عرض مشاركة واحدة
قديم 30-06-19, 11:28 AM   #27

الحمراوي

? العضوٌ??? » 447607
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » الحمراوي is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الحادي عشر والأخير

فتحت صوفيا عينيها على طرقات على الباب فقامت مسرعة وهي تهتف:
- " إريس "
ثم ما لبثت أن توقفت في منتصف الطريق بعد أن تذكرت أن إريس أقفل الباب من الخارج فكيف يطرقه؟
- " هذا ليس إريس "
قالتها صوفا في همس وهي تنظر للباب في توجس، فأتاها الجواب من الجانب الآخر للباب:
- " افتحي الباب يا صوفيا "
كان صوتا لا يمكن لصوفيا أن تخطئه فقالت في دهشة:
- " مولاتي الإمبراطورة؟ "
أجابت كاثرين:
- " نعم إنه أنا "
قالت صوفيا والدهشة ما تزال بادية في نبرات صوتها:
- " كيف عرفت مكاني يا مولاتي "
قالت كاثرين:
- " هل ستتركيني واقفة على الباب كثيرا يا صوفيا؟ "
أجابت صوفيا :
- " العفو يا مولاتي، لكن الباب موصد من الخارج ولا أستطيع فتحه"
أتاها صوت كاثرين :
- " إذن ابتعدي عنه واتركي أمره لي"
كانت صوفيا فعلا على مسافة بعيدة نسبيا من الباب فلم تكن بحاجة للتحرك، ثواني وفتح الباب بقوة لتظهر كاثرين خلفه لتفاجأ صوفيا مرة أخرى بكون كاثرين جاءت وحدها فقالت والاستغراب باد عليها:
- "هل أتيت بدون حراستك يا مولاتي؟"
أجابت كاثرين:
- " وما الغريب في الأمر؟ ألم نعتد على الهروب من الحراسة معا والتجول في الأحراش المحيكة بنا؟"
ردت صوفيا مستنكرة:
- " كان هذا في طيش المراهقة، أما اليوم فأنت إمبراطورة، عليك الاحتياط أكثر"
ثم نظرت للباب المكسور وهي تقول:
- " كيف فعلت هذا بالباب؟"
ضحكت كاثرين وقالت:
- " هناك الكثير لم تكتشفيه عني بعد "
ثم أضافت وهي تستدير خارجة:
- " هيا بنا سنكمل حديثنا في القصر"
تمتمت صوفيا :
- " لكن .. إريس ..."
قاطعتها كاثرين:
- " إريس ينتظرنا في القصر، لقد أخبرني أنه علم بتهديدات القادة الثلاث لي، ستكونين في حمايتي إلى أن نتخلص منهم، إريس قدم لي خطة رائعة لذلك وقد وافقت عليها "
لم تجد صوفيا حلا إلا أن تتبع كاثرين ما دامت تعرف كل التفاصيل، فلو كانت تريد لها شرا لأرسلت أحد القادة أو تابعيهم، لم تكن تعلم أن كاثرين هي من صنعت أحلامها ليلة أمس، ولولا أن كاثرين تأكدت من أن إريس لم يكشف سرها لها لما كانت الآن على قيد الحياة، أما كاثرين فقد وضعت خطة جديدة لإجبار إريس على تنفيذ أوامرها، مادام الموت لم يعد يخيفه فلا بد وأنه سيهتم بحياة صوفيا.
**********
- " لقد ظهر إريس "
قالها إمانويل وهو ينحني أمام ماركوس الذي قال بلهفة:
- " هل هو حي؟ "
أجاب إمانويل وهو يشد قامته:
- " في كامل صحته يا مولاي، والغريب أنه كان يمشي في ثقة وكأن شيئا لم يحدث حتى أن جنودنا بل ورجال لوكاس أيضا لم يعترضوا طريقه "
رد ماركوس وهو يحك لحيته:
- " لو كنت مكانهم لترددت في توقيفه"
ثم وجه كلامه لإمانويل:
- " أين هو الآن؟ "
رد إمانويل:
- "لقد توجه إلى مكتبه، وفي طريقي إليك وصلني خبر أنه ذاهب للقصر الإمبراطوري"
قام ماركوس من جلسته وقال لإمانويل وهو يغادر مسرعا :
- " إن لم يكن لوكاس قد توجه بالفعل إلى القصر فأخبره أن يلحقني هناك"
ثم قال في نفسه:
- " اختفاؤك المفاجئ وظهورك الغريب وراءه ما وراءه يا إريس، فلتشل ذراعي إن لم تكن تدبر أمرا جللا أيها الثعلب"
**********
كان إريس يقف في بهو القصر خارج قاعة العرش عندما سمع خطوات تقترب منه فالتفت إليها، كانت الخطوات لماركوس القادم بزيه الرسمي.
- " مرحبا أيها الوزير، لقد انقلبت الدنيا بسبب اختفائك المفاجئ "
قالها ماركوس فأجاب إريس وهو يرسم تعابير الدهشة على وجهه:
- " اختفاء؟ عن إي اختفاء تتحدث أيها الوزير؟ ألا يحق لي أن أخلو بنفسي وبزوجتي بين الفينة والأخرى؟"
قال ماركوس وهو يبتسم:
- " بلا أيها الوزير، لكن منصبك يحتم عليك أن تطلعنا على تحركاتك، لتأمين حراستك أولا وثانيا حتى لا تنتشر شائعات تضر المصالح العليا للإمبراطورية"
أشاح إريس بوجهه قائلا:
- " لم أعتقد أن الأمر خطيرا لهذا الحد؟"
رد ماركوس:
- " بل هو كذلك، لقد أصبحت مطلوبا بأمر إمبراطوري يا إريس"
نظر له إريس وقال في سخرية:
- " حقا؟ لم ألحظ هذا، بل العكس، فلم يعترض أحد طريقي"
رد ماركوس بابتسامة:
- " ليتني أمتلك هيبتك "
استدار إريس نحو ماركوس للرد عليه فلمح لوكاس قادما نحوهما، كان الغضب باد على لوكاس، وكيف لا وهو من تحمل غضب الإمبراطورة الأكبر بسبب اختفاء إريس وزوجته، اقترب لوكاس من ماركوس وقال له وهو ينظر لإريس:
- " لماذا لم تلقوا القبض عليه؟"
ابتسم ماركوس وهو يربت على كتف لوكاس قائلا:
- " تحكم في غضبك يا لوكاس، كان مجرد سوء تفاهم، إريس كان في نزهة مع زوجته "
قال لوكاس غاضبا:
- " نزهة؟ هل تدري ما تقول؟ منذ متى كان كبار المسئولين يتحركون دون إخبار الحرس الإمبراطوري؟"
ثم نظر لإريس الذي كان يرمقه في لامبالاة مما زاد في استفزازه وقال:
- " لا بد من عقاب رادع له"
أجاب ماركوس في محاولة منه لإغلاق هذا النقاش:
- "هذا أمر ستحسمه الإمبراطورة "
- " الإمبراطورة ؟"
قالها لوكاس وهو يهز رأسه ثم أكمل:
- "هي أيضا قامت بنفس الأمر"
نظر له ماركوس في تساؤل وقال:
- " ما الذي تقصده يا لوكاس؟"
أجاب لوكاس والامتعاض باد على محياه:
- " لقد أخبرني الحرس أنها خرجت قبل الفجر بقليل ورفضت أن يرافقها أحد بل كادت تبطش بهم عندما أصروا على مرافقتها"
أثارت هذه الجملة انتباه إريس الذي ركز أكثر في الحوار بين لوكاس وماركوس، هذا الأخير قال والدهشة تعتلي وجهه:
- "خرجت دون حراسة؟ وأين يمكن أن تذهب؟"
رد لوكاس:
- " لا نعلم، لكن على الأقل فقد عادت سالمة منذ قليل لكنها لم تكن وحدها"
اهتز قلب إريس وهو يتخيل تتمة جملة إريس الذي تابع:
- " صوفيا كانت بصحبتها "
تزايدت أنفاس إريس وهو يطرح عن مخيلته ما يمكن أن تفعله كاثرين بصوفيا، حاول التماسك حتى لا يظهر عليه شيء لكن ماركوس بفطنته لاحظ اضطرابه فقال له:
- " ما الأمر يا إريس؟ هل قال لوكاس ما أثار حفيظتك؟"
نظر إليه إريس للحظات حاول فيها استجماع نفسه وقال:
- " أنا أستغرب فقط، فليس من عادة الإمبراطورة الخروج وحيدة خصوصا في هذا الوقت"
قال لوكاس:
- " كما لم يكن من عادتك الاختفاء أنت وصوفيا"
لم يجبه إريس الذي كان ينظر للفراغ وهو يفكر:
- " صوفيا..
حبيبتي..
لم تستطيعي الصبر لسويعات فقط، أرجو أن تكوني بخير..
علي التحرك بسرعة..
الآن أو أبدا."
كان إريس قبل لحظات مترددا في تنفيذ خطته، لكن المستجدات الأخيرة ضيقت عليه هامش الاختيار، كان قراره حاسما، سينفذ ما خطط له حتى لو كان آخر ما يقوم به في حياته.
- " مولاتي الإمبراطورة"
كان هذا نداء الحاجب معلنا وصول كاثرين المرفوقة بحارسها أنطوان والتي تقدمت بخطوات ثابتة مسرعة نحو قاعة العرش التي فتحت باباها على مصراعيهما، وفقت كاثرين بجانب إريس الذي انحنى لها وقالت بسخرية هامسة له حتى لا يسمعها البقية:
- " صوفيا تبعث لك بتحياتها وتخبرك بأنها في حماية الإمبراطورة، لقد تركتها في مخدعي حتى أنتهي منك"
ثم تابعت مقهقهة:
- " لم أكن أعلم أنك تملك خيالا خصبا يا إريس، أعجبتني القصة التي رويتها لها"
بقي إريس منحنيا صامتا فاسترجعت كاثرين صرامتها وقالت:
- " ليتني أعلم ما في دماغك يا إريس، لكني واثقة من أمر واحد"
ثم أكملت طريقها وهي تقول:
- " عقابي لك سيكون قاسيا "
دخلت كاثرين قاعة العرش وتبعها ماركوس ولوكاس بينما بقي إريس واقفا ينظر للفراغ كمن فقد عقله، لكنه في الواقع كان يعيد حساباته، أفاق على وكز الحاجب له وهو يقول:
- " مولاي الوزير، الإمبراطورة تريدك حالا"
ابتسم إريس وهز رأسه للحاجب وهو يقول في نفسه:
- " مستعجلة على نهايتي أم نهايتها؟"
دخل إريس قاعة العرش واتخذ مكانه المعتاد دون أن ينظر لأحد من الحضور وهو ما أثار استغراب ماركوس الذي قال مخاطبا إريس:
- " حال الوزير لا يعجبني، هل هناك ماتخفيه عنا يا إريس؟"
أجاب إريس دون أن يرفع عينيه:
- " ستعرف كل شيء بعد قليل يا ماركوس"
تفاجئ ماركوس برد إريس بعد أن كان ينتظر إنكاره فلم يجد ما يقوله إلا أن أنطوان تدخل قائلا :
- " ولماذا لا نعرف الآن يا إريس؟ نعلم جميعا أن اختفاءك وراءه أمر خطير أيها الوزير، فأخبرنا به"
بقي إريس صامتا فتأفف لوكاس في ضيق وقال:
- " نحن نضيع وقتنا "
أسكتته طاثرين بإشارة من يدها وهي تقول:
- " إريس لن يتكلم في وجودكم، أليس كذلك يا إريس؟"
رفع إريس عينيه في اتجاهها ثم أخفضهما لتردف كاثرين:
- " إريد أن أختلي بوزيري، ليخرج الجميع"
حاول أنطوان أن يعترض لكن نظرة صارمة من كاثرين أخرسته ليكون أول الخارجين ثم ثبعه لوكاس وماركوس.
تحركت كاثرين بسرعة لا تناسب البشر لتقطع الأمتار التي تفصلها عن إريس وتمسكه من رقبته وهي تقول:
- " ماذا تظن نفسك فاعلا؟ هه؟ هل ظننت أنك تستطيع ملاعبتي؟ لا أحد يمكنه التغلب علي"
آلام شديدة شعر بها إريس وهو يخرج الكلمات من حلقه المخنوق قائلا:
- " إلا هذا "
فجأة أحست كاثرين بضعف شديد لترتخي قبضتها من على عنق إريس، أحس إريس بضعف قبضة كاثرين فأزاحها بسهولة وألقى بكاثرين أسفله ثم اعتلاها وهو يقول:
- " سبينتا ماينيو"
**********
- " أحسنت يا إريس "
قالها العجوز وهو يتابع إريس الذي انتهى لتوه من كتابة بعض الطلاسم حول الدائرة المرسومة على أرضية الكهف ثم تابع قائلا:
- " لم يبق إلا إحضار الأميرة كاثرين "
أجاب إريس وهو يراجع ما كتبه:
- " لقد قطعت شوطا طويلا يا مولاتي، قريبا سأكون من الحاشية المقربة للإمبراطور"
جلس العجوز على كرسي في ركن الحجرة وهو يقول:
- " هذا الجسد لم يعد يتحمل طاقتي أكثر، سيفنى قريبا"
ثم أشار لصندوق في الجهة المقابلة وهو يقول:
- " لولا هذا الصندوق لما استطاع جسد أن يتحملني أكثر من عشر سنوات على الأكثر"
نظر إريس للصندوق وقال في فضول:
- " ما الذي يحويه هذا الصندوق؟"
أخد العجوز نفسا عميقا ثم أجاب وهو مغمض العينين سارحا في ذكريات آلاف السنين :
- " تلك بقايا من جسد أخي التوأم"
ردد إريس في تعجب :
- " أخوك التوأم؟"
قال العجوز وكأنه يكلم نفسه:
- "أجل، "سبينتا ماينيو" لم يبقى منه إلا ما يوجد في هذا الصندوق"
( "سبينتا ماينيو" روح خيرة في أساطير الفرس كان يمثل الحقيقة والنور والحياة، لو اعتبرنا "أنغرا ماينيو" مرادفا للشيطان فسيكون "سبينتا ماينيو" بمثابة جبريل لدى المسلمين أو روح القدس لدى المسيحيين)
كان الفضول يقتل إريس فقال متسائلا:
- " وما المميز في بقاياه حتى يجعل أجساد البشر تتحمل طاقتك لمدد متضاعفة؟"
ضحك فالعجوز وهو يقول:
- " سيقضي عليك فضولك يوما ما يا إريس"
ركع إريس على ركبته وهو يقول
- " اعذري فضولي يا مولاتي "
نهض العجوز وسار نحو الصندوق، وقف يتأمله قليلا ثم فتحه وأخرج منه كتلا سوداء لزجة، تحسسها قليلا بأصابعه ثم استدار لإريس قائلا:
- " أنا الآن لا أملك أية قوى، بقايا أخي تمتص طاقتي كاملة، لكني لا أفقد سيطرتي على الجسد، بهذه الطريقة أعيد شحن خلايا الجسد مرة كل عامين فتطول بالتالي المدة التي يستطيع أي جسد تحملها، ليس هذا فحسب لكن لولا هذه البقايا لما نجحت طقوس الإحلال، فأثناء هذه الطقوس تتحرر طاقة رهيبة تمتصها بقايا " سبينتا ماينيو" ولولا ذلك لاحترق جسد البشري قبل إتمام الطقوس"
لم يكن إريس قد حضر طقسا من هذه الطقوس من قبل فتسائل في تردد:
- " هل يكفي تواجد الصندوق في الكهف لإتمام طقوس الإحلال؟"
أجاب العجوز :
- " كلا، بل يجب أن تكون بقايا أخي قريبة مني، والدك هو من وضعها في هذا الصندوق عندما انتقلنا إلى هنا"
ثم أكمل وهو يشير للدائرة المرسومة على الأرض:
- " أما أنت فستعيد بعثرتها داخل الدائرة، لا داع لإعادة جمعها مرة أخرى ما دمنا لا نعتزم تغيير الكهف، فهي لا تتأثر بأية عوامل خارجية"
- " أمر مولاتي "
قالها إريس وهو ينظر للكتل السوداء التي ألقاها العجوز أرضا.
**********
رغم إحساس العجز البشري الذي شعرت به "أنغرا ماينيو" إلا أنها لم تكن تعرف للخوف معنى فنظرت بأعين كاثرين لإريس بغضب شديد وقالت بصوت مخنوق:
- " أيها الخائن، حسابك سيكون عسيرا"
أجاب إريس:
- " لن تستطيعي فعل شيء يا مولاتي ما دمت أحمل بقايا توأمك، خطؤك أنك اخترت جسد فتاة ضعيفة لا تقوى على مقاومة من هو في مثل قوتي"
أحاط إريس عنقها بكفيه وبدأ بخنقها بشدة لترتعش كاثرين وتتغير النظرة النارية التي كانت تعلوها إلى نظرات رعب وألم مع حشرجة خرجت منها كلمات سمعها إريس بصعوبة:
- " أسرع يا إريس! أنه الأمر!"
ارتخت أيدي إريس لتنطلق شهقة من كاثرين حاولت بها ملأ رئتيها بالهواء، نظر لها إريس بدهشة للحظات وقال:
- " هل هذه أنت يا حبيبتي؟ "
أطلت من عيني كاثرين نظرة مستغربة قبل أن تقول:
- " أنت تسمعني يا إريس؟"
أمسكها إريس من وجنيتها ورفعها إليه قائلا بعينين دامعتين:
- " أنه أنت فعلا يا حبيبتي، لقد عدت أخيرا"
عادت نظرة الرعب لعيني كاثرين فأمسكت إريس من ياقته وهي تقول:
- " كلا يا حبيبي، لم أعد، ولن أعود أبدا كما كنت، "أنغرا ماينيو" تحاول التلاعب بك، أنا أقرأ أفكارها الآن، ستستغل حبنا لتدميركما يا إريس، هي من سمحت لي باستعادة السيطرة على جسدي، لكن لا تنخدع، اقتلني يا إريس، اقتلني يا حبيبي، سينتهي الأمر بمجرد مغادرة روحي لجسدي"
أجاب إريس والدموع تخنق كلماته:
- " لا أستطيع يا حبيبتي، لا أستطيع"
ردت كاثرين وقد بدأت الدموع تنهمر من عينها:
- " إن لم تفعلها الآن فستموت أنت وصوفيا بأبشع صورة، أسرع قبل أن يحس من بالخارج بالأمر"
قال إريس والألم يعصر قلبه:
- " سامحيني يا حبيبتي، أنا من وضعك هنا"
أجابت كاثرين ونفسها يتقطع:
-" لقد سامحتك يا إريس أبلغ سلامي إلى صوفيا، أخبرها أنني ....."
توقفت كاثرين عن الكلام فجأة، تحولت نظرة الرعب في عينيها إلى نظرة توسل فيما تزايدت الدموع الصامتة انهمارا، يبدو أن " أنغرا ماينيو" استعادت السيطرة على لسان كاثرين، لكنها تركت نظرة كاثرين البائسة في محاولة أخيرة منها لتثبيط همته.
كان إريس يبكي بحرقة، كان يعلم أن كاثرين الحقيقية توجد هنا في مكان ما، لكن لم يتوقع أن تطلقها " أنغرا ماينيو"، لقد صعبت عليه الأمر كثيرا، لكن كاثرين محقة، الآن أو أبدا.
بأيد مرتعدة حاول إريس خنق كاثرين من جديد إلا أن همته كانت قد ضعفت قليلا مما سمح لكاثرين بمقاومته، فأغمض إريس عينيه ليقوم بآخر حركاته.
بطريقة سريعة وخاطفة حتى لا يترك لنفسه مجالا للتردد أدار إريس رأس كاثرين بقوة فسمع صوت فرقعة عظام رقبتها، فتح عينيه ببطء لتطالعه نظرة خاوية من عيني كاثرين، تجمعت الدموع في مقلتي إريس وارتعدت شفاهه قبل أن تخرج صرخته مدوية في القصر كله:
- " كاثريييييييييييين"
كانت صرخة إريس الباكية كفيلة باثارة انتباه كل من سمعها، فكان أول المستجيبين لها هو أنطوان الذي جرد سيفه من غمده واقتحم الباب يتبعه كل من ماركوس ولوكاس والحارسين، كان إريس يحضن كاثرين ويبكي بحرقة فصرخ فيه أنطوان:
-" ما الأمر؟ ما الذي حدث؟"
نظر له إريس بعينين دامعتين دون أن يجيبه في الوقت الذي تحرك فيه ماركوس ليدفع إريس عن كاثرين ويفحصها قبل أن يقول بعينين جاحظتين:
- " لقد ماتت الإمبراطورة "
صرخ أنطوان وعقله لم يستوعب الأمر بعد:
- " ماذا؟ ما الذي تقوله؟"
ثم انقض على إريس وأمسكه من ياقته قائلا:
- " كيف حصل هذا؟ تكلم!"
نظر له إريس كشخص مغيب العقل وقال:
- " لقد قتلتها، لا لا، لقد حررتها ، حبيبتي حرة الآن، كلنا أحرار الآن"
صرخ أنطوان وألقى إريس أرضا دون أدنى مقاومة من هذا الأخير وهوى عليه بسيفه لولا تدخل لوكاس الذي اعترض بسيفه سيف أنطوان، ليصرخ أنطوان في وجهه:
- " هل جننت يا لوكاس؟"
حاول لوكاس تهدئته وهو يقول:
- " يجب أن نفهم ما وقع يا أنطوان ، بعدها سيعدم "
كل هذا وماركوس ما يزال على ركبتيه بجانب كاثرين يرقبها بعينين دامعتين، قبل أن ينهض ويهوي بمقبض سيفه على رأس إريس ليفقده الوعي وهو يقول:
- " الشيء الوحيد الصحيح الذي قلته يا لوكاس أنه سيعدم، فلا أنا ولا أنطوان نريد أن نفهم شيئا إلا إن كان هذا سيعيد الإمبراطورة للحياة، أرى أن تقام المحاكمة الآن"
كان لوكاس يعلم أن لا فائدة في محاولة إقناع ماركوس خصوصا وأن رأيه من رأي أنطوان لهذا فقد هز رأسه، وضع ماركوس قدمه على صدر إريس الغائب عن الوعي وقال:
- " هذا النذل متهم بالخيانة العظمى وباغتيال الإمبراطورة، فما قراركم"
أجاب أنطوان بسرعة وهو يغالب الدموع:
- " مذنب"
قال لوكاس أيضا:
- " مذنب "
نظر ماركوس لإريس الذي لم يستعد وعيه بعد وقال:
- " الحكم هو الإعدام في ميدان عام"
ثم استدار للحارسين وأشار لأحدهما قائلا:
- " أعلن في العامة أن عملية إعدام ستجري بعد قليل، ليأتي من يريد حضورها"
ثم قال للآخر:
- " أبلغ صوفيا بما حصل! قد تريد رؤية إعدام زوجها"
**********
أمام القادة الثلاث جر جنديين الوزير إريس وهو فاقد الوعي بين الحشود التي تعالت همهماتها وهي تحاول استفسار الأمر، في حين كانت صوفيا التي وصلها الخبر تبكي منهارة وهي تقول:
- " قتلتم مولاتي واتهمتم زوجي، تقتلونه ظلما أيها الخونة، لن يذهب دمه هدرا، ستكون دمائه لعنة عليكم أجمعين"
قي منتصف الميدان الكبير وضع الجنديان إريس في مكانه قبل أن يأخذ أحدهما دلو ماء ويصبه على رأسه لينتفض مستعيدا وعيه.
فتح إريس عينيه فرأى الأرض أمامه وعنقه فوق خشبة الإعدام
فجأة تذكر كل شيء
- " أنت ترتكب خطأ كبيرا.. ما كنت لأؤذيها أبدا "
خرجت الحروف ضعيفة من فم إريس لكنها مسموعة.
- " قل هذا الكلام للشيطان عندما تقابله في الجحيم الذي سأرسلك إليه"
أجابه ماركوس قبل أن يتبع كلامه بأمر اجتمعت المدينة كلها لتشهد تنفيذه.
- " نفذ! "
رفع الجلاد فأسه ليهوى على رقبة إريس ليتفاجأ الجميع بهذا الأخير يقع أرضا على جانبه الأيسر دون حراك، تردد الجلاد في تنفيذ الحكم ليصرخ ماركوس في الجنود:
- " ما الذي تنتظرونه؟ اعدلوه مرة أخرى!"
تحرك اثنان منهم استجابة لأوامر ماركوس، انحنى أحدهما على إريس يفحصه ثم رفع رأسه قائلا:
- " لقد مات يا سيدي"
كان المرض قد بلغ بإريس مبلغه وزادت من مضاعفاته الانفعالات التي تعرض لها في الساعات الأخيرة فاستسلم جسده للموت بعد أن أدى مهمته الأخيرة، فصوفيا الآن بأمان.
لحظات من الصمت الرهيب عمت الميدان لم يقطعها إلا صوت أنطوان الذي صعد منصة الإعدام دافعا الجنديين ليجذب إريس من ملابسه وهو يصرخ:
- " انهض أيها النذل! انهض والق مصيرك المشؤوم! انهض لأرى رأسك تطير جزاءا لما اقترفته يداك!"
حاول لوكاس بمعاونة ماركوس تخليص جثة إريس من بين يدي أنطوان وهو يقول له:
- " عد لرشدك يا أنطوان، لا فائدة في ما تفعل"
أجلس ماركوس أنطوان على درج المنصة قبل أن يلتفت للطبيب الذي يفحص الجثة بنظرة متسائلة، هز الطبيب رأسه في أسف وهو يقول:
- " ليس هناك ما يمكن عمله، لقد مات الوزير"
ابتسم ماركوس بجانب فمه في سخرية وقال:
- " حتى في موتك تنتصر علي يا إريس"
ثم وجه كلامه للحضور صارخا:
- " ليعد الجميع لمنازلهم، لم يعد هناك ما يمكنكم رؤيته"
بدأت الحشود المجتمعة تغادر الميدان باستثناء صوفيا التي توجهت نحو جثة إريس وهي تتعثر في مشيتها، انحنت على إريس وهي تبكي في صمت، قبلت جبينه ثم أمسكت يده ومررتها على بطنها وهي تقول:
- " كنت أخبئ لك مفاجئة ستسعدك يا إريس، ماذا سأقول لابننا عندما يسألني عن أبيه"
شعرت بيد تربت على كتفها فاستدارت لتجد أحد الجنود ينظر إليها في شفقة، لم يكن يحتاج للكلام لتعرف مراده، نهضت مفسحة له الطريق ليضع بمساعدة جندي آخر جثة إريس في محفة لحملها نحو مثواها الأخير.
**********
كان يوم شاقا لماركوس، فبعد ما حدث في الميدان الكبير توجه القادة وكبار المسئولين للقصر الإمبراطوري لمناقشة من سيتولى الحكم بعد الفراغ الذي تركته كاثرين، هناك من اقترح تكوين مجلس للحكم وهناك من اقترح الأكبر سنا لكنه لن يسمح لأحد بأخذ العرش منه، فهو الأحق به، لطالما رأى نفسه في القمة فلولا ظهور إريس في الإحداث لكان اليوم هو الإمبراطور، ما كاد ماركوس يضع نفسه في الفراش حتى استسلم للنوم سريعا، كان فعلا يومه شاقا ومتعبا.
**********
- " ماركوس، ماركوس"
فتح ماركوس عينيه ليطالعه وجه كاثرين المبتسم، أجابها بابتسامة
- " كاثرين؟"
قبل أن يتذكر ما حدث ليهب مفزوعا وهو يقول:
- " من أنت؟ أنت لست كاثرين، لقد دفنتك بيدي"
أجابت كاثرين بدلال:
- " اهدأ يا ماركوس، أنا كاثرين فعلا، صحيح أنك تحلم لكني موجودة فعلا، أتيت لأني أحتاجك يا حبيبي"
رد ماركوس وقد بدأت الدهشة تعلو وجهه:
- " تحتاجينني أنا؟ في أي أمر؟"
قالت كاثرين وهي تدور حول ماركوس:
- " ألا تتمنى عودتي للحياة يا ماركوس؟"
قال ماركوس والدهشة ما تزال تسيطر على تعبيراته :
- " وهل هذا ممكن؟ "
أجابت كاثرين:
- " طبعا ممكن، وعندما يحدث سأكون لك وحدك يا ماركوس، ما زال حبك لي ينبض في قلبك لهذا اخترتك أنت"
نظر لها ماركوس في عدم فهم فقالت:
- " سأشرح لك كل شيء يا حبيبي"
ثم أشارت للقمر الضخم الأحمر الذي يزين السماء:
- " ماذا تعرف عن قمر الدم؟"
تمت بحول الله
هشام الحمراوي


الحمراوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس