عرض مشاركة واحدة
قديم 23-04-19, 04:43 AM   #50

شيري سماحة

? العضوٌ??? » 444044
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » شيري سماحة is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة السادسة والثلاثين

رغم شدة الحرارة من الصباح الباكر علي عكس ليلة أمس الممطره إلا أنها تشعر بشيء جديد حولها .. وقفت بشرفة الطابق السفلي تتأمل بهدوء يومًا من أيام كاليفورنيا و ما يحيطها بها بصورة مختلفة .. سماء زرقاء ناقية إلا من السحب ناصعة البياض .. حديقة مزدهرة بخضرها الزاهي المتلألأ أكثر من زي قبل .. وصوت الطيور كالمقامات الموسقية العذبة في أذنها .. ادركت أن ملاحظتها تلك قد ترجع لسعادة روحها ..

شردت في حرم هذا المشهد لمعجزة ليلة أمس ، فهي حقاً بمعجزة .. لا تصدق حتي الأن ما حدث بها .. واداة التصدق أنها شاهدته لعددة مرات معدودة يضجع في فراشها بثبات عميق وكأنه لم ينعم بالنوم لثلاث أيام متواصلة !! ..

إذًا هو حُلم جميل تعايشته وتحقق صدقًا ..
إذًا جاء القاسي بالأمس و كشف بما في صدره لها هي فقط .. لا .. لايهم كل هذا ، بل هل حقاً طالب بسماع القرأن ؟!!

يالله كم أنت رحيم بعبادك ولم تخيب رجائي وتضرعي إليك ، تملكني اليأس وأنت برحمتك خيبت ظني !!

تتذكر حالتها عند سماع طلبه و رد فعلها السريع بعزيمتها القوية لتبدأ بتحريك لسانها وترتيل ما تيسر من كتاب الله باعذب ما لديها من صوت .. ظلت ترتل وترتل وهي مغمضة العين إلي أن ختمت سورة يس كاملة دون إدراك ، إلى أن شعرت بسكونه ، بدأت عينيها تفتح بحذر ثم رمقته ببطء فعلمت بنومه ، تمعنت بنظرات حانيه مشفقه في وجهه ، قلبها يؤلمها علي ما ترعرع عليه طفل بنفس عمره ، أطلقت تنهيده عميقة تستغفر ربها بها فهذا قدره ويجب علينا الأيمان به ، تمعنت اكثر بوجهه المرهق شديد الاصفرار ..
فيبدوا أنه حقاً يشعر بالأجهاد ولهذا راح في سبات عميق دون ان يشعر .. لم تكمل سعادتها حين وعت مصادفاً لجرح ذراعه ينزف مرة أخرى وأثار بعد الدماء علي قميصه من الخارج .. اسرعت دون تباطئ بجلب حقيبة الأسعافات لتعقيم الجرح و تضميده ، فيبدوا أنه بذل مجهوداً شاق أدي إلي أجهاد الجرح وهو لم يلتئم بعد ..

أنهت عملها بعد أن تنبه لصوتها الحاني بالأعتدال و النوم علي الفراش وبالفعل أطاع دون وعي أمرها ، تركته نائم بعد أن اطمئنت عليه ، ثم توجهت لغرفة مجاورة للنوم بها بعض الساعات المتبقية في تلك الليلة...

بعد قليل من الزمن نهضت باطمئنان وسعادة تملأ الأفق وليس بقلبها فقط ، أكفتها عن مد ساعات النوم ..
وها هي تقف كالفراشة بلباسها الفضفاض تستقبل أول شعاع شمسي حاني يداعب المكان بشروقه المبهج للنفس !!

بعد تفكير عميق أرادت بجعل هذا اليوم غير أي يوم ، بدايةٍ طالما بداخله خير فما عاد هناك حاجة لتلك المشروبات الكحولية وأي شيء اخر يغضب خالقها بهذا القصر ، لهذا يجب تنظيف ذلك المكان نهائيًا والبدء من جديد ..
ومن ثم تحضير الأفطار له فهي صائمه ومع هذا ستحضره وستجلس برفقته وستعرفه علي الأسلام من خلالها وستدرج أهمية الصيام ، ولكن شيئاً فشييء ليس دفعة واحدة .. ستحاول وترجو من الله الثبات !

بدأ نشاطها بالفعل وجلبت حقائب بلاستيكه من غرفة تحضير الطعام ، وبدأت تفرغ البار من محتواه العتيق ..
أخرجت دفعة إلي صندوق القمامة ، يتبعها دفعة أخري حتي جاءت الثالثة وأقتحم المكان صوت يشبه زئير الأسد حين يبدأ أولى دفعات غضبه !!

- ماذا أنتِ بفاعله ؟!

توقفت حركة يدها عند مباغته المفاجأة ليتبعها أرتجاف جسدها ولسانها وهي تستدار لوجهته .. خرجت الحروف بلجلجه بعد وضوح معالم وجهه المتهجمه لها..
- أاا... اا.. أنا...

باغتها مرة اخري حين قطع جملتها بالقبض علي ذراعها بعنفوانية .. فتملكها الأرتباك وتوقف تفكيرها عند فعله ، جاهلة فعلها الذي جعله بهذا الشكل المخيف إلي أن خرج صوته بالقرب منها لتشعر بلهيب أنفاسه يلهف وجهها المغطى :
- من أعطاكِ الأذن لفعل هذا ، بل من أنتِ من الاساس حتي تتدخلي في شأني الخاص ؟!

حركت لسانها وحاولت أن يخرج صوتها ولكنه خانها أمام حضوره الطاغي وجملته التالية :
- سأقول لكِ من أنتِ ، أنتِ امرأة حقيرة ككل الذين مروا من أمامي ، ما ان لاحظتي نقطة ضعفي وبوحي بالأمس حتي تم استغلاله مع اول فرصة في طلوع الصباح لتبدأ سيطرتك اللعينة كحال جميعهن تماماً ..

ثم استرسل حديثه من بين اسنانه المضغوطة :
- كلا لست انا يا فتاة .. ولست ضعيفٍ ولا بساذج امامكِ لتتولي زمام أموري .. وما حدث بالأمس غلطة سأظل أحاسب عليها نفسي مدي الحياة .. ولا أريدك امامي بعد الأن فلقد اكتفيت منكِ حقاً !!

قال جملته ثم تركها بأنتفاضة مفاجئة رجعت علي أثارها للخلف تندمج مع الأرفف الزجاجية للمشروبات دون تحكم منها مما ادى الي تهشم الزجاج من حولها من شدة الدفعة ..

استدار يبتعد دون أن يري نتيجة جرمه متخبطاً ذهنياً مغادراً القصر كله بعد أن أحتار من فهم نفسه ومن ذلك التشتت الذهني والاضطرابات النفسية التي تحدث له داخلياً الان كأنها الحرب العالمية الثالثة بين عقلهُ الرافض وقلبهُ الراغب !!..

يشعر بأتجاهها بأحاسيس مختلفة لم يشعر بها من قبل ، وفي نفس الحال لا يشعر بها نهائيًا نتيجة مأساة الماضي ..!!

يحتاجها هي فقط دوناً عن النساء كافة ، ولا يحتاجها فهي ككل النساء .. !!

يريد ان يبكي لها ما يؤلمه ولا يريدها ان تراه ضعيفًا .. !!

رفع كفي يداه يرجع خصلات شعره بعنف للخلف لعله يشفى مما يعتلي صدره ، فحقاً بات مضطرب المشاعر بسب تلك الطفلة التي تصغره بتسع سنوات !!

وقفت جاحظة العين لطيف مغادرته بحاله مخدره لا تستوعب كل ما مر عليها ، غير مصدقه أنه دفعها بهذا الشكل .. رقرقت عيناه بدمعات أبت أن تسقطها علي وجهها ، تحاول جاهده فهم ما فعلته لكل هذا ولما دائما سيقارنها بتلك النساء الملعونات .. لما سيبقي ذكري والدته هي حظها العاثر في الحياة !!

-----------------

أنفردت بنفسها الجريحة بين اركان غرفتها الأربع ، تعاتب نفسها - مبرره في ذات الوقت حسن نياتها - ، تحزن لفعله الجارح - وتتألم حد العنان لطفولته القاسية - !!

ابتسمت بمرارة فلم تعد تعلم أتواسي نفسها الجريحة ام تواسيه هو علي ما مر به ..

إلا أنها أذرفت دموعها عوضاً عن هذا وهي تناجي ربها علي سجادة الصلاة الرفيق الوحيد و الدائم لها في حياتها كصفة عامة وفي غربتها بصفة خاصة ..

حزنها الداخلي أثر علي شهيتها كما اكثر الحال منذ أن جاءت إلي هنا .. اصبحت هزيلة الجسد رغم انها ما زالت تتمتع بجاذبيتها الخاصة .. هزيلة القوى من كثرة الصدمات التي تتلقاها كل حين .. داعية الله أن يكون هو قواها وناصرها حتي لو بعد حين .

أكتفت بكسر صيامها بالماء والتمر كأكثر عادتها .. أحتلت فراشها تتلو ما تيسر من كتاب الخالق .. أستمرت دون توقف !!
وكيف تتوقف وكل ما تنهل منه تشعر براحة نفسية تحتاج إليها بشدة في حزنها هذا ، لهذا أستمرت دون ان تشعر في القراءة إلي أن توقفت في منتصف الليل .. ألم ظهرها هو ما لفت أنتباهها .. فيبدوا أنه تأثر ببعض الجروح الصغيرة من تهشم الزجاج من خلفه .. مسحت دمعه فرت دون تحكم علي وجنتها .. ثم نهضت تغلق باب غرفتها لتريح ظهرها بعض الشيء فهي لن تتركه بعد ما حدث بالأمس هكذا .. وخاصة أنه لم يأتي بعد ويبدوا أنه سيقضي ليلته بالخارج .. وكما الحال ستنام بمفردها في بيت مهول تجهل ثلاث أرباع مساحته ..

ولكن لها الله ومن يتوكل عليه لا يخيب ..

وضعت ظهرها ببطء علي الفراش تستعد لبدء رحلة ثباتها العميق .. ظلت تتقلب علي الجهتين حتي تقتحم بدايته وتتشبث بها جيداً .. ولكن يبدوا أنه سيخاصمها الليلة من كثرة ما يعتلي ذهنها ..

ظلت تستغفر لعله يأتيها الفرج ، أنتبهت لبوق سيارته تدخل محيط الحديقة الداخلية .. أرتعبت وأنكمشت علي نفسها متشبسه بغطائها .. متضرعه الي الله بخفوت أن تمر تلك الليلة علي خير فلا تريد أن تدخل معه الأن في حواراته القاسية فما مر عليها يكفي بما يفوق الحد ..

لولا قيمة الصبر ما أطالت صبرها حتي الان تطمع برضا الله في نهايته ومكافئته ..

أنقطع شرودها علي تحقيق ما كانت تخشاه ، فالقاسي علي باب غرفتها يحاول فتحه بالفعل ، أنتفضت من نومتها بخوف وريبه ، ضربات قلبها المتزايدة وقوة الموقف جعلها تتغاضي عن ألالم ظهرها .. أنكمشت فوق الفراش تغمض عينيها بقوة وهي تحتضن ركبتيها بذراعيها مع تحرك لسانها دون توقف بمنجاة الاله ، ظلت محاولاته حتي خرج صوته من خلف الباب بخفوت يعبر عن تشتت صاحبه :
- أفتحي ذلك الباب ، أعلم بأنك تشعرين بي وتسمعينني ..!

أرتجف جسدها وهي تستمع لجملته ، ملازمة الصمت امام محاولاته المتكررة لفتح الباب ..

عند شعوره أنها بعيده المنال وبينهما حاجز يمنعهُ من الأقتراب بل ولن يستطيع رؤيتها كلما أراد كما كان يظن .. تملكه الجنون و شعر بضيق صدره لمجرد هذا الأحساس ولمجرد التذكر أنها غاضبه ويمكن ان تتركه من أفعاله الغليظة ، ولكن ليس بيده كل هذا فهو حقا يحتاجها بجانبه فهي علاجه ليفهم نفسه وتلك المشاعر والأحاسيس التي تقتحم قلبه وصدره اللعين لأول مرة في حياته ، عند هذا أنفلت صبره وبدأ يطرق بعنف علي بابها وصوته يصدح بقوة :
- أفتحي ذلك الباب ، لا تدفعيني لكسره ..

أنتفضت من جلستها باضطراب وريبه من فعله إلا أنه جائها صوته في الحال عكس ما كان به من ثواني معدودة ، جاء هادئًا ليناً باكياً.. هنا نهضت بقلب حاني متوجس غير قلبها الجريح قبل أن يأتي ..

توقفت خلف الباب وهي تصطنت لبكائه وجملته الواضحة :
- أعلم بأنني جرحتكِ كثيرًا ، وأعلم أنني تطاولت أكثر ، ولكن كل ما أنا يقينن به الأن بعد أن انفردت بنفسي بأنك غيرهما تماماً !!

هنا وضعت راحة يديها الاثنان علي ظهر الباب لتنفجر باكية ولم تدرك بأنها وضعتهما في نفس راحتي يداه ليقف الباب حائِلاً بينهما ..

-----------------
------
-


شيري سماحة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس