عرض مشاركة واحدة
قديم 31-03-20, 02:48 AM   #625

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

شقة عز
تناول كوب الينسون الساخن من يد مصيلحي وهو يشكره بصوت متحشرج من أثر السعال ...ثم وضعه على الطاولة الصغيرة بجانب فراشه وعاود سؤال خادمه العجوز قبل أن يخرج :
"هل أرسلت خطاب اليوم؟"
استدار له الرجل نزقا وهو يجيبه :
"نعم للمرة الثالثة أخبرتك أني أرسلت الخطاب ...كما أرسلت خطاب أمس "
ثم استدار وهو يضرب كفيه معا قائلا بهمس مسموع :
"والله لا أفهم أي خطابات تلك التي تجعلني أرسلها ...هل الهواتف جعلت أحدا يرسل خطابات الآن ...لمَ لم يحدث أيا كان من يراسله بالهاتف "
تباعد صوته حتى أختفي بينما ابتسم عز على كلماته وهو يريح رأسه المرهق على ظهر السرير مفكرا .
أتراها استلمت اليوم الخطاب الذي أرسله أمس؟ ...وهل ستتسلم غدا خطاب اليوم ؟...
تُرى كيف ستكون مشاعرها عندما تقرأه؟ ...هل ستفرح... أم تغضب ...هل ستخفيه بين حاجياتها وتحتفظ به؟ ..أم تمزقه وترميه ..
آه كم اشتاقها رغم أنه لم يمر سوى يومين لم يراها بهما...لا يدري كيف أحتمل بعادها كل تلك السنوات ....لكن يبدو أن معين صبره قد نفذ ...ولم يعد في العمر الكثير يجعله يصبر أكثر ...لذا سيظل يحارب حتى ينال عفوها ورضاها ..
مال برأسه لتلك الوسادة بجواره متسائلا ببسمة شقية ( ترى متى استبدل برودتك بدفئها ..رخوتك بلينها) ...
أغمض عينيه وتراءى خلف جفنيه صورتها فتلاعب به شوقه ومشاعر رجولة كبتها لسنوات بدأت تثور مطالبة بها...
أخرجه من خيالاته الجامحة صوت رنين جرس الباب ..ففتح عينيه مندهشا ناظرا بتعجب للساعة بجواره والتي تشير للواحدة ظهرا...
لقد هاتفه مدحت منذ قليل وأخبره أنه سيحضر إليه مع ماهي بعد ساعة ...أتراهما قد بكرا بالحضور ؟..
حاول التحامل على نفسه حتى لا يثير قلق ماهي ...فهي شديدة التعلق به والقلق عليه ...لقد تعب أمس ليقنعها أنه بخير ولا داعي لمبيتها معه بينما أغرقته بدموعها التي كانت تتزايد كلما سمعت حشرجات أنفاسه أو صوت سعاله ... وحمد الله أن سامح ومدحت استطاعا إقناعها بتركه رغم أنها لم تكف عن مهاتفته كل ساعة حتى توسلها أن تتوقف لأنها تمنعه من النوم ...
ضحك عز بخفوت متذكرا أنها توقفت عن مهاتفته هو لتزعج طباخه العجوز حتى جعلت الرجل يشد شعره وهي تصر عليه كل ساعة أن يدخل ليطمئن عليه...
كان يبحث بقدمه عن خفه المنزلي عندما تصلب جسده و نبرات صوت يحفظ صلفه وكِبره جيدا يصل إلى مسامعه جعلت غضبه يتعالى وهو يستحلف ولديه لإحضارها معهما ...تحرك غاضبا وهو يخرج من حجرته متجها لغرفة المعيشة بخطوات حازمة رغم وهن جسده.
قالت رقية لمصيلحي بتسلط آمر :
"أخبرتك أيها العجوز الغبي أني والدة أبنائه وسيستقبلني بكل تأكيد حتى لو كان نائما ...اخبرني أين حجرته وأنا سأدخل له بنفسي "
استدارت في الثانية التالية على صوته الحازم يقول :
"لا داعي لتتعبي نفسك ...ولا أظن أنه من اللائق أن تحضري لبيتي ..ناهيك عن محاولتك اقتحام غرفتي "
نظرت لعز الواقف بجسد مشدود رغم شحوبه .. ثم اقتربت منه بهدوء وهي ترسم ابتسامة متسعة وتقول برقة وهي تمد يدها له :
"كيف حالك عز ...لقد بت قلقة طوال الليل وكنت أهاتف ماهي كل ساعتين لأطمئن عليك منها ...وما أن انتصف اليوم لم استطع الصبر و جئت لأطمئن عليك"
نظر لها ببرود وقال دون أن يمد يده أو يدعوها للجلوس :
"كيف عرفت عنوان بيتي؟!"
أجفلت للحظة وانقبضت ملامحها كانقباض كفها الذي ضمته لجنبها وهي تقول لائمة بعتاب بعد أن تجاهلت إجابة سؤاله :
"أترفض مد يدك للسلام عليّ يا عز ؟!...هل نسيت كل ما كان بيننا وكل ماضينا لدرجة تجعلك تعاملني بتلك الطريقة !...لم يشفع لي عندك حبك لي بالماضي ولا حتى كوني أم أبنائك"
نظر لها بازدراء شع بمقلتيه وهو يقول من بين أسنانه:
"المشكلة أني لم ولن أنسى رقية هانم ...ولولا أبنائك هؤلاء لكنت تصرفت معك بما يليق بإنسانة حقودة حقيرة مثلك "
شهقت رقية وتراجعت خطوة مجفلة من حدة كلماته التي لم تتخيل أن تخرج منه يوما ..فقد كان دوما شخصا طيبا مهذبا ...كان من يطلق عليه بأوساطهم الرجل المهذب... لم تتخيل أن يتصرف أو يتحدث معها بتلك الطريقة مهما كان مدى غضبه منها ...لكن يبدو أن السنوات غيرته ...وعليها أن تغير تكتيكها معه ...فدفنت وجهها في كفيها وقالت مدعية البكاء :
"أنا يا عز؟! ..أنا حقودة ...كل هذا لأني كنت احبك وأدافع عنك وعن بيتنا ... تتهمني بالحقارة لأن الغيرة عليك أعمتني وجعلتني أتصرف بطيش وغضب من شدة حبي لك "
نظر لتمثيلها المفضوح ساخرا وهو يقول بملل :
"رقية ...توقفي عن ما تفعليه وادخلي مباشرة فيما تريدين ...فأنا لن أتحملك لوقت أطول "
رفعت رأسها تنظر له بعينين لا أثر للدمع بهما ...فالتوى فمه ببسمة قاسية ...فهي حتى لم تستطع أن تجيد الادعاء وتزرف بضع دمعات خادعة.. ثم انقبضت معدته وهو يسمعها تقول :
"أريد أن نعود معا يا عز ...الماضي فات.. وما فات مات وانتهى ...لقد علمت من ماهي انك تنوي الزواج ...لم أعرف من هي العروس فماهي لم تخبرني ...ولم اهتم ...أيا كانت لا أظنها تشكل لديك أهمية ..فلا أعتقد أنك عرفتها لوقت طويل ...أظن أنك فقط تريد رفقة بعد كل هذا الوقت من الوحدة ...وأنا ( واقتربت منه أكثر تمرر يدها على كتفه بإغواء وهي تدور حوله قائلة بتدلل ) أنا الأحق ..فأنا والدة أبنائك ...ويوما سيجمعنا الأحفاد .... تخيل يا عز أن نجتمع معا بحديقة فيلا عائلتك حيث أقيم ...وأحفادنا حولنا يلعبون ويتقافزون ...وأبنائنا يتجمعون معنا بدل هذا التشتت بيننا ..."
رفع سبابته وإبهامه وأمسك بكفها التي تدلك كتفه بقرف كما لو كان يمسك شيئا قذرا وأبعدها بحدة ثم تراجع خطوة للخلف ناظرا لها باشمئزاز وهو يقول بكل ما يختزنه من غضب تراكم على مر السنوات :
"يا الهي ...ما أنت ...حقا كيف تطيقين نفسك ...كيف تجرئين ...بل كيف تتخيلين أنني قد أوافق يوما على أن اجتمع معك تحت سقف بيت واحد ...أن تحملي اسمي للحظة أخرى ...هل جننت؟!! .."
تطلعت فيه بعينين متسعتين ذهولا بينما ارتفع صوت عز أكثر وهو يكررها بحدة جعلت أنفاسه تتحشرج حتى كاد أن يختنق بالسعال وهو يضيف ما أن استرد أنفاسه المختنقة :
"لو كنت آخر امرأة على وجه الأرض لن أعود لك يوما ...أتعرفين لماذا يا رقية (ومرر نظراته عليها من أعلى لأسفل باحتقار واستهانة وهو يقول) لأنك قبيحة ووضيعة "
أجفلت وناظرته باستنكار لكنه هز رأسه وقال مؤكدا:
" نعم يا رقية أنت قبيحة ...رغم ملامحك الجميلة المنمقة التي أبدع فيها جراح التجميل فجعلك تبدين كامرأة لم تتجاوز الثلاثين وملابسك ذات الماركة العالمية ...لكن ضميرك الميت...سواد روحك تجعلك بعيني أقبح امرأة رأيتها بحياتي ...لا يهم ما ترتدينه ...أو كيف تبدين من الخارج فعندك هنا ( ليضرب بكفه على قلبه ) اسود وأنا مستحيل أن أعود للغرق داخل هذا السواد ...."
نظرت له بغضب وتعالي وأنفاسها تتسارع غيظا وحقدا بعد أن أدركت بأنه قد تغير كثيرا وبأن خطتها في الضغط عليه قد فشلت فآثرت سحب قواتها بشكل مؤقت وتحركت مغادرة بعصبية وكعب حذائها يضرب الأرض بقوة .
شعر عز بأنه لم يشف غليله بعد منها وفي نفس الوقت أراد أن يتجنب أي رد فعل قد يصدر منها فيما بعد إن علمت بهوية من يريد أن يتزوجها فقرر وضع النقاط على الحروف لحظتها فأوقفها قبل وصولها للباب هاتفا :
"رقية ...قبل أن تخرجي من هنا ...أريدك أن تعرفي شيئا ...السيدة التي سأتزوجها ليست مجرد امرأة ارغب أن اقضي معها باقي أيامي هربا من الوحدة ....بل هي المرأة الوحيدة التي أحببتها يوما "
استدارت تنظر له بحدة وعدم تصديق صارخة بغضب مجنون وهي تعود إليه :
"ماذا ...ماذا تقول ؟!...تلك الحقيرة من ماضيك ...أجننت يا عز ...ترفضني أنا رقية الراوي لأجل تلك الوضيعة ...ألم تتعظ تلك المرأة بما حدث؟ ...أما زالت تحوم حولك كالعلقة؟! ...كان يجب أن أعرف أن أفعى مثلها ستظل قابعة منتظرة في جحرها حتى تعاود الظهور "
جن جنون عز وجذبها من معصمها بمجرد أن اقتربت ليهزها بغضب متعاظم قائلا:
"إياك … أتفهمين؟… إياك أن تتطاولي عليها ...ليست هي الأفعى ...بل أنت ...أنت من تقبع منتظرة لتبثي سُمك الزعاف فيمن حولك ( وازداد غضبه وجنونه وهو يهزها دون وعي ) لكني لن اسمح لكِ يا رقية أتفهمين ...قسما بربي لو حاولت ...مجرد محاولة أن تمسيها بسوء لأقضي عليك...منزل عائلتي التي أتركك تعيشين فيه بتباهي سأطردك منه شر طرده ...مالي الذي ينفق مدحت عليك منه سأمنعه عنك ...كنت أتجاهل الأمر كرامة لأولادي ...لكن حاولي فقط حاولي أن تقتربي منها ولو بنظرة أو كلمة وسأقضي عليك "
خلصت نفسها من يديه وهى تصرخ فيه بهوس جعلها لا تشعر بباب الشقة الذي فُتح ودخل مدحت وماهي ليتسمرا بذهول أمام المشهد :
"لا تستطيع يا عز ...الفيلا باسمي ...هناك عقد بيع بها لن تستطيع أن تخرجني منها ...وتلك الحقيرة سأقضي عليها ...ما زالت صور شقيقتها بحوزتي ...وهي ..هي لن أتركها بل سأدمرها ...لن اسمح لك أن ترفضني أنا لتتزوج حقيرة مثلها ....لن يقول الناس انك تركتني لأجل وضيعة لا تسوى "
رد عز صارخا:
"اقتربي منها أو من أي شخص يخصها وسأقتلك ...أتفهمين ...سأقتلك "
كانت أنفاسه تتعالي بصعوبة وشعوره بالألم داخل صدره يتعاظم وبدأت عيناه تغيمان ...فحاول التماسك بصعوبة حتى لا ينهار أمامها ...ليجد مدحت يقف بجواره يمسك بذراعه ليستند إليه وهو يقول لأمه بينما يحاول التحكم بغضبه :
"أظن الزيارة انتهت يا أمي ...وقبل أن تخرجي من هنا ...أحب أن أوضح لكِ نقطة يبدو أنها غائبة عنك ...عقد الفيلا الذي بحوزتك مزور ...يبدو أنك قد نسيت أننا اضطررنا لتزوير توقيع أبي عليه حتى لا يبتزك الحقير الذي تلاعب بك وأراد أن يستغلك للزواج من شقيقتي ...(لينظر لماهي المنكمشة بجوار الباب لائما ومتوعدا وقد فهم سبب ارتباكها ومحاولتها تأخيرهم عن الذهاب لأبيه بينما يكمل) أي أن أبي بإمكانه أن يسجنك به لو أراد ...أما تلك الصور التي تهدديه بها ...فأنا قد تخلصت منها وأنت تعلمين ذلك جيدا ...لذا أرجوك ...لا داعي لإثارة أي مشكلات ...عودي لحياتك ...وعيشي براحتك بالفيلا كما كنت وانسي أبي لينساك ...ولا يؤذي أحد منكم الآخر ...لأنه صدقيني ..أنت ستكونين الخاسرة الأكبر"
ساد الصمت للحظات بعد كلمات مدحت لم يقطعه سوى صوت الأنفاس المتعالية ونهنهات ماهي المكتومة حتى تحركت رقية خارجة تضرب الباب خلفها بعنف جعل ماهي تنتفض مجفلة بينما أغمض مدحت عينيه للحظات بألم وهو يشهد للمرة التي لم يعد يعرف عددها الوجه البشع لأمه...وهو الذي جاء طائرا على جناح السعادة ليبشر أبيه بخبر حمل زوجته سارة الذي طال انتظارهم له .. لكن يبدو أن أمه ستكون دوما سببا في كسر فرحته ...
انتبه مدحت على كف أبيه تزيد تشبثا بمعصمه وهو يقول بأنفاس لاهثة :
"مد...ح ...ت ...أد ر ك ن ي ... ب نــــــــ....ي"
ليلتفت ممسكا بأبيه الذي بدأ يسقط وتراخت يده الممسكة به بينما الأخرى تمسك بصدره بأنفاس متقطعة ليحتضن جسده الذي بدأ يتهاوى بينما عيناه تغمضان وينطفئ بريقهما مع هتاف ماهي الصارخ .....

****


رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس