استرجع عقله شريط ما حدث بينهما مراراً لينقبض قلبه أكثر وهو يخبره أنّه لا يقبل باستسلامه وخسارته لها .. لا يقبل أبداً وعليه أن يجد حلاً ليعيد حبيبته إليه مهما كان الثمن.
صوت جرس الباب انتزعه من ذكرياته ليفتح عينيه معترضاً بزمجرة خافتة وهو يتقلب في الفراش .. استمر الرنين بازعاج لينهض متمتماً بنزق _"حسناً .. حسناً .. أنا قادم"
نهض بتثاقل متجهاً لباب الشقة وهو يهتف
_"من؟"
أتاه صوت (مراد) يقول بعصبية
_"هذا أنا يا (عماد) .. افتح يا رجل"
فتح الباب واستقبله بوجه متجهم ليدلف (مراد) للداخل وهو يهتف
_"ما بك؟ .. لماذا تغلق هاتفك وتنعزل عن العالم هكذا؟ .. هل تعرف كم حاولنا الاتصال بك؟"
زفر وهو يتحرك دون رد وألقى جسده على الأريكة وأغمض عينيه ليتأمله (مراد) بغير رضا وهو ينظر لوجهه المرهق ولحيته التي استطالت أكثر عن السابق وهتف فيه وهو يجلس مقابله
_"ماذا حل بك يا رجل؟ .. هل رأيت شكلك بالمرآة؟ .. تبدو مخيفاً"
ابتسم بسخرية ليميل (مراد) مقترباً منه ويقول بحزم
_"أين ذهب صديقي (عماد)؟"
هز رأسه وابتسامته الساخرة تتسع
_"صديقك (عماد) خسر كل شيء يا (مراد) .. خسر نفسه وروحه وحبيبته .. كل شيء .. اتضح كم كان غبياً وساذجاً .. هل رأيت ما فعل صديقك بنفسه؟ .. لماذا لا تقول "ألم أنصحك كثيراً يا (عماد)؟""
قطب قائلاً بهدوء
_"وما الفائدة من قولها الآن يا (عماد)؟ .. هل ستغير ما حدث؟ .. أنت بالأصل لم تخبرني بكل ما كنت تخطط له .. لو عرفت ربما استطعت منعك في الوقت المناسب لكن .. حسناً .. كان للقدر كلمته في النهاية .. هل ستبقى هنا تبكي على اللبن المسكوب؟"
تنهد بحرارة وهو يتراجع بظهره مسترخياً
_"أنا لا أبكي على اللبن المسكوب .. أردت الاختلاء بنفسي لأعيد حساباتي .. لأعرف من أين سأبدأ خطوتي القادمة .. أنا لن أتراجع عن وعدي بالانتقام .. هذه المرة ممن يستحق بالفعل .. سأحاول التكفير عن ذنوبي بأي طريقة رغم أنني أعرف أنني ربما لن أنال المغفرة .. لكن لا بأس .. أنا أستحق .. سأدفع ثمن أخطائي حتى النهاية"
تأمله ملياً ثم قال مشيراً إليه
_"لا يبدو لي هذا مظهر رجل يختلي بنفسه ليعيد حساباته .. هذا شكل رجل متشائم لو تركته يوماً آخراً سأعود لأجد رسالة انتحار أسفل جثته المعلقة"
لم يقاوم (عماد) ضحكته ليبتسم (مراد) بخفوت ومد يده يربت على ساقه ويقول
_"هيا يا صديقي .. انهض واغتسل وبدل هيئة المتسولين هذه وعد معي للبيت .. معي أمر صارم بإحضارك للضرورة"
نظر له بتساؤل ليقول
_"عمك يريدك .. حاولنا الاتصال بك لكنّ هاتفك مغلق .. يقول لك أنّك قد حصلت على خلوة كافية ويريدك أن تتخلى عن يأسك وتعود لتقاتل بكل قوتك كما وعدته"
تنهد (عماد) بقوة ارتجفت شفتاه بابتسامة مهتزة بينما تابع (مراد)
_"كما أن السيد (رفعت هاشمي) اتصل به وأخبره أنّه يريد لقائك لأمر هام"
نظر له بدهشة ليهز كتفيه ويقول
_"لا أعرف شيئاً عن الأمر .. هذا فقط ما قاله .. هو أيضاً حاول الاتصال بك ولم يستطع الوصول لك"
قطب (عماد) مفكراً .. هل يريده بخصوص ما حدث مع (سؤدد) أم هناك سبب آخر؟ .. تمتم بتساؤل
_"هل قال متى سيأتي لمنزل (راجي)؟"
هز رأسه نافياً وهو يجيب
_"لا .. هو لن يأتي بنفسه .. يريدك أن تذهب لقصر (هاشمي) وتقابله هناك"
ارتجف قلبه بقوة .. هل يريده هناك؟ .. حيث حبيبته الغاضبة التي منذ غادرت شقته وعادت لقصرها لم تغادر ولا لأي مكان .. هل سيراها؟ .. وماذا سيكون رد فعلها؟ .. نهض سريعاً وهو يقول
_"حسناً .. دعنا لا نتأخر عليه أكثر"
اتجه نحو غرفته بحماس وقلبه يرتجف أكثر .. لا يهم كيف سيكون رد فعلها ولا كم ستغضب إن رأته .. لا يهم حتى إن لم يرها .. يكفي أنّه سيكون قريباً منها .. للوقت الحالي هو يكتفي بهذا .. مجرد وجوده قربه بنفس المكان .. هذا كاف ليستعيد أنفاسه من جديد.