عرض مشاركة واحدة
قديم 14-11-19, 12:37 AM   #278

ياسمين أبو حسين

? العضوٌ??? » 450896
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 522
?  نُقآطِيْ » ياسمين أبو حسين is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الحادى و العشرون .. الجزء الأول :
***********************************



بى رغبة شديدة أن أكتبك .. أن أحلق معك فى محاولة للطيران لن تكون متاحة لغيرك ...
بى رغبة شديدة فى لمس كفيك لتهمس لك كفى بأننى هنا و لن أكون يوما سوى هنا ...
لطالما رغبتك الآمر الناهى لقلبى أن يعزف أنشودته الخالدة فى محراب وجودك .. كنت أتمنى أن أشبك أنامل يدى فى أناملك و نركض متشابكين كالأطفال على البحر و نشعر أننا أخف من الريشة .. كنت أتمنى أن نفتح أيدينا فتتطاير منها الأحلام الجميلة على رؤوس العشاق ...
كنت أظنك لحظة من جنون المشاعر و سرعان ما تبدلت لتحل محلها لحظة واقع يخلو منك .. و لكننى ما سلوتك و ما توقفت عن إحساسى بك .. منذ زلزلت كيانى وسحبتنى من الناس و منى و أخذتنى إليك .. وقتها شعرت أنه كان هناك شئ مهم ينقصنى و لن يكتمل إلا معك ..
أصبحت أراك بكل شئ فى المرايا اللامعة و الشمس و المطر و قطرات الندى و الموسيقى الناعمة المتسللة فى خدر لذيذ إلى أعصابى كالحرير و التى أعشقها لأنها منك .
أشعر أن الأرض من حولى تنبت ملائكة و أن أنامل السماء تمتد لتلاعب خصلات شعرى الغجرى و تشبك نجومها فيه و هى تحكى لى عنك حكايتك الأولى و الأخيرة ...
و لكنك دائما ستبقى حبيبا للروح و القلب حين أشتاق لحديثهما و حين أتوه فى عتمات الليل الطويل ..
بدونك ..
و لتعلم أنك أنت لى وحدى مهما كان من أمرك و أمرى .. من بعدك و بعدى ... أو غياب يستطيل بيننا .. أنت لى .. وحدى ...

نعم لى وحدى .. إستندت برأسها على زجاج السيارة و أنفاسها ترسم غبارا كثيفا و هى تحمل بيدها صورتهما ثلاثتهم و عيناها لا تغادرها ...
ستفتقدهما حتما .. ستشتاق لنظراته و همساته و طلته البهية الآخذة لعقلها و الآسرة لقلبها .. حبيبها الوحيد ...
و لكن ..
مهاب .. هل سيتفهم سبب غيابها .. هل سيغفر لها .. هل إستحقت لقب أمى الذى منحها إياه ..
لم تشعر بدموعها المنسابة بصمت مؤلم و هى تذوب و تنصهر بضحكاتهما و كأنها تنفصل عن عالمها المحيط .. حتى رنين هاتفها لم يخرجها من دوامتهما التى إبتلعتها كليا ...
تطلع نحوها سائق السيارة الأجرة بقلق .. و صاح بها قائلا بتوتر بالغ :
- يا آنسة ... يا آنسة سمعانى .. طب ردى على موبايلك لو سمحتى .
لم تتحرك أو تعطيه أى إشارة أنها تسمعه من الأساس .. فصف السيارة على جانب الطريق و إلتفت للخلف و حمل هاتفها الجديد و التى إشترته منذ دقائق و الموضوع بجوارها و أجاب الإتصال قائلا بجدية :
- ألو .
أتاه رد الطرف الآخر و المتعجب من صوته قائلا بتوجس :
- أيوة .. مين معايا و فين غزل ؟!!
إلتفت السائق برأسه ناحيتها و طالع جمودها بتلك الصورة التى بيدها و أجابه قائلا بحدة :
- يا باشا أنا سواق التاكسى .. و الآنسة صاحبة الموبايل عمالة تعيط و شكلها كده عندها إنهيار عصبى .. دى مش حاسة بأى حاجة خالص .. و المشوار طويل لسه .. أكمل و لا أوديها أى مستشفى .
أتاه الرد صارما و قاطعا :
- ﻷ كمل طريقك و أنا هفضل أتصل بيك طول الطريق و هديك كل اللى إنت عايزه .
رد عليه السائق بقوة :
- يا باشا الآنسة عطيانى فلوس فوق ما أنا عايز .. بس صعبانة عليا قوى .. دى لو كانت وقعت فى سواق إبن حرام يا عالم كان عمل معاها إيه .
أجابه قائلا بإمتنان :
- شكلك إبن ناس و محترم .. فياريت تكمل طريقك و أنا هفضل أتواصل معاك .. تمام .
أومأ السائق برأسه و قال بإبتسامة خافتة :
- تشكر يا برنس .. و أنا هخلى الموبايل جنبى و كل ما تتصل هرد عليك و أنا تقريبا بقيت فى نص السكة .
- كويس جدا .. لما تقرب هقولك أنا على عنوان مستشفى تجيبها عليه .
أدار السائق السيارة و قال بهدوء :
- ماشى يا برنس .. سلام .
و أغلق الهاتف و إنطلق بالسيارة و هو يطالع ذلك الملاك الساحر بملامحه الحزينه .. و هز رأسه بشفقة على حالتها و قال بخفوت :
- من لبسها الإسود ده واضح إنه مات لها حد عزيز عليها .. ربنا يصبرها .. ده الواحد لو معاه فرسة زى دى عمره ما يزعلها فى يوم .
و تطلع أمامه للطريق .. بينما هى مازالت محاصرة بضحكاتهما الجميلة .. بتلك الصورة الحميمية و التى تمنت لو تحولت لحقيقة ....



- بتقول إيه !!!!!!!
قالاها رامى و ليال بتعجب .. بينما أكمل فارس طريقه فجذبه رامى من ذراعه و أوقفه أمامه عنوة و سأله بحدة :
- أنا طول الوقت ساكت و مش راضى أتدخل .. بقالكم إسبوع على حالتكم دى .. و فى الآخر تقولى هربت .. هو إنت كنت حابسها بجد و لا إيه ؟!
حاول فارس نزع يده من قبضة رامى و هو يقول بغضب :
- سبنى أدور عليها قبل ما تبعد .. بقولك سبنى .
قبض على ذراعه الأخرى و سأله بقوة قاطعة :
- مش هسيبك غير لما تفهمنى كل حاجة .
بينما جلست ليال بوهن و هى تنتحب و تقول بحزن طفلة فقدت أمها :
- كنت عارفة إنها مش هتستحمل .. يعنى كده خلاص مش هشوفها تانى .. يا حبيبتى يا غزل .
كلماتها أشعلت فتيل غضب فارس أكثر و هو يفكر أنه من الممكن ألا يراها مجددا ..
هز رأسه بقوة نافيا ورافضا لتلك الفكرة و دفع رامى من صدره و خرج راكضا و صعد سيارته مسرعا .. أول ما جاء فى باله منزل رأفة .. فتوجه إليه مباشرة ..

جثى رامى أمام ليال و هدأها قائلا بحذر و هو يضم وجهها بين راحتيه :
- إهدى يا لولو .. علشان البيبى يا حبيبتى .. هو دلوقتى حاسس بيكى و هيزعل معاكى .
طالعته بحزن و قالت بصوت مرتجف متأثر :
- هشوفها تانى .
أومأ برأسه و قال بإبتسامة مطمأنة و عيناه تبثها راحة :
- أكيد إن شاء الله .. فارس عمره ما هيسيبها و أنا هدور معاه .. و أكيد يعنى هى فى بيت ستى رأفة مع ميناس و هو دلوقتى هيصالحها و يرجعها .
رفعت كفها و حاوطت كف رامى المحيطة لوجهها بحنو و قالت بتمنى :
- يا رب يا رامى .. مش عارفة ليه قلبى واكلنى عليها .
إتسعت إبتسامته و قال بثقة :
- لا يا عسلية غزل ما يتخافش عليها .. دى قوية و جامدة و إنتى عارفة و متأكدة .. تعالى أرجعك أوضتك علشان ترتاحى .
إبتسمت بسخرية و قالت بقنوط و هى تتنفس بإرتجاف :
- أرتاح .. و أجيبها منين الراحة .. يا رامى غزل أضعف مما تتخيل .. و ممكن تتعب و أنا مش معاها .
إحتضن كفيها بين راحتيه و قال بهدوء :
- لأ عارفها و عارفها كويس كمان .. و مش خايف عليها .
هزت ليال رأسها بيأس و طأطأتها بحزن و قالت بشجن :
- صدقنى و لا أى حد يعرفها قدى .. أنا اللى كنت بشوفها لما كانت بتنهار .. دى أغلب من الغلب .
وقف و دس ذراعه أسفل ركبتيها و الأخرى لفها حول خصرها و حملها قائلا بمداعبة :
- ما تفكيها شوية يا أمينة يا رزق سودتيها على دماغنا ليه .. هو دلوقتى هيصالحها و يرجع بيها .
لفت ذراعيها حول عنقه و إستندت برأسها على كتفه و قالت بتمنى :
- يا رب .


تقاذفته الأفكار يمينا و يسارا حتى صف السيارة أسفل منزل رأفة و صعد مسرعا .. طرق الباب بقوة .. ففتحت له دنيا و هى تهتف بغضب :
- مين اللى بيخبط بالشكل ده .
و قالت بخحل عندما رأته أمامها :
- أستاذ فارس .. أهلا يا عريس .. منور الدنيا .
سألها فارس بقلق و ملامحه متصلبة بشكل مرعب :
- غزل هنا .
هزت رأسها نافية و قالت بتعجب :
- ﻷ مش هنا .. ليه !!
خرجت ميناس مسرعة بعدما إرتدت حجابها و قالت بقلق :
- أبيه فارس .. مالك فى إيه .. و غزل مالها .
فسألها بضيق و بنبرة قاطعة :
- غزل هنا و لا ﻷ .
أجابته ميناس بتعجب :
- ﻷ .. بس هى هتروح فين .. تلاقيها فى مشوار و هترجع تانى .
خلل أنامله بشعراته وهو يفكر أين سيبحث الآن .. ثم قال لميناس برجاء جديد كليا على نبرته الحازمة :
- لو غالى عندك يا ميناس أول ما تكلمك و تعرفى مكانها قوليلى تمام .
أومأت ميناس برأسها و قالت و هى تزم شفتيها بعدم فهم :
- حاضر .. و لو إنى مش فاهمة إنت قلقان ليه .
أكد عليها بقوة قائلا و جسده ينتفض إنفعالا :
- ميناس .. بس تعرفى عنها حاجة كلمينى .

و خرج مسرعا كالمجنون .. أغلقت دنيا الباب و تطلعت بميناس و قالت بريبة :
- أنا مش فاهمة حاجة .. إنتى فاهمة ؟!
ضيقت ميناس عيناها و قالت بحدة :
- برافو عليكى يا غزل .. عملت اللى إحنا مقدرناش نعمله .. بس ياريتها خدتنا معاها .
إقتربت منها دنيا و ملست على ظهرها و قالت بعتاب رقيق :
- و أنا مقصرة معاكى فى حاجة .
إبتسمت شفتى ميناس الصغيرتين و قالت بهدوء :
- بالعكس .. أنا من غيرك مش عارفة كنت هعمل إيه .. بس أنا عاوزة أبعد عن هنا فترة يمكن أرتاح .
بادلتها دنيا إبتسامتها و قالت بثقة :
- غزل عمرها ما هتسيبنا .. أنا متأكدة إنها مش هتتأخر علينا .
أومأت ميناس برأسها و عادت لقوقعتها مجددا تجر أحزانها و آلامها معها ....


قطع الطرقات كالمجنون و هو يبحث عنها .. و عقله يكاد ينفجر من شدة إنفعاله ..
ليس لها أحد تذهب إليه حتى عمها لفظها و لن يستقبلها و لكن شقة والدها ربما ذهبت إليها ..
فأدار السيارة مجددا و توجه لبناية عمها .. صف السيارة و صعد مسرعا طرق باب شقة والدها أولا .. لم يأته رد فصعد لشقة عمها و طرق الباب ففتحت له بسمة التى ما إن رأته حتى تعجبت و قالت بتوجس :
- إنت !!! إنت عاوز منا إيه تانى .
فسألها فارس مسرعا :
- غزل جت هنا لو سمحتى يا آنسة .
قطبت بسمة حاجبها و قالت بضيق :
- ﻷ طبعا .. هى إيه اللى هيجيبها هنا الشيطانة دى .
تمالك غضبه بدل أن يصبه فوق رأسها فما هم به الآن بسبب غبائه أنه إستمع لها و قال بحدة و هو منصرفا :
- عموما شكرا .
تابعته بسمة بعيناها حتى إختفى من أمامها و أغلقت الباب بتشفى ..
هبط الدرج مسرعا و صعد سيارته و هو يفكر أين يبحث عنها .. و كلماتها القاسية تدور برأسه دون توقف عندما قالت :
- لو مشيت مش هتشوف وشى تانى .
إتسعت عينيه بخوف و قال بذعر :
- ممكن تسافر برة مصر .. ﻷ .. هى مش هتسيب مصر تانى .. أنا متأكد .
ثم طأطأ رأسه بحزن و قال بأسى :
- ليه كده يا أميرتى بس .. أدور فين دلوقتى .. مش همل و هلاقيكى إن شاء الله .


تلفت سائق السيارة الأجرة حوله حتى رأى ذلك المتصل يتقدم ناحيته فقال و هو يعتدل بوقفته :
- خلاص شوفت حضرتك .. سلام .
و أغلق الهاتف و صافحه قائلا بهدوء :
- أهلا ياباشا .. أنا وصلت الأمانة أهه .. بس دى تعبانة قوى .
صافحه أحمد بقوة و قال له بإمتنان :
- مش عارف أشكرك إزاى .
إبتسم السائق بخفوت و أجابه بزهو :
- لا شكر على واجب يا باشا .. الدنيا لسه بخير .. و لولا إن ربنا وقعها فى واحد إبن حلال زيى يا عالم كان جرالها إيه .
أومأ أحمد برأسه و قال بهدوء :
- عندك حق .
و إنحنى قليلا و تطلع داخل السيارة و لاحظ وجوم غزل و شرودها و ثبات نظراتها فرفع رأسه و أشار لأحد العاملين بالمشفى و صاح به بقوة :
- هات كرسى بعجل هنا بسرعة .
أجابه العامل بجدية :
- حاضر يا دكتور .
عاد بعينبه ناحية غزل الشاحبة و فتح الباب بجوارها و هزها من ذراعها و هو يقول بقوة :
- غزل .... غزل ردى عليا .... سمعانى يا غزل .

رفعت مقلتيها نحوه و التى تحول لونهما للون سماوى باهت و إنطفأت أشعتها الفيروزية و خبى سحرها .. أصبحت شبح إمرأة كانت مشتعلة .. تفحص مقلتيها بأنامله و حمل يدها و قاس نبضها .. فإقترب منه العامل و هو يجذب كرسيا و قال بعملية :
- الكرسى يا دكتور .
دس أحمد ذراعه تحت ركبتيها و لف خصرها بذراعه الأخرى و حملها و فجأة بدأت تأن .. ثم تحول أنينها لآهات .. و ما زاد الموضوع تعقيدا صراخها المذعور .. و أخذت تركل بساقيها الهواء و هى تضرب أحمد و نقشت خطوطا بالدم بأظافرها على وجهه و هى تصرخ بهيستيرية .. ركض السائق ناحيته و كبل ذراعيها بقوة .. حتى وضعها أحمد على الكرسى و قال للعامل مسرعا :
- إدى خبر لدكتور عاصم يجى على الإستقبال فورا .
أومأ العامل برأسه و إنطلق مسرعا .. و هى مازالت على حالتها من الإنهيار و الصراخ و صوتها يتعالى و أصبحت تهذى بكلمات مبهمة غير مفهومة ..
تم نقلها للإستقبال و حقنت بمهدئ قوى كى تهدأ و بالفعل هدأت و تراخى ذراعيها و زاغت أبصارها و هدأ أنينها حتى أغمضت عيناها و راحت فى سبات كامل ..
وقف أحمد بجوارها يتأمل حالتها بحزن .. متمنيا لو بإستطاعته العودة للوراء قليلا و حمايتها منه و من نفسها .. أخرجه السائق من شروده و هو يضع حقائبها بجواره و مد يده بهاتفها ناحيته و قال بإشفاق :
- سلامتها يا دكتور .. دى كل حاجتها .. و ده الموبايل بتاعها و حضرتك معاك نمرتى لو حاجة ناقصة كلمنى فورا .
وضع أحمد يده بجيب بنطاله و أخرج مبلغا ماليا كبيرا و وضعه براحة السائق قائلا بشكر و عرفان :
- ده مبلغ بسيط .. و إوعى تكسفنى .
رفض السائق رفضا قاطعا و قال بقوة :
- لا يا دكتور الآنسة سبق و إديتنى و الله .. تشكر يا ذوق .
شدد أحمد على يده قائلا بإصرار :
- معلش دى حاجة بسيطة أشكرك بيها .. و خدها ماتتعبنيش .
أومأ السائق برأسه قائلا بضيق :
- أنا علشان عارف إنها دشدشتك و إنك مش قادر لمناكفتى .. هاخد الفلوس و مش هتعبك .
إبتسم أحمد براحة و ربت على ذراعه قائلا بهدوء :
- ربنا يكتر من أمثالك .. شكرا بجد .
أجابه السائق بجدية :
- معملتش غير الواجب .. سلامو عليكو .
و تركه و مضى .. وقف أحمد مجددا يطالع غزل بإشفاق و هو يتأمل ذبولها و نحافتها .. سائلا نفسه بقلق :
- يا ترى إيه اللى حصلك يا غزل خلاكى كده .. أنا عمرى ما هسامح نفسى إنى هربت و سبتك لواحدك .. سامحينى .
ردها كان دمعة ساخنة إنسابت على وجنتها بصمت .....


بعد يومين إجتمع الجميع بشقة الحاج صبرى .. الذى ضرب الأرضية بعكازه بغضب و قال بحدة :
- هو أنا بيجينى من وراكم غير تعب القلب .. أدعى عليكوا بإيه بس .
تنحنح رامى بضيق و قال له :
- إنت بتجمع ليه بس يا حاج و أنا مالى .
رفع صبرى عينيه ناحيته بحدة و قال بنبرة قاطعة :
- إنت تخرس خالص .. فاهم .
زم رامى شفتيه بتذمر بينما جلست ليال بجواره و قالت بحنو لتهدأته :
- إهدا يا عمى علشان ضغطك هيعلا كده .
إلتفت بجسده ناحيتها و قال بحزم :
- مالكيش دعوة باللى حاصل ده علشان الواد ما يطلعش نكدى زى أعمامه .
وضعت دنيا أمامه كوبا من الشاى الساخن و قالت بمداعبة رغم قلقها على غزل :
- عملتلك كوباية شاى بالقرنفل تعدل مزاجك يا عمى .
إبتسم بخفوت و طالعها قائلا بود :
- تسلم إيدك يا بنتى .. هى ميناس فين .
برقت عينى حمزة بترقب بينما أجابته دنيا بتلقائية :
- فى البيت يا عمى .. قافلة على نفسها و مش بتشوف حد .. خصوصا بعد موضوع غزل .
خبى ذلك البريق بعينيه متخيلا إنكسارها و ضعفها و هو ليس بجوارها ..
إنتبهوا جميعا على طرقات بباب الشقة .. فتوجهت دنيا ناحيته و هى تقول بإبتسامة هادئة :
- ده أكيد مهاب .
و بالفعل فتحت له الباب .. فدخل متجهما و عابسا على غير عادته و تجاهلهم جميعا و سار ناحية غرفته مباشرة .. فأوقفه فارس قائلا بتذمر :
- مهاب .... إستنى هنا .. من إمتى بتدخل على حد و مش بتقول السلام عليكم .
وقف مهاب بمكانه و نزع حقيبته المدرسية و ألقاها على الأرض و إلتفت نحوه قائلا بحدة :
- مش عايز أشوف حد .
إندفع فارس نحوه بغضب و قبض على ذراعه و هزه بعنف قائلا بشراسة :
- بتكلم مين ياض بالطريقة دى .. إنت قليل الأدب .
ركض الجميع ناحيته لإبعاده عنه و جذبت دنيا مهاب من يده .. و ضمته إليها بخوف .. بينما دفعها مهاب عنه قائلا بصراخ و بكاء شديد :
- أنا مش بحبكم .. مش بحب حد .. ربنا أخد أمى و سكت .. بس ياخد ماما غزل كمان .. ﻷ .
وقف الجميع يتابعونه بصدمة من حديثه المقهور .. فإستند بظهره على الحائط و قال من بين شهقاته :
- إنت السبب .. إنت اللى زعقتلها و ضربتها .. أنا سمعتك فى التليفون .
وقف صبرى مذهولا مما سمع و طالع فارس بقوة و هو يهدر به بعصبية :
- كلام الواد ده صح .. إنت ضربتها ؟!!
إبتلع فارس ريقه بتوتر و هو يتذكر تلك الصفعة القوية التى جعلتها تترنح أمامه و نظرات الحقد بعينيها و لازم الصمت .. فوخزه والده بقبضته فى صدره و سأله مجددا بغضب :
- إنطق .. إنت مديت إيدك على عروستك .
أتاهم جميعا الرد من مهاب و هو يقول بصوت مرتجف :
- أيوة ضربها .. و زعقلها .. و خلاها تمشى و تسبنى .
ثم رفع عينيه ناحية فارس و إنتصب بوقفته و قال بغضب عارم :
- أنا بكرهك .. بكرهك .. و بكره غزل كمان .. لما هى هتمشى و تسبنى خلتنى أقولها يا ماما ليه .
و طأطأ رأسه و تابع نحيبه و الجميع يطالعه بعيون ملأتها الدموع .. بينما إندفع فارس ناحية باب الشقة و فتحه و خرج مسرعا .. و كلمات مهاب تنهش فى قلبه ...
هل هو بهذا السوء .. هل آذى الجميع دون أن يشعر .. و لكن .. ماذا كان بيده ليفعله .. لقد تلاعبت به و حطمت قلبه .. ألا يحق له تأديبها ..
أغلق عليه باب مكتبه بالوكالة و إنهار جالسا على الأريكة الجلدية ممسدا أعلى أنفه ربما تهدأ ألام رأسه قليلا ..و هو يهتف بإسمها بشوق ...

مر إسبوع و فارس لم يستسلم .. عاونه والده رغم غضبه منه بعدما علم بأمر سجنه لها و خلافاتهما التى خبأها عنه فى البحث بكل مكان .. و عاد حمزة لشقة والده ليبقى بجوارهم و عله يرى ميناس مرة أخرى ..
شوقه لها يقتله و لكنه لن يظهر و لن يضعف و ينهار امامها .. هى من تركته فلتتحمل ...

ذهبت زينب لليال و ميناس للإطمئنان عليهما .. و بعد الترحيب بها لاحظت حزنهم البادى بملامحهم الشاحبة ..
و هى رغم صمودها الواهى أيضا حزينة .. تفتقد غزل جدا .. تفتقد مرحها و إنطلاقها و مزاحها ..
تعلم مدى حبها لفارس فما لم تفهمه كيف تركته هكذا و رحلت دون إخبار أحد .. تنفست زينب طويلا بألم و قالت بعد تفكير :
- يا بنات لازم تفتكروا هى تعرف مين ممكن تروحله .. هى مالهاش حد فى مصر .
ردت ليال بدموعها :
- مالهاش حد غيرنا يا طنط .. يا ترى إنتى فين يا غزل .
زفرت ميناس بحدة و قالت بحزن :
- هتكون راحت فين .. فارس سأل عنها فى كل المستشفيات و الأوتيلات و كلف ناس متخصصة يدوروا عنها .. بس برضه مش لاقيها .. يا رب ساعدها و إهديها ترجع تانى لينا .
رفعت زينب عينيها للسماء و قالت برجاء :
- يا رب .
مسحت ليال أنفها بمحرمة ورقية و سألت زينب بأسى :
- مهاب عامل إيه يا طنط ؟!
مصمصت زينب شفتاها و قالت بضيق :
- الواد يا قلبى مقهور .. مش بيتكلم مع حد حتى حمزة اللى روحه فيه مش بيتكلم معاه .
وقفت دنيا مسرعة و قد لمعت عيناها بفكرة ليست سيئة و قالت بإنتشاء :
- بنات .. إنتوا نسيتوا سالى الدكتورة زميلتها فى المستشفى .. هى كانت بتحبها مش بعيد تعرف عنها حاجة .
ردت ميناس بأمل :
- عندك حق يا دنيا أنا هكلم أبيه فارس أقوله .
و بالفعل هاتفته .. و أخبرته بأمر سالى و لام نفسه و بشدة .. لماذا لم يتذكرها من قبل ..
كيف غفلها عقله أثناء بحثه المستميت عن غزل ...
صعد سيارته و توجه للمشفى للحاق بها قبل إنصرافها .. و بالفعل وجدها أنهت عملها و منصرفة .. إقترب منها و قال مباشرة :
- غزل فين يا سالى .
أعادت سالى نظارتها للخلف و قالت بقلق :
- غزل !!! هى مش لسه فى شهر العسل .
فقال لها بغضب :
- يعنى إنتى مش عارفة هى فين و لا عند مين .
هزت سالى رأسها من الصدمة و قالت بإندهاش قوى :
- أنا مش فاهمة حاجة .. هى هتروح فين يعنى .. هو حصل بينكم حاجة .
تنفس فارس مطولا و زفره دفعه واحدة و قال بنبرة ملتاعة :
- أعمل إيه دلوقتى إنتى كنتى آخر أمل ليا .
وقفت أمامه و سألته بقلق :
- إنت عملت فيها إيه خلاها تسيبك و تمشى بالطريقة دى .

إبتلع فارس ريقه و قال بتهكم و حدة و هو يطالعها بنظراته النارية :
- مافيش بس سمعتها قبل فرحنا بيوم و هى بتشرحلك إزاى وقعتنى و لعبت عليا .. و الرهان اللى عملته مع نفسها علشان تخلينى أحبها و تلعب بيا بعدها .
ضحكت سالى بسخرية و قالت بطريقة تهكمية :
- أكيد سمعت الكلام ده و مشيت على طول صح .
رد عليها فارس بغضب و قال بصوته الجاف :
- ﻷ كنت أقف و أسمع باقى الخطة مش كده .
ضربت سالى كفيها ببعضهما و قالت بضيق :
- إنت واضح إنك خسرتها للأبد .. عموما هى كان لازم تراهن نفسها إنها توقعك .. و تلعب عليك كمان عارف ليه .
حدجها بنظرات ساخرة و قال بقوة :
- ليه بقا .. علشان غبى و صيدة سهلة صح .
تنهدت سالى بألم و قالت بهدوء :
- للأسف ﻷ .. هى عملت كده علشان بتحبك و إنت كنت بتعاملها ببرود و كانت خايفة تخسرك .. زى ما خسرت كل اللى حبيتهم .. لعبت عليك علشان توصل لقلبك اللى إنت كنت قافله بمليون قفل .. لو كنت سمعت باقى كلامها كنت هتسمع إعترافها بإنك إنت اللى إصطدتها و خليتها تموت فيك و إنها حبت ضعفها معاك و لقت الأمان بيك .
وقف مصدوما و هو يستمع لها بتعجب .. فهل فهم الأمر بشكل خاطئ و حاسبها عليه بتلك القسوة .. عاد الشيطان للتلاعب بعقله و سألها قائلا بتوجس :
- طب و إيه حكاية إنها وقعتنى زى اللى قبلى .
إبتسمت سالى بسخرية و قالت بفقدان أمل :
- برده هتشك فيها .. إنت ما تستاهلهاش يا فارس .. و أحسن ليها و ليك ما تدورش عليها .
و تركته فى تخبطه و رحلت .. بسهولة فجرت قنبلتها بوجهه و إتهمته بأنه لا يستحقها و رحلت .. الكل يلومه و يوبخه و لا يشعرون بتلك النيران التى تلتهمه كلما فكر كيف هى الآن .. و هل يأذيها أحد ..
يعلم أنها قوية و لكنها كانت تحتاجه دائما بجوارها .. ليخذلها هو الآخر .



جلست كعادتها كل يوم أمام البحر .. تقضى النهار بأكمله أمامه و الليل بغرفة مغلقة عليها .. أصبحت هى و البحر رفقة تتحدث معه و يرد عليها .. يصبرها على الفراق و يقويها لتعود لها الحياة مرة أخرى .. بعدما إستسلمت لضعفها و إنهيارها .. لقد ذبلت كثيرا و هزل جسدها أكثر .. كلما تذكرت قسوته و شكه بها تتألم و بشدة ..
لقد إختارته بنفسها بعدما شعرت بالأمان معه فيأتى هو و يفقدها ثقتها بالجميع .. شعرت ببعض البرودة تتخلل جسدها فارتدت سترة جينزية لتدفأها ..
و جذب عيناها صورة كانت أقصى أحلامها و تلك السيدة ترفع صغيرها من ذراعيه و تدور به بسعادة و صوت ضحكاتهما يخترق قلب غزل التى رأت نفسها تدور حاملة مهاب و شعراته الناعمة تغطى وجهه و فارس يقترب منهما و يحملها بين ذراعيه و يدور بها بسعادة كالتى تشعر بها تلك السيدة الآن و هى تركل الهواء بساقيها و زوجها يداعب أذنيها بهمس رقيق ....

وقف أحمد يتابعها من بعيد و هو يتحسر على حالها .. كيف تبدلت و أصبحت ضعيفة لهذا الحد .. إقترب منها بخطوات هادئة حتى لا يفزعها لأنه واثق من شرودها كعادة كل يوم .. جلس على مقعد بجوارها و هى لا تشعر به .. فقال بضيق :
- غزل .. غزل إنتى كويسة .
إنتبهت إليه فقالت بإبتسامة باهتة :
- أيوة كويسة الحمد لله .. خلصت شغلك .
أومأ برأسه و قال بإرهاق :
- أيوة خلصت و كنت عارف إنى هلاقيكى هنا .
ثم وقف بهمة و قال بقوة و هو يشير بذراعه :
- قومى يالا علشان نتغدى أم أشرف خلصت الغدا .
إتسعت إبتسامة غزل و قالت بهدوء :
- رغم إنها رغاية جدا بس طيبة و أنا حبيتها قوى .
غمز لها بعينيه و قال بتنهيدة طويلة :
- يا بختها .
قطبت غزل جبينها بضيق و قالت بحدة :
- أحمد .. بطل تضايقنى لو سمحت إنت عارف إنى مش بحب طريقتك دى فى الهزار .
رفع يديه أمامها و قال مسرعا :
- آسف و الله آسف .. مش ههزر معاكى تانى .. بس يالا بقا جعااااان.
وقفت و هى تهز رأسها بملل و توجهت معه لفيلا صغيرة جدا من طابقين و جلسا سويا على مائدة مطلة على البحر بحديقة المنزل ..

وضعت أم أشرف و هى سيدة فى بداية عقدها السادس ممتلئة قليلا ملامحها بشوشة و طيبة القلب و لم يرزقها الله بأطفال الطعام أمامهما و هى تقول بتبرم و ضيق :
- عارفة يا ست غزل لو ما أكلتيش كويس النهاردة كمان .. مش هطبخلك بكرة و هسيبك من غير أكل .
ضحكت غزل عليها و قالت ساخرة :
- بتخوفينى كده يعنى .. طب مش هاكل بقا .
ملأت أم أشرف الطبق أمامها و قالت بهدوء :
- لأ و على إيه الطيب أحسن .. بس كلى طبقك كله و حياة إبنك .
تذكرت غزل مهاب و قالت بوهن :
- حلفتينى بحبيب قلبى .. خلاص يا ستى هاكل كويس .
تطلعتا الإثنتان لأحمد و الذى يأكل بنهم دون أن يعير لحديثهما إهتمام .. مصمصت أم أشرف شفتيها و قالت بإشفاق :
- يا عينى يا داكتور .. ده إنت جعان قوى .
رد عليها أحمد و هو يلوك ما فى فمه قائلا بشراهة :
- ميت من الجوع .. تسلم إيدك الأكل يجنن .
إبتسمت بهدوء و تركتهم و عادت للداخل .. تناولت غزل طعامها بشرود فسألها أحمد قائلا بجدية :
- ناوية على إيه الأيام اللى جاية يا غزل .
وضعت شوكتها من يدها بجوار صحنها و قالت بخجل :
- عارفة إنى تقلت عليك .. و خليتك سبت بيتك و بتنام فى هوتيل .. بس أنا ن...... .
قاطعها أحمد قائلا بغضب :
- أنا زهقت من كلامك ده بجد .. كل يوم تقوليلى نفس الكلام .. أنا قصرت معاكى فى حاجة .
ردت مسرعة :
- لا و الله .. بس بقالى إسبوع كامل قاعدة أكلة شاربة نايمة و إنت مش ملزوم بيا .
زم شفتيه بحزن و قال لائما :
- كده يا غزل .. شكرا و أنا اللى بعتبر نفسى أخوكى و صاحبك .. براحتك و أنا مخاصمك بجد .
ضحكت على طريقة كلامه الطفولية و قالت بمداعبة :
- خلاص .. بتفكرنى بمهاب وحشنى قوى .
إرتشف قليلا من كوب الماء و وضعه على الطاولة و قال بهدوء :
- قولتلك كلميه فون على الأقل .
حركت رأسها نافية و قالت بحزن :
- ﻷ ممكن فارس يعرف مكانى عن طريق الفون .. و أنا لسه مش مستعدة .
فسألها ببديهية :
- و هتفضلى هربانة كده لغاية إمتى .. لازم تكونى عارفة إنتى عايزة إيه .
إلتفتت بوجهها ناحية البحر تستمد منه قوتها و قالت بعد تنهيدة طويلة مرتجفة :
- عندك حق .. بس أنا لسه مش قادرة أفكر فى أى حاجة .. مخى مشلول .
ثم عادت بعيناها لوجهه و قالت بأسف و هى تطالع آثار الخدوش التى سببتها أظافرها :
- وشك بقا كويس .. سامحنى يا أحمد أنا و الله مش فاكرة إيه اللى حصل اليوم ده .
هز رأسه بهدوء و قال براحة :
- أنا مش مصدق لغاية دلوقتى إنك قدرتى تتجاوزى المرحلة دى .. ده إنتى كان عندك إنهيار عصبى شديد و كنتى ممكن تأذى نفسك و أى حد من غير ما تحسى .. ده دكتور عاصم لغاية دلوقتى مصدوم من قدرتك على الرجوع بالسرعة دى .
أطرقت برأسها و عبثت بطبقها بشرود و قالت بوهن :
- من كتر ما شوفت يا أحمد .. خلاص مافيش حاجة ممكن توقعنى تانى .. بس و الله راضية بقضاء ربنا و مش معترضة .
إبتسم براحة و قال بإعجاب :
- إنتى مثال للصبر و الإحتساب ماشوفتوش بحياتى .. أكيد ربنا هيعوضك فوق ما تتخيلى .
أكملوا تناولهما للطعام بصمت بعدما غرقت غزل بأمواج أفكارها و شوقها مجددا .. لم تستطع التغلب على محنتها بعد و لكن مكانته بقلبها لم تقل مثقال ذرة .. بل بالعكس شوقها إليه يقوى و يعمق جذور حبه بقلبها .. قلبها الذى ما زال يأن من ألمه منه و رغم ذلك يلتاع على نظرة واحدة من عينيه ..


عينيه الحزينة المنكسرة منذ رحيلها .. عاد فارس للقصر و قد زُينت الدنيا بليلها الجميل .. صعد لجناحه و هو يمنى نفسه برؤيتها بإنتظاره ..
دلف جناحه و هو يشعر بإرهاق غريب .. ليس غريبا فهو لم ينم منذ تركته سوى ساعات قليلة .. دلف لغرفة مهاب و هو يتخيلها جالسة هنا .. و نائمة هنا .. و تصلى هنا ..
إرتمى بجسده على الفراش .. و هو يشتم رائحتها عليه .. حتى وقعت عيناه على الصندوق الذى يحتوى على عروستها القديمة ..
إستند على الفراش بمرفقيه رافعا جسده قليلا و قطب حاجبيه بتعجب .. لقد وضع ذلك الصندوق فى الغرفة الذى جهزها لصغيرتهما .. فمن أتى به إلى هنا ....
وقف مسرعا و حمله و جلس مرة أخرى على الفراش و فتحه بفضول .. و حمل العروسة و إحتضنها بشوق كعادته .. فلاحظ المذكرة الصغيرة تحتها ..
ترك العروسة بجواره و حمل المذكرة و فتحها متعجبا .. حتى إتسعت عيناه بعدما قرأ أول كلمات بها من أميرته التى قررت أن تحدثه عن نفسها ......


قراءة ممتعة ....


ياسمين أبو حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس