عرض مشاركة واحدة
قديم 31-03-20, 02:00 AM   #618

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحارة شقة سامية وإخوتها
لم تكد رباب تنهي ارتداء ملابسها بعد عودتها من المدرسة حتى سمعت صوت جرس الباب فاتجهت ناحيته لتتفاجئ بسهام شقيقة يوسف تقف أمامها بوجه مرتبك وهي تحييها قائلة :
"مساء الخير رباب ...أعتذر عن إزعاجك "
ردت رباب بمودة :
" لا يوجد إزعاج سهام تفضلي البيت بيتك"
هزت سهام رأسها رافضة الدخول وهي تقول بحرج :
"لن استطيع الدخول ...فانا متعجلة ...لقد تركت ابني الصغير مع جارتي ...وأيضا موعد عودة الأطفال من المدرسة اقترب ولابد أن أعود بسرعة لأجهز الطعام ...تعرفين زوجي ...لو جاء ولم يجد الطعام جاهزا سيثور"

كانت تثرثر بسرعة وتهرب بعينيها من رباب التي ارتفع حاجبها لا تفهم ما تريده سهام التي صمتت للحظات قبل أن تنظر لها قائلة بتوسل :
"رباب أمي أصرت على العودة لشقتها اليوم ولم تقبل حتى أن أتصل بيوسف لأخبره ...أعرف أنك متشاجرة معه ولا يصح أن أطلب منك ذلك ...لكن هل بإمكانك مراعاتها وأن تطلي عليها كل فترة ...صحتها أصبحت أسوء ..وتحتاج لرعاية دائمة ...وخاصة أنها لا تأخذ دوائها إن لم يعطها احد إياه في موعده (ونكست رأسها وهي تقول بضيق و قلة حيلة ) زوجي عاد من السفر منذ عدة أيام ...وتعرفين أن كليهما لا يطيق الآخر ...وأنا غير قادرة على إرضاءهما...لقد كان عصبيا في الصباح فظنت أمي أنه متضايق بسبب وجودها لذا أصرت على العودة فورا ...حاولت إرضائها بلا فائدة ...حاولت الاتصال بيوسف عدة مرات لكن هاتفه كان مغلقا لأدري لماذا .."
عقدت رباب حاجبيها بقلق حين قالت أنها لا تستطيع الوصول ليوسف بينما أكملت سهام حديثها بصوت مخنوق:
" وهي أقسمت على الخروج من بيتي فورا ولو زحفا لو لم أعيدها لهنا فلم أجد بدا من الاستجابة وإحضارها ...ولابد أن أعود فورا ...لذا لا حل أمامي إلا أن أطلب منك العناية بها ( ورفعت وجهها لرباب موضحة) ولا تقلقي هذا الوضع ليس لفترة طويلة فقط ليوم أو يومين ...فيوسف ما أن علم بعودة زوجي حتى أخبرني أنه سيعدها لهنا لكنه سيبحث أولا عن امرأة تبقى معها طوال فترة عمله ...لذا لو لم يكن لديك مانع "
قاطعتها رباب قائلة وهي تربت على كتفها بمودة:
"لا تقلقي سهام ... اذهبي لبيتك ولا تشغلي بالك أو تحملي هم خالتي ...تعرفين محبتي لها ...ومهما حدث بيني وبين أخيك فأمك خارج الموضوع ليس لأنها فقط جدة أولادي لكن لأن غلاتها بقلبي من غلاة أمي رحمها الله "

امتلأت عيني سهام بالدموع وهي تشكرها وتميل مقبلة وجنتها قبل أن تنزل السلم مسرعة تداري دموعها التي سالت دون أن تدري رباب إن كانت بسبب قلقها على أمها أم حزنها على تصرفات زوجها التي تكاد رباب تجزم أنه السبب برغبة حماتها العودة لبيتها فورا …

زفرت رباب بعمق واتجهت لتحضر المفتاح من حقيبتها ثم ذهبت لباب الشقة المقابلة ودخلت بعد أن طرقت عليه بخفة وهي تنادي
" السلام عليكم ..أمي ...يا أم يوسف .."
نظرت أم يوسف التي كانت مضجعة بنصف نومة على الأريكة لرباب ثم أشاحت عنها بوجهها غاضبة دون أن ترد السلام ..فابتسمت رباب وهي تقترب منها تحشر نفسها بجوارها وتربت على كتفها و تناغشها بقولها:
" يبدو أن أمي الغالية جدة منصور غاضبة مني لذا لا ترد السلام ...ترى ما الذي فعلته لتغضب على ...وهي تعرف أني لا يمكن أن أتحمل غضبها هي بالذات "
أزاحت حماتها يدها بحدة رغم ووهنها وهي تقول لها بغضب لائم:
"اذهبي رباب ...أنا لا أحتاج شيئا منك...ولا داعي لتتعبي نفسك وتضغطي عليها لتطلي علي كما طلبت منك سهام ...أنا قادرة على العناية بنفسي ... وحتى لو لم أقدر ...فلتدعوني أموت لأستريح منكم وتستريحوا مني "

أنقبض قلب رباب وهي تستمع لكلمات حماتها الحزينة الغاضبة التي اختنق آخرها بحشرجة بكاء جعلها تقترب مقاومة رفض حماتها لتضمها إليها قائلة بمحبة عميقة تكنها لتلك السيدة التي ساندتها دوما وكانت لها نعم الأم والسند والنصير ضد تصرفات يوسف معها :
"أطال الله بعمرك يا غالية وحفظك لنا ...بالله عليك لا تذكري الموت يا أمي ...والله لو خدمناك جميعا برموش عيوننا ما وفيناك حقك ...يكفى حنانك وقلبك الطيب ودعواتك التي تشملنا جميعا ليل نهار"
نكست حماتها رأسها تقول بمسكنة :
"لقد أصبحت حملا ثقيلا عليكم جميعا ...ولم يعد لي فائدة ...أصبحت كخرقة بالية تتقاذفها الأيدي من مكان لآخر دون حتى اخذ رأيها ...يوسف أراد الخلاص من همي فالقاني لشقيقته ...التي ما أن عاد زوجها ورآني أصبح كالثور الهائج ولم يطقني لديهم ...وكان يتعمد أهانتها أمامي ...ورفع صوته متأففا من الضيوف الثقال ...والعديد من الكلمات المهينة والجارحة التي اعلم أنه يقصدني بها ليدفعني لمغادرة بيته كما لو كنت أكل طعامه .. لكن الحق علي أن وافقت على ترك بيتي ...فصدقا من خرج من داره قل مقداره ...وأنت أيضا هيا اذهبي واتركيني ...ألم تصري على هدم بيتك وطلب الطلاق ... ولم يثنيك عن يباس رأسك توسطي لديك لتغفري ما فات وتعودي لهنا "
زفرت رباب بوجع وردت بحنق :
"أنت بالذات أمي تعلمين أنه يصعب علي العودة ليوسف بعد كل ما فعله وكنت أنت شاهدة عليه ... لكن هذا لا يعني أنني سأتخلى عن رعايتك ...أنت أمي كما أنت أم يوسف ويعلم الله مدى محبتك بقلبي ...فأرجوكِ لا تغضبي على ولا تحرميني صحبتك ..."

أخذت رباب تناغشها وتحايلها حتى استجابت لها الأخيرة ورق قلبها ..

بعد قليل كانت رباب تغلق باب حجرة حماتها بإنهاك بعد أن ساعدتها بتغيير ملابسها وصنعت لها مشروبا دافئا ومنحتها دوائها لتنام بعدها قريرة العين .. فاتجهت ناحية المطبخ مفكرة أنها يجب أن تصنع لها بعض الحساء الساخن ..

سمعت صوت فتح باب الشقة فقطبت وهي تنظر لساعتها مستغربة ...فموعد عودة يوسف لم يحن بعد في الوقت الذي دخل يوسف من الباب حانقا وهو يسب هاتفه ...لابد أن يشتري جهازا جديدا فهذا لم يعد صالحا وأصلحه عدة مرات بلا فائدة ، لقد جن عندما استطاع تشغيله بعد محاولات عدة ليجد عدد من المكالمات الفائتة من شقيقته ورسالة منها تخبرها أن أمه عادت للمنزل …

أغلق الباب وتحرك مسرعا بقلق ناحية حجرة أمه لكنه توقف فجأة وهو يرى رباب تخرج من باب المطبخ فلم تخبره شقيقته في رسالتها بأنها قد تركت رباب معها .

تسمر مكانه وعيناه تلتهمانها .. يا الله ما أجملها ..حتى بثوبها المنزلي القديم بلونه الأزرق الباهت ...وتلك الطرحة الملقاة بإهمال فوق رأسها تظهر اغلب خصلاته يراها أجمل نساء الأرض …
ظل صامتا يتملى بوجهها وقد نسى كل شيء ...آه كم افتقد ذلك الشعور بوجودها بين جدران بيته ..

أخرجه من تيهه صوتها المحرج وهي تهرب من اسر عيناه قائلة :
"عفوا يوسف ...أنا هنا لأن سهام طلبت مني الاهتمام بوالدتك حتى تحضر ...أنا ..أقصد هي بخير ...أخذت دوائها ونامت ...سأعود الآن لشقتي "
تحركت ناحية باب الشقة مسرعة لتوقفها يده تمسك بمعصمها عندما مرت من جواره ثم قال بصوت خنقته العاطفة :
"هذه هي شقتك رباب ...ألم يأن أوان عودتك لها ...لقد اشتاق كل حجر فيها لسيدة البيت "
مالت برأسها تناظره بحزن ثم ابعدت يده وهي تقول:
"لو سمحت يوسف لا داعي لهذا الكلام ..أنا أخبرتك قبلا أني غير قادرة على العودة لك ...قلبي غير قادر على النسيان والسماح ...فلتدع الأمور كما هي...( وصمتت لحظة ثم عادت لتضيف) دعها للزمن"

تحركت خطوة أخرى ناحية الباب لكنها وقفت وأدارت رأسها تتطلع في وقفته الحزينة ورأسه المنكس ..
فنادته برقة :
" يوسف "
رفع رأسه والتفت إليها بلهفة فقالت رباب:
"لا تقلق على أمي ...سأنتبه لها وأنت في عملك "
تجهمت ملامحه ورد بجمود :
"شكرا رباب ...لا تتعبي نفسك أو تشغلى بالك ...أنا سأتصرف "
ترددت للحظات قبل أن تسأله :
"ماذا ستفعل ؟!"
نظر لها بصمت للحظات قبل أن يقول بسخرية مرة :
"كأنك تهتمين "
تخصرت وردت بغضب :
"بالطبع اهتم فأنا أحب أمك "
ناظرها باستجداء يسألها بلهفة :
"فقط أمي ؟! "
ارتبكت ولم ترد فأشاح بوجهه قائلا بحزن:
"كما أخبرتك لا تقلقي نفسك.. ثم إنك تذهبين لعملك صباحا وهي تحتاج لشخص متواجد بصورة دائمة معها بسبب نوبات الاختناق التي تنتابها ...لذا سأطلب من أم حسنات أن تجعل ابنتها تحضر للبقاء معها فترة الصباح مقابل مبلغ مالي "
اتسعت عيني رباب فجأة وهي تلتف إليه بكليتها وتهتف باستنكار:
" نعااااام .. من التي ستأتي لتجلس معها يا حبيبي!"

أجفل يوسف من وجه رباب الذي أشعره كما لو كانت قد تحولت لأنثى تنين فقال بحيرة وارتباك لا يفهم بم أخطأ :
"ما المشكلة؟ ... لقد قابلتني حسنات من يومين وسألتني عن أمي مخبرة إياي أنها متواجدة لو احتجت لأحد يراعيها "
شعرت رباب بالنيران تشتعل برأسها وهي تفكر في أن هذا الغبي الأحمق أمامها يريد إحضار تلك الحسناء المغناج لتجلس هنا بشقتها ...

فوقفت تناظره بعينين ناريتين تهز ساقها وهي تفكر في تلك الفتاة اللعوب التي تزوجت من ثري عربي لعدة أشهر وعادت بعدها مطلقة لتعيد الكرة مع رجل عجوز أملا في أن ترثه لكنها اكتشفت بعد موته بأنه لم يترك لها شيئا من ثروته التي كتبها بأكملها لأبنائه ...فأخذت ترمي شباكها على كل من يتواجد بدفي طريقها من الرجال ...دون أن تهتم بكونه متزوج أم أعزب..

بلع يوسف ريقه وهو يراها ترفع طرفي الطرحة لتربط بهما رأسها بقوة كمن تستعد للهجوم .. ثم تحركت نحوه بخطوات بطيئة تشمر ذراعيها كأنثى تنين على وشك الانقضاض على فريستها .. فوقف يناظر اقترابها بتوجس .. لتقول رباب وهي تطحن ضروسها:

" تريد أن تحضر سيئات ابنة أم سيئات لتبقى مع أمك يا يوسف !!"
رد بحشرجة :
" أجل بمقابل مادي"

رفعت رباب سبابتها أمام عينيه بعصبية حتى كادت أن تفقأ له إحداهما فرجع يوسف بجزعه للخلف قليلا لتقول رباب محذرة " والله لن يحدث ...لن تخط تلك المرأة عتبة هذا البيت ...ولو فعلتها سأكسر لها قدمها .. هل فهمت "

رمش يوسف عدة مرات وهو يتطلع في جمالها الغاضب ثم اتسعت ابتسامته فجأة وقال بحيرة :
"أنا مضطر ليس لدي حلا أخر "

أنزلت رباب إصبعها ونظراتها ووقفت متخصرة أمامه تهتز في عصبية واضحة فتأملها يوسف متقبضا يمنع نفسه من الانقضاض عليها والتهامها وهي تقف أمامه حلوة وشهية وهو جائع ومشتاق بشدة ..
فجأة رفعت رباب عينين ناريتين إليه فعاد لتوجسه لتقول هي :
"أسمع يا أبا منصور … أنا سأخبرك ماذا سنفعل.. سنقسم الوقت بيننا لرعاية أمك(وعدت على أصابع يدها )..أنا وأنت نخرج بالسابعة أنا للمدرسة وأنت لتوصيل تلاميذ المدارس ...لكن سامية تكون موجودة حتى العاشرة فسترعاها في هذه الفترة ..وتعود أنت لتبقى معها حتى الثانية عشرة والنصف .. بعدها سأعود أنا من المدرسة وابقي معها حتى تعود أنت مساءا ...وهكذا حلت المشكلة …"
وضربت بكفها بقوة على صدره حتى كاد أن يتراجع بجزعه للخلف وقالت متهكمة:
"و لا داعي لتبذير مالك على سيئات فأولادك أولى بنقودك "

قالتها وتحركت مغادرة تدمدم بغيظ وهي تخرج و تضرب الباب بعنف خلفها :
" يحضر حسنات لتبقى مع أمه هئ ..هذا ما كان ينقصنا ! "

ظل يوسف متسمرا يناظرها حتى خرجت واغلقت الباب ثم ضحك وضرب كفا بكف وهو يفكر متسائلا (هل جنت رباب ؟)

*******
مدخل شركة الذهبية عصرا


تسارعت خطوات محمود وهو ينظر لساعته ...لقد تأخر كثيرا ووقت نهاية الدوام حل ...إنه سعيد ويحمد الله كثيرا ..لقد طمأنه الطبيب على حالة مازن واستجابة جسده للكلية الجديدة ...وقريبا سيمارس ابنه حياته كأي طفل طبيعي …

كان يرغب في البقاء معه والاحتفال بالأخبار السعيدة مع إخوته لكن هناك أوراق لابد أن ينهيها اليوم ويرسلها بالبريد ...ولا يريد أن يقصر في عمله ..

توقفت خطواته على بعد مترين من باب الشركة الخارجي وهو يلاحظ الرجل الذي سبق ورآه يقف مع نسرين يقف مع آخر قرب المدخل ويبدو أنهم يتجادلان ...كان أحدهما يعطيه ظهره فلم يره بينما الأخر يقف بجانبه ولم يلمحه كلاهما وهو يمر من خلفهما باتجاه المصعد لتتوقف خطواته وهو يسمع حديثهما :
"أختك عنيدة يا شاكر ولسانها طويل ...قد تثير لنا فضيحة ..لا ادري سبب تصميمك على أن ننتظرها هنا"
قال الأخر حانقا:
"لن نعيده ثانية يا هاشم ...نسرين كانت زوجتك لسنوات وأنت تعرف أنها مجنونة ولسانها طويل ..ولن اكرر الفضيحة التي أثارتها لنا بآخر مرة حضرت عندنا للمنزل طالبا إعادتها لعصمتك...لقد تسببت بتجمع الجيران وكادت أن تضرب زوجتي ...هنا لن تجرؤ على إثارة المشكلات حتى لا تفضح نفسها في محل عملها "
ليقول هاشم بنزق :
"وماذا بعد ...حتى لو لم تثر زوابعها المعتادة ...لكنها ستظل ترفض وتعاند ...لابد أن نجد حلا يجبرها أن تعود لي ...يجب أن تجبرها أنت شقيقها تصرف معها "

رد عليه شاكر :
"ستعود لك رغما عنها ...زوجتي هددتني بترك المنزل لو بقيت نسرين فيه ...وأنا مللت من مشاكلهما وشجاراتهما ...لا تقلق ...سأعيدها لك حتى لو رغما عنها"


اتسعت عيني محمود وهو يستمع لحوارهما واخذ يسب نفسه على غبائه وسوء ظنه ..

فمرر يده في شعره يؤنب نفسه ويستغفر الله وهو يفكر بأنه قد أساء لها بسوء ظنه ...ما الفرق بينه وبين من أساء لشقيقتيه ..ليعود للاستغفار وسب نفسه من جديد..

وقبل أن يتحرك لمح المصعد الثاني يفتح وتخرج منه نسرين تدفن رأسها بحقيبتها الضخمة تبحث عن شيء ما بدون انتباه له أو حتى للواقفين بتحفز بانتظارها …

شعر محمود بالقلق وقرر البقاء فتحرك بخفة ناحية الجدار الجانبي الذي أخفاه عن نظر الثلاثة الذين تواجهوا معا …

تنهدت نسرين براحة عندما وجدت محفظتها أخيرا خلف كيس الشطائر الذي تبقى فيه واحدة …

لقد كان يوما مرهقا و تتوق للعودة واخذ حمام ساخن وإلقاء جسدها المتعب فوق الفراش الصغير بتلك الحجرة التي انتقلت لها بعدما استولى أخيها على حجرتها القديمة..
كادت أن تصطدم بشيء أمامها فرفعت رأسها وتراجعت خطوة مجفلة وهي ترى أمامها هاشم وشاكر معا ...فقطبت حاجبيها وسألتهما بحدة :
"ما شاء الله متجمعين عند النبي ...ما سبب حضوركما إلى هنا ووقوفكما هكذا كأسدي قصر النيل ..."
رد هاشم ببشاشة :
"نريد الحديث معك ففكرنا أن نفاجئك وندعوك على الغذاء بمطعم مشويات فاخرة على حسابي أنا "
رفعت حاجبها الأيمن ونظرت له باحتقار وهي تقول ساخرة :
"ما شاء الله أصبحت كريما ولديك مال لدعوات غداء ...رحم الله أياما سوداء عشتها معك لم تدعوني مرة على شطيرة فول ...وفر مالك هاشم ...ما تريد الحديث فيه وجررت معك أخي المبجل لن يحدث ولو وقفت على شعر رأسك"
مد شاكر يده وجذبها من ساعدها قائلا بحدة :
"اسمعي نسرين ...لقد اكتفيت من دلالك وعنادك ...هاشم يريد عودتك الرجل شاري لك ...ومستعد لتقديم كل الضمانات التي تريدينها "
نفضت يدها بعنف وهي تستدير ناحية أخيها صارخة :
" ونعم الشراء يا سندي ...ونعم الرجل الذي تريد أن تعيدني له عنوة …"
امتقع وجه شاكر بينما نظر هاشم حوله في الشارع بحرج وقد أدرك أنها ستفضحهما لا محالة بينما راقب محمود ما يحدث يقف بجوار باب البناية من الداخل متقبضا .. لتكمل نسرين بنفس الانفعال وقد اختنق صوتها بالبكاء :
"ونسيت ما فعله بأختك ...نسيت حقارته معي وهو يتزوج علي أخرى ويحضرها لبيتي ويطردني منه بعد أن خيرني إما أن ابقى كخادمة له ولها ولأهله أو يلقي بي في الشارع .. "

تسارعت أنفاس محمود ولا يعلم لم آلمه صوتها وكلامها ولماذا استحضر كل ما يغل في صدره غضبا من وضع أختيه المظلومتين في هذه الدنيا .. بينما رد شاكر مجادلا :
" الشرع يكفل للرجل ان يتزوج من ثانية وثالثة ورابعة .. هل ستمنعنين شرع الله !!"

هتفت نسرين تقول باستنكار " وهل شرع الله يعطيه الحق أن يرفض تطليقي حتى لجأت للخلع متنازلة عن حقوقي لأناله ... نسيت ما فعله بي يا شاكر واهاناته لي ...والآن تأتي لتقول لي شاري وضمانات …(ونظرت لهاشم بكره شديد وأضافت ) فليأخذ ضماناته معه وليبتلعها بماء نار ينزل ليهري معدته وليذهب للجحيم ويأخذ معه من يحاول إجباري على العودة لحقير مثله "

تقبض هاشم يجز على أسنانه وهو لا يزال يلتفت حوله ويحدج من يحاول الوقوف لمعرفة ما يحدث شذرا بينما تكلم شاكر مبررا لينفي عن نفسه تهمة المشاركة في ظلمها :
"الرجل كان من حقه ان يتزوج أخرى طالما انك عاقر لا تنجبين ...هل ستحرمين حلال الله وتمنعيه حقه !"
شحب وجه نسرين بقوة وشعرت بضربة مؤلمة بصدرها أوهنت ساقيها حتى كادت تترنح ساقطة لتحتضن جسدها بيديها وهي تقول بوجع :
" كل ما قلته للتو لم تعر له اهتماما سوى أن أتعيرني يا أخي يا ابن أمي وأبي بقضاء الله ...أهو ذنبي أن الله لم يكتب لي نعمة الإنجاب ...( سالت الدموع من عينيها وقالت بقهر ) وحتى لو كان حقه ..هل الحقوق تؤخذ بالغدر والخسة والخيانة .... لو كان رجلا لصارحني برغبته ...لخيرني بين القبول والرفض ...لمنحني حقوقي ...لعاشر بالمعروف وفارق بالمعروف ...لكنه خائن وضيع لا يفرق كثيرا عن آخر لا يهمه حق أخته وكرامتها ..كل ما يهمه أن يخرجها من بيت أبيها ليستولي على غرفتها ولو ألقاها بالشارع ( وهمت بالتحرك وهي تقول محاولة لاستجماع أعصابها )...لكن لا وربي لن أمكن أيا منكما من ما يريد ...وليذهب كلاكما للجحيم "

استدارت مبتعدة فشعر شاكر بالحرج أمام هاشم وفقد أعصابه فشدها من معصمها يديرها ناحيته بعنف قائلا بحدة :
"بل ستعودين له ولو رغما عنك ...الرجل سيعيدك لشقتك معززة مكرمة وزوجته الثانية سيجعلها تعيش بشقة أمه مع أبنائها ماذا تريدين أكثر "
تكلم هاشم بخبث أشعل جنونها :
"يبدو يا شاكر يا أخي ..أن حياة الحرية أعجبتها حتى تعيش على راحتها بلا حسيب أو رقيب ..والله يعلم ما تفعل من خلف ظهرك "

شدت نسرين يدها من كف أخيها واستدارت إلى هاشم تلطمه على وجهه وهي تصرخ بجنون :
"قطع لسانك يا ناقص ...يا عرة الرجال ...أنا اشرف منك ...ولا تظن أني لا اعرف غرضك من الإصرار على عودتي لتستولي على مرتبي يا ناقص ... والله كلاكما محسوبان على الرجال خطأ يا من لا تسويا بسوق الرجال قرشا واحدا "

جن كلاهما فرفع شاكر يده يلطمها لكن يده توقفت في الهواء وصوت محمود يقول بغضب :
" إياك أن تفكر حتى بفعلها وإلا قسما بالله سأكسر لك يديك "

هتفت نسرين متفاجئة:
" استاذ محمود"
ناظر شاكر محمود باندهاش بينما قال هاشم مستهزئا :
"ومن يكون حامي الحمى هذا .. أهو من تسيرين معه على حل شعرك وترفضين العودة لعصمتي لأجله أم تراه ..."

لم يكمل جملته لأن قبضة محمود انهالت على وجهه بضربات متتالية مجنونة …
ضربه بغضب وحقد …
ضرب فيه كل حقير يستغل ضعف النساء …
كل حاقد يسيء لسمعتهن …
ضرب كل من مس سمعة رباب وسامية بكلمة ...
ضرب محمود وضرب وضرب ولم يستطع أحد السيطرة عليه أو إيقافه ..
لم يكن يشعر بمن يجذبه ...ولا بصرخات مدحت ولا الناس التي تجمعت ..
ولم يكن يشعر بأن الممدد تحته على الأرض تسيل دمائه وتغرب عينيه ويلفظ أنفاسه..
أنتهى الفصل


رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس