عرض مشاركة واحدة
قديم 31-03-20, 02:46 AM   #624

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث والعشرون
المكتبة ظهرا

تسكب الماء الساخن فوق كيس الشاي بشرود جعلها لا تنتبه أن الكوب فاض حتى شعرت بتساقط قطرات الماء الساخن من المنضدة على قدميها ..لتقفز بسرعة مزيحة البراد الكهربائي وتسارع بإحضار قطعة قماش جففت بها المياه ...وما أن انتهت حتى زفرت بضيق وهي تتلفت حولها و عيناها تطرف بين اللحظة والأخرى مخترقة الحاجز الزجاجي للمكتبة ناحية المكان الذي اعتاد الوقوف فيه بسيارته خلال الأيام السابقة وهي تتساءل بقلق عن سبب عدم حضوره أمس أو اليوم .
ألم يتبجح بأنه لن يبتعد مهما قست هي أو ابتعدت ؟!!.
عند هذه الخاطرة مال فمها ببسمة ساخرة وهي تفكر :
(وهل صدقته حقا يا حمقاء !...منذ متى وعز يفي بوعوده ...ألم يعدك سابقا ثم اختفى لسبعة عشر عاما تاركا إياك لتواجهي نيران الجحيم التي أشعلتها المجنونة زوجته السابقة ...انسيه ...اخلعيه من رأسك)
تحركت بنزق تحاول شغل نفسها بترتيب بعض الرفوف ..سعيدة هي بوحدتها فزميلتها أمها مريضة ولن تحضر... واليوم هادئ ولا يتواجد زبائن إلا كل فترة ..
أنهت ترتيب الجانب الأيمن وكانت تتحرك ناحية الجانب الأيسر والذي يفصله عنه مرآة طولية ما أن تخطتها بخطوة حتى وقفت فجأة مطرقة لتعود بظهرها خطوة للخلف وترفع رأسها متطلعة لانعكاسها بالمرآة بتمعن ..اقتربت أكثر تدقق في شكلها وهيئتها ..فامتلأت عيناها بدمع يأبي النزول وهي تمرر أصابعها على ملامحها بانتقاد وتسأل نفسها همسا :
"ولمَ قد يتمسك بك رجل مثله؟! ...لابد أنه انتبه لتغيرك ...لقد كبرت يا سامية ..أصبحت عجوزا شمطاء ...بينما هو ...هو لا يزال كما هو ...بل ازداد وسامة ...تلك الخصلات الفضية زادته ألقا جعلته يبدو أبهى وأكثر وقارا ...لكن أنت ...أنظري لنفسك ...حتى مع ثوبك المفضل ..والذي تعمدت ارتدائه وأنت تخادعين نفسك أنك لا تفعليها لتنالي إعجابه ...(ومال فمها بألم وتدحرجت دمعة من عينها اليسرى ) ...ما الذي سيعجبه فيك؟! ...جسدك الممتلئ! ...ملامحك الأقل من عادية !...ملابسك الرخيصة قديمة الطراز !.. عمرك الذي يقترب من الخمسين!! ...من مثله لو أشار لأجمل امرأة بل فتاة في الثلاثين.. جميلة راقية لألقت بنفسها فرحة بين يديه"
جادلها ذاك الجزء المتمرد في قلبها هاتفا بأنها لم تكن يوما فاتنة الجمال عندما عشقها بالماضي وظل يبثها الرسائل بعينيه لما يزيد على العامين قبل أن يطلب الزواج منها ...لم تكن أنيقة أو ذات جسد منحوت وعيناه كانتا تبثانها شوقا رغم رفضها المتكرر لطلبه ...كما أنه رآها عندما عاد ...رأي طلتها التي زادها العمر والأحزان وهناً وأظهرت التجاعيد حول فمها وعينيها ...وبهتت سمرتها التي كان يتغزل بها سابقا والتي وصفها ذات مرة بالسمرة الصافية الرائعة التي تشعره بدفء الشمس في يوم شديد البرودة .. ورغم كل هذا طلبها للزواج مجددا .
أخرجها من جدالها بين عقلها الرافض وقلبها المتمرد صوت رنين أجراس الباب تنبئ بدخول زبون ..فأخذت نفسا عميقا ومسحت خدها وشدت ثوبها محاولة استجماع شتاتها والتفتت لتجد ساعي البريد فناظرته بتعجب وهو يقول :
"ست سامية ...خطاب لكِ "
أخذته مندهشة وهي تقول :
"لي أنا ؟!!"
هز الرجل رأسه قبل أن يتجه للخارج تاركا إياها تقلب الخطاب المدون اسمها عليه بين يديها بحيرة ...إن الخطابات التي اعتادت استلامها سابقا كان اغلبها خطابات فواتير تخص البضائع بالمكتبة... أو إشعارات مكتب الضرائب وكلها تكون إما باسم المكتبة أو صاحبها ...لم تستلم يوما خطابا باسمها هي .
تحركت ناحية كرسي جانبي خلف الحاجز تنظر للظرف بين أصابعها بوجل وقلب ازدادت دقاته ...فحدسها يخبرها أنه منه ...رغم أن لا اسم مدون للمرسل على غلافه الخارجي .
بيد مرتعدة قلقا وترقبا وفضولا فتحته لتغمض عينيها للحظات قبل أن تفتح طياته وتتطلع بذهول لتلك الورقة المطبوع حول إطاراها زهورا وردية وزرقاء والتي تحمل في نهايتها توقيعه الذي تحفظه عن ظهر قلب منذ كانت تعمل معه بالجامعة .
تعالت أنفاسها وهي تنظر للأسطر أمامها فتجدها غائمة ...كما لو كانت عيناها التي امتلأت دمعا تخشي أن ترى في المكتوب ما ينحر الباقي منها .
أتراه خطاب وداع؟...أم ..تبرير للابتعاد؟ ..أم ..
رفعت كفها تدعك عينها مزيلة ما علق بها من دموع وهي تستنشق نفسا عميقا مجبرة نفسها على الصمود حتى تقرأ أيا كان ما كتبه عز .
صمود سرعان ما تهاوى مع انهمار دموعها وهي تقرأ كلماته.

((احترت كثيرا كيف أبدأ خطابي لكِ ...أي كلمة تلك التي ابدأ بها حديثي معك
هل ابدأها بحبيبتي ......فأنت بالفعل حبيبتي... لكنك لم تمنحيني بعد العفو لأنطقها ...
هل ابدأها بعزيزتي ...كلا فالمعزة رغم وجودها لكنها كلمة باهتة لا تعبر عن قدرك ومقدارك بقلبي ...
فكيف ابدأ؟ ...
أتعرفين يا حُلم سنين العمر التي مرت عجافا بين غربة روح وجسد ...عندما عدت لمصر بعد كل تلك السنوات واعدت بصعوبة أواصر العلاقة مع أبنائي ...عندما فتحت لهم بكل صراحة دفاتري القديمة بما فيها من أخطائي وذنوبي بل وضعفي وجبني ...كان الشيء الوحيد الصحيح بها هي أنت ...ليس تصرفي ناحيتك وابتعادي ...بل حبي لكِ .
ذات يوم سألني ابني مدحت قبل أن يراك أن أصفك له ...أصف تلك المرأة التي ملكت قلبي ولم تستطع السنوات أن تنزعها مني ...تلك التي لم يمر يوم واحدا دون أن أتذكرها ...فملامحها محفورة بعقلي وقلبي رغم كل محاولاتي لأخفيها خلف أقنعة كانت تسقط هازئة مني.. فلا قناع بالعالم قادر على إخفائك من داخلي ...ورغم ذلك فَشلت أن أصفكِ ...
آه يا سامية ... آه يا حبيبتي رغم رفضك أن أنطقها لكن قلبي ينطقها
أتعرفين بعد أن ذهب مدحت عاودني إلهام شعري الذي هجرني منذ هجرت عيناك تاركا البلاد قبل سنوات ...فوجدت قلمي يخط خاطرة عنك بعد أن ظننت أن شعري هجرني كما هجرتك ..أتريدين سماعها ...حتى لو لا تريدين سأخُطها لكِ
يطلبون حبيبتي أن أصفكِ
فقولي بماذا أُجيب
أأصف عيونا كاللهيب
أم أصف قلبا كالحليب
أأقول بأنك الطهر في زمن المعاصي
وفي نار عينيك قد اغتسلت من الذنوب
أم أقول بأنكِ السلمُ في زمن الحروب
وأن ذراعاكِ لي الملاذ بعدما أضاعتني الدروب
كلا حبيبتي إنك فوق الوصف ..وإن سألوني عنكِ
فلن أُجيب

حبيبتي سامية ...اُنهي بها خطابي فأنت رغم أنفك حبيبتي وسأجهر بها دوما ..ويوما سأهمس كلمات خواطري في أذنيك وأنت بين أحضاني تسكنين ...
اغفري لي غاليتي ...اغفري لي ليس فقط ما فات ...بل أيضا غيابي و عدم قدرتي على القدوم لرؤيتك كل يوم كما وعدتك ...فأنا طريح الفراش ...فهناك قطة شقية أغرقتني بوابل من الماء أصابني بنزلة شعبية ألزمتني الفراش مرغما...لكن مهما فعلت تلك القطة سأظل أعود إليها مهما حاولت إبعادي...فقط قليلا من التعافي وسأعود لأسكن أمام بابها ..وحتى أعود انتظري مني خطابا كل يوم أعوض به الغياب ...سلاما يا سامية الفعل والاسم))
.........

طوت الخطاب شهقاتها تتعالى كما وجيب قلبها ...تحاول الكتمان ...تحاول التحكم بنشيجها دون فائدة حتى استسلمت وألقت برأسها على ذراعها المطوي فوق الحاجز الزجاجي في الوقت الذي كانت يدها الأخرى تضم خطابه لصدرها ...تبكي بحرقة لا تدري إن كانت حزنا لأجل ما مضي أو ما سيأتي.
لا تدري إن كانت دموعها شكوى منه أم عليه ...لتنطلق آآآه موجوعة من بين شفتيها تلحقها حروف اسمه كأنها تناجيه أن يصدُق فلا يعاود خذلانها مهما قست ...فقد أكتفت من الخذلان ..
******


رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس