عرض مشاركة واحدة
قديم 07-04-20, 12:15 AM   #517

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



البريق الثاني عشر

انطلقت ضحكاته الطفولية السعيدة تطرب قلبه الحجر وهو يتمسك بيده بقوة .. الأيام السابقة قضاها مع كريم نهارا ليذهب ليلا إلي شقته رافضا بيت العائلة حتى لا يرى بنظراتهم اتهاما أو كرها
أحيانا يتواصل مع أخته رنوة ليخفف عنها صدمة ما عرفت فتقضي بعض الوقت معه ومع كريم بين أنشطة النادي أو دعوات في أجمل المطاعم

رنوة ذابلة منطفئة ويبدو أن راشد الصيفي ترك فيها أثرا لن يزول بسهولة من صغيرته لكن لا بأس ... الوقت كفيل بإصلاح كل شيء فيها لتدرك أنها علاقة غير منطقية .. لتدرك أنها اخطأت
وأحيانا يجازف ليفرض سيطرته غير آبها بشيء ويذهب بكريم حيث منزل عائلته فتتقبله تحية على مضض وكعادة رمزي لا يهتم بأحد ويعامله شهاب بخفة ظله وما زالت جدته بركة رافضة رؤيته
يقفز كريم في مشيته المعتادة وهما يخرجان من متجر المثلجات كل منهما يحمل مخروطا تزين بنعومة الشيكولاتة وألوان الفاكهة

يسأله فؤاد عن سباق السيارات الذي وعده به سابقا وهو ينظر إلي المخروط يتساءل عن اخر مرة تناوله بها

" هل أعجبك السباق ؟ "

اتسعت عينا كريم بإثارة وهو يهتف حماسا

" تحفة "

صمت قليلا وهما يسيران ببطء في الميدان متجهين للسيارة فيقول فؤاد بعد تفكير

" لكن السباقات بالخارج لها متعة أكبر بكثير "

يلعق كريم مثلجات الفراولة متسائلا بشفتيه الحمراء

" ماذا تقصد ؟! "

كل تفكيره كان منشغلا بفكرته المفاجئة التي تلح عليه بضراوة الاغراء تعده بعالم جديد ومستقبل أفضل له ولأسرة صار يرغب في وجودها تحيطه بعد نبذ الجميع
يجيب فؤاد بابتسامة صغيرة مترقبة

" ما رأيك لو سافرنا ؟ "

توقف كريم مكانه ينظر إليه بحزن ظلل عينيه متسائلا بوجوم

" مجددا أبي ؟ "

كلمة أبي تدق نبض قلبه ولا يسعه إلا أن يتخيل كيف سيكون كريم له صاحبا حين يكبر .. نادما على كل لحظة مرت من طفولته وهو ليس معه لكن لا بأس .. سينجب غيره ويعيش كل ما فاته .. سينجب غيره ومن اسما !
مجرد تخيل الأمر جعل ابتسامته تتسع منخفضا أمام كريم ليكون بمستواه مجيبا

" نعم .. لكن هذه المرة أنا وأنت واسما .. نذهب إلي بلد بعيد ونعيش معا "

عيناه تشتد بنظرة عازمة لامعة وهو يرتب لكل شيء بسلاسة عجيبة لينقل كل عمله للخارج ويسافر تاركا كل شيء هنا .. ربما سيحضر رنوة إليه بعد عامها الجامعي الأخير لتعمل هناك بفرص أحسن لها

يسأل كريم ناظرا لعيني أبيه الحادة

" هل ستترك أهلك ؟ "

وقف فؤاد يمسك بيده ليتناولا المثلجات ويعاودا السير والحديث يتحول لسمر من القلب

" هل تحبهم .. هل تريد أن تظل معهم ؟ "

أجاب كريم وملامحه تنقلب عابسة

" في المرات القليلة التي قابلت بها رنوة وعمي شهاب أحببتهما .. لكن لا تغضب مني لأني لا احب عمي رمزي أو .. جدتي تحية .. إنها تشبه .. ( الزومبي ) "

يكتم فؤاد ضحكته ليلعب دور الأب قائلا بحزم

" عيب يا كريم لا تقل عن جدتك هكذا "

يلوح كريم بيده بلا اهتمام ليعبرا الشارع بحذر

الفترة الماضية قربت بينهما وربطت قلبيهما معا بطريقة ما .. يشعر أنه يعرف طباع ولده ومواعيد ما يفعل .. كيف يلعب وما هواياته وطعامه المفضل لدرجة أنه حين يأكل كريم يتوقف هو عن الأكل ويراقب طفله فقط بنهم

عبرا الشارع ليقع مخروط المثلجات من كريم فيتراجع خطوات راكضا تاركا يد فؤاد الذي نظر خلفه للسيارات القادمة فصرخ بهلع

" كريـــم "

بسرعة بديهة تحرك فؤاد مسرعا للخلف ليسحب كريم من ذراعه لصدره فتمر سيارة بسرعة صاروخية ويشهق كريم مفزوعا وصوته يتقطع بخوف أنفاسه اللاهثة

" أنا .. كنت .. ابعد الآيس كريم .. جانبا "

عينا فؤاد ترنو نحو المثلجات المهروسة بالشارع بعد مرور السيارة فوقها فيحمل كريم لحضنه قائلا بخفوت مرتجف

" ساحضر لك غيرها "

يضمه بذراعيه بكل قوته فيئن كريم بالضغط على عظامه لكن قلب فؤاد كان في صحوة نبضاته
عظيمة هى الأبوة حين تتجسد قطعة منك تتحرك من صلبك وتؤمن أنها ستكون سندك
يعانقه فؤاد وروحه تسلم الأمر لخالق الكون راجيا ألا يعاقبه في ولده .. ألا يأخذ حق المظلومين في طفله ..
لكن هاجس يسيطر عليه أن الانتقام سيكون من .. كريم

شهقة مختنقة صدرت منه فيبتعد كريم على كتفه ليلمس خده فتلاقي أصابعه الصغيرة دمعة حرة لرجل مقيد

يفرد كفه على وجه فؤاد متسائلا

" هل تبكي أبي ؟! "

عدله على ذراعه ليمسح دموعه مجيبا باضطراب

" لا حبيبي لكن لا تترك يدي مرة أخرى كريم هل تفهم ؟ "

يهز كريم رأسه إيجابا مستغربا حال أبيه المتلهفة وهو يصل به للسيارة فينزله ليركب مثبتا حوله حزام الأمان بإحكام ثم يلتف ليتخذ مقعده
ظل فؤاد صامتا شاحب الوجه وقد شعر ما حدث إشارة فقد سيأتيه بغتة !
قلبه يهدر محاولا تمالك أعصابه ليلتفت إلي كريم الجالس ببراءة ساكنة قائلا

" لا تخبر اسما بما حدث حتى لا تقلق "

اومأ برأسه بطاعة وهو يفسر الأمر بعقله الصغير قلقا عاديا لكن فؤاد علم أن اسما ستتهمه عمدا بأي خدش قد يحدث لكريم
عاد ينظر أمامه يشغل محرك السيارة ليتذكر متسائلا

" لم تقل ما رأيك في السفر ؟ "

أخذ كريم ثوانٍ ليفكر ثم قال بابتسامة متلاعبة

" إذا استطعت أن تصالح أمي لنذهب جميعا معا أنا موافق .. والآن هيا حتى لا نتأخر على السينما لنشاهد الجزء الثاني من فيلم ملكة الثلج !.. لعلك تتعلم شيئا عن معاملة ملكات الثلج !! "

هذه المرة فؤاد هو مَن أخذ وقتا ليستوعب قصد كريم فتنطلق ضحكته عالية كسرعة السيارة مفكرا بخبث

( إذا أردت فلن تأخذ مني أكثر من دقائق !.. أنا فؤاد رافع يا ابني !! )

اسما لم تكن يوما ملكة ثلج بل تشبه دفء الليل
جمالها ? السهر .. دعوة مفتوحة لمساء شاعري خلاب السحر
ابتسامتها بأنوثة الأميرات في رقي عناقات الشمس في سماوات صافية
وهو .. لا ينكر أنه يشتهي الشعر الأشقر كلما تذكر شعرها الليلي الأسود منذ سنوات !.





يبحث في خزانة ملابسه بلا اهتمام ليخرج منها قميصا أبيض ألقاه على السرير خلفه ليفاضل بين بذلته الرمادية والكحلية
أفكاره تأخذه هنا وهناك والشوق يدمر مقدرته على تحمل الابتعاد .. يوم بعد يوم يذهب عند شركة التأمين يراها من بعيد ويرحل بعد اختضاض القلب بقسوة الفراق
دخلت وصال تحمل حلته السوداء تنفض كتفها بعناية بعد كيها ثم تضعها له على السرير بقولها

" جهزت لك ملابسك "

تأخذ القميص الأبيض تعيد ترتيبه بالخزانة وهو يتفحص بذلته ثم يجلس جوارها قائلا بوجوم

" لا أريد الذهاب "

اغلقت الخزانة واستدارت ترد عليه

" ألم تقل إنه زفاف صديق مقرب لك ؟! "

يمسح عماد على جبهته حتى شعره ثم يهز رأسه بقتامة ملامحه فتجلس وصال جواره تربت على كتفه قائلة بتفهم

" اعلم أنك تعيش فترة صعبة منذ رحيلها لكن كل شيء سيمر "

يضغط عماد صدره يمسده بتثاقل وصوته يتألم بكل ما يحمل داخله

" صعبة .. أحيانا اشعر أن روحي تنسحب مني وشيء يقبض صدري .. مثل الثلج "

يضيع صوته والعذاب يقاسيه كل ثانية بأيامه ويعلم أنها تتألم مثله .. ودعوته دعوة عاشق ألا تتعذب مثله حتى لو هان الحب
يحني رأسه مهموما فتبعد يدها عنه لتقول بخفوت صادق

" يصعب عليّ أن أراك هكذا .. لو عليّ كنت تركتك لكن المشكلة ليست في وجودي أنا .. هناك اثنتان غيري"

نظر ليديها بطرف عينه وهى تقبضهما معا ورغما عنه إحساس مريع بالظلم يشعره لنفسه فيكسره متحاملا على ألمه قائلا

" لا تقولي هذا مرة أخرى .. لم ولن تكوني مشكلة أبدا وصال "

كفتاة كبرت تحت جناحه تعلم ما يخفيه بنظرة .. وامرأة عاشت في ظله تشعر ما يجرحه بمرارة صوته
شعورها بذنبها في حقه لا يعادله مقياس ضمير لترد بحزن وخجل من نفسها

" لكني اعرف أني أنانية .. منذ وافقت على زواجنا لأنقذ أبي وأنقذ نفسي .. منذ وضعت لك شروطا لا ترضي أحدا .. لا ترضي الله "

ترتفع نظرته لوجهها الصبوح وشعرها مسدلا حوله بجمال فيهدأ الظلم قليلا بإحساس النعمة .. لقد فاز بوصال ميزان روح ويحيى براءة قلب

لكنه بعد كل تلك السنوات لم يعد قادرا على كتم شعوره بالضيق والإرهاق ومقدار التشتت بحالته
بوضع التعدد
من بيت إلي بيت ومن وضع إلي وضع .. إنفاق هنا وهنا وهنا .. والعقل هنا وهنا وهنا .. والقلب لا يرتاح
يتوق لبيت مستقر يعود من عمله ليجد زوجة بانتظاره يفصل بها عن الدنيا .. مهما كانت مشاكل الزواج والحياة يتشاركانها معا .. لكنه بوضعه مضطرا أن يدبر كل شيء بنفسه حتى لا تنفرط حبات حياته
يتوق لحياة طبيعية .. أولادا من صلبه وحبا لابناء قلبه .. لا مشاكل متزايدة .. مُضاعَفة

فهل يتوق كل رجل يجمع على ذمته أكثر من امرأة أن يرتاح من ذلك العبء .. أن ينفض عن كتفيه أحمالا مكتفيا بامرأة واحدة ؟!

فرد جذعه متنهدا بتأوه مكتوم ثم رد دون النظر إليها

" لا تفكري هكذا لأني وافقت منذ البداية .. لو كنا اصدقاء وطلبتكِ للزواج ورفضتِ هل كنتِ ستقولين عن نفسكِ أنانية ؟!.. نفس الأمر .. نحن اصدقاء وأقرب من الاصدقاء فلا تحملي نفسكِ عبئا غير موجود "

راقبته وصال تعلم أنه يكذب كذبه الأبيض المعتاد ليخفف عنها .. عماد تعب من هذه الحال
اختنق من المسؤوليات والواجبات التي – يضطر – إليها بإجبار ضميره ورجولته .. يريد مسؤولية يقوم بها – بإرادته –
حر وقيد نفسه بنفسه
ابتسمت بسمة باهتة لتقف وتمسح على كتفه تحثه بتشجيع

" هيا قم .. انهض لتذهب إلي الزفاف وتقوم بالواجب كعادتك .. وافرح "

رفع عينيه إليها وبعض الغضب يظهر فلا يستطيع إخفاءه فتتراجع خطوة لتقول بنبرة تحاول جعلها عادية

" افرح قليلا .. حتى لو قلبك يتألم "

لم تحتمل تلك النظرة فخرجت مسرعة وعقلها يؤكد لها صحة ما تفعل ألف مرة .. هذا الغضب في عينيه من وضعه .. منها هى .. هى اضطرته ليتزوج روينة ..

لكن إن كانت وافقت أن تعيش معه حياة طبيعية كانت لترى نفس الغضب منها من حين لآخر .. كانت لتجبره أن يكتفي بها ويعيش بحصار ستره لها عمرا كاملا .. في كل الأحوال هو مجبر ، ويحيى قيد آخر يحبه.

وبالداخل كان يرتدي ملابسه ليخرج حتى لا يفقد سيطرته على ذاك الغضب حقا
لو كانت وصال تعيش معه حياة طبيعية لما كان تزوج روينة .. لو كانت ليلة عفيفة الزِيِن لما دفعته للزواج بوصال .. لو لو لو !!

يوم رأى وصال تموت على فراش المشفى بما حدث لها لم يستطع أن يتركها وهو ستر قبلها الخاطئة بفجورها .. وهكذا صار ..
سبب زواجه بوصال هو زواجه بليلة .. وسبب زواجه بروينة هو زواجه بوصال !

قبضته تضرب على الخزانة بغضب واختناق ويوم القرار يتذكره كأنه الأمس رغم مشواره الطويل مع وصال

صوت مديره كامل العامري بأذنه بالمشفى وهو يحدث والدها

" أما زلت تصر على ما تنتويه يا طاهر ؟ "

دموع طاهر تنزل على استحياء فيمسحها وهو يرد بقلة حيلة متكئا على عصا قديمة

" لن يصدقوا أنها اغتُصِبَت سيد كامل .. وحتى لو صدقوا سيظل العار عليها .. سيقتلونها أو يحبسونها عمرها كله وتعيش مرفوضة من الكل .. أنت لا تعرف كيف تفكر عائلتنا بعقولها المتشددة .. يزعمون أن المرأة لا تُجبَر إلا بإرادتها ! .. سنبتعد عن هنا أفضل .. ساختفي بها وليساعدنا الله في القادم "

يدعمه كامل قائلا بحمية وغضبه مما حدث يرفع الأمر على عاتقه

" لا تهرب .. أنا ساحميكم يا طاهر .. أنت ووصال وطفلها القادم "

اتكأ طاهر بيده الاخرى على الجدار جوار غرفة ابنته وقد نقلهما كامل إلي مشفى خاص ليرد بأسى وحسرة

" طفلها !!.. الطبيب قال أن الإجهاض خطر على حياتها .. هى لا تريده .. وأنا لا اعرف ماذا افعل فيه حين يأتي .. كيف ساربيه على إنه حفيدي ؟! "

كان مقهورا منحنيا مكتفا وجسده الممتلئ يتمسك بأي شيء حتى لا تنهار ساقاه .. الخزي بملامحه العاجزة عن فعل ينقذ ابنته .. وما ادراك بعجز الرجال .. قهر الرجال

والنار لا تبرد حتى بعد القبض على المتهم وإعدامه
منذ أيام يفكر في زيارته للمشفى مع كامل العامري واتخذ قراره .. ستكون وصال هدفه بعدما دمرت ليلة حياته
وبكل عزيمة كان ينفذ قراره

" عم طاهر ... أنا اطلب منك يد ابنتك وصال .. على سنة الله ورسوله "

التفت إليه كامل وطاهر معا والمفاجأة تغشي أعينهم فيسأل طاهر مصدوما

" ما الذي تقوله سيد عماد ؟ "

اقترب عماد منه قائلا بنبرة إرادية

" يشرفني نسبك يا عم طاهر .. ماذا قلت ؟ "

ساد صمت خانق عاجز مثله والأفكار كالطواحين وهو لا حول له فيها فيقول بتيه

" يا بني .. أنا اعلم أنك متزوج منذ عدة أشهر فقط .. ما هذا الذي تقوله ؟! "

نظرة إصرار وفخر بدوي تحتل عينيه بجدية وهو يرد

" اسمعني يا عم طاهر .. قد تكون سمعت عن أصلي وعائلتي وعندنا الأمور تختلف قليلا .. زواجي من ابنة خالتي له ظروف عائلية ولن يمنعني عن زواجي من وصال .. إذا وافقت هى "

هز طاهر رأسه بعدم قدرة على الرد وعيناه تدمعان بخوف وضعف لكن قلب الأب به يأبى جرح ابنته أكثر فيقول برضا بالمكتوب

" أنت تطلب هذا شهامة منك يا بني .. خيرك سابق لكن اعذرني .. هذه المرة الأمر يمس ابنتي ولن اكسر نفسها بشفقة أحد عليها "

لم يشعر عماد أنه يريد شيئا بحياته مثل اللحظة وهو يقول بتصميم

" صدقني ليست شفقة ولا حتى شهامة .. أنا أريدها ببيتي في حمايتي مُكرَمة هى وابنها وساتكفل بهما تماما وأمام الدنيا "

فرصة حياة تأتيه ولا يعرف ستكون ضربة لابنته لو ظنت أنه يتخلص من عارها خاصة أن عماد متزوج ، أم حماية لها ولابنها وإنقاذهم جميعا من الهرب والاختباء من عائلتهم عنيفة الطباع
يطرق برأسه وتلك الطواحين تُشَل قائلا بخفوت شديد

" لا اعرف ماذا اقول ؟! "

استدار ليفتح باب غرفة ابنته ويدخل إليها مهموما مفكرا وما إن ابتعد حتى سأل كامل بنبرة منخفضة منطقية

" ما الذي تفعله عماد ؟!.. قد تشعر نحوهما بالحزن أو الشفقة لكن الزواج ليس الحل .. هل ستتزوج كل امرأة مُغتَصبَة بالبلد ؟! "

الأمر أكبر مما يتصور أحد لمَن يوضع فيه ويحمل ضميرا مثله وظروفا كظروفه .. ليلة تشعل النار بأوردته غضبا ويحتاج بيتا آخر وامرأة اخرى وحياة اخرى وقيمة تعيد لروحه الحرية
عيناه ترنو حيث ترقد وصال داخل الغرفة ليرد

" لا سيد كامل .. المسألة أكبر من مجرد زواج للشفقة أو لأنه حل لتلك الأسرة .. لقد وُضِعَت وصال أمامي أنا بالذات وبهذا التوقيت لأنها قدري .. إشارة لن يفهمها غيري .. وعامة كما قلت لعم طاهر أن أمور عائلتي أنا مختلفة قليلا فلن يرفضوا وصال كزوجة ثانية بالعكس .. فليتمم الله على خير "

زفر كامل ليربت على كتفه داعما مقدرا لرجولته ثم دخل الغرفة يطمئن على الفتاة ذات الثمانية عشر ربيعا
استند عماد لاطار الباب وهو يراقبها باكية على وسادتها وأباها يمسح على رأسها المغطى بحجاب برئ مثل وجهها المقمر
رقيقة جميلة كطفلة اغتالوا عمرها .. كانت .. كانت تنتظر الموت بوضوح .. تطلبه كمعجزتها المُنتظَرة
وداخله يزداد الاصرار أن يكمل معها حياته .. داخله يصرخ بالوجع سراً .. لكن صريحاً

( نار بداخلي انطفأت برؤية وجهكِ البرئ .. ستكونين الميزان الذي سيمنعني من قتل ليلة يوماً كلما رأيت وجهها الأسود وصال .. ستكونين زوجتي الوحيدة دون أن تعلمي .. كلانا مجروحا بجرح عمرٍ لن يتداوى إلا بمشوارنا معاً )


رنين الهاتف أعاده لصورته حيث يقف أمام المرآة يعدل قميصه الأسود ويرتدي سترة حلته السوداء مكتفيا بتمشيط شعره بأصابعه ثم يفتح الخط مجيبا فيأتيه صوتها الباكي

" عماد .. عماد ... "

وتوقف وقته .. تخبط القلب بين جنبات الأمواج العاتية القادمة بطوفانها نحوه
وذابت الحروف بين الشفاه ليتذوق .. إبريق عطش يقطر شوقا .. همسا

" صدفة !! "

كانت أسرع في الخروج من دائرته الجاذبة وصوتها المنفعل خوفا وبكاءا يأتيه يقلب كيانه

" عماد .. جدتي واقعة أرضا ولا اعرف ماذا افعل .. أبي بمأمورية خاصة بعمله بالصعيد وهاتفه لا يستجيب وأنا وحدي .. لا اعرف لمَن الجأ وسيارة الإسعاف تأخرت كثيرا "

تحفز جسده منتبها وهى تتكلم ليأخذ مفاتيحه ويخرج سريعا أمام أنظار وصال مغلقا الباب قائلا

" اهدئي صدفة أنا في طريقي إليكِ .. ألا يوجد أحد من جيرانكم يمكنه مساعدتكِ لتذهبا للمشفى أسرع ؟ "

تجيب صدفة وهى تحاول تحريك جسد جدتها نجية على الأرض فلا تستطيع رغم جسدها العجوز الهزيل ليزداد بكاؤها بشهقات حارقة

" لا يا عماد لا اعرف أحدا هنا "

لم ينتظر المصعد فينزل الدرج حتى وصل لسيارته فاستقلها يرد

" اهدئي صدفة سأكون عندكِ خلال دقائق .. إن وصلت سيارة الإسعاف قبلي أبلغيني "

أغلقت الخط مباشرة فنظر عماد للهاتف ثم زاد سرعة السيارة لأقصاها ، متجها إلي عنوان عرفه مؤخرا حين كان يبحث خلف خطبتها الكاذبة.


تجلس صدفة أرضا رافعة رأس جدتها على رجليها منذ جاءت من عملها ودخلت الغرفة لتجدها أرضا وصرخت برعب
تبكي حتى تورم وجهها الأبيض وصدرها يختنق بالشهقات خوفا من فقدانها وهى لم تعرف أماً غيرها
تأخرت الإسعاف والهاتف بيدها تجرب الاتصال بوالدها بلا فائدة ولم تجد رقما تتصل به قد يساعدها سواه .. حتى وإن سلكت طريقا آخر فها قد أوصلها طريقها لاحتياجٍ إليه
دقائق مرت وطرقات على الباب ارتفعت فنهضت مسرعة تلتقط حجابها الذي خلعته حين وصلت تضعه على رأسها كيفما اتفق وتفتح الباب بلهفة
أمامه تلهث لا تسيطر على شيء فيها وكل جسدها يرتجف بين الخوف على جدتها والـ .. شوق المهول في عينيه
أبعد عماد عينيه عنها لينظر خلفها يحاول السؤال بتركيز

" أين جدتكِ ؟ "

ابتعدت عن الباب تشير له نحو الغرفة ودموعها لا تتوقف بلا وعي فيدخل عماد مسرعا حتى وجدها أرضا فحملها بسهولة جسدها الضئيل متوجها للباب وصدفة خلفه تخرج من الشقة فتسمع صوته على الدرج

" غطي شعركِ "

حينها انتبهت أن وشاحها انساب حول عنقها فرفعته تلفه بعشوائية وهى تسرع خلفه ثم تتقدمه في فناء البناية المتهالكة لتخرج للشارع وتفتح له باب سيارته ليضع جدتها بالخلف وتركب هى جوارها ثم انطلق بالسيارة لأقرب مشفى ..
ومن أمام محل الجزارة وقف المعلم عفيفي يراقب ما يحدث ويحك ذقنه متسائلا بشر وعينين ماكرتين بالتوعد الخبيث

" ما الذي يحدث .. هل ماتت المرأة العجوز ؟!.. مَن هذا الذي دخل الحي وأخذهما هكذا .. من أين تعرف تلك الفتاة ذلك النظيف ؟!.. ساعرف .. أين ستذهب مني ؟! "



بعد ساعة في المشفى كانت تجلس جواره على المقاعد المتصلة بينهما كرسي يفصلهما ترتاح كفها عليه وهى تطرق برأسها .. خرج الطبيب منذ قليل وطمأنها على جدتها .. والآن ..
لم تكن تدري سوى بوجوده السخي .. بحضوره الطاغي كعادته .. وبما فعلته وهى تلجأ لهذا الرجل دون غيره
رجل ? لغز جرائم العشق في مفاجآتها الموسمية .. حر ومقيد بذات التناقض
تطالع قدميها في حذائها البسيط لحظات تتنفس بتخبط ثم تقول بصوتٍ كالهمس

" شكرا أنك أتيت "

يستند بمرفقيه على ركبتيه وعيناه بالأرض البيضاء الناعمة تحيد جانبا ليدها المستكينة على الكرسي فيرد بصوته الخافت

" شكرا أنكٍ اتصلتِ بي أنا "

ما كان يعنيها هذه اللحظة إلا أنه ترك عالمه وأتاها مهما كان يفعل .. لبى النِدا
وما أقسى أن يجيب عاشق دعوة مضطرٍ إلي الفراق مهما بقي...
تزدرد ريقها بصعوبة ورغبة في البكاء تداهمها بقولها

" لم أجد غيرك .... للأسف "

أنفاسه ترتجف شوقا وجسده يتصلب بذكريات سنوات ماضية ليرد بصدق عميق مؤثر وهو يستند بظهره لكرسيه بنفس طويل

" قلت لكِ من قبل سأكون سندكِ وفي ظهركِ دائما "

بالماضي قالها بلهجة بلاده البعيدة
وهى .. كانت تشتاق إلي لهجته حد إسراف مدمن بعد غيابه عن جرعته .. إلي لسانه حين يقطر الندى على بتلات روحها .. ونظرة عينيه حين تشرق على أمواج عينيها بشمس الهوى
يده استقرت جوار يدها فسرى تياره مع دمائها لحظات لم يقاوم أن يلمس أصابعها لتغطي كفه يدها متشبثا بها بحرارة همسه

" اشتقت إليكِ "

وما كان اللحظة إلا ساعة زمنها وهى دقائقه المُسرِعة .. ما كان إلا محيطها وهى أمواجه الباحثة عن الأشرعة
مريدا طالبا فاكهة جنة وهى سكينه المترصِدة .. لم يكن إلا عاشقاً .. عاشقاً هى ليلاه المُحرَمة
فجأة رن هاتفها فسحبت يدها لتخرجه من حقيبتها وترد

" أبي .... "

نهضت تبتعد قليلا لتعود بعد دقائق المكالمة بالقول المتردد


" عاد أبي من الصعيد .. سيأتي بعد قليل .. اذهب أنت حتى لا تتأخر على .... بيتك "

قالتها بتردد غاضب متألم فنظر إليها وعيناه السوداء تمتلئ بتفاصيلها ثم يرد بشجن

" تعرفين أني لن اترككِ هنا واذهب "

أسبلت جفنيها تحفظ نظرته بذاكرة عينيها لتجلس مكانها بصمت طويل تسري فيه أنفاسهما حتى سألته فجأة

" هل لديك أولاد ؟ "

التفت عماد إليها باستغراب يتأمل وجهها الذي تزين بحمرة الحياء وهى تهرب بعينيها ندما على سؤالها فتحاول تبريره

" عرفت أن على ذمتك ثلاثة لكن ... لم تتحدث عن .. أولادك "

هل يمكنه أن يوقف هذه الدقائق لأبد اللقاء ؟!
‏يوقفها ليسري نور القمر الذي غسل وجهها بعروقه .. تلك الأنثى المخلوقة من حُسن ، لتكون – ست الحسن – وعفافها أبهر ..
هى لؤم القلب ونبضة صارخة بضلعٍ أعوج ما له من استقامة بسواها
أطرق مجددا ينظر أرضا وسلاسل شعرها الذي رآه لأول مرة بخياله تتماوج كأنها الليل حول البدر يرد

" ليس لدي أولاد "

اندفع لسانها بلا وعي مُحرَضا من غيرة قلبها بأمر مباشر

" لماذا ؟ "

عاد يلتفت إليها بحاجب مرفوع فتعض لسانها قائلة بضيق

" آسفة .. أني تدخلت فيما لا يعنيني "

ظل ينظر إليها مبتسما وتلك الغيرة مراجل نار تهدر بطوفان عينيها واضحة توتر جسدها وترجف يديها معا ، وما إن همّ بالرد عليها حتى تعالى صوت من اخر الممر

" صدفة "

أسرع المهدي بخطواته متجها إليها فتقف صدفة وهو يصل لاهثا متسائلا

" كيف هى جدتكِ الآن ؟ "

أجابت صدفة متمسكة بيده بقوة

" بخير أبي .. نائمة الآن وستظل في المشفى حتى نرى نتيجة الآشعة والتحاليل ونرى إن كانوا سيبدأون علاجها الكيميائي أم ماذا "

يشعر مهدي بالحمل الثقيل مفكرا بمصاريف المشفى والعلاج بعجز مادي عن علاج والدته قائلا بحزن

" أنا مَن تأخرت في أخذها إلي المشفى منذ اخبرتِني أن الورم عاد ينتشر بالمخ "

المرة السابقة باع شقته لتسافر للعملية الجراحية وبثمن التنازل عن قطعة أرضه الوحيدة اشترى الشقة الجديدة فما العمل الآن ؟
تدخل عماد في حوارهما ليقول بنبرة داعمة

" حاج مهدي لا تحمل نفسك الذنب .. الطبيب قال أن الحالة مستقرة وستبدأ الاجراءات فور ظهور النتائج "

انتبه مهدي لوجوده فينظر لصدفة باستغراب ثم إليه متسائلا

" بإذن الله .. مَن حضرتك ؟ "

تبادل عماد نظرة معها لتجيب صدفة بثبات يعلمه منها والدها

" سيد عماد عميل هو وزوجته عندي بالشركة وهو مَن أحضرنا إلي هنا "

هز مهدي رأسه بإدراك ليمد يده قائلا

" أتعبناك معنا "

أطبق شفتيه ناظرا لها باستياء وقد وضحت لوالدها زواجه كأنها تقطع عليه سبل التودد إليه فيصافح الرجل بالقول الجاد

" لا تقل هذا يا حاج "

أخذها مهدي جانبا فجلس عماد مكانه يتظاهر بعدم الاهتمام ليسألها بخفوت غاضب

" كيف يحضركما عميل عندكِ إلي هنا ؟!.. ما علاقته بالأمر من الأساس ؟! "

ردت صدفة بارتباك وقد فكرت في الأمر منذ اتصال أبيها

" أنا اتصلت به .. هو .. زوجته هى العميلة عندي وهو .. يعرف بعض الأشخاص هنا واخبرني يوما إذا احتجت شيئا أن اتصل به أو ... بزوجته "

أطرق المهدي يهز رأسه متعبا ثم يتجه ليجلس على أقرب مقعد يريح قدميه بعد تعب يومين متصلين في الصعيد.

بعد ساعتين وصل عماد بسيارته لأول الحي فيقول مهدي شاكرا

" شكرا يا بني على إيصالك لنا بهذا الوقت المتأخر "

عيناه في المرآة تأسر عينيها بنظرات حارة وهو يرد

" هذا واجب يا حاج لا تقل هذا .. شفى الله الحاجة .. بعد إذنك أنا سانتظر أستاذة صدفة حتى أعيدها للمشفى كما ترغب "

ردت صدفة وهى تهرب بعينيها من جمال عينيه وجرأتها

" لا لا .. شكرا لك أنا ساعود وحدي "

يلتفت عماد نصف التفاتة برأسه ليقول بنبرة عادية لكنها موقنة أن صوته يبتسم

" لا يصح .. كما أن المشفى في طريقي بكل الأحوال "

نزل المهدي من السيارة شاكرا وصدفة تتبعه بحنق أن كلمته سرت فتصفق الباب بحدة لتدخل شارع بنايتهم خلف أبيها وحينها توقفا كلاهما ونظراتهما تتعلق بالأعلى في صدمة تقصم الظهر
انتبه عماد لوقوفهما فنزل يتبعهما حتى وصل خلف صدفة لتتسع عيناه وهو يسمعها تهمس مصدومة

" ما هذا ؟! "

صوت المهدي يضيع وهو يقول بتحشرج

" يا إلهي ... ما الذي ..... "

انحشر الكلام بحلقه ودموعه تنزل فزعا على شقاء عمره ..
فأمامه كانت النار تحرق شقتهم الصغيرة والدخان الأسود يرتفع للسماء .. أصوات أهل الحي ترتفع صياحا وحزنا وخوفا والأطفال الصغار يهرعون لبيوتهم
وضعت صدفة كفها على فمها متسعة العينين بصدمتها تُشَل مكانها والنار تتصاعد من النوافذ وفرقة الاطفاء تحاول السيطرة على الوضع
بدون وعيها تركض تجاه البناية القديمة هاتفة

" لا "

أسرع عماد خلفها يمسك ذراعها فترتد لصدره سائلا

" توقفي أين تذهبين ؟ "

علت شهقتها فارتفع بكاؤها جواره ليحثها للسير معه حتى والدها المفجوع مكانه يردد بشحوب

" إنا لله وإنا إليه راجعون .. إنا لله وإنا إليه راجعون "

يقترب مهدي من أحد الرجال ودموعه تسيل بانحناء الجبال يسأل بضعف

" ماذا حدث ؟ "

يرد الرجل وهو يربت على كتفه مواسيا

" ماس كهربي يا حاج .. احترق كل شيء .. عوض الله عليك "

أطرق المهدي وصدفة تسنده جوارها باكية فيظهر عفيفي من سواد الأرض قائلا بصوت مرتفع

" لا حول ولا قوة إلا بالله .. عوض الله عليك يا أخي .. لا تحزن .. تعال معي .. تفضلوا عندي الليلة .. والله لا تقضيا ليلتكما إلا عندي "

أمسكه عفيفي من ذراعه الاخرى وفجأة وجدت صدفة أبيها يقع من يدها فهتفت بخوف

" أبي "

رفعه عماد مسرعا يسنده ليقف بينما ينادى عفيفي لرجاله فيسحبون المهدي للمقهى القريب ويساعدونه لشرب بعض الماء حتى استفاق فتسأله صدفة بجزع

" أبي هل أنت بخير ؟ "

لم يعي المهدي ما حوله إلا أن يردد درءا لمصيبته

" إنا لله وإنا إليه راجعون "

صفق عفيفي وهو يصيح في جمع الرجال ليذهب الجميع لمصالحه ويعاونه رجاله في فض الطريق ليوقف مهدي قائلا

" قم يا مهدي يا أخي .. قم لآخذكما لبيتي ترتاحان فيه .. سيعدلها الله صدقني .. فرجه قريب "

بعض الرجال يذهبون به نحو بيت عفيفي وهو لا حول له ولا قوة فيما يستدير عفيفي برأسه ونظراته تلتهمها فيضعها أمام الأمر الواقع بالقول

" هيا يا آنسة .. ستنيرين بيتي "

سمعها عماد وضرب الدم بمخه لتطلق عيناه شررا وأنفاسه تصارع برئتيه ليسحب صدفة خفية قائلا بحزم وهو يخرج مفتاحا من جيبه

" صدفة .. خذي .. مفتاح شقتكِ .. اذهبي أنتِ وأبيكِ وجدتكِ حين تخرج .. ظلوا هناك حتى تدبروا أموركم .. سارسل لكِ عنوانها برسالة "

ثبتت عيناها على المفتاح تائهة لا تدري ما حولها والإجهاد ينال منها حتى لم تعد تستطيع الوقوف فتبعد يده بالمفتاح قائلة بنظرة زائغة

" اذهب .. لا أريد منك شيئا "

استدارت تبتعد خلف أبيها وصخب الشارع يعميها لا ترى أمامها فيهمس عماد بحرقة القلب

" صدفة "



بعد ساعات ظلت جالسة على سرير الغرفة التي دخلا إليها بشقة عفيفي .. بحجابها وملابسها تخشى أي غدر على حين غفلة .. يقولون أن رجال الاطفاء انتهوا ليتركوا الشقة مجرد جدران سوداء لا تنفع بشيء وداخلها بقايا أثاث ورماد أشياء

نظرات زوجة عفيفي أحرقتها حية ولم يسمع صراخها أحد .. ليتها قبلت المفتاح من عماد على الأقل كانت لتشعر بالأمان
تشعر أن الباب سيُفتَح بأي لحظة ويدخل ذلك الرجل الشبيه بالضباع المسعورة

أباها جوارها تنظر إليه نائما بتعب بعدما رأت دموع ضعفه .. لم تتصور يوما أن ترى أبيها يبكي العجز .. عجز عن كل شيء لدرجة أنهم سحبوه حتى يأتي إلي هنا كأنه بغير وعيه ليدخل هذا البيت القمئ
وهى لم تستطع تركه والرجوع لجدتها بهذا الوقت

ابتلعت ريقها ضاغطة على صدرها بألم لتسمع صوت اهتزاز هاتفها برسالة فأخذته لتقرأ

( أريد أن اطمئن عليكِ )

أغمضت عينيها ودمعة تنحدر على خدها فتمسحها ثم تنهض تتجه للباب لتخرج إلي الحمام فتفتحه بحذر ناظرة للخارج أولا ثم تتحرك خطوات لتشعر بحركة أحدهم ..
استدارت بخوف وانقباض تنظر نحو أريكة جانبية لتواجه نظرات عفيفي حيث يجلس ويده على بطنه الكبيرة مبتسما بسماجة جعلتها تريد التقيؤ ، فعادت مسرعة للغرفة تغلق الباب الذي لا مفتاح فيه وتجلس على السرير تعض أصابع قبضتها بخوف وألم ورغبة دخول إلي الحمام صارت ممنوعة

دموعها تتزايد فتأخذ الهاتف تكتب بضعف

( خائفة .. خائفة جدا )

لحظة واحدة وكان عماد يرد فتشعر لهفته وخوفه

( هل احضر إليكِ ؟ )

انكمشت على السرير بوضع جنين موجوع لتكتب وتكتم بكاءها

( لا أنا بخير )

يرسل رسالته كأنها كل أمانها هذه الليلة

( سأكون عندكِ صباحا بالمشفى .. نامي الآن وكل الأمور ستُحَل .. أحبكِ يا قدر )

قرأتها مرة ومرة ثم مرة و.... أغمضت عينيها ليسحبها نوم قلق إلي حلم حضنه الآمن.



يتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 07-04-20 الساعة 01:04 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس