عرض مشاركة واحدة
قديم 31-03-20, 02:34 AM   #621

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني والعشرون

شركة الذهبية
بعد نصف ساعة


وقف مدحت متخصرا يراقب الطبيب الذي أنهى ربط رأس هاشم الذي لم يكف عن الأنين وهو لا يزال غير واعي تماما.. وحين أغلق الطبيب حقيبته اقترب من مدحت ليقول له بهمس :
"حالته جيدة ...الجرح في رأسه سطحي ولا أظنه أصيب بارتجاج...لكن من الأفضل أن يقوم بتصوير إشعاعي للرأس حتى نطمئن أن السقطة لم تؤثر عليه خاصة مع فقدانه للوعي لفترة طويلة ...عموما تابعوه للساعات القادمة وتأكدوا انه لا يعاني من قيئ أو دوار …"

هز مدحت رأسه وشكر الطبيب وهو يمنحه مبلغا من المال رفضه الطبيب قائلا :
"نحن جيران أستاذ مدحت أنسيت أن باب عيادتي بجوار باب شركتك ...ويكفي الحملة الدعائية الرائعة التي قمت بها لي .....والله لولا مقدارك عندي وثقتي بتأكيدك أن المسألة عائلية حساسة ...لم أكن لأقبل الصمت وعدم إبلاغ الشرطة ... "
ربت مدحت بامتنان على كتف الطبيب وأشار لنسرين الواقفة بشحوب بجانب الغرفة لتصحبه خارجا …

بمجرد أن تحركت مع الطبيب وأغلقت الباب حتى أطرق مدحت مفكرا بما حدث …
حتى الآن لا يكاد يصدق ما حدث...لقد كاد محمود أن يزهق أنفاس هذا المستلقى على أريكة مكتبه ولولا رحمة الله التي جعلته هو وحارس الأمن يستطيعان فصله عنه لحدث ما لا يحمد عقباه …

لقد استطاع بصعوبة تفريق الناس وأخبارهم ان الرجل بخير رغم أنه لحظتها لم يكن واثقا ...واجبر حارس الأمن على إغلاق فمه وعلى أن يحضر له شرائط المراقبة مهددا بأنه سيتم مسائلته لو قام بالإبلاغ لأنه كان تاركا للحراسة وقت المشاجرة ومطمئنا له بأنه سينهي الأمر بهدوء دون المزيد من المشاكل ..

ورغم أنه لم يعرف التفاصيل الدقيقة ...لكنه فهم القصة باختصار من نسرين في الدقائق التي كان الطبيب فيها يعالج زوجها السابق ..
نظر لشقيق نسرين الجالس بشحوب وصمت مرتبك على احدى المقاعد يتطلع في هذا الذي بدأ يتململ ويزداد أنينه وهو يستعيد وعيه وتركيزه محاولا التحرك والنظر لما حوله.
هتف هاشم بضعف مع دخول نسرين قائلا بتوعد :
"أيتها الحقيرة ... أين هذا الكلب الذي كان يضربني لأجلك ...أنا سأخرب بيته ...سأبلغ عنه واسجنه ...سأ.."
هدر مدحت قائلا بحدة :
"صه يا هذا ...لا اسمع لك صوتا "
أزدرد هاشم لعابه ونظر بتشوش لمدحت الواقف بهيبة استشعرها بوضوح فسأله بتوجس :
" ومن تكون أنت ؟!"
رد مدحت ببرود وعنجهية متعمدا اخافته :
"أنا صاحب الشركة التي تجرأت أنت وهذا ( مشيرا باستهانة لشاكر) على الحضور لبابها لتتهجما على موظفة عندي وتحاولا اختطافها "
انتفض كلاهما وسارع هاشم بالنفي والتبرير:
"اى اختطاف ...لا طبعا ...إنها زوجتي ( ليعدل كلمته مع صوت زمجرتها ) أقصد طليقتي ...وهذا شقيقها ...لقد كنا بانتظارها لنوصلها ونتحدث معها "
نظر له مدحت بوجه صلب وقال بجمود :
"ليس هذا ما سمعته من الشهود ، بل وحارس الأمن ...وما أكدته شرائط المراقبة ...فالجميع شهد أنكما تهجمتما عليها ...وكنتما تحاولان جذبها وضربها ...ولولا تدخل زميلها بالمكتب الذي رآكما صدفة وهو خارج من البناية ودافع عنها وأنقذها من بين يديكم ...لم يكن أحد ليعلم ما كان ليحدث "
كانت عيني هاشم تتسع ذعرا فحاول الاعتدال بصعوبة وهو يمسك برأسه قائلا:
"كذب ...هذا كذب ...لم يحدث ...انتم تريدون الادعاء علي وتضييع حقي ...أنا لن اسمح لكم ...سأبلغ الشرطة ...أنا لدي الإثبات ...لقد كاد الرجل يقتلني وإصابة رأسي تؤكد "
تحرك مدحت ناحية مكتبه واحضر هاتفه قائلا بسخرية باردة وهو يمده لهاشم :
"حسنا تفضل اتصل بالشرطة ...وسنرى من سيتم القبض عليه عندما تحضر ..أنتما ( مشيرا لهما بإصبعه ) أم الموظف المسكين الذي كان يحاول الدفاع عن زميلته لكن قبل أن تفعل أريدك أن تعرف ..أنني لن أكتفي وقتها بمحضر التهجم الذي ستقوم به السيدة نسرين ...بل سأتهمكما ايضا بمحاولة التهجم على مكتبي ...أو بمحاولة إجبارها على سرقة ملفات سرية لعملائي ..وأنكما قمتما بضربها عندما رفضت "
نظر هاشم لمدحت بذهول ونقل عينيه لوجه نسرين التي تنظر له بكراهية وتشفي ليصرخ بها:
"ماذا ...انطقي أيتها المرأة واخبريه أن هذا لم يحدث"
رفعت رأسها وعدلت نظارتها وهي تنظر له بحقد وتقول:
"بل حدث وسأخبر الشرطة بأنها لم تكن المرة الأولى التي تحاولان بها إرغامي على سرقة أسرار عملاء الشركة ...بل انت وهو سبق وحاولتما من قبل وعندما رفضت تهجمتما علي ولدي شهود من جيراننا يا شاكر سيثبتون شجاري معكما من عدة أيام ..( لتضيف بتهديد رغم نبرة نشيج صوتها الباكي ) ولن أكتفي بذلك ...بل سأفضحكما بكل مكان وأجعلكما سخرية العالم اجمع ...(لتنظر لأخيها بتهديد متوعد) أتذكر هذا المدعو ( أبو تورتة) الذي كنت تضحك وزوجتك على قصته وفضيحته على الانترنت ...سأجعل فضيحتكما اكبر منه ...ستكونا رقم واحد على المنصات الالكترونية ..( لتشير بيدها كما لو كانت تريهم المانشيت ) الأخ الذي يريد طرد أخته من بيت أبيها إرضاء لزوجته الشمطاء ..ويتآمر مع طليقها عليها …(لتستدير للآخر الناظر لها بذهول مكملة بحقد ) والطليق الوضيع الذي حاول إعادتها جبرا طمعا بمرتبها بعد أن أهانها وطردها عند زواجه عليها ...وعندما فشل بإقناعها بالعودة .. حاول مع أخيها إجبارها على سرقة مستندات هامة من شركتها ...وليرني كل رجل منكما كيف سيكمل حياته بعدها ...كيف سيعيش ويواجه الناس ..كيف ستنظر الناس في وجهيكما .. "
كانت أنفاس شاكر تتعالي وهو يستمع لكماتها ولم يشعر بنفسه إلا وهو ينتفض واقفا ويتحرك لينقض عليها بغضب محاولا ضربها هو يصرخ
" أجننت ...أتردين فضحي يا بنت **** "
وقفت يده في الهواء حينما جذبه مدحت للخلف بعنف وهو يقول له من بين أسنانه المطبقة :
" أنت مصر إذن على تصعيد الوضع "
صرخت نسرين بغيظ:
"دعه سيد مدحت ليفعلها ..حتى أضيفها للبلاغ ولفضائحه وأخبر الناس عن أخي ..من كان يجب أن يكون حمايتي في هذه الدنيا التي ظلمتني ( واختنق صوتها بالبكاء وهي تكمل بحشرجة ) من ظننته سيكون أبا لي بعد أبي ...سندي في وجه من يحاول جرحي ..ليكون هو أول الجارحين أول ما باعني بثمن بخس لأجل مصلحته "

صرخ شاكر ينكر ما قالته شاعرا بالحرج واخذ يتحدث عن خوفه عليها وعلى مصلحتها لكن مدحت لم يكن يسمع ما يقول ...بل تاهت ذاكراته في ماضي ليس ببعيد ...في وقت كاد فيه أن يكون كشاكر ...يبيع شقيقته الوحيدة لأجل مصلحته ...كاد أن يرضخ لأوامر أمه على حسابها ...فأغمض عينيه للحظة مخفيا شعورا بالوجع وجلد الذات قبل أن يفتحها بتصميم ..لينهي هذا الشجار المقيت بحدة وهو يقول بصرامة :
"كفى ...لا أريد أن اسمع صوتا …( ونظر للرجلين) اسمعا كلاكما ...لقد تجاوزتما في حق موظفين عندي ..وتسببتما بفضيحة أمام شركتي ...تريدان الإبلاغ ...جيد جدا ..هيا تفضلا...لنرى وقتها من الخاسر ...محامي شركتي قادر على جعلكما تقضيان الباقي من عمركما بين الأقسام وأروقة المحاكم .. ( وصمت قليلا يتطلع في وجهيهما الممتقعين ثم أضاف بلهجة ذات مغزى ) أو ننسى جميعا ما حدث بعد تعهدكما أمامي وخطيا بعدم الاقتراب أو التعرض للسيدة نسرين أو لأي شخص يعمل هنا …"

تطلع شاكر وهاشم في بعضهما بارتباك فأضاف مدحت ببرود ليطرق على الحديد وهو ساخن :
"أمامكما خمس دقائق فقط لتحسما الأمر وبعدها لا تلومان سوى أنفسكما ..."

******
بعد قليل كان محمود جالسا بانهيار في مكتبه دافنا رأسه بين كفيه ...يكاد عقله ينفجر ما بين خوف وقلق وغضب
خوف من ما سيحدث
خوف أن يعود لجدران سجن امتهنت فيه كرامته قبل سنوات ظلما
وقلق من نتائج ما سيكون بعدها
قلق حول كيف ستحيا شقيقتاه وأبنائه ...لقد نجو بصعوبة سابقا ولم يكن هناك أطفال معهم ... لكن هذه المرة قد تكون القاضية لهم.

وغضب يشتعل بجوفه كلما استعاد ما حدث.

غضب يجعله راغبا باقتحام مكتب مدحت وإكمال ضربه لهذا الحقير وليكن ما يكون …

تشكلت خلف جفنيه المطبقين صورة طفليه فارتعدت دواخله خوفا على مصيرهما من بعده …

انتفض واقفا حين انفتح باب الغرفة وتعالت ضربات قلبه وهو يرى مدحت يدخل مغلقا الباب خلفه بينما أسرعت نسرين تسترق السمع من خلف الباب بقلق شاعرة بالذنب…

نظر محمود لمدحت بقلق ويسأله بصوت مهتز يفضح توتره :
"ماذا جرى له ...هل أفاق ...هل إصابته خطرة ...هل الشرطة بالطريق لأخذي ؟"
ربع مدحت ذراعيه ونظر لمحمود بجمود وصمت للحظات قبل أن يشفق عليه وهو يرى جسده قد بدأ يتعرق وعينيه تهتز فطمأنه بصوت صارم لائم :
" هو بخير ...إصابته سطحية ...واستطعت بصعوبة الضغط على كلاهما ومنعهما من الإبلاغ وتم احتواء الأمر ...لكن هذا لا ينفي أنك أخطأت وكدت تضيع نفسك وسببت لغط لسمعتك وسمعة نسرين وسمعة الشركة "

أطرق محمود برأسه لا يدرى أيهم الأكثر غلبة بداخله ...شعوره بالراحة ..أم الحرج ...لا يدري كيف يرد على مدحت أو التصرف الأمثل ...هل يترك العمل لديه ...لكن كيف وهو مدين له بالكثير ...بل وزاد دينه أكثر بعد موقفه الآن …
زادت وطأة الصمت الحرج حتى قال محمود باستسلام :
"اعترف أني فقدت أعصابي وكدت أتسبب بمشكلة كبيرة ...أنا متقبل لأي جزاء ترغب توقيعه و "

لم يكمل جملته ألا والباب يفتح بحدة وتدخل نسرين لتقول بانفعال :
"سيد مدحت الأستاذ محمود لا ذنب له لقد كان يحاول الدفاع عني بشهامة ...الذنب ذنبي ...أرجوك لا تعاقبه على مصائب عائلتي ...أنا المسئولة..أنا سأترك العمل فورا ولن تروا وجهي بالشركة مرة أخرى و ..."

قاطعها محمود بحدة :
" أنت لا شأن لكِ ...ولا داعي لدفاعك عني ..الخطأ خطئي وأنا سأتحمله وأترك الشركة "
استدارت له متخصرة تقول بعناد :
"لا بل خطئي أنا وأنا من سأتحمله واترك الشركة "
صاح بغيظ وهو يقف أمامها متخصرا هو الأخر :
"أنا من فقدت أعصابي وكدت اقتله وتسببت بكل تلك المشكلة وأنا لا أتقبل أن يتحمل احد أخطائي لذا سأترك الشركة "

ردت كعاصفة عاتية :
"بل أنا من أخطأت لأنني تشاجرت معهم أمام الباب وأنت كنت تدافع عني لذا سأترك الشركة و .."

صرخ مدحت فيهما :
"كفى ...لن يترك الشركة احد ... ...نحن هنا عائلة نساند بعضها …"
صمت كلاهما ناظران له بامتنان أنقلب لقلق حينما أضاف بمكر :
"لكن الأمر لا يمنع أن العائلة أيضا تعاقب من يخطئ من أبنائها ..."

صمت قليلا تاركا كلاهما يناظراه بترقب وجل قبل أن يضيف بابتسامة خبيثة :
"من هذه اللحظة ولمدة شهر كامل كلاكما ستقومان بالعمل لساعتين إضافيتين مساءا ...ولن يقتصر عمل كلا منكما على مهام وظيفته بل سيشارك الآخر في عمله ...بمعني أن محمود سيساعدك في عمليات إدخال البيانات وجدولة المواعيد والتواصل مع العملاء ...وأنت ستساعدينه بجداول الحسابات وحساب النفقات وإدخال كشوف الدائن والمدين وكل مهام عمله ...وإياكما ..أتسمعا إياكما أن أراكما تتشاجران أو يقول أحدكما للآخر هذا ليس عملي "

وتركهما بعيون متسعة وأفواه متدلية وغادر
******
الحارة شقة شحاته العسال

مرر سيد يده على وجهه متجاهلا تنبيه بورود مكالمة أخرى ولم يهتم حتى بالنظر لمعرفة من المتصل بينما يجيب أخيه على الهاتف بغيظ مكتوم :
" ماذا تقصد بقولك أننا أخبرناك عن هذا فقط لاحتياجنا لتوقيعك ...ما معنا هذا التحقيق حول ما تركه أبيك ... ( ليضيف ساخرا بغيظ ) أكان أباك مليونيرا مثلا وأنت لا تعلم ..أم تظن أن جدك الباشا أو عمك الملياردير المهاجر مات وورثه أباك ونحن نخفى عنك ثروته!! ...يا محمود المسألة كلها حساب بريدي بقيمة مائة وخمسون ألفا اكتشفناه صدفة بعد وفاته ...( وصمت للحظات مستمعا قبل أن يهدر بأخيه غاضبا ) لا أفهم ما تعنيه ...بما تتهمنا بالضبط ...أتظن أباك كان يخفى أموالا مكدسة تحت بلاط المنزل ونحن نخفيها عنك !! ... لقد صارحتك بأن أباك قد وقع دين بمبلغ خمسون ألفا لصاحب المعرض قيمة جهاز سما ورغم ذلك لن اخصمه من نصيبك لأني كنت متعهدا لأبي أنني من سيسدده وهو فقط سيوقع عليه لأنه موظف والرجل اشترط أن يقوم بالتوقيع موظف له راتب ثابت ضمانا لحقه ...لو أنني أريد إخفاء شيء أو أكل حقك لم أكن لأخبرك بعهدي لأب..."
تفاجأ سيد بأمه تشد الهاتف من فوق أذنه وتضعه على أذنها هي صارخة في ابنها البكري بغضب :
"اسمع يا ابن بطني ...غدا صباحا تكون هنا لتوقع مع إخوتك بالبريد على استلام المال ...وسيكون معكم الرجل صاحب الدين ليأخذ نقوده ...وكل منكم سيصرف نصيبه ..أما شقيقيك الصغيرين سيبقى نصيبهما كما هو لأنهما تحت الوصاية ...سيد ليس ملزما بدفع مبلغ الدين لكنه أصر التزاما بكلمته مع أبيك... رغم أن أبيك وأنت قبله أولى بها أيها الكبير ...لذا اخرس واسمعني صوت سكاتك وإن لم يعجبك الأمر فلا مشكلة ...سأجعله يدفع لك كامل مبلغك كأن الدين غير موجود ... سيد اخبرني أن نصيبك لو حسبنا الدين من التركة ووزعنا الأنصبة الشرعية من المائة ألف ...سيكون تسعة عشر الفا وأربع مائة جنيه تقريبا( لتصمت لحظة قبل أن يميل فمها بسخرية مريرة وهي تقول )..لا بأس يا ابن أبيك لا تنفعل حتى لا ينفجر لك عِرق وأربعمائة وأربع وأربعون نسيت الأربع وأربعون جنيها ... ولو حسبنا المبلغ دون الدين سيتبقى لك ...رغم أنه المفروض لا يتبقى شيء لكن ماذا أقول لضمير أخيك الذي ألزم نفسه بوعده لأبيك ( لتنظر لسيد بلوم ممزوج بفخر وحب وهي تكمل ) تسعة ألاف"
نبهها سيد ساخرا:
" وسبعمائة واثنان وعشرون جنيها يا أمي لا تنسي حتى لا يظن أننا نسرقه "
قالت أمه ساخرة وهي تبعد الهاتف للحظة :.
"هو متذكر يا ضنايا وقال الرقم كاملا …(وأعادت الهاتف على إذنها تقول بعد لحظات استماع ) تريدهم فورا ؟...لا بأس سأجعل سيد يعطيهم لك ...لكن وقتها استعد لأنني وأخويك سنجهز حقائبنا ونأتي لنقيم معك ...أظن آن الأوان لتحمل همنا قليلا ...معاش أبيك لن يكفينا أنا وأخويك دورسهم وحدها تتعدى قيمته وهما مراهقين واحتياجاتهما كثيرة ..وأنت البكري يا بكري أبنائي ..ولا يصح أن تأخذ كل مالك وتُلزم سيد بدفع الدين وفوقها يتحمل همي وهم إخوتك ....(صمتت للحظات تستمع قبل أن تسيل دمعة بجانب عينها أخفتها عن سيد وهي تميل بوجهها تبتسم بمرارة قائلة ) حسنا لا بأس ما دمت ترى ذلك احضر مبكرا ولا تتأخر ...طالما تفضل بقائنا هنا وأن يظل سيد مسئولا عنا ليكن ما تريده ....لكن تتنازل عن نصيبك بالدين لأخيك ....اتفقنا "

أغلقت الهاتف بعدها وناولته لسيد الذي اقترب منها يضمها بين ذراعيه و يقبل رأسها وهو يقول لها معاتبا :
"لم يكن هناك داعي لما فعلت يا أمي ...إن أراد أخذ المبلغ كاملا فسأ"
لتقاطعه غاضبة وهي وتدفعه قائلة :
"الأمر انتهى يا سيد ...أردت أن تخلص ضميرك بعد كلام شيخ المسجد معك وإخبارك أن كل ما تركه شحاته تركة مستحقة بغض النظر عن خطاياه السابقة بحقنا ...لا بأس ...ها قد أبلغناه ...وهو بنفسه تنازل وسيحضر غدا مبكرا لتنهوا الإجراءات ...بعدها تأخذ المال وتبدأ مشروعك...المبلغ ليس كبير ...لكنها نواة تساعد وتسند الزير "
وتحركت بنزق ناحية المطبخ وهي تدمدم بغيظ تاركة سيد مطرقا بضيق قبل أن يتنهد بعمق وهو ينظر للهاتف حتى يرى من كان يلح بالرنين أثناء محادثته مع أخيه فوجد اسم هادر الذي حاول مهاتفته عدة مرات ...

ضغط الهاتف في كفه للحظات وهو يغمض عينه ويجلس ساهما على مقعد خشبي بجانب منضدة الطعام ...لا يدري كيف سيستطيع تحمل الإبقاء على علاقته بهادر والمخاطرة برؤية رؤى معه ...يخشى أن يفقد أعصابه في لحظة تحت وطأة مشاعره فيجن ويخطفها بعيدا عن الجميع…
شد شعره بيده وهو يستغفر الله مغمضا عينيه ينهر نفسه بحدة ...فهو لم ولن يكون أبدا خائنا لصديق .. أو خاطفا لحبيبة رجل آخر …
بعد صراع مع نفسه قرر الضغط عليها وتنحية مشاعره ...قرر أن ينساها ويجبر نفسه على محوها من عقله وقلبه ... ويركز فقط على مستقبله وكيف سيحقق حلمه وحلم صديقيه …
لابد أن يكون مستقبله هو هدفه الأوحد وينسى كل ما عداه ...ولو حدث وصادفها يوما سينظر لها بعدم اهتمام وتباعد كأي غريبة التقاها صدفة ..وسيعاملها ببرود …
سحب نفسا عميقا وضغط على الهاتف معيدا الاتصال بهادر دون أن يتخيل أن وعده لنفسه سينتهي بعد لحظات وبأبشع الطرق ...

*********

قبلها بأقل من ساعة
النادي

تتأبط ذراع ياسمين وهي تستنشق الهواء بعمق وتقول بمرح :
"وأخيرا بعض الحرية ...لا أكاد اصدق أن أبي وافق أخيرا على السماح لي بالخروج والذهاب معك للنادي "
لتغمزها ياسمين ضاحكة وهي تعدل ياقتها بغرور:
" لأجل خاطري كما قال عمي ...تذكري هذه الجمائل ...لولا اتصالي به ومحايلتي وأنا أكاد ابكي وأتمسكن لما وافق "
وكزتها رؤى بجانبها وهي تقول بمشاكسة :
"هل ستذلينني! .. منذ خروجنا من الجامعة وأنت صدعتني بمآثرك لإقناع أبي ..على الأقل اجعلي الإذلال يستحق وادعيني على الغذاء فأنا أتضور جوعا وأريد وجبة كبيرة منوعة ...ويا حبذا لو كانت من فواكه البحر "
رفعت ياسمين حاجبا ساخرا وهي تسحبها لتجلسا على منضدة قريبة من ملعب التنس ثم قالت:
"هل أخبرك احد أنني ابنة مليونير ... أقصى ما يحق لك طلبه هامبورغر أو لأكن أكثر كرما لنجعلها شاورما ...(لتستدرك قائلة بتحذير ) لكن ساندويش واحد فقط لا تفتري على جيبي ...وأمري لله سأتنازل أكثر واسمح لكِ معه بمشروب كولا وطلب بطاطس لتعرفي مدي كرمي وأفضالي عليك "
ردت رؤى متهكمة وهي تضم قبضتها وترفعها قرب وجه ياسمين كما لو كانت ستضربها :
"كرمك يكاد يغرقني ويفيض والله ...أتريدين أن تطعميني ساندوتش واحد فقط ...ماذا اصنع به إن شاء الله ! امسح به حلقي! ...اسمعي اقل من خمس ساندوتشات لن أقبل "

هتفت ياسمين بعناد رافض ممزوج بالمرح:
"ماااذا ؟!! خمس لماذا إن شاء الله... منعا للحسد ؟"
هزت رؤى كتفيها وقالت :
"أنت يجب أن تراضيني "

ردت ياسمين ساخرة :
"أراضيك ؟! لماذا ...هل تظنين أني أنجبتك ونسيتك ...ثم أنا سأموت وافهم أين تذهبين بكل هذا الطعام ..."
رفعت رؤى كف يدها مفرودا بأصابعها الخمس بوجه ياسمين وهي تقول لها هاتفة :
"قل أعوذ برب الفلق ...ستحسدينني يا فتاة ...ولا شأن لكِ بأين يذهب ...أنت وعدتني بدعوة غداء هيا اطلبي طعامي "

أشاحت ياسمين بيدها بعناد :
"لن أفعل ولا غداء لكِ .. ابقي هكذا بلا طعام يا مفجوعة "
قامت رؤى بسرعة واختطفت حقيبة ياسمين لاستخراج المال رغما عنها وياسمين تحاول منعها قبل أن يوقف مشاكساتهما المرحة ظل هادر الذي وقف بجوارهما وهو يقول ضاحكا :
"أجلا الشجار وأيضا الطعام لبعد انتهاء التدريب وأنا من سيدعوكما على حسابه "

ومال برأسه محييا رؤى :
"مساء الخير آنسة؟ رؤى كيف حالك "
ردت الأخيرة بابتسامة شقية :
" أنا بخير حال شكرا لك رائد هادر ...سعيدة برؤيتك مرة أخرى "
واختلست النظر بجانب عينيها لصديقتها المندهشة والتي يبدو أن المفاجأة صدمتها وتسببت بتدلي فكها فكتمت ضحكتها بصعوبة وهي تسأله مشيرة لملابس التدريب البيضاء التي يرتديها ..شورت ابيض وقميص مشابه جعل وسامته لافته :
"هل تلعب رياضة ما هنا ؟! "

أجاب هادر وهو يدير رأسه ناظرا لياسمين التي تحولت ملامحها من الاندهاش للجمود:
" نعم أنا هنا لألعب التنس ........وسأكون زميل الآنسة ياسمين اليوم "

ساد الصمت قليلا قبل أن تحاول ياسمين تجاهل ذلك التوتر الغامض الذي باتت تشعر به كلما رأت هادر هذا وقالت بجدية وعبوس :
" آسفة .. أنا … لازلت أتعلم وليس لدي وقت إلا وقت التمرين و بعدها سأغادر ..عموما أنا لا العب إلا مع المدرب "
هز كتفيه وهو يستند بكفه على ظهر كرسي رؤى قائلا:
"المدرب لديه ظروف طارئة واعتذر عن التدريب .. لذا سأكون مدربك اليوم "

وقف يتطلع في ارتباكها وهو يتذكر أن المدرب قد اعتذر بالفعل بعد أن هدده بعدم الاقتراب منها .

بينما قطبت ياسمين مفكرة للحظة شاعرة بأن هذا التوتر الغامض قد ازداد بتلك النظرة الشقية في عينيه فقالت بضيق :
"إذا لن العب اليوم ...لا مشكلة"

وعاودت الجلوس ثانية وهي تشيح بيدها باتجاهه قائلة :
"بإمكانك الذهاب والبحث عن غيري ليلعب معك ..هيا هش من هنا"
رفع هادر حاجبه الأيسر وهو يعتدل واقفا قائلا بسخرية :
"هش ...هل أنا دجاجة لتهشينها !!"

دمدمت رؤى ضاحكة :
"بل أظنها تعتبرك ذبابة "

خطفت ياسمين نظرة سريعة نحوه وهو يناظرها بنظرة غامضة فأسرعت بالقول لتبعد عنها ذلك التوتر الذي يزداد وهي ترى وقفته المهيبة وحضوره الطاغي :
"هيا يا أستاذ ...هل ستظل واقفا هكذا ...لا يصح هذا والله ...ابتعد وإلا ناديت الأمن وأخبرتهم انك تتحرش بنا"

لحق حاجب هادر الأيمن بالأيسر قرب شعره وهو يقول ذاهلا:
" يا أستاذ !!!.. و ستنادي الأمن لي أنا !! ...(وصمت لحظة قبل أن يضيف بمكر) كل هذا لأنك خائفة أن أهزمك رغم انك لاعبة تنس قديمة لكِ أكثر من أسبوع تتدربين وأنا لاعب حديث هذا هو يومي الأول؟ ...لا تقلقي ...سأترفق بك"

شرد للحظة مفكرا في أنه لم يكذب ...فهذا هو يومه الأول فعلا لكن بعد فترة توقف دامت عدة سنوات ..ليخرجه من شروده اللحظي صوتها المغتاظ وهي تهتف به :
" أنا لست خائفة منك ...لكن أنا لا أعرفك ولن العب مع شاب غريب لا أعرفه"
رد هازئا:
"على أساس أن المدرب كان من باقي عائلتك! ...ثم أنا من معارف العائلة ...واسألي أبيك ..وللعلم لقد هاتفته واستأذنته "
نظرت له باندهاش وهي تسأله بذهول :
"استأذنته بماذا ؟"
غمز لها بشقاوة قائلا:
"بلعب التنس معك طبعا ..ماذا تظنين؟! ...وللعلم لقد رحب جدا جدا وأعطاني مباركته "
رددت ببلاهة :
"مباركة على ماذا.؟!"
قال ضاحكا :
"على هزيمتي لك في لعبتنا وفوزي بك ...أقصد عليك"

ظلت ياسمين تنظر له باندهاش لا تعرف الرد الأمثل ...وتشعر بأن هناك أمرا ما لا تفهمه ...لتجد رؤى تقف وتقول بتصميم :
" بل ياسمين هي من ستهزمك شر هزيمة كابتن هادر ...أتظن لأن لديك عضلات منتفخة وهي نحيلة كالعصا أنها ضعيفة ولن تقدر عليك ...لا صديقتي قوية وبارعة ...إنها بطلة البلد المستقبلية في التنس …(ودفعت ياسمين المندهشة وهي تضع المضرب بيدها )هيا يا فتاة ...أريه كيف يكون اللعب ...هيا ...والمهزوم منكما عليه دعوتنا على الغداء …(لتستدرك للحظة قائلة) ...اقصد ..أقصد المنتصر هو من سيدفع "

وغمزت لهادر بخفة دون انتباه ياسمين الذاهلة .. والتي تحركت بآلية أمام هادر الذي وضع هاتفه ومفاتيح سيارته على الطاولة ورد لها الغمزة وهو يقول ضاحكا :
"انتبهي عليهم حتى نعود …"

أومأت رؤى برأسها ورفعت له إصبعها علامة النصر من خلف ظهر صديقتها وهي تتخذ مقعدا وتشاهد ابتعادهما مبتسمة .. ثم أخذت تتطلع حولها باحثة عن نادل تطلب منه كوب عصير يصبرها على الجوع قبل عودة صديقتها لكن مرت بضع دقائق لم يمر نادل.. فقررت أن تذهب هي للمقصف وتطلب واحدا فعصافير بطنها تصرخ ..

قبل ان تغادر الطاولة نظرت لحقيبة ياسمين وهاتف هادر ومفاتيحه ثم أخذتهم معها حتى لا تتركهم عرضة للسرقة وتحركت ناحية المقصف..

في طريقها لفت انتباهها لوحة كبيرة معلقة بحوار المقصف للإعلان عن حفل سيقام بالنادي وسيحييه مطرب شهير تحبه فتنهدت بتمني وهي تدمدم بغيظ
" كم أتمنى الحضور ...لكن بالتأكيد أبي مع أحكامه العرفية التي يطبقها علي لن يوافق "

قبل أن تهم بالتحرك اهتز هاتف هادر بيدها فرفعته تلقائيا أمام عينيها وانتفض قلبها فجأة وتعالت نبضاته مع تسارع أنفاسها وهي ترى اسم سيد العسال يضيء الشاشة …
أخذت تنظر للهاتف للحظات عدة وهي تضغط عليه بيدها ...تقاوم بصعوبة رغبتها بالرد ...تجادل نفسها بأن هذا هاتف هادر ولا يصح ... لكنها عادت وقالت وما المشكلة لو أجابته ...فقط لتعزيه بوفاة والده ...فلم تتمكن من الذهاب مع والدها وقت العزاء .

سكت الرنين فأطرقت برأسها وتهدل كتفاها بحزن قبل أن تنتفض كل خلية فيها ويضرب قلبها في جدران صدرها حين عاد الرنين من جديد بنفس الاسم لتجد نفسها تضغط رز الإجابة الأخضر دون قدرة على التحكم بنفسها أو منعها .
تعالت نبضاتها أكثر وغامت عيناها بشوق لم تعد قادرة على إنكاره وصوته المرهق النبرات يأتيها قائلا :
"السلام عليكم هادر ...آسف لعدم ردي سابقا ...كنت منشغلا ...سألقاك اليوم ف..."

قالت باندفاع مقاطعة كلماته :
"كيف حالك سيد ...البقاء لله في وفاة والدك "
ساد الصمت للحظات لم تسمع إلا أنفاسه العالية قبل أن يقول بلهجة مستنكرة :
"رؤى ؟!..أهذه أنت "
أجابت باندفاع :
"نعم ...أنا ...جيد أن عرفت صوتي ...لقد كنت ارغب بعزا..."
قاطعها صارخا بجنون:
"ماذا يفعل هاتف هادر معك ...وأين أنت بالضبط ؟!"
ردت بارتباك:
"أنا بالنادي ...وهادر ترك هاتفه معي حتى "
عاود مقاطعتها قائلا بغضب ثائر:
"لا أريد أن اعرف ...ولا يهمني.. هل سمعت لا يهمني ..فأنت حرة أيتها الآنسة المحترمة التي تذهب مع شاب لا تربطها به حتى الآن صفة رسمية للنوادي …"
اتسعت عيني رؤى بصدمة وحاولت الشرح لكنه لم يمنحها فرصة لمقاطعته بل أضاف باندفاع:
" لا يهمني هل سمعت؟ .. فلتذهبي معه للجحيم حتى ...لا يعنيني هذا...لكن إياك أن تتحدثي معي من الآن فصاعدا ...أتفهمين "

أغلق الهاتف بينما ظلت هي ساهمة للحظات والهاتف ما زال على أذنها كما لو كانت قد تجمدت غير قادرة على الحركة ..
كان جسدها ينتفض من الداخل والخارج ووجها قد شحب ودمعت عيناها ... لتفيق على صوت باسم الواقف خلفها يقول :
"رؤى ما هذه المفاجأة الحلوة ...أممم أتشاهدين إعلان الحفل ...سيكون رائعا ...أنا أيضا أحب هذا المطرب ...وسأحضر هذا الحفل ...لعلمك تذاكر حفلاته تنفذ سريعا …"
استدارت إليه تحاول استجماع شتات نفسها وابتلاع دموعها وهي تسمع لثرثرته بينما أكمل باسم" ما رأيك في أن أحضر لكِ تذكرة وتحضري معي …"

قطبت جبينها فسارع بالقول:
" أقصد معنا أنا والشلة...صدقيني ستمرحين جدا و.."
لم تكن منتبهة لأي مما يقوله ...كل تفكيرها كان شاردا بتلك المكالمة ...تكاد تجن وتلوم نفسها بسبب فعلتها ...سيد فهم الأمر خطأ ...ولابد انه يظن الآن بها السوء لغبائها بالرد على هاتف هادر..لابد أن تجد طريقة توضيح الأمر له ...لابد أن تبرئ نفسها أمامه ...ليس لأجل أي مشاعر حمقاء ...بل لأجل سمعتها وكرامتها هي …

هزت رأسها بإيجاب لأفكارها قبل أن تفيق من شرودها على صيحة باسم الفرحة وهو يقول :
"رائع عزيزتي ..كنت واثق من قبولك ...سأحضرهم وأخبرك بالموعد "
وتحرك مبتعدا بسرعة وكأنه يخشى تراجعها فتركها خلفه مقطبة باندهاش وتساؤل عن معنى ما قاله هذا الأحمق ..

أما على بعد خطوات اخذ من دعته بالأحمق يسارع باسم بالاتصال بصديق له من أعضاء هذا النادي يطلب منه توفير التذاكر له بأقصى سرعة شاكرا في سره الحظ الذي خدمه أخيرا أن قابلها هنا صدفة وهو على موعد لمقابلة عضو من أعضاء النادي .. فلم يكن يعلم بأنها عضوة هنا كما خمن عندما لمحها من بعيد .. وبالطبع لم يضيع الفرصة ابدا..فابنة عمه السخيفة تزيد من سخريتها منه كل يوم ...والمهلة قاربت على النفاذ ...وهو لن يسمح لها بكسب الرهان فالمسألة بالنسبة له صارت تحديا وهو يعشق كسب التحديات ...

سارت رؤى ساهمة تفكر كيف يمكن أن تصل لسيد ... فهو منذ ترك العمل بمنصة المترو ولم تعد تراه ...ولا تعرف أين يعمل لابد أن تجد طريقة للمعرفة … وتطلعت في هاتف هادر بيدها مفكرة .. فحتى لو حصلت على رقم هاتفه لن يفيد فهي تريد أن تقابل هذا الأحمق المستفز وجها لوجه .. لتلتمع عيناها وهي تنظر لمن يبعد عنها بضعة أمتار وتفكر في أنه هو وسيلتها للمعرفة ...فقط يجب أن تكون حريصة وتستدرجه في الحديث …

اقتربت أكثر من المتباريين أمامها ومال فمها بابتسامة راضية وهي ترى صديقتها تقفز متوردة عند إحرازها هدفا تكاد توقن أنه من تعمد الخسارة فيه ليمنحها سعادة وفرحة القفز أمامه بتلك السعادة ...فشعرت لحظتها بالرضا لقبولها مساعدة هادر ...فياسمين لأول مرة تراها تشع وتبتسم بل وتضحك وتنطلق بتلك التلقائية والتألق.
..غمزت رؤى بعينيها ما أن تقابلت نظراتها بنظرات هادر الذي قرر الاكتفاء من اللعب واقترب من ياسمين مسلما على طريقة ثنائيات التنس وهو يقول :
"تهنئتي آنسة ياسمين أنت لاعبة جيدة ومنافس قوي يسعدني اللعب معه ثانية "
نظرت له بأنفة ثم شمخت بأنفها الأفطس وهي تقول:
"بالطبع أنا جيدة ...لكن لا داعي للمزيد من اللعب معي ...العب مع مبتدئ من مستواك "
كاد ان يشدها من أنفها ذاك ليخبرها أنها فاشلة وأنه تعب كثيرا ليمنحها نصرا زائفا يفرحها به ..لكنه تماسك وهو يحدث نفسه بضرورة الصبر ...فحبيبته حمقاء غبية معقدة ...وهو مضطر لاحتمالها فتجاهل كلماتها وهو يخرج من جيبه منديلا يجفف به عرقه ويقول :
" فلندع رؤى تطلب الطعام حتى نعود من الحمامات "
كانت ياسمين على وشك التحرك عندما سمعت ما قال فالتفت له باستنكار وهتفت :
"أي طعام ...هل صدقت حقا أننا سنأكل معا وأنني سأدعوك للغداء"
رفع حاجبه ونفى بقوله :
"بالتأكيد لا ...بل أنا من سيدعوكما ...فأنا الرجل "
صاحت بعصبية:
"إسمع يا سيد "
قاطعها ببرود قائلا :
"هادر"
ارتبكت للحظة وقالت :
"ماذا ؟"
فاقترب مبتسما وهو يكرر :
"هادر وليس سيد اسمي هادر فقط دون أي ألقاب "
تطلعت فيه بتشوش قبل أن تهز رأسها وتقول ضاغطة على حروفها:
" سيد هادر ..كما كنت أقول لك سابقا ...نحن لن نتناول طعامنا معك فالأمر غير لائق ولا يجب ..وأنت لا يصح أن تطلبه"

نظر لها بوله أخفاه خلف قناع هادئ وهو يراها ترفع يديها مزيحة شعرها خلف إذنيها وادعى اللامبالاة وهز كتفيه بعد أن وضع يديه بجيبيه قائلا:
"أنا لم اطلب شيئا غير لائق فوالدك يعلم ..وإن لم تصدقيني هاتفيه "
وتحرك متجها ناحية الحمامات وهو يهتف من فوق كتفه :
"أطلبي الطعام لنا آنسة رؤى ...ولي مثلكما ايا كان "
وأسرع بخطاه ليلتفت ناحيتهم قبل أن يختفي خلف المنحنى ضاحكا وهو يراها تتجادل مع صديقتها واثقا من قدرة رؤى على إقناعها .


عندما عاد بعد دقائق وجد رؤى وحدها فجلس يسألها:
" ألم تعد بعد ؟"
هزت رأسها تجيب:
"ذهبت منذ دقائق بعد أن كادت أن تضربني لتصميمي على قبول الدعوة ...ولم تكن لتوافق لولا أن هاتفت والدها ...لا أدري ما قاله لها ...لكنها رضخت وإن على مضض .."
ومدت يدها له بالهاتف وهي تجلي حلقها محاولة استجماع شجاعتها لأخباره باتصال سيد ...وسؤاله عنه لكن رنين هاتفه قاطعها وهو يتسلمه منها ..ليجيب عليه هادر بمرح :
"ياسر أين أنت يا رجل ..لا أنت ولا سيد تجيبا على هاتفكما …(واستمع للحظات قبل أن يرد عليه) حسنا جيد أن سيد حدثك واتفقتما ...لكن لا داعي للقاء بهذا الميدان ...(وأكمل ضاحكا بسخرية ) أنت يبدو انك نسيت شوارع البلد بعد غيابك ولن أعيد دوراني بحثا عنك كالمرة السابقة.. اسمع ...لدي أوراق وبعض الأمور العالقة بمكتبي السابق بمحطة المترو ...لنتقابل أنا وأنت وسيد هناك غدا في الثالثة ...وبعدها نذهب بسيارتي لنرى المخزن ونحدد ما سيحتاجه ليتحول لمعمل إنتاج ناجح ... (وأضاف ساخرا بمرح بعد لحظات استماع) ..المهم أن تكون متذكرا موقعه كي لا تتوهنا …"

وأنهى المكالمة بسرعة حينما لمح عودة ياسمين.. فالتهمتها عيناه وهو يدعو بقلبه أن يجعلها الله من نصيبه..
أما رؤى فزفرت براحة حينما ساعدتها الظروف أن تعرف كيف تصل إليه دون أن تحرج نفسها

*** ***
يتبع



رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس