عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 05:36 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



كل العزاء والمواسـاة للشعب الادرني الشـقيق على حادثـة البحر الميـت،
اللهم أرحم من فُقد وأربط على قلبِ من فَقد ..


مدخل الفصل السادس والعـشرون

عانقي يا قدس بغداد ونوحي
واشربي الأحزان من نزف جروحي








جحدت كُل حديثي السـابق وهي تتحدث بصوتٍ يختنق: مـحمد عفية حباب،
بحق الله وحق القُران لا تخليني هـنانا ، خذني ويـاك دخيلك والله لو بقيت هنانا أمـوت دخيـلك.

رجاءها الكـاسر كسـرني ، وكسر تلك الطاولة التي وقـعت أثر وقفة صاحـبي مُلقياً لهيب غضبه على مسامعـها : دا ولي من وجهي كـبل أطيح حظ حظج!
د تروح ديـالى ناقصنا بلاوي هنانا علمود تكمل علينا هناكا !

لا أعلم لما كُل هذا الغضـب والزجاج الذي تناثر أمامـه، بإمكانه أن يعرب عن غضبه بشكل أفضل مما كان عليه!

تحدثت عمتي الـمستمعة منذُ البداية: يمـه مَهـتاب عودي لدارج!

هذا ما قدركِ عليه المولى يا عمـتي؟ أوقفي ذاك عند حده ولا تصبّي مرارة الوجع التي تصهر قلبك بهذه المسـكينة!

شعرتُ بمَهتاب تتشبثُ بذراعي وسط غضبٍ يعتري آلـن: دخيـل الله لا تخليه يضوج عليـه هيج، من حقي أنهزمّ مو بس أروح وياك كم يوم لديـالـىّ.

لقد وجدتـها!
هي قصدت تغيير جـو فقط أو ما يسـمى بالاستجمام، حتى يعقّل الجميـع عقولهم بعيداً عن مشاحنات بائسـة كهذه !

وقفتَ وأنا أنظرُ إلـى آلـن الذي ما زال غاضباً وفي وقفته حافـياً بلا حذاءٍ يحمي قدمه من ذاك الزجاج المنتثر وكأن الأرض خُلقت من زجاج : آلن عليك الله ما تضوج !
هي اش دا تسوي بديـالى؟ كلها تروح ويايه وتكـعد يومين يمّ ملاذ تغيّر جو وترجع!

تحدث وأنا لم أشهده بتلك العصبية التي شنَجت عروق رقبته: والعـذراء انها ما تعتبّ خطوة من هنانا الا وهي محمّلة!

صاحبي أعرفه سيفعلها ، لاشـك!
نظرتُ في صادق طالبـاً منه التدخل بعدما أغلظ الآخر يمينه ، رأيته عاقداً حاجبيه ويمسدُ يده بأصابعه، لقد ضُمدت يده ما خطبـها؟

نظرت إليـه : كَولك كلمة باوع هالمسودن !

تحدث آلـن وهـو يُخرج باكيتـه: مسودن وطـرن همينه ،
بس طلعة لبَسـعاد من هالبيت ما كو ! "طرن = غبي".

صرخت به وهي تنشجُ دموعها وتحرر ذراعـي من قبضتها وكأنها لبوة فقدت قبل قليل احدى نابيها وعادت من جديد تنهشُ بالآخـر: لا تكَول بَسـعاد، أني مَهـتاب.

رمـى باكيته أرضـاً و بسـرعة البرق كان ملاصقـاً لـها مُمسك رقبتها من الخلف: صوتج لا تعليـه يا بت يُوسـف لا تعليييه ، أصيّح عليج باللي أريـد مالج خـصّ!

دفعتُ به مُبعدة عنها: استح على هالـشوارب اللي بوجهـك،
تضرب بنيّة، لا وبـعد محجبة، ولك من الله ما يجـوز!

في هذه الاثنـاء خرجت زينب التي لم تكف عن مناداة آلن الذي لم يستمع لها مما جعلها تُغادر المكان غاضبة!
وسط صمت ابن اخيـها أو تبلده فلم أرَه يُحرك ساكناً ، فقط شرح لي ما حدث وأتكـأ صامتاً .

انحنى الآخـر يسعُل بعدما عاد إلى باكيته واشعل سيجارةً جعلته هكذا منحنيٍ، تقدم إليـه الصامت .. صادق: صحـة أبـو آدم!
ثم ذهب من أمـامـنا آتيٍ بكأس مـاء،

ترتجف التي بجانبي وهي تنظر إليـه: كَوله ما رايحة وياك خلاص!
لا يكَتل روحه علمودي .

رحلت من جانـبي وهي تعاكس صادق سيره الذي قدمَ بكأس المـاء،
مما جعل الآخـر يتقدم إليـه بوجهٍ قانٍ تضجر بلون الدمّ..
أرى سيجارته التي سـببت له سعالٍ ليس بالبسيط ما زالت تتوسط أصابع يمينه!
تقدمتُ وأنـا اقتلعها من بين أصابعه: بسـك زفـت .. دا يمتوك والله !

جُنَ عندنا رآني واقفاً أمامه : ما من حقك تدافع عـنها ، اش لك بروحتها هناكا هاا .

تحدثتُ بموضـوعي السـابق: هالزفـت ما نافعك فاهم،
لو تموت مدا اجيب لك، وخلك على الزفت مال شـقلاوة !

تحدث بعدما تفجّر غضـبـاً: تتمنن عليّ!
الله الغني عنك ما رايـد منك شي ..


***


تواجهـا الاثنين وسط عزوفي عن الحديث بشأن مَـهتاب، فهي لا تستحق أن أغضب أحد صاحبيّ بسببها،
من تكون حتى يخرج محمد إلـى ديـالى غضبانٍ على حديثٍ أمليته ألمٍ بسببها،
من تكون حتى يغضب آلن زيادةٍ على غضبه الذي لا ينتهي!
لقد حدّت من صداقتنا .. ولو تدخلت ثانيـةٍ رُبـما قُطعت العلاقة من أساسـها..
رفعت رأسـي عندما بدأ عراكهم الكلامي .. فزيتُ عندما رأيت آلـن يدفع مُـحمد،
ثم يبدأن هؤلاء الرجـال بعراكٍ دامـي، جثثٍ تقابلت!
كأنك تحكي عن أسـدٍ يهاجم الآخـر بعد رحيل لبوة،
كـأنك تشاهد نسران جارحيـن يتشاجرا على لقمـة عيشٍ اصطاداها سوياً ..
وقفتُ وأنـا أرى آلـن قد تمادى مثل آخـره، لم يبقَ إلا اسالة دماءهم !

وقفت بالمُنتـصف مفرقـاً بينهم: بسكم حركات جـهال انته وياه . .

تحدث مُحـمد وهو يشـتم آلـن: كَول للي كَـدامك يبطل أكـلان الزفت ويعتكَ هالبنـية !

همّ الآخر لضربة وأنا ماسـكاً به: انته شعليييك؟
اش لك بي وبيها، طبـنا مرض اشعليييك.

وما انهى ذاك جُـملته حتى رأيت مُـحمد ماداً يده من خلفي حتى تطال الآخر ضربةً معتبرة: أني اشعليه؟

يبدو ان آلـن للتـو حس بحجم زلة لسـانه، أ يقال لمُحـمد ماذا تريد مننا؟ فلا علاقة لـكّ!
أ نسيت يا آلـن من تحادث؟
مُـحمد من قطع مسافات تُطال الثلاث مائة كيلو بين يومٍ وآخـر حتى يقف ساعةً أمامك يتطمن بها علـى حالك!
ثم يـعوُد مشواره المضنِ في خضم الحواجز التي لا تنتهي ..
جَلـسَ مُحمد وأنا لا أعلم ما الذي جعله هكـذا، شحيح اللون!
بالطبع ان كلمة آلـن لن تأثرُ به.. فقد اعتادا على حديثٍ أكـبر منه، ولكن هُـنالك ما يخفـي.


***


يقـول لي "اشعليك" وهو لا يعلم "اشعليه" !
لا يعلم انني أهون أمر مَهتاب حتى أُهيئ له أمر أبيه،
أعلم أن ابيه أن لم تضعف حـالته .. فقد يكون يُنـازع، لابُد ان أخبـره حتى لا أندم طوال عُمـري!
فأكون سبباً يحد علاقتهم المحتضرة!
لو لم أخبره وتوفيَ أبيه سأحمل نفسي خطيئة غضب والده . . .

تحدثتُ إلي وأنا أراه واقفاً حيث تركته وقد أشعل سيجارةٍ أُخـرى : سلاحي ضاع!

ما الذي فعلت حتى تأتيكَ الخطوبُ خلاف بعضهـا..
ضيـاع سلاحك يوصلك إلى حبـل المشنقة!
ووجود الجاسوسة إن ثبتَت إدانتها أيـضاً يوصلك إلى النفـي ..
وذهـابك إلى بلجيـكا سيجعل من أهلك مطلوبين أيـضاً للأمن البلجيكي.
ما الذي فعلت حتى تجتمع عليـك كل هذه الأمور في يومٍ واحد!

كيـف تُضيّع سلاحٍ نُقشَ عليه اسمك؟ : دورتـه زيـن؟

تحدث وهـو ينفثُ دخانٍ جعل من سقف الصالة غيمةً ضبابية تُضيق النفس: ما خليت مكان بهالبيت إلا ودورت بيه،
الله وكيلك قلبته فوق تحت!

حثثتُ خطاي إلـى أعـلى: أني دروح أدوره.


***


اللعنة!
يقتلُ نفسه بدخانٍ من أجلـي، كيف تجرأ ومدّ يده علي، هذه أول مرة يكون قريباً بهذه الدرجة!
قربهُ مُـرعب، ضوضاءٍ في داخلي تحدث عندما يقترب، حالما يرحل ترتحل وهي تسرق شيئاً مني وتؤتيه إليـه!
تؤتيه قلبٍ مليء بالأسى، قلبٍ تضخمت أوردته من هول ما رأيـت،
قلبٍ يعـشقُ قاتله، وجسدٍ يعشقُ جلّاده!
طُرقَ البـاب وعلمتُ انه الغاضبة التي لم يسأل أحدٍ عن غضبـها، تغضب بل تتفجرُ غضبٍ وتعود أخيراً إلـى من أغضبها حتى ينامُ أول ليله في حضـنها، هذه زينب لم تتغير !
هذه من قوّت بأسُ آلـن وجعلتهُ يتمادى اليوم ويضربني،
لن أسـمحُ له وأن سمحـت له ..

هذه زينب التي هجرتني ليلة أمس والآن عائدة لي بعدما أغضبها ابنها : ماما مَهتاب أني أم عـلاوي.

فتحتُ لها بعدما كسرت ذاك الحاجز بصوتها الحنّون الذي يشابه وجهها الحانّي، تقول انها زينب تظنُ أنها بعيني لا تفوق ابناءها ذنباً وخطيئة: حيـاج زينب.

دخلت وهي تنظرُ إلـى كل شي عداي: ماما ، أني ظلمتج!
مدري ليش صرت متأكدة من براءتج ..

أعلم انكِ تأكدتِ بعد سحر محمد الذي يلقيه على مسامـعك وكأنه تعويذات تحميكِ من هراء آلن الذي لا ينتهي : وليش هي تهمة علمود تدورون براءتي!
تأكدي حبابه لو جنت صدك أساعد إيران بأي معلومة ما راح اندم ولا راح أقصـر!

تغاضت عن كلامي ممتعضة ولو لم توضّح ذلك: ما عليه لا تأخذين بخاطرج والله كـلامهم لعب بمخـي صرت صافنه طول يومي بيه!

تحدثتُ إليـها وأنا أجلس على السرير مُخفية ما يجب اخفاءه إلى أن يحين وقته! : كَـعدي زينب.

جلست وهي تجمع شتاتها الذي شتته بنيها منذُ قليـل، أعلم انه ليس بالهيّـن أن لا يستمع إليـها ابنها .. وهي كانت محور حياته!
أعلم أن آلـن جرح بداخلها شعُور الامومة التي نَمَت بداخلها بسـببه، لم تلحق ان تحنّ إلى علـي .. فحنتَ عليه!
لم يكن الأبن الذي تتمناه كُل أم ، ذاك الأبـن الذي من تنادي اسمه يوقف حياته ولو كان في خضمها ويلتفت لها ..
لم يلتفت لها اليُوم وهي ترجيـه أن يوقف عراكٍ صاخبٍ يشابهه


***


صعدتُ أعلى باحثاً عن قطعة فضـيةً زُينت بالـذهب!
لا أعـلم لما الوزارات تتكلف بسلاحها ولبـاسـها، والشعبُ عن يمينها وشمالها يتضور جوعاً ،
سلاحُ آلـن وحده يُعيـل أسرة على المـدى البعيـد ..
لما كل هذه التكلفة الباهظة التي تجعل السـلاح مُصنّعٍ بدقةٍ عجيبـة تأخذ من وقتُ صانعها أيامٍ بلياليها ومن ثم تحملها سيّارة من مصانعها إلى مقر الوزارة مارةٍ بطريقها أُنـاس تبحث فقط عن ألفي ديـنار تشتري بها خبزاً لجياعٍ خلفتها بالبيت تنتظر منها رغيفٍ ناشف! "الفين دينار عراقي = دولار ونصف امريكي"
دخلتُ غرفة آلـن التي بان على جدرانها الأسـى من هذا الشـابّ الذي بتُ أشك بشبوبيته!
يحمل قلب طفل وعقل شيخٍ ومن بينهما تجيء نزوة المراهقة والشباب وتجعل أحوال صاحبها في الحضيض !
لعدم تمكنه من توافق عقل وقلبٍ يحملهما في جسـده . . .


***


رحل مُـحمد وآثـرت الصمت على حديثٍ مع صـادق!
الذي بدأ يتحاشاني من آخـر حديثٍ تحدثناه في الكبينة، الحقُ علي كيف أحادثهُ بدينه، مع أنني أعلم ان لا أحد سيغير وجه نظره بدين الآخـر ..
لما الحديث المهترئ الذي لا يُجدي نفعاً أن لم يجلب مضـرة!
لقد تضررت تلك الصُحبة العميقة التي تقاسمنا أيامها في فرعنا السـكني ..
وتقاسمـنا حلوها في مقاعد الدراسة ، وتجرعنا مرارتها في حروب العراق اللا منتهية!
ابتدأت بحرب الـ 80 ولم تنته ونحنُ في 2003 ..
ابتدأت الألفية وابتهجت بها البُلدان واشتعلت الأضـواء، ولم تكن بغدادُ عاديةً حتى تفعل مثلهم ..
بل أشعلت ضياءها الأرض وضوت الدُنـا بدمـاء الشهداء التي خلفها تفجير مفخخـة في شوارع المدينة المبتهجة على بقايا أوجاعها.
لم يكتب للـعراق ان تبتهـج!
لم يكتب لنا أن نُنشد أناشيد الوطن ونحنُ لا نعلم ما معنى فقده، لا نُنشد النشيد الوطـني في طابور الصـباح ونحنُ بائسين من خروجنا باكراً ،
بل ننشده ونحن بائسيـن من شُـهداء خلفناهم في المقابـر ونُردد وكأن الأرض لنا "نحنُ أشرقنا ، فيـا شمسُ أغربي".
أي شروق نقـصد ؟ وكيف نتجرأ ان نقول للشـمس تغرب، وهل لنا نورٍ نهتدي به أن غرُبت !
كيف نهتدي ونحنُ نكبّ على وجوهـنا اليأس وروح الثأر التي قُتلت في داخل عربيٍ ثائراً .. يريد أن يتأثر لأخيـه أو أبيـه، فيلقى أمامه قانونٍ يـقول الأرضُ تنعمّ بحربٍ لم يُسبـق ان شهدتها البـشرية، فأن عُمتَ في وحلها لن تخرج إلا قتـيلاً..
تلك أغانينا وما ورثت خلفـها، ليت النشـيد الوطنـي لم يحفر في الأذهـان !
ليتنا لم نردد " يا سرايا البعثِ يا أُسـد العرين "..
أصبحت تلك السـرايا جريمةً نُدان بها، كيف يكون الدائنُ يوماً مـدين،
كيف يقف القانونيين يتهموننا بهذه التُهمة وهم في يوماً ما يتبركون في أثر أقدام الرئيس البعثيّ!
ليتنا لم نغني في يوم ، وحناجرنا بُحت من الصمت لا علو الصوت الذي يصدح من جدران المدارس !
بل غنينا أغانيه والدمعُ يتسربـل كتلك الليلة التي فقد بها كُل واحد عائلـته وفدانٍ من أرضـه..

نظرتُ إلـى صادق وانا أراه يخلـع شاش غطى يساره ليوم ونـصف ليخرج ما تواري خلفه،
جرحٍ عمـيق سيبـقى محفوراً في يـده ما حُيي: تـعورك؟

نظـر إلـي بابتسامته التي بُت أكرهها لكثر مجاملتها وإخفاء وجع صاحبها خلفها: لا، بس ما حبّيت أخليها هيـج!
أحسـها ثقيلة ..

ثُقـل شاشٍ لم تتحمله لا يسـاوي شيء عند ثُقلٍ ملأ قلبـك!
صاحبي وأعرفك مـجروحٍ بمـا فيـه الكفاية، لقد وقعت في وحل الوجع الذي أغرق به من ست سنواتٍ مـاضية ، وهل ستكتفي هذه الجروح ولا تزاورني في سنيني القـادمة؟
أم انها ستقطع صلتها فيني وتبتدأ بـك ..

قطع علينا الصمت الذي اقتحمته بضعة كلماتٍ منذُ قلـيل دخول مُحـمد الذي رمـى بجسـده بجانبي بعدما تجنب شظايـا الزجاج المتناثرة: انته متأكد انه هـنانا .

علمتُ انه يقصد المُسدس المفقـود: كبلك دورت ليـن داخ راسي .. ما لاكيـه!

تحدث وأنا أعلم انه يتحدث بما يدور بباله خوفاً منه : ان شاء الله نلاكيـه هنانا .. أهم شي ما يكون برات البيت.

تحدثت وأنا أتأمل وجهه المقُبل على صدمة: أني خايف أنه برات البيت،
جنت رايح اجيب لي دُخـان ولما رجعت ما لكيـته ، ما ادري أني خذيته ويـاي ولا باكـي هنانا ، ما عدت أجمـع!

بيّنت له ضعفٍ اعتراني، ولأنه مُـحمد ضعفي أمامه قوة، لأنني أعلم أنه لن يتركني هـكذا.

تحدث صـادق: اني أتوقع ما طلع من البيت،
وفرضـاً لو طلع وانسرق، وين اللي سرقه؟ له يوميـن ولا بلغ عليـنا.

احتمالٍ صائب!
ولكن أين ذهب أن لم يكن خارجاً، لقد قلبنا البيت عالياً إلى أسفله ولم نجده، لم نترك مكانٍ إلا وبحثنا عنه.

تحدث مُـحمد : آلـن،
ما تريد تـخابر أهلك؟

تحدثتُ وانا لا زلتُ منشغلاً بموضوعيـن مصيرييـن أهم: ما ناقصني وجع راس!

تكلم مُـحمد مبرراً وملقياً افتراضاته اللا منطقـية: بس ...

قطعت حديثه: خلاص مرة لُخ!


***


مرت يوميـن على العراك الكبـير الذي حدث !
ولم تزل مسبباته على ما كـانت عليه، لم يكشـفوا حقيقتي ولم يجد آلـن سلاحه، كُنت أريدها له "قرصة أذن" كما يقولون بعدما رأيت السـلاح على طاولةٍ تتوسط المزرعة، لو أعطيته لهُ الآن تأكـدوا من خيانتي لهم..
ولو ابقيته معـي .. بقيَ آلـن على أعصابه وبقيَ حاله أشـد !
أراه لم ينم إلا قلـيلاً ثم يصحو فاتحاً بجانبه الراديو على إذاعة طـهران، أن لم يكن يسـتمع لشيء منه ، يفكر بسـلاحـه!
حتى انه ضعـف .. ذبُلت عينيه التي كانت محط إعجابٍ وذعر!
تلك العيـون الذابلة أصبحت أكثـر شيء يقيدني في مكاني المقابل له حتى استرق النظر إليـها، عيُون ذابلـة يسكنُ بها بريقٍ أشبـه بمن "يهلهل" وسط عزاء..
لا أعلم لما ذاك البـريق الهائل الجاذب بعينين يئست من الحيـاة وتحمل سوادٍ لو وُزعَ على كل بياضٍ في العالم لملأه سوادٍ ولم ينتهي!

حادثتُ زينب التي استقل معها جلستنا في تلك الصالة التي تعاركنا بها أمـس: ويـن صادق ؟ مو مبيّن من الصبـح.

زفرت الهمّ ثم قالت: صـادق ما ابني اللي أعرفه، متغيّر عليه، طول الوكَت صافن ولا يعرف صباحه من مسـاه !

لم اتجرأ وأسالها السبب، لأنني أعلم ان احد الأسبابُ أنـا..
لقد طفح الكـيل، الجميـع متـأذين مني بشكل مباشـر وغيـر مُبـاشر!
من يصدق ان صادق الضحوك الفكاهي يبقى شارد الذهـن كصاحبـه، باتت العمة تفتقد بنيـها والسبب أنـا ..
أعلم أن عراكهم بدأ بسببي ولكن لا أعلم على ماذا رست سفينته ، وهل كُنت أنا أيـضاً رُبانها، لم أقصدُ غضباً يجعل منهما قنبلتين موقوتتين تنتظر من يضغط زر تحكمهما وينفجرا ببعـض ..


***


لم استطع ترك صاحبيّ في أرض الشـمالِ حائريّن .. ولن أترك آلـن هكـذا بلا خبراً عن والده، لقد حادثتُ يـنال اليوُم وقال لي أن ياسمين قطعت سفرها عائده إلى بلجيكا بعدما ساءت أخبار ابيها..
هذا يخبرني ان حاله لم تكن مستقرة.. بل وتتردى بين الحيـن وآخر !
يجبّ أن أخبر آلـن، ففاجعة مرض ابيه أهون من فاجعة موته.
سألومُ نفسي ما حييت ان مات ابيه قبل ان اخبره أولاً بمرضه، علـي ان أعـود أدراجيّ إلـى شـقلاوة، ولكن كيف أخبره وهو حائراً بقضية مَهتاب وقضية سلاحـه،
سأجعل هميه ثلاثـة!
لن يذهب إلـى ابيه لو أخبرته، ولن يغيّر شيءٍ في حالته ، لذا عليّ أن اتروى ولا اخبره حتى نـحلّ ما شـغل بال الجميـع أولاً .

قطع عليّ افكاري صوتُ مـلاذ: حمّود، اشبييك من رجعت من شقلاوة وانته صافن!
خوما صايبهم اشي، لو متأذين؟

تحدثتُ اطمئنها وأنا ابحث من يطمن روحي، ليت لي حيلة وأقدر على كشف القـدر وأعلم أن كـان لأبـو ينالُ حياةً أخـرى.. أم يعيشُ الآن أيامه الأخيـرة: لا ما بيهم اشي،
بس أكل هم آلـن .. ما كَدرت أخبره عن ابوه!
خطية متعلق بيه كومه.

تحدثت مـلاذُ والتأثـر قد علّم على ملامحها: أي والله خطيّة،
الله لا يفجعه بيه!

تمتمت خلفها بـ "آميـن" لتلك الدعوات التي تقفز إلـى حُنجرتي وأكبحها وتعود إلـى قلبي حتى لا يعلمُ أحـداً بما حلّ في تلك الأرض!


***


يستمعُ إلـى الإذاعةُ بصمتٍ مُطبّق وكـأنه يفهم ما قيل بـها، تحدثتُ وأنا أعلم انه لن يقبل منّي ذلـك: أبـو آدمّ!
اش رايك نكَطع الشـك باليقين؟

أخفض صوت الإذاعة مُلقياً جسده وعقله حيثُ أنـا: كيف هـاي؟

تحدثتُ: دتروح هسـه لمَهـتاب وتكَولها انك دتخابـر أهلك وإذا لها خاطر تروح ويـاكّ.

لم يفهم صاحبي ما أرنُـو إليـه: طيب؟

أكملت ما ابتدأت به: وإذا هي متخابرة مع إيـران بتعرف أنها انكشفت وما في داعي تخابـر أهلها، لان يكون أول سالفة أهلها فصل من المسرحية،
وإذا صادكَـه ما تصدق متى تروح تخابرهمّ

لم تدخُل هذه الخُدعة رأسـه: لا لا، حتى المتخابـرة تشتاق لأهلـها .
وما أخذ ثانية حتى قـامّ: دنـجرب وش ورانا يا سيد صادق!


***


طرَق الباب، ماذا تُريد زينب وأنا للتـو صعدتُ من جلسـتها؟
فتحتُ الباب، ولكنني لم أجـد زينب، وجدتُ آلـن!

والله انه آلـن، الذي لم يستحِ فقد تمادى في ضربي قبل يومين حتى يأتي اليوم يطرق بابي: اش تريد؟

تعدل في وقفته التي عشـقت تفاصيلها، نعم!
أعشـق تلك الوقفة المائلـة التي تُعطي صاحبـها جبروتاً وعناداً يُشبـه ميلان مأذنة الملوية.. التي باتت حـضارةً وعلماً يحيط سـامراء: له يا بَـسعاد!
هيـج تستقبليـن خطارج! "ضيـوفك".

تغاضيتُ عن اسم بَسعاد الذي كـان سبباً في ضربي: خطـار وأهل بيت كيف تجي هاي؟

ابتسم مُعذبـي فتهاوى قلبي بين قـدميه: ضايجه علينا ؟ ما عوايدج.

لم أرد..
مما جعله يكملُ حديثه وهو ينظرُ أسـفل حيثُ قدميـه مُدخلاً يديه بجيبيّ بنطاله : أني رايد أروح أخابر أهلـي .. واشتهيت لج الروحة وياي دتخابرين أهلج همينه – ثم رفع رأسـه – هاا اش رايج ؟

هل هذا عربوُن رضـاء ؟
لن أرضـى .. فلستُ سلعةً بيـنَ يديك!
ولسـت لعبة تُحركها كيفما شئت: ما رايحـة.

تحدث بعدما وضع يده على حافة الباب عاقداً حاجبيـه: وليش ان شاء الله؟
حتى محمد ما طلبتي تروحيـن وياه!
ما حرام عليج تخابرين أهلج بالشـهر فد مرة؟

الآن عرف الحلال والحرام!
وهو ذهب قبل يومين لمحادثةِ مُـحمد تاركنـي خلفه وهو يعلم مدى شوقي لهم: آغاتي أصحى على حالـك، أني ما لعّابه تنكلها من يمينك لشـمالكّ!
أني مَـهتاب، إذا بخـابر أهلي أخابرهمّ متى ما أريـد ، مو انته تحدد متى أخبرهمّ. "لعّابه = لعبـة"

أغمـض عينيه بفقد صبر، أعلم تحركاته و خلجاتٍ تسكن صدره،
هل تراه غضب من قولي أنني مَهتاب وليس بَسعاده؟
عاد أدراجه بلا حديثٍ ينطقُ بـه!
لقد وضعني في محـل قوة وانتصار قليلاً ما يحدث في حوارٍ بيننا ..


***


ليتني لم أذهب، ليتني لم أسمـع كلامك يا صـادق!
لقد كُنت ممسكاً بخيط براءةٍ أدينك به وأثبت براءتها، الآن ثبتت لي تهمتها .
بلسانها قالت انها لا تريد مهاتفة أهلها، تقولـه وهي ترمي رفضـها إلـى رفضي الدائـم، وكأنني أقدم لها هديةٍ بـلا مقـابل!

وصلتُ إلـى صادق وأنا أرمـي بجسدي بجواره، ويا ليت لي القدرة على رمـيَ أثقال روحي هكـذا : رفـضت تخابرهم!

فُجـع صادق وكأنه قبل قليلٍ ممسكٍ بخيط أملاً بترته بمجيء إليه: ولك كيف ترفض؟
ما هي كل نوب تصيح وتنوح علمود ناخذها ويانا ؟

لقد نَثرت أوجـاعي يا صاحـبي، قيدتني بـها وبدأت تغرس سكاكينها بقلـبي، أكـاد أجزمُ أنها تعلم ما أحمله لها من حبّ .. باتت تعاقبني به!
لم تكنّ هكـذا إلا عندما علمت بذلك: ما أعرف ما أعرف،
رفـضت و .... خلاص!

لا استطيع ان أقول لك أخطأت يا صادق عندما ضننتها بريئة،
لا استطيع ان أقول لك أخطأت يا صادق عندما اعطيتها فرصةٍ أخرى!
بل أخطأت عندما ذهبتُ أحادثـها ..
ليتني لم أسمع خيانتها بلسـانها، ليتني لم أطعك وأذهبُ إليـها.
ان عاديتها فأنا أُعـادي روحي!
وهل علمتَ انسان يسلُ سكينه ويقتل نفسـه بيداه؟
هل علمتَ شخصٍ أرادها و صفعته ديانة وأرضٍ ورئيسٍ فكُبلت يداه؟


***


ذهبَ ويا ليته لم يذهب!
عاد محملاً بالأسـى، تكاد تصرخُ روحه من همٍ لبّسها إياه وتقول له أعتقني،
عاد مُحملاً بخيبة لا مثيلُ لـها،
خيبةُ عـاشق، دعتهُ روحه لإثبات براءة معشوقتها، ثم يأتي هذا المتعجرف ويقول انه ذهب من أجليّ!
كذبتَ يا صاحبي .. فالعشقُ أدلى إليـك بدلوه وشربت منه غُرفـة جعلتك ضـاميٍ كل هذه الأيـام العجـاف.
قبـح اللهَ العشـق فقد يودي بصاحبـي إلى هاويـته . . .


***


أشعـرُ بشتاتي لم يجتمع إلـى الآن!
شتاتي الخارجي وليس الداخلي ، شتات ابنائي الذين لا أعلم إلى أين سترسِ قواربهم على ميـناء السـلام،
أرى بأكبرهم نظرة أبيـه العاشقة عندما تصافح عينيه وجهها، واللهِ بُت أجزم وأحلف انه عاشقٍ !
وكيـف لا يعشق وأبوه أسـتاذ العشق والغرام؟ كيف لا يعشق وأباه من علّقني بالهوى سبعِ سـنوات، ثم بدأت أتحلى بنسيانه وصرتُ أبحث عن بيتٍ يواريني أنا وابن أخـي في أرضِ بغداد ..
وتفاجأت عندما عرض علي رجلٌ كان يساعدني بيتٍ في أفخم احياؤها السكنية وبسعرٍ معقول!
طمعتُ بالبيت فهو يقطن في حيٍ في بدايته عسـكر، هذا عرضٌ مُغري لامرأة وابن اخيها الذي لم يتجاوز الثامنة.
اسرعتُ في إجراءات السـكن، ولا تغرب علي شمسٍ ولا تشرق حتى أدعو لصـاحب البيت بالخيـر والنعيـم .. فقد عرضَ عليّ عرضاً يسمى صفقة العُمر!
نعم صفقة العُمر !
وما ان سكنت البيت حتى اتتني "صفّعة العُمر"،
الآن عرفت لما استأجرت بيتٍ بسعرٍ رمزي في هذا الحـيّ، لقد كان بيت مُعـذبي الذي تركـتهُ منذ زمنٍ لـيس بالبعيـد، هل تجرأت وفعلتها يا آدم ؟
هل كُنت مراقبٍ لتصرفاتي وتحركاتي حتى علمت انني ابحث عن بيتٍ للإيجار ببغداد وعرضتُ علي بيتك ؟
لم أكن أصدق ذلك الجنون وجعلته في قائمة المعجزات!
لم أصدقه إلا عندما رأيت جنون أبنك مـساء أمس عندما افصحت مَهتاب عن رغبتها في الـذهاب إلـى شـقلاوة ..
نفس الجنون ، نفس الغضب .. عندما تحدد مصير حياتنا رغماً عنا .
بُت تعاقبني عليه حتى الآن!
وأخر عقوباته وصيتك التي خلّفت ورا ظهرك ذاهبـاً إلـى بلجيـكا،
أصبحتُ تعاقبني بقرب ابنك يا آدم!
تعلم انني لن استغني عنه وتعلم أيـضاً أنني اتعذبُ بقـربه، سـامحك الله يا آدم.
لقد حلمتُ بك قبل يوميـن ورأيتك تحتـضر وتنازع وتطلب مني أن أحمي آلـن!
أخافني الحلم.. وهرعتُ إلـى أبنك حتى أطمأن عليك ولكنه لم يستجب لي،
المعذرةُ يا آدمّ،
فأنا لا أتجرأ وأفصح لأبنك عن ذاك الحلـمّ، فهو لا يعلم من انت بالنسـبة لي!
ولا يعلم لما الحاحي الذي ادبسـه بظهر الشـوقِ لأمـه التي لا اطيقُ أن يقترن اسمها بك..
فهي ملكتك قلبـي، ولا زالت تملكك وتقاسمك سنين غُربـتك!
بينما انا تركتم برقبتي ابنكم الطائش الذي عذّبني حتى تتسامرا بعـيداً عن طيشـه!

انتهى




مخرج الفصل السادس والعشـرون

- من ذا أصابـك يـا بغـداد بالعيـن
ألـم تكونـي زمانـا قـرة العيـن


- كريم العراقي



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس