عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-19, 12:15 AM   #8

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل السادس



في مكانهن ، في آخر مقعد من الأتوبيس النهري ، في تلك الساعة الصباحية من يوم الجمعة ، وقت يخلو من البشر و ضوضائهم ليزخر بذلك الحوار المتواصل بين همهمة المياه و زمجرة المحركات ، انبعث صوت نادية بعد صمت طويل ليبدو لثلاثتهن نوعا من النشاز .
- إيثار اسمحي لي أن أعتذر منك .
- تفضلي أنا أستمع ، قالت الأخرى و هي تعدل من جلستها لتواجهها .
- أعتذر لأني أخبرتك بأنك فاشلة .
- و الآن غيرت أقوالك ؟
- كلا ، قلبت نادية شفتها السفلى و جعدت أنفها ثم أضافت ، عدلتها ، أنت فاشلة و لكن أنا الأكثر فشلا لأني سلمتك مستقبلي .

زفرت إيثار بملل و أشارت بيدها نازلة بها بقوة إلى الأمام كأنها تسدل ستارا غير مرئي بينهما ، رشفت القليل المتبقي في علبة مشروبها الغازي ثم رمتها بإهمال في النيل المسكين المستكين ، تحفزت في مقعدها و علت نبرة صوتها بشيء من الحدة :
- ثلاثة أيام مرت و أنت ما زلت تغلين ؟
في ثلاثة أيام أنا شخصيا أحب عشرة رجال و أنساهم .

تدخلت بريهان بابتسامة هادئة ، تحاول امتصاص الشرارات التي بدأت بالاندلاع .
- من فضلك ، احجزي لي كي آخذ دروسا عندك مهما كان سعر الحصة .

- تعلمين لماذا لم أنسه ، استأنفت نادية و هي تثبت عينيها داخل حدقتي إيثار ، لأنه يتصل بي كل ساعتين تقريبا و يكتب لي في اليوم الواحد أكثر من عشر مرات منذ ذلك اللقاء الأسود .
- الموضوع بسيط ، صارحيه ، أخبريه بصدق أنك لا تريدينه .
- بمناسبة الصدق ، الآن ستصارحينني كيف عرفته لأني لا أصدق النسخة الكاذبة من الحكاية ، لا يمكن لذلك السمج أن يكون قريب أمك من بعيد ، ماما تعرف أمك منذ سنوات و لم تخبرها عن أقارب لها يقيمون خارج البلد ، كل ما أفكر في الأمر أكثر أتأكد أن الموضوع ..
- الموضوع ببساطة ، تكلمت إيثار تقطع عليها الاستنتاجات و الاحتمالات ، هو أنني وضعت صورة لنا معا أنا و أنت على صفحتي .
- هكذا دون استئذاني ! ثم ماذا أكملي .
- ثم تلقيت لك عروض زواج و تعارف من كامل الكوكب تقريبا .
- و طبعا لكي تنفي عن نفسك تهمة ذكاء لا سمح الله اخترت لي من ضمن هذه العروض الأسوأ و الأكثر انحطاطا و ال...
- المشكلة ليس في سوء اختياري ، ببساطة هذا هو حظك .

كانت الكلمة أخيرا بنزينا سكب على لهب نادية الخافت ، اشتعلت تقاسيمها و برزت أوتار رقبتها لتهتف بحدة بدت في صوتها و كلماتها :
- بالضبط المشكلة أن بختي المائل وضعك في طريقي .

في الأثناء ، جلست بريهان ملتحفة كعادتها في مثل هذه المواقف برداء ثقيل من الصمت بينما عيناها تتنقلان داخل محجريهما يمينا و شمالا تتابع بتسلية حذرة مباراة التراشق بالألفاظ بين أقرب صديقاتها إلى قلبها .
- المشكلة في طبعك بالفعل نادية ، كانت هذه إيثار و هي تميل بجسدها المستنفر إلى الأمام و تجعد ما بين حاجبيها الرقيقين لتتشكل تلك العقدة الغاضبة المتهمة
و أنا فاشلة بالفعل لأني …
- out

صرخت بريهان بها دون شعور ، تقوم بدور الحكم بينهما في هذه المباراة التي لن يكسب فيها أي طرف ، فهي أكثر من يعرف كيف يمكن أن ينتهي هذا النقاش .
و آخر مرة ظلتا ثلاثة أسابيع دون كلام .
دون أن تسمح لفكرة أخرى أن تتكون مفرداتها على الشفاه الممتعضة ، أضافت تقول و هي تلتفت لصغراهن سنا و عقلا :
- إيثار حبيبتي ألم نجتمع اليوم بالذات لنسمع منك حكاية الرجل الغامض الجديد الذي أطاح بأبي غمزة .

هزت إيثار كتفيها بطفولية واضحة و أشاحت بوجهها و هي تغمغم بفتور :
- لم تعد لدي أية رغبة في قول أي شيء .
تنهدت بريهان الجالسة بينهما ثم التفتت للأخرى بابتسامة مترجية .
مررت نادية أصابعها بين خصلاتها المتوسطة الطول ، دعكت فروة رأسها قليلا ثم قالت و كأن شيئا لم يكن :
- و نحن نريد أن نسمع .
تكلمي قبل أن يهل علينا الحر و الخلق .

لنصف دقيقة تمسكت إيثار بجلستها مديرة ظهرها لهما ، عيناها منخفضتان تتابعان حركة ساقيها المتأرجحتان توترا ثم نفخت بقوة و استدارت باستسلام تتلافى عينا نادية بإصرار يعلن عن بقايا غضب لم تنطفئ بعد .

بعد دقائق كان جلستهن قد عادت للاشتعال لكن حماسا و ضحكات هذه المرة .
- و هكذا بهذه البساطة أصبح الحب الحب .
- كلا انتظري أنت و بصلتك المحروقة حتى أكمل أهم حدث في الحكاية .

اكتسى وجهها بجميع انفعالاته و أزهرت ابتسامة حالمة على شفتيها و هي تواصل استرجاع المشهد الذي أخذ إقامة دائمة داخل أراضي ذاكرتها :
- قبل ربع ساعة من نهاية وقت الامتحان ، خرج من زاويته و بدأ التقدم بخطوات هادئة ثابتة ثم .

صمتت و هي تسدل أهدابها و ابتسامتها تزداد حالمية .
- ثم ؟
- ثم ، قالتها في نفس اللحظة التي فتحت فيها عينيها ، بمنتهى البساطة و البرود اتجه نحو الطلبة الغشاشين و كتب ملاحظات على أوراقهم .
طبعا لن تصدقي كمية الغباء و الذهول التي استمتعنا بمشاهدتها على وجوههم ثم ذلك الذل و هم يتوسلون إليه أن يسمح لهم بمحو تلك الملاحظات .
- و هو ماذا فعل ؟
- استمع لهم ببرود ثم مزق أوراقهم بحركات قوية سريعة قبل حتى أن يستوعبوا الأمر .
- أنا معه تماما ، قالت نادية دون ذرة شفقة على الوجوه التي رأت العشرات من أمثالها على مدى أيام حياتها الدراسية .
- لم ينتهي الموضوع عند هذا الحد ، ارتفع صوت إيثار ثانية لترتفع موجات التوقعات .
- لا تقولي أنه استدعى لهم العميد ، بصراحة ستكون قسوة لا تفسير و لا داعي لها و لن يكون اسمه الحب الحب بل النذل النذل .
- بريهان اؤمريها أن تصمت ، مطت إيثار شفتيها باستياء قبل أن تضيف بعينين نصف مغمضتين ، رمى الأوراق الممزقة داخل سلة المهملات ثم ناولهم أوراقا جديدة و أعطاهم فرصة أخرى .
- فرصة أخرى مدتها ربع ساعة أو أقل ، شهامة ليس لها مثيل .
- بريهان أخبريها أن هذا العريس المحتمل لا يخصها لذلك من الأفضل أن تحتفظ برأيها لنفسها .

زفرت ثم أكملت و هي تعض شفتها السفلى و تهمس بنبرات ملتاعة :
- في البداية ظننت أني أعجبت بطيبته و تعاطفه و لكن عندما رأيته و هو قاس قلبي جن به تماما ، و الآن أنا محتارة يا بنات ، ماذا أفعل ؟
- تأكدي أولا أن مشاعرك حقيقية و أن عقدك لم تشتغل .
- مشاعري حقيقية تماما يا دكتورة نادية ، يكفي أن تعرفي أني لأول مرة أشعر بعدم الندم على دخول الهندسة لأني لولاها لما رأيته .
قولي شيئا مفيدا يا بيري .

ببساطة من تعود هذا الأمر ككل أمر غيره تمتمت بريهان بشرود هادئ :
- دعي الموضوع للقدر .

*******************

انتهى نديم من الكشف ، عاد إلى وراء مكتبه و جلس ببطء ، خطت أنامله بسرعة أسماء بعض الأدوية المخففة للألم ثم سلم الوصفة للأم المحتضنة طفلها برقة حامية كأنه خلق من زجاج .
- لن تعطيه مضادا دكتور ؟
دون أن يرفع عينيه عن شاشة جهازه و أصابعه مستمرة بنقر كلمات يضيفها إلى الملف الصحي للطفل ذي الخمس سنوات تمتم و صوته يرتدي عمليته المعتادة :
- كلا ، حالته لا تحتاج مضادات و عامة أنا لا أنصح بالمضادات الحيوية ، أنا مع ترك الجسد يتعود المقاومة بنفسه .
- متى أعود يا دكتور ؟
- بعد أسبوع إن شاء الله لكن لو لاحظت أية علامات غير عادية من التي قلتها لك اتصلي بي على الفور .
رقمي الخاص موجود أسفل ورقة الوصفة ، سارع يضيف قبل أن تفتح معه حوارا آخر .

رراقب خطواتها المبتعدة و بدأت نفسه بالاستعداد لإطلاق تنهد راحة حين فتح الباب فجأة ، اتسعت عيناه و هو يشاهد تقدم تلك الطفلة السريع نحوه ، التقط نظره تلك الألفة في ملامحها لكن ذاكرته كالعادة لم تسعفه في إعطائها اسما أو حتى موقفا .
- دكتور أنا آسفة ،
كان ذلك صوت سكريترته و هي تدخل وراءها باندفاع فاق اندفاعها .
- إنها تلك الطفلة ال ، قطعت كلماتها و هي تشير بيدها بجانب رأسها بينما يدها الأخرى تجذب الجسد الأصغر بعنف إلى الخارج .

ضاقت عيناه بنظرة عدم فهم و هو يتذكرها أخيرا ، تلك الطفلة التي أتته برفقة جارته ، هي ذاتها لكن بوجه أقل شحوبا و شعر أقصر طولا .

تنفس بعمق و هو يشاهد السكرتيرة تواصل محاولة إخراجها فيما كانت الأخرى تقاوم و تعافر كأن شياطينا استولت على جسدها .
- اتركيها ، أمر بصوت عال و هو يشير للطفلة بيده اليمنى لتقترب بينما استند على يده الثانية ليبدأ بالقيام .

في ثوان كانت تقف يفصل بينهما مكتبه تحت عيني السكرتيرة المتجمدتان بنظرات مستهجنة .
أوقف أذنه جيدا و هو يحاول استخلاص كلمة واحدة مفهومة من بين أشلاء الحروف المنطلقة بسرعة من بين شفتيها .
عشرون ثانية من المحاولة هذا ما قضاه مستمعا ليتأكد أنه لا و لن يفهمها .
رفع كفه يوقف سيل كلماتها المبعثرة ثم قرب يده من يدها بورقة و قلم لكنها رمقته و إياهما بعبوس ثم هزت رأسها نافية عدة مرات و هي تعود لل..كلام .
- أخرجيها ، قال نديم أخيرا باستسلام و اذهبي بها إلى شقتها ، الشقة التي تقع بجانب شقتي تماما و أحضري تلك الفتاة التي رافقتها المرة السابقة .

بحماس لم يخف عليه طبقت السكرتيرة كلماته و يداها تقبضان على كتفي الطفلة و تبدأ بجرها نحو الباب مرة أخرى .
توقفت دفعة واحدة و هي تطلق صيحة ألم على إثر عضة متقنة من أسنان البنت الحادة .
و تجمد نديم في كرسيه و قد عاد للجلوس بينما يشاهد اندفاع الطفلة الراكض نحوه و قبل أن يستوعب ما يحصل كانت كفها الصغيرة تهوي بأقصى ما تملكه من قوة لتنطبع آثار أصابعها على خده الأيمن المذهول .
تجمد نديم في جلسته بينما بداخله ينهار سد كبير ضخم و يترك الحرية لمشاعر عشواء هوجاء لأن تهدر و تفيض سيولها ، تنفض نفسه نفضا حتى الأعماق .
عيناه ظلتا بفعل أشبه ما يكون بالسحر مشدودتين إلى عيني الطفلة .
هناك من قال أن هؤلاء المخلوقات اللاتي حرمهن القدر نعمة التحدث بالصوت و الكلمات وهبهن الخالق بالمقابل موهبة التعبير بالنظرات .
من قالها كان بالتأكيد صادقا . لأنه داخل عينيها المتسعتين صدمة من نفسها قرأ كل شيء ، و تجسد شكل روحها أمامه بكل وضوح .
و فهم أن حياتها مثل الكثير من الحيوات هي أرض جافة قاحلة لا تنتظر أمطارا و لا توقعات .
مملكة مهملة من الأحلام ، منسية من الأمل ، يحكمها ثلاث أباطرة : الظلم ، القهر و الحرمان . و قرأ كذلك السبب وراء تصرفها غير المحكوم بالمنطق و العقل : العجز .
هذا ما تشعر به الطفلة و هذا ما شعر هو به تلك الليلة .
بوصول أفكاره إلى هذه النقطة ، شقت زفرة عميقة قلبه الحابس المحبوس ليخرج من شفتيه و يخرج ثلاثتهم من جمودهم السابق .
ببطء رفع يده إلى خده يتحسس بأصابعه علامات صفعتها ، مجرد تورم بسيط هذا ما فعلته يدها بخده و لكن العلامات التي أحدثتها عيناها بكيانه هي أكبر و أكثر من أن يتعامل معها في لحظته الراهنة .
لذلك حرك رقبته ليستدير بوجهه يهرب من كل المسكوت عنه داخل نظراتها .
- أحضري لي حقيبتي يا آنسة ، قال برسمية و هو يبدأ بالقيام .
- لكن دكتور ، بدأت السكرتيرة تتمتم و عيناها تتراقصان كبندول الساعة بين جسده و جسد الطفلة .

تبخرت جميع محاولات اعتراضها و هي تراه يقوم واقفا و يبدأ بتقليص المسافة بينه و بين الباب بخطواته الثقيلة المعتادة .
- سأذهب معها ، يبدو أن لديهم حالة مستعجلة لا تستطيع الانتظار ، تكلم يحاول التوضيح لعينيها المستنكرتين بينما يتسلم حقيبته من بين أصابعها .

عندما خطا مغادرا عيادته كانت الطفلة تنتظره في الخارج .
تبعها إلى المصعد و وجد الباب قد فتح على مشهد يتمنى أن يراه كل يوم : المصعد الخالي من أشخاص آخرين .
دخل و مد يده تلقائيا ليضغط زر الطابق الرابع فوجدها تسبقه مجددا كما فعلت عند استدعائها للمصعد كما لو كانت تريد باستماتة أن تثبت له أن القصور لم يطل جميع طوابق عقلها .
وقفا متباعدين شيئا ما ، عيناه متسمرتان على الباب و عيناها منخفضتان إلى الأرض .
منذ غادرا و بينهما اتفاق غير معلن على تفادي نظرات بعضهما البعض و مع ذلك وجد يدها تقترب بتردد من يده و دون أن ترفع وجهها نحوه رأى أصابعها تمسك مقبض حقيبته في طلب صامت لحملها بدلا عنه .
و في لحظة استسلام غريبة تركها لها دون أي اعتراض ، داخله يموج بحيرة كبيرة و شعور آخر أكبر : راحة .
فمنذ وقت طويل لم يتسلم أحد عنه أحماله بهذه الطريقة ، مجانا ، اعتذارا و ... تقديرا .
بعد لحظات كان يدخل وراءها من باب الشقة الذي تركته مفتوحا .
توقفت خطواته لثانية صغيرة عند المدخل و هو يستشعر ذلك الطيف الغريب كأنما هناك أنفاسا شفافة تهمس له بنعومة مرحبة به .
هز رأسه يطرد أحاسيس غير مطلوبة لكن مع ذلك اعترف و هو يمضي وراء الطفلة أن الشقة تحوي شيئا مخلتفا ، شيئا يفتقده في شقته مع أنهما تحملان نفس التقسيم .
تجاوز الطرقة الصغيرة التي تفتح يمينا على قاعة طعام متوسطة المساحة ليصل إلى صالون تقليدي بسيط يجمع بين عتق و فخامة ، ارتفعت عيناه لتلتقيا بنظرات متجمدة غير حية لرجل يطل عليه من خلال صورته المعلقة في صدر المكان .
والد تلك الفتاة المتوفى كما أخبره دون أن يسأل بواب العمارة .
هل سيصل إلى تلك المرحلة يا ترى ؟ فكر و عيناه تبوحان بألم صامت لصاحب الصورة ، ذلك الوقت حيث ينظر بكل بساطة إلى وجه شخص رحلت عنه الحياة دون أن يشعر برحيل روحه هو شخصيا .
للمرة الثانية يطرد أفكاره و هو يواصل اتباع خطوات الطفلة و هي تمضي به عبر القوس في آخر الغرفة الحالية ليجد نفسه داخل صالون عصري بواجهة زجاجية مريح الشكل و الألوان و على أريكته الأساسية نامت امرأة ، رأسها ملتو إلى الناحية الأخرى و يدها تتدلى بجانبها بشكل استنفر الطبيب بداخله .
***************************


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس