عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-19, 10:11 AM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




" كُنتُ أَقولُ في نَفسي أنَّ جمالها ظالمٌ لمن يعرفه ، ظالمٌ لأنّه أعْمَقَ من أن يُحتَمَلْ ؛ و أبْعَدَ من أن يُنالْ .. "

مقتبسة من : عزازيل / يوسُف زَيْدان


كُربةٌ بَكماءْ .. / قَمـرْ !


(4)


صَيف 2003 - أيلول

روما - ايطاليا


إن معرفة الحقيقة أحياناً تؤذينا و قد نفضل في بعض الأوقات لو نكمل بعض الكذبات التي كنا نواسي بها أنفسنا على أن نحاط بالحقيقة من جميع الجوانب .. الحقيقة التي قد تنسينا أن نعيش .. لذلك نضطر دوماً إلى أن نكذب على أنفسنا ، لنتعايش و نتكافل مع حياة كتلك .. لكنها كانت ترى أملاً كبيراً في أن تستعيد صوتها .. 15 عاماً فقط أتيحت لها من حياتها للكلام ، أما ما تبقى لها حتى ولو تجاوز الثلاثين .. ستقضيه بسكون ممل و بصمت ليس له معنى .. مهما حاولت أن تقف صامدة أمام كل التحديات التي تواجهها ، لكنها في النهاية تجلس أمام مرآتها باكية على حالها .. سائلة الله أن يعيد لها أعز ما فقدت !
مسحت دموعها مسرعة حين شعرت بخطوات أبيها تتوجه إلى غرفتها في ذلك الوقت كعادته ليطمئن عليها .. جلست أمام كتبها تحضر الدفاتر و الكتب للعام الدراسي الجديد ..
دخل أبيها بابتسامة و هو يقول : أقدر أدخل ؟؟
هزّت رأسها دون أن تنظر إليه حتى لا يلاحظ احمرار عينيها ..
دخل و جلس أمامها يراقب توترها و محاولتها في اخفاء معالم وجهها الحزين ..
: سديم ؟؟
غاصت في الكتابة على دفترها دون أن ترد و هي تأخذ أنفاسها بصمت ..
مدّ يده و رفع وجهها ليرى أمامه أنفها المحمر ..
: تبكي ؟؟
اكتظت الدموع في عينيها مجدداً و هي تهز رأسها بالنفي ..
مسك وجهها بيديه و قال : وش فيك يا قلب أبوك ؟
نزلت الدمعة الأولى ، كانت تعرف أنها لا يمكن أن تخفي عن أبيها حزنها و يأسها .. و إن كانت تظهر القوة و السعادة الداخلية أمام الجميع .. ابتعدت لتكتب في الدفتر : أبي صوتي يبه ، تعبت من السكوت ..
احتضنها و هو يحبس دموعه و يمنعها من النزول و هو يقول : لا تخاافي يا عيون أبوكِ ترا فقدانك صوتك ماا أخذ من جمالك شي
ظلت في أحضانه تبكي و تردد في خاطرها : " حتى و أنا أبكي ما عندي قدرة أسمع صوت لشهقاتي ، ما أقدر أشهق و أصرخ عشان أطلع كل اللي في قلبي ؛ ياا ربي ليش يصير معاي كذاا ..
كم يكون من الصعب على المرء أن يفتقد شيئاً اعتاده ، يظن الناس أنها نسيت همها و خرجت للجامعة تدرس و تمارس حياتها بشكل طبيعي كباقي البشر .. هم لا يعرفوا أنها اعتادت السكوت دائماً .. عدم قدرتها عن التعبير عن مشاعر فرحها بضحكة ، عن غضبها بصرخة .. عن ألمها بشهقة بكاء !
حتى حين نجحت في الثانوية و تأهلت لدراسة الحقوق في الجامعة لم تستطع أن ترد على التبريكات و التهاني التي قُدّمت لها .. كل ذلك لم يجعلها تعايش فرحة واحدة في حياتها كما يجب !

و ماذا عن وفاة أمها التي لم تستطع فيها أن تصرخ و تقول " لا تتركيني أمي "



*



السعودية - الرياض


كيف له أن يأكل أو يشرب أو يدرس و توأمه قد دفن في الأرض قبل أن يخرج إليها !

كلما قالت له عمّته " جيهان " كُلْ ، اشرب ، ادرس .. يكون رده بسؤال واحد يجعل أمه تنهار بكاءاً و أبيها يعتصر ألماً .. هو " و أخوي ؟ "

بكل براءة و نضج يسأل هذا السؤال الذي مع كل حرف منه تقطر أحقاده الدفينة في قلبه .. في دفتره الصغير ذلك يكتب اسم منير بحبر أسود و تحته نقاطاً من الدم ، أقصد .. الحبر الأحمر ..
يرى نفسه كل يوم و هو يقتل قاتل أخيه .. و يرميه في حفرة عميقة لا نهاية لها .. هل من الممكن أن يكون ذلك الطفل قد أصيب بمرض نفسي ؟ يرفض الطعام رفضاً قاطعاً حين يطلبون منه ذلك ، و بعد عدة دقائق ينزل يطلب الأكل و الشراب ، ثم يدرس بكل جد و اجتهاد .. ولا أحد يعرف سر تلك الحركات التي يقوم بها !
لا يعرفون أنه يجلس يومياً في غرفته يحدث نفسه قائلاً " سأعيش فقط لأجل أن يأتي اليوم الذي أجد فيه قاتلك يجلس تحت أقدامي يتوسلني لكي أتركه .. و قسماً أنني سأجعله يخاف من الطير اذا مرّ بجانبه ، و والله لن أرتاح حتى أفزعه كما أفزعك ، و أسلب منه أعضاؤه ، و أقتله بذات الوحشية التي قتلك بها .. و كما استقوى عليكَ طفلاً ؛ سأستقوي عليه عجوزاً ذليلاً ؛ لترتاح يا أخي في قبرك .. أنا هنا على هذه الدنيا فقط لآخذ بثأرك "


*


السعودية - جدّة


كانت تظن خروجها من بيت خالتها سيقربها من طلال أكثر .. الآن هم وحدهم .. تستطيع أن تعتني بنفسها كما تشاء .. تحضر له الطعام بيدها .. تنظف بيتها بنفسها و تعتني بغسيل و كوي ملابسه ، توقظه ليشرب قهوته قبل العمل و تستقبله و هو عائد من عيادته بابتسامها التي يقتلها عبوس وجهه ..
لم تكن تعلم أن خروجها سيعقد الأمور أكثر ، و سيزيدها كآبة و حزناً ..

ارتشفت من فنجان قهوتها القليل و هي تتابع صمته القاتل .. و الهدوء الممل الذي يحتل بيتها ..
عزّة : طلال ، انت ليش خليتنا ننتقل على بيت بروحنا ؟
دون أن ينظر إليها : في شنو يهمك هالموضوع ؟؟
عزة : شلون في شنو يهمني ؟؟ هذي حياتنا و أكييد بيهمني هالموضوع
نظر إليها باستنكار و هو يقول : حياتنا ؟؟ من متى في حياة بيننا ؟؟ لو سمحتي " نا " الجمع هذي شيليها من دماغك لأن ما في شي يجمعني وياك .. إلا زوااج على ورق ..
بانكسار أدارت وجهها إلى النافذة و بلعت ريقها و هي تقول : غلطة .. آسفة
نظر إليها بحدة و اقترب منها و هو يقول : لا يكون راح فكرك إني انتقلت عشان آخذ راحتي معاكِ ؟!! كبري عقلك يا البزر
بقسوة نظرت إليه : مية مرة قلت لك إنك ما تهمني أصلاً أنا ايش أبي من واحد شايب كبر أبوي طلاال أناا مااا أحبكك اكفيني خيرك و شرك
ابتسم و هو يعقد حاجبيه : هالحين أنا شايب ؟؟
لم ترد عليه ، فقط كانت ترمقه بنظرات غاضبة ..
مدّ يده ليتحسس خدّها و قال بهمس : متأكدة إنك ما تحبيني ؟؟
جميع الدماء تجمعت في عروق وجهها حتى كاد يتفجر من شدة احمراره ..
أكمل طلال بالهمس ذاته : أجل وش دقات هالقلب اللي يبي يطلع من ضلوعك كل ما قربت لك ؟
ابتعدت عنه و هي تقول : ترا مو كل قلب يدق يدق من الحب ، يمكن يدق من الكره !
أطلق ضحكة عمت أرجاء المكان و ضحك معها قلب عزة التي استمرت شفتيها بالانضمام إلى بعضهما عبوساً ..
توجه إلى مرآته ليلقي نظرة أخيرة على منظره قبل الخروج إلى عمله و هو يقول : شرآيك فيني اليوم ؟
نظرت إليه باستفهام لا تعرف ما الذي يجعل مزاجه متقلباً إلى ذلك الحد !
نظر إليها هو و رآها تحدق فيه .. فابتسم قائلاً : وااو ! هذا اليوم برقم كل بنات المملكة على هالحالة !
بدأت تحرك شفتيها و هي تقلده بسخرية ..
طلال بضحكة : بزر وش أسوي لك .. اليوم لاتطبخي شي بجيب غداء
تكتفت و هي تقول : غرييبة تبي تريحني من الطبخ !
رش العطر و قال : لا والله بس طبخك عملي قرحة في المعدة ..

حذفت الوسادة الصغيرة على وجهه فضحك بصوت عالٍ لنجاحه في استفزازها : ههههههههههههههههههههه وش فيكِ يا بنت ترا أمزح والله ، بس من جد موو بخاطري أكل البيت اليوم انتي شعندك ؟؟ اذا تبي اطبخي لنفسك أنا ماابي
عزّة : الأحسن لو نسلك نفسنا أي شي وقت الغداء ، و العشاء تجيب شي جاهز ، أهلك جايين يتعشون عندنا ..
باستغراب : و ليش ما قلتي لي ؟
عزّة : هذاني قلتلك
طلال : و من جاي ؟؟؟
عزّة : منو يعني أمك و أبوك وعزيز و رهام ..
بغضب جامح : اسممه عبدالعزيــز مووو عــزيز !
نظرت إليه بنظرة لم يفهمها : من طول عمري أناديه عزيز وش صار الحين ؟؟
بحدة قال : من اليووم اسمه عبدالعزيز ولا تكون طاقة الميانة بينكم أحسن ما أساوي شي ما يعجبك ولا يعجب عبدالعزيز فااهمة ؟
ابتسمت بمكر و هي تقول : اشششش طلال غيران علي خير ان شاء الله وش صاير في الدنيا !
بارتباك عدّل ربطة عنقه و قال : يتهيألك .. يلا سلام ..

خرج من الغرفة متوتراً من قدوم عزيز اليوم .. لا يعرف لم يشعر بالغيرة عليها !
عزّة كانت لا تعرف ما مشاعرها بالتحديد تجاه غيرة طلال .. ولا تعرف إن كان أمر كذلك عليه أن يحزنها أم يفرحها ! تنهدت بحيرة هذا كل ما استطاعت أن تفعله حيال أمرها الموغِل مع طلال ..



،


السعودية - الرياض


يقولون " لا تجرحوا الأطفال فإن لهم ذاكرة لا تَنسى " .. تلك المقولة تنطبق تماماً على طفل كخليل لم ينسى للحظة شكل أخيه الملقى في الأرض ، و لم ينسى وحشية ذلك الرجل الذي سلب منه توأمه ، و الآن تنغرس إلى جانب أحقاده حالة أمه التي باتت تشفق الجميع .. و انكسار أبيه و الشيب الذي غزا رأسه قبل أوانه ..

جميع من كانوا حوله لم يكونوا يفهمون ما الذي يفكر فيه هذا الطفل ..
يعتقدون أنه مجرد تعقيد و مرض أصابه مما رأى ، و أن أمره يُحلّ بكل بساطة بزيارة بسيطة إلى طبيب نفسي !
لكن خليل كان يعلم أن مرضه ليس له دواء إلا دم منير و ذله .. لن يكون هناك أقوى من ذلك الدواء لهذا الداء .. داء فقدانه أخيه ، و حسرة قلب أبيه ، و تشنج حياة أمه !


*


رومـا - ايطاليا


مهما طال حبل الكذب يظل قصيراً .. إن معرفة الحقائق و الاصابة بالصدمات واحدة تلو الأخرى ربما هي التي جعلته يترك " سديم " و يبتعد عنها ..
منذ خمس سنوات عرف أنه ابن " عَدنانْ " و ليس ابن سعود .. عرف أنه فقد والديه في حادث سير عندما كان لا يتجاوز الثانية من عمره ..
عرف أن عمّه " سعود " كفله ورباه .. و لم يخبره أنه ابن عدنان .. حتى أنه قد غيّر اسمه في الهوية الشخصية .. في تلك السنة بالتحديد .. أصيبت حبيبته بالسرطان الرئوي الذي أدى إلى فقدانها صوتها ..
تراكم المصائب عليه فوق بعضها دفعة واحدة جعلته يتصرف دون أن يفكر .. هو لا يعرف لِمَ إلى الآن لا يجرؤ على أن يخبر سعود أنه يعرف كل الحقيقة.. و أنه يشعر بالاختناق كلما قال له " يبه " .. و يتمنى أن يسافر الآن .. يعود للسعودية ليزور قبر والديه .. تلك الأمنية الوحيدة التي تجول في خاطره الآن .. الأمنية التي حرمه منها عمه سعود ..

لكن سرحانه و شروده الدائم كان كافياً ليجعل سعود يشعر أن هناك أمر ما يخفيه طالب في حجرات قلبه .. و لا بد أنه دوماً يتسائل في داخله : " معقول يكون عرف عن سالفة إنه ولد عدنان ؟ "

مضحك ذلك الأمر ، بما أنه يخاف من أن يكتشف طالب الحقيقة ، فهو لا بد إذاً أنه يعرف أن ما يفعله بحق طالب و بحق عدنان أكبر خطأ في التاريخ ، كما يعرف أنه لا يملك الحق أبداً في أن يخفي أمراً كهذا عن طالب ..!

دخل إليه في عيادته الخاصة بغضب و قال : طاالب وش فييك ؟؟ ليش مو راضي تستقبل المرضى ؟؟
تنهد بألم دون أن يرد عليه .. فأصر سعود بالسؤال : قوول ليش مو راضي تستقبل المرضى ؟
طالب بلامبالاة : خلهم يشوفون دكتور غيري ، أنا مالي خلق ..
ضغط على أسنانه بغضب و حاول أن يهدئ نفسه .. أخذ نفساً عميقاً و قال : كل هذا عشان سديم ؟؟
نظر إليه نظرة ساخرة .. و اكتفى بالصمت ..
سعود : اذا تبي أطلبها لك اليوم قبل بكرا ، بس يرضى عليك لا تظل بهالحالة و أنا أبوك !
طالب : و اذا أنا خطبتها ، اهية بتوافق بعد ما تخليت عنها ؟؟ راح يكون عندها ثقة فيني عشان تتزوجني ؟
تنهد سعود بألم على حاله .. لم يكن يتوقع يوماً أن طالب سيتخلى عن سديم في حالة كتلك ..! لكنه يتوافق معه في أن سديم لن توافق الآن بعد ما فعله معها في الماضي ..

اكتفى طالب بأن يفتح درجه يلقي نظرة إلى الصورة الصغيرة الملقاة في زاوية الدرج و يبتسم بألم .. صورة لسديم و هي في العاشرة من عمرها .. تجدل شعرها الأسود الذي لم يعد الآن بذلك السُّمك ، و ابتسامتها الطفولية تزين وجهها ..
مد يده ليتحسس وجهها الفاتن من خلال صورة كانت أقرب بكثير له من الواقع .. على الأقل كانت تكسر كل الحواجز التي وضعتها الأيام بينهما .. صورة تبتسم فيها لطالب ، تغنيه عن رؤيتها حزينة في الواقع ..




*



السعودية - جدّة


هي تتصرف بكل عفوية كما اعتادت ، و هو يراقب نظرات عزيز التي لم تبتعد حتى للحظة عن عزّة ، و كأنه يتعمد أن يفعل ذلك أمامه .. لولا الحياء لقام و طرده من منزله .. كيف يتفحص زوجته بنظراته أمامه دون أي شعور بالخجل !
ودعوهم عند الباب بابتسامة و قلب عزّة فرحاً بزيارتهم التي انتشلتها من حياتها المملة ..
أغلقت الباب خلفهم ثم أنزلت الحجاب عن رأسها و هي تقول : اووف حــرر !
اقتربت من الطاولة لتنظفها .. فقال طلال : خلصي و تعالي ، أبيكِ ..

ماذا يقصد بـ " أبيكِ " ؟ لم يتهيأ لها للحظة أنه يفكر في ذلك الأمر .. انتهت من ترتيب الصالة و تنظيفها ، ثم دخلت الغرفة لتجده مستلقٍ في السرير و غارق في التفكير ..
أكملت دخولها الهادئ دون أن تجد منه أي ردة فعل على دخولها ..
أخذت قميص نومها و دخلت الحمام لتغير ملابسها ..
خرجت بذلك اللون الذي ينير وجهها ، الأزرق السماوي .. انتبهت إلى طلال الذي اعتدل بجلسته حين رآها و بدأ يتفحصها بدقة ..
بخجلٍ التفتت إلى الدولاب لتعيد ملابسها إلى مكانها ..
لم تشعر بخطواته نحوها .. فقط شعرت بيد تطوق خصرها من الخلف و أنفاساً حارة تلفح عنقها ..
شعر هو بارتعاش جسدها .. فقال بهمس : أبيكِ ..
التفتت و قالت بارتباك : شلون ؟ شلون يعني تبيني ؟؟
أمال رأسه و هو يحدق بشفتيها المرتجفتان و قال : خايفة مني ؟؟؟
هزت رأسها بالنفي دون أن ترد .. دون أن تشعر وجدته يحملها بخفة و يتجه بها نحو السرير دون أي مقاومة منها ، فقط كان قلبها الملتصق بصدره ينبض بقوة ، خوفاً و عشقاً و خجلاً ..



*



الصباحات الباكية .. الصباح الذي يطل على من لم ينام طوال الليل .. يطل على عاشقين حتى في أجمل لحظاتهما لم يعترف أحدهما للآخر بحبه ! على أم تجلس متصنمة ولا يسمع صوتاً في غرفتها إلا صوت نبضات قلبها الحزين ..


السعودية - الرياض


بكفيه المتعرقين من كثرة التعب .. مسح وجهه بارهاق و قال : مووو معقوول هذا اللي قاعد يصير !
راشد : فوّاز .. خليني أجيب لك شي تاكله انت من أمس ما كليت شي !
فواز : راشد ، احنا قاعدين نواجه موضوع جداً خطير .. أناا وش فايدتي و فايدة دراساتي الجنائية اذا للحين موو قادر أقبض عالاشخاص اللي يخطفوا الأطفال و يسرقون أعضاءهم !
راشد : انت قاعد تسوي كل شي تقدر عليه و مو مقصر في شي ، الخوف يا فوااز الخووف .. يعني العصابة هذي مو مخلية أحد يوصل للمعلم حقهم ..و حتى لو أحد عرفه ماا يقول عليه .. هذاا الرجال معيش العالم برعب .. لا تحط اللوم على نفسك
فواز هز رأسه بيأس : شلون يعيشهم برعب و احنا موجودين .. احنا وش شغلنا ؟؟ مو شغلنا انا نحمي البلد و الأمن فيها ؟؟ راشد أنا اذاا ما وصلت لهذا الشخص خلال شهر زماان راح أستقيل من شغلي ..
راشد : وحد الله يا رجال وش هالكلام هذا ! انت لازم يصير عندك إصرار و تتحدى نفسك عشان توصل للي تبيه مو تيأس و تقعد تحط يدك على خدك و تتحسر !
فواز : 2003 صارت بتخلص و هذي العمليات تصير من ال 2000 و احنا كل مالنا نغرق في الوحل و تقول لي تحدى نفسك فيه تحدي أكثر من كذاا ؟ 3 سنواات ضحيتهاا آلااف الأطفال و تقولي تحدى نفسك !
وضع يده على كتفه و ضغط عليه : فواز ، انت الحين تعبان و مو قادر تفكر في شي .. انت عندك خبرة في الأمور الجنائية عمرها 10 سنواات يعني موو قليلة خبرتك و أكييد اللي قاعد يصير موو غباء منك أو من اللي يشتغلون معاك .. لكن في أيادي وسخة مدسوسة ، اهية اللي تبي هالعصابة تستمر ، و احنا بنكشفها سواء الحين أو بعدين .. الحين انت رد بيتك و ارتاح .. و كل شي له حل ..
بعد أن تنهد وضع يده فوق يد راشد الرابتة على كتفه ، ثم قام و أخذ مفتاح سيارته و عاد إلى بيته لينام و تستمر همومه في السهر عنه حتى إشعار آخر ..




*



رومـا - ايـطـاليـا

عام دراسي جديد ، الآن تدخل في عامها الجامعي الثالث ، كم هي سريعة الأيام !
متى دخلت الجامعة .. و الآن لا يتبقى لها سوى عاماً واحداً و تصبح " محامية " ..
و لكنها تعرف أنها ستتخرج و تعلق شهادتها على الحائط ، ثم تجلس أمامها باكية .. كيف تصبح محامية أو كيف يلجأ الناس إليها اذا كانت لا تستطيع التفوه و لا تستطيع أن تدافع عن الناس ، و لا تستطيع أن تؤيد الحق و تستنكر الباطل !
وقفت أمام باب القاعة تنظر إلى قائمة الأسماء لتعرف رقم مقعدها .. ضحكت حين وجدت أن مقعدها في الرقم 24 ، دائماً ما يلاحقها ذلك الرقم ولا تعرف ما سرّه ! و دائماً ما يكتب لها أن تجلس في الصفوف الأمامية للدكتور أوالدكتورة .. حين همّت بالجلوس على مقعدها ، وجدت ذلك الكتاب الذي اشتراه د.سيمون حين التقيا " صدفة " في مكتبة الجامعة .. و ورقة من وردة بيضاء اللون تخرج من غلاف الكتاب ..
انحنت و التقطت الكتاب ، ثم جلست لتفتحه فهبت رائحة الورد الذي نثره في داخل الكتاب .. و قد وضع ورقة بداخله كتب فيها بخطه الجميل ..
" White flower , is just like your heart .. the purity in your body .. the honesty in your eyes .. have a nice day .. Simon "
( وردة بيضاء ، تشبه قلبك .. نقاء جسدك ، و صدق عيناكِ .. أتمنى لكِ يوماً رائعاً ..سيمون )

ابتسمت بسخرية و هي تثني تلك الورقة و تلقيها باهمال في حقيبتها .. كانت تود لو تفتح الكتاب لتتصفحه ؛ لكن الدكتورة جوان دخلت و بدأت بإلقاء التعليمات الاعتيادية التي تلقيها في بداية كل فصل دراسي ..



*


السعودية - جدّة

في قمة نشاطها و سعادتها تستيقظ لتعد الفطور لزوجها ، الآن تستطيع أن تسميه زوجها .. لا تعلم ما الأمر الذي جعله يغير رأيه تجاهها بين ليلة و ضحاها .. بعد أن أعدت الفطور ، دخلت لتأخذ حماماً دافئاً بابتسامة لا تغيب عن وجهها .. خرجت لترتدي بيجامة حريرية ناعمة .. ثم جلست إلى جانبه لتوقظه ، لم تكن تعلم أنه مستيقظ ولكنه يغلق عينيه محاولاً أن يبعد ذكرى ما جرى في الأمس عن عقله !
عزة : حبيبي ، قوم يلا الفطور جاهز ..
بتمثيل النوم قال : افطري انتي انا مو بخاطري
اقترب منه و قالت بنبرة فيها شيء من الدلع : حبيبي معقول تخليني أفطر بروحي ؟ يلاا قوم
تأفف و هو يرفع اللحاف عن جسمه ، اعتدل بجلسته و قال و قد عقد حاجبيه : يالله صباح الخيرر اييش تبي ؟؟
مدت يدها تتحسس لحيته : ايش أبي يعني ابي حبيبي يفطر معاي قبل لا يروح شغله
مسك بيدها و أزاحها بقوة و قال بغضب : حبيبي ؟؟ من متى انشالله
نظرت إليه بصدمة : طلال شفيك ؟!! أمس كنا ..
طلال بلامبالاة : انتي قلتيهاا .. أمس كنــا .. كنــا .. يعني فعل ماضي نااقص و الحين ما في شي خلاص ، روحي افطري يلاا
وقف متجاهلاً ردة فعلها المندهشة على قوله ! و توجه إلى الدولاب ليأخذ منشفة و يستحم ..
كان يشعر بالندم تجاه " ريتال " زوجته المتوفاة .. يشعر أنه خانها بقربه من فتاة أخرى و إن كانت زوجته .. كان يريد فقط أن يجعلها زوجة فعلية له كي لا يجرؤ عزيز على اقتراح موضوع طلاقهما و زواجه بعزة !
كانت عزّة لا زالت تجلس على السرير و تحاول أن تستوعب انقلاب مزاجه بتلك السرعة ! رفّت عينها لتدمع و هي تسترجع ذكرى ما حدث بالأمس بينها و بين طلال .. طلبها فقالت لبيك ، لم تقاومه أبداً و أعطته كل ما في قلبها من حب و حنان و مشاعر كانت تخفيها في قلبها منذ صغرها .. و ها هو الآن يرفضها ، كأنها كانت مجرد جسد نال منه ما يريد ثم ألقى بها كأن شيئاً لم يكن !


*


السعودية - الرياض

منذ تلك الحادثة لم ترى أمه ابتسامته .. ربما كانت هي ما تنتظره لتعود إلى حياتها بشكل طبيعي ترافقها غصتها و كوابيس اليقظة التي لا تفارقها ..
ركض إليها بحقيبته المثقلة بالكتب و ابتسامته الطفولية التي يشعر من خلالها بالنصر و هو يقول : يمــه يمــه أخذت المرتبة الأولــى
ابتسمت بخفوت و هي تحتضنه و تساعده في الصعود إلى السرير ليجلس في حضنها ..
قالت بهمس و هي تفتح شهادة علاماته : يا قلب أمك ربي ما يحرمني منك
كاد يطير فيصل من الفرح حين سمعها لأول مرة تنطق بعد وفاة ابنها .. اقترب من طفله و احتضنه و هو يحمله و يلف به أرجاء الغرفة : فديييتك ياا قلب أبوووك فدييته اللي خلاا أمه تسمعناا صوتها الحنوون ..
بدأ يوزع قبلاته على وجهه بغبطة لا متناهية ..
ثم أنزله أرضاً بعد أن شعر بشيء من التعب .. جلس على السرير أمام زوجته و قال و هو يمسك بيديها : و أخيراً ياا عمري سمعت صوتك و ربي اشتقت له ..
ابتسمت ابتسامة خفيفة دون أن ترد ..
رفع أحد حاجبيه استنكاراً و قال : ايش يعني الكلام ما يطلع إلا لحبيب القلب خليل ؟؟
أخذت تلعب بأصابعها دون أن تنظر إليه : أنا آسفة .. انتوا كنتوا بحاجتي بس أنا ..
قاطعها و هو يضع يده على فمها : اشش ، لا تعتذري ولا شي .. اللي صار كان صعب علينا كلنا و اللي صار معاكِ كان طبيعي جداً .. ترى والله قلبي محترق على غدي .. موته جاء بطريقة بشعة .. يمكن لو مات بطريقة ثانية .. مثلاً مرض أو حادث سيارة .. يمكن كان تقبل موته علينا أسهل .. بس اللي صار ما يحمله القلب ولا العقل ، و في النهاية هذا أجله و انتهى .. الحمدلله عندنا خليل ربنا يخليه و يحميه لنا .. و صدقيني اللي عمل كذاا ماا بيرتااح و ربناا فوق اهوة اللي بياخذ حقناا منه و اذا وقع بايدي ياا ويله مني
دمعت عيناها و بدأت تشهق و هي تتذكر منظر طفلها المكفن .. احتضنها فيصل ليحتوي حزنها و هو يتحسس شعرها محاولاً أن يكتم عبرته : الله يهدي البال يا قلبي ..

في ظل تلك الاجواء .. فارقهما خليل إلى غرفته الذي جلس يتأمل علاماته و الدرجة الأولى التي أدرجت تحت اسمه بانتصار و فخر .. و هو يردد في داخله " من هناا بيبدأ المشواار "


*


في المكان المظلم ذاته .. في المستودع الموحش نفسه .. لا زال ذلك القذر يجتمع برجاله و يخطط معهم .. و يجتمع بالضعفاء الذي لا يمتلكون في الدنيا سوى المال الذي يدفعونه مقابل الحصول على أعضاء ليعيشوا هم أو أحبائهم و إن كان ذلك على حساب موت الآخرين ..

ذلك الشاب الذي لا يعرف من أين استطاع منير أن يدبر من يتبرع له بالقلب .. وضع ثروة هائلة بين يديه و قال بضعف : هذا المبلغ اللي طلبته يا دكتور .. متى العملية ؟؟
ألقى نظرة خبيثة إلى أحد الرجال الذي يقف في زاوية الغرفة ، و هز رأسه له بالتأييد..
فقال منير : العملية بكرا .. تيجيني هناو أنا آخذك للمكان اللي بنساوي فيه العملية .. لا تنسى إن معي عنوان بيتك و رقمك .. و اذا أحد درى بهالعملية نهايتك بتكون على يدي .. و أنا طبيب أعرف شلون أموتك من غير حس ولا خبر !
تأفف رامز من كثرة التهديدات التي تلقاها من ذلك الرجل : دكتور منير أتوقع كافي تهديدات أنا مابي منك شي إلا إني أعييش و أرجع لحياتي الطبيعية .. مابي شي ثااني و عشان كذاا ما في داعي تهددني كل شوي !
ابتسم و هو يحمل حقيبة النقود .. ثم قال : يلا تقدر تروح الحين .. بكرا 6 الصبح تكون عندي ..
ألقى إليه نظرة حادة ، ثم خرج من ذلك المكان الذي كاد أن يختنق فيه .. كل ما يعلمه رامز أن ذلك الرجل لا يعمل بشكل قانوني .. لا يعرف من أين يحصل على كل تلك الأعضاء .. لكن ليس بيده حيلة .. منذ أشهر و هو يبحث عن طريقة ليحصل فيها على قلب .. لكن ذلك الأمر ليس بتلك السهولة .. حتى أهل المتوفين يستعصي عليهم أن يعطوا قلب ابنهم لأي كان ، حتى و إن كان ميتاً !



*

روما - ايطاليا


تجلس كالمعتاد في وقت فراغها في الكفتيريا لتشرب الشاي .. تسمع كل تلك الأصوات المزعجة من حولها .. و تتمنى لو يكون صوتها دخيلاً بينهم !
رأت ريم تتقدم من بعيد بعجلة و تجلس على الطاولة تلهث ..فنظرت إليها باستفهام !
ريم بعد أن أخذت نفسها : انتي رحتي لعميد الكلية ؟؟
هزّت رأسها بالنفي متعجبة ..
أخذت ريم ترفع شعرها عن وجهها في ذلك اليوم الحار : هوة انتي ما شفتيش الاعلان اللي ع باب الكلية ؟
فتحت دفترها بملل و كتبت : اعلان شنو ؟؟
ريم : مكتوب الرجاء من الطالبة سديم جلال الشمري مراجعة العمادة ! هوة انتي عاملة ايه و العميد عايز يشوفك ليه ؟؟!
كتبت سديم : والله مادري ما سويت شي ! تونا أول يوم في الدوام وش بكون مسوية يعني !

أنهت الكتابة ، أغلقت الدفتر و وضعته في حقيبتها .. ثم حملت كوب الشاي و هي تأشر لريم بـ " سلام " ..

مشت لمدة 7 دقائق حتى وصلت إلى كليتها .. وقفت و هي تقرأ الاعلان .. صعدت الدرج بخوف ثم توجهت إلى مكتب السكرتيرة ..
كتبت لها في دفترها : can I see the dean
( هل يمكنني رؤية العميد ؟ )
قالت السكرتيرة : yes , you can
( نعم بامكانك )
دخلت سديم بعد أن طرقت الباب .. كان العميد يجلس على الكرسي و معطياً ظهره للباب ..
قال بصوت مسموع : welcome sadeem !
( أهلاً يا سديم )
لم ترد .. لأنها فوجئت به يلتفت بكرسيه .. ليظهر أمامها ذلك الجني الذي لا تدري كيف و أين و متى أصبح عميداً للكلية !
خافت و تراجعت للوراء .. فقال سيمون : how is the first day in this term ? Tell me
( كيف هو اليوم الأول من هذا الفصل ؟ أخبريني )
فتحت دفترها بحقد و كتبت : every thing is okay
( كل شيء بخير )
بابتسامة : did you get the book ?
( هل أخذت الكتاب ؟ )
شعرت بالخجل من أن تقول أنها أخذته .. فكتبت : no .. what do you want
( لا ، ماذا تريد ؟ )
اقترب منها ليقول بابتسامة و هو يحاول أن يتحسس وجهها : I want you , sadeem please understand me ! Really I cant think about anything except you ..
( أريدك ، سديم أرجوكِ افهميني .. فعلاً أنا لا أستطيع أن أفكر بشيء سوى بكِ )
ابتعدت سديم حتى وصلت إلى الباب .. رمقته بنظرة اشمئزاز .. ثم خرجت غاضبة دون أن تغلق الباب .. كان سيمون يقف في غرفته مبتسماً .. مندهشاً من قوة تلك الفتاة ..

خرجت بحركات سريعة و نبضات قلبها أسرع .. حتى وصلت إلى باب الجامعة و خرجت .. لتلقي بـ" طالب " أمامها ! قالت في داخلها حين رأته " يا ربي وش هاليوم ذاا "
استوقفها و هو يناديها : سديم ..
لم ترد و استمرت في مشيها .. فركض حتى وصل إليها و وقف أمامها ، ثم قال : تعالي أوصلك
نظرت إليه بحقد و ابتعدت لتكمل مسيرها ..
لم يحب طالب أن يضغط عليها أكثر من ذلك .. فهي محقة في كل ما تريد أن تفعل .. هو لم يكن رجلاً يستحق الثقة .. و لن يتوقع منها استقبالاً لطيفاً اذا أراد أن يعود إلى حياتها !




*


السعودية - الرياض

بغضب جامح و هو يقود سيارته بأقصى سرعة : راااشد الموووضوع وصل عنـــدي ! تجرأوو علي ياا رااشد !



( انتهى )


*


( التعريف بالشخصيات التي لم نتعرف عليها في الرواية )

منير : طبيب جراحي ، 54 عاماً .. كما رأينا في الرواية أنه رجل جشع و طماع .. حتى أنه باع ضميره المهني مقابل الثروة ..
فواز : محقق جنائي ، 43 عام .. لديه خبرة في مجال الجنايات و هو المحقق الذي يحاول الوصول إلى منير و عصابته ..
سمر : زوجة فواز ، 28 عام .. متزوجين للتو و لديهم طفلة اسمها " نور "
راشد : محقق جنائي مساعد لفواز و هو صديقه منذ أيام التدريبات العسكرية .. 43 عام ..
غادة : زوجة راشد .. 38 عام ، لديهم فاطمة و محمد و اسماعيل ..
طالب : ابن أخ سعود ، و لكن ما كان يعلمه هو أن سعود أبيه و ليس عمه و هو الآن يعرف الحقيقة و لم يقل لاحد .. 27 سنة ، طبيب أطفال ..
د.سيمون : دكتور في كلية الحقوق في جامعة سابينزا في روما .. 32 عام وسيم و ذو شخصية جذابة .. لن نتعرف إلى شخصيته الداخلية الآن سأترككم تكتشفونها مع الأحداث ..




*

انتظروني في الجزء الخامس ، ختام 2003 ..

أحبكم ، قَمـرْ !



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس