عرض مشاركة واحدة
قديم 24-11-19, 09:39 PM   #529

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,981
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل التاسع عشر



تلفت أكرم يجول بأنظاره يتفقد القاعة حوله .
كانت فارغة إلا منهما ، عميقة الصمت كأن موجوداتها تترقب مثله ما سيحصل بينهما .
تقدم من مكانها متمهلا ، كله رغبة في إشباع عينيه مما يبدو له من جانب وجهها الشارد .
على أرض الواقع لم تفصله عنها سوى خطوات قليلة لكن داخل عالمها الخاص كانت توجد الآن في مكان سحيق بعيد عن إدراكه و تناوله .
توهانها عميق يغمرها ، يغوص بها ، يعزلها روحا و جسدا عما حولها حتى أنها لم ترفع عينيها نحوه و لم يبدر منها أية حركة تدل على انتباهها لدخوله عليها .
غارقة في أفكار ، أحلام أو ربما لا شيء ، حائرة محيرة لقلبه و باله كما لحظة أن رآها .
بعيدة كأنها وعد ينتظر التحقيق .
واصل التقدم منها تصير خطواته أبطأ ، أنفاسه أسرع .
الضوء النيون الأبيض الكئيب سار بين ملامحها فانتعش و سار له بريق .
و أشع بها و منها .
ينسكب على جبينها الناعم ثم يتسرب بين أهدابها فتتموج ظلالها فوق شحوب وجنتيها .
اختلجت رموشها فأخذت ما تبقى من مقاومته ، عصفت بهدوء صمته و علا صوته يسبق تفكيره و هل فكر ؟
- ماذا تفعلين هنا ؟ في هذا الوقت يا آنسة ؟ وحدك ؟

صوته بدا كأنه لسع دون رحمة جدار شرودها .
رآها تنتفض بقوة في مكانها ، تلتفت نحوه دفعة واحدة ، شاحبة ، مصدومة ، غير مستوعبة فيتضامن اهتزاز حدقتيها مع خفقات قلبه هو المتسارعة .
- أنا ، بدأت تهمهم باضطراب ، أنا ..

ثم توقفت ترفع يدها و تضعها على موضع قلبها .
- أفزعتك ؟
أنا آسف .

رشقه الضعف المذهول في نظراتها فأضاف بصوت أكثر لطفا :
- لم أقصد ، فقط استغربت وجودك وحدك و آخر حصة انتهت ، نظر نحو ساعته ، منذ ساعات .
- أنا هنا لأن الدكتور عبد الرازق كلفنا بإنجاز مشروع مصغر لكي نتدارك به درجاتنا المنخفضة في الاختبار و لم يعطنا وقتا كافيا و يجب أن يتم العمل على أجهزة الكلية كي لا نغش .

صوتها الرقيق تأنى في الانسياب داخله فأسرع الخطى يمحو ما تبقى من فضاء بينه و بينها .
- امم ، تمتم و هو يصل إلى مكانها و يستند بإحدى كفيه على المنضدة بجوارها .
ما يزال يتبقى أمامك الكثير ؟
- لا أعلم دكتور ، هزت كتفيها فهزت تركيزه ، المفروض ليس أكثر من نصف ساعة ، سأغادر ما إن أنتهي .

أعاد النظر إلى ساعته .
- الوقت تأخر جدا ، الساعة تجاوزت الثامنة بقليل .
كيف ستعودين إلى البيت ؟
- ابن خالتي سيأتي ليقلني .

أمام قتامة نظراته أسرعت تضيف :
- ابن خالتي و زوجته .

أومأ برأسه و بداخله يجاهد كيلا تتسرب راحة طاغية شعر بها فتبدو على تقاسيمه التي إلى اللحظة يحتفظ بها جادة .
- ماذا طلب منكم الدكتور عبد الرازق ، تمتم و هو يزيح عينيه منها إلى الشاشة .
- طلب منا أن نرسم ميكانيزم مكون من عدة تروس .
- ترسمونها بأنفسكم ؟ أو تأخذونها جاهزة من مكتبة البرنامج و تركبونها .
- كل هذا مع بعض دكتور ، نرسمها و نجمعها و نضيف معها المحرك و نتأكد من أن الميكانيزم يدور بشكل جيد .
- و لماذا يطلب منكم ذلك ؟ قطب جبينه و هو ينظر إلى صورة الترس المكبرة على شاشتها .
- لأنه مسلم الديانة يهودي الطوية ، همست إيثار بمرارة .
- عفوا !! ماذا قلت ؟
- لا شيء دكتور ، آسفة .

أطرقت برأسها فورا تهرب من رفعة حاجبه المستنكرة ففاتتها ابتسامة التسلية التي سلطها على ملامحها المحرجة .
- إذن هكذا نحن في أعينكم ؟ الأعداء .
- البعض منكم نعم .

رفعت عينيها بنظرة سحرت قلبه و غيبت فكره ثم همست :
- لكن حضرتك لست منهم دكتور .

نبضه زعق بشدة معترضا على ضيق صدر لم يعد يحتويه و دون أن يشعر انحنى أكثر في اتكاءه فصار رأسها عند حُدود كَتفه ، أَخْفَضَ بَصره فاصْطَدَمت عَيْناه بشفتيها .
لا تمتان إلى الإغراء بصلة لماذا إذن يلتصق بصره بهما ، يسجل كل رجفة لهما .
سرح حنجرته بصعوبة و قال ببقايا صوته القديم :
- لديك خطأ يا آنسة .

كلماته أطفأت فتنة اللحظة ، راقبها تتنهد بيأس و تقول بين زفراتها :
- أعرف دكتور أعرف .
- متأكدة أنك تعرفين ؟
- نعم ، أشارت إلى خانة على الشاشة و قالت ، أعتقد أني أخطأت في حساب الزاوية .
- و الأصوب أن تجعليها أكبر و أصغر ؟
- أكبر طبعا دكتور .

نظرت له بطرف عينها باندهاش ، ما باله يعاملها كطفلة ؟
منذ ثوان فقط شعرت به يحس بها و الآن ؟!!
بجرأة غريبة عليها أدارت رقبتها باتجاهه تتأمل جانب وجهه عن قرب لأول مرة .
بدا لها أصغر بسنوات مما اعتقدته .
خدعها قناع تركيزه فارتجفت و هو الآخر يستدير إليها و يفاجئها بنظرة متفحصة ثابتة طويلة .
أرادت أن تبتسم لكن محاولتها تعثرت و احترقت بلهيب رأته يتوسط مقلَتيه .
تنفس أكرم بعمق و هو يراها تستسلم أمام تحديقه و تسدل أهدابها فيم واصلت رموشها حركتهم السريعة .
هل رفيف الرموش يصدر صوتا ؟ إذن لماذا يكاد يشعر به يهدر وسط السكون ؟
أسدل هو أيضا جفنيه يراقبها تعود إلى إكمال تصميمها الهندسي و لعينيه الملتهمتين لتفاصيلها بدت كل حركة من أناملها على لوحة المفاتيح كعزف منفرد ، كل انزلاقة إصبع ، تراقص نفس ، كل تمايل شفاه كان يحرّر ماردا بداخله.
كانت هشة للغاية ، لذيذة ، مغرية برقتها ، كقالب حلوى أمام طفل جائع ، من الصعب جدا عدم لمسها .
بداخلها الضائع كانت إيثار هي الأخرى تعاني ، تتخيل نفسها تقف ، تقْتَرَب منه ، تحيط عُنقه بِذراعيها ، يعانق خصرها بذراعيه ، تلتصق بصدره و تهديه شفتيها .
في هذه اللحظة بدت دراستها ، مستقبلها العلمي أوهاما متبخرة ، مرادها تركز جميعه على الفراغ الجائع بداخلها .
فكيف لها أن تهذب أنوثتها الفقيرة إلى هكذا اهتمام جارف .
حتى مبادئها خانتها و اختفت كحفنة رماد .
حتى مآقيها المتعبة تآمرت عليها معه و قبل أن تعرف كيف و لماذا ، ارتجفت على خدها دمعة .
فقد أكرم سيطرته و انحنى بسرعة نحوها ، يغمغم بصوت أجش مفكك النبرات :
- لماذا تبكين ؟
- أنا لا ...

سقطت بقية الكلمات في قعر حلقها .
احتقن وجهها و اختنقت رئتاها ، أنفاسها كانت صعبة المراس ، تهرب منها و تتحداها .
عيناها مفتوحتان على اتساعهما بلا فائدة فلم تكن تبصر شيئا أمامها ، كل حواسها الخمس ، الست أو العشرون معه .
- لماذا تبكين ؟

أعاد عليها سؤاله ، هذه المرة نبراته متبلة بسحر الغواية ، طعمها حان ، مذاقها دافئ ، تزيدها جوعا و توقظ روح الاحتياج فيها .
- أنا لا أبكي ، كلماتها خرجت بمشقة من خلال العقدة المستقرة وسط حنجرتها ، العدسات تضايقني .

- إذن لا تستعمليها بعد اليوم .

" و قلبي ؟ لا أستعمله كذلك بعد اليوم ؟ "
أومأت برأسها و عادت رئتاها للعمل حين قسم نفسها نصفين و هو يقول بصوت خفيض عميق :
- و لا تبكي ثانية أمامي .

أسدلت جفنيها بطاعة بينما مآقيها أعلنت العصيان و أفرزت مزيدا من القطرات .
تنهدت إيثار باستسلام ، لن تقدر على المقاومة أكثر ، لو تقدم هو فهي لن تتأخر .
أطرقت رأسها و انتظرت القادم في صمت .
الدموع الجديدة بدت لعيني أكرم صافية ، بلورية و قبل أن تتلاشى كانت يده تمتد متحدية إرادته تداعب خدها و تمسح عنه حزنه .

****************



نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس