عرض مشاركة واحدة
قديم 31-03-20, 02:54 AM   #628

رغيدا

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية رغيدا

? العضوٌ??? » 78476
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 3,760
?  نُقآطِيْ » رغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond reputeرغيدا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحارة مساءا
يسير ساهما...دون أن ينتبه للعب الصبية حوله والذين نادوه مطالبين أن يقذف لهم بالكرة التي مرت بين ساقيه دون أن ينتبه لها ...أو ينتبه لتحية البقال أو صاحب ورشة تصليح الدرجات له ...
ملامحه كانت واجمة رغم أن اليوم كان البداية الحقيقية لبناء مستقبله كما حلُم به وتمناه...فالمخزن الذي ورثه ياسر مناسب جدا من حيث الموقع والمساحة ليكون بداية جيدة لمعملهم ..والمبلغ الذي معهم على صغره لكنه كافي لبداية جيدة ومشجعة ...وقد جلس ثلاثتهم اليوم وقاموا بدراسة كل ما يحتاجونه ووضع ميزانية تقديرية ...وبداية من الغد سيبدأ العمل بالمخزن وتركيب القطع والأرفف والمواسير وشراء الخامات التي سيحتاجونها ...و لن يستغرق الأمر أكثر من عدة أيام ليكون المعمل مستعدا للبدء بالإنتاج ....
إذا لمَ لا يشعر بالسعادة؟...لم لا يقفز فرحا؟! ...
ابتسم ساخرا من نفسه فهو يعرف الإجابة لكنه يتهرب من مواجهة نفسه بها...فرغم الراحة التي اكتنفت روحه ...وبردت حر جوفه بعدما علم أن علاقتها بهادر بريئة من كل ظنونه ...لكن عقله يعيد عليه كل كلماته الجارحة لها فيجد نفسه يسب نفسه مرات عدة ...
المشكلة الآن أنه لا يعرف كيف سيصل إليها ...هل يلجأ لهادر طالبا توسط ياسمين؟ ...لكنه لا يريد فضح نفسه أكثر ...وقطب مفكرا في أن ياسمين صديقتها المقربة وغالبا ستحكي لها رؤى عن أفعاله وحماقته ..
توقف سيد للحظة متخصرا يطرق برأسه مفكرا في أنه بكل الأحوال سيوضع في موقف حرج ولابد أن يتحمل جزء من فعلته حتى ينال صفحها..
اخرجه من شروده صوت أم محسن جاراتهم وهي تناديه بفضولها الذي يميز سيدات حارتهم:
"مالك تقف ساهما هكذا سيد هل أمك بخير؟ "
يهز لها رأسه محاولا التملص من حوارها الذي يعلم انه إن بدأ لن ينتهي لكنها اكملت قبل أن يتجاوزها بقولها:
" إذا لمَ تبدو كمن يحمل طاجن جدته على رأسه... هل زرعتها تفاحا فطرحت خيارا !!"
نظر لها سيد مبتسما ورد مشاكسا :
"لا وأنت الصادقة يا خالة .. زرعتها ورد ابيض كقلبك فطرحت فجل كرأس ابنك محسن "
انطلقت ضحكتها الرنانة وهي تقول بمودة:
"جاتك ايه يا ولد يا سيد ...ألن تنسى اسم رأس الفجلة الذي أطلقته عليه في صغركما ...لقد تخرج وأصبح مهندسا بقدر الدنيا وسافر وعاد وتزوج وأنجب وأنت ما زلت تغيظه بهذا الاسم "
اشار لها بكفه وهو يقول ضاحكا:
" إنها مشاغبات الطفولة يا خالة"
ليحييها برأسه وهو يتجه ناحية القهوة مقررا الجلوس عليها لبعض الوقت ليتناول كوب شاي من يد دقدق قبل أن يصعد للمنزل...مد يده بجيبه ما أن جلس على طاولة صغيرة منفردة معتذرا من بعض من حاولوا أن ينادوه ليشاركهم الجلوس أو لعب الطاولة وتدخين الأرجيلة ... ثم نادي على دقدق طالبا كوب شاي وأخرج دلايتها ليتطلع فيها بين كفه نصف المطبق ...
كان يخفيها بين أصابعه كما لو كان خائفا أن تلمحها عينين غير عيناه ثم أطبق عليها بحرص وأعادها لمكانها ما أن أقترب دقدق قائلا بصوته الجهوري:
" أحلى كوب شاي في الخمسين سكر بره لأجدع جدعان حارتنا "
قالها ووضع الكوب والسكر والماء وتحرك بسرعة ملبيا نداء آخر بقوله ( أيوه جاااااي)
كان سيد يرتشف كوبه بتلذذ وعيناه تتطلعان فيمن حوله يبتسم على شجارات العجوزين الطيبين العم عبد الصمد والعم جرجس ..اللذان وعى على الدنيا ليجدهما ملتصقان لم يفترقا يوما...كما لم يكفا عن الشجار حول من منهما يقرص ويغش بلعب الطاولة ...ليحول عيناه عن جدالهما المعتاد على مدى خمسون عاما أو يزيد لمجموعة الشباب التي تشرب الشيشة ( الأرجيلة) وتلعب الورق دون مبالاة وهم يتحدثون بصخب حول كل وأي شيء السياسة الاقتصاد أحوال العالم حتى الطاقة الذرية والقنابل النووية والعلاقات الخارجية... ..وكل منهم يدعى العلم ببواطن الأمور ولابد أن ينتهي كل نقاش كالعادة بسب الحكومة والظروف والفقر والحلم باليوم الذي يتركون به تلك البلد ليهاجروا لبلد أخري ..وهز رأسه مع ارتشافه لآخر قطرات كوبه وهو يفكر أنه لا يلومهم كليا فالحياة بالفعل صعبة والبطالة متفشية ...لكنه كذلك لا يقرهم فهم يكتفون بالتشكي والجلوس دون محاولات جادة أو فعلية لتغيير حالهم ...ليقوم مناديا دقدق وهو يترك له الحساب ويرفع هاتفه مقررا بابتسامة ماكرة الاتصال بعوض وهو يفكر بخبث متسائلا كيف كان تعامل ابن الذوات مع الحياة الحقيقية بأكثر أسواق العاصمة زحاما وصخبا .. ليكتم ضحكته وهو ينتظر رد عوض متخيلا حال آسر الذي لابد أنه إما ضُرب من الشباب هناك ...أو هرب بجلده في أول ساعة.. لكن الابتسامة اختفت بسرعة من على وجهه واخفض الهاتف حين رأى عوض يدخل الحارة بملامح متجهمة يحمل على كتفه مرتبة من الإسفنج الفاخر بينما آسر يسير جواره بخيلاء ممسكا بوسادة صغيرة من نفس نوع المرتبة بيد والأخرى يضعها بجيبه ...
اقترب سيد منهما وقبل أن يسأل وجد صوت أم محسن تهتف من شباكها سائلة عوض :
"مبارك يا عوض ...هل ستتزوج قريبا وتجهز حجرتك ؟..."
تجهمت ملامح عوض أكثر ورد عليها بصوت مختنق غيظا وهو يكمل طريقه :
"لا يا خالة ...فقط أحضرت مرتبة جديدة "
أوقفته أم محسن مرة أخرى وهي تسأله :
"لابد أنها لأجل قريبك الأجنبي هذا ...( ومصمصت شفتيها تعوجهما وهي تقول بخفوت مسموع ) وإن كنت لا أصدق كيف يكون هذا قريبك ( ثم عادت لرفع صوتها ) هل يتحدث العربية؟ "
التفت لها آسر بابتسامة أثارت غيظ الشابين وهو يجيبها :
"نعم سيدتي ..أنا أتحدث العربية جيدا لحسن حظي حتى أفهم حديث السيدات الجميلات مثلك "
اعتدلت العجوز بشرفتها ومدت رأسها خارجها حتى كادت أن تسقط وهي تطلع له بابتسامة عريضة وتقول بسعادة :
"يا ما شاء الله إنك تتحدث كأبطال المسلسلات التركية حتى أنك تشبههم ...حقيقي تركي أصيل عن حق "
كز سيد على أسنانه وقال بهمس سمعه عوض المنحني الرقبة يحمل المرتبة على كتفه:
"ما شاء الله على ذكائك ...صحيح أم محسن فجلة عن حق ...تركي حقيقي لأنه يتحدث بصوت الدبلجة العربية !!"
نادي عوض على آسر بفقدان صبر :
"هيا يا ابن عمي لقد انثنت رقبتي من حمل مرتبتك "
وتحرك نزقا يتبعه آسر الذي حيا السيدة بالتركية قائلا :
"إي أكشملار "
صرخت السيدة فرحة وهي ترد عليه قائلة :
"إيشملار ورحمة الله عليك يا ضنايا "
تحرك الشباب الثلاثة بينما يصلهم أصوات السيدات اللاتي طللن من شرفاتهن يسألن السيدة التي أخذت تبالغ وهي تحدثهن عن قريب عوض التركي الذي تحدث معها بالتركية وهي فهمت ما قال ...لكن الشباب لم يسمعوا باقي نميمتها عن عوض الذي حضر لهم من سنوات فقيرا حافيا حسب كلامها والآن أصبح المال يجري بيده ويشترى المراتب الغالية لتبدأ جلسة القيل والقال بينهم والتي وصل بعضها لتلك المراقبة من خلف شباكها الموارب والتي انقبض قلبها خوفا وهي تسمع واحدة منهن تؤكد أنه لابد ينوي الزواج قريبا وإلا ما اشترى تلك المرتبة الغالية.. بينما اعترضت أخرى بأنها فردية ولا تصلح للزواج فظل الجدال والتوقعات بينهم في الوقت الذي سالت فيه الدموع على وجنة صباح حزنا وقهرا.
....
بعد دقائق كان عوض يلقى بالمرتبة بإنهاك فوق الكنبة الخشبية وهو يقول باعتراض:
"لا أفهم سببا لإصرارك على شرائها ... "
رفع آسر حاجبه وهو يعدل المرتبة وينزع الكيس البلاستيكي عنها وعن الوسادة ويجلس فوقها براحة وهو يجيبه ببرود:
"أخبرتك عدة مرات أنني لا أستريح في النوم على المراتب القطنية خاصة التي صنعت من مئات السنين حتى تحجرت ولا أدري هل إصرارك على الاحتفاظ بها للذكرى الخالدة أم لكونها إرثا عائليا مثلا"
زفر عوض حنقا وخرج للسطح جاذبا سيد الذي كان يقف مستندا على باب الحجرة واضعا يديه في جيبيه يناظر آسر بغيظ ..ليقول عوض بحنق ما ابتعدا قليلا عن الباب :
"اسمع يا أستاذ سيد ...جد لك حلا في صديقك هذا ...فلو حضر معي ثانية سيتسبب بخراب بيوتنا أنا وباقي البائعين ...و سيطردنا المعلمين الذين نعمل لديهم بسببه "
قطب سيد وقال بتقرير :
" كنت متوقعا أنه سيتسبب في إفساد عملك وتعطيلك عن البيع وأنت تحاول حمايته ...لكن ليس لتلك الدرجة ظننته سيتركك عائدا بعد ساعة أو ساعتين على الأكثر"
هتف عوض من بين أسنانه بغيظ :
" أي بيع هذا الذي أفسده يا أستاذ! ...إنني لم أبع يوما قدر ما بعته اليوم "
اتسعت عيني سيد وسأله ذاهلا:
"أتخبرني بأنه كان يقوم بالبيع معك!!! ...(وهز رأسه مستنكرا بعدم تصديق ) لا يمكن أن أتخيل آسر يقف فوق النصبة الخشبية هاتفا بأعلى صوته قرررررب قرررب عاين وتفرج "
حرك عوض رأسه نافيا بحقد :
" بل لم يتحرك من مكانه ...بل وقف جواري بعنجهيته وعيونه الملونة واضعا يديه بجيبه وأخذ يتحدث بصوت وضحت فيه لكنته ومضيفا كلمات غير مفهومة فتجمع حوله الناس خاصة الفتيات يسألنه من أين هو ليخبرهم أنه تركي وأنه يبيع بضاعة مميزة ليتجمع الجميع حول العربة ( وأضاف قائلا بقهر) تخيل يا أستاذ سيد ...النساء اللاتي كن يجففن ريقي وهن يفاصلن بسعر القطعة دفعن ضعف ثمنها معه دون جدال ...كان يميل لي سائلا بهمس عن سعر القطعة فاخبره مثلا أنها خمسون فأجده يخبر السيدة أنها مئة لكن لأجل عينيها أو ابتسامتها أو لأنها تذكره بأمه أو أخته أو أي فرد بعائلته سيمنحها لها بسبعون فقط... لأجد النساء تدفع صاغرات مبتسمات ...وأسوئهن تتدلل مخفضة خمس أو عشر أخرى ...وطبعا في نهاية اليوم كانت سعادة المعلم غامرة وأخبرني بأنه يريد هذا الحجم من المبيعات كل يوم ...وليس أنا فقط ...حتى حندق ..تخيل حندق المجنون تعرفه بعصبيته ومطوته التي تسبق لسانه استطاع صاحبك هذا اكتسابه ومصادقته وهو يقف معه على فرشة الأدوات المنزلية ويبيع له أغلب بضاعته بنفس الطريقة "
كان عوض يصرخ أمام سيد غاضبا عندما خرج آسر ناظرا لهما بابتسامة ساخرة وهو يحمل بيده كوبا ليتجه ناحية قلة الماء على سور السطح المطل على الحارة فيرفع غطائها ليستعد لصب الماء عندما تسمرت كفه واختفت ابتسامته حينما التقطت عيناه في الشارع تلك القامة التي تتحرك ببطء ورأس مطرق ...وانتفض قلبه بقوة حينما رفعت رأسها لتنظر لأعلى ..
*********
نهاية الفصل



رغيدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس