عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-19, 06:47 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مـدخل الفصل السـابع والعشـرون ..


قد كنتَ دومـا لبني ادم ٍ دارُ
أمنٍ وسكينـةٍ وظلُ سلام ٍ ظليلا
فأجتباكَ اللهُ بالفراتينِ ألقــاً
يزهوانِ بمجراهمـا عذبينِ سلسبيلا

× شمـعة×





غربت شمس يومـنا وأشرقت أخرى وأنا ما زلتُ أتحسر، لما لم أوافقُ وأذهبُ مـعه؟
ما الذي سيضرني لو وافقت وذهبت أحادثُ أهلي ..
أبي لا أعلم عن أمره شيئـاً من مدةٍ ليس بالقصـيرة، وآخر مكالمةٍ لي سيمُر عليـها الشـهر ، بالطبع ان أمـي قلقة ولا تعلم ما حلّ بي!
بالتأكيد ان الأخبـار تهوّل الأمـر وتخبرها ان الحرب في كل أرجـاء العراق ولن يسلمُ مـنها أحد!
صحيحٍ أنها لا تخلو من الانفجارات ولا تخلو أيـضاً من خطرٍ نواجهه نتيجة خروجنا عن القانون ومطالبة العدالة لنا ،
لقد شعرتُ أنني أنانية!
كيف أُقيّد حياةُ امرأة وابنيها بي، وتُقيّد رغم انها حُرة طليـقـة، وأما عن ابنيها اللذان قيّدت بتهمتي ...
يدانُون والتهمة: مَهـتاب يُوسف!
لقد أصبحت تهمة تتداولها اميركا وتخبر بها إيران..
لابُد ان أخرج زينب من شراكِ المطاردة التي دُبسـت بظهرها وبقيت هُـنا ترعانا، ومن أجل من؟
هل هو من أجل صادق ابن أخيـها ؟ أو من أجل آلـن الذي لا تربطه بها صلة قرابة ولا رابطٍ دينيٍ!
أو من أجلي!!
وهذا يزيد تأنيبَ ضميـري ويزيد انانيتي، بالطبع انه من أجلي، وإلا بقيت في بيتها أو بيت محـمّد وبقيَ ولديها مطاردين يتنقلون من بلدٍ إلـى آخر كحال المطاردين العراقيين..
ولكنني جعلت مطاردتهم تضجُ رفاهية وهم يسكنون بيتاً ريفيـاً من أجلـي!

أتت من أجليتها من بغداد إلى شـقلاوة: اشبيج صافنه ؟ ما كفاني هالمسودنين علمود تكملين عليه!

ما بالي اليُوم أنظر إليـها شفقةً لحالٍ أوصلتها إليـه: ما بيه.

جلست مقابلي : متضوجه لانج ما رحتي وياه؟
كلت له يأخذج بس كَال ما تريد!

كأنها قالت " اسكبي دمعـك" ، وما صدقتُ قولها حتى سُكب كل ما جمعته منذُ ثلاثة ليالٍ .. عندما اتهموني بالخيـانـة.
رأيـتها تهوّن عليّ وتشد بعضدي!


***


وحدها تتقاسم الوجع بينها وبين روحهـا، تنزوي في مجلسي ذابلةً كأنها ورقة خريف تمسكت بجذع النخلة خوفاً من هطول المطر!
قدمتُ إليـها اسألها عن ذاك الهمّ الذي اعتراها، اختصرت قولها بكلمة " مابيه"..
بل بك ما لم تتجرعهُ أنثى غيرك، بك هم الغربة ووحشـة الدار، وخيانة لبسكِ إياها أبني وجحدها مُـحمد!
بك يا فتاة الأربعة والعشـرون همومٍ لا تحملها مناكب ذات الستين عاماً ..
بكتّ الغريبة!
هل تبكي غربتها الموحشة ولا تفصلها عن ديارها إلا بضع كيلوات لا تتجاوز حتى المائة!
هل تبكي سوط آلـن الذي لا يكف عن معاقبتها ، أتسال ان شرع لها عقابٍ جديداً ماذا سـتفعل !
تمنيتُ ذهابهـا حتى تثبت براءتها فقد أخبرني صادق ان بقاءها يعني خيانتها ..
لا يعلم أي جرحٍ يسكن قلب الفتاه حتى يجعلها لا تقبل من جلادها أي أمرٍ ولو كان اسعادهـا ..
أن عزت الفتاهُ عن أمراً ، لا تستطيع العودة إليـه وان كان به نجاتها وحياتها،
لقد ساموها على أهلها كـما تظن!
لا تعلم نيته الخفية التي بتَّ بها أمرها ان كانت خائنة أو لا ..

مسحتُ على رأسـها: خلاص كافيّ،
ما يسوى هالدمع، عيني انـتي حبّابة كافي.

وقفتَ وهي تمسـح دمـعها بعنفٍ وكأنها تعاقبـه على نزوله، أكملت مسيرها إلـى أعلى حيثُ تطلق العنان لدمعها بلا مُراقب ، وبـلا لحوحٍ يطلبها كفّ الدمع!


***


تهتَ بشوارع شـقلاوة بـلا دليل!
أوهمتها هي وعمتي بالذهاب لمحادثة أهلي.. إلا أنني لا أستطيع ذلكّ، هناك مانعاً قويمّ يردني عن إقدامي على هذا الأمر.
لا أعلم لما والشوق قد اضناني، وجعلني ثمّة تائهٍ يتطلع لدروب الحيـاة من خلال أرقـامٍ كثيرة تكونت فأصبحت رقماً بلجيكياً ..
لقد تاقت روحي أن اتصل بوالدتي برقمٍ يبدأ بـ 007
لقد أصبحت هذه أمنية، رقماً محليـاً أتصل من خلاله بأمي .. أعلى طموحاتي!
هل تُرى بيننا لُقـياء بعد كل هـذا العُمر ؟
هل تُرى سيجمعنا بلدٍ نتداول رقمه المحلي باتصالاتنا ؟
هذا لـن يكون إلا بعودتهم إلى بغداد، لن أذهب هُنـاك إلى من صُبغ شعري بالبياض بسببها، أعلم انها امـيّ ويا ليتها تعلم ان ابنـها شابّ وشاخ وهو لم يتجاوز منتصف الثلاثين التي تعتبر سنّ الشباب!
عن أي شبابٍ أتحدث؟
عن الرحيـل الموجع الذي شهدتهَ؟ أو عن تلك الاتصالات الدائمة في سنة رحيلهم الأولـى، لا تخلو تلك الاتصالات التي كانت على مدار السـاعة من طلب أمي لمعاملاتٍ لأحد بينها نسيتها في وزارة، وعن استقالةٍ لم توقعها في وزارةٍ أخـرى!
وعن ورقةٍ نسيتها وطلبت مني قراءة ما دُونَ بها حتى تنقله على ورقةٍ بين يديـها، كل هذه الأمور الكثيـرة حدثت ، ولكن لن يحدث بعد انتهاؤها أي اتصالاً عادياً.
تتصل علي مـن أجل معاقبتي على أمرٍ اقترفاه أبناؤها وغضبت من اجلـه ولم تجد إلا آلـن المغضوب عليه حتى تُفرّغ نيـران غضبـها بقلبه!
لا تعلم كم انكـوى قلبه من الهجران المُميت السـاحـق، بلا إنـذارٍ أتى!
لقد كان يضع أحماله الوظيفية في حجرها حتى عرفت معـنى كُل كلمةً كُتبت في أوراقـه!
وأصبـح يتوسد فخذها حتى يـنام وهي تُكمل عنه تدوين ما غفى عنه..
ثم في يومٍ وليلة تُعلن الرحيـل مع ابناءها وزوجها تاركته خلفـها بلا حجرٍ يتوسده ولا أمٍ تدون له ما تعاجز عنه !
هـكذا غرّبتنا الأيامُ يا مريم.. ست سنواتٍ وأنتي ما زلتِ صامـدة، أعلم انكِ لن تتناسيني، فهـل تنسـى الأمُ مُدللها ؟
ولكن سيأتي الأيـام وتخبرك من فقدتي، تعلميـن انه مطلوب ومطارد ولم تكلفي نفسـك باتصالٍ على مُـحمد يخبرك بحالي!
وهل تخبرك زُمـرد باتصالاتي الشحيحة؟ أم كُنتِ كتلك الياسـمين التي جحدت ما كان بيننا وقالت بحرفٍ واحد " لا أريـد محادثته"!
لقد قُلت لزمرد ان لا تطلبُ ذاك الهاتفُ باتصالٍ لأنه يعود لُمحمد ، ربما هذا سبب عزوفهم عن سؤالاً يُسكّن روحي بعد ألمٍ أحاط بـها،

لقد وقعّ صوتاً أوقفتُ بسببه عجلات سيارتي، وأخفضتُ رأسي أسـفل!
كنتُ يوميـاً أسمع ذاك الصوت في بغداد، لقد افتقده من شهرٍ وأكـثر!
أنه صوت انفجارٍ مدوّي، انفجـارٍ أرى معالمه البعـيدة، أرى غبرته التي تلونت بالسـواد وكأنها تواري عن الأمـهات دمـاء ابناءهم التي سيّلت الشوارع ماءٍ..
سوادٍ يتكون تحته لهيب ألسنة النار التي أن لم تحرق الـجميـع أحرقت قلوب أهلهم شظاياها التي استقرت في الأجسـاد وخلفت خلفها حرقة قلبٍ ونوح وجع!


***


كفاني دمعاً وكفاني لـوماً ، أنا من جنـى على حاله بحاله!
لما لم أذهبُ مـعه؟
ما الذي دغدغ مشاعري وجعلني أتحدث بروح الكرامة التي هُدرت بهذا البيت!
سأنتظرُ عودة مُحمد الغائب منذ يومين وأذهب معه، لن أتوسل لصاحبيه اللذانِ يتراقـصا على جراحي!
نزلتُ أسـفل باحثةً عن صادق، لقد تاقت روحي لحديثٍ معه ذاك الأرعن الشبيه بصاحبه، واجهتُ زينب التي رحلتُ عنها قبل ساعة باكيةً: وين صـادق؟

ابتسمت وهي تحتضن كُراتٍ من الصوف مُمسكة بسنارتهما بادئة خياطتها التي شكت لمُحمد سوء حال وصلت إليـه، وأتى بهنّ حتى تتسلى قليلاً: تلاكَيـه برا، جايب لي بزّونة من ساعة من الشـارع.. تلاكَيـه يأكلها . "بزونة = قطة"

لن يسليني شيءٍ غير هذا الحيـوان الأليـف الذي سخّره الله لي، حتمـاً سيسليني ويُنسيني أيام بحثي السابقة عن أنيسٍ في غُربتي!
ذهبتُ مسرعة وكأنني سأقابل أهلاً وليست مجرد قطةٍ تائهة ووجدت ضالتها بين يدي صادق!
رأيت ابتسامته الحنونة التي فقدتُ منذ بضعة أيام تتلقفني، لن أجازيه صداً فربما أكسبُ وده، وينتصر لي بدلاً من محمد الغائب الذي علمت من العمة انه تأخر عن موعده المُقرر له نُصفَ يوم!


***


نظرت إلـى تلك المتهمة التي أثبتت تهمتها اليوُم، تركضُ كأنها طفلة العـاشرة المُكافأة بحيوانٍ ألـيف يؤنسـها . . .
أ لها الحد أوصلناكِ يا مَهتاب؟
لم نكتفي بالعتاب حتى جعلناكِ شفافةً رقيقة، هشةً بكاءة في وجود صاحبي الذي لا يفتأ عن معاقبتها بكلامه اللاذع !
لقد جرح اسلامها قبل يومين عندما تطاولت يده عليها، لقد جرح اسلامنا جميعاً..
لا أحد يحادثه بدينه وأن حادثناه بديننا اشمئز منه ووصفه بالإرهابي ولا يحترم حُرمة مُعتنقاته!

تحدثتّ قائلة: وين البزونة؟

ابتسمت لها : ومن كَالج عدّي بزونة؟

تحدثت وسط نرفزتها: اووهو عليـنا !
عمـتي تكَول عدك ، والله لهف قلبي على ما أشوفها، من زمان عن الحياة الطبيعية هاي!

لقد ظلمناكِ كثيـراً، فالعُذر لا يُقـبل لنا أبداً، لما نسيد على امرأه لا تملك من أمرها شيئاً ؟
وهل ترى السيـادةُ بهذه الطريقة لا تجرح رجولتنا العربية التي سئمنا منها عندما رأينا رئيسـنا التي أبغض بين يدي الاميركان ومختبئ بجحورٍ لا أحد يعلم لها طريقٍ ، و "رجال" العرب تجتمع كغـثاء السيل في جامعة الدول العربية ولم تحرك ساكناً، بل وتتابع الاحداث من بعدٍ وعن كثبٍ كما نتابعها نحن!
لو تحدث أحدٍ منهم بشأن العراق لكـان رجلاً ، تبرت منهم الرجولة وبدأت العروبة تلمَ ما علّمته من مواريـها تنوي الرحـيل!
الرحيلُ لقلب رجلاً لا يعرف من الأعراق إلا عربَ ، لرجلٍ يفتدي عروبته بـدمه، ذاك الدمّ الذي لو جُرحَ لكتب في الشوارع " عربي"..
ليست دماء الحُكام التي بدأت تتقرب يوماً عن يوم إلـى بني صهيـونَ بائعةً خلفـها صدام والعراق أجمـع!
يحقُ لنا كشعب المطالبة بحاكمنا من خلال جامعتهم، ولو كان صدامَ ظالماً هذا لا يعني عدل اميركـا !

سألت العربية التي بدأت تداعب القطـة على مرأى مني وهي ليست بالبعيد أيـضاً : مَـهتاب؟
تضنين العرب بتسكت هيج، وتخلينا صيدة سهلة بأيد أميـركا ؟

تحدثت بعدما أطلقت القطة التي انتهزت الفُرصـة وأخذت تتجول في الأرجـاء: كَبلها باعوا الأهواز ما تريد يبيعون العراق؟

جرحكِ أعمق يا يعربيةّ، جرحكِ أسـمـى، أن ضعفتُ العراق فهويتها لن تتغير بينما أرضكِ تحاك لها المؤامرات حتى تعترف بفارسيتـها "الوهمية" ..
تحدثتُ وكأنني أطبب عليها : معـليه!
بتعود عربية غصبٍ عن اللي ما يرضى .. كل شي بيعـود لأصلـه ، كل شيّ!

كُل شيءٍ سيعُود، لا نشغلُ بالاً ولا نتعب قلباً..
حتى أنا سأعودُ لبغدادي، وأنتي ستعودين لإيرانك، طال الزمـن أو قـصر!
فتلك الأمور أقرها الله من قبل !
حـتى نحنُ .. أنا وأنتي ، سنعُود إلى حيثُ خُلقنا سنعُود طيناً كما خلقنا طينٍ ..
ولكن بعد ماذا ؟
بعدما شهدت الأرض لنا دماراً أو إعماراً ثم تعيدنا بجوفها ثانيةً ..

سمعتها تنهض قائلـة: هه .. صاحبك إجـا ..

رحلت قبل قدومه!
هذا أفضلُ بكثير ، فوجودهما سويةً هُنا سيزيد النار لهباً ويزيد القلوب حرقةً!
أعلم ان قلبيهما جميعاً محترقا على الآخر، أعلم الحُب واعلم تفاصيله، فقد عشتُ حبّاً منذ أسبـوعاً .. حباً عظيمـاً طاهراً لا يشوبه حديثاً مائلاً ولا حديثاً غليظاً كما هو بين مَهتاب وآلن!
ولا يشـوبه أيضاُ تطاولات وتجريحٍ ببعض..
ذاك هو الحبّ السامي الذي لا يجب ان يُدنس بأمور كهذه!

كتلك الأمور التي يرتكبها من تحدث: مسـاء الخـير.

رددتُ تحيته وأنا أرى وجههُ مكفهراً بشكل أشـد من سابقه الذي خرج به قبل سـاعتين: مـساء النور،
خابرت أهلك؟

أتكئ على جذع الشجـرة وكأنه من سقطت على رأسه أحمالٍ كثيرة لا يستطيع حملها وتوقف سيـره مستريحاً تحت هذا الجذع، ثم يعاود حمل أثقاله مُكملاً سيره في الدُنـيا الشقيّة : لا .

تسألتُ مُجدداً : لـعد ليش متضوج؟

تحدث بشيءٍ قلب الموازين: التفجيرات وصلت الشـمال، - ثم اردف – وبالأخص شقـلاوة، خرب حظنا لو الأميركان تعمل أحصاء مثل بغداد!

لقد وقعـنا مُجدداً يا صاحبي!
وقعنا ولا أحدٍ هُـنا "يُسمي علينا": إن شاء الله ما بيه إلا الخـير لا تأكل همّ.
تمتم بـ " إن شاء الله" وهو يخفض رأسـه ويجد ما جعلهُ يرفع رأسـه مُبتسـماً : هاي من وين جايـبها ؟

انه يقصد القطة التي سرقت قلب محبوبته قبله: لقيتها كَدام الباب وجبتها هنانا خطيّة جوعانة!

رأيته يرفعها ثم يمسح على ظهرها وابتسامته لم تزل مُعلقة على شفـتيه: صعنونة، - ثم اردف واقفاً- نخليها بالمخزن عن البرد؟

تحدث مُـعارضـة: لا خليها جوه عدنا، لا تروح المخزن . . .
تعرف المخزن متهاوي شـمال ومن تحفر بيدها ينفتح الجدار، خلينا هيج مستورين أحسن وره ما يعرف احد مكان السـلاح، الفلاحين كثيـر!
قنـعَ بما قلتُ له وأخذها داخلاً ثم لحقت به لنُكمل مساءنا البـارد وكأننا في أواسط ديسمبر!

***


أسـمع أبي يأمر بمحمد أن لا يذهب إلى شقلاوة اليوم حتى يـتأكد من وضع أبو ينال الصحـي.
أعقبتُ حديث أبي سائلته: بابا ، ما خابرك ينال؟

تحدث بعدما زفـر وهو يجلسُ: لا والله بابا،
خايف أبوه صاير له شي وأنشـغل، حتى خابرت عليـه ولا ردّ!

تحدث مُـحمد : آلـن دايم يخابر عليـه ولا يرد، - ثم أردف- ليش ما نخلي مـلاذ تخابر أحد خواته، خطوطهم بموبايلي!

اعترضت على ما قال: لا حبيبي فدوة، أني ما اخابرها، عود أسالها عن أبوها لو طلع بيه شي كيف بتكلمني؟
لا عفيـه ما أريد.

وضـع أبي مُـحمد في زاوية ضيقة: خلاص انته خابرهـا.

خروج أمي إلـى جارتنا وضع مُـحمد أمام خيارين أما الاتصال على أخت آلن والاطمئنان على أبيه ، أو البقاء هكـذا حائرين بأمر ابيهم منذُ يومين!

خرج مُـحمد بعدما توعدني بحركةً خفيةً عن أبي، مما جعلنـي اضحكُ شـامتةً ، فيزيد غضب ذاك الراحلُ إلـى حديثٍ أشبه بحديث الموتى..


***


يجلـسا ابنيّ في جلسةً فقدها في أيـامي السـابقة، اللهم اجعلها ميثاق عهدٍ لا ينقطع بين أبنائي الذيـن ساومتهم على روحي .. فرجحت كفتهما !
فكيف لا ترجح واحدهما سارت به دمـاء عروقي، والآخر سارت به دمـاءُ عـشيقي..
ما بالي لا أكفُ هذه الأيام عن حديثٍ عنـه؟
ألم يكفني انني طويت صفحته عام الـ 77 .. كفاكِ عبثـاً يا زينب وأن انطوى من حياتك قبل ستة وعشرون عاماً هذا لا يعني انه أنتهى روحيـاً،
كيف ينتهي وابنه يعيش بين عينيك ويكبر يوماً عن يوم ويشابه أبيه أكـثر..

قطعتُ تلك الأفكار المؤلمة: يمه آلـن، ما خابرت محمد الـيوم؟
تأخر ما ؟

أجابني صادق هذه المرة وسط انشغال الآخر بمذياعه: ما راح اليوم للكبينة!

يبدو ان حيلة ابنيّ وذكاءهم أوقفهم إلى استدراجها، وعندما امتنعت من الذهاب لم يكلف نفسه الآخر بمكالمة لأهله تخبرني عن حال آدم الذي لم يغيب عن منامي منذ بضعةُ أيـام.
ما بالكِ اليومّ يا زينب كلما أردتِ البدء بحديثٍ آخر ينتهي ذاك الحديث به!
اللعنة!
هل هذه بوادر الشوق القديمة؟
أم شيءٍ جديدٍ لم يكن بالحـسبان، آلـن لم يرحمني أبـداً ويطمن قلبي على أبيه .. أقصـد أهله!
فلو وقع آدم وقـع الجمـيع ، هـو الأب " الخيمة" التي يستظلها ابناءه، وتستظلُ زينب في طرف ضلالها الذي بقيَ لها في العراق ولم يهاجر معهم..
افٍ من تلك الأفكـار التي تجرني إليـه، فليذهب كيفما شاء، فهو من أختار الرحيل ما بالي أصحبت أفكر به وأنا قد قطعتُ علي نفسي أن أرى آلن وحده فقط، لا أراه ابن آدمّ ، ولا ابن مريمّ التي ورثتهُ عنادها وجعلتني أقع في وحله وهي تبدأ حياةٍ جديدة في بلجيكا بعيـداً عنه . . .
ما خطبُكِ اليوم يا زينب؟
ما هذه الأفكار التي توارد عقلكِ .. فليعودوا ويأخذوا ابنهم أن أرادوا.
لا علاقة لي بهم.. فعلاقتي بهم انقطعت قبل معرفتي بمريم.

ما هذا الجنون يا زينب؟
دعيكِ من تلك الأفكار التي لا تفتأ أن تزاور عقلك حتى تجعله عجوزاً لا يفكر إلا بـه، وتتضخم الأمـور التي تعنيه داخل عقـلك فينطق بها لسـانك رُغـماً عنك.. وينعتك الناس بالمجنونة التي خرّفت على صِغـر !
ما حالُ عجوزاً خرفت وهي تهذي باسم مُعذبها ، ويا ليـته أي حبـيب!
بل تحتم عليها أن تعشق واحدٍ منعها الله من عشقه، ليتها لم تمتهن مهنتها التي وصلتها إليـه . . .


***


كيف لي أن احادثُ فتاةٍ عن أمرٍ يخصُ أبيها، ويا ليتهُ أي أمر!
بل أمر حياته ووفاته .. يا لقسـاوةِ قلبي وانا أتصلُ سائلاً " هل مات أبيكِ؟"
طلبت من الله العُون تعدية الأيـامُ هـذه على خير حتى تنتهي مصـائبُ آلن ليبدأ مصيبة مرض أبيه أو موته.
صديقي لا يحتملُ كـل هذا انا أعرفه أكثر من سواي !
لقد كان شغوفاً بوالده .. تعدا مرحلة الحُب والجنون والولع ، كان لا يفارقه ثانيةً.
يجالسُ الأطبـاء في نقابتهم الذي كان أبوه عضواً بهـا، تعلم العقاقير وهو ابن العاشـرة، وعرف ان هُـنالك تجارة طبية في أوروبـا تسمـى تجارة الأعـضاء..
فكافأه الزمـن ورحّل ابيه إلى أوروبـا، وأتى بتجارة الأعـضاءِ إلـى العراق!
تلك التجارة التي تُطرح على البائسين على الشوارع الذين يضعون أمامهم "بسطةُ شـاي" أو يبيعون المـساويك والمسابح في أيام المـشاية الأربعينية التي تختص بالشـيعة!
كان موسم تجارةً لا بأس به، ويتاجر به من سرقَ أعضـاءه اللصوص ولم يفوا له ولم يقدموا له المـال الذي اتفقوا انه مقـابلاً لها ..
ذهبَ معهم مُحملاً بعيشٍ كريماً، وعاد إلـى "بسطته" مسروق العضـو ويحمل معه كيس عقاقيـر مُمتلئ!
لا شـك انه يُعاني من نقص ذاك العـضو في جسده، وقد يؤثر ذلك على خروجه شتاءٍ لكي يطلب المال مُقـابلاً لبضاعته المزجاة !
استرسلتُ بالحديث إلى ان وصلتُ الشـارع العراقي الذي أقف على أحد سفلته ولم أعي ذاك الاسترسالُ
إلا عندما سمعت صوتٍ يحادثـني: هلاو ألـون حبيبي شلونك؟

هل أقول لها "لستُ بألون" !
ما الذي جعلني أورطُ حالي كل هذه الورطة وأحادثها: السـلام عليكم.

ارتعبت تلك الفتاة ولمستُ ذلك من صوتها الذي بدأ يرتجف حيالُ ما علمت انني لستُ بأخيـها ، او لأنني ألقيت عليها سلاماً! : هلاو مين؟

لم تزل تلك صغيرةً على الفجيعة!
يتحشرجُ صوتها فقط لأنها ظنت بأني أخيها، ماذا لو كانوا مُخبئين عنها وفاة والدها واُفتّح عيونها على شيءٍ لا تعلمه: أني محمد،
رايد اسألج عن أبوج شخبـاره؟

زفرت الهم الذي كان بداخلها، تبدو لي شفافةً تُبثُ مشاعرها لي بهذه الطريقة، تبكي لعدم معرفتها بمن الطارق على أرقام هاتفها، ويخرجُ خوفها صعداً عن معرفتها بهوية التي ربطها بهوية أخيـها حتى لا ترتعبُ أكثـر: لا الحمدلله كُلـش زين، بس لهـسه ما كَعـد .

والله شعرتُ بتقوس شفاهها وهي تخبرني انه لم يصحو من غيبوبة السـكري التي اعترته منذُ أيامٍ قلال!

رددتُ عليـها القولَ مواسيٍ .. مهنتي التي امتهنتُ من قريب من أجل مَهتاب وعمّتي وآلنُ أيـضاً .. أخيها الذي لا أعلم كيف يقسو عليها هي وأختها ويمَحي أسمه من عقولهم ولا تبقى لهم إلا الذكرى التي لابُد ان تنمحي في يوماً ما : معليه باباتي .. لا تخافين عليه، حطي عينج بعين الله وكَولي يا ربّ، أني متفائل بيه ان شاء الله، هاا تره انطر منج تبشريني عـود ، ماشي ؟

ضحكت بين دموعها الخجلة: الله يسمـع منك، وأبـشرك وانطيك البشـارة همينه!

أغلقتُ هاتفي بعدما ودعتها، تحلم بعودة أبيها ونذرت انها تُبشرني وتُعطيني نيابةً عني البـشارة!
عجيبٍ أمرها تشبه غرابة أخيـها .. أين العجبّ وهي أخت آلـن!
تأملتُ أرقام هاتفها الذي سُجل في هاتفي بحرف "ز"، يا لغبائك يا آلـن تُريد ان تخبئ عن أسم أختك من سجلات هاتفي وأنت تحاكي زينب عنها أمامي !
لا ضيّر انك غيّرة الشرقي تسُكنك ولكن ليس بهـذه الطريقةُ الحمقـى..
أُنسيت ان ابيك يقول لك "أخو زُمـرد"؟ بينما ينال كان نصيبُ أخوّته ذهب إلى يـاسمين ..
ما هذه التُراهات التي ينطق بها أبيك رغم حمله لدرجة الدكتوراه في الطب!
أُنسيت ان الشرقي لا تحكمه لا شهادات ولا أموال !
فقط تحكمه شرقيته وعشائريته المُميتـة ..


***


جلستنا خالية الوفاضُ والشُعـور، آلن عاكفاً على الإذاعة التي تسرقه من حلوِ كراه!
وعمتي واضعة يديها في حجرها متأملةً له، ما الذي تخفيه عمـتي في وجود آلن؟
وخصوصاً عندمـا يكون بوضعيةٍ لا يشعر بتأملاتها، كحاله الآن أو كنومه في حجرها ، ما الذي تخفيه وتكشفه لي عينيها التي تغرق بالدمـع العصيّ الذي يأبى النزول، لقد اوهمتني سابقاً أنها تعاني من فرطِ في القنوات الدمعية من أجل ذلك تدمعُ كثيراً.. وهل هذه القنـوات لا تفرزُ دمعها الا بوجود آلن؟
أصبح الجميـعُ من حولي لُغزٍ لا يُصدق !
عمـتي لا تخلو حياتها من غموضٍ قاتل منذُ عرفتها، تمنيتُ لو انني لحقتُ على أبي وأنا بشبابي هكـذا حتى أساله عن غضب أعمامي المُستمر لها، لقد دُفنوا جميعاً كما دُفنَ أبي.. دُفـنوا أخوة زينب والغضب يتملكهم بسببها ..
لم تقابل أحدٍ منهم، ولم تعتبُ خطوةٍ في بيته إلا عندما يُعلنُ عزاه!
ليتني أعرفُ ما اقترفت يداكِ يا عمّاه ، أعلم انه سبباً لا يستحق، وإلا لم يتزوجكِ أبو علي بعده، وأعلم أيـضاً أنه أمراً لا يمسُ الدين ، فأنتي خير من تديّن وخير من سُميّ .. سميّة زينب لا يحق لها ان تقترف ذنوباً عظيمة، لابُد ان تشابه السيدة زينب بالأقوالِ والافعالِ أيـضاً. . .
قدمت مَهتاب إليـنا لعله يُرحب بها ولا تعود مكسورة الجناح كسابقها ..
نظرتُ إلى آلن أو استمعت إلى ما يستمع آلن، الذين بان لنا أن هُناك صوتاً عربيٍ يتحدث!
أعلى آلـن على صوت المذيـاعُ مما جعلنا نعُود أنا وعمتي إلـى حاضرنا الذي يتمحور حوله!
لا نعلم ماهية حديثه، ولكن جُل ما نعلمه ان هُنـا عربيٍ يتحدثّ، يتحدثُ العربي فليصاب العالم أجمـع بالخـرس!
فهم غير قادرين على فهم لسـانُ العربي ولكنهم مجبورون على سمـاع حديثـه، أليس للبيان سحراً ، ها هو البيانُ وهذا هو سحره. . .

***


مللت من هذا الحالُ يا أيـها الربّ، سئمتُ من سماعي لأصوات هؤلاء الفُرس حتى أصبحتُ أُميّز أصواتهم وأعرف كُل واحد وتوقيت برنامـجه!
سأنتظر يوماً زيادةً ويكمل لسماعي خبر خيانتها أسبوعاً، فأن لم يرد أسمها في هذه البرامج الكثيرة .. فثبتْ عليها الخـيانة!
ولو قال مُحمداً غير ذلك ولو اقتنعت عمتي بقوله، ولو اقنعني شيئاً بداخلي ببراءتها لم أصدق إلا عندما يأتي برهانٍ حقيقاً من نفس الإذاعة التي أصدرت خيانتها ..
قدمت الخائنـة إلى مجلسـنا محاذيةٍ عمتي، يبدو انها تُريد منها أمرٍ ما وتعود أدراجها، فلا يحلو لها مجالستنا بعد كشف حقيقتها التي لا أعلم ماهي!
لقد شدّني شيئاً آخـر غيرُ بَسـعاد!
مـهلاً انه صوتٍ عربيٍ افتقده بهذه الإذاعة إلا من قلائـلٍ يتحدثون!
رفعتُ صوت المذياعُ وإذا بعمتي وصادق يصغُون السـمع أيـضاً ..
أنه نفس المذيع الذي أدانها في برنامجه السابـق، والله أنني أعرف صوته من بين كل الأصوات!
نفسه من أخبرنا بخيانتها، ولكن هل سيكون ضيّفيه نفسهما ؟

تحدث المُـذيع : من قلب الأهـواز نُحييكم.

ضخّت الدمـاءُ بقلب من تنحني بجانب عـمتي، متناسـية غضبها الذي لا أعلم ما الذي سيفيدها به : عفيه ، عليّ الصوت شوية.

لم يكنّ لي إلا ان استجيبُ لأمـرها، فأنا اتسمتُ اليُوم باسمي وأصحبتُ ليّناً ..
مسكتُ المـذياع بيدي وكأنه الصوت سيصلني بشكلٍ أكبر !
لا اعلم لما هذا الاهتمام العارم الذي أكنّه لهذا الحوار الذي بدأ مذيعه به، لا أعلم لما ؟
هل لأنني اتهمتها بالخيانة وانتظر دليلاً ينافي كلامي!
أصغتُ سمعي للمـذيع وانا استرق النظر لتلك الباسمة حيالُ قوله "الأهواز" ..

" ما رأيـك بما قاله السياسيون بشأن الصحفية مَهتاب يوُسف في حلقتنا الماضـية؟"
تحدث ضيفه قائـلاً: " لا أعلم لما يُسمع من سياسيين يقطنون لندن يبدو انهم لا يدركون الوضع الحالي كما نشـهده في أرض إيران الـطيبة!
كيف يقولون لمجرمةٍ خرجت عن العدالة وجعلت إيران في وضعٍ حرج بعدما علّقت امالها على صحفيين سيجلبون لها وثائقٍ توثق سقوط صدام، أتحدثُ حديث الشعب والشارع الإيـراني .. أتحدثُ حديث الجميـع لا بد ان تعود ويُسلط عليها ضوء القـانون وتحكم بحكم العدالة التي جعلتها خائنة لتعاليم بلادها التي تطلب منها العودة بأسرع وقت"

انتهى




مخرج الفصل السابع والعشـرون


فهـا هنـا ادم ونوحٌ وصالحٌ وهودَ
وذو النونَ ويونسَ وابراهيمَ الخليلا
وها هناك شيتٌ وجرجيسَ ودانيالْ
والعزيـر وذي الكفـل ِ الكفيلا

×شمعة×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس