عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-19, 08:47 PM   #8

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


** الفصل الثالث **

اتلك طعنة سكين تلقاها قلبه الآن ام ماذا .. ما الذي يتفوه به اخوه .. هل جن ليرمي نسمته بذلك البهتان الباطل .. نسمة التي هي مثال الاعلى عن الاخلاق والادب كانت على علاقة سابقة بشخص آخر ..
كيف ذلك ؟؟!!
لا يصدق، كل خلايا عقله تصرخ به ان لا يصدق ..

اما مقداد فكان يقف لاهثا، متعجبا من حاله ..كيف افشى السر لأخيه .. كيف اخبره عن كوارث الماضي البشع ..وشوه صورتها المثالية بعينيه .. لكن هذا لا يهم الآن فقد سبق السيف العذل ... وما دام قد كشف الاثر . فالتفاصيل ضرورية حد الالم ... ويجب ان تكشف كل الاسرار ...فانطلق لسانه يحكي ويشرح وملامحه تكفهر بسواد مظلم ..يسرد حكايته مع نسمة .. حكايته مع الحزن
ليقول:
- كنت ببداية العشرينات يوم رأيتها اول مرة ..لانت ملامحه رغما عنه وهو يتذكر ذلك اليوم ..ومرت من امام عينيه خيال صورتها بعباءتها وحجابها ورأسها المنخفض بحياء ..فأرتجف قلبه لذكراها بحب خالص ...ليكمل ...
- تعلق قلبي بها بلحظتها وكأنها القت علي تعويذة سحر اسرتني بها ..ومن وقتها صرت اراقبها واتحين الفرص لرؤيتها علني اهدء قلبي المتاع لها و اروي شوقي الدائم ، فقلبي اصدر حكمه الذي لا رجعة فيه انها من يريدها ، هي الغاية و المنتهى و لا سبيل للحياة من دونها.



خفت ان اتقدم لها فترفضني عائلتها بحجة اني لم اكون نفسي بعد ..
فعملت بجد واشتغلت بأكثر من عمل لكي استطيع توفير الاساسيات من المهر والذهب وغيره ..
لكن انشغالي بأعمالي جعلني اقلل من زيارتي لمنطقتها .. وهذا الامر دمرني ..فقد كنت اريد ان اعرف اخبارها باي ثمن ..

وقتها كان عندي صاحب هو جار لهم، بيته ملاصق لبيتها اسمه سُليمان. و مع اني كنت لا اطيقه لسوء اخلاقه، الا اني كنت متمسكا بصحبته فهو الوحيد الذي اتيحت لي فرصة التقرب منه لكي استطيع مراقبتها و معرفة اخبارها بحكم انها ابنة جيرانه.
و قد تحريت الحذر في كلامي معه، فكنت اذكرها بطريقة عابرة في كلامي كي لا اثير شكوكه، لكن للأسف، على الاغلب فهم مقصدي.
وفي احد الايام، وبينما انا ذاهب لسليمان كعادتي، شاهدته يعبر من سطح منزلها الى منزله .. فجن جنوني وركضت مسرعا لبيته لافهم ..
ليكون ذلك الموقف صدمة حياتي
اغلق مقداد عينيه يتنفس بتعب مجهد ، فذلك المشهد الغاشم يأبى الرحيل من مخيلته .. مشهد اغتيال حلمه ..
و هاهي تلك المشاهد تتزاحم امام عينيه و كان الحادثة حدثت بالأمس القريب.
((كان سليمان جالسا مسترخيا على كرسي منجد واضعا ساقيه على منضدة صغيرة امامه وبين اصابعه سيجارة يستمتع بنفث دخانها بتمهل بأنفاسه النتنه و قد ارتسمت على وجهه ابتسامة كريهة .. قميصه متهدل غير مزرر من الاعلى و قد بانت من تحته سلسلة رخيصة تتدلى من عنقه. ببساطة، كان بصورته تلك اقرب للشيطان. بينما كان مقداد يلهث من شدة الانفعال و لم يقدر السيطرة على نفسه و عقله يصور له افكارا سوداء لا حصر لها، ليسأله بنبرة حاول جعلها بسيطة لكنها خرجت منه رغما عنه مرتعبة .. مرتجفة ..
- لقد رايتك تقفز من سطح المنزل المجاور، ماذا كنت تفعل هناك؟
ليجيبه سليمان بنبرة خبيثة و هو يراقب باستمتاع دخان السيجارة:
- كنت مع ابنة الجيران، أآخ وَنْها يطرب الاذان

زلزال مدمر هزه وهو يتسمع الى رنة صوت سليمان المتغني بأناتها .. فكانت كلماته كخنجر مسموم انغرس بقلبه فارهق دماءه و حوله الى اشلاء،

لم يقدر مقداد ان ينبس ببنت شفة، فالصدمة كانت قوية. استدار و غادر البيت يجر وراءه ذيول الخيبة و الخذلان. .. فقد ذبح حبه من الوريد الى الوريد واستشهد خافقة بمعركة دون ان يحسب شهيد .. انهار عالمه عندها ..فكيف لتلك الفتاة التي يراقبها لعام كامل وهي تسير بخفه وخجل .. فتاه تحمل في نظراتها براءة الدنيا ... ان تكون على علاقه بأسوء الشباب في اخلاقه ..ما الذي ينقصها لتخون ثقة اهلها وتغامر بسمعتها مع ذلك الفاشل .. الذي مهنته الاولى اللهو مع النساء .. لهو خبيث يتجاوز النظر و الكلام الى حد افعال الحرام ))))
و عندما وصلت به الافكار الى هذه النقطة، فتح عينيه متألما. و كانه يحاول ان يمحو الذكرى المشوهة لذلك اليوم المشؤوم فيطالعه وجه سومر الذي اضحى مصفرا كجثة سلبت منها الروح .. بسبب ما قاله له.
لكنه عاد ليكمل مسببا المزيد من العذاب له و الصدمات لأخيه:
- بعد ذلك الحادث، ابتعدت ورحلت بدون ان اعرف اين المفر ..كنت اريد الابتعاد ..الهروب من عار لحق بقلبي .... فوجدت نفسي عند مقام احد اولياء الله الصالحين .. فدخلت اليه ابكي لله ضعفي و اشكي له قلة حيلتي و عظم مصابي، ابكي جرح قلبي النازف و وجع كرامتي
فاتاني الالهام من الله ان ارجع ..
وبالفعل رجعت ولكن بعد اربعة ايام .. لأجد صيوان عزاء كببر مقام امام دارها ..لحظتها شعرت بألم كبير في صدري ...باختناق حبس الروح ...وعقلي يصور لي انه سرادق عزائها، انها لم تعد تتنفس الهواء مثلي، ان اهلها علموا بأفعالها وقتلوها .... فيثور قلبي خافقا بقوة آمرا جسدي ان يركض ليعرف الاخبار .. وهناك تفاجأت بان سليمان هو من مات _محروقا_ بسبب حريق شب بغرفته وكثرت الاقوال بين من يرجح ان السبب كان عقب سيجارة سقط على الملاءة و بين من يعتقد انه تماس كهربائي. وبعد ان استفسرت اكثر ..فهمت بأنه احترق بعد ان غادرته ذلك اليوم ..وتوفي بعدها بيومين متأثرا بحروقه البليغة.
وهناك لمحتها وانا في خضم صدماتي وهي تخرج مع والدتها من منزلها تتجه لمنزل الجيران فراقبتها تتلكأ قبل ان تدخل بيت سليمان .. وهي ترفع نظرها للأعلى فتتجلى امامي عيناها بنظرتها البريئة ..فينسى عقلي كل شيء عداها ...
ودون تفكير، أخذت قراري بانني لن اتركها و سأتزوجها رغم كل ما حدث.
فانتظرتها حتى خرجت من العزاء لتعود لدارها .. فأسرعت متجها اليها مستغلا كثرة الناس وانتشارهم .. لأدس بين يديها ورقه صغيرة .. وابتعدت ..
ووقفت اشاهدها كيف التفتت للخلف بوجل تبحث بالوجوه عمن تجرأ وفعل تلك الفعلة لأشير لنفسي امامها.. فرمقتني بنظرة استياء ..
و دخلت منزلها وماهي لحظات حتى عادت لتخرج رأسها من خلف الباب وهي ترمقني بنظرات زائغة تملؤها الدموع ..
... فجن جنوني لأني ظننت انها تبكيه ..

فرحلت تاركا اياها تتخبط ..
عندها عاود مقداد اغماض عينيه و كانه يحاول ان يتذكر الكلمات التي كتبها وقتها
((انا اعرف كل شيء
اعلم بأن سليمان كان عندك قبل موته. )))
لا يعلم هل كان تهديدا ام اقرار .. لكن المؤكد انه اراد ان تعرف انه كشف زيفها و خداعها... وعرف سرها ..



وعاد ليكمل كلامه لأخيه ..
- وبعدها انتظرت مرور شهرين وتقدمت لخطبتها وللمفاجأة وجدتها وافقت بسرعة .. وبدون اي مهر او مقدم ..

ومنذ دخلت منزلي، اقفلت عليها ..خائفا من ان يتكرر الماضي من جديد وتخون ثقتي كما خانت ثقة اهلها من قبل ..

هل فهمت الآن سبب تصرفي بغلظة مع نسمة و تضييقي عليها يا اخي

واخي خرجت منه ككف تشد وتآزر .. كقشة تحمله في وسط الاعصار . فيتمسك بها فتنقذه ..
لكن سومر لم ينتبه له ..ورحل بدون ان يتفوه بكلمة ..رحل وهو منكسر القلب .محطم الوجدان ... خرج من المستشفى هائما بدون عقل ..عبر الشارع المليء بالسيارات غير آبه لها ولا لأبواقها المنبهة له، بقي يمشي ليجد نفسه عند بيتهم .. فقد قادته قدماه لموطنها .. فدخله مطأطأ الرأس .. بقلب هرم عاف الحياة و كفر بها.
فوقف ببهو المنزل يبحث بين طياته عنها
عن رائحتها ..عن صوتها ..
يدير رأسه في ارجاء البيت فيلمحها ..
فهنا امام غرفة الجلوس، احتضنته تواسيه عندما وبخه اخوه بعد شهرين من زواجهم ... وهناك في الفناء المفتوح، اطعمته بيدها عندما مرض ..هنا ضحكت معه .. وهناك كانت جلست على سجادتها تبتهل .. كل ركن من اركان المنزل يصرخ بانها سيدته .. كل زاوية وكل قطعة فيه تشهد انها تركت بصمتها عليها .وهو بذلك أختصر العالم فيها ..
فهي امه التي راعته ..
واخته التي احاطته
وصديقته التي احبته
وحبيبته التي فهمته ..
هي كل النساء الكون .. هي الاولى وهي القدوة ..
هي الاعلى والارقى .. هي الاقدس والاطهر
فكيف يصبر ويفهم ..وهو يرى تمثالها العالي يهدم ..

فها هي صورتها المثالية تحطمت الى شظايا انغرزت في روحه. فكيف سيصبر على هذا الوجع و كيف سيستوعب هذه الحقيقة البشعة.
آااااه طويلة شقت حنجرته وهو يجلس قرب السلم حيث كان ينتظرها ..
آه يا نسمة القلب كيف غدرت بقلبي ..
كيف جرحت الفؤاد واجرمتِ ..
.. اغمض عينيه يتوسل الدموع لكي تنزل عساها تهدئ من لهيب قلبه .. لكنها ابت الانصياع له .. وتركته وحيدا منهارا ..
فلم يقو على الاستمرار حبيسا بين الجدران .. لينهض مغادرا البيت .. وهذه المرة بلا رجعة ..
*******
طوفان من الاحضان الدافئة و القبلات اغرقه.... من نسائه اللواتي يحاوطنه من كل جانب .. امه واخته وابنته ..الاحب الى قلبه ..
فقد عاد اليهن بعد شهور طويلة .. في إجازة ...
ليترك لهن نفسه وهن يتبارين في الترحيب به .. لامه واحضانها بالرغم من تعبها ومرضها ..ولأخته وهي تدلله بحنانها .. وابنته ..فميلاد ليست فقط ابنه شقيقته بل هي بالنسبة له ابنته .. هو من رباها منذ طفولتها ورعاها .. مع ان الفرق بينهما سبعة عشر عاما فقط الا انها زرعت غريزة الابوة فيه واخرجتها مبكرا..
فكانت عواطفه ناحيتها ابوية بحق ..
ادار رأسه يمينا بجلسته ... كانت ميلاد تجاوره وهي تحكي له باستفاضة وتقص عليه كل ما مر بهن وهو غير موجود .. تخبره عن العابها وعن ما اشترته امها لها من ثياب ..وتذهب راكضة لتجلب فساتينها الجديدة لتريه اياها وهي تضحك وتتكلم عن سعر الثوب والمناسبة التي ارتدته فيها ..
وهو يسمع لها ويهادنها فيما تفعله ..
حتى نقلت نصف خزانتها تقريبا لمكانه حيث يجلس ..
ولكم اشتاق لجنونها .. بينما امه واخته لا تتوقفان عن الحديث معه
وها هو اخيرا في غرفته .. ممدد على سريره بعد ساعات قضاها مع اهله ..ما بين وجبة دسمة وحكايات عن الاحوال ..استطاع ان ينفرد بنفسه .. ليرتاح ..
مد يديه للجارور المجاور له واخرج منها رسالتها الفريدة .... هذا ان صح ان تسمى برسالة ...فقد كانت ورقة مطوية مصفرة اللون من قدمها
كتبتها هي له .. قبل اربع سنوات .. عندما سافر لأحدى المدن الشمالية .. توصيه فيها على طلبات لها ..
((اساور بلاستكية حمراء بشرائط ذهبية
اربطة للشعر على شكل فراشة تتحرك اجنحتها
طلاء اظافر ازرق اللون
معطر للجسم يدعى شارلي
واخيرا قلادة فضية اللون وميداليتها على شكل زهرة)) ..
وباخر الرسالة تخبره انها ستشتاق له وتوصيه على نفسه ..
فكانت تلك الورقة الذكرى الاغلى و الاقرب الى قلبه.
يومها اشترى لها كل ما تريد وزاد عليها بحاجات تسر الفتيات المراهقات بعمرها .. وفرحتها بما اعطاه لها كانت له الهدية الاعظم .. فبسمتها هي نور حياته ..
شوق، ابنة خالته التي تصغره بثلاث سنوات .. وحبيبة طفولته ..وصباه ..الموعودة له منذ الصغر ..
القريبة البعيدة ..
اطلق انفاسه متحسرا
فوالدها الخال فرات هو سبب حرمانه منها .. فلكم تقدم لها ليطلبها للخطبة رسمياً .. ولكن خاله يرفض و في كل مرة كان يتذرع بحجة جديدة، تارة لصغر سنها ..وتارة لكونها وحيدته .. وغيرها وغيرها من الاعذار .
وهو مع كل رفض يزداد اصراره ..
و لن ييأس، فهذه هي حربه الكبرى التي سيكسبها بالتأكيد ..
وفي هذه الاجازة سيذهب لخاله ويكلمه ..فها قد تخرج والعسكرية ستنتهي وشوق دخلت الجامعة ..فما حجته بعد ذلك..
طوى ورقتها ووضعها بمكانها ..وغط بنوم عميق تخلله احلامه بشوقه ..
**
يسندها بقوة وذراعه تلتف حول ظهرها والاخرى تمسك كفها وهي تشد عليه .. يحاول ان يجعلها تسيير ببطء حتى لا تتأذى ولكنه يسمع صوت آهاتها كلما تحركت خطوة.
فيبتلع المه بصعوبة، اذ انه لا يريد ان يظهر وجعه امامها.
خطوة تتبعها اخرى ..ليصل بها اخيرا لسريرهما فيجلسها ..ليشاهدها تعض على شفتيها من الوجع ..
فيدير رأسه يمسح دمعة غافلته قبل ان تراها. هي تحتاجه الآن وبقوة .. وسيكون لها السند والعون لتتعافى.

رجع اليها ليخلع عباءتها ويمسكها بخفة وهو يمددها نائمة على ظهرها ..لتستوي في جلستها فلا تتألم ..
مال عليها يعدل لها الوسائد تحت رأسها .. وانحنى للأسفل ليرفع قدميها ويضعهما على السرير بعد ان خلع نعليها و جواربها
لتنكمش على نفسها حياءً وخجلا منه .. بينما هو مستمر بتعديل جلستها . .. غافلا عن انكماشها ..

لينتهي بوضع غطاء خفيف عليها .. مقبلا جبهتها كاعتذار منه عما بدر . ..
فهو لا يتقن فن الكلام وتوصيفه .هو رجل عادي كل اقواله افعال ..
وهي تفهمه ..تعرف ان تصرفاته بديل عن لسانه الحاد كالمنشار ..
استعدل واقفا ليغادر الغرفة ..لتوقفه متسائلة ..
- أين سومر ؟ لم اره منذ فترة ..
ابتلع ريقه وهو ينزل رأسه .. اين اخوه ..هو نفسه لا يعلم.. .. فبعد حديثهما الصادم وكشف الاسرار .. رحل ..
وقد عرف بعدها بانه قطع اجازته وعاد للالتحاق بالعسكرية من جار لهم قبل ايام عندما عاد للمنزل ليجلب حاجات لزوجته الراقدة بالمستشفى. اذ سلمه المفتاح الذي اودعه سومر لديه قبل مغادرته

لقد ابتعد بعد معرفته بأسرار الماضي .. وهو لا يلومه فصدمته كانت كبيرة ..
لكن كيف يقنع التي خلفه بان كل شيء على ما يرام.
فاستدار اليها وهو يبتسم بارتباك ..
- سومر عاد الى المعسكر مجددا.
ليسمعها تتأسف وهي تدمدم بنبرة مثقلة بالنعاس
- يا للأسف، كنت اريد رؤيته قبل مغادرته ..
هز راسه متفهما حاجتها للنوم بفعل الادوية التي تتناولها.
وخرج من غرفتهما وهو يزفر بتعب .. حالتها هكذا تؤلم روحه .. هو لا يطيق ان يمسها سوء ..
هي انسانة هشة مهما ابدت من قوة تبقى ضعيفة .. ووجعها يأكل كل طاقاته ..
اخذ شهيقا محمل بالهموم ..فلا يعلم كيف يتصرف .. ما بين تعب زوجته وحاله اخيه الذي تهشم في نظره مثله الاعلى.
***
دخل عليها حاملا بين يديه صينية عليها بعض المأكولات .. ليجدها على سجادة صلاتها بوضعية السجود ..ونهنهتها تخرج منها بصوت عال ..دليل بكاء مكتوم .. ليضع الصينية من يده ويتقدم منها بقلب جزع .. يرفعها ببطء لتقابله عيونها المحمرة وانفها السائل فتخلع روحه لمرآها هكذا ..
ليسالها بصوت مرتجف عن سبب بكائها.
فلا تجيبه ..بل تستمر ببكائها الذي يقطع اوصال العشق ..
فيردد سؤاله مرة بعد مرة ..
الا ان سمعها تتكلم بخفوت مميت:
- أنا لا استحقك ..لا استحق عنايتك بي ..او اهتمامك
وتعود لتنخرط ببكائها .. وتكمل بنبرة اليأس المجسم :
- انا محطمة ..
فلن امنحك الاطفال يوما ..بسبب عقمي ..
وجسدي ...
جسدي تشوه بفعل الاحتراق ..

فلم يعد لدي شيء لأعطيك اياه
انا امرأة منتهية ..لا تصلح لأي دور ..
فلم تبقى معي ..
وعادت لبكائها .. فقد اثقلها شعورها بانها حمل صعب عليه .. فهو
لم يفارقها منذ ايام .. يعتني بها ويداويها ويطبخ لها ..
وهي تشعر بالعجز ..شعورها هذا يحطمها .. فكيف تكافئه لا بولد يفرح به .. ولا بجسد يمتعه ..


هي باتت مسخا ..



بينما هو يراقب ثورتها الدامعة بهلع .. اصابت قلبه بمقتل... كيف تلمح له ان يتركها ..وهو بسبب وجودها بالحياة فقط يعيش ..
فاقترب منها يعتقل وجهها المتورم بين كفيه لينثر قبلات خفيفة على خديها وجبهتها وعينيها المنطفئتين من شدة الحزن .. يخبرها بطريقته الحسية انه هنا معها دوما وابدا
لينتقل الى شفتيها المتنهدة بالألم ساحبا منها كل انفاسها الحبيسة ..راغبا بالتخفيف عنها ..
فتثقل انفاسه هو برغبة مجنونة للاندماج معها.
ابتعد عنها ليوقفها بهدوء مراعِ. يخلع عنها اسدال الصلاة ..ويسير بها للسرير يبرهن لها انه غير مبال بما تقوله ..
يئد ممانعتها بمهدها وهو يزيح ملابسها ..ليكشف جسدها ..وهو ينظر اليها بعيون العشق .. فلا يرى جلدها المجعد على جانب بطنها وفخذها .. بل يراها كاملة ..جميلة .. ومذهلة ..فيمرر كفيه على حروقها بخفة ويهبط بشفتيه ليقبلها ..
فتسيل دموعها اكثر .. وهي تراقب حرصه البالغ معها .. وهو الذي كان معروفا بجنونه وقوته سابقا ..
لكن هذه المرة كان مختلفا ...مراعيا متفهما .. هادئا ..
لدرجة انه كفكف بحنانه الغير معهود دموعها وانساها وجعها ..
وجعلها تعيش بعالم من الدلال ..
هذه المرة اختلفت كاختلاف الليل والنهار ..


وهو تفاجأ من نفسه كيف روض رغبته الجارفة بالوصال .. وعاملها برقة .. لأول مرة لا يترك آثار جنونه عليها فلا كدمة حمراء ولا اصابع مطبوعة ...
كان كمن يعامل الماء في الاناء بحرص فيخاف عليه من الانسكاب ..
ليبتعد عنها لاهثا من فرط متعته ..وهو يرى ملامح الرضا تلون محياها ..
ليستدير نحوها ويحتضنها بطريقتها هي ..وكانه يعلن تمسكه بها..
ليقول بنبرة متهدجة
- أنتِ لدي كل النساء فاخرسي ..
فتبتسم وهي تداعب شعر راسه الغافي على صدرها ..
فها هو حبيبها قد اعطاها الجواب الشافي الذي اثلج صدرها.
******
يوم واثنان وفي كل مرة نفس الرد .. فزوج خالته المحترم يتعلل بانه مشغول ولا يقابله .. لكنه ذو عزيمة شرسة فلم يبال .. فاجبر خاله على الجلوس معه والانصات .. ويا ليته ما اجبره ولا جلس معه .. فزوج خالته جرحه وطعنه بسكين حاد ملوث .. وترك الجرح ينزف قيحا .. فبعد جلوسهما و مفاتحته بموضوع الارتباط بشوق، اخبره خاله صراحة انه رافض رفضا قاطعا لتزويجه بابنته متعللا بالقول:
- أنا لن ازوج ابنتي برجل ليس من طائفتي ..

عقد لسانه وقتها و لم يستطع ان يرد. ما هذا الهراء الذي يقوله، عن اي طوائف يتحدث هذا المخبول؟
كيف ينسف حلمه بهذا العذر القبيح. بقي يستمع لهذرة و هو يعيد و يكرر انه لا يرتضيه زوجا لابنته لاختلاف انتمائهما الطائفي.
استمر على جموده و لكن عقله لم يرحمه و الافكار تتصارع داخل عقله:
كيف يفكر خاله المبجل؟، كيف تدنى مستواه ليفكر بهذه الطريقة؟، لماذا يرى الطائفية عائقا امام ارتباطهم و الحال انهم يعتنقون نفس الدين؟. فلماذا هذه التفرقة و لماذا هذا التعصب للطائفية؟

.. لما يمزقون مشاعرنا بهتافاتهم الباطلة .. أليس من حقنا الحب .. فما الفرق بيننا وبينهم .. ..

ركن رأسه الى الخلف .. ويداه تمددتا على مساند الكرسي الجانبية .. حالته مثال حي عن التشتت .. فحديث خاله فرات شل مشاعره واصابها بالتلبد .. فعاد من عنده وهو مصدوم ورمى بجسده على اول كرسي قابله .. ومن وقتها وهو جالس هكذا .. مرت من امامه اخته تحدثه بهدوئها ورزانتها .. اخته التي اوحى كلامها بأنها تعلم .. تدرك ان الخال فرات ممانع لأجل افكار رجعية ... فلم يعاتب او يسال كيف عرفت ذلك .. فلا يهم .. فمال ناحيتها يربت على كتفها وهو ينهض .. يجب ان يراجع حساباته ويهيأ نفسه جيدا ويعد العدة اللازمة لكي يواجه خاله .. فأمامه معركة سيخوضها ناويا الفوز ..ولا بديل عن الفوز بها ..
*****

...... يخلع سترته وربطة عنقه .. بينما قدماه تخرج الحذاء منهما .. ليرى امه تدخل خلفه للغرفة ..تحمل بيديها قدح ماء .. فسألته وهي تعطيه اياه ليشرب:
- اخبرني بني، ماذا فعلت اليوم ..؟
فيرد وهو يتنهد بتعب:
- اليوم ذهبت لمن تبقى من وجهاء المنطقة و كبار العائلات، .. واخبرتهم بما اريد .. واقنعتهم ان الحق معي .. واتفقنا جميعا ان نذهب يوم الجمعة القادم لخالي فرات .. ليكلموه في محاولة لأقناعه بالعدول عن رايه الذي لا اساس له من الصحة.
لتهز والدته رأسها متفهمة .. وترفع رأسها للأعلى متمتمه بالدعاء له عساه يحقق ما يريد فهي للأسف لا يوجد بيدها شيء لا هي ولا اختها .. تذكرت كيف اتفقتا هما الاثنتان ان يزوجا ابنها وابنتها ببعض منذ طفولتهما، و ازدادا اقتناعا بالفكرة بعد ان راتا تعلقهما ببعض في مرحلة الصبا. ولكن للقدر تصاريف اخرى .. ومعارضة فرات اولها .. و في اخر زيارة لأختها، اخبرها فيها ان يبتعد ابنها عن ابنته ..واختها سكتت فالأمر اكبر من تدخلها ..فهو الآمر والناهي بالموضوع كله .. وها هي اليوم تقف مكتوفة اليدين تراقب ما يحدث وكل امنياتها ان يرتاح قلب ابنها .. همت بمغادرة الغرفة ..

واذ بميلاد تدخل كعاصفة لاهثة وهي تقول بارتباك:
- خالي ..جدتي .. لقد تزوجت شوق .. !!


سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس