له بعد الآن أنزال دمعها ..
لقد عانت ما كفاها ، وليست أحد شموع المسيحي التي يحركهـا كيفما أراد للعبادة!
ليست صليبه الذي يُبدله بالأخر متى ما ملّ مـنه!
ليست فتاةً عادية حتى يعاملهـا هكـذا ..
لمَ لم أشعـر انها فتاةً محجبة مُحرمٍ عليه لمسـها ومجادلتها كما هو الحال مع ملاذ!
وقفتُ ناهضٍ إلى تلك المسلمة التي لم تعد مسلمةً بيننا ..
لقد سلّمنا أمرها لمسيحيٍ فرض عليها عهدته!
أُولم يشرع ديننا ان لا ولايةً ولا عهدةً لمسلمة بيد مسيحـي ..
نعم سأعاملك يا آلـن كما فرضت علي معاملتـك!
ترانـا إرهابيون وأنت شريف مكةَ بيننا .
كما انحزتُ لقسيسك سأنحاز لمَهتاب ..
وقفتُ مشتتاً بين رفيقي وبين عدوته التي تعتبر أختي من الديـن..

نظر إلـي ذاك الرفيق الذي مهما فكرت أن أقسـو عليه أعود من جديد إلى محاباته والوقوع فـي شراك ابتسامته الباهتة : وين رايـح ؟

حادثـته وكأنني لم أحادث نفسي منذُ قليل عن معاقبته ومعاملته بمثل ما يعاملـني : دشـوف مَهـتاب خطيّة!

تمدد على الكنبـة التي يستقل واضعاً ذراعه على عينيه : لا تتأخـر .

***


أراها تدخل المطبخ مواريتني دمعها ، لا أريد أحراجها والسؤال لما كل هذا البكـا ؟
لستُ غشيمة حتى لا اعلم ما سببه، لقد أتت من آلـن ..
لقد أبكاها كما أبـكاني أبيه سـابقـاً ، يا ليتُ أمرٍ يُكنّ في الصدورِ يُكشف!
ليت قلوبنا التي أصبحت مِلك النصـارى تعود لدينها بعد رِدة..
ليت الهـوى ينصاع لنـا ونُعيد قلوبنا إلى مكانها الصحيـح
أعلم العشـق.. وأعلـم ان ما بكِ عشقه هو،
لقد جنينـا على نفسنا يا أختُ يـامن !
لم يعد يهمني حالكِ وأنتي هُنا أمامه ، بل كل الخُوف عليكِ لو عُدتي إلـى بلادك تاركه قلبك متوجعاً من قبضة محبوبه!
انتي ستتركين قلبكِ هُـنا وتختارين البُعـد .. هذا أهون بكثيرٍ على من ترك دياره وأخذ قلبي معه!

هل أخبرك أن قلبـي أصبـح يتمتع بالهـواء البلجيكي ،
هل علمتي أن قلبـي البـغدادي عشق بغداده من أجل سيّد بغداد ،
فلم يجد سبباً لبقائه أسـير بغداد، ثمّ أرتحل مع آسره إلى بلجيكا ..

نظرتُ إليـها وهي مُسندة ظهرها على الجدار مُغلقة عينيها تاركة لدموعها حُرية الانسيـاب : ماما مَهـتاب ما عليج بيـه،
وحيـاتج باجر لتروحي للكبينة وهمّ غصبٍ عنه،
وكَولي عميمة زينب ما كَـالت ..

رأيت طيف ابتسامةً اكتسحت ملامحها رغماً عنها : تسلم لي زيـنب ..

لا زالت على وضـعها حتى دخـل صادق، فإذا بها تتعدل في وقفتها مُمسحة دموعها : حيـاك خويّه!

رأيت تأملات صادق المكسورة لها ، وكأنه يقول لها "ما حيلة المأسور للمأسورِ".
أعلمّ ان ابن أخـي لا يُغضب صاحبه ، كما انه لا يُريد أن تنكسر هذه المَهتاب التي كُسر اعتزازها
بنفسـها منذُ ان دخلت هذا البيـت: واللي خلقج دتروحيـن وياي وهسّـه..

ابتسمت تلك الكسيرة : أروحن لك فدوة!
خليـها بـاجر هسّـه ليل ما تدري شالمخبيه لنـا .

تحدثتُ بعدما رأيت مزاجهـا افضلُ من سـابقه : ماما مَهـتاب باعي كيسة السُكر الجبيرة افتحيها وحطي بالـشاي.

استغربت الأخرى طلبي: شاي مع العشـاء ؟

ابتسمت مُجيبتها : هاي أوامر ألّون!

أرى اشمئزازها من أسـمه وتحركها البطيء إلى المخـزن حتى تجلب السُكر،
ومـا ان بان لصـادق حجم الكيس الذي ستحمل حتى صرخ بها : لحظة،
أنـي اجيبها لج .

توقفت مُنتظرة مجيئه لها ، وما أن توسطت المطبخ حتى جلبت مَهتاب السّكين الكبـير مما جعلني أضحك : لشو هاي ؟

تحدث وكأنها بدأت تنسى ما أهمها منذُ قلـيل: علمود تنفتح بسرعة ..

أمسـك صادق طرف الكيس منتظرها حتى تقطعهُ ، أكملت تقطيعـي للفـواكه وما رفعت رأسي إلا على صرخـتها وحديثُ صادق المتألم : لج ، لج !

لقد ذرفت دمعتيها وهي تُمسك بيده التي رأيت من بعيد جرحها الغائر،
يبدو ان السكينة الكبيرة دخلت في يده!

تُمسك يده وتُدخلها وسط الماء، ثم ندهتُ عليـها : عوفيه وجيبي لي من فوكَ ضـماد .

تحدثت باكية : عميمة جرحه مو مال ضمـاد .. عودّ "كبير".

وقفتُ وانا أشعـر ان روحي ذوت إلى أخمص قدميّ، لقد غضبتُ!
كيف تجرح وحيدي وتبكي على جراحه : روحي بسرعة وجيبي لي أبره وخيط وهمين ضمـاد .

ركضـت مُسـرعة، بينما أنا ذهبتُ إلى ابن أخـي الذي نزفّ من الدمّ ما جعل وجهه يصفرّ قليـلاً : عميمة ،
حرام عليج حاجيها زين ، هي مو مال هيج حجي!
يكفيـها ما جاها من آلـن ..

سحبتُه مُخرجته إلى الجلسة الجانبية، قدَمت مَهـتاب بما طلبت، وسط خروج آلـن الذي سـمع صُراخي منذُ قلـيل : اشبيكم ؟
شـنو هالدمّ ؟

لم أجيبه وأنا أنظمُ الإبـرة بخـيطها ، ولم يردُ صادق الذي أعاد رأسه للخلف مُستنداً على الكنبة مُسلمني أمره ..

بينما ردت عليه تلك الشـقية : أني جرحت أيده !

***


رفعتُ يدي التي جعلتها حاجزاً بيني وبين الضوء بعدما سمـعتُ صوت زينب العالي ، رغمّ انني لم أفهم من حديثهـا شيء!
خرجتُ وأنـا ارها تقتادُ صادق وتُجلسـه وهي تضع يدها فوق يده اليُمـنى المُغطية كفّه الأيـسر : اشبييكم؟
شنو هالدمّ

لم أجد إجابة إلا من تلك التي للـتو جلست : أني جرحت أيـده !

كفاكِ عبثٍ بـنا يا مَهـتاب .. ماذا لو كانت عمـتي لا تمتهن الطب،
هل سأطببه في مستشفيـات تخضع سجلاتها لأميـركا ؟
أو أترك صاحـبي ينزف دمـه حتى ينشف!

سحبتها مع يـدها : انتي ما تتوبين ؟
ما كفاج اللي جانا من وراج ؟ كلنا مطلوبين من وره راسـج !
اش رايده بيـنا !

تركتها على صوت زينب الحازم وهي مُخفضة رأسها لكفّ ابن أخيـها الذي ينظر إلـى دخول الخيط وخروجه بصمتّ : آلـن!

ماذا تُريدين وانتي تجرحيـن قلبي ، وتعودين تجرحين صاحبي!
ما الذي ستعمليـن في قادمّ الأيـام ؟
ابتدأتي بجرح كفّه وغداً ستقطعي رأسه..
ألم تكفيكِ تلك الجراح التي تضخمّ بسببها قلبي؟
قلبي الذي شابّت أوردته مما فعلتي بـه،
الوريد العجوز لا يستطيع ضخ الدمّ إلا أمامك، لقد أوجعـني هذا النبض الـسريع الذي يتدفق دمٍ يُحيي قلبي من عدمّ.. تجاوز سُرعة اقتحامك لحياتي وقلبها رأساً على عـقب ..
كفاكِ عبثاً ولهواً.

جلستُ بجانب صادق بعـدما انتهت زينب من جرحه الذي ضمّدت : يعـورك ؟

تحدث : لا ..
عليك الله يا أبـو آدم لا تحاجيـها هيـج .. خطيّة!

صمتُ على مضضٍ وسط وقفة صادق المتخبـطة غاسـلاً أثـر الدم الذي علق بيـده، أسرعتُ إليـه أسانده حتـى يعود إلـى مكـانه ..
ذهبتُ إلـى المطبخ حيثُ عادت الحياة كما كانت، تتجول في المطبخ وتبتسم في وجـه عمتي سألتها عن قدرتها على خياطة جرحه !
وتجيب الأخرى انها مُمرضة سابقة..
نسيَ خلفهـا جريحٍ تحامل على نفـسه الخياطة بلا مُـخدر، ثم تحامل على نفسـه وراعى مشاعر جارحتـه، لم يغضب ، لم يعبر عن ردة فعلٍ طبيعية !
أن صمـت صادق ما الذي يجعلـني أتحدث!

رأيتـها تتقدم لي بعصيـر ليمون: انطيه صادق.

ليس لها عينٍ حتى تواجهه!
كيف لها أن تحادث عمته التي بان على وجهها القلق وآثار الدموع لم تزل على وجهها ،
ان فقدت صادق لن تنفعها هذه الإيرانية التي لابُد ان تعود إلى أهلها طال الزمن أو قـصر !
أخذتُ العصـير منـها ذاهبـاً إلى صاحـبي ،
لولا إمساكها بعضدي موفقتني بعدمـا خرجت من المطـبخ ثم همست: آسـفة ما كنت اقصد!

***


شحوبٍ يسكن وجهه!
وكأنه هو من جُرحت يده، أراه يتصدد حتى لا يرى وجه عمـته الباكي، قدّمت إليه العصـير طالبة منه تقديمـه لصـاحبه!
قتلت القتـيل ومشيت بجنازته ، هذا ما تفكر به يا آلن، ليتك أفرغت بي غضبك ولم أبقَ هكذا دون مُعاتبّ!
حتى زينب لم تغضب منـي وتكف دمعها وتُجيبني على اسئلتي السخيـفة !
صادق همس لك بكلمة أوقفت غضـبك ..
أعلم أنني جرحتكم جميـعاً،
لحقتُ بـه بعدمـا خرج مُمسكة به: آسـفة، ما كنت أقصد
أفلت يدي من عضده ثم وضع ما في يده على الطاولة التي بقرب صادق ثم عاد إلـي


انتهى
مخرج الفصل الثالث والعشرون
أأبكيـكَ يا وطني أم أُبكيَ نفسي؟
فما على الأسى غيرَ البكـاءِ دليلا
أواسيكَ بالصبر يا وطني فلا بدَ للفجر
أن ينبثقَ وان كانَ ظلامُ الليلِ طويلا
أواسيكَ بالصبر يا وطني فالله لن يخذل
أرضَ انبيائهِ ولا المؤمنينَ باللهِ وكيلا

×شمعة×



+



صبـاح الخـير ..

أولاً : العزاء كُل العزاء لشعبنا العراقي المكلوم على ما يمر به من أحداث اغتيالات كان أخرها أمس !

ثانيـاً : كُل الشُكر والثناء لله ثم للكاتبة الجميلة اللطيفة "نبـض أفكـاري"،
فقد اغرقتني بجميلها عندما أعلنت لروايـتي في صفحات روايتـها ..
تلك هي الانسانة العظيمة التي تعلم قدر موهبتها وحجمها التي وهبـها الله،
كتبت " القمة تتسع الجميـع " ولا تعلـم انها استاذتـي التي اتعلمّ منـها الكثيـر والكثـير..
شكراً مرةُ أخـرى ... مدينة لكِ بهذا الجميـل .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس