عرض مشاركة واحدة
قديم 21-04-20, 02:10 AM   #68

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثامن عشر

_________


تمسك هاتفها بيد مرتجفة، مرتبكة وخائفة ولا تدري ماذا حصل حتى الآن.
كل ما تعرفه أن مساعد منشغل، منشغل للغاية ليهتم بأمرها.
لذا عليها أن تتأكد بطريقة ما.
تجلس بجانب باب السطح منذ ما يقارب الساعة، وقلبها يخفق بسرعة من الخوف الشديد.
إن نفذت طيف تهديدها قبل أن يصلوا إليها فريق الجرائم الإلكترونية.
ستصبح هي في عداد الموتى بالتأكيد.
الجميع بالخارج الآن، والدتها ذهبت إلى حسناء، ولينا ذهبت إلى نوف التي طلبت رؤيتها.
عاطف وعايض خرجوا للبحث عن يُمنى.
التي هي الأخرى تنتظر خبر إيجادها بفارغ الصبر.
تلك المسكينة حتى متى ستعاني، ويعاني معها شقيقها!
غطت وجهها بكفها بإرهاق، لتفزع من صوت ضحى العالي، والآت من الأسفل / يمه لا يكون خطفوك بعد يا نجد، وينك يا أختي الحبيبة ؟
ضحكت وهي تنهض بوهن وتنزل بخطوات بطيئة، ارتفع صوت ضحكاتها أكثر وهي ترى وجه ضحى المحمر والفزع من الخوف، وهي تفتح الباب تلو الآخر / أنا هنا.
تأوهت ضحى ثم تنهدت براحة / يمه بغيت أموت من الخوف ، حسبت انك انخطفتي مثل يُمنى .
فاجأتها حين نزلت وعانقتها .
حينها لمعت في بالها فكرة / ضحى أكيد طفشانة لأنك اضطريتي تجلسي عشاني؟ إيش رايك نطلع أنا وانتي؟
ضحى / وين بنروح ؟ لا يا نجد تكفين ، أخاف انخطف .
نجد / بلا دراما ضحى ، يلا روحي البسي عبايتك ، بعشيك على حسابي ، يلا ولا ترى بغير كلامي الحين .
لم تنهي عبارتها إلا وضحى بداخل غرفتها ترتدي العباءة .
ضحكت نجد وهي ترتدي عباءتها ، ولا زالت مترددة .
لا تعرف إن كان ما تنوي فعله صائبا أم لا .
ولكنها حقا خائفة ، وتكاد تموت من الرعب .
كيف لا وصورها بيدي إنسانة مجنونة؟
وقفت بجانب الشماعة عدة لحظات قبل أن تزفر أنفاسها المختنقة ، ثم تأخذها وترتديها .
كانت ضحى تنتظرها بجانب الباب ، حين انتهت حملت حقيبتها وهاتفها وخرجت .
ظلت ضحى تلح عليها لمعرفة وجهتهما ، لذا أخرستها قائلة / بنروح نتمشى بأي حديقة ثم نروح نتعشى ، أبي أشم هوا اختنقت .
انتظرتا السائق لبضعة دقائق ، لتخبره نجد بوجهتها بعد ركوبها السيارة .
شهقت ضحى بصدمة / ليش بتروحين لطيف؟
تجاهلتها نجد وهي تنظر إلى الخارج ، لتمسكها ضحى من عضدها بإصرار / أمانة نجد وش في بالك ؟ إيش تبين منها ؟ مو مساعد طلقها خلاص يعني ما عاد فيه علاقة بينك وبينها ولا بين أي أحد من عايلتنا .
التفتت إليها نجد تقول بهدوء / شوفوا البزر ، بس بتأكد من شيء وأرجع ما بدخل عندها .
ضحى بفضول / من إيش ؟ أمانة علميني .
أراحت نجد ظهرها على المقعد وأغمضت عيناها / اسكتي شوي بالله والله إني دايخة ، إذا وصلنا هناك بعلمك .
سكتت ضحى مرغمة ، وظلت هي مغمضة عيناها ، ولكن بداخلها الكثير من الأفكار .
كان حبها لمساعد صعبا من البداية ، بما أنه من طرف واحد ، ولا يعلم عنها ,
ولكنه الآن بات مستحيلا ، لا أمل منه !
بالتأكيد تغيرت نظرته تجاهها !
بعد مضي بعض الوقت ، حين وصلوا في منتصف الطريق .
وردها اتصال من فريق التحقيق والجرائم الإلكترونية ، توترت حين نظرت إليها ضحى / لو سمحت وقف هنا .
ضحى بإستغراب / ليش يوقف هنا ، نجد انتي صاحية ؟
أوقف السائق السيارة ، لتترجل هي بعد أن قالت لضحى / انتظري شوي .
اتسعت عينا ضحى وهي ترى هذه التصرفات الغريبة من نجد .
لم يكن بيدها حيلة سوى انتظارها بفارغ الصبر .
وما هي إلا لحظات ، حتى دخلت نجد مجددا وهي تضحك .
صدمتها أكثر حين عانقتها بقوة ، وصارت تبكي فجأة .
أبعدتها ضحى بدهشة / بسم الله نجد سلامات؟ إنتي بخير؟ عقلي بيطير من حركاتك الغريبة .
نجد وهي تمسح دموعها / روح لمول الــ …….
والتفتت إلى ضحى / والله يا ضحى إن تشترين كل اللي بخاطرك ، وتأكلين كل شيء تبيه ، يا ليت لينا معانا بعد ، لكن مو مشكلة بعوضها بعدين .
ضحكت وهي ترى ملامح ضحى ، وعيناها المتسعتان ، قبلتها وهي تقول بسعادة / بس نوصل المول بقول لك إيش صار معي ، بس اوعديني إنه هالشيء راح يكون بيني وبينك ، ما احد يعرفه من البشر إلا انتي ، تمام ؟
ضحى التي تكاد تموت من فضلها / تمام تمام ، خليه يسوق بسرعة ، والمخالفات عليك ، أهم شيء أعرف السالفة بموت والله .
ضحكت نجد ثم أغمضت عيناها براحة تامة .
حمدت الله بداخلها ألف مرة ، تمنت لو تمكنت من مشاركة فرحتها مع جميع من بالعالمين .
تشعر أن هم ثقيل للغاية انزاح عن قلبها وأراحها كثيرا .
بعد أن أخبرها الموظف أنه تم القبض على طيف ، ويجري التحقيق معها بشأن التهمة التي رفعتها نجد .

فور وصولهم إلى المركز التجاري توجهوا إلى المصلى بما أن آذان العشاء رُفِع .
صلتا الفرض ، ثم أتبعتها نجد بصلاة شكر .
بعد أن خرجتا وتوجهتا إلى مقهى بداخل المركز ، أخبرت نجد شقيقتها بكل ما حصل في الأيام الماضية .
فغرت الأخرى فاهها بذهول وعدم تصديق / كذابة ، كل هذا صار معك واحنا ما ندري ؟
نجد بصدق / أمانة ليش أعلمكم وأضيق صدوركم معي ، غير كذا اخواني وأبوي لو دروا ذبحوني ، بس أمانة ضحى مثل ما قلت لك ، لاحد يدري .. أنا أثق فيك ، لا تخيبين ظني .
هزت ضحى رأسها بإيجاب / مجنونة انتي ليش بعلم والموضوع منتهي خلاص ، بس أخاف طيف هذي تكون أدهى من كذا وتكون أرسلت لأحد .
نجد / كنت خايفة من هالشيء ، بس طمنوني قالوا انهم تصرفوا كويس .
ضحى / ما أعلم لينا حتى ؟ تدرين قبل النوم كل الأسرار تخرج من تلقاء نفسها واحنا ننام بغرفة وحدة .
ضحكت نجد / لينا قلبها رهيف لا تعلمينها ، بتقعد سنة كاملة حزينة عشاني ، خلاص الموضوع منتهي يا ضحى .
ابتسمت ضحى بمكر / أجل يبي لي أشكر طيف ، لو ما سوت اللي سوته ما تكرمتي عليّ بهالشكل اليوم .
ضربتها نجد على ذراعها بخفة / يا ناكرة المعروف دايم تأخذين مني فلوس زيادة على المصاريف اللي تأخذينها من أبوي .
ضحكت ضحى / أمزح أمزح ، يا ربي شكثر ارتحت والله ، الحمد لله .
تنهدت نجد براحة / إيه والله والحمد لله .
لم ترغب نجد بأن تخبر أحدا من عائلتها بما أن الموضوع منتهي بالفعل .
ولكن من بدأت معها هذا الأمر ، وهي بشرى .. ليست بجانبها الآن .
هي مشغولة بما يكفي لتزعجها .
غير أن ضحى أيضا عليها أن تعرف ما حصل بأختها حين أهملت الموضوع وصورت نفسها بتلك الملابس ، حتى وإن كانت الملابس محتشمة .. فعلى الفتيات الحرص دائما .
لعلّ شقيقتها الصغرى تتعظ وتبتعد عن ذلك ، فلا تعاني في المستقبل .

___________


منذ أن فتح معها بدر الموضوع ، لم يرتح بالها يوما واحدا .
أصبحت الأمور المزعجة تصبح واحدا تلو الأخر .
ليست معترضة على الإطلاق ، ولكنها حقا متعبة .
متعبة للغاية .
رؤيتها له بعد مرورها بكل تلك الأمور أتعبتها أكثر .
لذا أعطته الإشارة الأولى ليبتعد ، يبتعد تماما ولا يعاود الظهور أمامها .
تعرف جيدا أنه لا شيء أصعب من حب مستحيل .
لذا عليه أن يهرب بعيدا بينما لا يزال الموضوع في بدايته ، ولم يتعمق به كثيرا.
حتى وإن كان أخذها لإبنها مستحيلا ، ترغب بالمحاربة أكثر .
بعد أن خرجت من المستشفى برفقة والدها وشقيقها .
اقترحت على مساعد أن يتجه إلى الديرة ، بما أن يُمنى تحب منزلها أكثر من أي شيء آخر !
كان هناك أملا بسيطا ساذجا في قلبها .
ولكن ذلك الأمل قادها هي وشقيقها لاكتشاف مكان سلمان ، الآن حتما يمكنهم تصفية الحسابات جيدا !
والتخلص من شوائب الماضي .
علّ روح يُمنى تهدأ قليلا ، فتعود إلى عائض وتريح قلبه أيضا !


ترقد على سريرها منذ ساعة تقريبا ، بعد أن صلّت فرض العشاء وحتى الآن .
تترقب اتصالا من أي أحد ، يطمئنها بإيجاد يُمنى .
مثلها مثل بُشرى التي تجلس مع هنادي في الصالة .
كانت تجلس برفقتهم قبل الصلاة ، ولكن شعورها بالتعب الشديد جعلها تستأذن وتذهب عنهما .
وللتو أيقنت أن الجلوس بمفردها يجعلها تستمر بالتفكير وتتعب أكثر .
نهضت ببطء وملل وخرجت إليهم ، لتتفاجأ فور خروجها بأحدهم يطرق الباب .
اقتربت منه سائلة / مين ؟
أتاها صوت نجد / احنا يا حسنا .
فتحت الباب وابتسمت لها .
رفعت ضحى الأكياس التي بيدها / جايين بالعشا لا تموتون من الجوع .
ضحكت حسناء / يعني ما كنا بنتصرف ؟
اقتربن منها وسلمن عليها، حتى لينا التي مرت بها نجد قبل المجيء إلى هنا .
جلسوا جميعا على السفرة ، بعضهن يأكلون غصبا .
بُشرى التي ترغب بالإتصال بزوجها كل دقيقة ، ولكنها بنفس الوقت لا ترغب بإزعاجه .
نظرت إلى حسناء حين قالت بتعب / يا خي والله مخي بينفجر ، أبي أعرف على الأقل هم وين وإيش قاعدين يسوون .
بشرى بهدوء / كلمت سعود بعد الصلاة، قال لقوا سلمان وقفل.
نظرت إليها حسناء بدهشة لبعض الوقت قبل أن ترمي ما بيدها على الصحن بغضب / لا والله ، وما تعلميني شيء ؟
بشرى باستغراب / قلت لك ما قال شيء مهم ، قفل على طول باين انه مشغول ، ما حبيت أزعجه أكثر ، وأساسا ما راح يرد عليّ.
وقفت حسناء بوجه محمر / برضوا المفروض تعلميني بكل شيء ، تدرين إني على أعصابي وبموت وأعرف شيء .
بشرى بإحراج / اهدأي حسناء ، قلتي لنا انك تعبانة ودخلتي ، ما كنت بزعجك .
ضحكت بسخرية / طبعا بتلقين ألف حجة وحجة عشان ما تطلعين غلطانة .
غادرت الصالة تضرب الأرض برجلها من القهر .
لتضحك بشرى بهدوء / ما عليكم ، أكيد أعصابها تعبانة من اللي قاعد يصير ، أختها تعبانة وعمتها مخطوفة ، عن اذنكم بشوفها .
اتجهت ناحية غرفة حسناء وهي في غاية الإحراج ، من نظراتهم تجاهها ومن شعورهم بالإحراج هم أنفسهم .
ضحى بهمس بعد أن ابتعدت بشرى / يا ويلي ايش فيها حسناء أحرجت المسكينة .
وكزتها نجد بمرفقها لتصمت .


فتحت حسناء الباب وتفاجأت ببشرى / إيش تبين ؟
بشرى / ممكن نتكلم ؟
حسناء ببرود / ما عندي شيء أقوله .
بشرى وهي تدخل عنوة / أنا عندي .
نظرت إليها حسناء لبعض الوقت قبل أن تغلق الباب وتجلس / نعم .
بشرى بهدوء / لازم نحل هالخلاف اللي بيننا الحين ، الخلاف اللي ما له سبب .
حسناء بحدة / على كيفك ؟ مين قال انه ما له سبب ؟
تكتفت بشرى / وش هالسبب طيب ؟ نوريني حسنا ، لأني ما أعرفه وتعبت وأنا أحاول أعرفه ، تمام زواج أبوك بوحدة قدك تقريبا كان شيء صادم ، عذرتك هذاك الوقت ، بس الحين بعد ما مر وقت طويل ما عاد أقدر أعذرك على تصرفاتك السيئة معي يا حسناء .
حسناء / الحين هذا موضوع تتكلمين فيه ؟ هذا همك ويُمنى ما ندري وينها ، ميتة ولا حية ولا إيش صار معاها .
بشرى بنبرة حادة للمرة الأولى مع حسناء / إيه هذا همي الحين ، أنا زوجة أبوك بمثابة أمك ولازم تحترميني .
نهضت حسناء بإنفعال ووقفت أمامها / مين انتي حتى تحطين نفسك بمكان أمي ؟
بشرى ببطء / زوجة أبوك ، لو كنتي زمان تتمنين انه يطلقني فاعتبري انه هالشيء مستحيل الحين ، بما إني حامل بولده .
نظرت إليها حسناء بدهشة / والله ! ما أدري قد إيش حاولتي واجتهدتي عشان ما تتطلقين ، لهالدرجة كنتي يائسة عشان تتزوجين رجال كبير عنده عيال؟ ما احد طالع فيك ؟
أجفلها ما قالته حسناء ، لطالما كان لسانها مسموما ، ولكن ليس إلى هذه الدرجة / تزوجته عشان يُمنى وعشان هديل ، كان مستحيل يلقى وحدة تهتم فيهم مثلي ، وانتي اللي تركتيهم كلهم ورحتي ، ترى أنا تعبانة وأتوجع عليهم أكثر منك ، عشان كذا احترمي نفسك واحترميني قدام الناس ولا عاد ترفعي صوتك عليّ ، مفهوم ؟
صمتت قليلا ثم أكملت / لو فعلا عند سبب مقنع لكرهك لي، علميني عشان أعذرك.
أبعدتها عن طريقها وخرجت ، تشعر بالحرارة تملأها كاملا وتخرج من أذنيها .
عضت حسناء شفتها وأغمضت عيناها بغيظ لكيلا تغضب أكثر .
قبل أن تتفاجأ بإتصال على هاتفها الذي كان على السرير .
أسرعت نحوه وقلبها يخفق بعنف ، ردت بسرعة حين وجدت المتصل مساعد / بشر ، لقيتوها ؟


__________


قبل ساعة ..

لم يصدق عيناه وهو يرى يُمنى بهذا المنظر الفظيع .
لم يتمنى يوما أن يراها بهذا الضعف ، وإن كانت ضعيفة على الدوام .. ولكن هكذا !
لا يتمنى هذا الشيء لعدوه ، أيرضاه إذا لها !
محبوبته ، بل روحه .
ركض ناحيتها حين سقطت وهو يصرخ بإسمها .
كشف عن وجهها مرغما وعيناه متسعتان من كمية العرق الذي يغطيه .
ضرب على خدها بخفة عدة مرات وهو ينادي بإسمها بخوف .
اتسعت عيناه أكثر وهو يرى ما لم يتوقعه ، يدها اليسرى لم تنزف القليل فقط ، بل الكثير .. الكثير من الدماء !
ليوقن أنها حاولت الإنتحار !
هل فعلا وصلت إلى تلك الدرجة من اليأس ؟
وصلت إلى تلك المرحلة من الضعف ؟
صرخ بإسمها مجددا وهو يمسك برأسها ويضعه على حجره ، والدموع تتجمع بعينيه دون أن يشعر .
حتى سمع خطوات من خلفه .
نهض بعد أن تركها بلطف .
وقف في مكانه يرتجف من شدة القهر والحزن والغضب .
تجمع الجميع حول يُمنى ، وهم بالكاد يصدقون ما رأته أعينهم .
انتبه إلى من خرج من المبنى ينظر إليهم بحذر ، ثم يسير مبتعدا كأنه يريد الهرب .
شعر بالدم يغلي في عروقه ، وقبضته تشتد تلقائيا .
اشتعل البركان في قلبه بعد رؤيته له بعد هذه الفترة الطويلة .
ومرّ شريط الذكريات أمام عينيه ، محاولاته الكثير في استفزازه ، الوضع في الديرة حين أتى ليبشر يُمنى ويخبرها بموعد اقترب الزواج ثم صدمته بما سمع ، منظر يُمنى حين ذهب إليها ، منظرها وهي تطلب الطلاق ، منظرها وهي تخبره بالحقيقة المفجعة .
كل تلك الأشياء جعلته يفقد أعصابه تماما ، ويركض نحوه دون أن يشعر .
حتى أمسك به من الخلف ، وأسقطه أرضا .
جلس على بطنه وبدأ يلكمه على وجهه بشدة ، يصرخ بغضب كالأسد الهائج .
انتبه سعود والآخرون إليه ، تكفل هو ومساعد وآخر بحمل يُمنى والتوجه إلى أقرب مستشفى .
بعد أن آمر الأخرون بالتصرف مع عايض وسلمان الذي كاد أن يموت بين يدي الآخر.
لم يتركه عايض إلا بعد أن سكن الآخر تماما ولم يعد يتوه أو يصرخ من الألم أو يقاوم .
شقيق يُمنى طارق وابنه الذين كانا يحاولان ابعاد عايض عنه ، وفشلا في ذلك .
اتسعت أعينهما بصدمة / شكله مات .
صرخ الشاب / عايض يا مجنون شكلك قتلته .
عايض وهو يلهث / حلال عليّ قتله .
أوقفه طارق بغضب وأمسك بياقة قميصه قبل أن يصفعه بقوة / اصحى يا خبل ، قتلت الولد الحين وش يطلعك من السالفة .
استوعب عايض وضعه بعد تلك الصفعة ، والتفت إلى سلمان بصدمة .
ابتلع ريقه وهو يرى جسد سلمان الساكن تماما ، والمضجر بالدماء .
أبعد طارق عنه وجلس على ركبته بجانب رأس الآخر ، ليمد يده المرتجفة ناحية عنقه .. ويلمس عروقه .
اتسعت عيناه وهو يجلس على الأرض بصدمة .


الآن ..
في الطوارئ..
حيث يجلس سعود وابنه وابن أخيه وهم في غاية التوتر والخوف .
ينتظرون خروج الطبيب والممرضين الذين هرعوا إليها ما إن سمعوا أنها قطعت وريدها !
التفتوا إلى الباب حين سمعوا بعض الضجة ، وانصدموا وهم يرون طارق وابنه .
أسرع سعود ناحيتهم واتسعت عيناه بصدمة وغير تصديق وهو يرى منظر سلمان الذي بعث به الرعب ، التفت إلى أخيه / وش صار ؟ ما قدرتوا توقفون عايض؟
طارق / عايض مجنون ما قدرنا نوقفه ، شكله ما عاد فيه عظم صاحي .
سعود / مات ؟
طارق بتوتر / ما في نبض ، يعني .. شكله مات ، بس .. بس بيتأكدون .
قالها وتنهد بضيق من التوتر والخوف ، سأله سعود / وين عايض ؟
طارق / أخذته الشرطة ، بيحققون معه .. عاد إذا هالحيوان صدق مات بيروح فيها.
قبل أن يرد عليه سعود، خرج الطبيب الذي كان عند يُمنى .
أسرعوا ناحيتها ليسألوا عن حالتها .
طمأنهم حين قال أنهم تمكنوا من التصرف بما أنهم لم يتأخروا كثيرا .
حينها فقط تنهد الجميع براحة .
والآن مرت نصف ساعة منذ أن نقلوها إلى احدى الغرف ، حيث طلب منهم سعود أن يضعوها في غرفة خاصة ، ومنع الزيارات تماما .. أمرهم ألاّ يسمحوا بدخول أي أحد، كائنا من كان .
حتى أنه طلب حارسا يحرس الغرفة من الخارج !
لن يسمح بالمزيد من الأشياء السيئة أن تحدث لشقيقته الصغيرة .
التي تأذت بما يكفي لتفكر بالإنتحار !
وإن كانت تلك الأشياء ليست عذرا لذلك اليأس والقنوط المؤدي إلى تلك الفعلة الشنيعة .
أرسل الجميع إلى المنزل، فهم جميعا متعبون للغاية.
خاصة مساعد الذي خرج منذ صباح الأمس، يشك في أنه تناول شيئا أو أغمض عيناه على الأقل.
وبقيَ هو..
يجلس في الخارج بحيرة وحزن.
غير قادر على النهوض والدخول إليها.
يشعر بالعجز فجأة، هل حقا كان مقصرا إلى تلك الدرجة؟ مهمل؟ حتى وصلت إلى الحافة؟
يشعر بأنه سيفقد عقله من زيادة التفكير.
كل مرة يجد أن الإحتمالات تؤديه إلى فكرة مؤذية ومزعجة للغاية.
هل ربما.. آذاها ذلك اللعين، واغتصبها مجددا؟
أخبرته الممرضة أنه لا يوجد في جسدها أي أثر يدل على الإعتداء، ولكن لمَ؟
ما الذي أوصلها إلى تلك الحالة!


أغمض عيناه بضيق، ثم نهض فجأة بقوة يقبض كفه بغضب.
قبل أن يلتفت إلى الحارس ويقول بحدة/ مثل ما قلت لك ، إياك تسمح لأحد يدخل ، حتى لو قال انه من العائلة .
أومأ الحارس بإيجاب، ليتنهد هو بصوت مسموع ، ثم يغادر المكان .
متجها إلى مكتب الإستقبال .
يسأل عن المريض سلمان .
ليخبره الموظف أنه تم نقله إلى العناية المركزة ، فهو في حالة حرجة للغاية .
ما تلقاه من ضرب لم يكن هينا على الإطلاق .
لا يدري هل يفرح أم يحزن .
بأن تلقى من أودى بحياة شقيقته إلى الهاوية شيئا مما يشفي غليله .
ولكنه بالتأكيد ليس كافٍ!
سلمان عليه أن يذوق العذاب طوال حياته .
حين التفت ينوي العودة إلى حجرة يُمنى ، تفاجأ بحمود ووالدته وإحدى شقيقاته يدخلون ويتجهون نحوه .
أسرعت والدة سلمان إليه / وين ولدي ؟ وش سويتوا فيه ؟
نظر إليها طويلا بحدة قبل أن يقول بسخرية / شوي من اللي يستحقه يا عمتي ، باقي ما شاف شيء.
اتسعت عيناها بصدمة قبل أن تقول بغضب / إيش تقول انت ؟ والله يا سعود لو صار فيه شيء ما تلوم إلا نفسك .
نظر إليها بدهشة قبل أن يقول بنبرة أقرب للهمس / تسترك عليه وشفقتك اللي ما لها داعي هي اللي وصلته لهالمرحلة ، ادعي انه يموت ، لأنه لو بقى حي ما احد راح يفكه من يدي ، لا أنا ولا اخوان زوجته .
انصدمت أكثر وهي تسمع هذا الكلام منه .
لم تتوقع أبدا أن يعلم أحدا بزواجه !
من أين سمع ؟
سأل حمود / زوجته ؟
التفت إليه سعود رافعا حاجبه بحدة / طبعا انت ما تدري عن شيء ، غافل عن أهلك تماما ، لكن صدقني يا حمود لو عرفت انك تدري وساكت لا يصير مصيرك مثل أخوك .
حمود المصدوم تماما ، من سؤال سعود عن سلمان أولا ، ثم سماعه عن اختطافه ليُمنى ، ثم اتصال أمه التي استنجدت به ليوصلها إلى المستشفى ، والآن سماع هذا الشيء ، هل لديه زوجة أيضا / والله يا عمي إني ما أدري عن شيء .
هدأ سعود قليلا ليسأل / وين هديل ؟
حمود / كتبوا لها خروج ووديتها عند حسناء مثل ما طلبت .
والدته التي أوشكت على فقدان أعصابها بغضب شديد وصوتها ارتفع قليلا / الحين احنا جايين نتكلم عنها ؟ اسأل من الموظف وين أخوك .
هز حمود رأسه قبل أن يتجه إلى الموظف ليسأل ، والتفت سعود إليها مجددا قائلا بتهديد / لا احد يتجرأ يحيك شيء من ورانا ، لأنه والله ما راح تستفيدين شيء غير انك تزيدين فترة عقوبة ولدك اللي تسترتي عليه قبل خمس سنين وتسببتي في الحالة اللي وصلت لها يُمنى ، والحين بعد مدري وش فكر فيه الغبي ووش اللي سواه عشان تحاول اختي انها تنتحر ، أنا أحذرك .
سكت قليلا حين شهقت أسيل بصدمة، ليكمل بعد ذلك / أساسا الشرطة بنفسها راح تراقبه حتى لو كان على وشك الموت .
أنهى كلامه وغادر والأرض تضيق به من كل جانب ، حتى شعر بأسيل تأتي خلفه ، ثم تنادي بإسمه بخفوت / سعود ، لو سمحت .
التفت إليها بهدوء / نعم .
أسيل وهي تطرق بنظرها إلى الأرض بضيق / اسمح لي أشوفها .
سعود بحدة / ليش ؟ وش بعد ناويين تسوون فيها ؟
أسيل / معاك حق يا ولد عمي لو كنت معصب مننا كلنا ، بس تكفى بشوفها مرة وحدة بس ما بطول ، أرجوك .. عندي كلام أبي أقوله ، ومن خمس سنين وهو محبوس في صدري ، أبي أرتاح .
سعود بتساؤل / أي كلام ؟ إيش تعرفين؟
هزت أسيل رأسها نفيا / ما راح أقوله غير ليُمنى ، لو سمحت .
وقف يفكر للحظة قبل أن يقول بعدم إقتناع / تعالي وراي ، بس إياك تأذين يُمنى بأي شكل ، ما تقولين أي شيء ممكن يضايقها ، وإذا لقيتيها نايمة تطلعين بهدوء .
أسيل / أبشر .


تبعته حتى وصلا إلى الغرفة المنشودة ، وجعل الحارس يسمح لها بالدخول .
ليجلس على المقعد منتظرا .
دخلت أسيل إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها .
أغمضت عيناها من شعور غريب مرّ بها ما إن وضعت قدميها بداخل الغرفة .
شعور مهيب ، خاصة حين رأت جسد يُمنى الساكن على السرير .
والسكون يلف المكان بطريقة مخيفة .
ابتلعت ريقها وهي تتقدم منها بخطوات بطيئة ، حتى وقفت على يمينها .
تجمعت الدموع بعينيها حين رأت وجهها المتعب بشكل فظيع .
بدت كما لو أنها فتاة أخرى غير يُمنى .
كل تلك المصائب لم تتمكن سوى من روحها وعيناها دون وجهها ، أما الآن فكل خط وكل تقسيمة من تقاسيم ذلك الوجه الفاتن ، وكل تعبير حتى لو كان بسيطا ، يعبر عن ألمها الشديد .
عن اليأس الذي حلّ بها حتى صارت هكذا .
ألم غير عادي ، ذلك الذي شعرت به حين سمعت سعود يتفوه بما لم تتوقع سماعه ، أن يُمنى حاولت الإنتحار !
والسبب ، شقيقها !
يُمنى عانت طوال حياتها ، ولكن كان لشقيقها النصيب الأكبر في السبب .
مدت يدها نحوها بتردد ، تلمس وجهها بكل حزن وكأنها تعتذر .
نيابة عنها وعن والدتها وشقيقها .
الذي تتمنى لو لم يكن كذلك !
تعتبر نفسها مسبب لتلك الآلام أيضا .
قبل خمس سنوات أتت يُمنى فحصل بالمسكينة ما حصل .
وقبل الأمس هربت بسببها فحصل ما حصل الآن أيضا .
جلست على المقعد بضعف وهي تجهش بالبكاء بعد أن وضعت رأسها على طرف السرير .
تود لو أن يُمنى تفتح عيناها الآن ، فتعتذر منها .. تطلب منها السماح ، علّها تشعر بالراحة .
الله وحده يعلم كم عانت منذ ذلك اليوم .
كم تقلبت في الفراش في محاولة للنوم .
نعم ، لم تتمكن من إغماض عينيها جيدا طوال تلك الفترة .
شعور الذنب يقتلها كل يوم ، دون أن تملك أدنى حيلة في دفع ذلك بعيدا عنها !


__________

منذ الأمس ، حلّ بها جمود غير طبيعي .
لم تتحرك من مكانها سوى لقضاء الحاجة .
لم تأكل شيئا ولم تشرب رغم إصرار من حولها .
إلا أنها بقيت ثابتة .
تتمنى لو أنها تغادر العالم الآن ولا تمر بهذا الشعور الفظيع .
لا تشعر بهذا الألم الغير محتمل .
لا تشعر بالوجع الذي شطر قلبها إلى نصفين .
منذ فترة قصيرة وحين دخلت في الشهور الأخيرة من حملها ، تمنت لو يطول ذلك الحمل ولا تلد!
حتى لا يقع الطلاق فتُحرم منه إلى الأبد .
تُحرم من حبها الوحيد .
بالرغم من أنه أوجعها كثيرا بحقيقته وخيانته ، وعادت إلى منزل والدها بإرادتها ، إلا أنها كثيرا ما كانت تشتاق إليه وتحن .
كانت تتمنى لو أنها لم تتسارع وتتركه قبل أن تعطيه فرصة واحدة على الأقل .
أما الآن فهي نادمة أشد الندم على كل تلك المشاعر .
على كل لحظة أمضتها وهي تفكر في ذلك الحثالة !
على كل يوم مرّ بها وهي مشتاقة إليه .
على كل لحظة تمنت بها رؤيته .
فهو حقا لا يستحق ذرة من مشاعرها .
لمَ إذا منحته كل تلك الأشياء ؟ كيف ولمَ أحبته أصلا !
لمَ أضاعت شيئا من عمرها عليه ؟
تريد أن تبكي ، أن تصرخ وتخرج ما بها من قهر وغلّ .
ولكنها غير قادرة ، تشعر أنها مقيدة .. مقيدة تماما لا تتمكن من فعل شيء على الإطلاق .
مرّ يوم كامل تقريبا على ولادتها لطفلها الذي لم تبصره بعد .
أتت إليها عهود مرات عديدة ، تحاول أن تقنعها برؤيته ، ولكنها ترفض .. مدعية التعب والوهن .
ها هي دخلت إليها مجددا بعد أن غابت لدقائق قليلة ، اقتربت منها تتنهد بضيق / آمال يا قلبي قومي لو سمحتي ، كلي كم لقمة ، أدري مو حابة تأكلين أكل المستشفى عشان كذا طلبت لك أكل صحي ولذيذ من برة ، يلا يا قلبي قومي كُلي .
ظلت صامتة وساكنة بلا حراك كأنها لم تسمعها .
لتقترب عهود وتجلس على يمينها / أنا صدق ما أدري إنتي ليه قاعدة تعاندين ، إيش اللي مخليك بهالحالة ، مو معقولة إلى الآن فيك تعب أمس .
نظرت إليها بطرف عينها واكتفت بالصمت مجددا .
عهود بملل / يلا آمال تكلمي على الأقل قولي شيء ، نفسيتك في الحضيض وما أشوفك مبسوطة بالولد مع انك كنتي متحمسة .
ابتسمت بسخرية / ولدت وتطلقت ، تشوفين الموضوع يستاهل إني أفرح ؟
نظرت إليها عهود بدهشة / يعني طول الوقت متضايقة وساكتة عشان هالموضوع ؟
التزمت آمال الصمت مما زاد من حيرة عهود التي فضلت الصمت هي الأخرى .
وعدم التحدث في الموضوع أكثر .
ربما وقع الطلاق موجعا لها بالتأكيد ، بما أنها لم ترغب به منذ البداية !
ولكن آمال صدمتها بما قالت / ليش ما علمتيني ؟
عهود / إيش ؟
آمال بهدوء / اللي صار بسلمان ، خطف بنت عمه ، ومسكوه أخوانها واخواني .
اتسعت عينا عهود بدهشة وتلعثمت / وانتي من وين عرفتي ؟
آمال / ماجد كلمني واتس ، قال انهم قاعدين ينتظرون اخوانها يخلصون منه عشان يعاقبوه على اللي سواه فيني هههههههه .
عهود بحزن على حالها / وانتي زعلانة عليه ؟
ابتسمت مجددا بسخرية / أحزن عليه ؟ ليش ؟
أكملت بعد صمت قصير / أتمنى يموت ، لا .. أتمنى يذوق أقسى أنواع العذاب ويتمنى الموت ولا يموت ، الله يأخذه ، كنت أنتظره وصلاحه على الفاضي ، بالنهاية أسمع مثل هالخبر ؟ خطف بنت عمه بيوم ولادة طفله .
عضت شفتها هي تسمع دموعها العصية / الله يأخذه ، أنا ليش حبيت واحد زيه ، كيف وثقت فيه .
اقتربت منها عهود ومسحت على ذراعها بحنان / خلاص موضوعه انتهى يا آمال ، راح ينال عقابه ، لا عاد تفكرين فيه وتعورين رأسك ، ما يستاهل .
آمال بنبرة مختنقة / مو قادرة يا عهود ، مو قادرة أوقف عقلي عن التفكير فيه ، تعبت .
تنهدت عهود بضيق ، قبل أن تتفاجأ بآمال تجهش بالبكاء بصوت مسموع .
رفعت رأسها تنظر إلى الباب حين فتحه أحدهم .
كان ذلك ثامر .
الذي أسرع نحو شقيقته مصدوما / إيش صاير آمال ؟ إيش فيك ؟
ازداد بكاءها وهي تسمع نبرته الحنونة ، وترى نظرات الخوف بعينيه .
بل نظرات جميع اخوتها الذي دخلوا وراءه واقتربوا منها بعد خروج عهود .
كانت تلك اللحظة مناسبة جدا لتندم أشد الندم على كل ما فعلته بهم ، على عنادهم لهم وعصيانها وتمردها من أجل من لا يستحق .
حاولت أن تتوقف عن البكاء لكيلا تقلقهم ، إلا أنها لم تتمكن .. بل ارتفع صوتها أكثر حين اقترب منها ثامر أكثر وضمها إلى صدره / اهدأي يا قلبي اهدأي وفهميني السالفة ، إيش فيك ؟
شدت على ذراعه ودفنت وجهها بصدره دون أن تتفوه بشيء .
مرّ بعض الوقت قبل أن يلتفتوا إلى الباب ، حين طرقته الممرضة وفتحته .
ابتعدت آمال عن ثامر ودفعته عنها ، وجلست بقوة كأنها ممسوسة بشيء ، حين سمعت الممرضة تقول أن الطفل بحاجة إلى أمه ، وأنه مضى الوقت المناسب لفعل ذلك أساسا .
احمرت عيناها بطريقة مفجعة وهي تشد على طرف بطانيتها وتصرخ بغضب / شيليه من هنا وانقلعي .
اتسعت أعينهم وهم ينظرون إليها بدهشة وغير تصديق .
الممرضة باستغراب / عفوا ؟
آمال بنفس النبرة / اللي سمعتيه ، شيليه من هنا لا عاد أشوفه مرة ثانية .
ثامر / حطيه وروحي .
نظرت الممرضة إلى آمال قبل أن تقترب بتردد وهي تدفع العربة الصغيرة الخاصة بالطفل ، لتفزع من صرخة آمال العالية / قلت لك شيليه من هنا ما تسمعين ؟
ثامر للمرضة / خلاص اطلعي .
خرجت الممرضة بخطوات سريعة وهي مندهشة مما حصل للتو .
أما آمال فغضبت أكثر / ليش ؟ قلت ما أبي أشوفه ، شيلوه من هنا لا أذبحه .
أحد اخوتها بغضب / آمال هدّي ووطي صوتك ، إيش فيك على الولد .
نظرت آمال إلى الطفل الذي ارتفع صوت بكاءه هو الآخر .
وأجهشت بالبكاء مجددا، تقول بضعف / تكفون ما أبي أشوفه ، خذوه ودوه لأهل أبوه أنا ما أبيه .
شقيقها بحدة / وش ذنبه تعاقبيه على أغلاطك يا آمال ؟ إيش ذنبه يتحمل نتائج أخطائك .
رفعت آمال قدميها وضمت ركبتيها إلى صدرها بضعف ، يؤلمها قلبها على سماع تلك العبارات من شقيقها ، بل تتألم لأنها تعرف أنها تستحق ذلك .
أغمضت عيناها وعضت باطن شفتها بقوة وهي تسمع صوت طفلها الذي يرتفع أكثر فأكثر .


__________



مضى يومين بالفعل على ما حصل ..
تحسنت بهما نفسيتها أكثر من السابق .
كيف لا وقد حلّت أغلب مشاكلهما ، وتخلصت من همومها .
قبل الأمس وحين غضب عمر ونوى الذهاب إلى هيفاء ، لحقت به بسرعة وأمسكته وهي تترجاه وتبكي / أرجوك عمر لا تسوي كذا ، لا تخرب حياتك وحياتها .
عمر الذي احمرت عيناه من شدة الغضب / اسكتي يا نوف ، أي حياة هذي ؟ لما بالنهاية أكتشف إنه زوجتي قاعدة عندي وتستغل أختي عشان مصلحتها ؟
هزت نوف رأسها نفيا بعد أن نظرت إلى الأرجاء / مو عشان مصلحتها يا عمر والله مو عشانها ، قلت لك إنها كانت حزينة لدرجة انها ما كانت قادرة تفرق بين الصح والخطأ ، إذا أنا عمتها ودخلت في حالة نفسية كيف عنها وهي أمها اللي جابتها بعد انتظار 10 سنين ؟ عمر صح يمكن خطتنا غبية وفاشلة ، بس كلنا كنا نبي شيء يريح قلوبنا ، أنا متسببة بموتها وبحزنك ويأس هيفاء ، وهيفاء بس فقدتها فقدت روحها ، كنا يائسين لهالدرجة ، لدرجة إنه عيوننا صارت عميا عن الواقع .
عمر بضعف / كنتوا بتنسون مع مرور الأيام ، الحياة بتمشي يا نوف .
نوف بنبرة مختنقة / تخيل ننسى يا عمر ، أنا ما أبي أوجعك .. بس صدق ، تخيل ننسى أوجاعنا وكملنا حياتنا ، إيش عن رند الصغيرة ؟
أجفل عمر وهو يسمع هذا الكلام الموجع من نوف .
نوف ووجهها غارق بالدموع تماما / كنت بعاقب نفسي طول العمر ، كنت بتحمل والله كنت بتحمل ولا أنسى وجع اللي صار ، بس ما قدرت ، ما قدرت أخدع ليث ، أنا آسفة .
ربط الحزن المفجع لسان عمر الذي لم يتمكن من الرد عليها .
رفع رأسه حين أمسكت نوف بكفيه / أرجوك عمر ، افهمها عشان رند وعشانها وعشان رند ، لا تروح هالحياة كلها وانت خسران كل شيء ، قالت لي هيفاء مرة انك أوجعتها لما قلت لها بتطلقها وتخليها تشوف حياتها مع غيرك ، كأنها حست إنه خلاص ما عاد لك عندها شيء .
ابتلع عمر الطعم المر في حلقه وهو يقول ببطء / بس أنا قلت هالشيء عشانها ، أبيها تخلف وتنبسط .
نوف / بس هي تحبك وتبي تكمل معك يا عمر ، صبرت عشر سنين ما تقدر تصبر أكثر ؟
شدت على كفيه / إذا فعلا تحبها وودك تسعدها ، تعالج يا عمر .
نظر إليها بدهشة / أتعالج ؟ تدرين إنه مستحيل .
نوف / ليش مستحيل ؟
عمر بتردد / أوضاعي ما تسمح يا نوف .
ابتسمت نوف / إلا تسمح ، أنا من البداية فكرت إني أعطيك مهري هدية ، يمديك تتعالج .
هز رأسه نفيا وقال بحدة / وش هالكلام يا نوف ؟ انسي وخلي مهرك عندك .
نوف بإصرار / ما أقدر ، راح تأخذه غصبا عنك يا عمر ، ولا ما بسامح نفسي طول العمر .
عمر بغضب / نوف قلت لك خلي مهرك عندك ، ما بأخذ منه ريال واحد .. وأنا خلاص كبرت وحياتي ………
قاطعته نوف / لا تصير أناني ، انت تدري إنه اللي صار مو هين ورغم هالشيء هيفاء صابرة ، ما تستاهل انك تفرحها يا عمر ؟ ليه ما تبي مهري ؟ مستحي ؟ أنا ماني غريبة يا عمر ، أنا نوف بنتك ، صدقني أنا بحياتي كلها ما راح أنبسط ولا راح أكون سعيدة إلا إذا تعالجت وعوضت هيفاء بعلاجك بعد إرادة الله .
صمت عمر ينظر إليها لثوانِ قبل أن يقول بهدوء / ما أقدر يا نوف ، إذا ودك أتعالج فعلا ، بصبر كم سنة أجمع فيها المبلغ المطلوب و……..
قاطعته مجددا بحزن / اسمح لي أكفر ذنبي على الأقل ، أرجوك .
أطال النظر إلى عينيها المليئتين بالدموع ، قبل أن يجذبها إليه ويضمها بقوة ، يقول بإختناق / نوف لا عاد تلومي نفسك لو سمحتي ، هالشيء يوجعني كثير .
ضمته نوف بقوة وهي تبكي ، آلمها قلبها كثيرا وهي تشعر به يهتز ويبكي بصمت.
ولكنها سعدت كثيرا بذلك الوقت .
حين أخبرها أنه سيقبل بمهرها ، شريطة أن يعيده إليها فيما بعد .
مررت الأمر قائلة أنها موافقة ، وهي في قرارة نفسها لا تنوي أخذ قرش واحد منه.


لم تعلم هي ولم يعلم عمر في ذلك الوقت ، أن هيفاء كانت شاهدة على كل ما حدث .
وأنها بدورها انهارت تماما وبكت كما لو لم تبكِ من قبل .
فقد ابنتها وظلمها لنوف .
التي كانت صادقة بكل حرف نطقت به .
وكأنها حينها فقط استيقظت من غفلتها على الواقع ، وشعرت بحجم الغلط الذي ارتكبته .
وأنها تغيرت تماما عن هيفاء القديمة .
لكنها لم تعترف أبدا لعمر ولا لنوف ، ولم تخبرهما أنها سمعتهما .. ولم تعتذر .
فالجرح لا زال كما لو أنه جديدا .
غير أن كبرياءها لا يسمح لها بفعل ذلك على الإطلاق .
بالرغم من أن مبادرة نوف أسعدتها للغاية .

لم يهم نوف ذلك الشيء ، وهي أساسا لا تعرف أن هيفاء علمت عما فعلته .
المهم أن عمر حتى لو لم يبدوا عليه الرضا حاليا ، لم يفعل شيئا ولم يحاسب هيفاء.
وأنه بالتأكيد سيسعد مع هيفاء مستقبلا .
وأن بداية علاقتها بليث تبدوا جيدة ومريحة .


__________


يترجل من سيارته بعد أن أوقفها أمام مركز الشرطة .
تقدم برفقة والده حتى دخلا إلى الداخل .
اتجهوا ناحية طارق بخطوات مسرعة ، ليسأل راشد / وينه عايض ؟
أشار طارق إلى الحجرة التي بها عايض ، ليستأذنهم بعد ذلك ويغادر .
دخل راشد وخلفه عاطف .
ركض عاطف نحو عايض بلهفة وخوف ، بينما راشد نظر إليه من أعلاه حتى أخمص قدميه وكأنه يرغب بالإطمئنان عليه .
ثم اقترب من مكتب المحقق وجلس أمامه بعد أن ألقى عليه السلام .
جلس عاطف أمام عايض / بسم الله وش هالحالة اللي انت فيها ؟ وش مسوي ؟
نظر إليه عايض لبعض الوقت قبل أن يهمس غاضبا من بين أسنانه / ما ذبحته يا عاطف ، ما خلوني أذبحه ، ما صبروا لين يموت وأشرب من دمه هالخسيس .
عاطف بدهشة / أعوذ بالله يا عايض وش هالكلام ، صحيح غلط ومسكته بس ما ترتكب هالجريمة وتنسجن وتخسر حياتك عشانه .
أغمض عايض عيناه بغيظ قبل أن يفتحهما مجددا ويقول بعد أن اقترب من عاطف يقول بكل قهر / تخيل يا عاطف ، إني لما وصلت لهناك ولقيتها كيف كانت حالتها ؟ قطعت وريدها يا عاطف ، كانت تبي تنتحر ، لو ما وصلنا في الوقت المناسب كانت ميتة الحين وخسرناها للأبد .
اتسعت عينا عاطف بصدمة ولم يتمكن من قول شيء من الصدمة .
أكمل عايض بهدوء / ما أنكر إني خفت لما أغمى عليه وصار كأنه ميت ، بس صدقني حتى لو مات ما كنت راح أندم ، هالحيوان يستاهل أكثر من اللي جاه منا كلنا ، طبعا بنتظره لين يقوم ويشوف الويل الحقيقي .
أمسك عاطف بكفه بتحذير / عايض انتبه انت في مركز الشرطة ، أي كلمة ممكن تحسب ضدك ، أبوي قاعد يحاول يطلعك بكفالة على الأقل لين يقوم سلمان ويتحاسب ، لأنه أمه حلفت وقالت انها ما راح تسامحك ، وراح تأخذ حق ولدها .
احمرّ وجه عايض وشعر بضغطه يرتفع / وحق يُمنى مين بيأخذه من هالحيوان ؟
التفت عاطف إلى المحقق ووالده بإحراج / عايض !
عايض الذي لم ينتبه إلى نفسه ، أخفض رأسه وهو يستغفر .
ثم رفعه مجددا يسأل بقلق / طمنني على يُمنى ، عساك سمعت شيء ؟
هز عاطف رأسه بالنفي / لا والله ، بس قالوا انه حالتها مستقرة وما قالوا شيء ثاني ، ياخي توني أدري انها حاولت تنتحر ، إيش ممكن سوى سلمان .
زفر عايض أنفاسه الحارقة / لا تخليني أفكر يا عاطف والله حاس بدمي يحرقني ، ممكن أذبح أي أحد .
ابتسم عاطف يربت على فخذه علّ غضبه يخف قليلا / اهدأ يا رجال خلاص البنت بخير ، إن شاء الله إنها بتصير لك .
نظر إليه عايض بصمت ، عيناه تنطقان ألما كبيرا .
وهو يتذكر ما قالته يُمنى قبل أن تسقط مغشيا عليها .


التفتا إلى راشد حين نهض وقال / يلا يا عايض ، مشينا .
وقف الإثنان ، وروح عايض يلفها الضيق والحزن الشديدان .
حتى أنه يشعر بصدره مثقل ، وأنه غير قادر على التنفس .
ما إن وقع عايض على الورقة التي أشار إليها المحقق ، واقتربا من الباب حتى أوقفه مجددا / لحظة ، جانا إتصال من المستشفى .
نظر عايض إلى والده ثم إلى عاطف ، قبل أن يصدمهم جميعا ما قاله المحقق / ما راح تخرج ………


_______


انتهى الفصل
وأعتذر على قصره
حاولت بجد ، وهذا اللي طلع معي
كان ودي يكون أطول من كذا
إن شاء الله بعوضكم في المرة القادمة
أستودعكم الله
لا تنسوني من دعواتكم



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس