عرض مشاركة واحدة
قديم 30-03-20, 03:28 PM   #896

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الخاتمة
*******

يوم وليلة مرا على كامل بثقل سنين عمره
أجمعين ، الكل نفض يده تماماً منه. فذاك الذي لا يجيب على اتصاله، وآخر يرفض أن يقرضه، وغيره يقولها صريحة له أن لا يحاول الاتصال به مرة أخرى، وأن ينسى أي تعامل بينهما .. الجميع تركوه على باب جنهم واستداروا يختبئون مترقبين لحظة سقوطه في الهاوية ..
وما زاد الطين بله شادية وأفعالها المخزية واللامعقولة، فالسيدة زوجته لم تدخر وقتاً وأسرعت في اليوم التالي لحديثه معها بعرض كل ما كتبه باسمها من أراض وxxxxات للبيع بمساعدة أحد السماسرة... تظن نفسها ذكية ..! وهو أكثر العارفين لنفسها الأنانية المخادعة فقد أمر أحد رجاله الذين يعملون تحت إمرته أن يراقبها جيداً ويبلغه بكل تحركاتها ، بمجرد أن خرجت من غرفته وقد رأى في عينيها بريق الغدر .. لذا فليكن ما يكن هي من حفرت قبرها بيدها ، تلك الدنيا ما عادت تسع روحيهما ،يكفيهما تجبر فيها حتى الآن فلا هو سيتحمل استكمال ما تبقي له من أيام بين جدران زنزانة مغلقة ، والمرض بدأ ينهش بجسده أكثر من زي قبل، ولا هي تستحق أن تتمتع بما تركه لها من بعده ،سيضع كلمة النهاية لحياة كل منهما بنفسه قبل أن تتمرد عليه أكثر ..
تناول هاتفه يضغط زر الاتصال ليتصل بضياء الماكث بشقته، لينهي ابنه الاتصال من الطرف الآخر يعلمه أنه تلقى المكالمة.
وفي غضون دقائق كان قد يصعد إليه ويدق بابه مستأذناً للدخول .. ناداه كامل بمجرد أن دلف للحجرة :
"ضياء تعال يا بني ،أجلس أمامي "
تحرك ضياء ليجلس على المقعد المقابل لأبيه وأخبره :
" ما الأمر أبي هل أنت بخير ،وجهك أصبح شاحباً للغاية منذ جئتك معلناً عن طلب مدير البنك .. أبي يمكننا بيع أي من الxxxxات التي تمتلكها واعتقد أن قيمتها ستغطي قيمة القسط الأول، وبعدها سأنزل بنفسي للشركة وأباشر العمل فيها "
أجابه كامل بإحباط :
"لا فائدة يا بني أمك ترفض أن تعيد لي شيء، فقد كنت أقوم بكتابة عقود الملكية باسمها واثقاً فيها ..وجميع من طلبت مساعدهم تهربوا مني "
تأهب ضياء للوقوف وهو يقول :
" سأذهب إليها الآن وأحاول إقناعها لابد أن نجمع المبلغ "
أشار إليه كامل ليهدأ وليعود للجلوس قائلاً :
" أجلس بني فأمك ليست هنا، فقد أخذت معها دارين وخرجتا، ولن تتراجع عن موفقها مهما تحدثت معها فلا تتعب نفسك ،الأمور بيننا وصلت لحائط مسدود والنفوس ظهرت على حقيقتها. أبوك انتهى أمره الآن بالنسبة إليها مادام ينبوع أمواله ونجاحه جف .. ليكن دعنا الآن في المهم ، أعلم أنك أخذت إجازة من عملك، ولكني أريدك أن تذهب الآن إلى مديرك، وتطلب منه أن يمهلك أسبوع واحد فقط، وأعدك أنك ستسدد القرض بأوانه وأعطيه كافة الضمانات التي يطلبها. هل فهمت بني ..؟ "
أنهى كامل حديثه واستقام واقفا بإرهاق وضياء يجيبه:
" نعم فهمت يا أبي ..ولكن من أين ستجمع المال في هذا الوقت ..؟ وإلى أين أنت ذاهب ..؟"
أجابه كامل وهو يتحرك للخارج :
" لا تقلق سأدبر الأمر ..أريد الآن أن أذهب للقاء وجد قبل مجيء أمك ودارين ،أتمنى أن ترضى بمقابلتي..؟ "
أكد له ضياء :
" بالطبع سترضى ..وجد قلبها طيب ولا تحمل ضغينة لأحد "
وافقه كامل بندم :
" وجد هذه كانت ملاك تعيش بيننا، وروح طيبة خسرنا بركة وجودها بيننا، فمنذ غادرتنا والمصائب تهل علينا جماعاً، وكأن الله ينتقم منا على كسرتنا لهذه اليتيمة المسكينة.. لم انصرها يوماً أو أهتم بها كما يجب ..أسأل الله أن تسامحني "
"ستسامحك يا أبي أنا واثق ..هيا بنا سآتي معك "
أردف ضياء وهو يسند أبوه فأخبره كامل :
"لا أوصلني فقط حتى بابها وأذهب أنت لمديرك .."
أجابه ضياء طائعاً:
" أمرك أبي "
أوصل ضياء كامل لباب منزل نديم ووقف معه حتى فتحت سنية الباب فسألها ضياء :
"هل وجد والحاجة سومة موجودتان "
أجابته سنية :
"نعم تفضلا في الصالون وسأعطيهما خبراً "
تقدمتهم سنية نحو غرفة الجلوس وصعدت لحجرة الحاجة سومة حيث تجلس وجد معها :
" دكتورة وجد ابن عمك بالأسفل ومعه شخص
آخر أظنه عمك يريدان مقابلتك "
نظرت وجد بدهشة لخالتها سائلة :
"عمى وضياء !!..ترى ما سبب مجيئهم خالتي..؟ "
أجابتها سومة بكلمات حريصة :
" لا علم لي بنيتي فلننزل ونرى سبب حضورهم بأنفسنا ..) أشارت لسنية قائلة)..اذهبي لأكرم وأعلميه أن يهبط لاستقبالهم وقدمي واجب الضيافة حتى نأتي أنا ووجد "
أطاعتها سنية وخرجت فالتفتت وجد لخالتها تسألها بقلق:
" خالتي ماذا لو كانت شادية تمارس خبثها مرة أخرى ..؟ وأن وعمي قادم لاتهامي بشيء ما كالمرة الماضية "
أجابتها سومة بعقلانية :
" لا أعتقد بأن ضياء سيسمح لها بأمر كهذا بعد كل ما حدث .. ألم تخبرك سنيه أنه مع أبيه بالأسفل ..على العموم دعينا ننزل الآن وسنرى بأنفسنا ما الأمر.. "
اتكأت سومة على عصاها وناولت كفها الحر لوجد تسألها التقدم وعيناها تخبرانها بوضوح أن لا تخشى شيئاً فهي لها السند ..
دخلت وجد وخالتها بعد قليل للقاء عمها وضياء، فوجدت أكرم يشاركهم جلستهم وعلى وجهه كافة إمارات التأهب من أجلها ..بمجرد أن رآها كامل استقام واقفاً يدعوها إليه بإعجاب :
"وجد ..ما شاء الله منذ تركتنا ازددت حلاوة ونوراً، وكأنك خرجت من سجنك معنا للحياة.. تعال ياوجد ، تعالي بنيتي لا تخشيني فلست قادم لأذيتك يا حبيبتي ..فكل ما أرجوه منك هو السماح والمغفرة فقط "
رددت وجد بلا تصديق :
"السماح والمغفرة !!!"
أجابها كامل بضعف وذله:
"نعم ياوجد ..سامحيني يا ابنتي على كل ما اقترفته يداي بحقك، وكسرتي لك ومحاباتي لشادية عليك طيلة هذه السنوات .. واغفري لي عدم اهتمامي بك كما يجب على العم أن يفعل تجاه ابنة اخيه.. لقد أهملتك وظلمتك ، استبحت أموالك وحقوقك كلها ، وحرمتك من أبسط الأشياء طمعاً في الغنى والنفوذ ، ونسيت تماماً أن الله بالمرصاد، وأنه عاجلاً أم آجلاً سيرد للمظلوم حقه، ويجعل الظالم يحصد ثمار ظلمه. كل يوم يمر عليّ أخسر فيه ما ظللت أكنزه واكسبه طيلة عشر سنوات .
الكل تخلى عن عمك يا وجد حتى أقرب المقربين وأولهم من خسرتك لأكسبها .. ما عاد في العمر بقية ، ولا أعلم ما الذي قد يحدث لي غداً ..
لقد جئتك راجياً عفوك عما بدر مني بحقك ولك الخيار في الرفض أو القبول ..فأنا أعلم أني لا استحق منك عطفاً بعد كل ما رأيته مني ولكن جئتك متمسكاً بالأمل.
تفضلي هذا عقد ملكية شقة والدك حقك الشرعي ولك حرية التصرف فيها أما حقك في ميراث أبيك أعدك أن يعود لك كاملاً في الوقت المناسب "
رفعت وجد عقد الملكية أمامها وتأملته بنظرات باهته متعففه ثم لامته بشجن :
"وهل تعتقد يا عمي أن كل ما كان يهمني هو المال .. وأن ما يطيب الخواطر وجروح النفس هو المال .. أنا لم اكن أبتغي منك شيئاً سوى اهتمامك ،حنانك ،احتوائك لغربتي بينكم ، لكني كل ما وجدته كان العكس .. لقد أهملتني ونبذتني، حرمتني من قربك ،استكثرت عليّ أن آتيك يوماً شاكية أو باكية ، لم أشعر في بيتك يوماً بالأمان ، كنت على الدوام ضيفة ثقيلة عليكم ، أقرب للخادمة من ابنة الأخ ،تركتني أعمل هنا وهناك لأحصل على المال من أجل استكمال دراستي، بينما أنتم كنتم تنفقون ومالي هنا وهناك.
أتعلم كم ليلة بتها جائعة ..؟ بعد أن اخذت عهداً على نفسي ألا أذوق طعاماً من بيتك، بينما أنت كنت تنام بفراشك قرير العين ممتلئ المعدة. أنت جنيت عليّ لدرجة أنك حرمتني من أن تكون بمقام أبي، لتضع يدك بيد زوجي أثناء عقد قراني وتوصيه خيراً بي. لكن رحمة الله كانت أوسع وأكرم منك ، رزقني بالعائلة .. بأم احتوت خوفي وضعفي واطعمتني الأمان والحنان من يديها ،وأخ عوضني وحدتي ويتمي، وعلمني معنى الرضا وتقبل حكم القدر .. وخال أقرب لكونه الأب ،لم ينكر علي حقي وأغناني عنك بوجوده في حياتي، ووقف إلى جواري مؤكداً على أن يجهزني كأي عروس مهما تكلف الأمر .. وحبيب ليس له مثيل في الوجود غسلني من كافة مخاوفي وعقدي وحماني حتى من نفسي ،وعلمني معنى السرور والفرح، كلمتان لم أجد لهما مرادفاً لهما طيلة وجودي في بيتك ..
فمعكم لم أجد سوى الإهانة والقسوة والمعايرة، ومع ذلك فقد فزت في النهاية ، كسبت أخ صالح كضياء رفض أن يكون اليد التي تنتهكني، وأخت كشذى روحها من روحي .. أنا آسفة فالألم الذي سببته لي يا عمي أكبر من قدرتي على السماح "
أسقطت وجد من يدها العقد أمام عمها برفض صريح له فأنبرى ضياء يتوسط لأبيه عندها لكن كامل استوقفه قائلاً :
"لا يا ضياء ..وجد لديها حق بكل كلمة قالتها (ثم توجه لوجد معتذراً ) .. مهما اعتذرت لك فأنا أعلم أنه لن يعوضك عن كم المهانة التي نلتها بسبب تخاذلي عن نجدتك "
استدار كامل بيأس يتقدم بخطواته المتثاقلة منحني الظهر والجبين راحلاً. فالتقت نظرات ضياء الصامتة بها يتوسلها الصفح فتهربت بعينيها تجاه خالتها التي شدت على كفها بلطف تساندها بأي قرار تتخذه ..فتحولت لأكرم تناديه بسكون فهز رأسه بخفه لأعلى وأسفل دليل موافقته على صواب ما يعتمل بقلبها ويراه فوق صفحة وجهها فهمست دون إرادة منها :
"عمي .."
كان نداء خافت التقطته أذن متوسل نادم يهفو لعفو يخفف عن عاتقه ثقل ما يحمله من ذنوب فتوقفت خطواته وأدار رأسه إليها ينتظر قولها فأخبرته بشهقات من دمعها :
" رغم أنك تخليت عني في قوتك، فأنا أمنحك ما سألتني إياه الآن في ضعفك ..سامحتك ..ليس من أجلك في الحقيقة وإنما لأجل شهامة ضياء معي، وبراءة شذى التي لا ذنب لها بشيء ،ولأجل نفسي التي تنفر من أن يبقى بها أي ضغينة ضد أحد وأسأل الله أن يتولاك برحمته "
هز كامل رأسه برضى تلوح منه ابتسامة شاكرة وهو يقول :
"أشكرك ياوجد ..أشكرك يا ابنتي "
اقترب منها ضياء يثني على شجاعتها وطيبة قلبها :
" زاد الله من خصالك الطيبة ياوجد ..أشكرك حقاً ، أبي كان في أشد الحاجة لتلك الكلمة منك "
أجابته وجد بصوت باك :
"وأنا ما فعلتها الا لأرد لك جميلك يا ضياء ، لن أخبرك أن قلبي أصبح صافيا نحو عمي ،لكني ما عدت مفطورة الفؤاد كما كنت من قبل وقد أخذتني به الشفقة رغم أنه لم يفعلها يوماً لي "
نكس ضياء رأسه موافقاً :
" أعلم ياوجد أن ما رأيته على أيدينا لا يعقل ولا يغتفر لكن أبي لم يأتيك إلا لأنه يشعر بفداحة ما ارتكبه بحقك.. فليحفظك الله ويسعد أيامك القادمة ، أستودعك الله وسلام الله عليكم جميعاً "
رد الواقفين السلام على ضياء وهو يلحق بكامل الواقف عند عتبة البيت بانتظار ابنه ليوصله حجرته التي أصبحت سجنه المؤقت حتى ينفذ ما قرر القيام به ...
*************************************
وبعد يومين كان القرار .....
" شادية "
نادها كامل بغموض فالتفتت إليه شادية الجالسة فوق مقعدها أمام طاولة الزينة تزين وجهها استعداداً للخروج كعادتها التي تلازمها من أيام هي ودارين من الظهيرة حتى المساء فسألها عالماً الإجابة مسبقاً رغم ثقته بأنها ستختلق كذبة متقنة :
" لم تخبريني إلى أين تذهبين كل يوم أنت ودارين "
رفعت شادية حاجبها الأيمن بتساؤل ساخر :
"غريبة ..!! أنت لم تسألني يوماً إلى أين أذهب أو من أين جئت ..ما الذي تغير في الأمر الآن ..؟ "
ابتسم كامل بجمود لم تلحظه شادية المنهمكة بتهيئة نفسها للخروج وأخبرها :
" أبداً أنا فقط كنت أريد أن تجلسي معي لبعض الوقت فهناك أمر هام أود أخبارك به "
أجابته شادية بلا اهتمام وهي تزيد من حمرة وجهها :
"لا وقت لدي الآن للحديث حين أعود سنتحدث معاً فيما تريد "
ضيق كامل عينيه وهو يخبرها :
"حتى لو أخبرتك أنني فكرت جيداً في كلامك في المرة الماضية واقتنعت بأسبابك لرفضك أن تعيدي لي الممتلكات خاصتي، بل وفكرت أن أنقل إليك ملكية الأرض التي كنت قد اشتريتها منذ أسبوعين "
توقفت كف شادية عن التحرك فوق وجهها لتستوعب حديث كامل ثم استدارت إليه تناغشه بفرح أثار قرفه وتتحسس وجنتيه بإغراء لم يجد بداخله أي صدى :
"حقاً يا كامل ..عين العقل ما ستفعله يا حبيبي ..نحن أولى بمالك من البنك ، أنت رجل هذه العائلة وعليك بتأمين مستقبلها ،كنت أعلم أنك ستتفهم موقفي وتعلم أن كل ما أفعله للمصلحة العامة "
وافقها كامل بصلابة :
"بالطبع كنت أعلم .. لذا كنت أريد أن أخذك لأريك مكان الأرض الآن ثم نذهب إلى الشهر الxxxxي لأنقل الملكية لك ولكن يبدو أنك منشغلة اليوم لذا فلنجعلها في يوم آخر"
اندفعت شادية تراضيه قائلة:
"لا بل سنذهب الآن وحالاً ، وما كنت ذاهبة إليه يمكنه الانتظار لأجل عيون حبيبي كامل "
أجابها كامل بابتسامة مقتضبة :
"سأنتظرك في السيارة فلا تتأخري "
قبلته على خده بميوعة وقالت :
"لن أتأخر عليك حبيبي "
تركها كامل متخذاً طريقه لحجرة الصغيرة شذى فوجدها تتلاعب بصفحات كتابها المدرسي بملل فجلس إلى جوارها يحدثها بلطف :
"لماذا لم تذهبي إلى مدرستك اليوم ؟"
أجابته شذى بابتسامة بريئة :
"لقد انتهينا من دراسة المناهج المدرسية وبدأنا في الاستعداد للامتحانات المدرسية التي ستبدأ نهاية هذا الشهر فلم نعد بحاجة للذهاب إلى المدرسة يا أبي "
رلت كامل على رأسها بحنو حتى طفرت الدموع من عينيه وهو يخبرها :
"شذى أريدك أن تسامحيني لأني لم أهتم بك جيداً ولم أكن متواجداً من أجلك طيلة الوقت .. وأريدك أن تعدينني أن تكوني فتاة طيبة ناجحة طيلة حياتك لا أريدك أن تكوني كدارين أو كأمك ، أعلم أنك تربية وجد وتتخذيها مثلك الأعلى فكوني مثلها ،قريبة منها ،وتشربي منها خصالها، ودوما أمشي في ظل أخيك إنه سندك وظهرك وصديقك الوفي مهما تقلبت عليك الأقدار وكوني قوية بعلمك وأخلاقك وقربك من الله ، وأنا متأكد أنك ستكونين بهجة للعين والقلب حين تكبرين .. اتفقنا يا صغيرتي "
تأملته شذى لدقيقة لا تصدق أن هذا المتحدث هو أبوها الذي كان رمز جامد في حياتها لا أكثر منذ وعت على الدنيا ،وفقط في هذه اللحظات اكتشفت كم هو طيب ويمكنها أن تحدثه كالأطفال الطبيعيين حين يحدثون أباءهم ،فهزت رأسها واعدة بفرح كبير :
"نعم يا أبي أعدك أن أفعل ما في وسعي لأجعلك تفخر بي "
قبل كامل غرتها بحب وضمها لصدره بحزن قائلاً :
"فليرعاك الله ويحفظك .. ادع لأبيك دوماً بالرحمة والمغفرة يا شذى وتذكري جيداً أنه أحبك كثيراً "
رفعت شذى رأسها إليه باستغراب وسألته :
" أبي..."
قاطعها كامل بهدوء :
"لا تسألي .. هيا عودي لمذاكراتك أريدك أن تكوني من المتفوقين ككل عام"
تركها كامل ونهض مغادراً تشيعه نظرات شذى مستغربة طريقته الجديدة واللطيفة معها متمنية أن يظل هكذا على الدوام معها فهي تكتشف أبيها كما لم تعرفه في حياتها ..
انتظر كامل في سيارته يتأمل الفراغ أمامه بصمت وسكينة رغم الصراع القائم بعقله حد الانفجار ..فكل خلاياه الحسية تشبعت بالبرود والسواد من طعنة شادية الغادرة له ، كلاهما يستحق ما سيفعله ...
جاورته شادية في السيارة بابتسامة ناعمة
رائقة لا تظهر إلا في أكثر حالاتها سعادةً .. أدار كامل سيارته وانطلق بصمت حتى وصل إلى الطريق السريع فسألها :
" شادية إلى أي مدى تحبيني ..؟"
اجابته بادعاء متقن :
" أتسألني بعد كل تلك السنوات يا كامل .. أنا أحبك كثيراً يا حبيبي "
التفت كامل إليها سائلاً بثبات ويداه تتمسكان بمقود السيارة بقوة :
" هل تحبيني لدرجة أن تموتي معي ..؟ "
بهتت شادية من سؤاله حتى تعرقت واندفعت تجيبه بارتباك :
"ما هذا الذي تقوله يا كامل ..؟ وما معنى سؤالك هذا ..؟ "
أجابها كامل ببساطة وعيناه لا تتحولان عن الطريق أمامه :
" سؤالي واضح ..هل تحبينني لدرجة أن تتركي كل مباهج الحياة وتموتين معي ؟"
شحبت شادية وهي تحاول أن تجيبه بمنطقية وبنفس الوقت يكون ردها مرضيا :
"ما الذي يحدث لك اليوم يا كامل ..؟ ولماذا تتحدث عن الموت هكذا..!؟ أرجوك كف عن هذا الحديث العمر الطويل لك ، أنا أخاف من فكرة الموت هذه "
هز كامل رأسه هازئاً لاوياً فمه بابتسامة هازئة وهو يقول :
" أعلم أنك تخافين الموت يا شادية ، طوال معرفتي بك وأنت تخشين الاعتراف بعمرك الحقيقي وبحقيقة تقدمك بالسن أو الاصابة بأي بمرض ، وتهتمين بصحتك حد الهوس ، ولا يهمك في الحياة سوى أمر واحد وهو شخص شادية ،لا مشكلة أبداً على من تدوسين بقدميك في سبيل أن تعيش شادية وتسعد شادية وتنول شادية ما تبتغي ..(زاد كامل من سرعة السيارة دون أن يشغل باله بزمجرة شادية الغاضبة أو نظراتها الحانقة وهو يواصل ).. حتى لو كان ذلك على حسابي أنا ،كامل الطائع لك ، الصامت على كل أفعالك وشرورك ، من منحك من الحب والعز والمغفرة مالم يستطع رجل منحك إياهم "
تمسكت شادية بجانب كرسيها يكاد قلبها يهوي من حديثه الغير المعتاد بقسوته وسرعة السيارة الشديدة ورغم ذلك صاحت به ومازالت في غيها وتبجحها :
"كيف تتحدث معي هكذا يا كامل ، تعايرني الآن بما فعلته لي ، أتظن نفسك ذلك الرجل المعطاء المظلوم ، نسيت الآن كم تحملت معك فقرك وبؤس حياتك ورضيت بك وأنا كنت الأميرة التي يتلهف عليها الرجال ويطلبون ودها "
ضحك كامل منها بمقت ساخراً :
"أمازلت تصدقين تلك الأكذوبة التي لم ينفك لسانك عن ترديدها ، أي رجل هذا الذي كان سيبتغيك بعد ما فعلتيه بأمك وأختك ، أنت أكثر إنسانة حاقدة رأيتها في حياتي ،سلبت خطيب أختك منها كي تنتقمي منها لأن خطيبك نجا بجلده منك وتركك وعرف الفرق بين صاحبة المعدن الطيب وصاحبة النفس القاتمة المنقوعة بالشر ، طردت أمك من بيتها عقاباً لها لوقوفها بجوار أحلام واستوليت على ورث الجميع ، حتى ابنة أخي لم تسلم منك ومنذ جاءت إلينا وأنت حولت حياتها جحيماً بدءاً من دخولها مصحة الأمراض العقلية وحتى اتهامها بالسرقة وتخلينا عنها والله أعلم بما قد فعلته غير ذلك .. ورغم كل هذا تقبلتك ولم أشتكي يوماً من تجبرك أو تكبرك عليّ لأني كنت كالأبله، أحببتك وغضضت بصري عن كل ما تقومين به لتسير مركب الحياة بنا بأمان وتركت لك الدفة لتقودينا جميعاً وتكون كلمتك هي الأولى فماذا كان جزائي"
ضربت شادية فوق تابلو السيارة بتوتر وجنون وهي تصيح به بأعلى صوتها :
"أوقف هذه السيارة حالاً .. أوقفها أيها المعتوه ستفتلنا "
نظر إليها كامل بغل دفين وعيون يحرقها
السخط ليخبرها وقدمه تضغط على دواسة البنزين أكثر لتزيد من السرعة أكثر :
"كان جزائي أن خسرت كل شيء ، لقد اخطأت وسرقت حقوق اليتيمة وبنيت ثروتي على انقاض أناس آخرين ، رشوت وارتشيت وملأت جيوبي من الحرام لألبي لك كل ما تطمحين إليه ،لأجل أن تكوني كما تريدين سيدة راقية دون أن انتبه إلى أصلك الخسيس وأنك وقت الجد ستتخلين عني ، وتستحوذين على ما هو لي ،تنكرين عليّ حقي ، تعتقدين أنني ذلك الأبله ولن أعلم بأنك تخرجين كل يوم أنت وابنتك من أجل تجهيز اجراءات السفر للخارج بعد أن تتممي بيع كل شيء مكتوب باسمك وتطلبين الطلاق مني. الآن كامل لم يعد له أهمية في حياتك ..خيال المأتة خاصتك، دوره انتهى من حياتك وحان وقت إلقائه جانباً واستكمال طريقك وحدك. ولكن لا لن أذهب وحدي للجحيم يا زوجتي العزيزة لقد عشنا معاً وسنموت معاً والآن "
صرخت شادية وكامل يلتف بالسيارة في منعطف جانبي بأقصى سرعة للسيارة وحاولت أن تهدأ من شرارات الاحتدام المتطايرة من صوته وتهديده لها والذي لا تعلم إن كانت تصدقه أم لا فأخبرته بصوت مهتز خائف :
" كامل ما الذي يحدث لك حبيبي ..أرجوك اهدأ وأعدك أن أفعل كل ما يرضيك ، ستقتلنا
بهذه السرعة المجنونة "
لكن حديثها لم يلقى أية استجابة لديه واستمر على سرعته فناشدته بتوسل وهي تجاهد لفتح الباب المجاور لها لكنه كان يتحكم بغلق كافة أبواب السيارة ولا يبدو عليه أي نية للتراجع.
فهجمت عليه تكيل إليه الضربات علي وجهه ويده الممسكة بالمقود باهتياج شديد وحياتها تتراقص على المحك، حتى خدشت بشرته وبدأت الدماء تسيل فأزاحها عنه بحدة ونقمة حتى ارتطم رأسها بزجاج النافذة ليخبرها بصوت يقطر وغر وكمد :
"كف عن مقاومة مصيرك الحتمي يا شيطانتي،
أنا وأنت لا نستحق أن نعيش وقد ظلمنا الكثيرين بلا أي وجه حق وأولهم أنفسنا ، نحن وباء وموتنا راحة للجميع بمن فيهم أولادنا "
توسلته شادية بدموع عينيها وصوتها الذائب داخل رعبها من حقيقة ان تواجه الموت على يد كامل الذي ظنته لن يقوى يوماً على أذيتها :
" كامل أتوسلك يا كامل أن تتوقف ، أنا شادية حبيبتك التي لن تأذيها مطلقاً ، أنت تحبني ولن يقوى قلبك على التسبب في إنهاء حياتي بهذه الصورة البشعة ، فقط توقف ودعنا نعود ادراجنا وأعدك أنني سأعيد لك كل قرش أخذته منك ،لا أريد شيئا منك ..أرجوك أتوسل إليك أن تتراجع عما ستفعله ولو أردت سأقبل كفيك وحتى قدميك ولكن توقف ..لا أريد الموت ..لا أريد الموت "
التفت إليها كامل يجيبها بحرقة رجل فقد كل احترامه لها ولنفسه وخاب أمله فيمن ظن أنها روحه فباعته بأبخس الأثمان :
" حتى لو أردت أن أوقفها يا شادية فلن تفعل ، لقد نزعت الفرامل ولن يوقفها شيء البتة لا بكاؤك ولا توسلاتك ولا حتى إرادتي ..مصيرنا قائم ولا تراجع عنه "
كان صراخ شادية يملأ فراغ السيارة ومحاولاتها اللاعقلانية لفتح الباب تبوء بالفشل :
" أيها الحقير المجنون ..أنا أكرهك ..أكرهك ..لا أريد الموت .. لا أريد الموت"
اقتربت السيارة من حافه الجبل فأسرع كامل بتصميم في حين وصلت شادية لحالة من الجنون والثورة جعلتها تهوي بقبضتها فوق زجاج النافذة تحاول كسرها لعلها تنفذ بحياتها منه ويكون مخرج لجسدها بأي طريقة ،فطن كامل لها فشدها بعنف من ملابسها حتى تمزقت ، لكن شادية لم تتوانى عن ضرب النافذة بكوعها حتى تشقق الزجاج ، تمسك كامل بذراعها وأخبرها بتهور :
"لن أتركك تهربين يا شادية ..كلانا سيموت معاً ..أنا وأنت نهايتنا معاً لا محالة ، لن أدعك تستمتعين بحياتك ومالي، بينما اتعفن أنا في السجن وحدي "
"لن أموووووووت .. أنا لم أكتفي من الحياة بعد ..شادية لا تموت بهذه الطريقة البشعة ، اتركني "
أجابته شادية بعويل حاد لم يحرك ساكناً داخل كامل الذي لمعت عيناه ليصيح بخبل ولوثة بينما السيارة تندفع سريعاً من أعلى حافة الجبل لتسقط في هاوية الجرف السحيق :
" أراك في جهنم يا زوجتي العزيزة "
صراخ مفجوع ملأ فضاء الوادي والسيارة تهوي للقاع تضم بين جوانبها روحين بغيا وعاثا في الأرض فساداً فكانا نقمة على انفسهم قبل الأخرين ..
فكانت العاقبة أشد بخساً وسلطت على المتجبرة عقولهم ، إحداهما هيمنت وطغت بتسلط واستبداد ونفرت من الأخرى حين نهشها ظلم ما اقترفته أيديهم فكان الانتقام الأسود خير نهاية وجزاء ..
ارتطمت السيارة بعنف شديد بالصخور البارزة لتنقلب على جنبها تارة وسطحها تارة أخرى حتى رسا بها الحال بين صخرتين كبيرتين ،فرفع كامل جفنيه الثقيلين يرنو لجسد شادية الهامد وجهها الملوث بدمائها ثم مد يديه بضعف شديد وأنفاسه الأخيرة تتهادى خروجاً من رئتيه ليمسك بكفها المرتعد والمغطى بالدماء يلقي عليها النظرة الأخيرة قبل أن تنفجر بهم السيارة محدثة دوياً كبيراً أهتزت له جوانب الوادي وتصاعد دخان احتراق معدن السيارة بأصحابها عالياً في السماء يعلن أن لكل ظالم نهاية ولكل مستبد حساب ....
*************************************
بعد خمسة أشهر
خرجت وجد من حرم الجامعة تتنفس الصعداء بعد انتهائها من اجتياز آخر اختبار لها في هذا العام الدراسي وبهذا تكون قد ختمت مسارها الدراسي بكلية الصيدلة لتبدأ مشوار آخر نحو الدراسات العليا حتى حصولها على الدكتوراه ، حلمها الأكبر وحلم والديها ..
غادرت مسرعة من بوابة الجامعة تكاد تطوي الطريق بسيارتها للوصول إلى بيتها، فاليوم يوم سعدها بوصول حبيبها نديم من سفرته الأخيرة، وكلها بضعة أيام ويتم الزفاف، فلقد انتهوا من تأسيس الدور الثاني وفتح غرفة نديم والغرفة المجاورة لها معاً لتصبح واسعة بما يكفي، وتمنحهما مساحة كافية للتحرك فيها والشعور بالخصوصية كزوجين.
وبدأت في فرشها بما طاب لها وأعجبها من أثاث ومفروشات عصرية واختارت الألوان المحببة لها لتلون جدرانها كما طلب منها نديم ، فقد أخبرها أن تلك الغرفة ستكون مملكتها الخاصة، ومقصدها للراحة سواء بوجوده أو عدمه، لذا فهي وحدها من ستصممها بروحها ورؤيتها الشخصية ولا يسمح لأحد بالتدخل او فرض رأيه عليها حتى هو ، الكل كان يشجعها على اختيار ما تشاء حتى خالها لم يبخل عليها بشيء لتجهيزها ورفض رفضا تاماّ أن تمس أي من الأموال التي أوصى بها لها عمها بعد تلك الحادثة التي أودت بحياته وزوجته ...
عادت وجد بذاكرتها لتلك الليلة المشؤمة حين علا العويل والصراخ من منزل عمها ليلاً على إثر هذا الخبر بعد أن وجدت الشرطة سيارته بأسفل الوادي متفحمة بمن فيها .. مات عمها ورحل واضعاً ختم النهاية للكثير من المشكلات والأزمات التي كان تعتصره وتقربه من سجن محقق ،مات وترك وصيته مع محاميه الخاص يوصي لها بمبلغ كبير من المال بالإضافة إلى شقة والديها ،ووصاية شذى لضياء ، وانقلبت الأمور من حال إلى حال فبعد توزيع الميراث هربت دارين من المنزل ، ولا أحد يعلم عنها خبراً أو يعرف لها مكاناً ،اختفت كأن الارض انشقت وابتلعتها خاصة وقد تركت خطاب فوق فراشها تطلب فيه من ضياء ان ينساها ولا يبحث عنها ابدا لأنها لن تعود اليه يوما وستعيش حياتها كما ترغبها هي وليس كما يريدها هو ، وكثرت الأقاويل والشائعات عنها حتي ما عاد ضياء يطيق المكوث في الحي فعرض المنزل للبيع بعد موافقتها، وبعد البيع أخذ شذى ورحل إلى منزل جديد مجاور لخالته وجدته لأمه.
شخصيتان انبثقتا في حياة شذى وضياء من العدم لكنهما كانتا خير سند وعون له في أزمته حتى استطاع الوصول بنفسه وأخته لبر الأمان ،فالكثير من الإشارات والدلائل توضح أن الحادثة لم تكن قضاء وقدر وإنما بفعل فاعل فالبعض تحدث عن كون شركائه في قضية الفساد من قرروا التخلص منه حتى لا يأتي على ذكر اسمائهم، وآخرزن رجحوا كفة أن يكون هو نفسه من قام بالانتحار خوفاً من الإفلاس وعقوبة السجن .. لا أحد يعلم ما الحقيقة، فالحادثة كانت نواتجها كريهة وخاصة على شذى التي عانت بعد وفاة والديها سواء من حزنها عليهم وقد أخذهم الموت منها دفعة واحدة أو من حالة الاكتئاب بسبب محاورة كامل معها مباشرة قبل موته ، فالصغيرة لم تكن تكف عن البكاء حزناً على والدها متأثرة بكلماته وطلبه بمسامحته و الدعاء له بالمغفرة ، حتى هي حزنت عليه بشدة رغم استيائها القديم منه وظلت طيلة المأتم تدعو لها بالمغفرة وتترحم عليه، لكنها لم تستطع بداخلها مسامحة شادية على ما سببته لها من معاناة وكمد وكسر خاطر طيلة مكوثها معهم ، والعجيب بالأمر أن لا أحد سواء كان من الأقارب أو الجيران هاله موت شادية أو أثر به ،كما كان الحال مع كامل .. دارين نفسها أثناء الجنازة كانت صامته ،جامدة ، جافة الجفون لم تسقط دمعة واحدة على أي من والديها ، أغلقت عليها طيلة أيام العزاء باب غرفتها ولم تتقبل العزاء من أحد ، لم تظهر سوي في اليوم الذي اجتمعوا فيه من أجل قراءة الوصية التي فاجأهم بها محامي عمها وأخبرهم أنه كتبها قبل ثلاثة أيام فقط من موته ، وأرفق بها خطاب خاص لضياء لم يعرف فحواه أحد غيره ، وبعد انتهائهم من الإجراءات الخاصة بتقسيم ميراثهم من شادية والذي كان لغرابة الأمر أكبر من ممتلكات عمها شخصياً وتسلمهم حقوقهم خرجت دارين من المنزل يومها ولم تعد حتى الآن ...
رنة إشعار رسالة جديدة أخرجت وجد من أفكارها فالتقطت هاتفها بيدها اليمنى وثبتت الأخرى فوق مقود السيارة لتفتح الرسالة الواردة من أكرم :
"لقد وصل حبيب القلب "
ابتسمت وجد فرحة ثم توقفت بالقرب من محل للزهور وخرجت من سيارتها تأسر عينيها إحدى باقات الورود الحمراء لتعود بها بعد قليل .. لقد اشتاقت إليه كثيراً شوق بحجم السماء والأرض، وتكاد تلتهم الطريق بسيارتها لتلتقي بنديم، لولا تحذيراته التي انطلقت بعقلها لتلزم بالسرعة المطلوبة ولا تتعداها ..
هرعت وجد من السيارة نحو المنزل بمجرد وصولها وهي تتعلق بورودها وأخذت تناديه بشوق :
"نديم ..نديم .."
لم تجد صدى لندائها فصعدت بتلهف لغرفة خالتها تطرق بابها بلا صبر فأجابتها سومة لتدخل لكنها وجدتها وحيدة فسألتها بخيبة امل :
"أين نديم خالتي ..؟ "
أجابتها سومة باستغراب :
"نديم !.. هل وصل ؟"
تهاوت وجد على طرف الفراش بحزن وهي تردد :
" ألم يصل !!.. هل كان مقلباً من أكرم "
طيبت سومه بخاطرها قائلة :
" لا تحزني ربما يكون قد وصل للميناء وهو في طريقه إلينا الآن "
تمتمت وجد :
"ربما خالتي ..ربما .. اتمنى أن يأتي سريعاً لقد
اشتقت إليه كثيراً ، لا أصدق أنني سأراه بعد كل هذه المدة الطويلة (مسدت صدرها بتنهيدة طويلة وقالت ) قلبي يكاد يشق ضلوعي تلهفاً للقياه "
"وأنا أكثر منك اشتياقاً ياوجد القلب " اجابها نديم بتوق شديد فهبت وجد من مكانها واقفة وهى تصرخ بسرور :
"نديم .. أنت هنا !!"
"نعم هنا ياعشق نديم ومهجة قلبه لكني أردت ان اسمع منك هذه الكلمات قبل ان ترينني" أقترب منها هامساً فانفرجت ابتسامتها بخجل وغضت بصرها عنه للأرض حرجاً وخوفاً من أن تلقي بنفسها بين ذراعيه من شده الشوق فتشبثت بباقة الزهور ليلتقطها منها مداعباً :
"هل جلبت لي الزهور ؟"
هزت وجد رأسها موافقة وحمرة خديها تشتعلان حياء فغازلها قائلاً:
"انها ذابلة رغم لونها القاني أمام جمالك وردتي "
"احم احم ..نحن هنا أيها العاشقان فالتزما الأدب حتى موعد الزفاف "
قاطعهم أكرم بلؤم فتجاهله نديم قائلاً بخبث:
"لا تلقي له بالاً كلها بضعة أيام ويتم الزفاف وبعدها لن يكون لأحد كلمة علينا "
أجابته سومة بحنان :
" تمم الله لكما على خير ، لا أصدق أني سأراك أخيراً عريساً تضم بين كفيك يد زوجتك ..ومن تكون !! ابنة سوسن .. ليسعدكما الله ويجعل أيامكم كلها بركة وهناء "
اقتربا نديم ووجد من سومة فانحنى نديم يقبل رأسها في حين استندت وجد فوق ذراع مقعدها لتقبل كفها وهي تخبرها :
"ليبارك لنا الله بعمرك خالتي ، ولا يحرمنا من وجودك أنت وأكرم أبداً. كنتما خير عوض لي
منذ دخلت بيتكما "
"وأنا أين أكون ،هل سقطت من تلك العائلة ام ماذا ..؟ " سألها نديم بخبث وهو يلكز كتفها بكتفه بمناغشة فأجابته ببحة هامسة خطفت لبه :
" انت روح الفؤاد وترياق القلب "
فأجابها بتنهيدة طويلة :
"صبرني يا رب حتى لا أجن قبل الزفاف "
دفنت وجد رأسها بكتف خالتها التي ربتت على كفها وأخبرتها بمحبة :
" ليبعد الله عنكما عين الحسود ويتمم فرحتكما على خير ففرحتي بكما لا توصف وكأني لا أزوج ابني فقط بل أزوج ابنتي أيضا. فرحتي بكما فرحتين فلو كنت أنجبت فتاة من رحمي لم اكن لأحبها بقدر ما أحبك يا وجد فمحبتك من قدر محبتي لأمك وسوسن كانت قطعة من روحي ، لقد أكرمني الله بلقياك لتنيري حياتنا وحياة نديم بوجودك وحبك "
رفرفت جفون وجد تحاول كبح دموعها متأثرة بحديث خالتها وهو تجيبها مقبلة راسها :
" خالتي ..ماذا أقول لأرد لك حلاوة قولك أو عظم جميلك معي منذ اليوم الأول من معرفتي بك ، لا شيء في الدنيا قد يوازي عطفك علي ّوحنيتك واحتوائك لي ، أشعر ان الله رد لي أمي بشخصك ، أنها عادت لي في كل مرة انظر بها لعينيك ، لا حرمني الله منك يوماً ولا أراني فيك مكروه "
أجابتها سومه تطلب وعدها :
"عديني أن تحافظي على هذا المنزل من بعدي ، وأن تلمي شمل الأخين على الدوام وتحاربي أي ظروف قد تزرع بينهم الشقاق ، أن تكوني الأم والأخت لأكرم، والزوجة والونس لنديم واجعلي بابك مفتوح لياسمه تلك الفتاة تشربت منا وليس من أهلها فلا ترديها يوماً أو تعبسي بوجهها "
ردت وجد بلا تفكير واعدة:
" أعدك يا خالتي وأطال الله بعمرك ولا حرم بيتك من بركة وجودك به "
تدخل أكرم مدعياً نفاذ الصبر لينهي ذلك الحديث الذي يبعث الدمع للعين :
" أنا جائع يا بشر .. دعونا نأكل الآن وبعدها سنجلس جميعا ونروي الأشعار في بعضنا البعض ونتبادل الوعود أيضاً ....وبالمناسبة لقد دعوت بيرلا على زفافكما وقبلت ، ستأتي خلال يومين ، وإن حاول أي منكم أن يستغل الأمر للمزاح فسأخرج عليه كل توتري ولن يسلم مني فابقوا ألسنتكم داخل أفواهكم "
أجابته وجد ببراءة :
"وهل تفوه أحد منا بكلمة ..بالعكس ياكراملة نحن في شوق كبير لرؤيتها "
كز أكرم على أسنانه من إغاظتها له بكلمة التدليل الخاصة ببيرلا له وقال بحنق :
"وهي أكثر منكم شوقاً لرؤيتكم يا خفيفة الدم .. وليس مسموحا لك بتدليلي حتى لا أضعك برأسي ياوجد واجعل اليومين الباقين لك في حياة العزوبية باللون الكحلي ..هل فهمت ؟"
نظرت وجد لنديم المبتسم علي جدال أخيه العصبي مقدراً مدى توتره لقرب ملاقاته لصديقته وأخبرته مدعية الجدية وهي تغطي فمها بكفها حتى لا تنفجر ضاحكة :
"لا لا داع لذلك سأكون محترمة ولن أقول شيئاً يغضبك "
رفع أكرم رأسه عالياً يواجهها بعينين ضيقتين مهدداً ثم انصرف خارجاً وهو يخبرهم :
" سأطلب من سنية أن تحضر الغداء فلا تتأخروا "
زفر نديم أنفاسه ضاحكاً إثر خروج أخيه وقال :
" يبدو أن أكرم متوتر جداً من مجيء بيرلا إلى هنا "
أجابته سومه بقلق:
" ما يقلقني حقاً أنه متعلق بها كثيراً .. وأصبحت تشغل حيزاً كبيراً في حياته .. أخاف أن تمل من هذه الصداقة يوماً وتبتعد عنه فتؤذي بذلك نفستيه "
أجابها نديم بحكمة :
" اعتقد ان أكرم يعلم جيداً حدود تلك العلاقة بينه وبينها ولن يعرض نفسه لذلك الحزن ،كما أن الفتاة كما حكى لي عنها لا تستغني عن وجوده في حياتها وتستشيره في كل صغيرة وكبيرة ، إنها المستفيدة الأكبر بهذه الصداقة ، فأكرم رجل عاقل وذو نظرة ثاقبة في الناس وفخر كبير لأي شخص أن يتخذه صديقاً "
أخبرته سومه بما يعتمل بصدرها :
"ماذا لو كانت المشاعر من جهة أخيك أكبر مما تحمله مشاعر الصداقة ، ماذا لو كان يحبها "
أحابها نديم بهدوء يحاول التخفيف من قلقها :
" حتى وإن كان يا حب السمسم ، الحب شيء لا إرادي ، لا أحد فينا بقادر على ردعه أو رفضه ، وقد تحدثت معه بهذا مرة من قبل واخبرني بمنتهى الوضوح أن وجود بيرلا في حياته انتشله من الكثير من النواقص التي كان يشعر بها كرجل وأن كل ما يبتغيه معها أن يشعر بقيمة وجوده في حياة أحدهم، ولا يعشم نفسه بالكثير معها فهو أعلم بظروفه وإمكانياته ، لكنه في النهاية سعيد وهذا ما يهمنا الآن ، لا داعي للتخوف من أمور بعلم الغيب .. أكرم رجل بالغ ونحن لن نحاوطه بمحبتنا وخوفنا عليه حد الاختناق أتركيه ليفعل ما يشاء ، المهم أننا سنكون دوماً وأبداً إلى جواره متى ما احتاجنا أو قست عليه الدنيا .."
تنهدت وجد ولسان حالها يتلو دعوات صادقة لأجل أكرم في حين اجابت سومة بنبرات أمومية فواحة بالمحبة والجزع على ابنها الذي سيبقى دوماً صغيرها مهما تقدم به العمر :
"أسأل الله أن يطمئن قلبي عليه ..وإن كانت بيرلا تلك تحمل شراً له يبعدها عنه "
ردد كل من نديم ووجد بعدها :
"اللهم امين "
نهضت سومة من مكانها تقول بغمزة:
"سأذهب لأرى إن كانت سنية انتهت من تحضير الطعام "
اعتدلت وجد على الفور تقول :
"سآتي معك خالتي "
استوقفها نديم يشدها من ذراعها وهو يقول :
" انتظري قليلاً يا وجد فأنا أرغب في أن أحدثك بأمر ما "
قوست وجد حاجبيها بجهل وقالت :
" حقا !!.. ما الأمر ؟"
كتمت سومة بصعوبة قهقهة عالية تكاد تهرب منها وهي تغادر الغرفة على موقف ابنها المتلهف ووجد الجاهلة بنواياه العشقية لها ...
ادار نديم وجد لتقابله وجه لوجه وهو يؤنبها بهمس عطش :
" تريدين الفرار "
تهربت وجد من ملاقاة عينيه قائلة بخجل :
"ولماذا سأفر منك.!؟ "
أجابها بأنفاس حارة :
"كي لا تستقبليني كما يجب على المحبوبة أن ترحب بحبيبها ولتحمدي الله أني لم آتي إليك في الجامعة فلو أني طاوعت نفسي لكنت أحدثت فضيحة مدوية امام حرم الجامعة وأنا أقبلك أمام الناس علانية "
أغمضت وجد جفنيها تهرباً من حرارة نظراته إليها ثم فتحتها لتخبره بدلال :
" يالك من طماع ..ألم استقبلك منذ قليل بالورود "
رد نديم مقرباً رأسه منها :
" لكن عطر الورود لا يضاهي أبداً عطر أنفاسك فوق فمي "
اشتعل وجه وجد بحمرة لاهبة كلون حبات الكرز الاحمر، وهي تلوك شفتها السفلية بين أسنانها غير قادرة على الرد على كلماته الجريئة .. وبدأت بفرك كفيها ببعضهما من شدة ما يتدفق بصدرها من مشاعر تترقب خطوته التالية..
رفع نديم ذقنها برقة لتقابله ثم انحنى إليها يقبل جانب فمها بنعومة ..حركة بسيطة لا تذكر بين سطور أفعال العاشقين أسالت دمائها كالماء الحار بأوصالها فترنحت بوقفتها وتشبثت بكتفيه تواجه عمق قبلته التالية فوق ثغرها شاعرة بأمان احتوائه لها وفيض شوقه إليها الذي تترجمه لمسات أنامله فوق ظهرها وضمته القوية لها فوق صدره حتى شعرت به يكاد يبتلع منها أنفاسها وأناتها ..
افترق عنها لاهثاً ليعطيها الفرصة لتجديد الهواء برئتيها الفارغة ويخبرها بضياع عاشق تمرغ عقله في ضجيج هواه :
"يا الله ..كم كنت مشتاقاً إليك ..وكم كنت تائهاً وأخيرا بلقياك رسوت .. وكأنك أرضي التي جبت بلدان العالم كلها من أجل الوصول إليك.. أربعة ايام وثلاث ليال سأنتظر مرورهم وتصبحين ملكي للأبد وأبثك وهيج عواطفي كما أشاء، بحريتي ، بطريقتي وفي أي وقت وفي أي مكان .. "
ترجته وجد باستحياء شديد وكفيها يرتجفان فوق كتفيه :
" أتوسل إليك يا نديم خفف من حديثك اللاهب هذا فمالي طاقة به ولا قدرة على الرد عليه الآن .. أرجوك .. أشعر وكأني تائهة معقودة اللسان ،لا أجد بين حروف الكلام ما يوازي سحر حديثك فلا تخجلني أكثر من ذلك "
قبل نديم طرف أنفها بلمسة كالريشة قائلاً
امام ثغرها :
" امرك سيدة قلبي ..رغم قسوة طلبك لكني سأجيبه حتى يغلق علينا باب واحد ، بعدها سأكون حراً بالتغزل بك كيفما أشاء "
همست وهي تتراجع عنه :
" وأنا أكثر تلهفاً منك لذلك اليوم حتى أشعر اني أصبحت مكتملة أخيراً بك "
أمرها نديم باتقاد :
"إذن فلتهربي "
"ماذا ..؟!!"
سألته وجد باستغراب فأجابها بسرعة :
" أهربي ..قبل أن أتراجع عن كل ما وعدتك به وأتمم الزواج الآن ، فما عاد بي صبر ولا بات قلبي يتحمل بعد ما قلتهِ الآن "
عضت وجد على شفتيها بارتباك ومرت من أمامه هاربة فشدها إليه للمرة الأخيرة فارضاً على ثغرها قبلة أخيرة يخمد بها أجيج الغرام بفؤاده قبل أن يتركها لحال سبيلها موضحاً :
" تصبيرة أخيرة حتى الليلة الموعودة يا وردتي "
انطلقت وجد إلى غرفتها ترش وجهها بالماء البارد حتى تهدأ اشتعال خديها وابتسامتها لا تخبو فوق شفتيها الحامدة لجمال وعظيم عطية الرحمن لها، والمتمثلة بنديم بعد الشقاء والكرب الذي كانت تعيش فيه فمن كان يصدق أنها وجد الجامدة المشاعر الغارقة بأحزانها يكون لها حبيب وزوج بمثل هذه الروعة والرومانسية ..
*************************************
التقط حمزة قطعة تفاح من طبقه ليقربها من فم لمياء الجالسة أمامه تسند رأسها على كفها وتتأمله بصمت منذ أكثر من نصف ساعة وهو يشاهد مباراة كرة القدم لفريقه المفضل ..فتحت فمها تقضم قطعة التفاح بين أسنانها وتمضغها بتلذذ وهى تهمس :
" لذيذة لأنها من يدك "
ابتسم لها بجاذبية ساحرة مازلت حتى بعد مرور أشهر من الزواج ينتفض لها قلبها بجنون وتأسر فؤادها بوله لا يصدق فهمست بولع :
" أعشق ابتسامك حمزة ..ولو استطعت لكنت منعتك من الابتسام أمام أي أنثى غيري حتى لا تسحر بها مثلي "
قرب حمزة رأسه منها ودس أنامله بين خصلاتها يدنيها منه يتمتم :
" بل أنا المسحور بك وكأنك القيت فوق قلبي بكل تعويذات الهوى فأصبحت هائماً بين دروب عشقك بلا ملجأ سوى دفء أحضانك "
دس بقية التفاحة بفمها ثم انكب فوق ثغرها يلتهم معها ما تبقى منها يتنعم بطعم التفاح فوق لسانه ومذاق الشهد القابع فوق شفتيها مشتهياً طراوة بشرتها تحت كفه الحر وهو يتلمسها بشغف من تحت قماش بيجامتها متناسياً كل ما يتعلق بالمباراة فافترقت عنه بخفه تراوغه :
" ألا تريد مشاهدة المباراة .. ستفوتك الدقائق الأخيرة بها وتظل تلومني بعدها ككل مرة "
زفر حمزة أنفاسه بضيق وهو يخبرها بعيون لامعة راغبة :
" وسأظل ألومك من الآن فكيف لي أن أتحمل أن تجاوريني بتلك الهيئة القاتلة وتطلبين مني التركيز بالمباراة وترك كل هذا الأغراء لأجلس جامداً .. أتعلمين أفكر جدياً بإصدار فرمان منذ الغد بعدم جلوسك معي أثناء مباريات كرة القدم أو سأشاهدها في المطعم وأريح عقلي من هذا التشتت وسأجعلها ليلة رجالية وسألصق على باب المطعم ممنوع دخول النساء "
ضحكت لمياء وهي تتحرك من مكانها لتعتليه في جلسته وكفيها يمسدان صدره النابض بإغواء تستثيره بقبلات خفيفة فوق رقبته وهي تهمس بدلال :
" وهل ستشعر بالإثارة التي تشعرها وأنت تشاهد المباريات معي ..هل ستجد بالمطعم من يهنئك على فوز فريقك بطريقتي أو يخفف عنك حزن الخسارة أمام الفريق الآخر كما أفعل أنا "
تسارعت أنفاس حمزة باستجابة قوية لها وهو يهز رأسه نافياً فلم يشعر بنفسه إلا وهو يطيح بها من فوق ساقيه لترقد تحت ثقل جسده العضلي فوق الأريكة فقيدت خصره بساقيها تستمع لكلماته وهو يجيبها بحرارة :
"بالطبع لا .. لأن حبيبتي مميزة بكل ما تفعله وتكاد تفقدني ما تبقى لي من تعقل "
رفعت لمياء رأسها تهديه قبلة قوية شاكرة فوق ثغره وهي تتعلق برقبته ثم سألته بصوت مهتز عاطفي :
" حقاً حمزة .. أمازال حبي بقلبك كما هو ..؟ هل مازال يجمعنا نفس العشق الذي بدأنا به حياتنا الزوجية "
رد حمزة بصدق وإخلاص:
"بالطبع لا "
عبست لمياء بوجهه وهمست بصدمة :
"لا ..!"
مرر حمزة سبابته فوق ملامحها المجعدة بغضب وأخبرها بحب شديد :
" نعم ...لأن حبي لك الآن فاق كل حدود ما شعرت به سابقاً ..كل لحظة ..كل ليلة ..وكل يوم يمر عليّ برفقتك يغرس جذورك بأعماقي حتى امتلكت كل إنش بفؤادي "
تلألأت عينا لمياء بالدموع فضمت فمها تكبح نهنهة البكاء من الانطلاق تأثراً بحلاوة كلامه ، فطن حمزة لحالها فانحنى قرب وجهها ينثر قبلات حنونة فوق خديها حتى توقف أمام أذنيها يهدهدها :
" انا أحبك كثيرا يا لومي ..كثيراً ..كثيراً "
أجابته بسؤال تعرف أنه ليس بمحله أبداً في هذا الوقت الخاص لكنها تعبت من كثرة ما
تسأله لنفسها ولا تجد له جواباً :
" إذن لماذا لا تريد أن تنجب مني ..؟ لماذا تأخذ تلك الأقراص التي تمنعك كرجل من الأنجاب ..؟ "
شعرت بهدير قلبه بمجرد أن نطقت بسؤالها صاخب فوق ضلوعها قبل أن يرفع جسده عنها ويعتدل جالساً وقد غير التوتر كل تعبيراته ، لقد حاولت كثيراً أن تلتزم الهدوء والتروي قبل أن تطلب منه تفسير منطقي لتلك الأقراص التي وجدتها في جيب بذلته منذ عشرة أيام واكتشفت دواعي استعمالها ...
إنها تحبه أكثر من الدنيا وما فيها ..تحبه أكثر
من نفسها حتى، لذلك رغم كل ما يفور بداخلها من ثورات حزن وغضب منه ،تخاف أن تظن به الظنون أو تتهمه بأمر ربما وجدت لديه إجابة مقنعة عليه ،لذا اعتدلت تقصر المسافات بينهما متقربة منه وتمسكت بأصابعه المتشنجة تخبره بمنتهى الهدوء رغم انصهار أعصابها :
" حمزة .. لقد وعدتني يوماً أنه مهما حدث بيننا ستجمعنا لغة حوار وتفاهم والأهم الصراحة .. ان كنت تشعر أني لست جديرة بأن أصبح أماً لأولادك، وتشعر بالإحراج لمصارحتي بذلك، فأنا لا يهمني في الدنيا سوى مصلحتك حتى لو كانت على أنقاض زواجنا وعلم اني لن أكون أنانية وسأحلك من أي ارتباط بيننا فلا تشغل بالك بي "
التفت إليها حمزة بحدة وهو يخبرها بأسف صريح وتصميم واضح :
" لمياء ما هذا الذي تقولينه !!! .. أي ارتباط هذا الذي ستحليني منه ..أنا أريدك زوجة لي حتي نهاية العمر.. (صمت قليلا ثم نكس رأسه مواصلاً ) إلا إذا أردت أنت الانفصال بأي وقت وتبينت أنني لست الرجل الجدير بك .. لن انكر عليك حقك بذلك ..أنا آسف حقا لأني خدعتك ولم أخبرك عن حقيقة تلك الأقراص وأعرف أن لا عذر لي فيها لكن أقسم لك أني لم أتناولها لأحرمك من الأنجاب أو لأنك لست جديرة بذلك ..أبداً "
شددت لمياء من ضمة كفيه وسألته بتسول يذيب القلب ودموع فاضت رغماً عنها :
" إذن لماذا تفعل ذلك ؟!.. أخبرني بدافعك وسأصدق أي تبرير منك أتعلم لماذا لأن عقلي وقلبي متحدان معك ..لأني أعلم أنه بالتأكيد سيكون لديك سبب يجعلك تفعل ذلك أليس كذلك حمزة ؟"
تأملها حمزة بنظرات مذنبة متوجعة ثم فك كفيه عن رباط يديها ليشدها لحضنه بقوة بذراع ويضم رأسها لصدره بكفه الآخر وهو يقسم :
" أقسم لك برب العزة أني ما فعلتها إلا حرصاً عليك ..أردت أن أعطيك الفرصة الكافية لتري حقيقة حياتنا معاً وتتيقني إن كنت ترغبين في الاستمرار أم لا .. فوهج العاطفة في بداية أي علاقة تعمي العين عن رؤيه حقائق الأمور ..تجعلنا مغيبين عن استوضاح عمق الواقع لكن بمرور الوقت تتكسر تلك القشرة اللامعة ولا يبقى مع المرء سوى أصل الطرف الآخر بكل عيوبه ومميزاته .. خفت أن يأتي هذا اليوم وتجدي نفسك متورطة معي بأطفال يجبرونك على الاستمرار معي من أجلهم وليس من أجلي .. أنا مرعوب لمياء من خسارتك يوماً ومع ذلك حين يتعلق الأمر بك أتنحى عن أنانيتي في تملكك بطفل وجعلك تعيسة بقية العمر .. رغم عني أشعر طيلة الوقت أني لا استحقك ، أنك أكبر وأطهر من أن تكوني لشخص مثلي "
ضربته لمياء بقبضتها على صدره عدة مرات بكمد ثم تمسكت بقماش قميصه في قبضتها ودست جسدها بحضنه أكثر تكاد تخترق جلده لتنكمش بداخله وهي تجيبه بلوم باك :
" أيها الغبي كيف ترى نفسك بمثل هذا السوء ..أنا لست بملاك ولا أنت بشيطان .. أنت إنسان أخطأ وتاب وأصلح من نفسه وكفر عن ذنبه ، أنت أروع وأشجع رجل رأيته بحياتي ، بدونك كنت انتهيت تحت أقدام رجل لا يرحم ..لقد عشت حياتي كلها ناقصة بلا هوية حتى التقيتك فاكتملت بحبك وأصبحت إنسانة ذات هدف وشخصية ..كيف أثبت لك أن حبي لك غير مشروط ولا حدود له ..كيف أقنعك أنني قد أموت من دونك وأنتهي من الوجود أنني وجدت نفسي بعد أن ذقت وصالك خارج مجال عنايتك أو اهتمامك .. أن ما يسري في عروقي من دماء يضخها نبض قلبي المطعم بعشقك "
رفعت لمياء رأسها وحررت جسدها منه لتضم
وجهه بين كفيها وتأمره رافضة أن ترى تلك النظرة المنكسرة على ملامحه :
"أولاً عدني أنه لا مزيد من تلك الأقراص "
تمتم حمزة بخفوت :
" أعدك أن أتوقف عن أخذها .. "
واصلت لمياء بإصرار:
" وعدني أن تتوقف عن الخوف من خسارتي لأني سأظل قابعة فوق قلبك حتى تتساقط أسناننا كلها ونصبح عجوزين لا نقوى على الحركة ونسند بعض ونتكأ على كتفي بعض "
تحركت لمياء من جواره تستقيم واقفة وهي تشده بقوة لينهض من مكانه وتخبره :
"احملني "
حملها حمزة بلمح البصر بين ذراعيه بنظرات متسائلة فأخبرته بحب وهي تتعلق برقبته :
" والآن دعنا نذهب للفراش ونحاول جهدنا أن نكون أسرتنا الصغيرة ..أريد طفلاً يشبهك حمزة بوسامتك وطيبة قلبك وصفاء روحك ونبل نواياك ورجولتك ..أريده منك أنت ففخر كبير لي أن تكون أنت والد أطفالي "
تحرك بها حمزة صامتا حتى وضعها فوق الفراش ثم انحنى يقبل جبينها باعتذار صريح :
" سامحيني حبيبتي ..وقوليها لي رجاء "
رددت لمياء كلماتها بمحبة خالصة :
" سامحتك يا بحري العينين ..ولكن تذكر أن لا أسرار بيننا ولا ظنون أو مخاوف وأي شيء يؤرقك سنتحدث به ونتبادل وجهات النظر حتى نقتنع كلانا ونتوصل إلى أفضل الحلول ..اتفقنا "
"هز رأسه موافقاً وهو يردد فوق ثغرها متشرب لهيب أنفاسها :
" أحبك يا لومي أحبك "
ضاع ردها وحمزة يقبلها مفضياً فوق شفاهها باعتذار تلو الآخر وينشدها كلمات الحب الحارقة بلقاء غرامي عاصف يأجج القلوب بعشقها المكنون ويذيب ظنون العقول ويعلن أن الحب هو المنتصر رغم كل الخطايا وخوف النفوس ....
************************************
يوم الزفاف ......
صرخت شذى بإعجاب وإثارة فور رؤيتها لوجد بالفستان الأبيض، وذلك بعد أن انتهت خبيرة التجميل من تزينها، فأخذت تصفق بيدها وعيونها تحملق بذهول شديد في تفاصيل الثوب الأبيض .. فسألتها وجد بلهفة :
"ما رأيك يا شذى هل أبدو جميلة ..؟ "
أجابتها شذى بانبهار:
" تبدين كالأميرات .. أنت رائعة الجمال ياجوجو "
ألقت لها وجد بقبلة على الهواء وأخبرتها ببهجة :
" بل أنت هي الأميرة الأكثر جمالاً يا صغيرتي ..وأنا سعيدة ..سعيدة للغاية لأنك معي اليوم "
ردت شذى بحماس :
"وأنا ايضا .. هل يمكنني أن ألمس الفستان والتقط بعض الصور لي معك حتى أريها لصديقاتي "
ابتسمت وجد بحبور وأجابتها بسرعة :
" بالطبع عزيزتي يمكنك فعل ما تشائين اليوم ..فأنت أخت العروسة ولكن بعد ان تنتهي هذه السيدة الجميلة ورائك من لفت الطرحة ..هل رأيتها إنها طويلة وستنسدل ورائي وأنا أمشي .. "
استقامت وجد أمامها لتدور حول نفسها وتنورة فستانها تتسع حولها وتبرق بشدة بمشهد يخطف الأبصار ..فاقتربت شذى تصيح فرحاً لتتحسس قماش الفستان اللامع بفصوص الكريستال الصغيرة جداً، والتي نثرت فوقه كحبات السكر الأبيض ، ثم تتبعت التطريز بتعرقاته الخيطية المميزة ، بما يشبه تفريعات الأغصان ذات الوريقات الصغيرة، والتي تنتشر بوضوح فوق نهاية الأكمام الدانتيل الطويلة، ومحيط الخصر، وعلى طول ذيل الفستان المنفوش بحلاوة واتساع كفساتين الأميرات، بينما يزداد ثقل التطريز على الجزء العلوي منه، ذو الرقبة المرتفعة بياقة بسيطة أغلقت بثلاث حبات من اللؤلؤ، متراصة أسفل بعضها لينسدل ملتصقاً بخصرها النحيل، ثم يهبط بطيات عريضة تبدأ من بداية الخصر وتسترسل بفخامة مع تنورة الثوب حتى الأرض ..
قامت خبيرة التجميل تساعدها لمياء بفرحة صادقة لصديقة عمرها بلف طرحة الشيفون بطريقة التوربان (spanish) لتلائم نحافة وجه وجد، فمنحتها الطيات الناعمة المشدودة للخلف امتلاء طبيعياً وابرز وجنتيها بشكل لافت ، ثم زينت اللفة بتاج مرصع بحبات الألماس الفخمة، واستعانت بإكسسوار مميز لأذنيها من اللؤلؤ الأبيض زادها فتنة وعزز من هيئتها الملائكية .. ثم تركتها الفتاة وتراجعت للخلف تطلب من وجد أن تتأمل نفسها في المرآة ، فتحركت وجد تخطو بثقل فستانها نحو مرآة طويلة تُظهرُ صورة الواقف أمامها كاملة لترى بإطلالتها الأخيرة ..
ثبتت مكانها تبتلع غصة الألم بحلقها حزناً على من غادروها ولم يحالفهم القدر ليشاركوها يوماً كهذا .. ثم تمسكت بقلب السلسلة يؤازرها حروف نقشت عليه أصبحت كل ما تمتلكه من ذكراهم .. لتتفاجأ بخالتها تمسد ظهرها بحنان وهي تلاطفها :
"ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .. أتمنى من الله العلي العظيم أن يغمر قلبك وقلب نديم بالسعادة والطمأنينة والحب والرحمة.. بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما على خير ..أنا واثقة أن سوسن وكامل فخوران بك اليوم وقلوبهم أصبحت مرتاحة في رقادها لأنهما اطمئنا عليك أخيراً ..أدع لهما بالرحمة والمغفرة وافرحي بنيتي إن اليوم يومك المنتظر .."
ابتسمت وجد لخالتها بمعزة كبيرة دفعت الدموع لعينيها فاستلمت لمياء دفة الحديث لتخبرها :
"غير مسموح لك بالبكاء اليوم فأحبتك جميعهم يحاوطونك ويتمنون لك كل السعادة ..افرحي صديقتي واستمتعي بكل لحظة لك مع زوجك ..الحب نعمة ولذة العشق لا يضاهيها لذه .. مبارك لك ياوجد وجعل الله أيامك كلها سعادة وهنا "
التفتت إليها وجد بعيون شاكرة وأخبرتها :
" لمياء ..مهما قلت لك من عبارات الشكر لن أوفيك حقك علي وقوفك إلى جواري منذ اليوم الذي أصبحنا فيه اصدقاء وأنت لم تقصري يوماً معي ولم تتخلي عني أبداً ..فليسعدك الله أنت أيضاً ويبارك لك بزوجك "
احتضنتها لمياء بحرص وهي تمتم :
" اللهم آمين.. وتأكدي أنني سأكون موجودة لأجلك دوماً وفي أي وقت ..كما كنتِ على الدوام حاضرة لأجلي ..عهدنا دائم الي يوم الممات (بدأت كلتاهما ترددانه معا )
أنا معك وأنت معي... نتحدى العالم بأسره أنت عقلي إن إحتجت التعقل ..
وأنا قلبك النابض أشعر بألمك وأسعد لفرحك..
أنا جوارك علي الدوام.. أشد من أزرك وأكون سندك..
مهما قست علينا الأيام ...سنظل معاً علي الدوام نحارب دون إستسلام"
بادلتها وجد ضمتها بمودة وأخوة صادقة ثم التفت إلى خبيرة التجميل تشكرها على حسن صنيعها بابتسامة مهذبة واستدارت لخالتها تخبرها :
"هاتفي نديم لو سمحت أمي وأخبريه أنني اصبحت جاهزة "
رنت لفظة أمي من وجد في أذن سومة بحلاوة لم تتوقعها فبداخلها كانت تعلم أن وجد لن تنادي أحد بلفظة أم لشدة حزنها على فقدان أمها في هذا العمر المبكر ..لكن أن تناديها الآن بها طواعية وبإرادتها، فهذا يعني أنها أدت رسالتها كاملة لوجد لأن المحبة الخالصة لوجه الله لن يقابلها سوى محبة بقدرها ..
أجابتها سومة بابتهاج :
"سأخبره يا قلب أمك "
انحنت وجد تلثم كف سومة وتخبرها :
"مهما قدمت لك ومهما قلت لن أوفيك حق كل لحظة شعرت فيها بالأمان في بيتك .. لقد عوضتني اليوم بوجودك عن أمي "
ربتت سومة بحنو فوق كتف وجد ودعت لها :
" لأنك ابنتي بالفعل ياوجد وسعادتك من سعادتي يا ابنة الغالية ..هيا جهزي نفسك لاستقبال زوجك لك وحتى لا تتأخرا على جلسة التصوير وسأهبط أنا إلى صالة الحفل لاستقبل ضرتي المصون القادمة من القرية "
بعد قليل طرق نديم وأكرم باب الغرفة الموصلة للجناح الذي تم حجزه بالفندق الذي سيقام به حفل الزفاف، وحيث سيمكث هو وعروسه فيه فور انتهاء الحفل لعدة أيام قبل عودتهم لمنزل الزوجية .. فتحت لمياء الباب لتسلم على نديم وتبارك له، فهبت شذى من جلستها لتخبره بتهليل :
" تبدوان كممثلين السينما "
شد أكرم طرفي البذلة في تباهي وأجابها ضاحكاً :
" أشكرك يا جميلة الجميلات..أنت أيضاً تشبهين الأميرات "
احمرت شذى خجلاً بفطرتها الأنثوية البريئة وهمست :
"أشكرك "
دارت عينا نديم بالمكان تبحث عن وجد فأخبرته لمياء بتسلية :
" إنها في الغرفة التي أمامك مباشرة "
تحفزت كافة حواس نديم وتقدم بخطى ثابتة نحو الباب الذي يفصله عن محبوبته ليدخل إليها فوجدها واقفة أمام نافذة الغرفة تعطيه ظهرها فنادها بصوب طرب :
" وجد "
وهدر قلب وجد بما لا يطيق كتمانه وهي تستدير ليه ليردد مسحوراً :
"ما شاء الله .ما شاء الله .. سبحان من سواك فابدع "
ضمت وجد فمها باستحياء بينما تهربت عينيها من الالتقاء بعينيه كعادتها حين يخجلها بكلماته فاقترب يضم كتفيها بكفيه ويناديها مرة أخرى بشوق :
"وجد "
رفعت وجد رأسها ببطء لتقابله بلهفة المتيمة الخجلة فأسرته خضرة عينيها الذائبة برهبة تلك اللحظة النادرة حتى عجز اللسان عن التواصل فتمتمت العيون بما يجيش في الصدور من غرام لا ينضب .. لحظات لا يقدرها سوى من انتظرها على أحر من الجمر بتلهف يضني الفؤاد ..لتستكين كل ضوضاء الكون حولهم فلا يسمع سوى نبض القلوب المتيمة ببعضها ..
" ألن تقبلها كما يفعل العريس حين يرى
عروسه لأول مرة بفستان الزفاف "
صاحت شذى بحماس طفولي بلا تفكير لتخرج العاشقين من جنة مشاعرهما فكانت وجد أول من أجابتها بتوبيخ :
" وكيف عرفت أن هذا ما يحدث يا ست شذى ..؟ "
تلجلجت شذى بقولها وهي تجيبها :
" رأيته في بعض الفيديوهات التي تعرض للعروسين ليلة الزفاف على الانترنت "
غمز لها نديم بتحبب قائلاً :
" وأنا لن أرفض لك طلباً يا شذى ..طالما أن هذا التقليد المتبع مع العروسين "
رفضت وجد بارتباك وهي تحاول أن تعيد إليه تعقله وقالت تهمس له بخفوت كي لا تسمعها شذى :
" نديم ما هذا الذي تنوي فعله ؟هذا لا يصح .. أنا لن أدعك تقبلني أمام شذى "
قوس نديم حاجبيه ببراءة مدعياً الدهشة وأجابها بعبث وهمس :
" ماذا ؟! .. سيدة وجد لقد ذهب عقلك لأمور غير محتشمة بالمرة وأنا رجل مهذب ..أنا سأقبل جبهتك لا أكثر أما ما ترمين إليه فأعدك سيكون هناك الكثير منه حين نعود إلى هذه الغرفة من جديد بعد انتهاء الزفاف "
شهقت وجد من جرأة كلماته وأخفضت رأسها تكتم ضحكتها بينما يقهقه اكرم ولمياء فرفع نديم وجهها إليه ليطبع قبلة عميقة فوق جبهتها قائلاً برجولة :
" مبارك حبيبتي .. بارك الله لي فيك وأعانني لأسعدك العمر كله "
نظرت وجد لأكرم تريد الإطمئنان عليه :
"أكرم كيف حالك الان أما زلت حزينا لان بيرلا لم تستطع القدوم في اخر لحظة "
طمأنها أكرم بصوت مرتاح :
" لا ابدا ولماذا سأحزن ..في الحقيقة اشعر هكذا براحة اكبر .. بيرلا لديها الكثير من المشاغل بوطنها وانا سعيد كونها أصبحت منفتحة علي الحياة ..من الرائع ان تكون شخصاً فعالا في حياة أحدهم ومساعدته للوصول حتي بر الأمان وإبعاد الأفكار السلبية عن عقله وروحه ، لقد مرت بالكثير ومن حقها ان تشعر أخيراً بالطمأنينة فكفي عن القلق بشأني سواء انت أو سومة ...بيرلا ليست سوى صديقة مقربة وأنا بقمة الرضا عن حياتي وما افعله من اجل مساعدة شخصية كبيرلا تحتاج سوى لمن يستمع اليها بصبر ويرشدها بعقلانية حتي تتبين وجهتها الأصح وتقلع عن حزنها وأنا مسرور بهذا الدور كثيرا حتي يأتي الوقت المناسب وتسمح لأحدهم بأن يسطر معها حياة جديدة ينسيها مرارة الفقدان بالحب ... لذا دعونا ننهي هذا الحديث فالليلة ليلتك الكبري ياعروس أخي فأستمتعي بها . ودعونا نتحرك فالمصور ينظركم بالأسفل وانا اود الإنتهاء من جلسة التصوير تلك فربطة العنق تخنقني "
ثنى نديم ذراعه لتتأبطها وخرجا متشابكين ليهبطا معاً للحفل، بعد أن أشار للمياء وشذى وأكرم ليتقدموهما كي يشاركوهما جلسة التصوير بناء على رغبة وجد ...
بعد حوالي ساعة انطلقت موسيقى الترحيب بدخول العروسين لصالة الحفل وسط أصوات الزغاريد الصاخبة من زوجة خالها حسين ولمياء وياسمه حتى وصلا لمنتصف القاعة فخفتت الأضواء واستكانت الموسيقى فهمس لها نديم :
" أصدقائي حضروا لي عرضاً بسيطاً "
بعد لحظات صدحت الموسيقى العسكرية البحرية بين أركان القاعة وسطعت الأضواء كلها لتتفاجأ وجد بوقوف رجل في الأربعين من عمره أمامهم بسيف طويل والبذلة الرسمية للبحرية يتطلع إليهم بجدية بالغة وهيبة عسكرية ثم انطلق بأعلى صوته مباركاً :
" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكم في الخير "
ثم ضرب التحية العسكرية لنديم، بينما هزت وجد رأسها بابتسامة لطيفة، فبادله نديم تحيته قائلاً :
" بوركت سيدي القبطان "
استدار القبطان يتقدمهما بمشيته العسكرية حتى وصلا لصفين من ضباط البحرية يقفون في خطين متقابلين بشموخ وهيبه حتى علا صوت القبطان يأمرهم بالاستعداد فرفعوا سيوفهم عالياً وجميعهم يرددون بصوت واحد هز القاعة :
" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكم في الخير "
ثم مالوا بسيوفهم لتتشابك معاً وتبدء المعزوفة العسكرية من جديد بينما يشق نديم ووجد طريقهم مع انفراج كل سيفين عن بعضهما وتلقى نديم التهاني واللمزات والغمزات من أصدقائه الواقفين على كلا الجانبين حتى وصلا إلى كرسيهما داخل الكوشة المزينة بالكثير الكثير من الورود الوردية والبيضاء والحمراء والإضاءة العاكسة لكل الألوان ..خفض القبطان سيفه إلى جواره واقترب من نديم يسلم عليه بمحبة أخوية وأومأ لوجد باحترام واستقام مرة أخرى رافعاً سيفه ليغادر المنصة وسط همهمات الضيوف المبهورين برقي العرض والجاحظة عيونهم بحسد وغيرة كوالدة ياسمه وزوجة ابنها الوحيد محمد التي جلست بكرسيها تتشدق بفمها استياء من ذكرى حفل زفافها الذي لم يكن بمثل هذه الحلاوة والفخامة .. مالت سعاد فوق أذن سومة قائلة باستهانة :
" ظننتك عاقلة يا سومة كي تبذري الأموال في حفل غال كهذا ..! لا أفهم كيف توافقين أن تتحملي تكاليف الحفل كله أنت وابنك ..اعذريني يا أم نديم ولكن ما كان هناك داع لكل هذا وخاصة وأن المدعون ليسوا كثر والعروس لا يُعرف أصلها وفصلها ..كان عليك أن تختاري لابنك فتاة ذات حسب ونسب كما اخترت لابني محمد فزوجته كما تعلمين ابنة مستشار.. "
أجابتها سومة بمنتهى الهدوء :
" ليت المراكز تسعد الناس يا أم محمد .. ثم إننا لسنا أقل من غيرنا فولدي وأنت الأعلم بمركزه وزوجته دكتورة صيدلانية .. ونعلم أصلها وفصلها جيداً .. ألا تعرفين أن وجد هي ابنة سوسن ابنة خالي وأظنك أعلم بحسب ونسب عائلتي جيداً "
رفعت حاجبيها بلؤم تخبرها :
" ابنة سوسن التي هربت من بيت والدها قبل زفافها ..؟ إن هذا وحده كفيل ليجعلها
وصمة عار لابنتها "
هتفت سومه فيها بحمائية :
" هربت لأن أهلها كانوا سيرغمونها على زواج لم ترغبه ..هربت وتزوجت رجل حملها فوق رأسه وعوضها كل خير لكن للأسف أخذهما الموت معاً في حادثة العبارة الشهيرة منذ عشرة أعوام ووجد تربت في كنف عمها الذي توفي من أشهر ولكن ابن عمها صمم على أن يتم الزفاف والحفل بموعده كما كان مخطط له، ليفرح ابنة عمه كما كانت وصية أبوه ولعلمك هو أراد أن يساهم في تكاليف الحفل والجهاز، لكن نديم رفض، وحسين هو من تحمل تجهيز ابنة أخته وأظنك رأيتك بنفسك الأشياء الباهظة الثمن والأطقم الفاخرة التي جلبها لها خالها والتي تشرف أي عروس أمام أهل زوجها ..كما أن وجد إنسانة آية في الخلق والجمال وما كنت لاختار لأبني أفضل منها ويكفي أن ابني يحبها وأنها ابنة الغالية سوسن ولا أرى هروبها عار عليها أو على ابنتها لأنها اختارت أن تحيا حياتها كما تشاء ومع من تحب وليس مع رجل لا تحبه أو على انقاض زوجة أخرى وأطفالها يا أم محمد.. بعد إذنك سأنهض لأرحب بالضيوف "
نهضت سومة من مكانها بخيلاء تشد معها ياسمه تاركة ضرتها تكز على أسنانها غيظاً.. شكرت ياسمه سومة :
" أشكرك لأنك جذبتني معك وإلا لكانت أمي لتخرج حنقها من ردك كله في وجهي"
أجابتها سومه وهي تتوكأ عليها :
" لهذا جذبتك معي فأنا أعلم الناس بأمك .. سأجلس أنا هنا ومري أنت على بقية الضيوف لترحبي بهم ..أنت اليوم مكاني إنه زفاف أخيك وأختك ..هيا اذهبي قومي بواجبك "
أجابتها ياسمه بطاعة وهي تساعدها للجلوس على مقد قريب من جلسة العروسين وانطلقت هي تقوم بواجب الضيافة ..
طلب منسق الموسيقى وقوف العروسين ليبدآ رقصتهما الأولى معاً على معزوفة أغنية هادئة فأخذ نديم كف وجد يشدها إليه برقة وهو يحيطها بذراعيه متأملا فتنتها العاصفة بقلبه ليخطوان معاً خطوات بطيئة متناسقة على وقع النغمات دون أن تتخلى عيونهما عن المعانقة ..في حين طلب المنسق أن ينضم إليهما الازواج ليشاركاهما هذه اللحظة ..
فكان أول الصاعدين لدائرة الرقص حميد وياسمه التي ضمها بين يده بنظرات تكاد تلتهما وهو يسألها :
" أتريدين أن ترديني قتيلاً اليوم بجمالك هذا ياسمتي ..راعي أن عائلتك ستبيت معنا اليوم في الشقة وفرصتي في الانفراد بك ضئيلة "
أجابته ياسمه بغنج :
"سأعوضك بعد رحيلهم "
سألها حميد بعيون تشتعل :
"بنفس الفستان والزينة ..؟ "
ضحكت ياسمه بوعد :
" حاضر ..بنفس الفستان والزينة "
شد حمزة لمياء المتفرجة على الراقصين بحالمية لتنهض واقفة بدهشة تسأله:
"حمزة ؟!!.. إلى أين تشدني حبيبي"
أجابها حمزة ببساطة :
"سنرقص يا حبيبة حمزة "
صعد بها حمزة درجتين توصلان لساحة الرقص وأخذها بين ذراعيه يتهادى بها راقصاً وهو يثني على جمالها ثم سألها :
" ما رايك ان نحجز غرفة بالفندق ونعوض شهر عسلنا الذي لم نتذوق فيه طعم العسل ..اعتقد ان تغير المكان قد يساعدنا علي تحسين أدائنا وإكتساب فرص اكثر في الانجاب "
ضحكت لمياء واخبرته بالقرب من أذنه :
" حبيبتي انت لا تحتاج ابدا لمحفزات ..انت محفز دائما وتقوم بأقصي ما لديك بشأن هذا الأمر ..كما ان حضرت لنا الليلة بشقتنا سهرة خاصة لا اعتقد انك ستحب تفويتها "
أجابها حمزة بخبث :
" أعتقد أنني ساري أخيرا هذا القميص الذي اشترتيه أمس ونحن بالمتجر ولم تدعيني اعاينه "
ردت لمياء بغمزة مغرية وهي تصارحه :
"في الحقيقة انه ليس قميصا بدلة الرقص التي تسمرت امامها وانت تظن انني لا اراك "
شدد حمزة من ضمها وهو يتنفس بعمق :
" متي سينتهي هذا الحفل . أتمني ان لا تغضب وجد ان حاولنا التسلل مبكرا "
*************************************
جلس ضياء بين حبيبة وخالته التي رحبت بحضور زفاف وجد بعد أن توطدت العلاقة بينهم خلال الأشهر الماضية أثناء مساعدتهم لبعضهم البعض في الاهتمام بشذى وتأسيس منزل ضياء الجديد .. زفر يوسف أنفاسه بضيق شديد فسأله ضياء باستفسار :
"ماذا بك يوسف ..هل هناك ما يضايقك "
أجابه يوسف من بين أسنانه بضيق :
" ألا ترى أختك وهي تمشي بين الضيوف تتمختر وتتباهى بفستانها ونفسها إلى جوار العروس "
وبخته أحلام :
"ي وسف ..! شذى مجرد طفلة ومرت بما يكفي الأشهر الماضية فدعها تفرح كما تشاء الليلة وإياك أن تغضبها .. أنا حقا لا أعلم ما الذي يحدث بينكما أنتما تتشاجران معاً أكثر مما تتحدثان "
دافع يوسف عن نفسه :
" إنها ليست بطفلة وعليها أن تتعلم الاحتشام في ملابسها وطريقتها في التحدث مع الآخرين .. أنا اسأم من المدللات وهي كذلك "
رد ضياء بعقلانية :
" يوسف ..شذى طفلة حساسة للغاية عاشت طيلة سنواتها في كنف وجد وتشربت من طباعها وفجأة وجدت نفسها وحيدة بدونها، وبعدها صدمت بفاجعة موت والدي لذلك فرحتها اليوم لا تقدر عندي بثمن وأنا أراها على طبيعتها تضحك وتلهو .. أنا أعلم أنك رجل وتتعامل مع شذى كما لو كانت أختك وأعرف أن ثورتك هذه لأنك تخاف عليها وتعتبرها من عائلتك وهذا أمر يسعدني كثيراً ..ولكن تهاون معها اليوم ودعها تفرح كما تشاء "
أجابه يوسف بعدم اقتناع وهو يهب واقفاً :
"حسنا كما تريد "
سألته حبيبة باستغراب :
" أين تذهب يوسف "
"سأذهب للحمام هل لديك اعتراض "
أجابها يوسف بنزق وهو يفكر أن الجميع بدأ من جدته وحتى أصغر عمال المزرعة يلاطف تلك الطفلة بصورة مثيرة للحنق ..كما أنها ليست طفلة ..إنه لا يراها أبداً في هذه الصورة التي يتحدثون بها دوماً عنها ..
نادته شذى وهو تهرع إليه مسرعة من بين الطاولات المتراصة فتوقف عن سيره وهو يتميز من غيظه لتحركها بهذه الطريقة التي تكشف عن ساقيها فنهرها قائلاً :
" كفي عن الجري بهذه السرعة ..ساقيك
تنكشفان وأنت تتحركين "
حزنت شذى من صراخه في وجهها بهذه الطريقة .. فدمعت عينيها لتعامله الفج معها فكلما حاولت التقرب منه والتحدث إليه بلطف ينتهي الأمر بينهما بمشاجرة وخصام لعدة أيام لتكون هي البادئة بالصلح في النهاية مع وعد بعدم إغضابه مرة أخرى ..
سألها بنزق وقد أغضبه أكثر رؤية الدموع بعينيها بسببه :
" لماذا تبكين الآن؟ "
أردفت شذى بصوت مكتوم :
" لأنك غاضب مني ..دوماً غاضب مني "
رق قلبه لها فهدأ من ثورته عليها وأخبرها بلين :
"حسناً لا تحزني .. أنا فقط حريص عليك يا شذى ولا أحب أن يسمعك أحد كلمة جارحة .. ألم أخبرك من قبل أن تختاري ملابس محتشمة وتتخلي عن هذه الملابس القصيرة فأنت الآن أنسة والفتيات المحترمات لابد أن يحرصن على الظهور بمظهر محتشم ..هل فهمت ..؟ "
هزت شذى رأسها موافقة وأخبرته :
" أعلم ..لقد حدثتني وجد أيضاً منذ فترة عن هذا الأمر ووعدتني أن تنزل معي للتسوق بعد زواجها لتختار لي موديلات جديدة طويلة ومحتشمة "
ابتسم لها يوسف برضى، تلك الابتسامة النادرة منه وأخبرها :
"حسناً يا شذى أنا لم أعد متضايق منك ..لكن عديني أن تخففي من الحركة والرقص .. اتفقنا "
أجابته شذى بسرعة :
" حاضر.. سأذهب للجلوس مع خالتي وحبيبة ولن أتحرك إلا قليلاً "
"حسناً أذهبي "
قالها يوسف وأنطلق إلى وجهته بزهو ورضى ...
التفت ضياء إلى خالته يسألها بأدب :
" خالتي أتسمحين لي أن اتحدث مع حبيبة قليلاً "
أجابته أحلام موافقة فسألته حبيبة وهو يشير إليها لتتقدمه :
" ماذا الذي تريد التحدث معي فيه ؟!"
أردف ضياء :
" سأخبرك الآن حين نذهب لخارج القاعة حيث الهدوء "
حين وصلا إلى بهو الفندق اختار ضياء ركن هادئ لبدء حديثه معها وبمجرد أن جلسا سألها مباشرة :
" من هذا الشاب الذي أخبرت خالتي أنه يريد التقدم لخطبتك "
أجابته حبيبة بجمود :
" إنه معيد لنا في الكلية "
أنبها قائلاً بغيرة :
"ومتى كنت ستخبرينني عنه .. هل بينكما علاقة حب "
هتفت فيه حبيبة بصوت مكتوم حتى لا يعلو صوتها وهي تخبره :
" كيف تسألني هذا السؤال ..بالطبع لا تجمعنا أية علاقة حب .. وبالتأكيد كنت سأخبرك ألست أخي الأكبر كما تخبرني دوماً "
أجابها ضياء برفض :
"لا لست كذلك "
رددت حبيبة كلمته متسائلة :
" لا ..؟ "
" نعم لا وأنت تعرفين هذا جيداً يا حبيبة .. أنا لن أكون لك يوماً مجرد أخ أكبر يسلمك لعريس غيره "
سألته حبيبة بانشداه :
"عريس غيرك !!.."
أكد عليها ضياء بتصميم لا يحتمل أي نقاش :
" نعم ..لا أحد غيري حبيبة ..أنت لي ولن أسمح لمخلوق أن يقترب منك أو يقترن اسمك باسم سوى اسمي "
تحدته حبيبة غاضبة من تجاهله التام لها خلال الأشهر الماضية :
" وماذا لو لم أكن أرغب بذلك "
أجابها ضياء ببساطة وثقة :
" لا تقلقي من ذلك أنا كفيل بأن أجعلك تغيرين رأيك بل وترغبين ذلك، فقط دعي لي أبواب قلبك مفتوحة وسترين معنى أن تكوني حبيبة ضياء ..رحم الله الأيام الخوالي ..كن يتشاجرن بلا هوادة من أجل الحصول على موعد معي أو كلمة رضا مني "
هبت فيه حبيبة باستياء واضح :
" نعم !!.. وهل كن كثيرات لهذه الدرجة "
أجابها ضياء بغرور:
" كن ومازلن يا عزيزتي ولكن ..."
قاطعته حبيبة بوجه قاني من الغضب :
" ولكن ماذا ؟!.. فلتذهب إليهن كما تشاء .. أنا ..."
" ولكن القلب لا يريد سوى واحدة فقط
..فتاة شرسة قوية بمئة رجل، ويفخر أي رجل بأن تكون زوجة له وأماً لأولاده وسيظل إلى جوارها حتى يشيخ ولا يشبع منها ..فتاة تحملت غبائي وظروفي وعنادي عن الاعتراف بحبها الساكن داخل حشا القلب لخوفي أن أظلمها يوماً ..فهل تعتقدي الآن أنها قد تسامحني لأني عذبتها معي وتقبل أن تمنح حياتي ضياء بوجودها ومعنى بمبادلتي الحب "
نظرت إليه حبيبة بعيون لامعة وأنفاس محبوسة لكنها تمالكت نفسها وهي تخبره مدعية الجدية :
"حسنا سأفكر وأخبرك .. أحتاج بعض الوقت "
اجابها ضياء بسرعة:
"بالتأكيد كما تشائين ..كم تريدين ..دقيقتين ..تم خمسة ..ربما عشرة دقائق فترة كافيه "
لم تستطع حبيبة منع نفسها من الابتسام وهي تخبره :
"ضياء !! .. من يسمعك يظن انك متعجل جدا "
اكد عليها ضياء :
"جدا.. جدا ..جدا . ياأنسة حبيبة ..لماذا تظنين انني انتقلت الي جواركم انتم بالذات وتركت لك حرية تأسيس المنزل كما تشائين وتلي ذوقك أنت "
ادعت حبيبة الغباء واخبرته :
"ربما لان ذوقي رائعا "
لكنه استثمر قولها ووظفه ليخدم طلبه قائلا :
"ويؤكد الجميع علي روعة ذوقك ان وافقتي علي الزواج مني الليلة بل وسيحسدوك صدقيني "
رفعت حبيبة حاجبيها بعدم تصديق وهي تخبره :
"انت مغرور كبير "
هز ضياء راسه نافيا وهو يصحح لها :
"لا ..انا عاشق كبير اضناه العشق.. كان يخشي التقرب منك خوفا ان يظلمك معه وحين استقامت اموره نوعا معا لجمه احساسه بالذنب ان يكون في ليلة ما كسر بخاطر حبيبته وابعدها عنه دون ان يقصد ..لكنه حين شعر انها قد تسرق من بين يديه انتقض قلبه ثائرا معلنا انه قد حان وقت المحاربة من اجلها والاعتذار لها علي تردده الذي حرمه قربها وابتسامتها "
تهربت منه حبيبه بنظراتها وهي تجيبه وقد فاض بها ما تكنه اليه من حب :
" حسنا انا موافقة "
اتسعت عينا ضياء لا يصدق انها قد وافق أخيرا فقد ظن انها ستعذبه اياما طويله قبل ان تعطيه موافقتها فسدها من يديها ليوفقها علي قدميها ويدخل بها الي القاعة مهرولا وهي تصيح به ان يتمهل قليلا حتي وصل الي منسق الاغاني فطلب منه الميكرفون ليتمسك به قائلا لكل من في القاعة :
" ضيوفنا الكرام ارجو من الجميع تهنئتي لأن تلك الفتاة الجميلة الواقفة الي جوارى هنا (ثم اشار الي حبيبة )..نعم هذه الرائعة والفريدة والمميزة منذ عرفتها ..اخيرا وافقت علي الزواج مني وجعلتني اسعد رجل بالعالم "
هلل كل من بالحفل وصفقت وجد عاليا فرحة لفرحة لأبن عمها الذي نال اخيرا من الدنيا نصيبه بالحب والراحة والسعادة الي جوار محبوبته ...
استمر الحفل لعدة لساعتين بعدها في ضجيج صاخب للأغاني وفقرات الحفل فقد لبي الحضور الكثير من زملاء وجد بالكلية والعمل السابق بالصيدلية بالإضافة الي عدد كبير من اصحاب نديم مع ذويهم وعائلاتهم وبعض الاقارب المقربين لسومة ونديم من القرية تعرفت عليهم وجد من خلال مباركتهم لها وتباري الشباب في اشعال جو الحفل بأداء رقصات المهرجانات التي اصبحت شائعة هذه الأيام واولهم ماهر ابن خالها الذي لم يترك أغنية الا ورقص عليها سواء مع أكرم الذي كان يتحدى نظرات الجميع ممارساً حقه ان يفرح مع أخيه او الأخرين ..
جلست وجد بمكانها تراقب مشاكسة ماهر لنديم وتحديه بحركاته الراقصة بابتهاج شديد فعلاقة ماهر أصبحت جيدة للغاية مع نديم منذ افضي اليه انه ما تقدم لخطبة وجد الا ليرض اباه لكنه كان متعلقا بحب فتاة اخري وكان متيقنا من رفض وجد له لما رآه من تعلق بينهما كان واضحا له قبل ان يعلن نديم انه احق بوجد منه ...فكان كل شئ مثالي وغاية في الكمال خاصة بوجود خالها حسين الي جوارها ومباهاته بها دون حرج او خوف وهو يخبر الجميع عن هويتها الحقيقة غير مبال لملامة احد او شماتة الحاقدين ..
***********************************
وأخيرا انتهي الحفل واغلق الباب علي العروسين بعد الانتهاء من المجاملات والردود علي تهنئة الاصدقاء والاقارب ..
انتهي الانتظار وتلهف القلوب علي لحظة وصال....
انتهي البعاد والاحساس بلوعة الوحدة بعيدا عن المحبوب ..
الليلة ستصبح له ويكون لها..
الليلة سيتذوق معني التعشق بها علي مهل حتي تملأ روحه تشبعا بها ....
وقف مستندا علي باب الجناح الذي تأكد جيدا من إغلاقه ووضع لافتة "ممنوع الإزعاج " حول مقبضه ...
وقف يتأملها بعنفوان رجل هام به العشق حتي أذابه وهو يقول بزفرة قوية :
"اخيرا !!..أخيرا ياوجد القلب "
ارتعشت وجد بوقفتها متلاحقة الأنفاس من شدة توترها الفطري كأنثى تختبر اول مرة لها مع رجلها ..حبيبها ..زوجها .. سندها وحميها ...
فخطي اليها نديم تشده تلك الهالة التي تحيطها من الجمال والكمال ليضم كفيها المرتجفين بين يديه الدافئتين يسألها برفق :
"خائفة ؟؟"
نكست وجد رأسها تهزها بخفة يمينا ويسارا وتخبره بثقة:
"لا ..الخوف لا مجال له بيننا ..أنت أماني يانديم .. أنا فقط متوترة ومرتبكة .. انه أمر لا إرادي"
أبتسم نديم يطمئنها وهو يرحل بكفيها يريحهم فوق صدره النابض بهيام :
"هذا أمر طبيعي انا ايضا متوتر ومتلهف كما لم اكن من قبل .. ما رأيك لو نزيل هذا الشعور ونصلي ركعتين نبدأ بهما حياتنا الزوجية ؟ "
وافقته وجد براحة كبري :
"نعم بالتأكيد لنفعل ... انتظرني لدقائق سأدخل الغرفة لأغير ملابسي واتوضأ "
اعترض نديم طريقها يوقفها قائلا بمناغشة :
"أعتقد أن الأمر لا بأس به أن ساعدتك في خلع الطرحة .. الطرحة فقط ..أتلهف لرؤيتك بالفستان دونها "
فخرجت وجد فمها بإبتسامة رقيقة خجلة وهى تخبره ببحه :
"حسنا لا بأس "
بدأ نديم بإزالة التاج بتأن حتي لا يتلف فنظر اليها مستفهماً ما عليه فعله بعد ذلك فاتجهت أصابع وجد للأماكن التي تعلم بوجود الدبابيس المثبتة للطرحة فيها فتتبعها نديم يساعدها في إزالتها حتي تهاوت الطرحة أرضا وأصبح خلع التربون سهلا فبمجرد أن أزاله عن رأسها استرسلت شلالات شعرها فوق كتفيها فتراجع عنها نديم قليلا يهتف بانبهار وغرام وهو يتتبع خطوط جسدها علي الهواء دون ان يمسها:
"ماشاء الله..ماشاء الله ..قتلتني ببهائك يابنت الطيبين .. الان فقط اقتنعت ان الصمت في حضرة الجمال جمال بحد ذاته .. فكيف لمخلوق ان يصف مدى جمالك الان بعيوني "
أجابته وجد بصوت مبحوح :
" أنت أيضا وسيم للغاية لدرجة أن حين رأيتك ببذلة الفرح شعرت اني نسيت أن أتنفس للحظات ..لقد سلبت لبي اليوم "
زئر نديم بنبرات متشوقة :
" أشعر بروحي ستسلب مني ان لم أقبلك الأن "
لم يتيح اليها مجالا للرد فقد اقتنص ثغرها الناضج بحمرته بين شفتيه يعتصرهما بجوع نهم سلب تعقله وهو يحيط عنقها بكفيه حتي شعر بوجد تدفعه برفع وهي تخبره لاهثة :
"أرجوك يانديم دعنا نصلي أولا قبل ان تغمرنا المشاعر وننسي "
تنشق نديم انفاسه بعمق عدة مرات ثم أجابها موافقها وقد تمالك حاله قليلا :
"نعم لديك حق ..اذهبي للتوضأ وسأنتظرك حتي تنتهين لأخذ دورى "
اندفعت وجد الي الغرفة تغلق عليها الباب محاولة أخذ أنفاسها المتكتلة بصدرها من عظمة ما يجيش بداخله ،فكل مشاعر الحب والخوف والتوتر والرغبة تجمعت معا في وقت واحد ... بعد قليل بدأت تتحرك تحاول خلع فستانها وهي تشكر حظها ان الحمام مرفق بالغرفة من الداخل فتوضأت وارتدت إسدال الصلاة تغض بصرها عن روعة الفراش المزين بوريقات الزهور الحمراء ثم خرجت اليه لتعطيه مساحته ايضا لتغير ملابسه والتوضؤ ..
استقاما معا لتأدية الصلاة وبعد ان فرغا وضع نديم يده فوق رأسها وردد
" اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه"
ثم تناول كفها يلثم باطنه ويزيل طرحة الإسدال عنها وهو يخبرها بتنهيدة عميقة :
" أحبك ياوجد ولو ظللت ارددها حتي يتوقف لساني فلن اشبع من قولها اليك.. اتعلمين ذات يوم كنت اسامر أمي واخبرها أن حورية من البحر أسرتني فظنت امي اني مسحور ..جملة قولتها في وقتها ولم اعلم انها كانت حقيقة الأمر .. لو كنت اعرف انك نصيبي من الدنيا ما كنت فرطت فيك تلك الليلة أبدا ..لكنت وضعت بين ضلوعي حتي لا يمس الحزن فؤادك يوما او تذرف عيناك دموعا .. أتمني لو أجلب لك سعادة الدنيا وما فيها لأضعها أمام قدميك "
أحابته وجد برقة :
" سعادتي بوجدك .. والدنيا بكل ما فيها من ملذات ونعم لا تساوى ضمتك لي واحساسي بالأمان معك .. "
رفع نديم انامله يتحسس خدها الأيمن حتي وصل لحدود شفتيها فواصلت أنامله تتبع خطوط ثغرها المرسوم بإغراء يغوى الراهب بمعبده ليصل حتي ذقنها الصغيرة يشدها اليه بلطف حتي تقابل فمه مع شفتيها بتناغم ورقة أذاب التوتر والتخوف بداخلها ودفعها للاندماج معه ... ارتفعت أصابع كفها تحيط مؤخرة رأسه دون ان تشعر فغاصت يديه حول خصرها النحيل يتمسك بها بتملك واشتهاء تعالي وجيبه علي صدى أناتها المكتومة ..فحملها بين ذراعيه دون ان يقطع لهيب قبلتهما حتي وصلا لسريرهما وأنزلها لتقف علي قدميها يخلع عنها ثوب الصلاة لكنها تمسكت به ترفض التحرر منه وضربات قلبها تدب كالطبول بصدرها الذي يرتفع وينخفض بقوة أمامه فهمس لها وهو يدلك كتفيها بهدوء وروية.:
" لا تهلعي حبيبتي .. تذكري انه انا نديم حبيبك .. وان اردت الانتظار حتي تزال عنك رهبتك فأخبريني وسأفعل لك اي شئ يرضيك.. واعدك اني لن اجبرك علي اي شئ مهما أردت مني ان أصبر "
استوقفته وجد بسرعة وهي تهز رأسها بإرتباك :
" لا الامر ليس كذلك ..انا .. انا في الحقيقة محرجة منك لأني أرتدى قميص نوم شفاف وقصير تحت الإسدال ..وهذه ستكون أول مرة تراني فيها هكذا .. وهذا ليس أمر هينا علي "
ترفق نديم بها وهو يشعر بالراحة الكبرى كون وجد لا ترهبه وتشعر معه بالأمان لبداية حياتها وان ما بمنعها عنه الان هو خجلها من رؤيتها بقميص النوم فسألها :
" هل ترغبين في ان اغلق النور أو أخففه "
" ان طلبت منك ذلك هل سيزعجك الأمر " سألته باهتمام فأجابها بصراحة " لا ابداً ..أخبرت ان اي أمر يريحك فهو يريحني أيضا .. فلا تقلقي "
اخبرت وجد نفسها ان نديم يحاول جاهدا اشعارها بالراحة معه والوصول معها لنقطة التقاء تزيل عنها الحرج والخجل فقررت ان تلتقي به في نصف الطريق واخبرته :
"خفف الضوء قليلا فقط حتي اعتاد علي الأمر "
ذهب نديم لمفتاح الضوء ليخفف من قوة الإنارة وعاد اليها فوجدها انزلت كفيها المتمسكتين بقماش الثوب الي جانبها وأشارت اليه برأسها تعلمه أنها مستعدة .. فأقترب منها يخلع عنها الثوب بخفة وعيناه تنخفضان بجوع فوق معالمها الأنثوية البارزة في قميصها الأبيض كبياض بشرتها، فحاول تهدئه حاله والتراجع عن رغبته الشديدة في الاندفاع اليها ليوسمها بختم ملكيته ..
شعرت وجد بنظرات الاشتهاء بعينيه فرفعت ذراعيها لا أراديا تحاوط كتفيها من جديد ثم نادته بهمس قتل فيه أي ذرة للتعقل :
" نديم ..... ضمني اليك "
لحظتها فرت كل اساليب الحكمة بنفسه وصمت صوت العقل لتشتعل العاطفة توهجاً في لقاء انتظره طويلا وحلم به ، فكانت لذه الحقيقة تفوق كل توقع بداخله ..
رغم ترددها الأولي استطاع بأسلوب العاشق ان يزيل كل حاجز بينهم بهمساته الذائبة فوق أذنها ولمساته المثيرة فوق بشرتها حتي سلمت له واستسلمت تفتح كافة أبواب مدنها ليغزوها باعثا بداخلها طاقة من العشق لم تصدق يوما بوجدها الا معه ليسطرا معا ترتيلة عشقهم الأبدية...
ومر الوقت عليهم لا يعلم اي منهم طوله من قصره حتي اضجع نديم الي جوارها بأنفاس متقطعة يشدها اليه رغما عن خجلا الطافح علي وجهها الذي دفنته عميقا بصدره وهو يناغشها :
" لقد فات اوان الخجل زوجتي "
شعر نديم بابتسامتها فوق بشرته وهي تجيبه بصوت مكتوب :
" ما فعلناه محرج للغاية التفكير فيه "
قهقه نديم وأنامله تمسد ظهرها العارى :
"محرج ..بالتأكيد لا ..أرجوك انت بذلك تبخسين حقي .. ..(رفع وجهها اليه مواصلا بهمس أمام شفتيها ) زواجي منك سيدتي أروع ما قمت به في حياتي "
ضمت وجد شفتيها ترفع كفها الأيمن لتتلمس وجنته الساخنة ثم همست :
" لم أتصور يوما أن تكون بمثل هذا الحنان والمراعاة معي .. لقد سمعت عن امور سيئة تحدث مع العروسين بهذه الليلة رغم حبهم .. لكن ما شعرت به معك كان شاعريا رومانسيا يفوق أي مما كان بمخيلتي ..ما فعلناه كان حسيا بصورة خلابة "
غمز لها نديم سائلا :
" هل افهم من هذا أنك أحببت ما فعلناه "
فلتت ضحكة من فم وجد تلقائيا وأجابته بهزة قوية من رأسها قبل أن تدفنها بصدره من جديد فأنحني فوق أذنها يراوغها بإشتهاء لم ينضب :
"ما رأيك إذن أن نعيد الكرة من جديد .. وأعدك هذه المرة ستكون اكثر حلاوة من السابقة "
شهقت وجد ضاحكة وهو يديرها علي ظهرها لتقابله فأجابته :
"نديم كف عن إحراجي "
فتمتم قائلا :
" في كل مرة ألمسك بيداي وأفضي فوق ثغرك بمكنونات عشقي اليك أشعر بك تتوغلين بداخلي كما لو كنت زهرة أينعت وتفرعت بتلاتها بين حنايا القلب حتي استحوذت عليه تماما فأجدك تنقشين حروف أسمك فوق جدرانه وتأسرين نبضه ليدق بإسمك ياوجدى "
قوست وجد حاجبيها بتأثر شديد حتي لمعت
عينيها ولسانها يرتل بإسمه معترفا :
"أحبك يانديم ..احبك ..أحبك "
أمرها بتوسل وهو يقطف القبلات واحدة تلو الأخرى مع كل كلمة تنطق بها :
"ردديها اكثر وردتي وأشبعيني بها ..من فمك لفمي حتي يتحد نبضك بنبضي وتلتقي روحينا في اتحاد واحد ..كمليني بك وأكتملِ بي حتي يصير الفؤاد واحد والجسد واحد والعقل واحد "
واصلت وجد ترديدها بعاطفة تجيش كلما تلاعبت يداه فوق أوتار حواسها فتاهت الحروف وتعالت الآهات بين متاهات حسية تلاقت فيها الروح بالروح وتعانقت فيها الأقدار .....
***********************************
بعد أربع سنوات ...
وقفت وجد فوق منصة الحديث امام مجموعة من الأطباء المشرفين علي رسالة الماجستير خاصة ..ترد علي اسئلتهم بثقة وتحفز بينما تمد كفها من حين الي اخر لبطنها المكورة في بداية شهرها التاسع بطريقة تلقائية لا إرادية حين ينغزها الألم ..فمنذ الصباح وطلقات بسيطة من الالم تداهمها فأرجعت الأمر لتوترها الزائد قبل المناقشة.. فالدكتورة سارة اكدت عليها ان ميعاد الولادة ليس قبل ثلاثة اسابيع اخرى ..لكن الامر اصبح غير مريح والوجع يأتيها علي فترات حتي ان شكها تعاظم لأن يكون وقت الأنجاب قد حان وانها ستلد مولودها الثاني ..
تماسكت وجد حتي أعلن الدكتور المسؤول عن حصولها علي درجة الماجستير بدرجة امتياز عن رسالتها المقدمة لقسم الدراسات العليا بالجامعة ..فعم التصفيق داخل القاعة وانطلق اليها نديم حاملا طفلهم أكمل ذو الثلاث سنوات ليضمها بين ذراعيه ويقبل جبينها مهنئا :
"مبارك حبيبتي ..مبارك "
أجابته بنبرات غارقة بالعرفان :
" الحمد لله ..لولا مساندتك لي ما كنت فعلتها ابدا حبيبي.. أشكرك حبيبي علي مثابرتك معي وتشجيعك لي ..كنت اتمني لو كانت أمي سومة معنا الأن وليست بالمنزل "
شاكسها اكرم بحبور :
" مساندته هو فقط ..ومن كان يجلس معك بالساعات لتخبريه بكل جديد في رسالتك في غياب زوجك رغم عدم فهمي لأكثر الأمور بها ... الأن اصبح هو المشكور ..يالا النساء دائما ناكرات للجميل "
لكزته ياسمة من كتفه فوق كرسيه المتحرك
بتأنيب وأجابته بدلا عن وجد :
" ألا يكفيك كل تلك الكلمات التي قالتها بحقك في بداية المناقشة لا تكن طماع ..وجد لم تترك احد من العائلة الا وشكرته "
أجابتها وجد وهي تمد يدها اليه بأخوية شاكرة :
" أعلم انه يناغشني فقط... أشكرك كثيرا أخي أكرم علي كل ما قمت به لمساعدتي .. وقريبا جدا في معرضك القادم سنقف لك مهنئين نجاحك الساحق "
رد أكرم وهو يتمسك بكفيها المدودة اليه بمحبة أخوية مماثلة :
" مبارك ياأم أكمل ..نجاحك شرف وافتخار لنا جميعا .. "
حاوطها الجميع يهنئها بمحبة وسرور فاحتضنتها شذي من الخلف برقة وهي تقبل وجهها :
" مبارك ياجوجو .. وقريبا نخبرك إياها في الدكتوراه "
ربتت وجد بكفها فوق خد شذي وردت عليها بامتنان:
"حبيبتي ..اتمني من الله ان يوفقك في دراستك واراك يوما في هذا المكانة "
احتضنتها لمياء ببهجة وافتخار والي جوارها ابنتها سارة التي ستتم عامها الرابع قريبا :
"مبارك صديقتي ..الأن قطعت نصف الطرق نحو حلمك ..وبإذن الله سيتحقق حلمك كاملا بأخذ الدكتوراه "
أجابتها وجد مبتلعة طلقة الالم الهادرة بأسفل بطنها بصعوبة فجاء صوتها كالأنين :
" اشكرك صديقة العمر ..أشكرك علي وجودك معي اليوم انت وسارة الجميلة "
خبت ابتسامة ياسمة في تقدمها اليها في مع حميد وهي تري قطرات العرق تندى جبينها وأثار الوجع فوق محياها ظاهرة فسألتها بقلق :
"وجد هل أنت بخير حبيبتي ؟!"
اغمضت وجد عينيها وأجابتها بتوجع شديد :
"اشعر انني دخلت مرحلة المخاض وسألد الأن "
هتف نديم بجزع واعطي اكمل لخالته ياسمة :
" ماذا !!.. انت مازلت في بداية الشهر التاسع ولم تبدأيه سوي من يومين "
سألتها لمياء باستفسار :
" هل تشعرين بطلق الولادة "
أحابتها وجد واصابعها تحاوط أسفل بطنها بألم :
"نعم اشعر به واصبح فارق التوقيت بين الطلقة والاخرى متقاربا .. "
تمتم نديم بقلق شديد :
" يارب أسألك السلامة لها والعافية "
طمأنته لمياء بثبات :
" اهدأ يانديم .. انه وقت طبيعي للولادة طالما دخلت الشهر التاسع ..وبإذن الله ستمر علي خير .. لا تهلع انت ،احمل وجد وهيا بنا لسيارتك فلا وقت لدينا نضيعه "
صرخت وجد مع طلقة الألم المتموجة برحمها وتمسكت بكف لمياء الممتد اليها تضغط عليه بقوة حتي انقشعت غمامة الألم عنها فحملها نديم بسرعة وصاحت لمياء وهي تهرع الي جوارهما :
" سأتصل بالدكتورة سارة لتجهز لها غرفة الولادة حالا حتي تكون باستقبالها حين نصل اليها "
انطلقت شذي وأكرم يتبعان نديم فاسرع حميد بأخذ أكمل من بين ذراعي ياسمة المدمعة العينين يبثها الهدوء :
"حبيبتي ..اظن علينا ان نرافق كريم واكمل للمنزل عند سومة ونلحق بهم للمشفى "
نظرت اليه ياسمة باهتزاز ثم بدأت تحرك قدميها للخارج الي جوار حميد ساهمة لا تنطق بكلمة حتي اوصلت الطفلين لأمها واخبرتها بما حدث لوجد ،فنادت سومة سنية لتجلب حقيبة الولادة التي جهزتها وجد لهذا الوقت ثم سألتها أن تهتم بالطفلين حين جلست سومة متوترة بمقعدها تسبح فوق خرزات سبحتها وهى تدعو الله بقلب قلق ان ينجي وجد من اي مكروه ويجعل لها السلامة مع مولودها ..
انطلق حميد الي المركز الطبي .. وفي طريقه مد أصابعه ليطبق فوق كف لمياء القابع في حجرها وقربه الي فمه مقبلا :
" لا احبك ان تشردي وانت الي جواري .. "
أجابته ياسمة دون ان تلتفت اليه مريحة كفها الأخر فوق بطنها :
"أنا لست شاردة ..أقسم لك انه ليس بيدى ، في بعض الاحيان اجد الأمر صعبا للغاية عليّ ولا استطيع التماشي معه برحابة صدر وانا اعايش هذه اللحظات بالذات .. ليس حسدا لاحد فانت أكثر من يعرفني ..أنما حزنا علي عجزى وفقر رحمي "
اردف حميد برجولة :
" ولماذا يحزنك فقدان أمر لا يؤثر بحياتنا او سعادتنا ..فكل ما يبهجني بالحياة انت وكريم ..تذكرى دوما أنه لولا حرمانك من الأنجاب ما كنا التقينا ثانية .. الحياة لا تعطينا كافة الأمور حبيبتي فلتحمدى الله واستعيذي من الشيطان الرجيم "
رددت ياسمة ورائه :
"الحمد لله الف مرة و اعوذ بالله من الشيطان الرجيم "
اقترح عليها حميد :
" ما رأيك لو تدعي الدكتورة سارة تجرى الكشف عليك لتخبرك سبب اضطراب دورتك الشهرية "
رفضت ياسمة بشده :
" لا ..لا اريد ان يفحصني احد انت تعلم ان الطبيب السابق اخبرني انه امر عادى وانه مرتبط بحالتي النفسية والجسمانية ..ارجوك يكفي ما حدث اخر مرة "
تذكر حميد ما حدث منذ عام تقريبا حين انقطع الطمث عنها لثلاثة اشهر فظن الجميع انها حامل خاصة وقد رافقتها كل اعراض الحمل الأولية وملأهم الامل ليقتله الطيب بخبر الحمل الكاذب واضطراب بعض الهرمونات ..قضوا بعدها ايام شديدة الصعوبة لجعل ياسمة تخرج من حالة الاكتئاب التي داهمتها خصوصا مع معرفتها بإنجاب زوجها الاسبق لطفله الاول بعد زواجه مجددا وتخلصه من زوجته السابقة إيداعها مع عشيقها وراء القضبان .. وكأن الله كان لعمر بالمرصاد فكما دمر حياتها سابقا وبدد حلمها بالإنجاب أخذ منه ولده ولم يكد يفرح به بعد اسبوع واحد من مجيئه للدنيا دون سبب....
وصلا حميد وياسمة للمركز الطبي في نفس الوقت الذي وصلا فيه ضياء مع حبيبة فانطلق الجميع بعد تبادل التحية للاطمئنان علي سلامة وجد فوجودها بداخل غرفة الولادة ونديم الي جواره لمياء وشذي يرتكنون للجدار في انتظار خروج وجد بينما يستريح أكرم فوق كرسيه المتحرك في الجهة المقابلة لهم ..
اقترب ضياء من نديم يسأله بقلق :
" منذ متي ووجد بالداخل .. كيف وضعها ..؟ ..هل الأمور مستقرة ؟ "
أجابه نديم بنبرات مشدودة من شدة القلق:
" منذ ربع ساعة .. ادع لأختك ان تخرج بالسلامة ياضياء ..الطبيبة تقول انه وقت الولادة ولكن الرحم مغلق وهذا خطر عليها وعلي الجنين لذا اضطرت لإجراء عملية قيصرية ... انا قلق عليها كثيرا هذه المرة"
حاول ضياء التسكين من توتر نديم فاخبره :
" ستخرج بألف سلامه هي مولودكم بإذن الله ..وجد قوية والله خير معين لها في شدتها "
ردد نديم بلوعه :
"يارب ياضياء يارب "
بعد ربع ساعة اخري خرجت احدى الممرضات من غرفة الولادة متبسمة تحمل بيديها المولدة فأسرع اليها نديم سائلا بلهفة :
"كيف حال الأم ..هل هي بخير "
أجابتها الممرضة بإبتسامة عريضة وهي تناوله الطفلة :
" إنها بخير حال .. الدكتورة تخيط لها جرح القيصرية وستخرج مباشرة "
تنهد نديم براحة وهو يتناول منها الطفلة فهرع اليه الجميع يبارك له مولودته فزاغت عينيه رغم فرحه بالمولدة لباب الغرفة التي مازالت وجد تقبع فيها فلن تكتمل سعادته الا حين يملي عينيه بمرأي حبيبته .. قرب طفلته اليه فخفق قلبه بشده وهو يرى قطعة اخرى من روحيهما تكبر بها اسرتهم الصغيرة وتربطه بحبيبته برباط وثيق ..فكما كانت تردد وجد له في اشد لحظاتهم عشقاً ان اطفالهم سيكونون نتاج لحبهم وتلاقي افئدتهم معا ...
رفع طفلته اليه حتي لامس فمه جبينها برفق وهو يدعو الله ان يحفظها من اي مكروه ويبارك فيها فنبهته لمياء :
" انت لم تأذن في أذنها بعد "
التفت نديم لأكرم ثم سار نحوه يضع طفلته بين ذراعيه وهو يقول :
" ابوها الثاني هو من سيفعلها كما فعلها مع اكمل يوم مولده .."
اخذ منه أكرم الطفلة قائلا بتأثر شديد حتي لمعت عيناه بالدمع :
" بسم الله ..ما شاء الله .. انها كثيرة الشبه بأمها.. حفظها الله وبارك فيها "
رفعها حتي لامس فمه أذنها الصغيرة وبدأ يأذن فيها بصوت شجي وحين أنتهي كانت الممرضات يدفعن التروللي الراقدة فوقه وجد وهي ما زلت بين سكرات المخدر فتتبعها الجميع لداخل حجرتها فنادى أكرم اخته ياسمة الواقفة في الركن بانزواء مترددة من التقدم لرؤية الطفلة :
" أحملي الطفلة ياسمة فذراعي لا يقويان علي حملها طويلا ..هيا أميرتنا الصغيرة أذهبي لعمتك أنا واثق أنك ستصبحين مدللتها الأثيرة من الأن فصاعداً "
دفع حميد ياسمة برفق للتقدم كي تحمل طفلة أخيها فسارت اليها بشوق كبير وحنين يفيض بصدرها ان ينعم الله عليها يوما بمولود من رحمها لتتلقفها بين ذراعيها بحرص شديد وتدخل بها لغرفة وجد التي بدأ ينقشع عنها غمامة المخدر البسيط التي اعطته لها الطبيبة داخل غرفة الولادة فبدأت تمتم بضعف :
" صغيرتي كيف حالها ؟..هل هي بخير ؟"
أخبرتها لمياء ببهجة :
" إنها بخير حبيبتي وتشبهك كثيراً ..بارك الله لك فيها وحمد لله علي سلامتك "
هبت شذي من وقفتها ترنو للصغيرة بين يدى ياسمة لتسألها بتلهف :
" اي اسم ستسميها به ..منذ حملت بها ولم تختاري لها اسم "
أخبرها نديم وعيناه معلقه بحبيبته الراقدة بوهن :
" بالعكس منذ علمت وجد بجنس المولود وقد اختارت أسمها دون تردد "
سألته شذي بفضول:
"حقا وما هو ؟!"
اتجهت أعين الجميع نحو نديم بترقب فتمتمت وجد بنصف ابتسامة :
" ياسمة ..سنسميها ياسمة علي أسم عمتها "
هنأها الجميع علي صواب اختيارها للأسم فوقفت ياسمة بمكانها صامته ترتعش شفتيها برغبة قوية في البكاء فيما التقت بعين أخيها تبثه نظرة شكر عميقة وهي تقول لمسح الحرج عنهم :
" وجد ليس عليك فعل ذلك من أجل مراضاتي يمكنك تسميتها بأي اسم ترغبين "
أجابتها وجد برقة :
" وهل سأجد لأبنتي اسما ارق من اسمك ياسمة ..اتمني لو أراها بحنيتك ورقة قلبك يوما ..إنها ابنتك كما هي ابنتي تماما .."
لم تتمالك ياسمة نفسها وهي تمد الطفلة للحبيبة أقرب الواقفين اليها فأخذتها منها بحرص وهي تسمى الله ..ليأخذ حميد ياسمة بين ذراعيه مهدهدا وهي تبكي بصوت مكتوم فترفق بها نديم وتقدم منها هو الأخر يقبل رأسها قائلا بحنو :
" لا تبكي ياسمة ..أرجوك فدموعك غالية حبيبتي "
تأسفت له ياسمة قائلة :
" سامحني أخي لا أعلم ما بالي هذه الأيام حساسة هكذا وأقل الأشياء تبكيني "
ربت نديم علي رأسها بأخوية :
" دعي امورك للخالق حبيبتي وتأكدى أن كل امر بميعاد وان الله لن يخذل صبرك ابدا "
كفكفت ياسمة دموعها لتنهي حالة الحزن التي سيطرت عليها فلا هذا وقتها ولا مكانها .. فانتهزتها حبيبة فرصة لتلطف الأجواء قائلة :
" اعتقد ياضياء اننا يجب ان نحجز ياسمة الصغيرة لأبننا يزن قبل ان يخطفها أحدهم منا "
اعترض نديم بتفكه :
" وهل انا مجنون لأعطي ابني لهذا الدنجوان انسيتم ما فعله في الإجازة الماضية التي ذهبنا فيها جميعاً لإحدى المدن الساحلية "
قهقه ضياء مدافعا عن ابنه :
" لا تلومه يانديم فالطفلة هي من كانت تلاغيه بعينيها "
اكملت شذي ساخرة :
"حقا !!.. احمد الله ان والد الطفلة لم يلقيه في البحر بعد فعلته تلك ..لا اصدق كيف ذهب للطفلة وهي علي حجر أبيها ليقبلها علانية ويهرب مسرعا الينا بمنتهي البراءة"
علق حميد ضاحكا :
" كان يجب ان تروا وجه والد الطفلة وقتها وهو لا يعلم ان كان عليه ان يضحك أم يعلق يزن امام الجميع من رقبته "
قال أكرم وهو يشير لضياء :
" والأدهى من ذلك كله ..كان هذا الفتوة الذي حمل ابنه مقبلا وهو يردد بزهو هذا الشبل من ذلك الأسد "
ضحك الجميع حتي تأوهت وجد من الألم الذي تشعر به وهي تضحك فأسرع اليها نديم يسألها بإهتمام :
" هل اطلب لك الطبيبة لتراك ..هل تتألمين كثيرا "
سكنت وجد روعه وأخبرته :
" أنا بخير حبيبي .. لا تقلق ..هل طمئنت أمي "
أجابها نديم :
" نعم أخبرتها .. وهي تنتظر عودتنا مع ياسمة ياأم ياسمة "
أغمضت وجد عينيها بإرهاق وهي تردد :
" الحمد لله .. اليوم يوم مشهود ولن ينسي أبدا بفرحتي بدرجة الماجستير ومجيء ابنتنا للدنيا ولمة الأحباب من حولي ..الحمد لله انها مرت علي خير وأصبحت فرحتنا فرحتين "
كرر نديم من بعدها :
" نعم الحمد لله .. لقد مررت بلحظات من الرعب لا أريد معايشتها ثانية حتي خرجت من غرفة الولادة ..لا أراني الله فيك مكروهاً ابدا ياحبيبة الروح "
**************************************
يوم السبوع ...
صدح منزل سومة بالضحكات وعلت أصوات التهاني بمجيء المولودة الجديدة ،فأكثر أهل الحي أصبح من أصدقاء اهل المنزل لحلاوة روحهم وكرمهم ..الجميع ملتف حول الحاجة سومة وهي تحمل ياسمة الرضيعة فوق غربال مزين بالتل الوردي وهي تهدهدها بحنو والي جوارها تجلس شهيرة زوجة حسين تدق الهون (وعاء مجوّف من الحديد أو النحاس أو غيرهما يُدقّ فيه الطَّعام والتّوابل أو الدّواء) وعلي منضدة الطعام رصت مستلزمات السبوع باللون الوردي الرقيق للطفلة، منها (قلة) لكون المولود أنثي في صينية بها سبع حبوب مختلفة قمح وعدس وحلبة وأرز وفول وحمص وذرة مع أحد الخضراوات الورقية وعملة معدنية فضية تيمنًا للصغير بحياة رغدة وملح لإبعاد حسد الحاسدين وطلبًا لسعة رزق المولود، بالإضافة لتلك الحلوى التي ستوزع على الضيوف وأكياس السبوع المليئة بالمكسرات والشيكولاتة وحلوى الملبس التي ينتظرها الكبير قبل الصغير ...
بدأت شهيرة بدق الهون وهي تردد عبارات يحفظها الجميع عن ظهر قلب تسأل الرضيعة ان نطيع والديها وجميع افراد العائلة ذاكرة أسمائهم فردا فردا ثم طالبت وجد بأن تمر من فوق طفلتها سبع مرات وهي تردد معها عبارات البسملة ..
بعد ان أنتهت حملت وجد ابنتها بين ذراعيها وتقدمت بها تدور حول المنضدة المضاء عليها الشموع البيضاء والجميع يدور معها مرددين أغاني السبوع المعتادة
أخذت تدور وعيناها تمر بالحاضرين تلقي عليهم بنظرات شاكرة محبة
نظرة تلاقاها زوجها وحبيبها وهو يحمل طفلهم أكمل بفخر الأب وعشق وزهو العاشق
وأخرى لخال لم يتركها من لحظة علمه بوجودها الا وكان لها الأب والسند
وثالثة كانت بحنان يماثل من فتحت لها ذراعيها بوسع الكون وأخذتها تحت جناحيها من قبل أن تعلم حقيقة هويتها فكانت نعم الأم
وواحدة يغلفها الشكر والعرفان لصديقة نصرتها وساندها عمر بأكمله وذاقت معها مر السنين وشقاء اليتم فكانت نعم الأخت
ولم تنسي اخ جاء في أشد أوقاتها يأساً فعلمها دوساً مرسخة بعقلها عن الرضا بقضاء الله وحب الحياة
وكان من نصيب شذي نظرة وداد خالصة فتظل مهما كبرت قرة عينيها قبل ان تكون أبنة عمها
وصلت الي من رحبت بها كأخت وصديقة من أول يوم ألتقت فيه بها فوضعت طفلتها بين ذراعيها بلطف لتذهب هي الي جوار زوجها بإبتسامة اشرقت معها غابات عينيها تتأمل بحبور فرحة الجميع حولها وتجمعهم المحبب وهم يشاركنها سعادتها ونجاحها ثم تلمست أناملها القلب الذهبي بتنهيدة رضا مسموعة فسألها نديم هامساً :
" هل أنت بخير ؟!"
فأجابته بوله غامر :
"لم اكن يوماً بخير كما انا الأن "
مزقي عنك ثوب الخذلان
واخرجي من حالة التيه والهذيان
وحذاري حذاري أن يبتلعك الطوفان
لقد آن لك أن ترمي أحزانك في بئر النسيان
فراشة أنت في طور الطيران
فافردي جناحيك وطيري فوق الأكوان
انشري الفرح وإملئي الكون ألوان
فالحياة لا تنتظر من بها استهان
وعاش في ماض ولى من زمان
الفرح يفتح الأبواب بلا استئذان
ادخليه ليطرد من قلبك كل الأحزان
خاطرة
ميساء علي


****تمت بحمد الله****




سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس