عرض مشاركة واحدة
قديم 29-03-20, 11:45 AM   #33

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر

لم تكن غادة في حال جيدة منذ أن شعرت بالذنب تجاه أمها .. وأيضا بسبب ما ذكره أمير عن حقيقة حسام .. فقررت أن لا ترد على اتصالات حسام .. ولكن بعد مرور عدة أيام كانت أمينة تتحسن فيها نسبيا بفعل الدواء والعلاج الطبيعى.. فبدأت حدة احساسها بالذنب تقل شيئا فشيئا .. فضعفت أمام محاولات حسام المتكررة للوصول اليها .. وأخيرا ردت عليه ..
غادة بفتور : ألو ..
حسام بلهفة : غادة .. حبيبتى .. انتى فين .. كام يوم بتصل بيكى .. ليه مش بتردى عليا .. طمنينى انتى كويسة ..
غادة بنفس الفتور ولكن صوته وكلماته حركت مشاعرها قليلا : أنا بخير يا حسام ..
حسام : طيب ليه مبترديش علي ..
غادة : الظروف هنا مش كويسة خالص .. اعذرنى ..
حسام : المهم ان انتى بخير .. مش مهم اى حاجة تانية .. انا كنت حموت من القلق عليكى يا حبيبتي .. طمنينى ايه اللى حصل .. أنا كنت مستنى تكلمينى من يوم ما أتقابلنا ..
غادة : ماما تعبت يومها شوية ودخلت المستشفى ..
حسام وقد بدأ يشعر بالقلق من أن يكون تعب أمينة بسبب ما اكتشفته عنه : لا .. ألف سلامة عليها .. أنا كنت سايبها بخير .. يا ترى ايه اللى حصل وخلاها تتعب للدرجة دى ..
غادة : مش عارفة يا حسام .. أنا رجعت بعد ما اتقابلنا .. بس مقدرتش أتكلم معاها .. كانت فيه حالة وفاة انكل مصطفى صاحب بابا .. وتانى يوم لما رجعت من المدرسة كانت الإسعاف نقلتها للمستشفى .. سكتت للحظة ثم اردفت بحزن .. حصل لها جلطة سببت شلل في الجنب اليمين .. قالتها ثم أجهشت في البكاء ..
حسام بلهفة : ياه .. لا حول ولا قوة الا بالله .. أرجوكى اهدى يا غادة .. أاهدى يا عمرى .. سكت قليلا ثم أردف .. طيب وهى دلوقتى عاملة ايه ؟..
غادة وقد هدأت حدة بكاءها قليلا : الحمد لله بتتحسن ..
حسام : ربنا يطمنكوا عليها .. ساد الصمت بينهما للحظات .. فأردف حسام .. غادة أنا عارف ان الظروف متسمحش انى اسأل .. بس أنا عايز أطمن .. انتى اتكلمتى مع حد في موضوعنا .. أو حد كلمك ..
غادة بضيق : حسام أنا مش في مود يسمح لى بالكلام في الموضوع ده دلوقتى ..
حسام بإلحاح : يا حبيبتى .. أنا آسف انى بسأل .. بس القلق حيموتنى .. أنا بس عايز أطمن مش أكتر ..
غادة بتردد : أنا بصراحة حاسة بالذنب .. حاسة اللى حصل لماما بسبب علاقتنا ..
حسام : مش فاهم .. ليه بتقولى كده .. مال علاقتنا ومال اللى حصل لمامتك .. انتى بتقولى انك رجعتى تانى يوم من المدرسة كانت الإسعاف نقلتها للمستشفى .. يعنى هي تعبت تانى يوم يا غادة .. لو السبب أنا ولا انتى كانت تعبت في يومها .. أرجوكى متحمليناش ذنب مش ذنبنا ..
غادة بتردد : أيوة يا حسام .. بس الكلام اللى قاله لى أمير وعرفته هي منك .. أقصد .. مش مهم .. يا ريت منتكلمش في الموضوع ده دلوقتى .. اللى حصل .. حصل .. قدر الله وما شاء فعل ..
حسام باصرار على أن يعرف ما دار بينها وبين أمير .. والأهم ما هو رأيها فيما سمعته من أمير عنه : ايه الكلام اللى قالوا أمير يا غادة ..؟

غادة وهى تنظر الى السقف .. تود الهرب من الإجابة وتريد غلق الموضوع بأى طريقة .. فقالت بغضب وبصوت حاد نوعا ما : قلت لك يا حسام أنا مش في مود يسمح لى بفتح الموضوع ده .. ياريت نأجل الكلام فيه لحد ما أطمن على ماما وأتكلم معاها ..
حسام باصرار : لا بقى يا غادة .. أنا عايز أعرف ايه اللى وصلهولك أخوكى عنى .. بصراحة بقى أنا كنت حاسس انه متحفز لى من اول ماشافنى .. وحتى من غير ما نبدأ الكلام .. الظاهر انى معجبتوش وحابب يبوظ الموضوع ..
غادة بغضب : أرجوك يا حسام متتكلمش عن أمير بالشكل ده .. انت متعرفهوش علشان تحكم عليه ..

أحس حسام بنبرة الغضب في صوتها فقال بهدوء يريد ان يلطف الجو بينهما : أنا مقصدش يا حبيبتى .. بس لو تقولى لى بس ايه اللى قالهولك حتريحينى وتريحى نفسك ..
غادة وقد نفذ صبرها : طيب يا حسام .. طالما انت مصر .. أمير بلغنى انك كدبت على في حاجات كتير ..
قاطعها حسام بمسكنة : أنا .. أنا يا غادة كدبت عليكى ..
غادة بحزم : ممكن تسيبنى أكمل كلامى ..
حسام بهدوء : كملى يا حبيبتي .. كملى أنا سامعك ..
غادة : أولا بالنسبة لعمرك .. انت صحيح عندك تمانية وتلاتين سنة .. مش اتنين وتلاتين زى ما قولتلى قبل كده ..
لم يرد حسام .. فتابعت غادة .. ليه مش بتجاوبنى ..
حسام بنفس الهدوء : كملى يا غادة كل اللى قاله وانا حجاوبك في الآخر ..
غادة : ماشى يا حسام .. وبالنسبة لشغلك .. هل انت فعلا مندوب مبيعات في الشركة ولا شريك فيها .. وبالنسبة للسكن .. انت فعلا ساكن في حى شعبى مش في فيلا زى ما قلتلى قبل كده ..
سكتت غادة وصدرها يعلو ويهبط من الانفعال ومن سرعة دقات قلبها .. بعد أن قالت جميع ما علمت عنه .. فساد الصمت بينهما طويلا .. فاردفت غادة .. أنا خلصت كلامى يا حسام .. لو حابب تتكلم .. أنا سمعاك ..
حسام وهو يحاول أن يجد وقتا ليبحث عن مبررات : ياترى يا غادة لو اتكلمت حتصدقينى ..
غادة بثبات : حصدقك يا حسام لو قلتلى الحقيقة ..

حسام وقد جذب طرف خيط الاقناع بعد ردها هذا : كل اللى ذكره أمير صحيح .. بس فيه خلفيات محدش يعرفها .. وعلشان طريقتهم معايا كانت هجومية وكانوا جايين متحفزين لى معرفش ليه .. مكنش فيه فرصة أشرح لهم الخلفيات دى .. وبالتالي الصورة ظهرت لك انى كدبت عليكى .. بس صدقينى همه لو كانوا عطونى فرصة اشرح لهم الأمور اللى مش واضحة لهم مكنش حيبقى فيه سوء الفهم اللى حصل ده يا حبيبتي ..

سكت حسام لعلها تقول شيئا آخر أو يسمع منها نبرة تشجعه على أن يبرر كذبه عليها بطريقة سهلة .. فتكلمت هي بالفعل لتقول بنبرة حانية .. طيب ايه الخلفيات دى يا حسام .. أنا حابة اسمعها منك ..

في هذه اللحظة علم حسام أنها مستعدة لتصديقه .. مستعدة لتكذب على نفسها حتى لو كذب عليها هو مرة أخرى .. فهناك من النساء والفتيات يفضلن ان يصدقن الكذب على فقد الحبيب ..
حسام بنبرة حانية : لو تفتكرى يا غادة بداية كلامنا مع بعض على الجروب مكناش نعرف بعض ولما قلتى لى أن عمرك سبعتاشر سنة محبتش انفرك منى .. علشان كده قلت لك عمر أقل من عمرى .. وبعد كده لما علاقتنا اتطورت .. صدقينى .. أنا نسيت موضوع السن ده تماما.. ولو كنت افتكرته .. كنت صارحتك بيه .. لانى متأكد انه مش حيكون عائق أبدا .. لان مشاعرنا أصبحت هي المحرك لقرارتنا بعد الحب الكبير اللى سكن قلوبنا .. وبعدين في العموم موضوع فرق العمر ده شيء غير جوهرى بالمرة في الارتباط والدليل على كده زواج الرسول من السيدة عائشة .. واكيد انتى عارفة فرق السن بينهم كان كبير ازاى ..

هنا كانت غادة تسمعه بقلبها لا بعقلها .. فقالت .. طيب وبالنسبة للشغل ؟
حسام : الموضوع بسيط يا ستى ..أنا فعلا في البداية كنت مندوب مبيعات في الشركة .. بس بعد كده أصبحت شريك فيها بعد ما نجحت انى اعمل صفقات كبيرة للشركة .. كانت عمولتى فيها كبيرة جدا .. بس أنا محبتش أغير الوظيفة اللى في البطاقة الا لما ييجى ميعاد تجديد البطاقة ..
ازدادت ثقة غادة به .. فقالت بحب وهيام : وموضوع السكن يا حسام .. انت عارف انهم صعب يقبلوا إنى اسكن في حى شعبى ..
حسام بثقة : يا غادة متقلقيش أبدا من الموضوع ده .. أوعدك انك مش حتعيشى معايا غير في فيلا .. أنا فعلا كان عندى فيلا .. بس بسبب ظروف في الشغل اضطريت انى ابيعها علشان صفقة كبيرة في الشغل .. وأول ما نجمع فلوس الصفقة دى حرجع الفيلا تانى باذن الله ..

صدقت غادة كل أكاذيب حسام أو بمعنى أدق .. كذبت على نفسها كى لا تخسره .. ورجع قلبها يدق بحبه من جديد .. وانهيا المكالمة بوعد منها ان تتمسك به مهما عارض أي من أهلها هذا الارتباط ..........

-------------------------------------------------------

كانت اجلال في تلك الأيام تعانى أشد المعاناة بين العمل المرهق في المشفى وبين محاولاتها لتوفير اى مبلغ من المال كى تؤسس أثاثا للشقة التي استأجرتها هي وخالتها .. فكانت تقبل أن تأخذ ساعات عمل أكثر من زميلاتها على أن تعوض منهم بالمال .. فاستطاعت خلال ثلاثة شهور أن تشترى بعض الضروريات فقط لكى تستطيع العيش بالشقة ..
فى أحدى الأيام استوقفها رجل بالمشفى يبدوا عليه الوقار وعلى مايبدو كان في منتصف عقده الخامس .. كان يسألها عن مكتب مدير المشفى .. فأجابته اجلال دون أن تنظر اليه .. وعندما همت واستدارت لتسير في طريقها ناداها بأسمها .. فتعجبت واستدارت لتنظر اليه .. فاذا هو استاذها في معهد التمريض .. الدكتور عبد القادر .. فقالت له باندهاش : دكتور عبد القادر .. مش معقول .. ايه المفاجأة الحلوة دى .. ياه .. أنا مش مصدقة نفسى انى واقفة ادام حضرتك ..
كانت اجلال سعيدة للغاية بأن ترى دكتور عبد القادر مرة أخرى منذ أن تخرجت من المعهد .. وكان هو أيضا سعيد بأن يقابل احدى طلابه .. فرد عليها مبتسما : ازيك يا اجلال .. انتى بتشتغلى هنا ..
اجلال بحماس : أيوة يا دكتور ..
عبد القادر مبتسما : يعنى حنبقى زملا ..
اجلال بسعادة : معقول يا دكتور .. حضرتك حتشتغل معانا هنا في المستشفى ..
عبد القادر بجد : أيوة يا ستى .. أنا رجعت من السعودية بعد اعارة سبع سنين كنت بدرس فيهم هناك .. ورجعت من فترة بسيطة بعد ما اتوفت مراتى من حوالى سنة .. .. تنهد ثم اردف .. كان لازم ارجع علشان اراعى بنتى آيه ..
اجلال بحزن : البقاء لله يا دكتور .. والبركة فيك ..
عبد القادر : الحمد لله على كل شيء .. يارب تكون ارتاحت بعد اللى عانيته من مرض .. ياللا .. أنا دوشتك .. أشوفك بعدين ..

غادر عبد القادر الى مكتب مدير المشفى وظلت اجلال تنظر اليه شاردة في حال الدنيا .. وكم هي صغيرة .. فها هي تلتقى من جديد مع أستاذ لها كانت تحبه وتجله كثيرا .. اليوم ربما تكون مساعدة له في مشفى واحد ..
طرق عبد القادر على باب مدير المشفى .. الدكتور سامى .. ثم دخل عليه بعد ان سمع كلمة "ادخل" .. وما أن رآه سامى الا ورحب به ترحابا شديدا .. هم كانوا زملاء ولكن كان سامى يسبقه في الجامعة بثلاث دفعات ..

بعد أن انهيا الترحاب واسترجاع بعض ذكريات الدراسة .. عرض سامى على عبد القادر أوقات العمل كى يختار منها ما يناسب جدوله .. فاتفقا على المواعيد .. ثم سأله عبد القادر عن ممرضة ذات كفاءة لتساعده في عيادته الخاصة .. فعرض عليه بعض الأسماء لم يكن من بينها اسم اجلال .. فقال له عبد القادر : ماذا عن اجلال ؟
سامى بتعجب : أنت تعرف اجلال منين يا دكتور ..
عبد القادر : كانت تلميذتى في المعهد .. ولسة مقابلها قبل ما ادخل لك ..
سامى : هي ست كويسة .. بصراحة شغلها ممتاز .. ثم سكت للحظة مترددا .. بس بصراحة مش عايز يجيلك مشاكل بسببها ..
عبد القادر بتعجب : مش فاهم .. تقصد ايه ..
سامى : شوف يا عبد القادر .. اجلال صحيح شغلها مفيش عليه غبار .. وكمان سمعتها كويسة وعمرنا ما سمعنا عنها حاجة وحشة .. بس بصراحة طليقها ممكن يسبب لك مشاكل .. هو صحيح مسجون حاليا .. بس محدش يعرف هو ممكن يعمل ايه حتى لو كان في السجن .. علشان كده منصحكش بيها ..

لم يرغب عبد القادر أن يسمع من سامى عن اجلال أكثر مما قال وفضل أن يستمع منها هي شخصيا .. لذا لم يعقب وأكمل المقابلة في الحديث عن العمل وظروف المشفى ثم خرج من مكتب سامى ليتوجه الى مكتبه الجديد ليعاينه قبل أن يبدأ عمله في المشفى بعد يومين .....
وصل المكتب وعاينه وقبل أن يغادر طلب من أحدى التمرجيات أن تستدعى اجلال الى مكتبه ....

مرت دقائق قبل أن تطرق اجلال باب مكتب عبد القادر لتدخل بهدوء بعد ان سمح لها بالدخول ..
عبد القادر : أهلا يا اجلال .. اتفضلى .. عايز أتكلم معاكى شوية..
اجلال بترحاب : تحت أمرك يا دكتور .. اتفضل ..
عبد القادر بوجه باش : احكى لى عن نفسك شوية .. عاملة ايه في حياتك .. اتجوزتى ولا لسة .. ويا ترى عندك ولاد ..
أطرقت اجلال بوجهها الى الأرض وسكتت قليلا ثم قاللت بحزن : اتجوزت يا دكتور واطلقت .. والحمد لله ان ربنا مكتبليش منه ولاد .. أنا عايشة دلوقتى مع خالتى ..
عبد القادر : هو نفس الشخص اللى كان بييجى لك عند المعهد ؟
تعجبت اجلال من كون عبد القادر مازال يتذكر عاطف .. ولكنها ردت بأسف : ايوة .. هو يا دكتور .. حضرتك لسة فاكره ..
عبد القادر مبتسما بسخرية : طبعا فاكره يا اجلال .. هو ده يتنسى .. انتى نسيتى انه كان حيتخانق معايا يوم ما حاولت امنعه من مضايقتك .. يوميها أنتى قلتى لى انه قريبك .. هو صحيح قريبك ؟
اجلال بخجل: خاله كان متجوز خالتى وقتها .. بس هي كمان اتطلقت منه ..
عبد القادر : طيب وانتى اطلقتى منه ليه .. فلما سكتت .. اردف عبد القادر .. متشتغربيش من فضولى واسألتى يا اجلال .. انا حقول لك بعدين ليه أنا مهتم وبسأل كل الأسئلة دى ..
ردت اجلال : لا أبدا يا دكتور حضرتك استاذى .. وتسألنى زى ما انت عايز .. ثم قصت عليه اجلال قصتها مع عاطف منذ طفولتها عندما اضطرت للعيش مع خالتها وزوجها بعد الزلزال الذى راح فيه عائلتها من بدايتها الى نهايتها وبالطبع تضمنت القصة سبب سجنه بعد أن طلقها ...
كان عبد القادر يسمعها باهتمام غير مصدق ما مرت به في حياتها منذ طفولتها وحتىى تم طلاقها من عاطف .. وعندما انهت كلامها قال لها بهدوء : تحبى تشتغلى معايا في عيادتى يا اجلال .. ؟

نظرت اليه اجلال باندهاش غير مصدقة عرضه خصوصا بعد ما قصته عليه وعلم من قصتها .. كيف ولماذا يقبل بها لتساعده في عيادته .. فهناك العديد من الممرضات اللآتى يصلحن أكثر منها لهذه المهمة .. فلما هي بالتحديد .. لم تقف كثيرا عند هذه النقطة .. فالمهم هو أنها وجدت طوق النجاة وهو العمل الاضافى .. للحصول على المال اللازم لها ولخالتها ... فقالت له : يا خبر يا دكتور .. طبعا أحب .. ده شرف كبير اوى انى اشتغل مع حضرتك .. أنا تحت أمرك في الوقت اللى تحبه ...
ابلغها عبد القادر بعنوان العيادة التي كانت لم تبعد كثيرا عن المشفى ولكنها كانت بعيدة عن سكنها .. ولكنها لم تهتم لمسألة البعد تلك وما سوف تعانيه في المواصلات من والى العيادة وسكنها .. المهم انها وجدت هذا العمل مع هذا الدكتور المحترم ..
انهت اجلال حديثها مع عبد القادر بأن أخبرها بمواعيد العيادة وعلى وعد أنه سوف يوفق مواعيدها بالمشفى لتتناسب مع مواعيد العيادة .. ولكن بعد فترة من بداية عملها بالعيادة ..
شكرته اجلال كثيرا ثم خرجت من مكتبه وهى في منتهى السعادة .. على موعد للالتقاء بالعيادة في اليوم التالى .............

------------------------------------------------------------------

ظل خالد طيلة الأيام السابقة منذ أن عاد من دفن مصطفى بقلب مقسم الى قسمين قسم مع سلمى يتحدث اليها من وقت لآخر كلما خلا بنفسه .. وقسم مع أمينة التي يشفق على حالهاوفى نفس الوقت يشتاق الى حضنها الذى تعود عليه طوال سنين زواجه بها .. فهو المكان الوحيد الذى ترتاح عليه رأسه ويلقى بكل همومه به .. .. لذا كان يظل بالقرب من أمينة يرعاها .. يحاول أن يتكلم معها أو يعلم منها لماذا تصده هكذا .. لا تريد أن تنظر اليه في كثير من الأحيان .. ولا تتناول دوائها من يده مطلقا .. كانت تنتظر وجود غادة أورنيم أو أشرف لتتناول دواءها أو تقوم بعمل تمارين العلاج الطبيعى بمساعدتهم .. كان في حيرة من أمرها .. لم يكن يعلم انه هو السبب فيما هي فيه .. لذا كان معظم كلامه عندما يتكلم مع سلمى هو عن أمينة .. كان بدون أن يشعر يتحدث عن أمينة وعن صدها له وعدم معرفته لماذا تفعل ذلك معه وهى التي قبل ما حدث لها كانت تشعره بتصرفاتها وكلامها معه أنه هو كل حياتها .. نور عينيها ..وربما روحها التي تسكن جسدها .. وفى طيات ما كان يحكيه خالد عن أمينة وعن حياته معها وكيف سارت .. شعرت سلمى بان خالد يحب أمينة حبا عميقا ولا يدرى .. علمت حينها ان الكلمة التي قالها لها يوم طلبته لتخبره عن مقتل مصطفى .. الكلمة التي انتظرتها سنوات عمرها لم تكن في محلها .. لا توقيتها .. ولا هي من قلبه .. هي فقط كلمة استقرت في ذاكرته .. خرجت من فمه وليس من قلبه .. فقلبه الآن مع أمينة .. نعم .. انتهى حب خالد لها .. استطاع حب أمينة له أن ينهى حبه لها .. الأن هو يحب أمينة .. لان امينة احبته حبا لم تستطع هي أن تحبه لمصطفى .. ببساطة لأن أمينة لم يكن لديها سوى خالد .. فعندما أحبته استطاعت ان تعطيه ما يجبر قلبه على حبها .. حتى وان لم يعلم او يعترف بهذا.. هو يحبها وبشدة .. أما هي .. فهى أيضا كان قلبها مع خالد .. لذا لم تستطيع ان تعطى مصطفى ما أعطت أمينة لخالد .. وكانت النتيجة أن حب مصطفى لها ضعف وتلاشى مع الأيام .. لدرجة انه استطاع أن يطلقها .. بل ويحرمها من تعويض التأمين وأعطاه لمن ساعدوه ووقفوا بجواره بحب وصدق .. ولذا لم تغضب ولم تحقد عليه أو عليهم .. فهى لا تستحق هذا التعويض ولا تستحق أن يموت مصطفى وهى زوجته .. ببساطة لأنها لم تحبه ..

لم تستطع سلمى ان تنكر بينها وبين نفسها ان كلمة حبيبتى التي ناداها بها خالد قد مست قلبها .. حتى وهى في ظرف عصيب كالذى كانت تمر به .. لم تنكر بأن كلمته قد فتحت ولو قليلا باب الأمل لهذا الحب الذى توقف في مهده .. فعاشت بعد انتهاء ازمة موت مصطفى .. وبعد أن نجح النسيان في أن ينهى حزنها على مصطفى شيئا فشيئا .. عاشت على أمل أن تسترجع خالد من جديد .. لكن الآن وبعد مكالمات خالد لها والتي احتلت فيها أمينة المكانة الأعظم تلاشى هذا الأمل من جديد .. علمت سلمى انها لن تستعيد خالد مطلقا .. حتى وان حاول هو أن يعيد ما فاتهم .. فهى ليست على هذا المستوى من الدناءة بأن تكون سببا في تعاسة زوجة مثل أمينة .. زوجة قمة في العطاء لزوجها وعائلتها .. لقد جعلها خالد بكثرة كلامه عن أمينة أن تحترم تلك الزوجة المخلصة اللمحبة لزوجها وبيتها الى هذه الدرجة .. فلن تسمح لنفسها أن تحطم هذا الزواج وتهدم هذا البيت الرائع ..

في الأيام الأخيرة وبعد أن علمت بموضوع تغيير مصطفى لاسم المستفيد من بوليصة التأمين انتابها الحزن والاكتئاب على حالها .. خصوصا في ظل الوحدة القاسية بعد ان يهجرها أولادها الى المهجر .. لمن تعيش .. وكيف تحيا ..

جلست ذات يوم بعد ان استيقظت من نومها .. جلست تنظر لنفسها في المرآة .. ثم بدأت تتزين .. وكان قد مضى على آخر مرة تتزين فيها سنوات كثيرة قد جهلت عددها .. وبعد أن انهت زينتها أخذت تمشط شعرها .. نظرت الى نفسها فوجدت نفسها لا تزال جميلة .. لا تزال تتمتع بأنوثة طاغية .. شعرت انها قد ضيعت نعم كثيرة قد وهبها الله لها بحبها لخالد .. احست أن خالد ليس الا الشجرة الوحيدة التي احجبت عنا بقية الغابة .. اعترفت في نفسها انه حتى وان ظلت تحبه طوال عمرها .. وربما الى الآن .. فما كان يجب عليها أن تضيع حياتها وحياة زوجها وأولادها كما فعلت .. لقد أهملتهم وأهملت نفسها بسبب هذا الحب .. لقد أخطأت فى معاملتها مع مصطفى ولم تعطيه وتضحى من اجله كما تفعل الزوجة المحبة الوفية .. لقد ظلمته بان وافقت على الزواج منه وقلبها مشغول بغيره .. بل بصديقه .. وظلمت أبنائها .. فم تعلمهم معنى وأهمية الوفاء والولاء للأقربين وخصوصا والديهم .. فكبروا على حب النفس والجحود ..

نظرت الى نفسها ثم سمعت في داخلها كلاما يتردد منها اليها .. كفى فشلا .. كفى يا سلمى .. كفى حزنا وبكاءا على اللبن المسكوب .. لا تنظرى خلفك .. لابد من بداية جديدة .. فلتبحثى عنها .. فلتبحثى ..

------------------------------------------------------------

ذات يوم رن تليفون خالد .. نظر الى رقم الطالب وابتسم ثم فتح الخط : ألو .. أمير حبيبى .. انت عامل ايه؟
أمير : بابا .. انتم واحشنى أوى .. طمنى عليكم وعلى ماما وغادة ..
خالد : احنا بخير يا حبيبي .. المهم أنت كويس ..
أمير بحزن : أنا كويس يا بابا .. كويس .. متقلقش على .. هانت .. ادعى لى الشهور الباقية تمر بسرعة على خير .. ..
خالد : على خير يا بنى .. على خير .. بس مش عارف .. حاسس ان صوتك حزين .. فيه حاجة يا أمير .. محتاج حاجة ..
أمير محاولا أن يدارى حزنه : مفيش يا بابا .. صدقنى مفيش .. انتم بس وحشتونى قلت أطمن عليكم .. ماما عاملة ايه دلوقتى .. اتحسنت يا بابا ؟
خالد : بتتحسن يا أمير .. الحمد لله العلاج جايب نتيجة كويسة لغاية دلوقتى .. كلامها اتحسن كتير عن الأول وقدرت تتحرك وتروح الحمام لوحدها .. ان شاء الله مع العلاج ح ترجع زى الأول واحسن ..
أمير : الحمد لله .. بابا .. الله يخليك خللى بالك من ماما .. دى بتحبك اوى .. انت مش ممكن تلاقى حد يحبك ادها ..
خالد بقلق: انت ليه بتوصينى على أمك بالشكل ده يا أمير .. هو أنا يا بنى حصل منى حاجة نحيتها ..
أمير : أبد .. ابدا يا بابا .. بس هي محتاجاك اكتر من اى حد في الدنيا ..
بدأ خالد يشعر أن أمير يعلم شيئ هو لا يعلمه عن أمينة فقال له بود : اسمع يا أمير .. انا عايز أقول لك عن حاجة يابنى يمكن انت تقدر تجاوبنى عليها ..
أمير بقلق: حاجة ايه يا بابا .؟
خالد : أمك يا أمير .. أمك متغيرة معايا .. مش هي دى أمينة اللى أنا عارفها .. دى مش راضية تتكلم معايا ..ولا حتى بتبص لى .. كانى واحد غريب عنها .. دى كأنها بتكرهنى .. مش ممكن تكون هي دى أمينة ..

لم يرد أمير على ماسمع وتردد أن يقول لابيه السبب حتى قطع خالد أفكاره متسائلا : انت تعرف ليه هي بتعمل معايا كده يا أمير .. ارجوك يا بنى لو تعرف حاجة تقولها لى .. ارجوك .. أنا عارف انك أقرب اخواتك لها ..

لم يستطع أمير أن يسكت أكثر من ذلك لانه أحس أن حياة والديه أصبحت على المحك .. فقرر أن يقول له الحقيقة لعله يستطيع ان يصلح ما افسده فقال بتلعثم : بصراحة يا بابا .. ماما سمعت مكالمتك مع طنط سلمى مرات انكل مصطفى وهى بتبلغك خبر وفاة انكل مصطفى .. سمعتك بتقولها يا حبيبتي .. أنا كمان يا بابا كنت واقف جنبها وسمعت مكالمتك مع طنط سلمى ..

تسمر خالد مكانه وظل صامتا ساكنا من هول ما علم .. هو نفسه لم يكن يعلم أنه قد تلفظ بما قال .. لقد علم من أمير للتو .. ولكنه لم ينكر بينه وبين نفسه أنه من الممكن أن يكون قد قالها .. فهو يتذكر الآن كم كانت لهفته على سلمى حين حدثته تبكى .. ربما شوقه وحنينه اليها وولعه بها في تلك اللحظة قد فاق ألمه وحزنه وفجيعته على مصطفى ..
أمير بعد ان احس انه القى لوالده بقنبلة زلزلته : بابا .. انت سامعنى ..
رد خالد بصوت خافت : ايوة .. ايوة يا أمير سمعتك .. اقفل دلوقتى يا أمير .. ح اكلمك يا بنى كمان شوية .. اقفل دلوقتى يا حبيبى ..

أحس أمير أنها فرصة ليتخلص مما بقى فوق كاهله من أمر غادة فرد سريعا قبل أن يغلق والده الخط ولكن بتردد: اسمعنى يا بابا .. فيه موضوع تانى كنت عايز اكلمك فيه .. موضوع مهم .. موضوع ميحتملش التأخير ...

تنبه خالد من شروده عندما ابلغه أمير بأهمية الموضوع الذى يريد أن يحدثه فيه فقال له : خير يا أمير موضوع ايه ؟
أمير : غادة .. غادة يا بابا ..
خالد : مالها غادة يا بنى .. ؟
أمير : غادة اتعرفت على شخص عن طريق النت وبتتكلم معاه .. والشخص ده مش كويس يا بابا .. انا قابلته .. أنا وماما .. الشخص ده أكبر منها بكتير .. شخص مش ساهل بالمرة .. وغير مناسب لها من كل النواحى .. قدر يقنعها بيه .. وهي متعلقة بيه ..يا ريت حضرتك تقرب منها اليومين دول وتحميها منه .. انت الوحيد فينا اللى ممكن يقنعها انه مش مناسب لها .. أنا حاولت معاها بس حسيت انها مش مقتنعة بكلامى .. ماما كانت حتحكى لك عن الموضوع ده .. بس للأسف يوم مارجعنا من مقابلته سمعنا مكالمتك مع طنط سلمى وبعدين حصل اللى حصل ..
كان خالد يستمع اللى امير وهو في ذهول مما يقول .. الهذه الدرجة ابتعد عن اسرته ..حتى عن غادة ..
رد خالد بهدوء : طيب يا أمير يا حبيبى .. شكرا انك بلغتنى بكل الأمور دى .. متشغلش بالك انت أنا ح اتصرف واصلح كل شيء .. مع السلامة انت دلوقتى .. انا محتاج اجلس مع نفس شوية علشان اعرف اتصرف واصلح كل شيء ..
أمير : مع السلامة يا بابا .. ح اكلمك وقت تانى اطمن عليكم ..
خالد : طيب يا حبيبى .. مع السلامة ...

جلس خالد بعد مكالمة امير يفكر فيما حدث .. وكيف كان هو السبب فيما حدث لأمينة وكيف يصلح ما افسده .. كيف يستعيد حب وثقة أمينة .. كيف يداوى الجرح العميق الذى سببه لها .. هي لا تستحق منه ما جعلها تمر به من صدمة أوت بها لهذا التعب وتلك الإصابة .. ثم فكر في غادة .. كيف يفاتحها في الموضوع .. وكيف يقنعها بان هذا الشخص غير مناسب لها .. لم يكن يعلم عنه شيئا .. ولكن يكفيه على الأقل حاليا رأى امير فيه .. لا بد أن يتعرف على هذا الرجل .. بل ويعلم عنه كل شيء قبل أن يتقابل معه حتى يخرج ابنته من هذه العلاقة بدون أن تنجرح هي الأخرى في مشاعرها الرقيقة التي بدأت تتفتح بها على الحياة كمراهقة في بداية مشروع حب ..

--------------------------------------------------------------------

كان توفيق في تلك الأيام يبذل قصارى جهده للتقرب من سلمى .. فتارة يكلمها تليفونيا .. وأخرى يفاجأها بأنه قريب من بيتها أو محل عملها .. يريد أن يقابلها .. يحاول أن يجلس معها ولو جلسة واحدة ربما يقنعها بالارتباط به .. ولكنها في كل مرة كانت تعتذر له بذوق وهدوء بأنها لن تستطيع أن تجلس معه .. فتارة تقول له انها مشغولة وأخرى تقول له انه لا يصح أن تجلس معه وحدهما في أي مكان .. وثالثة تقول له انها مريضة ولا تستطيع الخروج .. كانت لا تعطيه الفرصة كل مرة لعله يفهم ويكف عن محاولاته تلك .. ولكنه فاجئها يوما وطرق باب شقتها وكانت الساعة قد تجاوزت الثامنة مساءا .. ظنت حينها سلمى انه ربما يكون البواب يطرق بابها في أمر ما ففتحت الباب بسلامة نية فوجدته يقف أمامها ممسكا بباقة من الورد ةيبتسم ابتسامة سمجة بلهاء .. فوجئت سلمى بالموقف وتسمرت مكانها لا تعرف ماذا تفعل أو ماذا تقول .. فبادر توفيق بالتحية والكلام : مساء الخير يا سلمى ..

نظرت اليه سلمى وهى فاغرة فاها .. فتلك المرة الأولى التي يتكلم معها بدون ألقاب .. فهو كان معتادا أن يناديها باشمهندسة سلمى .. ولما وجدها لا تزال تنظر اليه مندهشة بادر هو وقال .. ياترى حتفضلى سيبانى واقف كده على الباب .. مفيش اتفضل .. انا جاى لحد بيتك ..
ايقنت سلمى انه قد حان الوقت لانهاء مطارداته لها وان تعلمه انه لا أمل فيما يحاول وانها لن تكون له بأى شكل من الاشكال .. فقالت في هدوء : اتفضل يا باشمهندس ..

دخل توفيق خطوتين داخل الشقة بعد ان كان يغلق الباب خلفه ولكنها بادرت وقالت له : من فضلك .. خلى الباب مفتوح .. أنا لوحدى .. ولا حضرتك نسيت ..
توفيق بحرج وتلعثم: ايوه .. ايوه .. مفهوم ..

رفعت سلمى سماعة الدكتافون ونادت على البواب على مسمع من توفيق: عم حسن .. يا عم حسن .. لم يجاوبها أحد .. فبادر توفيق مبتسما : على فكرة عم حسن البواب مش موجود تحت في العمارة .. لو بتناديه علشان يجيب حاجة .. مفيش داعى .. انا مش غريب يا سلمى ..

نظرت له بضيق .. فها هو يرفع الكلفة مرة أخرى ويناديها بدون القاب .. لم ترد عليه .. وتوجهت الى طاولة صغيرة بجوار كرسى الانتريه والتقطت تليفونها .. ثم نظرت اليه وقالت له .. اتفضل يا باشمهندس .. حضرتك واقف ليه .. اتفضل اجلس .. فأقترب منها توفيق وناولها باقة الورد فأخذتها دون اهتمام ووضعتها على الطاولة وهى تقول : ميرسى .. الباقة دى جت في وقتها .. أنا كنت ناوية أزور قبر مصطفى بكرة .. ميرسى يا باشمهندس وفرت على مشوار لمحل الزهور ..

نظر لها توفيق نظرة غضب .. ولكنه تدارك نفسه بسرعة وابتسم مرة أخرى دون ان يعلق .. فأكملت سلمى وهى تنظر الى الموبايل تطلب رقما : دقيقة واحدة وحكون مع حضرتك يا باشمهندس .. اتفضل استريح ..

جلس توفيق وقد لاحظ معاملة سلمى الرسمية له .. ولكنه تحلى بالصبر ورسم الابتسامىة على وجهه .. لعله ينجح في مهمته ..

أنتظرت سلمى لحظات حتى رد الرقم الذى طلبت .. فقالت في هدوء : مساء الخير يا بسمة .. يا ترى بابا موجود ..
بسمة : أهلا مدام سلمى .. ازى حضرتك .. للأسف .. بابا خرج مشوار وحيرجع بعد نص ساعة .. فيه اى حاجة اقدر اساعد حضرتك فيها ..
سلمى : معلش يا بسمة .. حتعبك معايا .. ممكن لو وقتك يسمح تشرفينى دقايق .. بس يا ريت بسرعة ..

بسمة وقد قضبت حاجبيها تتعجب من طلب سلمى .. فهى لم تحدثها أو والدها منذ يوم دفن مصطفى : أوى .. أوى .. خمس دقايق أغير هدومى وحكون عند حضرتك حالا ..
نظر اليها توفيق وهو يستشيط غضبا ثم قال وهو مطرق الرأس : ياه يا باشمهندسة .. للدرجة دى أنا غريب .. وحضرتك مش مطمنه لى ..

ردت سلمى بذوق شديد : لا .. لا .. يا باشمندس متفهمنيش غلط .. حضرتك مش غريب ولا حاجة .. ده حتى انت كنت من أقرب الناس لمصطفى الله يرحمه .. بس أنت عارف ان ألسنة الناس مبترحمش .. وأنا ست أرملة دلوقتى .. ومحبش حد يجيب سيرتى بحاجة وحشة .. وحضرتك سيد من يفهم في الأصول ..

كانت سلمى تقصد كل كلمة رمته بها للتو .. فهو ليس لديه أي قدر من الأصول أن يزور سيدة أرملة تعيش بمفردها في مثل هذه الساعة .. وبدون ميعاد مسبق .. وهو أيضا كان مقربا لزوجها .. فكيف يقتحم حياة ارملته بعد وفاته بقليل ..
توفيق وهو مازال مطرق الرأس: بس أنا كنت عايز أتكلم معاكى في موضوع خاص .. ومكنتش حابب حد تانى غريب يسمعه ..
سلمى وهى بثبات : بسمة وباباها مش غربا ولا حاجة .. دول أقرب جيران لى أنا ومصطفى الله يرحمه .. وبعتبرهم من العيلة .. يعنى مفيش حد غريب ولا حاجة .. أتفضل يا باشمهندس .. خد راحتك .. يا ترى ايه الموضوع اللى حضرتك حابب تكلمنى فيه وجاى مخصوص له .. ومستعجل لدرجة انك تييجى بدون ميعاد ..

أحس توفيق أن جردل من الماء المثلج قد انسكب فوقه .. فها هي للمرة الثانية توبخه بذوق .. وعندما بادر ليرد .. رنت بسمة جرس الباب المفتوح ثم نادت : باشمهندسة سلمى .. أنا بسمة ..
وقفت سلمى ثم اتجهت الى باب الشقة وهى تقول .. اتفضلى يا بسمة .. تعالى .. مفيش حد غريب ..

كانت بسمة قد وصلت الى مكان تواجد توفيق فنظرت الى سلمى تتسائل بعينيها .. فأردفت سلمى .. أعرفك بالباشمهندش توفيق .. من أعز أصدقاء مصطفى الله يرحمه ..
ردت بسمة وهى ما زالت تنظر الى توفيق وتبتسم نصف ابتسامة : أهلا يا باشمهندس .. تشرفنا ..
أومأ توفيق برأسه محييا بسمة وملامح وجهه تنم عن غيظ شديد بداخله .. فقالت سلمى وهى تبتسم : اتفضلى يا بسمة .. انكل توفيق يا ستى عايزنى في موضوع مهم زى مابيقول ..
نظرت بسمة اليها وهى متسعة العينين .. فاردفت سلمى : بس مكنش ينفع اقابله لوحدى علشان كلام الناس .. علشان كده طلبتك تكونى معايا .. ثم نظرت مرة أخرى الى توفيق الذى بدأ جبينه يتعرق من الموقف الذى وضع نفسه فيه وقالت : اتفضل يا باشمهندس .. يا ترى ايه الموضوع ..
توفيق متلعثما وهو يمسح عرق جبينه بمنديل من القماش أخرجه من جيب الجاكيت .: ياريت لو الآنسة بسمة بس تجيب لى كوب ماء .. أكون شاكر لها ..

نظرت سلمى اليه .. ثم نظرت الى بسمة وقالت بنصف ابتسامة : أه وماله .. أنا آسفة نسيت أسألك تحب تشرب ايه وهمت بالوقوف .. ولكن بسمة أحست بسخافة الموقف فصعب عليها الرجل فبادرت قائلة : حضرتك استريحى يا باشمهندسة .. ثم نظرت الى توفيق وقالت : تحب تشرب ايه حضرتك ..

نظر لها توفيق وكأنها قد القت له بطوق النجاه من الغرقة التي هو فيها .. فقال .. ياريت لو فنجان قهوة مظبوط مع المياه .. أكون شاكر جدا ..
غادرت بسمة الى المطبخ دون أن تنظر الى سلمى وكأنها تتفادى نظرة التوبيخ ..

ساد الصمت بين سلمى وتوفيق حتى استجمع قواه واعصابه .. ثم قال بتردد : سلمى .. اعتقد انتى عارفه أنا جاى ليه النهاردة .. ومكنش فيه داعى للاحراج ده ..
ردت سلمى ببرود : للأسف يا باشمهندس .. أنا مش عارفة بصراحة سبب الزيارة .. يا ريت حضرتك توضح أكتر ..
توفيق محاولا الهدوء :.. انتى عارفة مشاعرى بالنسبة لك من زمان .. ومن قبل جوازك من مصطفى الله يرحمه وأنا كنت عايز ارتبط بيكى ..

ردت سلمى بنفس الهدوء : ومن بعد جوازك كمان يا باشمهندس .. وأنا أيامها رفضت طلبك .. ما علينا .. وايه المطلوب دلوقتى ..
توفيق مبديا بعض الحنان : سلمى .. انتى دلوقتى ست وحيدة .. ومحتاجة راجل جنبك .. وأنا لسه بحبك وأتمنى ..

قاطعته سلمى بحزم : تتمنى .. تتمنى ايه يا باشمهندس .. أنا فعلا ست وحيدة .. بس أنت مش وحيد .. أنت عندك زوجتك .. وأولادك .. وحتى لو معندكش حد .. أنا جوابى زى ماهو .. متغيرش ومش حيتغير يا باشمهندس ..

توفيق بنفس نظرة الاستجداء : بس أنا بحبك .. بحبك يا سلمى وعمرى ما نسيتك .. وبالنسبة لمراتى .. بصرف النظر عن انى عمرى ما حسيت نحيتها بالمشاعر اللى بحسها نحيتك .. بس الشرع محلل لى أكتر من زوجة .. ولا انتى حتحرمى الشرع ..
سلمى : لو الشرع محلل لك الف زوجة .. تأكد يا باشمهندس انى عمرى ما ح أكون واحدة منهم ..
توفيق بحزن : ياه يا سلمى .. لللدرجة دى
سلمى بحزم : اسمى باشمهندسة سلمى .. من فضلك مترفعش التكليف بينا ابدا .. ده لو اتقابلنا تانى بعد كده ..
توفيق : أنا مش عارف انت بتكرهينى للدرجة دى ليه .. أنا عملت لك ايه ..

سلمى وهى في أوج ضيقها وعصبيتها منه .. تتذكر كيف تغير فيها خالد من ناحيتها .. بعد اللحظة التي دخل عليها هي وتوفيق المكتب وكانت هي خارجة بغضب من المكتب .. كانت على يقين أنه قد بث في عقله سما جعله يتغير من ناحيتها .. فردت عليه : الراجل اللى يسمح لنفسه بتشويه سمعة بنت بريئة في أول عمرها لمجرد انها رفضت انها تتجاوب معاه في قذارته أو حتى لمجرد انها رفضت الارتباط بيه .. يستحق انه يتكره يا باشمهندس .. والراجل اللى يسمح لنفسه انه يدخل بيت صاحبه وصديق عمره علشان يغازل مراته في الرايحة والجاية .. وخصوصا لما يكون صاحبه ده قعيد .. يستحق أنه يتكره يا باشمهندس ... والراجل اللى يخون مراته ويروح يتقدم لواحدة تانية من وراها .. يستحق انه يتكره يا باشمهندس .....

نظر اليها توفيق وهو متسع العينين مما قالت .. ثم أطرق برأسه ينظر الى الأرض بعد أن علم سبب كرهها له .. معتقدا أن خالد قد واجهها بما قاله عنها وقتها .. ايقن انه لا أمل في محاولته معها .. وانه سوف يفتح مواضيع وجروحا ظن ان الجميع قد نسيها .. هم واقفا وتحرك خطوتين الى الباب بدون كلام في لحظة دخول بسمة بالقهوة والماء وهى تنظر اليه ثم تنظر الى سلمى التي كانت ناظرة امامها وصدرها يرتفع وينخفض من الانفعال .. فنظر لها وتوجه الى الباب .. فسمع صوت سلمى ينادى: باشمهندس .. من فضلك لحظة .. فوقف توفيق متسمرا في مكانه نصف تفكيره يأس والنصف الآخر أمل .. فتوجهت اليه سلمى ببوكيه الورد حتى وصلت اليه فدفعته الى يده بقوة .. اتفضل خد الورد بتاعك معاك .. مصطفى الله يرحمه ميشرفهوش بوكيه ورد انت شاريه يتحط على قبره .. مصطفى كان أنقى وأطهر من كده ...

خرج توفيق من باب الشقة بعد أن أغلقه بعنف لا يقصده .. فأنهارت سلمى على اقرب كرسي في نوبة من البكاء والنحيب .. كأنها قد أخذت بثأرها وثار خالد ومصطفى من هذا الصديق الخائن للجميع ..

أقتربت منها بسمة تربت على كتفها بحنان وقد سمعت الحوار الذى دار بينهما واستنتجت شيئا مما حدث في الماضى .. ولكنها احترمت خصوصيتها فأقتربت منها وركعت أمامها على ركبتيها وأخذتها بين ذراعيها .. فارتمت سلمى في حضنها لا تمتلك نفسها من الاجهاش في البكاء ..وهى تقول : متسيبونيش يا بسمة .. من فضلك اسألوا على وزورونى من وقت للتانى ..
ضمتها بسمة بقوة أكثر وهى تقول بلهفة : أبدا .. أبدا .. يا مدام سلمى .. مش حنسيبك وحنفضل جنبك دايما


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس