عرض مشاركة واحدة
قديم 18-04-19, 02:38 AM   #2

شيري سماحة

? العضوٌ??? » 444044
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » شيري سماحة is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الأولي

وعلى النبي صلي .. صلي ..
وأحباب النبي يصلوا ..
وعلى المختار صلي .. هازم الأشرار صلي
وعلي نبينا صلي .. صلي .. فاتح المدينة صلي .. يصلي
وعلي أحمد صلي .. صلي .. واللي ما يصلي .. يصلي ..
ما يخش الجنة صلي .. ولا يتهني صلي
ويخش النار صلي .. ويا الكفار صلي
قاعدة في وسط الدار بتعلم الصغار
كل اللي شافها قال وعلي النبي صلي .. صلي
قاعدة في وسط الكعبة راكعة لربها وساجدة كل اللي شافها قال وعلي النبي صلي .. صلي ..

كانت تلك الأنشودة الدينية ومثيلتها التي تُنشد بأعذب الأصوات في تناسق تام مع أصوات الدُفوف " الألة الوحيدة التي أتاحها الأسلام في الأعراس " ليصدحا عاليًا مكملين معًا سنفونية الجمال الراقي المسموع ، التي تجذب لها جميع الأذُن الحاضرة من المدعوين في تلك القاعة المخصصة للنساء في الأفراح الأسلامية ..

تلك الأفراح الأسلامية الخالية من موسيقي الإيقاع بمختلف أشكالها وطبقاتها ، ومن اختلاط الأجناس بمختلف صورهم ، والخالية من رقصات العَرُوس وتمايل جسدها باحترافيه تامة ، مبينة أياه أمام الرجال الغرباء كأنها باتت ضيف أحياء العُرس وليلتها الخاصة !

أتكئت بظهرها علي مقعدها المزخرف تجلس بأريحية أمام أحدي الطاولات المهيئة والمعدة لاستقبال المدعوين في تلك القاعة ، كأنها باعتدالها هذا تنفض عن كتفيها حمل الأعوام الكثيرة الماضية ، وهي تشاهد زفاف أبنتها الثالثة علي خير ، داعية الله في صمت من عقر فؤادها أن يطيل بها العمر أيضاً لتحضر زفاف أبنتها الرابعة وأخر حملها " هنا " حتي تتم رسالتها علي أكمل وجه ..

نعم علي أكمل وجه !

عند هذه الكلمات انطلقت منها تنهيدة عميقة صامتة تريح صدرها حامده الله فيها في المقام الأول دون شريك علي هذا الفضل ، ثم مساعدة شقيق والدها و والد زوجها في ذات الوقت و بمثابة أبيها الروحي الحنون قد رباهن تربيةٌ تنحني لها الرجال أجلالاً ، وتخشع لهن الأعين احتراما من أخلاقهن ..

تطلعت ترمقهن بنظرات حانيه لأماكن تواجدهن .. نظرات فخراً واعتزاز يغمرها السعادة لرؤية فلذات كبديها سعداء وعلي أتم عافية بعد أن عوضهم الله بأزواج ذو خلقاً ودين يخافون الله بهن ..

فها هي رضوي ذو التاسعة والعشرون عاماً طييبة متزوجه من مدير مشفي خاص وطبيب مثلها وبصحبة طفليها يوسف وعمر ترحب بالزائرين بعد أن أجلستها تستريح من بوادر التعب البينة علي ملامح وجهها من بداية العُرس ، وكأنها يخفي عليها بأن عناء ام العروس يبدأ من قبل العُرس بأسابيع وقد يكون من شهور ..

أشاحت بنظراتها بعيدا عنها لقليل من السنتيمترات وهي تشاهد أبنتها الثانية أميرة الحاصلة علي بكالوريوس تجارة وهي تهندم زي أبنتها الوحيدة الوردي الشبيه بفستان الأعراس والتي أتت خصيصًا من أحدي دول الخليج مقر عمل زوجها الطبيب الصيدلاني وبرفقته لحضور زفاف شقيقتها ..
تمايلت بمقلتيها اللامعة بمائها المالح والتي تنذرها بالهروب في القريب العاجل تشاهد أبنتها الثالثة العرُوس ندا في مقعد العرسان المزخرف في منتصف تلك الصالة ، خريجة هذا العام من ليسانس الأداب بزيها ناصع البياض والمحكم عليها جيداً من بداية حجابها الأسلامي الي ذلك الفستان المحتشم في هيئته ..

" فكل مُحكمٍ مُحتشمٍ يزيد من قيمة صاحبهُ .. وليس كل قاعدةٍ تخبرك بأن كل الحلوى حلوةً مسلماً بها .. فقد تكون حلوي عُراه تجذب الذُباب حولها ليفقدها رونقها وقيمتها بين الأعين الحلالي ..
فحشمتكِ يا جوهرتي تاج فوق رأسكِ يزيدكِ جمالاً منعكساً علي من رباكِ "

فها قد منا الله عليها أيضًا بزوج صالحاً خلوقاً كما حال شقيقاتها فالطيبات للطيبين حقاً وصدقاً ..

متمنية بلا وعي في عالم أحلامها أن يكون زوجها المتوفاة حبيب فؤادها ذو السيرة الحسنة الطيبة بجوارها الأن حتي يشاهد ويشعر مثلها بتلك السعادة التي تشعر بها في هذه اللحظة الأن ..

فرت أخيراً دمعه حارقه بلا وعي منها علي ذكراهُ العطرة لتمحيها سريعاً عند توقف الأنشاد وعلو أصوات توحد الدفوف في تناسق متين تعلن للجالسين بأعينهم المترقبة عن انتهاء العُرس وبدء مراسم زفاف الزوجة لزوجها ، وها قد حان وقت التسلم وتوديع أبنة أخري من تحت جناحها !! ...

تطلعت بمقلتيها المتلألئة بالعبرات والمتألمة لفراق حبيبه أخري من فوق رؤوس الجمع الغفير ، الذين يرمقون بنظرات فضولية مثلها لانفتاح باب تلك القاعة الرئيسي علي مصراعيه ليدلف منه والد زوجها المسن صاحب الخمسة والسبعون عاماً قعيد مقعدهُ الإلكتروني ما يقارب السبعة عشر عاماً بصحبة عريس أبنتها والذي منع قدماه من التقدم أكثر من ذلك ليقف منتظر بفارغ صبره قدوم عروسهُ الحلال الذي شاهدها ولمس أخلاقها الفريدة برفقة شقيقته المغتربة في جامعة القاهرة عند قدومه في أحدي الزيارات لها من مدينته الأم " الإسكندرية " ..

تقدم الجد بمقعده المتحرك يرمق حفيدتهُ بملامح وجهها العابسة بابتسامة باهته لم تصل الي القصوى بداخله ..

داخلهُ الشبيه ببئر مظلم يجهل جميعهما ما بداخله !
ولكن هما علي علم جيداً بما جعله يصل إلي ذلك ...

حينها أقدمت عليه حامله فستانها الهائج ترتمي في أحضانهُ بلهفة مُحب يشتاق له ، لتجهش في بكاء مرير بين يداه ، به بعض الأنين لا يصدر آلا من ضلعاً أعوج ضعيف يحتاج للاحتواء والرفق به ..
تبكي لفراق أحبائها الذين عاشرتهم ما يقارب أثنين وعشرين عاماً كما أعوام عمرها الماضية ، لتفارقهم هكذا بكل بساطة حتي وأن كان مع زوجها وحبيبها التي تحلم ببناء بيت يحاوطه الدفيء بصحبته ..

ربت كف يداه علي ظهرها المسترخي في أحضانه بعاطفه أبويه .. كف يداه التي دائماً وأبداً عاهدت منها هي وأشقائها الحنان الكافي تعويضاً عن والدهم المتوفاة ..

وقد كانت نعمَ الكف والاحتواء الذي سار ملاذهما الأمن لدرجة الأشباع مع احتواء والدتهما ، تلك الأم التي وهبت حياتها ونفسها وشبابها بعد وفاة زوجها لهما في عمرها الصغير المفعم بالأنوثة ...

والتي تقدمت باتجاههما بعيونها الخائنة التي أفلت دمعاتها أخيراً وجعلتها تأخذ حريتها بأريحية تامة عند رؤيتها لمشهد احتضانهما معاً ، ليتبعها بناتها واحدة تلو الأخرى ، بحال لا يختلف عن والدتهن بكثير ليذكرهم هذا المشهد بالصورة المشابهة له تماماً في ليال أعراسهن !

ليتبعهن جميعاً تلك الفراشة الرقيقة " هنا " بثوب عفتها واحتشامها الذي يغطي ويصون جميع ملامح جسدها الأنثوي وطولها المميز ، إلا العينان بلونهما البني الكاتم كما حال أكثر فتيات العرب ، وبأهدابهما الكثيفة والمبتلة بدموعها البريئة لفراق شقيقتها أنيسة حياتها والقريبة من مرحلة عمرها الثامنة عشر .. بعد فراق أشقائها الأخريات منذ أعوام ..

اقتربا جميعهن يحتضنون بعضهن البعض من فوق احتواء الجد للعروس في مشهد تأثر به الكثيرون وادمعت له الأعين الحاضرة التي تمنت ألفتهم تلك وتقاربهم الروحي ذاك !

أغمض عينيه بقسوة كأنه يعاقبها بالا تدمع قبل أن يمتد وصلة تأثره وتصبغ علي العُرس وفرحتهما ..

سحب زفيراً عميق يرجع به روحه المتألمة من فراق أحبته قبل الانغراس في وحل وأحزان الماضي !

أبتعد للخلف ليبتعد جميعهما بناءً علي حركته الهادئة ليحثهم علي التوقف والربط علي ألمهما في تلك اللحظة ..

وكأن حكم قضائي أُصدر ليتوقف كلاً منهن في صمت كما أراد بصمت .. ممسكاً بيد العروس مستديراً بمقعدهُ من خلال جهازه المتحكم ضئيل الحجم ، لمواجهة العريس المنتظر والمتأثر بوداعهما كباقي المدعوين ..

علت أصوات الدفوف مرة أخري تصدح في المكان ، في ظل تقدم الجد برفقة العروس بهيئتها الملائكية رغم حزنها ، مع هذا يطالعها زوجها بأعين تنطق بألحان الأعجاب وبموسيقي ضربات القلب العنفوانية لاقتراب تحقيق حلمهُ الحلال بها !

اقتربا معاً ليتسلمها زوجها من يد الجد مقبلاً جبينها برفق ليرفع كفي يداه بغطاء الوجه ناصع البياض والمزخرف والذي بدأت بارتدائه منذ الأن كما متفق بينهما من قبل ، علي عكس شقيقتها الصغرى " هنا " والذي اتخذته زياً شرعياً لها منذ بلوغها بذاتها الداخلية المقتنعة به تماماً ...
غادرت العروس بعد توالي نصائح وتحذيرات الجد لزوجها المحاسب في أحدي الشركات البترولية الكبرى بعروس البحر المتوسط .. ليودعهما أخيراً حتي باب السيارة التي سوف تغادر بهما إلي عش زواجهما المتهيئ بأعلى التكاليف هناك...

-------------------

في غرب الخارطة حيث قارة امريكا الشمالية .. تحديدًا في مقاطعة سان فرانسيسكو .. بولاية كاليفورنيا ...

من داخل أحدي القصور العتيقة الفاخرة المطلة علي جسر غولدن غيت ...

- أبي !!

هتف بها بالإنجليزية في وسط تهليله الصادح بضحكاته الطفولة البريئة التي لا تحمل هماً ولا حزناً ولا تحمل علي عاتقها أي مسئولية ..
هتف بتناغم بها لأنه متيماً بهذا الرجل حقاً فطالما عاهدا منه في هذه السنوات العشر الذي قضاها بصحبته رغم انشغاله الآب العاشق بقلبه المتسع لجميع أخطائه والتي يعاتبه عليها في حنو جليل .. ليطلق له هو بدوره الوعود بعدم تكرارها .. الأب الذي كان يحاوطه بكل معاني الأبوة والإنسانية والحنان .. الأب بمقلتيه المتألمة ولكن لصغر أعوامه لم يستطع تفسيرها حين ذاك ..

- " علي " أحذر بني لا تسرع بالدراجة هكذا !

- سأحذر من أجلك أبي !

لتتهلل الضحكات ونمت في الأتساع في سعادة حقيقية يشتاق إليها الأن في سنوات عمرهُ السبعة والعشرون لتخطلت بذكري تلك الدماء وصوته الذي بح وهرب من حنجرته وجسده الذي شل حركاته بعينه المبهمة التي لا تصدق لمدة لم يعلم بمقدارها لتنتهي بصرخة تدوي في سكون الليل المخيف ..

- أبي أحذر !!!!

صرخ بتلك الجملة بكامل قوته لعله يستطيع في ذلك الحلم أنقاذ ما لم يستطع فعله منذ سبعة عشر عاماً .. صرخة جعلته يفزع من نومته رافعا يده في الهواء بجسده المنتفض بعنف من الفراش ، ونهجان صدره بحركته المضادة بالارتفاع والانخفاض في ظل انسياب عرق جبينه بغزاره ..

صرخة دوي قوتها في هذا القصر الضخم أجمع جعلته يحدق بقوة بمقلتيه الخضراء المتسعة في نقطة ما أمامه .. منتبهاً من نومته علي واقعهُ الذي يحي فيه ..

انخفضت يداه المرتفعة في الهواء باتجاه صدره العاري بتقسماته البارزة يقبض بتملك علي تلك القلادة التي تعتليه هامساً باشتياق :
- أبي …

أشاح وجهه ببطء علي الطرف الأخر من الفراش متفحصاً بنظراته علي ظهر فتاة عاري تغط في سبات عميق .. غير متأثره بفزعته الصادحة .. فعلي ما يبدوا أنها أثقلت في الشراب أكثر منه في ليلتهم بالأمس ..

لتلألأ عيناه بدمعات أبا أن تسقط كما حال مثيلها دائمًا مع فزعهُ المتكرر ذاك .. في هذه الغرفة التي شهدت علي الكثير والكثير من هذا الحال !

أنتفض بجسده الرياضي المتناسق بجزئه العلوي العاري ببنيته القوية سريعاً من علي الفراش الذي بات الأن كأشواك الصبار باتجاه الحمام لينعم باستحمام هادئ بمائه البارد حتي يطفئ تلهب جسده الذي أعتلاه في نومته الغير هانئة كحال كل يوم ..

مستعداً لتقنص زي القوة والانتقام الذي بات يسيطر عليه منذ ما يزيد علي سبع سنوات !!!

------------------
-----
-


شيري سماحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس