عرض مشاركة واحدة
قديم 09-12-19, 01:08 PM   #458

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5

الثالثة فجر الأحد


هبت ريتا فزعة من نومها تبحث حولها وصرخت" ماااالك" إنها لا تهلوس .. أبدا لا تهلوس
رائحته لا تزال في الغرفة.
صرخت بفزع "مالك .. مالك"
لم تجد ردا ..فحاولت القيام بصعوبة .. لكن ساقيها لا تحملانها وكأن أعصابها مرتخية صرخت من جديد "مالك أين أنت أين ذهبت ؟"


حين استمر في عدم الرد .. أجبرت نفسها على الاستقامة لكن قبل أن تتحرك سمعت باب الشقة يفتح من الخارج فصاحت "مالك .. "
بعد ثوان دخل مالك مرتديا ملابس الخروج فسقطت جالسة على السرير تمسك بقلبها الذي كاد أن ينفجر
ليهتف مالك بفزع "ما بك يا أمي ماذا حدث؟"
رفعت إليه وجها مغرقا بالدموع وغمغمت" حسبتك حلما ولست حقيقة"
اتسعت ابتسامته فأشرقت أمامها كالشمس وهو يقول" أنا أصبحت واقعا في حياتك يا أمي وأنت كذلك أسأل الله أن يدوم للأبد"
قالت وهي تتأمل ملابسه" أين ذهبت؟"
استدار يخلع سترته وحذائه وهو يغمغم بارتباك" ذهبت لشراء شيء من السوبر ماركت"
غمغمت باندهاش "الآن !!.. لماذا لم تخبرني كنا اتصلنا به"
قال مراوغا" لا أعرف رقم السوبر ماركت ولم أشأ أن أوقظك"
سألته بفضول "أين هو ما اشتريته إذن؟"
هرش في رأسه ثم قال" لم أجد ما أريده"
قالت بسرعة "أخبرني ما هو وسأجلبه لك مهما كان ومن أي مكان"
اتسعت ابتسامته وغمغم "في الصباح يا رتيبة في الصباح .. فأنا متعب ومرهق ولم أنم لحظة واحدة منذ أن جئت لهذا البلد"
استلقت على الوسادة فتسطح بجانبها يوليها وجهه المزين بابتسامته التي تجعل قلبها يغرد .. وظلت تراقب حركة جفونه وهي ترتخي حتى استسلم للنوم بجوارها لأول مرة بعد عشرين سنة من الفراق.. وتساءلت : أين ذهب في هذا الوقت المتأخر ؟!!
××××


أما فارس فجلس في المسجد القريب من المستشفى يسند بظهره على الحائط مجهدا يسبح بسبحته لعل روحه تلقى الهدوء ..
كانت رأسه تضج بالأفكار شاعرا بالقلق والخوف على أهله ومحبيه .. يحاول أن يجد حلولا للتعامل مع هذا الرجل الخطير ..
لاحظ هاتفه ولاحظ عدد المكالمات الفائتة من بينها كارمن..
إنه بحاجة ماسة لها ..
يشتاقها إلى حد معذب ..
يتمنى أن يسكن إليها ..
لكنه لن يرضى لنفسه بأن يفعلها ورجله الذي فداه بروحه يرقد في المستشفى وزوجته المفجوعة تبيت إلى جواره هي وأخيها.
أمسك بالهاتف وأعاد تحميل تطبيق الواتساب يقرأ رسائلها له خلال الأيام الماضية بتأثر قبل أن يكتب لها رسالة " كارمن لست قادرا على الحديث .. امنحيني بعض الوقت .. أنا لست بخير لكني متماسك .. "
حين أعاد الهاتف لجيبه وجد القطعة الصغيرة من الحجر التي كانت في يد والده والتي جمع مثلها على مدى سنوات عمره حصوات مثلها لتذكره بهدفه .. أخرجها يتفحصها بين أصابعه متألما ثم عاد ليسند رأسه للحائط مغمض العينين في خزي .
××××


في فيلا سعد الدين..
وفي الوقت الذي كانت كارمن تقرأ رسالة فارس ثم حضنت الهاتف تبكي في جناحها..
وبينما كان يونس مستلقي بجوار فريدة على سريره يحضن يدها فوق صدره وقد غلبه النوم بينما هي تقترب منه لتقبل جبينه..
كان الحاج محمود سعد الدين يزور نفيسة في المنام لأول مرة منذ عشرين سنة ..
رأته آتيا من بعيد يرتدي ذلك الجلباب الذي يجعله وجيها والمفصل خصيصا له .. جسده كجسد ابنه فارس .. بل إن فارس يشبهه كثيرا عدا لون العينين ..
جاءها الحاج أخيرا فهتفت باندهاش وسعادة "محمود!"
ابتسم لها الحاج ابتسامة حزينة ومد يده يلتقط يدها ويضع شيئا في كفها وهو يقول "أحضرت لك هذا يا نفيسة فلا تحزني بعد الآن .. هل سامحتني ؟"
نظرت في كفها ذاهلة فوجدت سنا ذهبيا..
شهقت الحاجة نفيسة وهي تفتح عينها الزرقاوين على اتساعهما واعتدلت من رقدتها على السرير تهدئ من ضربات قلبها ثم تطلعت حولها لتجد نفسها في غرفتها ..ففتحت كفها ووجدته فارغا لتغمغم بارتجاف" ما هذا الحلم الغريب !!.. وما معناه ؟!.. هذه أول مرة تأتيني فيها في المنام يا محمود منذ أن رحلت "
غلبها الحنين فأنزلت قدميها من السرير وتحركت بصعوبة حتى خزانة الملابس .. ثم فتحت احدى أبوابها والتقطت طرف جلباب رجالي .. وحضنته بقوة ثم دفنت وجهها فيه تبكي بحرقة مغمغمة "سامحتك يا محمود .. سامحتك .. وهل لنا على القلب سلطان .. سامحتك وأتمنى من الله أن يغفر لك ويسامحك"
××××




بعد يومين
صباح الثلاثاء
اقترب فارس بخطوات مجهدة من عمر أخو رفيدة الجالس على أحد المقاعد في الممر يسند رأسه للخلف على الحائط نائما بعد إصراره على عدم ترك المستشفى منذ صباح السبت الماضي لأن أخته ترفض المغادرة ..ونظر للعسكري الواقف على باب الغرفة فألقى عليه السلام ثم تحرك يتجاوز غرفة الشيمي ليقابل الطبيب لعله يخبره بأي تطور في حالته ..
رن هاتف عمر ففتح عينيه بفزع ثم حرك رقبته بألم ورد بصوت أجش " نعم ايمان "
سألته إيمان " هل من جديد ؟"
غمغم بإجهاد "لا جديد "
صاحت بغيظ" ومادام لا يوجد جديدا.. لماذا لا تعود للبيت أو تتركك هي لتعود للبيت حتى تنام بضع ساعات"
قال عمر بعصبية" ومن قال بأنها تجبرني على البقاء !.. كيف سأتركها يا ايمان بالله عليك وحدها في المستشفى!"
قالت باكية " لكنك تتركني انقل كل شيء للشقة الجديدة وحدي"
جز عمر على أسنانه وقال" أنت من أصريت على عدم التأجيل .. قلت لك نؤجلها حتى نطمئن على زوج اختي ولكنك أصريتِ.. كما أنك لستِ وحدك .. والدك معك والشقة في نفس المبنى الذي تقع فيه شقة والدك"
قالت ايمان باكية "أنا فقط أردت أن أفرح معك بالشقة الجديدة"
رد عمر بانفعال" لا يا إيمان .. أنت مشكلتك مع رفيدة .. ولا أعرف لماذا تغارين منها وتتعمدين مضايقتها"
هتفت ايمان باستنكار" أنا أغار منها وأضايقها !!"
قال عمر بصرامة " اسمعي يا ايمان أنا تحدثت معك كثيرا في أمر رفيدة وحاولت التجاهل كثيرا لربما تتعقلين .. لكنك مصرة على التصرف بصبيانية .. أنا لن اقدر على أن أغير قلبك .. لكن أحذرك من التدخل في أي شيء يخص علاقتي مع رفيدة .. هل سمعت؟"
غمغمت ايمان بسرعة "أنا فقط اتصلت لأني مشفقة عليك ولأخبرك بأن أولادك مشتاقون لك جدا.. كريم يسأل أين بابا"
أطرق عمر برأسه بإجهاد وتمتم" وأنا اشتقت إليهما جدا .. سأتحدث مع كريم بعد قليل اذهبي الآن هداك الله"
في غرفة الشيمي اقتربت رفيدة منه وطبعت قبلة مبللة بالدموع على وجهه قبل أن تقول بخفوت" ثلاثة أيام يا شيمي .. ثلاثة أيام والوجع في قلبي يزيد ولم أعد أحتمل (مسدت على ذراعه ) أتعرف .. إن فريدة أرسلت لي هدايا صنعها أطفال الدار لك (وفتحت حقيبتها تخرج قصاصات من الورق وهي تضيف ) أرسلوا لك رسائل يا شيمي لابد أن تستيقظ لتراها مليئة بالكلمات الحلوة والحروف الضائعة والرسوم البريئة الملونة .. أتعرف أفكر في أن اعلقها هنا في الغرفة على حبل طويل حتى تراها حين تستيقظ .. وعندما نعود للبيت سويا سأحتفظ بها في ألبوم خاص لها .. (ونظرت لبعض الرسوم وبراءتها تكمم فمها بيدها وانهمرت دموعها تقول ) انظر يا شيمي رنا الصغيرة رسمت صورة مبهرة لك وكتبت تحتها وحش الدغدغة .. هذه البنت موهوبة وعلينا أن نهتم بموهبتها
(وعادت تنظر إليه ) سنعود معا يا شيمي للبيت أليس كذلك؟.. وسنضع هذه الصور في ألبوم وسترتبه بنفسك أليس كذلك"
حين لم يقابلها إلا الصمت مالت تطبع قبلة على ذراعه ثم أسندت جبينها على السرير وانفجرت في البكاء.


كان الشيمي يبذل مجهودا شاقا منذ ساعات ويقاوم ضد تيارات تسحبه نحو دوامة في وسط الماء .. فيسمع صوت رفيدة ويلتقط بعضا مما تقول ويضيع الباقي مع صوت البحر الهادر.


لكن ما أدركه عقله أنها تبكي ..
أنها حزينة ..
تناديه ..
كلما تاه مع الدوامة تناديه فيقاوم ويبذل مجهودا ليعود إليها.. هذه المرة كان صوتها أكثر وضوحا عن السابق .. وكان يتألم بشدة لأنها تبكي وهو غير قادر على الخروج من الدوامة .. لكنه استجمع قواه وحرك أصابع يده التي ترقد بجوار رأسها .. ثم حرك يده ببطء يبحث عنها حتى أمسك بكفها برفق .. ففتحت رفيدة عينيها على اتساعها ورفعت رأسها تنظر ليده التي تستقر فوق يدها .. ثم مررت نظراتها بين وجهه النائم ويده وصرخت "شيمي .. شيمي .. أنت حركت يدك شيمي ..عمر .. عمر"
دخل عمر مفزوعا من صراخها وتبعه فارس الذي سقط قلبه بين قدميه لتقول " حرك يده .. حرك يده .. انظر يده فوق يدي"
بعد قليل وقف طبيبان يفحصان الشيمي فقال أحدهما بهدوء" لا أريد أن أحبطكم لكن في بعض الأحيان يفعل المرضى في الغيبوبة حركات لا إرادية"
اندفعت رفيدة تقول "لا لا صدقني كان يقصدها( ومالت عليه تقول )شيمي .. أنت تسمعني أليس كذلك ؟.. أرجوك يا شيمي اثبت لي بأنك تسمعني "
مضت الثواني بطيئة جدا بالنسبة لرفيدة .. قبل أن يرفع الشيمي يده ببطء ويضعها على يدها الموضوعة على السرير بجانبه .. فانفجرت رفيدة في البكاء ليعود الأطباء لاستكمال فحصه .


أما فارس فرغم اليأس الذي سيطر عليه الأيام الماضية دب الأمل في قلبه وتحرك يغادر الغرفة بإجهاد يتخذ له مقعدا خارجها كاليومين الماضيين .. يقضي الوقت إما في المستشفى أو في المسجد القريب منها يقرأ القرآن ويتابع بعض الأعمال الضرورية بالهاتف ...
فجلس يسند ظهره للحائط بإنهاك ونفس السؤال الملح لا يهدأ في رأسه ..
أين اختفى ذلك الكلب الشماع؟؟؟
××××


عند الظهيرة
تطلع مالك من نافذة شقة والدته في ذلك الحي الراقي ساهما .. رأسه يكاد يجن ليعرف أين ذهب ذلك العجوز ..
لقد تتبع الساعة فجر الأحد حين وجدها قد استقرت في مكان ما في العاصمة فلم يستطع النوم وذهب خلفها في ذلك الوقت المتأخر من الليل ..
كان ممزقا محتارا لا يعرف كيف يتصرف..
هل يخبر فارس بأنه يستطيع تتبعه ؟..
ماذا لو تصادما من جديد وقتل أحدها الأخر ..
يشعر بأن الأمر أكبر منه ليقرر..
وأراد أن يعرف على الأقل أين مكانه.. رغم أنه لم يكن يعلم كيف سيتعامل معه ..
لقد ازداد كرهه له ..
ما علمه عن ماضيه وما تسبب فيه من إصابة وقتل جعله ينفر منه ويكرهه ..
وبالرغم من ذلك تمنعه اخلاقه من أن يسلمه لأعدائه لهذا مزقته الحيرة .. ولهذا أراد أن يذهب ليعلم أين هو أولا ثم يقرر ماذا سيفعل ..
لكن كانت دهشته كبيرة حين تتبع الساعة حتى وصل لمحل هواتف في وسط العاصمة .. تطلع في المحل الخالي من الزبائن في هذا الوقت من الليل ولصاحبه الذي يجلس وحيدا يشاهد التلفاز وتيقن بأن الساعة موجودة في المحل .. حينها عاد للبيت وقد ازدادت حيرته متسائلا هل باع العجوز الساعة؟ .. ألا يملك بطاقات ائتمانية تتيح له الفرصة بأن يسحب ما يشاء من أمواله.. لماذا باع الساعة إذن ؟.. وأين هو الآن ؟!!
استدار مالك يترك الشرفة وعاد للداخل ليطمئن على أمه التي لا تزال واهنة الجسد تلتزم الفراش فتفاجأ بالرقم المحلي الغير مسجل لديه الذي يتصل به على رقمه الصيني .. فهو لم يعطي رقم هاتفه لأحد ولم يتصل به سوى صفوت.
أجاب مالك الاتصال" آلو"
جاءه صوت أحد الأشخاص يقول " هل أنت السيد هوانج مالك ؟"
×××××




الخامسة من صباح يوم السبت الماضي
بوق السيارة العالي التي مرت من جانب شاحنته أجفله واستفزه فنظر بغِل من نافذته العالية في مرآتها الجانبية للسيارة الثمينة مكشوفة السقف التي يركبها شاب تحت العشرين يقودها بمنتهى العنجهية .. وقد مر من جانبه دون أي اعتبار أو رهبة لضخامة تلك الشاحنة التي يقودها .
صحيح يحمل فوق ظهرها قمامة .. وصحيح أن السيارة التي يركبها ذلك الشاب بمبلغ مهول كاف لأن يطعم حياً بأكمله لعدة شهور ..لكن تبقى للشاحنة الهيبة على الأسفلت .
أسند مرفقه على النافذة المفتوحة يميل برأسه الذي سيتفتت من الصداع يسندها على راحة يده وعاد لشروده.
لقد وصل لحالة سيئة ولم يعد قادرا على تحمل الألم وعليه أن يجد حلا سريعا ..
الكلب (عالوكة ) صاحبه يصر على أن يأخذ المبلغ كاملا قبل أن يعطيه الجرعة وهو لا يملك حتى ربعه ..
رأسه ستنفجر وجسده ينغزه بدبابيس من نار صعبة الاحتمال .. ولم يعد لديه شيئا ليبيعه .. حتى الاجهزة الكهربائية باعها ..
لم يعد أمامه سوى بيع أثاث غرفة النوم .. لكن زوجته التي استعانت بالجيران منذ أيام لطرده من المنزل لن تسمح له بالدخول ليبيع الغرفة ..
قضم أظافره بتوتر وقرر بحسم أن يوصل هذه الشاحنة بسرعة لمقلب النفايات .. ويسرع للبحث على من يشتري غرفة النوم بأي ثمن ..
هرش في أنفه وتنشق بقوة متوعدا لزوجته بأنها لو اعترضت سيطردها هي والأولاد خارج الشقة الإيجار إذا منعته .
لا أحد يشعر بما يعانيه ..
لا أحد يدرك كيف يتعذب لأنه غير قادر على توفير ثمن الجرعة .
الجميع بكل بسهولة يتفوهون بنصائحهم ويعلنون ازدرائهم لحالته كمدمن ويطلبون منه ببساطة أن يتوقف ..
لكنهم لا يعلمون أن الأمر صعب.
صعب جدا..
وهو متماسك حتى الآن .. لكنه يعلم أنه خلال ساعات سيقف على حافة الموت ككل مرة .. وعليه ألا يسمح بأن يصل لهذه المرحلة أبدا .
لقد عقد العزم واتخذ قراره .. سيوصل هذه الشاحنة لمقلب النفايات .. ويسرع للبحث عمن يشتري غرفة النوم .. أو حتى يسأل (عالوكة ) إن كان يأخذها مقابل إعطائه بضع جرعات مستقبلية .. أو حتى جرعة اليوم لا يهم ..
المهم تأمين الجرعة هذه المرة .
مر في ذهنه ذلك الشاب الذي يركب تلك السيارة الفارهة وتملكه الحقد والحسد .. إن هذا المدلل بالتأكيد لا يحمل هم شراء جرعة من المخدر لو أراد .. بل إن سيارته وحدها ثمنها يكفي لأن يؤمن له جرعات من المخدر كثيرة مقبلة دون أن يحمل لها هما .. ستؤمن له تلك المتعة التي ينشدها دوما بتعاطيه للمخدرات .
انتبه لذلك العجوز الذي يشير له بإلحاح حتى يتوقف .. واحتاج لبضع ثوان حتى يهدئ من سرعته ويقف أخيرا فتفاجأ بالعجوز يتسلق الشاحنة بسرعة ويجلس بجواره قائلا من بين لهاثه "انطلق بسرعة أرجوك"
نظر السائق في مرآة السيارة الأمامية والجانبية وهو ينطلق بها في صمت وفضول .. في الوقت الذي أخرج الشماع رأسه من النافذة ينظر خلفه ليجد يونس قد وصل لأول الشارع .. فشعر بالانتصار والتشفي .. وناظره بإغاظة .. ترتسم على ملامحه ابتسامة تسلي قبل أن يدخل رأسه ويسند ظهره على المقعد يتنفس الصعداء ويهدئ من لهاثه ..
لقد استطاع الهرب أخيرا ..
تطلع السائق الشاب في ذلك العجوز الذي يلهث بشدة وسأله" إلى أين ؟ "
اعتدل الشماع بسرعة ونظر إليه قائلا" أوصلني لأطراف العاصمة على الأقل فهذه المنطقة نائية ولا أجد فيها مواصلات"
غمغم السائق " المواصلات على الاسفلت كثيرة تستطيع أن تستقل أي سيارة أجرة"
اسرع الشماع بالقول" أجل .. لكن يبدو أنه لم يحالفني الحظ لأجد واحدة .. هلا أوصلتني في طريقك فأنا لدي موعد هام جدا ( وبحث في جيوبه وهو يضيف) وسأعطيك مبلغا جيدا"
أخرج الشماع حافظة نقوده ممتنا بأنها لا تزال معه ولم يجد إلا ورقة من فئة العشر دولارات فقال" أنا عائد من السفر يوم أمس .. ولم يتسن لي تبديل العملة لكن بالطبع ستجد مكتب صرافة لتغييرها "
نظر السائق للورقة النقدية بعينين لامعتين .. صحيح ثمنها لن يصل لثمن الجرعة .. لكنها أفضل من لا شيء .. فمد يده يلتقطها من العجوز في صمت .
أخذ الشماع بعد أن التقط أنفاسه يبحث في جيوبه ليتأكد من أن جواز سفره معه ولم يسقط من جيب سترته الداخلي ذو السحاب.. فأخرجه سعيدا ينظر فيه ثم لمعت عيناه بالشر متوعدا ..
سينتقم منهم جميعا ..
سيجعلهم يندمون على مجرد التفكير في الوقوف أمامه ..
كلهم ..
فارس .. وذلك الشاب الشرس أخوه .. وصفوت الكلب الخائن .. ورتيبة التي حصلت على ابنه بدون مجهود .
كلهم سيريهم من هو الشماع.
فلم يُخلق بعد من يقف في وجهه.
أما ذلك المدلل مالك ..
فسيعيده إليه سواء بإرادته أو رغما عن أنفه.
الأغبياء يجهلون مع من يلعبون ..
انه فؤاد الشماع..
آلمته سنته الذهبية التي ضربه فيها يونس أكثر من مرة فأخذ يضغط عليها من الألم فوجدها تلخلخت من مكانها قليلا .. ليشتم في سره وهو يزيد من وعيده في الوقت الذي راقبه السائق ولمع لون الذهب أمام عينيه.
تطلع الشماع لتلك الساعة الغبية الموجودة في معصمه واخذ يضغط على شاشاتها وازرارها بشكل عشوائي ..
إن هذه الغبية مسجل عليها أرقام الهواتف كلها الخاصة برجاله .. ويبدو أنه سيضطر لشراء جهاز هاتف عادي ويضع فيه الشريحة لإخراج الأرقام .. لكنه حتى لا يعرف كيف يخرج من هذه الغبية الشريحة.
في نفس الوقت استمر السائق يتفحصه والصداع يكاد يشق رأسه لنصفين .. فلفت انتباهه الخاتمين الذهبيين الكبيرين اللذان يزينان أصابعه.. فبلع ريقه الجاف بصعوبة وهو يقدر كم من الجرعات يساوي هذان الخاتمان .. ثم عاد ليتساءل في سره :
ترى كم يحمل هذا العجوز في حافظة نقوده من الدولارات ؟
عاد لينظر للطريق يدلك بيده الحرة مؤخرة عنقه .. ثم عاد ينظر من جديد للعجوز يتأمل تلك الساعة التي تشغله ..
إنها تبدو غالية الثمن .. وتلك الأنوار والاصوات التي تصدر منها كلما ضغط على شاشاتها تؤكد ذلك..
ترى كم ثمنها؟ .. لقد شاهد واحدة في صفحة جريدة وجدها في القمامة تتحدث عن إن تلك الساعات تستخدم كالهواتف وأن اسعارها خيالية.
أخذت ضربات قلبه في الازدياد .. وأخذ شيطانه يصيغ له فكرة مغرية ..
سيسرقه..
سيسرق منه كل شيء ..
الخاتمين والنقود وتلك الساعة .. كله في ضربة واحدة ستؤمن له مبلغا كبيرا يكفي لعدة جرعات قادمة ..
نظر في ساعته وتساءل إن كان سيستطيع أن يجد عالوكة مستيقظا في هذا الوقت أم لا ..
إن لم يكن مستيقظا سيوقظه.
حك صدره بأظافره يتابع العجوز المنهمك في ساعته وتنشق بقوة يدعك أنفه السائلة التي تحرقه.. ثم تحسس جيب بنطاله ليتأكد من أن مطواته موجودة .
أما الشماع فتسمرت عيناه بشرود على الطريق الأسفلتي الخالي أمامه يخطط بالضبط ماذا سيفعل ..وكيف سيجعلهم يندمون جميعا ..
لن يكون الشماع إن لم يجعلهم عبرة لمن يفكر في الوقوف في وجهه .
بعد نصف ساعة دخل السائق بالشاحنة في أرض فضاء واسعة تحتوي على أطنان من القمامة على مرمى البصر .. فخرج الشماع من شروده على صوت مذياع عالٍ جدا يبث تلاوة قرآنية من إذاعة القرآن الكريم .. فنظر حوله ثم قال باستنكار" أين نحن؟.. ولماذا جئنا إلى هنا؟"
رد السائق بهدوء "سأفرغ هذه الشاحنة أولا من القمامة ثم نكمل طريقنا للعاصمة فلن نأخذ القمامة معنا كل هذه المسافة"
نظر الشماع في ساعته بينما فتح السائق الباب وترجل منها ليستدير حول السيارة ويفتح باب الشماع فجأة يشهر في وجهه المطواة قائلا بلهجة خطرة " أعطني كل ما معك"
جحظت عينا الشماع وهتف باستنكار" ماذا تفعل؟؟"
وضع السائق نصل المطواة على رقبته قائلا بعينين تطل منهما رؤوس الشياطين وأنف أحمر" قلت اعطني ما معك ولا تضطرني لأذيتك"
أدرك الشماع خطورة موقفه خاصة مع خلو المكان حوله فأسرع بخلع الخاتمين بأصابع مرتجفة فالتقطهما السائق ينظر فيهما بسعادة ثم وضعهما في جيبه وقال "والساعة وحافظة النقود "
جحظت عينا الشماع وصاح برعب " لا ..لا .. إلا الساعة .. أنا أعطيتك خاتمين ثمينين ولن أطلب منك إيصالي سأنزل هنا "
قالها وحاول النزول فهدر السائق وقد بدأت رأسه تطن "قلت أعطني الساعة"
ضربه الشماع بحركة مفاجئة في صدره بقدمه فارتد الشاب للخلف .. ليقفز الأول من الشاحنة في محاولة للهرب .. فباغته السائق بطعنة قوية من مطواته في جانبه حتى لا يهرب دون أن يعطيه الساعة الثمينة.
أطلق الشماع صرخة ألم قوية ..لكنها لم تُسمع مع صوت المذياع العالي .. لكن السائق تلفت حوله متوترا يتفحص إن كان الحاج عبد الباقي موجودا أم ذهب ليتناول فطوره .. وخشي أن ينفضح أمره أو يهرب ذلك العجوز دون أن يعطيه الساعة فطوق عنق الأخير من الخلف بذراعه بقوة يجر قامته الضئيلة ويسحبه أكثر إلى الداخل ويختبئ خلف شاحنة أخرى تركن في الساحة بجوار مقلب هائل للنفايات ..
بمجرد أن وصل كان الشماع قد استحضر كل قوته ليخفف من ذراع الشاب حول عنقه ويميل بوجهه للأمام يعض ساعده بقوة .. فتألم السائق واضطر لإطلاق سراحه .. ثم باغته قبل أن يفر منه بسحبه من ملابسه ليواجهه وطعنه مرة أخرى في بطنه لينحني الشماع للأمام جاحظ العينين متألما وقد خرجت بعض الدماء من فمه .. فدفعه السائق ليسقط خلفه فوق مقلب القمامة.
نظر الشماع بذهول للشاب الشاخص أمامه يناظره من علو ورآه فجأة مخيفا..
مخيفا بشدة.
حتى أنه رغم ألامه الشديدة.. ظل ينظر إليه وكأنه يناظر ملك الموت.
وبرغم تشبثه القوي بالحياة ..
وبرغم الفكرة التي سيطرت على عقله تحفزه بألا يستسلم أبدا..
ألا يستسلم للموت ..
برغم كل شيء..
كان خائفا بشدة ..
خاصة وهو يشعر بصدره يضيق بألم عظيم لم يشعر به أبدا في حياته ..
نظر الشاب للعضة المؤلمة في ذراعه بغِل وتذكر السنة الذهبية .. فمال على الشماع الملقى أمامه غير قادر على الحركة وقد جن جنونه .. مقررا أن يسلبه كل شيء .
التقط حجرا بحجم قبضة يده من الأرض وهدر فيه بشراسة " ذكرتني بالسن الذهبي .. افتح فمك"
ناظره الشماع بعينين جاحظتين غير مستوعبتين لما يحدث ..شاعرا بالذهول لعدم تنفيذ جسده لأوامر عقله بأن يتحرك ويقاومه..
ناظره متألما بشدة من النار التي تغلي في بطنه..
ومتألما من ضيق صدره .. شاعرا بأن روحه تنتزع منه..
ناظره وهو يشعر بخوف شديد..
فأمسك بذراع الشاب بترجي صامت أن يرحمه .. لكن الأخير كان شيطانه تملك منه وفقد عقله تحت إلحاح حاجته لجرعة المخدر .. فضربه في صدغه بالحجر هادرا "قلت افتح فمك "
ألم أخر رهيب أضيف لآلامه ..
جعله يفتح فمه مطيعا لعله ينتهي من عذابه .. ليضرب الشاب السن الذهبي بالحجر بكل قوته .. ويصرخ الشماع بقوة .. قبل أن تتفجر الدماء من فمه وينتزع الأخر السن ويعتدل واقفا يتفحصه ثم يدسه في جيبه .. ثم مال عليه مرة أخرى بأنفاس متسارعة وأنف سائل .. فرآه الشماع هذه المرة وقد تشكل أمامه كحيوان وحشي أسود مرعب لا يعرف له اسما ..في الوقت الذي فتش فيه الثاني جيوبه والتقط كل ما فيها ثم استقام يلتفت حوله بقلق .. قبل أن يسرع بترك المكان.
عليه الهرب بسرعة قبل أن يعود الحاج عبد الباقي..
عليه أن يلحق بعالوكة ليعطيه الجرعة ..
ثم بعدها سيجلس ويقيم حجم الغنيمة التي حصل عليها.
تحرك الشاب مسرعا يغادر ساحة النفايات وهو يدس الساعة وحافظة نقود العجوز في جيبه .. ثم تطلع في جواز السفر الصيني بعبوس و اسقطه من يده بعدم اهتمام ليستقر على الأرض .. وخرج على الطريق يشير لسيارة الأجرة التي تقترب ويلقي بنفسه فيها مسرعا.
أما الشماع فكانت الآلام التي يشعر بها عظيمة.. تختلط بخوف شديد..
خوف تخطى الخوف من البشر..
أو الخوف من الموت..
خوف لم يقابله ولم يخطر على ذهنه من قبل..
خوف رهيب..
نما إلى مسامعه أصوات آتية .. لكنه لم يكن قادرا على فعل شيء .. والتقط بعض أطراف الحديث مختلطا بصوت القرآن العالي ..
لكنه كان كالمشلول.
القى الحاج عبد الباقي سُبة وهو يرى الشاحنة التي تتوسط الساحة لا تزال تحمل القمامة ثم قال من بين أسنانه" ابن (.....) كيف يترك الشاحنة بهذا الشكل .. وأين هو ؟!"
بحث حوله فلم يجده فتوجه نحوها قائلا لحفيده الصغير "سأفرغ هذه الشاحنة من القمامة أولا ثم آتي معك يا غالب"
قال غالب بحماس "دعني أنا اقلبها يا جدي أرجوك .. أرجوك"
ابتسم الحاج لحفيده ثم مال عليه يقول محذرا" لكن إياك أن تخبر جدتك المزعجة"
أومأ غالب برأسه وتوجها معا نحو الشاحنة التي تركها سائقها قبل قليل .. ليفتح الحاج بابها ويرفع حفيده الصغير ليجلسه فوق المقعد المجاور للسائق .. ثم استدار ليصعد ويجلس أمام عجلة القيادة ينظر للمفتاح المتروك فيها .. ويضرب كفا بكف مغمغما " وترك المفتاح بالشاحنة لأي سارق .. ارحمنا يا رب من رعونة شباب هذه الأيام"
سحب الذراع حتى تعود الشاحنة للخلف يشرح لحفيده الخطوات بالتفصيل .. بينما عيني الصبي متعلقتان بجده تتطلعان فيه بانبهار .. فتحركت الشاحنة ببطء نحو مقلب القمامة الذي يرقد الشماع فوق جانب منه غير قادر حتى على الاستغاثة .. تغادره روحه ببطء وعذاب وألم.
تحركت الشاحنة للخلف ببطء تقترب من الشماع.. ثم توقفت ليقول الحاج عبد الباقي لحفيده" اسحب هذا الذراع لينقلب القلاب"
شمر الصبي ذراعه النحيف وحاول سحب الذراع بقوة فلم يقدر فتأمله جده بحنان وقال بتوبيخ رقيق " إجمد يا ولد!"
رفع حفيده ناظريه إليه بإحباط فرق قلبه وطبع قبلة فوق رأس حفيده ثم قال" لهذا عليك أن تأكل جيدا حتى تصبح قويا كأبيك وجدك (ووضع قبضته فوق الذراع وقال لحفيده ) هيا .. ضع يدك "
نفذ الصبي ووضع يده الصغيرة فوق يد جده القوية المتعرقة .. فسحب الحاج عبد الباقي الذراع .. لترتفع حاوية الشاحنة بكل ما فيها وتنقلب للخلف
فوق الجسد الراقد على حافة الموت .. وتغطيه بكُلِّيته عدا وجهه .. ثم تحركت الشاحنة للأمام مرة أخرى مبتعدة.
ركن الحاج الشاحنة في أحد الزوايا بينما صفق غالب بيديه بسعادة فخورا بما أنجزه .. ففتح الحاج الباب يقفز من الشاحنة وتحرك الصبي ليخرج من نفس الباب لتتلقاه ذراعي جده قبل أن تلمس قدميه الصغيرتين الأرض .. ليقول الحاج عبد الباقي بصوت عال ليسمعه من صوت القرآن" هيا لنلحق بالفطور قبل أن تتذمر جدتك المزعجة"
قال غالب وهو يتقافز على أصابع قدمه بحماس يسير بجوار جده "حين أكبر سأكون صاحب ساحة نفايات حتى أخلص الناس من القاذورات "
قهقه الحاج وغمغم قائلا وهو يلتقط يد حفيده الصغيرة ويتحرك تاركا الساحة "ولماذا لا تكون مهندسا كبيرا يسر العين كوالدك ؟"
قال غالب وقدمه الصغيرة تدعس على جواز سفر صيني ملقى بإهمال على الأرض " حسنا .. لقد قررت أن أكون مهندسا .. وفي نفس الوقت صاحب مقلب نفايات ما رأيك يا جدي ؟"
قهقه الحاج عبد الباقي مبتعدا مع حفيده
ولم يبقى إلا صوت القرآن يملأ الساحة ..
أما الشماع فانتفض جسده الراقد تحت القمامة للمرة الأخيرة..
انتفض بقوة وروحه تُنتزع منه ..
فخرجت القليل من الدماء من فمه .. قبل أن يسكن كل شيء حوله..
ويسكن جسده تحت أكوام القمامة
واستقرت عيناه مفتوحتان شاخصتان نحو السماء.
وآخر ما التقطته أذنه قبل أن يغادر الدنيا.. آية قرانية خرجت من المذياع ..
((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا))
صدق الله العظيم
××××××





يتبع









Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس