عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-19, 07:01 PM   #4

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع



عظيم ، دعونا ننتقل إذن إلى نقطة أخرى ..
فمنذ يومى الأول فى (أبو دياب شرق) ، وكعادتى فى كل مكان جديد ، رحت استكشف كل ما حولى بمنتهى الاهتمام..
وأول ما لاحظته هو أن القرية تنقسم إلى فريقين كبيرين..
العرب .. والهوارة ..
كل فريق منهما له عالم خاص به ، يصعب اختراقه ، وكشف أعماقه ومكنوناته ..
وبالذات عالم الهوارة ..
إنه عالم أشبه بعالم النازية ، وأساطير السامية ..
فيه محدودية وتعال ، وقوة وغطرسة ، وزه و، حتى إن الهوارة يتصورون أنهم أفضل خلق الله (سبحانه وتعالى) ، فلا ينبغى عليهم أن يمتزجوا بباقى البشر ، ولا أن يشاركوهم أو يصادقوهم ، أو يزوجوهم بناتهم ..
لا بأس عندهم فى أن يتفضلوا بالزواج من بنت حواء أخرى ، من أى مجتمع ،باعتبار أنهم ـ طبقا للفكر الجنوبى- يسيطرون عليها وعلى عائلتها أيضًا..
أما أن يمنحوا بناتهم لجنس اخر، فهذا هو المستحيل بعنيه ..
وعلى الجانب الآخر تجد العرب، بتماسكهم واعتدادهم ، وإصرارهم على إثبات حين منبتهم وأصالة وجودهم ..
كل المهن المتطورة ، كان يمتهنها العرب وحدهم ..
أما الهوارة ، فهم أصحاب الأراضى الواسعة ، والثروات الضخمة ، والسطوة والنفوذ ، والقوة ..
ولأن الإحساس بالقوة وحده يكفى بعض البشر، فقد كانت منازل العرب أنيقة ، بسيطة ، نظيفة ،عصرية .. إلا فيما ندر..
أما منازل الهوارة ، فـ .....
ولا بلاش..
برضه إلا فيما ندر..
ونساء العرب تشبهن ، فى أزيائهن وتصرفاتهن ، نساء المناطق الشعبية البسيطة فى (مصر) ، وهن مرحات ، تلقائيات ، ومهذبات للغاية بالطبع ..
أما نساء الهوارة ، فمن المستحيل أن تصف أزياءهن ، لانهن يرتدين (البردة) طوال الوقت ..
وتلك (البردة) عبارة عن شئ أشبه بالبطانية ، مصنوعة من الصوف، وعلى أية هوارية أن ترتدية ، مادامت خارج المنزل، وألا تظهر منها سوى عين واحدة ،ترشدها إلى الطريق، بدلا من العصا والكلب الوولوف..
أما العين الثانية ، فهى قلة أدب، مادام يمكنها أن ترى بعين واحدة ..
وإذا مرضت عربية ، فهى تأتى إلى الوحدة للكشف الطبى ، أو يطلبك زوجها علنًا، لمعاودتها فى منزلها ..
أما الهوارية فمرضها له طقوس مختلفة ..

ففى أغلب الأحوال، يتم تركها للطبيعة ، فإما أن تشفى وحدها ، أو ترتاح من عذاب الدنيا ..
أما لو كان زوجها متفتحاً، فالأمر يختلف..
سيأتى لزيارتك سراً، بعد منتصف الليل بساعة ، أو ساعتين، وهو يخفى وجهه بوشاح سميك، وبعد أن يباغتك ، ويقطع ولدك، ويخبرك بكلمة سر الليل، سيطلب منك بخشونة أن تعد حقيبتك وتتبعه ..
ووسط الحقول والظلام، ومع موسيقى فحيح الثعابين ، وعواء الذئاب الشجى ، تتسللان معاً إلى منزله ، وتقطعان الأسلاك الشائكة ، وتتجاوزان حقول الألغام ، حتى يمكنك أن توقع الكشف الطبى على زوجته ، التى تعانى من مغص كلوى حاد، منذ شهر واحد فحسب، دون أن ينتبه هوارى أخر إلى هذا العار..
ولكن الحق يقال، لقد كانوا جميعاً فى منتهى الكرم ، فبعد كتابة الروشتة ، كانوا يعيدوننى إلى الوحدة الصحية ، (تسللا طبعا)، دون أن يتركونى طعاماً للذئاب ، أو يطلقوا على النار، حتى يموت معى السر العظيم ..
وفى أحوال أخرى ، كنت تجد أمامك عملاقاً، ضخما، عريض المنكبين ، كث الشارب والحاجبين ، غليظ الملامح ، يشكو لك من أعراض غريبة ، لا يمكنك معها إلا أن تصافحة، وأنت تبتسم فى ارتباك قائلا:
- مبروك جنابك حامل فى شهرين ..
فالاعراض التى يصفها بمنتهى الدقة ، تعانى منها زوجته وليس هو ، ولكنه يأتى للكشف بدلاً منها ، حتى لا تنكشف على رجل اخر ..
ومن أطرف المواقف التى واجتهها ، بسبب هذه العادات المتوارثة ، هو أننى قد تسللت يوما إلى منزل أحدهم فى الثانية صباحاً ، لأجد أمامى بابا مغلقاً، به ثقب فى منتصفه ومن الثقب يبرز أصبع أمراة ، إلتهب إظفرها، وأمتلأ بالصديد ..
وبمنتهى العناد والإصرار ،رفض زوجها أن أقوم بقياس درجة حرارتها ـ أو مستوى ضغط الدم لديها ، باعتبار أن الإصبع هو المصاب ، وها هو ذا أمامى ـ فما الذى أريده أكثر من هذا؟!
قلة حياء ..
منى طبعا ..
ولكنها تقاليدهم على أية حال، ومن الضرورى أن نحترمها ، حتى لو اختلفنا معها ألف مرة، وإلا فعلينا أن نعذر الغرب ، عندما يتهمنا بالتخلف ، لمجرد أن البنت عندنا تحافظ على عذريتها حتى الزواج ؟!
وعلى أية حال ، فمهما اختلف العرب والهوارة ، فى تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم ، فهم يتفقون جميعاً فى عادة واحدة ، ومزية لا يدانيهم فيها أحد..
الكرم ..
كرم حاتمى مدهش، يبهرك فى البداية ، ثم يخلب لبك كله فيما بعد ..
وبسبب هذا الكرم ، لم أكد أضع قدمى فى القرية ، حتى وجدت أمامى أكثر من عشر دعوات لتناول الغداء والعشاء،عند أكابر الهوارة والعرب على السواء ، بدءا من العمدة ، وحتى (فتحى أمين) ، الذى صار أفضل أصدقائى فيما بعد..
وبمنتهى الجدية والحزم ، أخبرنى الكاتب (حجاج) أنه من العار .. كل العار.. أن أرفض دعوة أى شخص منهم ،وأنه من الضرورى أن أرتب الدعوات ، بحيث يمكننى تلبيتها كلها فى أيام معدودات ..
وتصورت أنا ، بكل براءة ، أن الأمر بسيط للغاية ..

وذهبت لألبى دعوة العمدة فى البداية ..
وعلى مائدة الطعام ، وجدت أمامى طنا من اللحوم الدسمة للغاية ، والتى تسيل منها كمية من الدهون ، تكفى لفتح مصنع سمن طبيعى ..
هذا بالإضافة إلى الويكا والملوخية طبعًا..
و(الويكة) لمن لا يعرفها ، هى (بامية)، يتم طهيها دون صلصة ، باستخدام الماء والثوم فحسب..
وأنا أعلم هذا ، ليس لأننى قد تعلمت الطهى (فالأيسر أن اتعلم الهيروغليفية)، ولكن لأننى ظللت أكل (الويكة) و الملوخية ، دون سائر الخضروات الأخرى ، لمدة عام ونصف بلا انقطاع..
ولهذا قصة أخرى ..
المهم أنه كان على أن أتناول وألتهم نص طن الدسم هذا على الأقل، حتى لا يصاب الداعى بالإحباط ، وتصور أننى قد أهنته برفض طعامه ..
ولقد بذلت قصارى جهدى ، حتى كادت معدتى أن تنفجر ، ثم شرب بعدها كوبا من مادة سوداء كالحبر .. عرفت فما بعد أنه الشاى ، ولكنهم يعدونه فى كنكة البن الصغيرة ، بمقادير مدهشة ، إذ يوضع فى الكنكة كيلو من الشاى ، مع كيلويين من السكر ، مع أضافة الماء والتقليب لمدة أسبوع أو أسبوعين..
وعندما يتحول إلى المزيج إلى شئ اشبه بالقار، يتم صبه فى أكواب صغيرة جدا، ..
معذرة .. يتم صبه فى كوب واحد ، أشربه أنا أولا (وهذه هى الحسنة الوحيدة فى الأمر )، ثم يصب فيه الشاى للاخرين ، طبقا لمنزلتهم الاجتماعية ..
وغادرت دوار العمدة، وقد أصبحت فجأه أشبه بالممثل الراحل (عبد الفتاح القصرى) ، بكرش ضخم أمامى ، وعينين أصابهما الحول، وعقل لم يعد يبحث سوى عن (نورماندى تو)..
وباغتنى (حجاج) بأنه هناك دعوة تنتظرنا على العشاء، فى منزل الحاج (على ) ، كبير العرب..
ولأنه من العار أن أرفض الدعوة ، أو حتى أعتذر طلباً لتأجيلها لموعد اخر، ذهبت إلى منزل الحاج (على )..
وكان الطعام مختلفاً تماماً، باعتبارها وجبة عشاء..
طن من اللحم الغارق فى الدسم ..
مع (الويكة) بالطبع ..
وتساءلت وأنا أجلس على المائدة فى أسى :
- ترى هل توجد وسيلة لو خرجنا إلى الوحدة بعد العشاء ؟!
ولكم أن تتصورا أن هذا الأمر قد تكرر ، على المنوال نفسه ، طوال سبعة أيام كاملة بلا توقف ، و ...
ترى هل رأى أحدكم مركبتى (نورماندى تو )؟!

ستة أشهر كاملة ، قضيتها فى الوحدة الصحية فى (أبو دياب شرق) ، بصحبة الدكتور (محمد) وبخله ، وتصرفاته الأنانية السخيفة ..
ستة أشهر ، وأنا أكل الويكة والملوخية يوميًا..
وفى ذات يوم فاض بى الكيل ، وقررت أن أقضى يومى الخميس والجمعة فى (قنا) ، حتى يمكننى تناول وجبة طبيعيه على ألأقل ..
وفى صباح الخميس ، ارتديت ثيابى ، وحملت حقيبة صغيرة ، وانتظرت أول سيارة أجرة قادمة على الطريق، وانطلقت بها إلى مدينة (قنا)، متصوراً أننى أنطلق من السجن إلى الحرية ..
وما أن وصلت (قنا) ، حتى أنطلقت أسير فى شوارعها ، كطائر غادر قفصه بعد حبس طويل ..
ولكن فجأة اكتشفت أن شوارع المدينة كلها قد انتهت ..
لقد قطعتها كلها خلال ساعة واحدة ..
ولكنى قلت لنفسى :
- لا تدع هذا يحبطك ..تمتع بوقتك ، مهما كانت المنغصات ..
وكأى سجين محروم، رحت أبحث عن أهم شئ فى الدنيا ، عن مطعم ..
وبسرعة لم أكن أتوقعها ، عثرت على مطعم بسيط أنيق، فوثبت إلى أقرب مائدة خالية (الواقع ان كل الموائد كانت خالية ) ، وطلبت قائمة الطعام ..
وبدهشة حقيقة ، سألنى الرجل:
- أى قائمة ؟!
حاولت توضيح الأمر أكثر ، وأنا اقول بابتسامة كبيرة :
- القائمة تلك الورقة الكبيرة ، التى تحوى كل ما لديكم من أصناف الطعام .
وهنا ابتسم الرجل بعد أن فهم ما أعنيه (أو هكذا خيل إلى) ، وقال:
- وما الحاجة إلى الورقة ؟! أنا ساخبرك مالدينا.
وشعرت بدهشة مع كلماته ، فكيف يمكن لشخص ما أن يحفظ قائمة طعام كاملة بهذه البساطة ؟!
ولكن هذه الدهشة زالت بسرعة ، عندما علمت أن ما لديهم ثلاثة أصناف فحسب ، بخلاف الأرز طبعا ..
فهناك البطاطس ..
ثم (الويكة) والملوخية ..
وبمنتهى الإحباط ، طلبت طبقاً من الأرز ، وآخر من البطاطس المطبوخة ..
لا داعى فالذكريات تؤلم أحياناً..

المهم أنى قضيت اليوم بطولة فى (قنا) على نحو أو آخر ، حتى أتى المساء ..
وعندما يأتى المساء ، لا يفكرالمرء إلا فى أمر واحد ..
النوم ..
وهنا بدأت رحلة البحث عن فندق ..
وكانت الصدمة الكبرى ..
كل غرف الفنادق مشغولة بالكامل، وكل سيارات الأجرة ، الذاهبة لأبو دياب شرق رحلت ..
وسقطت أنا بين المطرقة والسندان ..
وبمنتهى الذعر ، رحت أتساءل :كيف سأقضى ليلتى ؟!
وعلى أى رصيف؟!
ويبدو أن الذعر كان قد حفر خطوطه بمنتهى الوضوح على وجهى ، حتى إن موظف الاستقبال فى أحد الفنادق نظر إلى بإشفاق: قائلاً فى تردد :
- الواقع أنه توجد حجرة ، ولكن ..
صحت أقاطعه فى لهفه :
- لا يهم لكن ..أعطنى إياها ..
وكالغريق الذى يتعلق بقشة، رفضت أن أستمع إلى الرجل ، وطلبت منه إعطائى تلك الحجرة فوراً..
وحصلت على الحجرة ..
لست أدرى فى الواقع ما إذا كان من الإنصاف أن أطلق عليها اسم حجرة أم لا ، فهى مجرد شريحة صغيرة ، تحوى فراشاً يحتلها بالكامل ، حتى إنك تفتح بابها ، ثم تقفز فوقه مباشرة ..
وفوق ذلك الفراش ، يوجد حوض (وهذا يجعلنى اتسأل عن الطبيعة الحقيقية لتلك الحجرة ، وعما يمكن أن أجده ، لو نظرت تحت الفراش)..
وعندما رقدت على الفراش ، الذى هو فى الوقت ذاته مساحة الحجرة كلها ، كان الحوض فوق رأسى مباشرة ..
ولكنى على الرغم من هذا ، قلت لنفسى :
- ليلة وتمر..
إلا أنها أبت أن تمر ..
فكوع الحوض مثقوب ، والنافذة الصغيرة بلا قفل ، و .... ، و......
المهم أن الليله كانت أطول ليلة فى التاريخ ، ولم تكد الشمس تشرق، حتى كنت ألملم أشيائى ، وأغادر الفندق ، وأعدو نحو موقف سيارات (أبو دياب شرق) ، حاملاً لافتات بيضاء ، كتب عليها بكل حماس: "نموت نموت وتحيا (الويكة) والملوخية"..
وعندما وصلت إلى القرية ، فكرت جديًا فى الانحناء وتقبيل ترابها ، لولا ما لمحته فوق ذلك التراب من مخلفات حيوانات القرية الأعزاء ، مما جعلني أصرف النظر عن الفكرة كلها ، وأكتفى بتقبيل يدى وجهًا لظهر ، على عودتى سالمًا..
ولكن القدر كان يدخل لى مفاجأة سارة للغاية ..
لقد أنهى الدكتور(محمد) مدة تكليفة ، وقرر العودة إلى الإسكندرية ..
وكان هذا يعنى أن الجحيم سيغلق أبوابه أخيرًا ..
وأن الوقت حان لبدء عهد جديد ..
عهد تنتقل فيه السلطة ، وأصبح الطبيب الوحيد فى القرية ..
ويا له من عهد!


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس