عرض مشاركة واحدة
قديم 18-04-19, 02:52 AM   #5

شيري سماحة

? العضوٌ??? » 444044
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » شيري سماحة is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الرابعة

طرقه ولم تكُمل الثانية ليأمر الطارق سريعاً بالدخول ..
وها قد ظهر مبتغاه لتتسع أعينه بتركيز هاتفاً باهتمام :
-أدخل يا شاكر أتأخرت ليه !

أندهش شاكر من جملته الذي أيقن من خلالها بأن أمراً جليلاً يعتلي مخيلة صديقه لدرجة أنه أصبح يشعر بتأخره وهو لم يستغرق سوي دقائق قليلة في الطريق حين لب ندائه علي وجه السرعة !

-خير يا حاج قلقتني !

هتف بها بقلق يصاحبه الارتباك وهو يتجه ليجلس في المقعد المقابل له بعجاله ..
ليأتيه صوته علي غير العادة حتي في أشد أوقات أحزانه .. صوت قد يكون مات صاحبه ألاف مؤلفه من المرات في تلك الدقائق التي سبقت قدومه :
-التوكيل إللي علي أبن جلال الله يرحمه بعته ليا من أسبوعين تقريبًا لسه في صلاحيه ولا أنتهي !

-قصد حضرتك يا حاج التوكيل العام اللي هو بعته عشان أنت تكتب بيع وشراء وأنت حي ميراثه فيك بعد عمر طويل أن شاء الله ..

-أيوه يا شاكر هو ده .. صحصح معايا هو في غيره ماهو علي يدك بعتهولي بعد سنين عذاب لما أقنعته أخيراً أن ده ورثه مني وهو أحق بيه وأن لازم ينزل يستلمه ، وأني كمان كاتب لبنات عمه زيه بالظبط ..

-أها افتكرت ! معلش يا حاج اعذرني المشاغل كتير .. بس أنت عوزه ليه ما أنا تممت علي الإجراءات وخلصت من يومين كل العقود في الشهر الxxxxي زي ما أنت عاوز !

-لسه فيه صلاحيه ولا لا يا شاكر ريحني !

-أه يا حاج لسه في بتهيئلي يومين أو تلاته باين .. أصل قولتله قبل ما يبعته طول المدة شويه عشان الإجراءات والظروف وكده

انطلقت تنهيدة عميقه من جوف صدره الجريح تريحه نوعاً ما مردداً بعجاله :
-الحمد لله شاكر إللي هقوله مش هعيده تاني عوزك تركز معايا ..

أومأ شاكر بالإيجاب برأسه في صمت يسترعي كامل أنتباهه له ولما سيردده... .

من قلب مسار المشي .. داخل حديقة غولدن غيت .. في مقاطعة سان فرانسيسكو

أنحني يتكئ براحة يداه علي ركبتيه يلهث أنفاسه المتقطعة والتي نتجت عن عادته اليومية في الركض صباحاً في هذه الحديقة .. وتلك الصور اللعينة من ذلك الحُلم المتكرر لم تفارق مخيلته بتاتاً .. لتبرز عضلة فكيه بشدة في معالم وجه العابثة بصوره جعلته يزداد قوة وإصرار تؤكد علي رغبته الداخلية والوحيدة في كل ثانية تمر علي الانتقام !

الانتقام الذي سيشفي آلام طفولته المتوهجة أمام عيناه كأنها تحيا حتي تلك اللحظة .. والذي سيطفئ النار المتأججة في صدره وبين طيات قلبه الفارغ من أي عاطفه إنسانية في الوجود بعد ما شاهده في طفولته وما أنصت له في شبابه !!!

----------------

-أانت بتقول أاايه يا حاج ..ااانت متاااكد!

جملة رددها شاكر المحامي بذعر منتفضاً من جلسته واقفاً بارتباك ..
ليسرع الجد بسحب أنفاسه المتألمة ليزفرها في ضيق محاولاً عدم أظهراها علي معالم وجهه الثابتة ، ولا في نبرة صوته الهادئة أمراً أياه بالجلوس مرة أخري .. لينصاع شاكر أخيراً لما أمر بعد أن تخطي مرحلة الصدمة ليأتيه صوته بنبرة يأسه خافته :
-يعني أنا مش من الساهل عليا أني أطلع الكلام ده بس هو ده أخر حيلي بعد ما جربت كل الطرق الممكنة في أنه يرجع لبلد أبوه .. وأخرها ان اضطريت أقسم ميراثي وأنا عايش عشان ينزل ويحضره وأشوفه ..

أرجع مؤخرة رأسه للخلف قليلاً في تنهيدة عميقه ليرجعها مرة أخري للأمام ناظراً لذلك المحامي العجوز بكبر أعوامه :
-أتفاجئ أنه مايجيش وباعتلي توكيل عام أننا نكتب اللي عوزينه أو منكتبش مش فرقه معاه ويمكن بعته عشان يخلص من وجع ضميره ومن زني المتواصل عليه أنه ينزل ..
قولي أعمل أيه يا شاكر أنا تعبت بجد في سني ده ومعرفش أنا عملت ذنب أيه يخليني أتوجع ده كله .. وأمنية حياتي بسيطة هي أن نفسي مرة واحدة بس قبل ما أموت أشوف حفيدي إللي عمري ما شفته الا من الصور ..

هبطت عيناي شاكر للأسفل بخذلان ويأس عن معالم وجه صديقهُ الحزينة فكل هذا يعلمه بل مر علي يداه حتي أنه سافر العديد من المرات له دون جدوي ليرفع عيناه ثانية مردداً باستنكار :
-أنا عارف بمعاناتك يا حاج وحاسس بيك صدقني بس .. بس مش معقول نجيبه بالطريقة دي ومش بس كده ده في فرق شاسع أنا وأنت نعلمه كويس بينه وبين بنتنا هنا !!!!

بنظره منكسرة فهما مقصده جيداً ليشرد لسنوات ماضيه حين أتم الله شفائه بعد عام من رقدتهُ طريح الفراش في صراع شرس مع المرض ليردد أسمه بتوالي وتكرار أجهده صحياً ، ليسرع شاكر بأخباره بأنه لا يوجد معلومات عنه حتي الأن وأنه عين بعض الرجال هناك للبحث عنه دون كلل أو ملل ..

ثلاثة عشر من الأعوام !

ثلاثة عشر عاماً قضاهم في الانتظار ، والضيق ، والألم ، والوجع ، والقهر ، والأنين المصاحب للمرض الذي لا ينتهي وبين قلبه الذي ينزف بصمت وهو مقيد بمقعده اللعين ذاك ..
ثلاثة عشر عاماً ينتظر أي معلومة تدله علي مكان حفيده بعد أن هربت به والدته من منزلهم هناك فور موت أبنه الذي لا يعلم حتي الأن كيف أتته المنية فجأة ، فصدمته ومرضه حين تلقي خبر وفاته وقفوا أمامه كحائط بشري من رؤية جثمانه في الحال حين أتي .. ليمر عام ويتم شفائه بعض الشيء لتكثر هواجسه لأسباب موته .. ويبدو ان السلطات تعلم شيء وتدفس رأسها في التراب تحت كلمتان ثابتان ترددها له حين يستجوبهم عن سبب موته " كلنا سنموت وهذا قدره "

ولكن بعاطفة أب جياشة قيدت هذا القلق للخروج في فعل مؤكد حين أبا اقتراح شاكر بأن يفتح قبره ويستدعي الطب الشرعي لينهش في لحمهُ بعد عاماً مضي !

هربت لينقطع أخبارهما عن الجميع ومن يحيطهما من بيوتاً مجاورة هناك .. هربت بعد أن تعب رجالهم ونفذ صبرهم هناك لسنوات عدة .. هربت ليقتله الانتظار كما يقتلهُ وجع الفراق .. هربت تلك اليهودية بحفيده وقد كان !

ذات يوم بعد هذه السنوات الثلاثة عشر التي مرت بمُرها .. أي منذ أربعة أعوام تفاجأ بدخول شاكر عليه مضطرباً مرتبكاً يصاحبه الذهول مسيطراً علي معالم وجهه باكتساح .. يخبره بتلعثم أن صاحب أحدي الشركات الأمريكية التي سافر برفقة مندوبين شركاته لها لعقد صفقة معهما .. والذي بدأ من ملامحه أنه شبيهاً بولده جلال نوعاً ما وبه هو أكثر بشعره الكستنائي المتمرد قليلاً علي وجهه وبحمرة وجهه ناصع البياض وبأنفه المستقيم .. إلا لون عيناه الخضراء ، ليراوده الشكوك في ذهنه .. ليتخبط عقله أكثر وأكثر حين شاهد عقود الصفقة لمراجعة الجانب القانوني وقد مضي عليها في الأسفل باسم " علي البنا " بالإنجليزية كما حال كامل العقود...

تفتح صدره بفيضان من الأمل ليسجد برأسه وعيناه في مقعده المتحرك لربهُ يحمده لأنه عثر أخيراً علي أي أمل حتي لو كان ضئيلاً .. نافياً نفياً قاطعاً بأن يكون سراب فمن في أمريكا شبيهاً بولده ويحمل أسم " علي " ليصاحبه لقب عائلته " البنا " ويتحدث الإنجليزية المطلقة كما أخبره ولده المتوفاة في أحدي المكالمات الهاتفية..
ليأمر شاكر بالسفر مباشرًا ليبدأ تحرياتهُ هناك .. وبالفعل لبا شاكر رغبته في الحال لتمر عدة شهور أخري في البحث مرت علي أعصابه المحترقة لتحترق أكثر وأكثر متمنياً نتيجة تسعد قلبه بعد سنوات حزن دفينه...

ليتجمد باقي جسده كما حال جانبه الأيمن حين أخبره شاكر بأنه علم بعض المعلومات القليلة بصعوبة بالغه بسب الغموض المحاط به جيداً ، وتلك المعلومات هي أن والدته توفت ولم يتبين معهُ سبب وفاتها ليكمل متلعثما مرتبكاً بأنها سحبته معها لدين اليهودية في تلك السنوات الماضية ..
قهر تملكه لتذرف دموعه بلا انقطاع متيقناً ومعاتباً ضميره بأنه فرط في لحم أبنه لتلك المرأة اليهودية حتي بعد كل سنوات العذاب في البحث عنه ...

يتذكر تلك اللحظة جيداً بل يضعها في مكان خاص وعميق في القلب ليحاوطها بحنان فؤاده المتأجج حين أتاه صوته أخيراً يهتف بالإنجليزية بعد أن توجه له شاكر وأخبره برغبة جده بالحديث معه أن كان علي أبن ولده جلال البنا فعلاً !

نعم أتاه صوته بفتور قد يكون به برود بعض الشيء في مكنونه عتاب مخيف يستطع أي أحد أن يلاحظه من خلال كلماتهُ القليلة حتي وأن كان ليس علي علم ودراية بهذه اللغة .. ولكن هذه الكلمات أسعدته حقاً بل جعلت الدنيا حوله شبيها بنعيم الجنة...
نعم لم يفهم شيء منها ولكن رقص قلبه ..
نعم لم يشاهده أمامه ولكن سمع ووصلهُ أنفاسه أخيراً حتي أن كان عبر الهاتف ..
نعم عثر علي نسل ولده المتوفاة بعد سنين من الالام ليزداد إصراره وتقوي عزيمته لعدم تركه نهائيًا بعد الأن !

ولكن يبدوا أن ذلك الحفيد لديه رأي أخر بغموضه المخيف حين أخبره في مكالمته الثانية والتي أستدعي لها " هنا " بعمرها 14 عاماً لترجمتها لنبغتها بعض الشيء في مادة الإنجليزية بأنه يرفض تلك الفكرة نهائياً ..
ليصبح حبه لوطن أبيه تنحصر بفكرة !
نافياً ذلك الانتماء الوطني الذي يورث للأبناء في دمائهم منذ تكوين المشيمة حتي الممات !

ليبدوا أن مسلسل الاصدامات لذلك المسن لم ولن تنتهي !
توالت المكالمات ليستدعي مترجماً بينهما ليزداد الحنين لرؤياه ويخفق القلب لعبقه المجهول عن أنف جسده .. ليسرع في تعلم الإنجليزية حتي يسمع صوته ولا يحرم من القليل الذي يمن به عليه ذلك الحفيد .. إلي أن تذلل بذاتهُ بالرجاء لمشاهدته .. وكثرت زيارات شاكر له حتي يتنحى عن قراره .. ولكن ذلك الغامض بقسوته تلك لم يؤثر به شيء حتي لقب " جدي " أبا أن يخرجهُ من فمه لثلاث سنوات .. حامداً ربه منذ عام فقط حين خرجت منه مهتزة بارتباك واضح ، كأنه يحارب قبيلة عدائيه بأكملها بداخله حين نطق بها !

كل الحيل لجأ أليها أخرهما توزيع أمواله في حياته علي ورثته حتي يأتي لمرة واحده ويشاهده ولكن كمن يؤذن في أذن صماء .. ليتفاجأ بأرسال توكيل عام ينوب عن حضوره !
كل هذا وكلمات هنا منذ قليل عن زواجه وارتباط بواحده من هناك .. جعلت تلك الفكرة تغوص في أعماق عقله ليتشبث بها كطوق نجاة أخير .. ولابد من تنفيذها حتي لا يضيع منه حفيده مرة أخري...

ألا وهي عقد زواج بهذا التوكيل يوثق في المحكمة ليجعله يأتي رغم أنفه حين يعلم بالأمر !

أغمض عيناه يعصرهما بشدة كأنفاسه التي قيدت حركاتها داخل صدره لمجرد أنه تذكر بأنه سيقحمها في أمر طالما هي بعيده عنه كل البعد ...

سيقحم وردة حياته المفعمة بالأيمان المتفتحة للحياة في جروح قلبه العتية منذ القدم .. سيقحمها ليسترد روحه الهاربة ولكن يبدوا أنه كتب عليها بأنها هي من ستحارب أخطاء الماضي التي صدرت في غفوه عن الجميع وأولها خطائهُ الذي لا يغفر .. وهو الخضوع لرغبة ولده في السفر منذ البداية والسماح له بالزواج من غير ديانته !!!

--------------


شيري سماحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس