عرض مشاركة واحدة
قديم 17-06-19, 05:47 AM   #50

حفصة عزوز

نجم روايتي وقاصة في قلوب أحلام وراوي القلوب وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية حفصة عزوز

? العضوٌ??? » 426673
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 458
?  نُقآطِيْ » حفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond reputeحفصة عزوز has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سمية سيمو مشاهدة المشاركة

الفصل الأخير:

"وسوسة الشيطان كسوس يتصيد أية طريقة ليهاجم سنا، يستغل نسيان الشخص تنظيف أسنانه من آثار الطعام لينخر فيها بعبث و استمتاع...كذلك الشيطان، منذ أن طرده الله تعالى من الجنة بعد أن أبى السجود لآدم عليه السلام بعد خَلْقِه أخذ على عاتقه أن يغوي آدم و نسله من عباد الله المخلصين ليبعدهم عن الجنة كما أبعد هو أيضا عنها...
كلما راودتك فكرة غريبة أو سيئة اعرف أنها من الشيطان، فاسعى لمحاربتها بالتعوذ بالله و التمسك بالخيوط المؤدية إلى طريق الصلاح، و كلما انحرفت نفسك عن المسار بزلة، عد إلى الله و تب قبل فوات الأوان..."

أوقف والدها السيارة أمام المطعم الأنيق الذي قرروا اللقاء فيه ثم ألقى عليها نظرة عابرة ليجدها تهز قدمها بتوتر...ربت على قدمها ثم قال بهدوء:-"اهدئي إيمان، لست هنا من أجل التقدم لمباراة توظيف حتى تقلقي بهذا الشكل، إنه مجرد لقاء مع شاب عرض عليك الزواج".
أومأت إيمان برأسها ثم ترجلت من السيارة ليلحق بها والدها و يدلفا معا إلى المطعم...
من بعيد رأته، يجلس على طاولة منزوية قريبة من النافذة الكبيرة التي تطل على الشارع الهادئ...استغلت بعده عنها و ارتداؤها لنظاراتها الشمسية حتى تتأمله بدون حرج: كان طويل القامة و هذا لاحظته منذ لقائهما الأول، ذا بنية متناسقة، فلم يكن ضخم العضلات لكنه بالتأكيد يهتم برياضته...شعره الأسود كجناح الغراب و عينان تتذكر من طفولتها أنهما بلون ضباب سماء لندن أيام الشتاء...جلس والدها على إحدى الطاولات الشاغرة والقريبة من طاولته ثم أشار ناحيته ليريها مكانه ظنا منه أنها لم تره بسبب توترها، فأومأت برأسها ببساطة و هي تتحرك ناحية الطاولة.
وقفت أمامه و بهدوء نزعت نظاراتها لتضعهما فوق حجابها، ثم حركت رأسها بإيماءة نفي بسيطة عندما عرفت أنه يهم للقيام حتى يزيح لها الكرسي...سحبته بنفسها لتجلس عليه ثم قالت بهدوء: -"مساء الخير، آسفة إن جعلناك تنتظر".
غمغم بدوره: -"مساء النور...في وقتكما تماما، أنا من حضرت باكرا قليلا".
ثم تابع قائلا بمرح: -"كما لم أتوقع أن أحصل على رد على طلبي بهذه السرعة".
كانت شاكرة للنادل الذي اقترب منهما سائلا عن طلباتهما، فحجبت قائمة الطعام التي قدمها لها وجهها المتورد عن أنظاره الثاقبة...قالت بهدوء بعد أن انصرف الشاب: -"ليس ردا، أريد أن أعرف عنك بضعة أمور قبل اتخاذنا لأي خطوة رسمية".
ثم أردفت بجدية بعد لحظتين من الصمت: -"و أظن أنك تود الأمر نفسه".
أومأ برأسه متفهما، ثم قال لها: -"حسنا، ما الذي تودين معرفته آنسة إيمان؟"
سألته بدون مقدمات: -"هل تصلي؟ أم أنك تقوم بذلك فقط في رمضان؟"
-"أصلي دائما و الحمد لله".
كان جوابه سريعا كسؤالها، ارتشفت من كأس ماء موضوع أمامها ثم قالت بهدوء: -"هل تدخن؟ لأن أكثر شيء أمقته في حياتي دخان السجائر و غيرها".
أومأ بنفي ثم قال: -"لا أدخن...و أنا مثلك أمقت دخان السجائر....و غيرها".
توقف قليلا قبل أن يهمس بآخر كلمة مقلدا إياها، فزمت شفتيها بغيظ مما جعله يبتسم و هو يقر أنها لا زالت تحتفظ بالواجهة النارية خلف هذه الواجهة الهادئة...لتتمتم بعد أن استعادة هدوءها: -"حسنٌ، أيمكنني أن أعرف أين تعيش حاليا؟...كل ما أعرفه أنك رحلت قبل سنوات لمتابعة دراستك في بلد أوروبي".
أومأ برأسه ثم قال: -"أجل...درست في مدينة تولوز الفرنسية و لا زلت إلى الآن أعيش هناك".
فتحت فمها لتسأله عن أمر آخر لكنه قاطعها بقوله الهادئ: -" مهندس الكترونيات و أملك مقاولة خاصة بي".
رمشت بعينيها قبل أن تقول: -"لم أكن سأسألك عن عملك".
ارتفع حاجبه باندهاش، ليسألها باهتمام: -"و ما الذي كنت ستسألينني عنه؟"
همست مجيبة بصوت هادئ: -"كنت سأسألك عن السبب الذي منعك من العودة إلى الوطن طوال السنوات السابقة تاركا أما ربتك بمفردها طوال سنين، أما احتاجت لابنها في كبرها لكنها خبأت حاجتها تلك من أجل مصلحته...أريد سببا مقنعا يجعلني أشعر بمأمن إن قررت الموافقة على الارتباط بك...فمن ترك أمه لسنوات دون أن يزرها مرة واحدة، سيقدر بالتأكيد عن ترك زوجته إن اتضح وجود فرصة حياة أو عمل أفضل من تلك التي يملكها حاليا"...
*********************************************
راقب السيارة البيضاء التي ابتعدت قبل أن يتحرك بسيارته اتجاه منزله، يده اليسرى تقود السيارة و يده اليمنى مستقرة فوق قلبه يربت برفق عليه حتى ينسى ألم صفعات كلماتها...كم هي قاسية الحقيقة، و كم كان محتاجا لهذه الصفعة حتى تزال الغشاوة عن عينيه...طوال السنوات السابقة لم يهتم بأثر رحيله عن أمه، كان يتحدث معها...زارته مرارا طوال السنوات الأولى لذهابه لفرنسا لتنقطع زيارتها بعد أن أصبح منشغلا في بناء عمله...لم يدرك إلى أي حد تجاهل وجودها في حياته حتى عاد إلى أحضانها...حتى أصبحت رائحة طعامها الذي تعده تقتحم أنفاسه...حتى أصبح كل ما تحضره يدها التي جعدت بشرتها بعد مرور السنين...يدها التي تربت على كتفه عندما يكون مهموما، تمتد إليه عندما يسقط، و تحتضنه عندما يفرح...صدق من قال أن الأم وطن، لأنها تحتوي أبناءها بقلبها الشاسع كأرض الوطن...تبدل ما تستطيع من أجل إسعادهم و تساعدهم على بناء أنفسهم لتقابلهم بفخر عند الكبر شاعرة بأنها قد أدت رسالتها على أكمل وجه...
ووالدته أدت هذه الرسالة: أحبته، احتوته، درسته، نصحته، أرشدته إلى الطريق الصحيح ثم ظلت تراقب ارتقاءه كل عام بفخر...ليجازيها بالهجر لسنوات ظنا منه أن مكالمات يومية تشفع له...
تذكر الفتاة الذي عاتبته قبل قليل عن تقصيره ناحية والدته بجرأة أثارت إعجابه...لو كان شخصا آخر لما استطاع أن يكمل اللقاء معها، أو كان ليجاهد ليحافظ على لباقته قبل انتهاء المقابلة و يلغي عرض زواجه منها...لكنه ليس هو من يفعل كل هذا لأنه يقر أنه كان مخطئا...و الاعتراف بالخطأ و تقبل كلامها جزء من الإقرار...
لازال يتذكر ما قالت له نهاية اللقاء، بعد أن أخبرها أن إنشاءه لمقاولته و اهتمامه بأمور إدارتها و تحسين مستوى إنتاجها طوال السنوات السابقة كان هو السبب في ابتعاده عن والدته، لكنه لن يتركها بعد الآن فهي سترافقه مجددا و قد ناقشا الموضوع ووافقت أمه أخيرا على طلبه، و بالتأكيد سترافقه حبيبة الصبا، الذي ازداد إعجابه بها بعد هذا اللقاء و بعد آخر جملة قالتها في هذا اللقاء: -"أتدري لِمَ لَمْ أسألك عن عملك؟ لأنه لا يهمني أكثر مما يهمني أن تكون شخصا صالحا...فكم من غني كانت نفسه فاسدة...و كم من شخص بسيط كانت نفسه نقية و سامية عن الفساد...لا تهمني المظاهر و الماديات أكثر مما يهمني قلب الإنسان و جوهره فهو الدائم أما الجمال و المال فيمكن أن يزول في أية لحظة"...
*******************************************
جلست على سريرها تفكر في محادثهما و الذنب يتآكلها...لقد كانت قاسية في كلامها الأخير عن سفره و تركه لأمه وحيدة لكنها بالفعل لم تقصد اتهامه بشيء أو إهانته...
غفت بعد لحظات من التفكير فقد كانت مرهقة كثيرا، لم تستيقظ حتى الصباح على صوت صخب غير معتاد في البيت...من المفترض أن يكون أخاها في الثانوية فاليوم هو اليوم الثاني لامتحان الباكالوريا...والدها بالتأكيد سيكون بالعمل، ووالدتها ستكون في المطبخ أو تشاهد التلفاز، فما سبب كل هذا الصخب؟ تساءلت في نفسها و هي تقوم من مكانها لتتجه إلى المطبخ بتعب حتى تأخذ مسكنا لتخفيف آلام الرأس التي هاجمتها منذ ليلة أمس...غادرت المطبخ تحمل صحنا من الكعك في يدها فسمعت ضحكات والدتها في غرفة الجلوس...دلفت إلى هناك لتجد أم حمزة برفقتها...سلمت على المرأة و تبادلت معها بضع عبارات مجاملة قبل أن تعتذر منها حتى تتوجه إلى غرفتها بسبب تعبها...مرت بجوار مكتب والدها ليفتح فجأة فتتسع عينيها باندهاش عندما رأت حمزة أمامها...
*****************************************
عندما كانت والدته ذاهبة صباحا لزيارة أم إيمان، أصرت بعناد على اصطحابه معها و كأنه طفل في العاشرة فوافق عندما علم بوجود والد إيمان بالبيت هذا اليوم و عدم ذهابه لمكتبه الخاص بدراسة الجدوى الذي يقع بإحدى المناطق الحيوية في المدينة...استقبله الرجل بحرارة و أخذه إلى غرفة مكتبه فاندفع حمزة كطفل صغير ناحية المكتبة الكبيرة التي احتلت جدارا بأكمله و التي ضمت مجموعة من الكتب و المجلدات في مختلف المجالات...قال السيد محمد بهدوء: -"يبدو أنك تحب القراءة كإيمان".
-"كنت شغوفا بها، لكن مع انشغالاتي لم أعد أقرأ إلا لماما مع الأسف".
انخرط الرجلان في مناقشة مواضيع مختلفة حتى اقترب موعد صلاة الظهر، فقام حمزة من مكانه مخبرا مضيفه برغبته في الذهاب إلى المسجد فقرر هذا الأخير مرافقته...
كان من توجه أولا ناحية الباب ليفتحه ليرتفع حاجباه باندهاش عند رؤيته للفتاة التي وقفت على بعد خطوتين منه تنظر إليه بذهول يشبه ذهوله...أذنبت عيناه عند إلقائها نظرة عابرة عليها فور رؤيتها قبل أن يسبل أهدابه غاضا بصره: كانت ترتدي منامة وردية بحمالات رفيعة عليها صورة القطة "كيتي"، شعرها العسلي الطويل منسدل حولها بفوضوية تأسر القلب، عيناها الخضراوان متسعتان بسبب المفاجأة...و كانت تحمل صحنا عليه قطعة كعك...احمرت أذناه عند وصوله لهذه النقطة و تنحنح بخفوت لتختفي في لمح البصر من أمامه صافقة الباب من خلفها، نظر من خلف كتفه لوالدها الذي كان يتحدث على الهاتف باهتمام ليلعن نفسه ألف مرة لأنه سبق مضيفه في التوجه إلى الخارج و ببيته حريم...
********************************************
-"رباه! أكاد لا أصدق ما قلته".
همست بها عبير قبل أن تنفجر ضاحكة عما حكته لها إيمان...قذفت هذه الأخيرة وسادة في اتجاه قريبتها و صديقتها الوحيدة لتقول بتذمر: -"ندمت لأنني أخبرتك بما حدث...أنا أريد حلا، لا أريد سخريتك مني...يكفي أنني تمنيت لو انشقت الأرض من تحتي و ابتلعتني قبل أن يراني هكذا".
لم تستطع عبير التوقف عن الضحك إلا بعد دقائق، لتقول بمرح: -"الحل الوحيد هو أن توافقي على الزواج منه، فقد رآك في أسوء حالاتك حبيبتي".
لتغمزها متابعة بخبث: -"رغم أنني أشك إن كانت بالنسبة له أسوء حالة لك أو أفضلها؟"
همست إيمان باسم قريبتها بعتاب و هي ترمقها بنظرات متوعدة، فرفعت عبير كفيها بخوف أمام وجهها ثم قالت برعب مصطنع: -"لا تصيبيني بأي مكروه، أنا آسفة لأنني سخرت منك".
قذفت إيمان وسادة أخرى في اتجاهها ثم قالت:-"إن لم يكن لديك حل لهذه المشكلة فاغربي عن وجهي يا عبير".
قامت عبير من مكانها وهي تقول:-"كما تشائين، سأذهب لأساعد خالتي".
توقفت أمام الباب عندما سمعت رنين هاتف إيمان، فالتفتت ناحيتها لتسأل بفضول:-"من المتصل؟"
لتجيب قريبتها مغمغمة بحيرة: -"رقم غريب".
-"أظنه هو!"
ارتفع حاجب إيمان باستنكار و قالت: -"من هو؟"
قالت عبير و هي تعود لتجلس بجوارها: -"السيد خاطبك المستقبلي، أراهن على أنه من يتصل الآن...أجيبيه قبل أن يغلق الخط".
و كأنه سمعها، فقد انتهى الاتصال لكن الهاتف عاد ليرن مجددا بسرعة دالة على إلحاح صاحبه...أخذت إيمان نفسا عميقا و قبل أن تجيب كانت عبير تقول: -"شغلي مكبر للصوت".
أومأت إيمان نفيا و هي تضغط على الزر الأخضر هامسة بالتحية و متسائلة عن هوية من على الطرف الآخر ، ليصلها الصوت المعروف متمتما بهدوء: -"و عليكم السلام و رحمة الله آنسة إيمان، أنا حمزة".
أشارت لعبير بيديها حتى تقترب منها، فأغلقت الأخيرة باب الغرفة لتضغط إيمان على زر مكبر الصوت و تقول بهدوء:"-آه! مرحبا سيد حمزة".
وصلها صوته المستنكر: -"سيد! تشعرينني و كأنني رجل في السبعين من عمره...كما أنني تقريبا خاطبك، لذا ناديني باسمي مجردا بدون ألقاب يا إيمان..."
ابتسمت عبير بتسلية، أما إيمان فتوردت وجنتاها و همست بحنق: -"لم أصر خطيبتك بعد...لم أفكر في عرضك حتى".
ظل صامتا قليلا و الفتاتان تنتظران جوابه بفضول...قال أخيرا بنبرة مرحة استفزت إيمان و جعلت عبير تضع يدها على فمها كاتمة ضحكتها حتى لا تجلجل في المكان: -"أظن أن عليك أن تفكري في الأمر جديا بعد الذي حصل صباح اليوم...حتى أنني طلبت رقم هاتفك من والدك حتى أستعجلك في التفكير، فلا أريد أن يغزو منظرك الخلاب أحلام نومي و يقظتي".
همست في سرها: -"وقح! لا يعرف أصول الأدب...لم لم يتغاضى عن الأمر و كأنه لم ير شيئا؟"
كانت وجنتيها قد أصبحتا بلون الطماطم بسبب غضبها و حرجها...بدأت بالعد في سرها قبل أن تقول ببرود:" -عندما أتخذ قرارا سيعلمك أبي به سيد حمزة، أتمنى ألا تتصل برقمي مجددا...الوداع".
أغلقت الخط لتطلق عبير سراح ضحكاتها فألقت إيمان وسادة في اتجاه وجهها ثم تكورت على سريرها و هي توليها ظهرها و بدأت تفكر بغير وعي في طلبه...
*********************************************
بعد أيام:
جالس في غرفته يعبث بهاتفه و ذهنه شارد في البعيد..لقد مرت تسعة أيام على ذلك اليوم الذي رآها فيه و اتصل بها لتأمره بعدم الاتصال بها...يعرف أنه تهور و ما كان عليه أن يحرجها باتصاله، لكنه كالعادة يتسرع ببعض الأمور و يندم عليها لاحقا...رغم أنه لم يشعر بالندم هذه المرة سوى لساعات قبل أن يعود مجددا ليتواصل معها برسائل بدلا من اتصالات...
تسعة رسائل بعثها دون أن يتلق ردا على أية واحدة...و قد كان يتوقع ذلك منذ أن أرسل لها أول رسالة اليوم الأول، لكنه لم يتوقف عن إرسال رسالة كل يوم...كما لم يتوقف صوت بداخله بإخباره أنها سترد على رسالة اليوم...و رغم مرور أربع ساعات على إرساله لها لازال ينتظر ردها بدون كلل...
أضاء هاتفه معلنا عن وصول رسالة جديدة، ففتحها بلهفة ليقرأ الكلمتين المدونتين كرسالة: -"لدي شرط..."
همس بصوت خافت: -"بعد تسعة أيام ترسلين إلي كلمتين كرأس خيط بدون تتمة غير ثلاث نقط حذف...إنك حقا مدللة يا إيمان".
ألقى بهاتفه على السرير مقررا بأنه لن يجيب على رسالتها هو أيضا...إن أرادت التلاعب به فهو أيضا يجيد التلاعب بها...فلتحترق قليلا بالنيران التي أحرقته طوال هذه الأيام...مرت الدقائق طويلة جدا قبل أن يسمع أزيز الهاتف من جديد...اتسعت عيناه بدهشة عندما رأى أنها رسالة أخرى منها...لم يدري حتى سبب دهشته؟ هل دُهش لأنها أرسلت رسالة دون أن تنتظر منه سؤالا عن شرطها؟ أم اندهش لأنه اكتشف أن الدقائق التي بدت له بطول دهور لم تكن سوى ربع ساعة فقط...بدقات متسارعة فتح رسالتها ليقرأها بهمس: -"أريد أن أتابع دراساتي العليا، هذا هو شرطي يا حمزة...إن وافقت عليه اعتبرني وافقت على ارتباطنا"...
*********************************************
بعد ثلاثة أيام:
واقفة أمام مرآة غرفتها تتطلع إلى هيئتها بقفطان سماوي اللون...شعرها العسلي الطويل ينسدل خلف ظهرها لتعانق أطرافه خصرها...تنظر بشرود إلى هيئتها الأنثوية الناعمة و صوت الشيطان يوسوس في أذنها بمكر: -"أنظري لنفسك إيمان، لو أنك لم تتسرعي و ترتدي الحجاب لرآك هكذا اليوم و ذاب في هواك".
ألقت نظرة عابرة على طاولة الزينة حيث رصت علب "الماكياج" و أدواته بانتظام ليتابع الصوت الغريب همسه الماكر: -"و لكنت وضعت زينتك أيضا".
زفرت بعمق و صدى الجملتين يعاد في أذنيها كرنين جرس رغم إزعاجه إلا أنه يذكرها بجرس نهاية حصص الثانوية الطويلة و المملة، حيث كان سماعها له بمثابة سماعها لسمفونية موسيقية عذبة...سماعه كان يعني التحرر من ملل حصة رياضيات تكرهها لتغادر القسم إلى قسم آخر حيث ستدرس مادة من المواد الأدبية التي تعشقها...
و كم كانت تريد التحرر هذا المساء فقط من حجابها و تزين نفسها كما تحب حتى تنال إعجاب خطيبها...
طرق على الباب قاطع أفكارها، ليدلف أيوب إلى الداخل مبتسما و هو يهتف: -"لقد وصل الضيوف و يطالبون برؤية الع...."
قطع حديثه بعد أن ألقى نظرة عليها ليجدها شاردة...غمغم باستنكار: -"ما بك إيمان؟ لم لم ترتدي حجابك؟ إن الجميع بانتظارك بالبهو".
هتفت و الدموع متجمعة في عينيها: -"لا أريد أن أرتديه...أريد أن أظل هكذا...أريد أن أكون جميلة هذا المساء، في النهاية حمزة سيصبح زوجي و لا ضير في أن يراني هكذا الآن".
ارتفع حاجب أيوب و فغر فاهه صدمة ليقول بعد لحظات من الصمت:"استعيدي بالله من الشيطان الرجيم يا إيمان و ارتدي حجابك".
ضربت الأرض بقدمها و كأنها طفلة حانقة، ثم قالت: «قلت لك أريد أن أخرج هكذا و إلا سأظل حبيسة غرفتي حتى ينصرفوا".
زفر أيوب بتعب ثم تحرك من مكانه ليأخذ الوشاح الذي اختارته لها والدتها حتى ترتديه مع قفطانها...مده ناحيتها و هو يقول بصوت هادئ : -"حبيبتي أتعرفين أنك تبدين أجمل بكثير عندما ترتدي حجابك".
لم تعلق و لم تأخذ الحجاب منه، فأخذ نفسا عميقا قبل أن يتابع برقة: -"لا تتخلي عن رضا الله من أجل وسوسة شيطان يا إيمان...حمزة لايزال محرما عليك رغم خطبتكما التي ستتم بعد قليل... عندما تعقدا قرانكما اجلسي أمامه حتى بمنامتك الطفولية التي عليها تلك القطة الجميلة، لا أحد سيمنعك وقتها".
قال الجملة الأخيرة و هو يغمزها، فتوردت وجنتاها و هي تتذكر ذلك اليوم الذي رآها حمزة فيه بدون حجاب...
أخذت الوشاح من يده و هي تمتم: -"ما الذي كنت سأفعله بدونك يا أخي العاقل؟"
قال بغرور: -"كنت ستضيعين بالتأكيد يا متهورة".
زمت شفتيها و ألقت في اتجاهه أول ما التقطته يدها من طاولة الزينة...أخفض رأسه لتصيب فرشاة الشعر الحائط من خلفه ثم قال: -"سأخرج من هنا قبل أن تقضين على وسامتي...علي أن أحذر حمزة منك قبل أن يتهور المسكين فلربما ضربته بمقلاة بعد زواجكما".
غادر الغرفة لتقهقه عاليا ثم تربط شعرها لتضع وشاحها و هي تتذكر مكالمة حمزة لها قبل ثلاثة أيام عندما أخبرته بشرطها في رسالة لتجده يتصل بها بعد دقائق...أجابت على اتصاله ليهتف بدون مقدمات: -"أهذا هو شرطك الوحيد؟"
-"أجل".
قالتها بهدوء فقال بعد لحظات من الصمت: -"لم أكن لأمنعك من الدراسة أو العمل يا إيمان...لست رجلا يقف في وجه أحلام شخص لأنه فقط كائن مؤنث...المرأة نصف المجتمع...النصف الذي يبني النصف الآخر منه...لذا لن أحرمك من شيء تريدينه لكن...."
توقف قليلا، فتوجست خيفة منتظرة الكلام الذي يلي تلك "اللكن"، غمغم متسائلا باهتمام: -"لكن أريد أن تتابعي دراساتك العليا و أنت زوجتي...برفقتي في فرنسا حيث أعيش لذا لا أدري إن كان تخصصك يدرس هناك...أعرف فقط أنك تدرسين شعبة أدبية كما أخبرني والدك".
قالت بهدوء:-"أدرس القانون باللغة الفرنسية".
أجابها باهتمام:-"جيد جدا...إذن سأكون سعيدا إن أحضرت لي أوراقك الدراسية و شهادتك الجامعية حتى أساعدك في الالتحاق بقسم الماجستير بتولوز".
قالت بحيرة: -"ماذا إن لم ينتهي ارتباطنا القادم بزواج؟ فأنا في النهاية لا أعرفك جيدا، و من الممكن ألا نتوافق".
لا تدري لم شعرت بألم بقلبها عندما أجابها بصوت غريب: -"أظن أن والدك يقدر على دفع تكاليف دراستك هناك إن لم نتزوج...و إلا يمكنك سحب ملفك وقتها من الجامعة و متابعة الدراسة في كليتك"...
*********************************************
بعد عيد الفطر بأسبوع:
كانت التجهيزات الأخيرة للحفل الذي سيقام في منزل عائلة إيمان بمناسبة عقد قرانها تجري على قدم و ساق...توجهت إيمان صباحا مع والدها إلى المحكمة من أجل عقد القران و عقلها يستعيد ما حدث طوال الأسبوعين الماضيين اللذان تليا حفل خطبتهما الصغير حيث تعرفت أكثر على حمزة أثناء لقاءاتهما و اتصالاتهما...حتى أنها لم تمانع عندما اقترح على والدها تعجيل عقد قرانهما حتى يجهز أوراق استقرارها معه في فرنسا قبل زفافهما...لقد وجدت فيه ما كانت تحلم أن يكون في زوجها المستقبلي: متدين ووسيم، بار بوالدته و يحسن التعامل مع الكبير قبل الصغير كما يعاملها برفق أيضا...لم يتجاوز يوما الحدود معها، ففي جميع لقاءاتهما و اتصالاتهما كان مثالا للخطيب المحترم...شيء واحد ينقصها لتكتمل سعادتها و هذا الشيء أصبح يؤرقها في الأيام الأخيرة: أن تنال قلبه...
لقد كان حلمها منذ مراهقتها أن تتزوج بشخص تحبه و يحبها..و ظلت متمسكة بهذا الحلم طويلا ليتسرب من عقلها فجأة بعد ارتباطهما، ليعود و يلتمع في ذهنها بعد أن ذكرتها به أحد قريباتها بطريقة غير مباشرة أثناء إحدى سهراتهم قبل أيام و رغم أنها ادعت اللامبالاة و السعادة بعلاقتها مع خطيبها كانت تخفي بقلبها أن سعادتها هذه غير كاملة و أن الحب حقا هو ما ينقصها...
صوت بداخلها يخبرها أن الوقت لازال طويلا على أن تتحول مشاعرهما معا إلى حب...هي معجبة به و بالتأكيد هو أيضا معجب بها...كأي شخصين عاديين قررا متابعة بقية حياتهما مع بعضهما...لكنها تريد أكثر من هذا الإعجاب؟ فهل سيتحول إلى حب بعد زواجهما ربما؟
توقفت أفكارها مع توقف السيارة فترجلت منها برفقة والدها ليدلفا إلى المحكمة...كان حمزة في انتظارهما برفقة عمه ...رفع عينيه ناحيتها و ألقى عليها نظرة لم تفهمها قبل أن يتوجها إلى القاعة التي ينتظرهما فيها العادلان لعقد قرانهما...
بعد ساعة كانوا يغادرون المحكمة، فقال حمزة بهدوء: -"عمي محمد أيمكنني أن أصطحب إيمان لنتناول الغذاء معا".
أجاب والدها ببشاشة: -"بالتأكيد يا بني، لا تحتاج إلى إذن فأنت زوجها الآن...لكن إياكما أن تتأخرا عن الحفل".
قال حمزة و هو يسحب إيمان ناحية سيارته: -"سنأتي قبله بالتأكيد"...
*********************************************
أوقف حمزة سيارته أمام بناية أنيقة، فقالت بتوجس: -"أين نحن؟"
قال بهدوء و هو يشير ناحية العمارة: -"هنا تقع شقتنا".
ارتفع حاجبها بتعجب و أعادت ما قاله باستفهام، فرد عليها بخفوت: -"بالتأكيد سنأتي كثيرا إلى الوطن و سنقضي عطلنا هنا...الشقة باسمك، إنها هدية زواجنا مني...أتمنى فقط أن تعجبك".
ترجلا من السيارة فغمغمت قائلة و هما يتجهان إلى المدخل: -"عندما قلت أن سنتناول الغذاء معا، ظننت أننا سنتناوله في مطعم".
كانا قد استقلا المصعد، فضغط على زر الطابق السادس ثم قال: -"أردت أن نحظى ببعض الخصوصية، لذا جهزت لك مفاجأة".
وصلا بعد لحظات إلى الطابق المنشود و الذي كان يتكون من شقتين متقابلتين...أخرج المفتاح من جيب سترة بذلته و فتح الباب ليقف أمامه و هو يقول بمرح: -"أغمضي عينيك أولا".
أومأت برأسها و أغمضت عينيها ليسحبها من يدها إلى الداخل...أغلق الباب من خلفه ثم سار و هو ممسك بيدها ليتوقف بعد خطوات و هو يقول: -"يمكنك أن تفتحيهما الآن".
فتحت عينيها ليكون أول ما أثار انتباهها طاولة الطعام المعدة بشكل رومانسي من أجلهما...ثم انتقلت لتقيم أثاث الشقة المريح و ألوانه المبهجة ليقول بعد لحظات: -"إذن هل أعجبتك؟"
أومأت برأسها ثم قالت: -"جميلة جدا".
سحبها من يدها في اتجاه النافذة و هو يقول: -"لم تري شيئا بعد".
فتح النافذة لتشهق بصدمة و هي تلمح الأفق الذي يظهر قريبا جدا من علوهما...قالت بسعادة: -"أتدري أنني كنت أتمنى منذ صغري أن أعيش بقرب البحر؟"
أومأ برأسه إيجابا ثم قال بهدوء: -"أتذكر أنك أخبرت قريبتي منى بذلك في صغركما: قلت لها أنك ستعيشي في منزل بجوار البحر و سيكون مليئا بالألعاب و لن تدعيها تدلف إليه أبدا".
ضحكت بخفوت ثم قالت: -"لقد نسيت ذلك حقا...يبدو أنك تملك ذاكرة حديدية".
حرك رأسه إيجابا ثم قال: -"سأذهب لأسخن الغذاء، لقد تركته أمي بالمطبخ...تابعي تجولك في البيت إن أحببت أو اختاري أي مكان لترتاحي فيه...سأعود بعد قليل"...
*********************************************
وقفت أمام المرآة الكبيرة ذات الإطار الذهبي المثبتة على الحائط تعدل شعرها بعد أن نزعت وشاحها...كانت شاردة الذهن حتى أنها لم تلمحه عندما مر بجوارها حاملا أطباق الطعام و تعلقت أنظاره بهيئتها طويلا قبل أن يتجه ناحية طاولة الطعام ليضع الأطباق و يقترب منها ليقف خلفها دون أن يلمسها...وعت لوجوده أخيرا فتضرجت وجنتاها بحمرة الخجل لقربه منها...همس بصوت عميق: -"أتدرين ما الذي كنت أتمنى أن أقوم به ذلك اليوم عندما رأيتك بدون حجاب؟"
رفرفت بأهدابها و التمعت خضرة عينيها أثناء همسها برقة: -"ما الذي تمنيته؟"
اقترب منها أكتر ليحتضنها من الخلف و مرر يده على خصلات شعرها و هو يقول بصوت أجش: -"أن أغرق بين خصلات شعرك الذهبية هذه".
أسبلت أهدابها بخفر حتى لا تلتقي بعينيه التي ترى انعكاسهما على المرآة...ابتعد عنها بعد لحظات لتفتحهما و تخرج نفسا مرتجفا من أعماقها قبل أن تلتفت لتقف قبالته لتقول بهدوء: -"أريد منك شيئا يا حمزة".
أومأ برأسه ثم قال: -"أطلبي أي شيء تريدينه و سأسعى ليكون بين يديك إن استطعت".
أغمضت عينيها شاعرة أن شجاعتها الوليدة تبعثرت مجددا لكنها استجمعت أشلاءها لتقترب منه و تقول بثقة و هي تضع يدها على قلبه: -"أريد قلبك يا حمزة...أريد أن يكون ملكا لي"....

*******
قراءة ممتعة

وإلى هنا تكون رحلتنا قد انتهت مع تغييير حياة إيمان للأفضل.
شكرا لكل المتابعين والمتابعات أتمنى أن تكون النوفيلا قد راقتكم وانتظرونا في أعمال جديدة إن شاء اللله إلى ذلك الحين أستودعكم الله.
وشكر خاصة وخالص من القلب لكل مشرفات قلوب اللواتي يسهرن من أجل التقدم بالمنتدى وإغناءه بكتابات كل مبدع


حفصة عزوز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس