- لا امرأة تقود السيارة مثلك .
قال آصف بإحباط و نظراته موزعة بين جانب وجه نادية الجميل و بين الطريق بفوضاه و همجية حركته .
و لم يكن توزيعا عادلا .
أبدا .
- و لا رجل ، ردت نادية بفخر غير مستحق .
اعتدل آصف في جلسته و هو يرى الميدان يقترب منهما و لكن على ما يبدو هي لا تراه لأنها استمرت في الضغط على الدواسة بنفس القوة و انعدام الإحساس بالخطر .
فجأة جحظت عيناه قليلا ثم بسرعة قصوى امتدت ذراعه يدير المقود متجنبا بالكاد الاصطدام بدراجة نارية قادمة من جهة يسار السيارة فيما ضغطت هي المكابح في نفس اللحظة .
أطلق زفيرا قويا ثم استدار يتأمل وجهها الذي خالط حسنه شيء من شحوب .
بنبرات تتلوى غيظا هادئا سأل :
- لمن أولوية المرور هنا نادية ؟
- للمستعجل .
غصب قهقهته على البقاء في عمق حلقه ، ضيق عينيه و بصوت جعله غليظا ربما يجلد به برودها قال :
- و حضرتك مستعجلة على الطيران بنا نحو حتفنا ؟
ضحكت بنعومة فانكسر قناع حزمه الزائف على الفور لكنه قال رغم ذلك :
- الخطأ ليس خطأك .
الخطأ خطئي حين أهديتك مصيبة على شكل سيارة .
عموما سأتدارك غلطتي و أسحب منك المفاتيح حالا .
لم تجبه نادية ، بدل ذلك ركنت السيارة كما اتفق و أطرقت برأسها تعد على أصابعها .
مضيقا عينيه سألها محتارا فيها :
- ماذا تفعلين الآن ؟
دون أن ترفع رأسها ثنت ثلاثة أصابع و قالت :
- أنا أعد الأشياء التي يجعلها وجود الرجل أكثر استحالة : الطبخ ، التسوق و الآن أضفت قيادة السيارة .
مقلدا لها أطرق برأسه و بدأ يتمتم كلمات استعصت على سمعها .
- آصف ، نادته ضاحكة
لا تحاول أصلا .
معروف أن وجود المرأة يسهل كل شيء في الحياة .
- واضح طبعا ، رفع عينين متهكمتين نحوها ، عموما أنا لم أكن أعد ، كنت أدعو .
- علي ؟ اتسعت عيناها باستهجان .
- على من علمك القيادة .
- يعني تدعو علي ، أنا من علمت نفسي بنفسي .
أنت لا تتصور طبعا أن بابا خصص لي ميزانية كي أتعلم القيادة .
هو فقط أعطاني مبلغ الرشوة الذي دفعته لأنال الرخصة و ما تبقى تصرفت فيه بنفسي .
قرأت عدم التصديق وراء رموشه الكثيفة فأكدت له :
- يعني أنا لم أتعلم ثم قدت ، أنا قدت ثم تعلمت .
داعب خدها بأطراف أصابعه و غمغم بصوت خفيض :
- الحياة لم تدللك كثيرا نادية .
ضحكتها التي أجابته بها خلت من أي لون أو نكهة .
- كلا لم تفعل .
الحمد لله على كل حال .
همس بدفء و أصابعه ترسم مرارا حدود شفتيها .
- و هذا أفضل حياتي ، تعلمين لماذا ؟
لأن ذلك سيجعلك تستمتعين أكثر بتدليلي لك .
- ستدللني آصف ؟
- كثيرا كثيرا و طوال الوقت .
- آصف ؟
غاب عن وعيه نداؤها و أصابعه تواصل مسيرها تتذوق رقة ملامحها .
الضعف في أنفاسها أغو ى رغبته فمال بوجهه إليها و في اللحظة التالية كان يصطاد أنفاسها بشفتيه و يزرع بدلا منها أنفاسه الدافئة داخل صدرها .
- أنت حلوة جدا ، تمتم ضائعا بين عبير أنفاسها
- شكرا ، همست بخجل مرتجف .
- شكرا ، ما كل هذا الأدب .
- ماذا يجب علي أن أقول ؟
ضحك و هو يلجأ لشفتيها من جديد في قبلة سريعة .
- الحلوة جاهلة ؟
- لا بأس ، ربت على خدها برفق و أضاف ، أحبكن جاهلات ، أنا مدرس " شاطر " جدا .
ابتسامتها الناعسة زادت جوعه إليها و من هو ليقاوم .
كانت لحظات بطعم القشدة بالشوكولا انتهت كحلم جميل و هاتفه يرن مشتتا الصمت اللذيذ بينهما .
احتاج آصف ثوان طويلة ليخرج من مزاجه الغرامي و يدخل آخر جديا .
سرح صوته عدة مرات ثم فتح المكالمة :
- السلام عليكم .
كيف حالك حاج توفيق ؟
استمع في صمت بدا مقلقا لنادية و هي تراقب تقطيبا يجعد جبينه .
- في أي مصحة ؟
وصل الاستماع ثم غمغم بروتينية :
- إن شاء الله يا حاج .
- ماذا حصل آصف ؟ من في المصحة ؟
تجمدت نظرات آصف قليلا أمامه و دون أن يلتفت قال يقسم الحقيقة نصفين يخفي القاتم داخل صدره و يعطيها النصف الخالي من المنغصات :
- إحدى قريباتنا تعرضت لنوبة صحية خطرة .
بعد لحظات كان يقود السيارة بدلا عنها ، رافضا النظر في مقلتيها الباحثتين .
قلبه يضيق كل ثانية أكثر و عاطفة هوجاء يشعر بها تزحف بخبث على هوامش عالمه الجديد .
*********
نهاية الفصل