عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-20, 11:25 PM   #2611

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7


الفصل الرابع والثلاثون

كنْ عاصفاً.. كُنْ ممطراً.. فإنَّ قلبي دائماً غفورُ

اغضب!

فلنْ أجيبَ بالتحدّي..

فأنتَ طفلٌ عابثٌ.. يملؤهُ الغرورُ..

وكيفَ من صغارها تنتقمُ الطيورُ؟

نزار قباني

************

كان يجلس منذ ساعات في أحد اجتماعات الغرفة التجارية الذي يرأسه أحد وكلاء الوزارة أو الوزير بحد ذاته في كثير من الأحيان، زفر أنفاسه بعد نهايته وأخذ يرتب أوراقه من جديد، وبالكاد استطاع أن يخرج فالتقط هاتفه وأخذ يقلب فيه لثوانٍ حتى رأى مكالمتها... ضغط على زر الرسالة المسجلة على الفور وسمع حديثها القصير مع إحداهن، أحس بقلبه يخفق بقوة وكأنه يكاد يقفز من بين أضلعه وبعقله ينصهر داخل رأسه وعُمِيَت عينيه باللون الأحمر المخيف و ذلك لا يعني إلا شيء واحد.. شحذ مخالب نمر الراوي الساكن في الحالات العادية ليقفز فجأة من مكانه بهدف واحد لا غيره.. الفتك وسفك دماء كل من تجرأ واقترب من أبنائه...

لحظات بالكاد هي لحظات ما قطعها وهو يركض نحو سيارته يضع الموقع الذي أرسلته أمامه ويجري اتصال سريع بكل رجاله أن يتبعوه..

وهمس متوعداً: "لقد انتهوا هم وذويهم لا محالة، إن وجدت إصبع واحد منهم قد وضع على ابنتي!"

************

كل خلية في جسدها كانت ترتجف بالذعر تقلب عينيها بينهم وهي تجلس بركبتيها على الرمال الحارة وصوت مروان القميء يأمرها بتشفي بشع "هيا اركعي يا حلوة قبل أن أفقئ هذه العين التي تجرأت ونظرت لي بترفع.. ثم سأنتقل لتلك اليد التي..."

لم يكمل جملته وهو يتذكر صفعتها التي أحطت كثيراً من قدره أمام زملائه.. اقترب منها بدون تردد وصفع وجهها مرة تعقبها أخرى... فصرخت كما كانت تفعل منذ جرها من سيارتها.. صرخت باسم واحد ترجو النجدة..

"اركعي يا ابنة الراوي"

توقفت صرخاتها حتى وإن لم يتوقف ارتجافها خوفاً..

"أبداً.." نطقت من بين أسنانها بنبرة جازمة لم يخطئ الكبرياء فيها.

جذب شعرها بعنف فأطلقت زمجرة ألم وهي تراه يرفع يده بتلك العتلة الحديدية وبدون تردد يهبط بها على إحدى ذراعيها التي يمسكانها صديقيه...

"أنتَ وقّعت لتوك على ورقة موتك... سيقضي عليك رجال الراوي لا محالة!"

ابتسم بتشفي وهو يراها تحاول أن تخفض رأسها ألماً، تتأوه بصوت مكتوم من شدة الوجع، لم يكف عن جذب خصلاتها حتى شعرت أنه سيقتلعها من منبتها... ثم نطق بصوت هزته نشوة الانتصار "وهذا ما كنت أنتظره بالضبط يا عاهرة، لذا أمامنا يوم طويل.. أنتِ ونحن!"

"جبان" هتفت من بين شهقاتها المتوجعة

لم يرد بالكلمات على الأقل.. بل كور قبضته ثم هبط مرة واحده على بطنها.. وهوى مرات ومرات على معدتها بكل ما يملك من قوة..

كتمت ببأس صراختها إذ أنها أبداً لن تمنحهم مزيد من المتعة بانهيارها.. بينما تركها زميليه تهوي على الأرض فتكورت في وضع الجنين محاولة أن تحمي نفسها دون أمل من اعتدائهم.. واقترب الآخرون يشاركونه ضرب ما تطالهم أقدمهم من جسدها... كانوا كأنهم مجرد ضباع عفنة مُلئت بالخسة وجدوا أحد الأسود المنهكة فالتموا عليه يمارسون ساديتهم وقذارة أنفسهم بضربات موجعة وقبضات أيديهم..

جذب شعرها بيد مايا مراراً وكأنه يسبب لها عقدة ما... بجانب الألفاظ النابية التي أسمعوها إياها... أنّت بصوت مكتوم... لقد كان طلبهم واحد ولن يتنازلوا عنه وهو "إذلالها وتصويرها راكعة تحت أقدام مايا ومروان حتى يتمرغ هذا الأنف في التراب"

بينما هي كانت فكرة واحدة ويقين لا يغادرها "أنه سيأتي، ستتحمل قليلاً و لن تركع أو تخضع... هو سيأتي... اذ إنه دائماً ما يفعل!!"

ولكنها أنهكت بالفعل, إذ أن ما تتعرض له الآن أكثر من طاقة أي بشر.. كم مرة هي أحصت عد الأرقام لتنهي تلك اللحظات.. هل وصلت لرقم ألف بعد.. لقد خارت كل قواها حتى ما عاد بها قوة للتعبير عن ألمها لقد وصلت لحد موجع حتى أصبح مجرد التنفس كأنه ركلة أخرى تؤلمها بصدرها في الداخل كما الخارج...

"كل هذا ليس مهم.. يجب أن تبقى واعية.. يجب أن لا تغيب عن الدنيا ... يجب عليها أن تتمسك بملابسها وأن لا يصل أحدهم لشيء آخر معها.. إن اقتصر الأمر على الضرب فهي راضية" هذا ما كان يدور برأسها

عندما أطلقت رغماً عنها صرخة أشد رعباً من سابقيها عند خروج أفكارها للسطح لتسيطر عليها وتضم ركبتيها أكثر إلى نفسها.. ثم تحاوطهما بذراعيها المصابتين رغم الوجع العظيم الذي يشتد بهما.. حركتها تلك أظهرت خوفها الشديد والشيء الوحيد الذي تهتم به.. فدفعت الفكرة العنيفة لعقل مروان لامعة هناك داخل عقله المعتم، انحنى نحوها يهمس بصوته القميء داخل أذنها لاهثاً "أهذا هو فقط ما تهتمين به، ترى كيف سيكون شعوركِ يا سَبنتي ونحن نتناوب فوقكِ؟!"

هزت رأسها دون أن تجرؤ على النظر إليه ويديها تتشبث حول ركبتيها أكثر بينما تطلق آهات مكتومة رداً على الأحذية التي ما زالت توجه الضربات إليها...

شهقت بقوة ثم قالت من بين دموعها بنبرة مرتجفة متقطعة "لن تستطيع.. لن تصل لي إلا وأنا ميتة... سيقتلك راشد بعد أن يشرب خالد من دمائك ويأكل لحمك حياً"

ضحك مروان بصوت أكثر بشاعة, صوت اتحدت فيه كل نبرات القذارة وانعدام الرجولة... عندما جاء إلى هنا هو لم يكن في رأسه إطلاقاً أن يعاشرها... هو لا يحتاج بالأساس أن يأخذ فتاة رغمًا عنها إذ أنه دائماً يفضلهن راغبات وإنما كان هدفه الأوحد كسر كبريائها.. ولكن الآن وبعد ما تبديه من قوة هو يعتقد أن بعض التسلي لن يضر ليجعل أعصابها تنهار تمامًا.. سيجعلها ببساطة تجن.. وقبل أن يصل إليها أو يأمر رفاقه بتكتيك آخر بتجريدها من ملابسها .. كان صديقه يصرخ برعب: "مروان هناك سيارات تقترب على الطريق!"

وبدون شرح أكثر كان يفهم من زميله الذي أوقفه أول الطريق أن مؤكد تلك السيارات جاءت لنجدتها.. فمن السرعة المجنونة للسائق الذي يندفع ناحيتهم بالذات لم يحتج للتوقع...

"تباً العاهرة، لقد أعلمتهم بالمكان!"

أمرهم بغضب أن يصعد كل شخص لسياراته بينما وقفت مايا تضرب صدر سبَنتي بعنف بمقدمة حذائها وتجذب شعرها وهي تهتف بعند "لن أتركها حتى تذل تمامًا!"

لف مروان خصرها بيده يبعدها عنها وهو يقول بعصبية "اللعنة مايا سنفعل المرة القادمة .. سيجدوننا ولن نجد فرصة أخرى للنيل منها!"

نثرت مايا الرمال نحوها وهي تصرخ بغل: "لن أغادر قبل أن تتحطم تمامًا!"

لم يهتم لما تقوله وهو يدفعها في السيارة ثم يفر نحو عجلة القيادة وينطلق... مرت دقيقة واثنتان ربما خمسة... حتى اختفى هديرهم تمامًا ولم يبقى حولها غير الصمت التام.. هل تستطيع الآن سحب أنفاسها، ولكن كيف وما زال كل جزء منها يرتجف بالألم والذعر؟!

أوقف خالد سيارته على بعد أمتار قليلة من الجسد المكوم فوق الرمال.. وترجل منها وهو يندفع نحوها لا يرى ولا يسمع هتاف لانا خلفه والتي كانت أكثر وعياً لتطلب سيارة إسعاف ثم ترسل رسالة نصية مختصرة بما يحدث إلى هاتف بدور...

لقد فقد عقله تماماً عندما وصل إليها شاعراً بقلبه ينخلع من مكمنه ودُعِس في مكانٍ ما مبهم.. ثبت مكانه يحدق بذهول في الجسد الهامد الملطخ بالدماء وسؤال مرعب يتردد في رأسه بجذع "هل وصل متأخراً؟"

همس بلوعة "رباه، سَبنتي!"

هبط على ركبتيه جانبها ومال فوقها بينما كفيه اندست سريعاً تحت جسدها ليضمه إليه فانتفضت مرة أخرى بعنف وتشنجت بقوة بينما يديها أخذت تبعده عنها مقاومة إياه دون أن تنظر له: "ابتعد.. ابتعد!"

هدرت دمائه داخل جسده صاعدة إلى رأسه لينبض عقله بوحشية هناك.. بصوت خطه الذعر والرأفة التي علم أنها تحتاجها همس "اهدئي حبيبتي.. هذا أنا!"

للحظات فتحت جفنيها تحدق فيه بينما تضم فمها وكأنها تستوعب وجوده ثم فتحتمها مرة واحدة وهمست بقهر ولوم من بين شفتيها المرتعشتين "تأخرت كثيراً... لقد نالوا مني"

صدر صوت رافضاً متحشرج من حلقه.. أسندت إحدى يديه ظهرها مقربها لصدره بينما يده الأخرى تحركت بعشوائية بحتة فوق ملابسها يتفحصها بنوع من الهوس المخالط للجنون..

"خالد أتركها ليس هذا وقت ما تفعل!" كان الألم يفعل بقلب لانا الأفاعيل ولكنها تشبثت بإنسانيتها وهي ترى وجه وجسد سَبنتي الدامي بين يده... لم يرها أو يسمعها أيضاً... بل رفع عينيه التي اشتعل فيهما الغضب والقسوة نحو وجهها المنهك ثم قال متوعداً بصوت محترق نزعت منه الرحمة واحتلته الوحشية "سيقطع من أجسادهم أضعاف كل ضربة نالت منكِ حبيبتي"

تغضن وجهها لدقائق وهي تحدق فيه وكأنها تحاول الاحتفاظ بوعيها ودعم نفسها ساحبة إياها من بقعة الخوف مطمئنة نفسها بقوة إنه هنا من أجلها.. سيحميها من أي كلب قد هدد بالرجوع إليها...

ازداد تدفق الدموع من عينيها مرفقاً بصوت آهاتها المنحورة مما دفعه أخيراً أن يسيطر على يديها التي كانت تبعده بوهن ليضمها بقوة وتشدد داخل صدره، ثم أطلق آهة مكتومة وطويلة تنعى وتشبع ذراعان قد اشتاقا للوعة طيفها الذي حُرِمَ منه لسنوات "أنا هنا... دائماً سأكون هنا حبيبتي"

لجأت إليه ورفعت ذراعيها المكسورتين لتحاوط عنقه شاعر بسخونة دمائها الذى لطخت نحره ..بينما دست رأسها داخل صدره واستكانت عليه ورددت مرتجفة "أنا خائفة.. خائفة للغاية" حركتها تلك وتسليمها إليه مع همسها الضعيف جعل البقية المتبقية منه تنهار تمامًا غير مخففة من وطأة ما يشعر به من ألم على الإطلاق.. جذبها إليه دافناً رأسهه في كتفها للحظة محاولا مداراة دموعه التي فاضت داخل عينيه قبل أن يتراجع إلى الوراء موازناً نفسه على ساقيه وشد أزره ثم وقف حاملها معه فحذرته لانا "أرجوك لا تحركها على الأقل... ربما هناك كسور داخلية... ستصل سيارة الإسعاف قريباً!"

هز رأسه دون معنى.. بينما يشعر بها تسكن إليه.. لا بل تسكن تماماً وتستسلم لنوع من الغيبوبة العقلية التي تزور عادةً من يتعرض للألم الشديد والرعب النفسي.. علّ غياب عقلها يمنحها مسكناً تحتاجه لما تشعر به...

تحرك نحو سيارته كإنسان آلي وجلس في المقعد الخلفي بعد أن فتحه له أحد رجاله, وازن نفسه هناك دون أن يتخلى عن ضمها بين ذراعيه ثم خاطب رجاله وقد أدرك أخيراً وجودهم حوله بصوت لا حياة فيه "أريد أحدكم ليقود السيارة بينما بقيتكم مهمتهم الوحيدة أن يطاردوا هؤلاء الأوغاد، ويأتون بهم إلى إحدى مخزننا قبل أن يسدل الليل ستاره.. لا يتعرض لهم أحد بسوء إلى أن أراهم أنا"

كجثة هامدة لا حياة فيها استقلت لانا مقعدها ولم تحاول مخاطبته مرة أخرى.. لم تعرض عليه حتى أن تفحصها كطبيبة أو تضمها هي عنه كفتاة مثلها بل ظلت تحدق فيهما بعينين جامدتين... تراه ذاهب العقل وهو يحرك أنامله يمسح وجهها الشاحب الذي غطته الدماء ثم يلمس شعرها محاولا أن ينفض عنه آثار التراب فانتفضت بين ذراعيه بقوة متشنجة من شدة الألم رداً على لمسته.. احنى رأسه نحوها بينما السيارة تنطلق وقال بصوت عصفت به العاطفة "أنتِ آمنة معي.. آمنة تمامًا الآن، لن أسمح بأذيتكِ مرة أخرى بعد أن عدتِ لي.. ستكونين آمنة كما كنتِ معي دائماً!"

***********

اقتحم راشد باب طابق المشفى الذي تتلقى فيه العناية مدفوعاً بقهره ورعبه الصافي ففتح الباب المزدوج على مصرعيه وتحرك للخارج والداخل لدقائق من عنف اقتحامه.. وتبعته بدور التي نبهته بوسط الطريق إنها بالفعل آمنة الآن مع خالد في المستشفى ، كان العالم أجمع ملون أمامه بالأحمر الدامي، لا يتراقص أمام عينيه إلا جلوس خالد القرفصاء واضعاً كلا كفيه فوق رأسه المنحني للأسفل أمام إحدى الغرف، توجه إليه على الفور يمسكه بعنف ساحبه لأعلى من قمة ملابسه وهو يهدر "أين ابنتي.. ماذا فعلوا بها؟!"

لم يظهر على وجه خالد أي شعور بالصدمة ولا حتى لديه نية للاشتباك.. بل كان يشعر بإحساس آخر.. بألم فتاك يحطم من شدة وجعه أعتى الرجال وبإحساس الخسارة قال "لقد وعدتها أن أصل إليها قبل أن يمسوها ولكني تأخرت!"

وكأنه صب الزيت على النار المتقدة بالأصل عندما هزه بشدة وهو يصرخ فيه بخشونة "اللعنة عليك وعلى وعودك الناقصة دائماً.. ماذا حدث لها؟!"

هتف خالد بصوت مجروح "لا أعرف.. لست المذبوح الوحيد هنا، أنا أيضاً أكاد أجن.. لا.. أنا جننت فعلا!"

تقدمت بدور بخطوات حاسمة وأمسكت ذراعيه تشده نحوها في محاولة بائسة لتهدئ من روعه وهي تقول " صب غضبك عليه لن يفيد بشيء.. دعنا نطمئن عليها ثم نرمي بعضنا بالاتهامات كما نعشق أن نفعل دائماً"

التفت نحوها مرة واحدة ثم قال دون تفكير مدفوع بقسوة رعبه "ليس وقتكِ الآن.. وكأنكِ تهتمين؟!"

كانت أكثر تَعقُلا من كلا الرجلين وهي تُنَحِي خوفها الخاص جانباً ثم قالت بهدوء: "بلى اهتم، بأختي التي نشأت أمام عيني وبين جدران منزلنا.. اهتم وارتعب مثلك تماماً على فتاة منحت ابني كل ما كان ينقصه!"

للحظات ظل يحدق فيها بشحوب، حتى رأت أخيراً دمعتين حائرتين التمعتا في عينيه وهو يقول "إن حدث لها شيء لن أسامح نفسي.. أنا لم أكن هناك عندما احتاجتني!"

ذعره وجزعه وهمسه بتلك الكلمات لم يكن خيراً على الإطلاق لخالد الذي اندفع مرة واحدة يخبطه بقبضته التي تكورت حتى طفرت كل عروقه في رقبته وساعديه وخطت كل إصبع على حدة على كتفه.. وهو يصرخ فيه بغل "منذ أن انتزعتها مني وأنتَ لم تكن هناك.. كل الأذى تعرضت له وهي معك، لم تحميها كما وعدت كما كنت أنا أفعل.. اللعنة عليك يا راشد... اللعنة عليك.. وحدك السبب.. وحدك من كنت المسؤول أن تصل للمقابر قديماً.. ثم تخطفها مني والآن هذا.. أنتَ من دمرت عالم حبيبتي"

هتف من بين أسنانه "وتجرؤ على أن تدعوها حبيبتي يا وغد؟!"

"توقفا" صرخت بدور فيهما بصوت مرتجف أخرجت فيه كل خوفها أخيرًا... علّ العقل يزور أيٍ منهما... بينما سمحت لرأسها أن يستدير جانباً لتجد لانا هناك تجلس على أحد المقاعد تنظر لخالد وحده بعينين فاض فيهما الدمع والحرج مصطحباً بابتسامة حزينة.. حزينة جداً وساخرة فهمت معناها جيداً..

وامتثل كلاهما للأمر ليس من أجلها بل عندما خرجت الطبيبة من غرفة الطوارئ تنظر إليهم بنوع من الحذر.. فاندفع خالد نحوها بلهفة يسأل بريق جاف: "كيف هي؟!"

قالت الطبيبة بهدوء: "هناك كسر بإحدى ذراعيها وشرخ بسيط في الآخر، بالطبع بجانب كدمات وجروح متفرقة في وجهها وجسدها!"

لم يستطع راشد أن يستمع لما تقوله بل كان يهزه القهر وهو يمرر كفيه المرتعشين على رأسه ثم يحيطها بذراعه وهو يمنحهم ظهره مستنداً على أقرب حائط شاعراً بساقيه يكادان تخذلانه..

بينما اقترب خالد من الطبيبة التي طلبها بنفسه هي وطاقم الممرضات والمساعدات من الإناث عندما دخل حاملها بين يديه يجري بها في أروقة المشفى كالمغيب عن وعيه.. ثم سأل بصوت ضعيف هزه القهر الشديد: "هل.. هناك نزيف.. أنا أعني..."

تقطع صوته كما غابت حدقتيه من داخل عينيه الحمراوين حين خارت جفونه ثم همس "لقد كان المعتدين كلاب سكك... أنا أقصد...!"

لم تحتج الطبيبة للشرح أكثر وإن تفاجأت من فحوى السؤال إذ أن ملابس الفتاة الخارجية.. بنطالها الجينز على الأقل كان سليماً عدا عن التراب الذي كان يغطيها.. همست بتفهم تطمئنه بعملية "لن نحتاج لفحص من هذا النوع، إذ أن ملابسها الداخلية سليمة تماماً... وليس هناك أي أثر للدماء من تلك الناحية!"

التقط أنفاسه التي احتجزت في صدره طويلاً، وبدأ عقله يعود إليه ببطء مسترداً معه وعيه وهو يدفن وجهه في كفيه كان يحتاج لان يتأكد من أجلها فقط إذ أنها ما كانت لتتحمل أبداً مصيبة كتلك بل كانت لتقتل نفسها.."

مجرد تخيل بأنه قد كان على وشك خسارتها.. فقدانها للأبد.. لا هو حتى لا يستطيع التعاطي مع هذا... لا يقدر أبداً على تحمل خسارة الفتاة التي لا يحبها فقط بل إن عشقها توغل في فؤاده زارعاً جذورها هناك منذ الصبا حتى وإن ادرك متأخر..

"حمداً لله.. حمداً لله" قال أخيراً بصوته المرتجف وهو يسمح لساقيه أن ينهارا على أقرب مقعد استطاع أن يصل إليه...

تمالك راشد نفسه واستدار مرة أخرى نحو الطبيبة يسألها بشحوب: "هل أجريتِ أشعة.. ربما هناك نزيف داخلي أو شيء ما؟"

فكرت الطبيبة وهي تنظر إليه أنها أخيراً حصلت على أحد عاقل متماسك تستطيع التعاطي معه.. قبل أن تقول "هي بطريقها الآن لإجراء الأشعة، وبالطبع ترميم عظام اليد، الخبر الجيد أنها لن تحتاج لأي شرائح"

رفع خالد وجهه الشاحب وسأل: "هل أفاقت؟!"

قلبت نظراتها بينهم لدقيقة ثم قالت: "لا.. ولا أتوقع إفاقة قريبة بجانب الحالة التي دخلت بها، نحن نمنحها مسكنات قد تبقيها دون وعي لفترة طويلة.. بالإذن منكما يجب أن أعود للمريضة"

أومأ كلاهما دون صوت.. ثم تحرك راشد يجلس بجانبه.. وعاد يدفن وجهه داخل يديه.. ثم قال بصوت مرعب لم يخطئ خالد الشر فيه: "إنه فخ جرتها له فتاة.. لقد كانت سبَنتي من الذكاء أن تترك لي دليل قبل أن..."

أغلق عينيه مرة أخرى بينما تشنج عضديه وغضبه المستعر يتأجج.. فأكمل خالد بنبرة خافتة منزوعة الرحمة: "أعرف لقد اتصلت بي على الفور.. وتركت الهاتف مفتوحاً بيننا.. بحق كل صرخة ذعر واستنجادها باسمي.. وبحق قهري وأنا اشعر بالعجز لأن أصل إليها في الوقت المناسب.. سيدفع هؤلاء وذويهم الثمن دون رأفة"

التفت راشد ينظر إليه بوجه شرس وعينين تجسد بهما شيطان نمره ثم فتح فمه لثوانٍ بتلك الابتسامة المروعة التي تهز قلوب أعتى الرجال رعباً ثم قال "رأفة ورحمة.. ماذا تعني تلك الكلمات تحديداً... أنا لم أسمع بها قط ولا أفهم ما قد تعنيه أو الغرض من وجودها يا خالد؟!"

بهدوء كان خالد يخرج هاتفه وهو يمنحه نفس النظرة التي عنت أنهما اتفقا على شيء أخيراً ثم أرسل لضلعهم الثالث الذي يختبئ مترصداً في الظلام يشحذ أسنانه متشوقاً لفرصة كهذه ليقضي على كل من حاول أن يؤذى ابنة زوجته والفتاة التي راعاها معظم سنين عمرها تقريبا (سَبنتي قد تعرضت لحادث اعتداء.. أنا الآن أطلق رجالي لملاحقتهم.. أريدهم معلقين كالأضاحي الجاهزة للسلخ قبل أن تستفيق هي من غيبوبة أرسلوها هم فيها يا نضال!)

*********



"يا مسكينة هل ما زالت والدتي تمارس طقوسها المريبة عليكِ؟!"

ضحكت جوان بخفوت وهي تهمس لشقيقة زوجها "بل أخوك المسكين وحده ، سوف تتسبب له في وعكة قريباً، بالأعشاب التي تصر أن يتناولها ناهيكِ عن الطعام"

همست هبة بمرح وعيناها تترصد والدتها بنوع من الحذر "لقد فعلت هذا مع زوجي بعد أن تأخرت في الإنجاب لمدة عام"

لمعت عينا جوان المختلفتان ثم قالت "ونجح، ها أنتِ تَجُرين ورائكِ مجموعة من المجرمين الصغار مسببة لزوجكِ جلطة"

أومأت هبة بتفاخر قبل أن تقول بطريقة مسرحية "بالطبع، تستطيعين القول أن الحجة عفاف.. خبرة!"

انفجرت ضحكات جوان بينما ترمق وجه نضال الغاضب وهو يلوك الطعام الذي يملأ فمه بغيظ بينما تغرف عفاف أمامه المزيد وهي تأمره بحزم "ابتلع الكوارع بالشوربة.. إن فيها الشفاء والدواء"

همست هبة بنبرة ذات مغزى "بماذا أخبرتِ أمي يا داهية، إذ من الواضح أنها تعتقد أن التقصير من ناحيته؟!"

احمرت وجنتي جوان قبل أن تهمس بتآمر "عفاف عنصرية بطريقة ما، إذ أنها لا تحيد عن فكرة أن النساء دائماً أرض خصبة وبالطريقة السليمة للرجل يستطيع زرع بذرته كما يشاء"

تأملته هبة بعينين مقيمتين وبحيادية بحتة ثم قالت "لا يبدو لي أن أخي يحتاج لدعم من أي نوع، بل أشفق عليكِ أنتِ من تحمل كل هذا!"

غصت جوان بطعامها حرجاً ولكنها صدقت بوقاحة نميمة النساء التي تعلمتها على يدي صديقتها الجديدة هبة "دعي شفقتكِ لنفسكِ.. الأمر يناسبني"

"توقفا.. أنا اسمع كل ما تقولانه" هتف نضال بحنق وهو يتجنب النظر لوجه أخته...

بينما شرقت هبة وهي تبتلع لسانها تقريباً مشيحة وجهها عنه وهي تتمتم بكلمات تسب نفسها فيها بحرج.. بينما هزت جوان كتفيها ببراءة وكأنها تغسل يدها من الحديث الجانبي إذ أنه يعلم أن ما بالأمر حيلة في مُجَاراة عفاف وهبة..

رفع حاجبه وهو ينظر إليها مهدداً بأن الأمر لن يمر بسلام.. ومع الكمية التي تناولها من ذلك الشيء اللزج الهلامي الذي يدعى كوارع هي تتوقع هذا ومستعدة بكل شوقها..

وقف نضال معلناً أنه اكتفى ، فقالت عفاف بتسلط "لم تنتهي بعد، اجلس قبل أن أجبرك وأحشوك حشواً"

قال نضال بحنق "الرحمة يا حاجة، أناأافعل ما عليّ وأكثر وصدقًا تلك الأعشاب ستحولني لمدمن قريباً.. وليس أداة إخصاب لتلك الحمراء!"

توسعت عينا عفاف وهي تهب واقفة من مقعدها فتحركت الطاولة عِدة إنشات رهبةً من صوتها وإجلال لجسدها المكتنز "هل أخبرته عن وصفاتي يا جوان؟!.. ليلتكِ مثل القطران"

ارتدت جوان للوراء تحدق فيها برعب ثم نفت بإصبعها وهي تقول مدعية الخوف "لم يحدث خالتي، هو من يتجسس على أحاديثنا.. العيب عند ابنكِ.. عار عليك يا نضال!"

دبت عفاف على المائدة مصدقة إياها تمامًا واثقة فيها ثم قالت بشراستها المحببة "إذاً ليلته هو التي لن يكون لها آخر.. هل تلاحق كنتي؟!"

كتف نضال يديه بغيظ ناحية جوان التي انسحبت بحذر من عراكهم بينما تعلو على وجهها ابتسامة تسلي عندما سمعته يقول "إن العيش معكما يستلزم الحيطة.. لقد أصبحت على بعد خطوة من الجري ناحية العطارين أحيالهم (شمة وحياة أولادك) لرجل جعلته أمه مدمناً للأعشاب"

تغضنت ملامح عفاف وتراجع بعض غضبها ثم قالت: "هل تلوم أمك لخوفها عليكما.. أريد أن أرى ذريتك منها قبل أن أموت"

هتفت هبة بقلب ارتجف وهي تهرع إليها تقبل يديها وقالت "سلامة قلبكِ يا غالية, نحن بدونكِ لا شيء.. لا تقولي هذا مرة أخرى وتخيفيني"

انضم نضال إليهن يقبل رأس أمه ثم قال بهدوء "سلامتكِ يا أمي من كل شر.. ولكن حقاً ما تفعلينه أنتِ وهذه المجنونة لن يقدم مشيئة الله.. إذ أني على يقين وثقة فيه أنه سيمنحني ذلك الطفل الذي سيقر عينكِ وهي في الوقت الذي يأذن به"

تبسمت في وجهه وهي تقول "طالما أنتَ راضي أنا راضية.. ولكن لن أتوقف عن مساعدة جوان في سعيها لذا..."

صمتت فنظر إليها بحذر ويأس.. عندما قالت بنبرة ضابط الدرك : "اشرب الشوربة يا نضال، التهرب لن يفيدك"

*******

وقفت جوان أمام الحوض تفرغ الأطباق في آنية جانبية، ثم انحنت تصفهم في غسالة الأطباق التي أصرت هي على شرائها واشتبكت مع عفاف بالطبع في شجار دام لأسابيع متهمة إياها بالأجنبية الكسولة إذ أنها اعتبرت تلك الغسالة نوع من الإهانة التي دخلت بيتها...

شعرت بيديه الضخمتين تمسكان خصرها، بينما يهمس لها "لماذا لم تسمحي لهبة بمساعدتكِ؟!"

قالت بهدوء "إن لديها عصابة تفقدها عقلها كما أنها تأتي إلى هنا لترتاح قليلاً من أعمال منزلها الشاقة، إذن لن أجعلها تهلك نفسها هنا أيضاً"

"إذن هل تسمحين لي أنا بالمساعدة؟!"

"يمكنك تحضير الشاي.. إذ أن عفاف ما زالت تشكو من الذي أحضره أنا"

تحرك ناحية الموقد ووضع الإبريق على النار بينما يراقبها تشرع في رص الأكواب الزجاجية على صينية.. ثم قال "تعلمين أن كل تعليقاتها مشاكسة ليس إلا"

رمقته باستنكار ثم قالت "هل تخبرني بهذا بعد العمر الذي قضيته معها.. بالطبع أعرف, والأمر لا يزعجني بل يمنحني كل ما افتقدته طويلاً"

صمتت قبل أن تطلق تنهيدة حزينة شاردة وهي تقول "أنا لم أعش مع أمي كل هذا.. عالمي كان مختلف تماماً عنك"

اقترب يحتضنها من الوراء ودفن رأسه في عنقها ومسه بطرف شفتيه ثم قال "أعلم، ولكن كل هذا انتهى الآن"

استدارت بين ذراعيه وأسندت رأسها هناك تحت ذقنه ثم قالت "أحياناً أخاف أن أفقد كل هذا.. إذ أن لا شيء يدوم للأبد، لا شيء يبقى ثابت على حاله.. أنا أخاف يا نضال أن لا أستطيع مجاراتكم.. أنتم دائماً في رباط على قلب واحد، تنزعون الأنا من داخلكم، مستعدين للتضحية بأنفسكم من أجل كل فرد فيكم وهنا لا أقصد عائلتك فقط بل كل هذا المجتمع الذي زرعتني فيه.. البسيط المظهر والغالي في الجوهر.. ارتعب أنه برغم كل جهدي في أن اشبهك أن لا أستطيع مجاراتكم"

ابتسم بلطف وهو يمد أنامله تحت ذقنها رافعاً وجهها لتنظر إليه ثم قال بحنان "ولكنكِ تفعلين الآن يا جوان، أما عن شعوركِ هذا دعينا نقول أن اثنان وثلاثون عاما من العيش في عالم مختلف كلياً لن ينزع منكِ بسهولة بعض التصرفات أو حتى الكلمات التي تصدر منكِ بعفوية ليس هي من تشكلكِ بل ربما تمنحكِ تميز محبب، نشاكسكِ به اما داخلكِ هو ما يصقلكِ بالتدريج مظهراً جوهركِ الحقيقي.. أنتِ فقط كنتِ تحتاجين فرصة واحدة عادلة لتُكَفري عن أخطائكِ... بداية جديدة منحتكِ أفضلية التائبين وأوضحتِ أي جميلة بريئة أنتِ"

"أحبك"

ابتسمت عيناه بتلاعب ثم استرق قبلة من فمها خاطفاً معها نبض قلبها الذي اضطرب ثم تركها لاهثة جائعة للمزيد وهمس ويديه تداعب خصرها العارى من تحت ملابسها ثم قال "أنتِ لا تملكِين خياراً آخر لتحبيني لذا دعينا من تلك الحقيقة غير القابلة للتأويل.. أنتِ معاقبة.. أتبيعينني لعفاف؟! أنا متجسس يا جوان؟!"

عضت شفتيها بحرج ثم قالت "دعنا ننظر للجانب الجيد, لا مزيد من الأسرار.. أصبح كل اللعب مكشوفاً"

قال بخفوت متلاعب "لا أحد سيكشف الليلة سواكِ، لا مزيد من قمصان عفاف الصغيرة تلك"

قهقهت وهي تقول "بعد أن علمت بما يفعله ذلك الشيء اللزج مؤكد أني لن أبيت معك في غرفة واحدة.. أنا أريد طفل وليس الانتهاء تحتك"

كشر بأنفه وهو يضم خصرها بكلا ذراعيه رافعها بسهولة من على الأرض ليوازي رأسها رأسه ثم قال "بل ستستلمين بعد أن تفعلي تلك الطقوس المريبة.. ماذا تسميها؟!"

همست مدعية الغضب "النتوياج، والاسكراب، ولوشى.. ليس مريباً!"

ادعى نضال الرعب وهو يهتف "اللهم إن كان ما نطقته زوجتي سحراً فأبطله"

دفعته بنزق وهي تقول "ليس ظريفًا على فكرة.. ابتعد!"

حايلها وهو يزرع قبله تحت أذنها بموقع ذلك الشريان النابض جاعل كل جسدها يرتجف بين يديه تأثراً ثم همس بلوم "وهذا ليس طريف!"

همست بصوت محبوح "نضال أختك ووالدتك هنا قد يدخلان في أي لحظة.. ابتعد"

همس بخبث "أو أحملكِ إلى غرفتنا، ستحب عفاف أن ترى نتيجة أعشابها"

لم تجاريه بل فجأة دفعته بعيداً ووجهها كله يتغضن بنوع من الألم وهي تضع كلا كفيها على قلبها، فاغرة فمها وكأنها تحاول التنفس دون جدوى.. أفلتها مساوي وقفتها على الأرض وهو يسأل بقلق "ماذا هناك؟!"

نظرت إليه بضعف مس قلبه ثم قالت بتحشرج "لا أعرف, وكأن أحدهم غرز سكين داخل صدري، هناك شيء سيء للغاية يحدث ولا أستطيع تفسيره ولكن قلبي يشعر به, وهذا لا يعني إلا شيء واحد.. رباه ابنتي، هناك أمر لا يبشر بالخير أبداً يحدث مع سَبنتي يا نضال"

**................... يتبع ألان


https://www.rewity.com/forum/t459560-265.html



التعديل الأخير تم بواسطة رغيدا ; 07-04-20 الساعة 02:12 AM
Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس