عرض مشاركة واحدة
قديم 25-04-20, 08:59 PM   #93

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الحادي عشر
( وعد)
........................................
أباري الكون بهواكَ
فقلبي لم يعشق إلاكَ
أغار عليكَ من أنفاس
تُزيد حلاها شفتاكَ
وأخشى عليكَ من طيفٍ
تلتقي بها عيناك
أغار عليكَ من نسمة
تداعبها يمناكَ
أكاد أموت من خوفي
إن غبت عنّي ... فيجافيني سناكَ
يذوب حنيني من الوجدِ
إن لاحت بالأفق
من ترنو لدنياكَ
وأعلم أنك تعشقني
وتحيا بقربي هَنَاكَ
لكنني حقاً أغار
فقلبي لم يعشق سواكَ
.........................................
طالما وُجد الحب , وُجدت الغيرة ... تلك الغيرة المحمودة التي تشعل لهيب العشق كل آن , لكن الحذر كل الحذر أن تتحول إلى شك , يستوطن القلب فيصبح الهجر عنوانه ...
على مائدة الإفطار كانت تنظر له بعينيها التي تقول الكثير , لم تأكل أي شيء , قطع صمتها قائلًا :
ــ لم تأكلي شيئًا ! هل ستكتفي بالنظر لي هكذا ؟ لم ترد فاستكمل حديثه :
ــ هل عليّ أن أُخَمّن سبب حزنك ؟
أشاحت ببصرها بعيدًا عنه ثم أسندت وجهها على خدها , فزفر قائلًا :
ــ أووه , يبدو أن الموضوع كبير ويستحق كل هذا .. قام من مكانه وذهب ليجلس قربها ثم قال :
ــ أخبريني ما الأمر ؟
تنهدت قائلة :
ــ أنت تعلم كل شيء .
قطب جبينه قائلًا :
ــ صدقيني لا أعلم ... أشار بيديه متابعًا :
ــ لماذا إذن أسألك ؟
أشاحت بوجهها و تتابعت أنفاسها , فنظر لساعة الحائط ثم قال :
ــ هيا أخبريني , تعلمينّ وقتي ضيق .
التفتت له وعينيها مَلأى بالدموع ثم قالت :
ــ وقتكَ ضيّق , أم مشتاق للقياها ؟
ضيّق عينيه قائلًا :
ــ لقياها ؟
انهمرت من عينيها العبرات رغمًا عنها , مسحت عينيها قائلة :
ــ نعم تلك الطبيبة التي تم تعيينها حديثًا بالمشفى .
حكّ رأسه ثم ضحك قائلًا :
ــ تقصدين دكتورة أريج ؟
نظرت له بطرف عينيها قائلة :
ــ ما الذي يستدعي الضحك فيما أقول ؟
ــ أنا أسف ؛ لكنّني أظنّك تبالغين في ردة فعلك التي لا أعلم سببها .... تابع وهو ينظر لقسمات وجهها الجادة :
ــ ما الذي فعلته لتقولي هذا ؟ أنتِ لم ترينها حتى لتحكمي علينا .
ــ بل رأيتها من خلال متابعتها لك عبر مواقع التواصل الإجتماعي و تعليقاتها على منشوراتك بالقلوب و الورود ... قالتها بغضب , عندما تذكرت ما رأته عبر مواقع التواصل , تألم قلبها وكأن هناك وخز يدميه فهي تحبه بجنون وتغار عليه .
ابتسم كامل عندما سبر أغوار روحها وعلم قدره بقلبها , فقال :
ــ هل هذه غيرة ؟ أم شك ؟
ــ ولِما أغار منها ؟ سألته دينا , فأعاد سؤاله عليها رغم أنه يعلم الإجابة :
ــ تغارين عليّ ؟ أم تشكين بي ؟
رفعت أحد حاجبيها قائلة :
ــ لا تغير مسار الموضوع , من فضلك ، نظر لعينيها ثم قال :
ــ لم أغيّره , لابد أن تعلمي أن غيرتك عليّ تسعدني , لكنّها قد تنقلب إلى شك حينها ستنقلب حياتنا رأسًا على عقب , فهي كفيرس قاتل حينما يجد طريقه لقلبك سيقطع كل أواصر العشق التي بيننا .
ازدردت ريقها قائلة بصوت خفيض :
ــ تعلم أنني أثق بكَ كثيرًا لكنّني لا أثق بها ولا أعلم نيّتها , كما أنها تمادت كثيرًا بملاحقتك عبر مواقع التواصل .
صمت هنيهة ثم قال :
ــ وهل وجدتِ منّي إستجابة لتعليقاتها ؟ لم ترد فتابع : أم أن مواقع التواصل كافية لتعلمي ما أفعله ؟ اتسعت حدقتاها ثم قالت :
ــ ماذا تقصد؟ كاد قلبها ينخلع بعدما قال جملته الأخيرة ،أشار بيديه لتهدأ ثم قال :
ــ أقصد أن صاحبة التعليقات بنفسها أمامي طوال اليوم , وبإمكاني أن أحقق لها ماتسعى له بالمشفى , لكنّني لست كذلك , وقد حدث نفس الأمر منذ عامين ؟
ــ أيّ أمر؟ سألته دينا بشيء من الإهتمام .
ــ تقربت إليَّ إحداهنّ.... تنحنح متابعًا :
ــ وقالتها بصراحة : " أنا أحبك ولا يفرق معي أن أكون زوجة ثانية " .
ثارت دينا وانتفضت قائلة :
ــولماذا لم تخبرني حينها ؟ كيف جروأت على قول هذا الكلام تلك المخادعة ؟ استكملت وهي تصرخ : وماذا كان ردك ؟
تنهد قائلًا :
ــ قلتُ لها بالحرف الواحد :" أنا رجل يعشق زوجته ولا يرى سواها , وسأظل هكذا حتى أفنى " .
صمتت دينا هُنَيْهة تستوعب ردّه , شعرت بالسعادة والإمتنان لكن ضميرها أنبها لطريقتها الفظّة معه في الحديث , نظرت للأرض وقالت :
ــ أنا أسفة , لم أكن أقصد التحدث هكذا , لكنني أغار عليك كثيرًا .
ــ وأنا أحب ذلك , لكن احذري أن تتحول لشك .... قالها ثم وقف ومد يده لها لتقوم حيث سيقلها في طريقه إلى عملها ، وقفت أمامه ثم قالت :
ــ ألست غاضب مني ؟ .. هزّ رأسه نافيًا ... فارتمت في أحضانه وقالت :
ــ أنا أحبك كثيرًا .. تابعت وهو يربت على رأسها بحب : لا حرمني الله منك. قاطعهما طرقات أم حمدي على الباب الخارجي فقد أتت لتجالس" جنى " حال غيابهما .
.................................................. .............
مهما تمكن الشر من القلوب , ستظل غريزة الأمومة في الركن القَصِي محاطة بسياج الأمان كي لا يتعكر صفو طبيعتها , فإن ضلت صاحبتها الطريق لن تحيد هي عنه ...
كانت تتابع ذلك المشهد بكل حواسها , لكن توقف بثّه من أجل فاصل إعلاني , أخذت تسب التلفاز قائلة :
ــ كان على وشك إفشاء سرها , أيّها اللعين ... تذكرت نور , فجالت ببصرها هنا وهناك حتى وجدت الهاتف ،ردّت عليها والحزن يتخلل صوتها :
ــ أهلًا أمي .
ــ ما بال صوتكِ يا ابنتي ؟ سألتها زينب بشيء من القلق .
ــ تشاجرت مع محمود ... ردت نور وهي منزعجة .
سألتها زينب مستنكرة :
ــولماذا مازلت عندك ؟ ألن تأتي ؟
زفرت نور قائلة :
ــ لا ؛ يكفي ما لاقيت أمس من اللّئيمة القاطنة معكم , ولم يأتي أحد بحقي .
ــ أخاكِ أتى بحقك وضربها ... تصنعت الفخر وهي تقول ذلك .
ــ حقًا ؟! سألتها نور في عدم تصديق وقد اعتدل مزاجها أخيرًا و طرقت السعادة بابها ، ضحكت زينب قائلة :
ــ تعالي بسرعة قبل أن تعود وسأخبرك بكل شيء .
ــ وأين ذهبت تلك الحمقاء ؟ ... سألتها نور .
ــ ذهبت للتسوق وتركت ريم هنا , هاهي تلعب بالمكعبات ... تابعت محفزة إياها : ــ هيا تعالي أنتِ و الولدين ؛ أنا في انتظاركم .
تنهدت نور قائلة :
ــ ليسا هنا ؛ لقد خرجا مع أبيهما لزيارة أمه , وكان يريد مني مرافقتهم لكن مزاجي لم يسمح لذا تشاجرنا .
ــ لعلّها تحتَضِر يا نور ... تابعت زينب لائمة : كان عليكِ مرافقته .
ضحكت نور مِلئ فيها ثم قالت :
ــ ياليتها تحتَضِر وتريحنا من درامتها التي طالت بعدما أُصيبت بالفشل الكلوي .
انقبض قلب زينب لما سمعته وتذكرت أمنية , فقالت :
ــ اهدأي يا ابنتي , لا ينبغي التحدث عن حماتك هكذا , تمني لها الشفاء فهي مريضة ... صمتت نور فاستكملت زينب حديثها :
ــ ما رأيك بأن أذهب معكِ للإطمئنان عليها ؟
هتفت نور قائلة :
ــ لا ؛ لن نذهب فهي لا تستحق , يكفيها المتملقة التي تعيش برفقتها .
تنهدت زينب قائلة :
ــ القريب من العين قريب من القلب , لقد أخطأتِ بخروجك من بيت العائلة في تلك الظروف العصيبة و .... قاطعتها نور صارخة :
ــ كفى يا أمي أرجوكِ ، لقد تعبت .
ــ حسنًا , لن أفتح معكِ الموضوع مجددًا , لكن لا تجلسي وحدك , تعالي أنا في انتظارك .
انتهت المكالمة برضا نور بعدما سمعت ماحدث لأمنية , لم تكن تود الخروج لكنها الأن تريد معرفة المزيد لذا قامت من مكانها متّجِهة نحو غرفة النوم لتغير ملابسها استعدادًا للخروج .
............................................
حال النفوس كحال الأيام تتقلب و تتوالى عليها المشاعر , فتدنو من البعض تارة وتبعد تارة أخرى , لكن ماذا إن كان هناك من يأبى البعد مُصِرًا على حقه في تملك من يود قربه بكل ما أوتي من خطط ؟ هذا إن كان له حق التقرب من الأساس , لكن ماذا إن لم يكن له ؟ حينها علينا أن نسأل : هل إلى سبيل من مفر ؟
تصنعت إنشغالها بالعمل على الحاسوب لكن هيهات في وجود ذلك الآدم , تطالع سكناته بين الفَيْنَة والأخرى , دقات قلبها تتسارع ونبضات عقلها تتواثب لتحيك لها خطة ما لاستئناف الحديث معه , و أخيرًا وجدتها , قامت من مكانها متجهة نحوه لكن استوقفها رامي وفي يده شوكلاتة , لوّح بها قائلًا :
ــ صباحك بطعم تلك الشوكولاتة .
ارتبكت لرؤيته لاسيّما أنّه قطع مخططها , رسمت ابتسامة مصطنعة لترد :
ــ صباح الخير رامي ، قدم لها الشوكولاتة قائلًا :
ــ ألن تأخذيها ، التقطتها منه ثم شكرته , فتنحنح قائلًا :
ــ ما رأيك أن نتغدى سويًا بعد العمل .
نظرت لعينيه فزاد ارتباكها بعدما رأت تلك اللمعة , أشاحت بهما بعيدًا ولم ترد , فقال لها :
ــ ألا يناسبك الخروج اليوم ؟
هزّت رأسها قائلة :
ــ اجعله في يوم آخر رامي .
ــ غدًا مثلًا ؟
ــ اوووه , يالك من لحوح ... قالتها ودفعت كتفه لكنه لم يتزحزح ، فضحك مِلىء شِدْقَيْه ، قطّبت حاجبيها قائلة :
ــ ما الذي يضحكك ؟
أمسك كفها ثم قال :
ــ من أين جئتِ بالثقة أن ذلك الكف الصغير قادر على إبعادي ؟
مطت ثغرها قائلة :
ــ يالك من ظريف .. أليس لديك عمل ؟
ــ بلى ؛ لدي مالديكِ ... ما إن قالها حتى عادت لمكتبها تاركة إياه يشيعها بنظراته الشّقِية التي اِزْدَانَت بجاذبيته مع عينيه العسلية ثم انصرف صوب مكتبه .
حالما غادر قامت من مكانها متجهة نحو مكتب آدم وقفت أمام المكتب ثم تنحنحت ملقية تحية الصباح ، لم يحد ببصره عن حاسوبه , رد باقتضاب :
ــ صباح النور .
ــ كيف حالك يا آدم ؟ قالتها وهي لازالت واقفة .
ــ بخير ... أجابها وهو منشغل بعمله , علّها تفهم وتعود أدراجها ..
كانت تفرك يديها من فرط توترها لمعاملته الغريبة , قالت :
ــ ألن تسألني لِما أتيت لك ؟
أشار بسبابته نافيًا ثم قال :
ــ لا يهمني ... امتقع وجهها من إجابته تلك , صمتت هنيهة ثم قالت :
هلا ساعدتني في إنجاز مخطط ال .... وقبل أن تكمل كلامها قاطعها قائلًا :
ــ أنا أسف , مشغول .
أشارت بكفيها قائلة :
ــ لن آخذ من وقتك الكثير .
مط شفتيه قائلًا :
ــ قلت لكِ مشغووووول ، رامي أمهر مني في إنجاز المخطّطات , قال جملته ثم نادى على رامي الذي لم يتوانى عن تلبية النداء , فبُهِتت مكانها واحتقن وجهها بلون الدماء من فرط الإحراج , ودت لو انشقت الأرض وابتلعتها , حتى عقلها صمت في تيك اللحظة ولم تتمكن من التفكير أو الرد عليه ... لكن هل يعني ذلك أنها لن تفعل شيئًا لرد إعتبارها ؟
ــ لقد كنا معًا منذ قليل , لماذا لم تطلبي منّي ؟ ... قالها رامي وهو يتفحص قسماتها
لم ترد فجذبها من ذراعها بهدوء , فسارت معه على مضض ثم سحبت ذراعها من قبضته قائلة :
ــ لا أريد مساعدتك .
ــ ليس لكِ غيري يا صغيرة ... قالها رامي وهو يغمز ، لكمته في كتفه بغيظ وهي قاطبة جبينها ثم قالت :
ــ كف عن هذا , لا أريد مساعدتك .
اتجه نحو حاسوبها حيث كان المخطط عالق على شاشته , جلس على كرسيها و أخذ يعبث بأصابعه على لوحة المفاتيح ثم التفت لها فوجدها عاقدة ذراعيها أمام صدرها متذمرة , ابتسم لها بجذل فأشاحت بوجهها بعيدًا وقد زمّت شفتيها بقنوط وقلبها يغلي غليانًا من كرامتها التي سُحقت تحت قدمي آدم على مرأى ومسمع من ذلك الوسيم الذي يبتسم لها الآن مستمتعًا بما حدث لها .
.................................................. ..........
للقلوب طرق , هناك من يرضى بكلمة , وآخر يحنو ببسمة , وذاك ترضيه نظرة , وهذا يهدأ بهدية , بالنهاية نتعامل مع بشر قلوبهم تتقلب بين جنبات الليل والنهار , تمسي حانقة تصبح حانية ...
دلفت إلى الداخل حاملة الأكياس , وما إن رأتها ريم حتى ركضت نحوها وهي تهلل قائلة :
ــ أمي أمي ، بينما كانت نور و أمها تتابعان التلفاز ولم يحركا ساكنًا , ألقت أمنية السلام ثم أخذت بعض الأكياس وقامت بصف محتواهم بالثلاجة ثم عادت إلى الصالة , التقطت كيسان قدمت أحدهما لزينب و الآخر لنور , فنظرتا لبعضهما البعض ثم التفتا لها تسألاها :
ــ ماهذا ؟
ابتسمت أمنية قائلة :
ــ هديّة بسيطة أتمنى أن تعجبكما ... انشرح صدر زينب من فعل أمنية بينما ظلّت نور واجمة تدور عينيها هنا و هناك , حدثها عقلها : لعلّ تلك اللّئيمة تحيك خطة ما لتستدر عطف أمك تجاهها وها قد باء مخططك بالفشل جراء صنيعها .
ــ شكرًا لكِ يا ابنتي , لما كلفتِ نفسك ؟ قالتها زينب وقلبها يتراقص , فقد كانت تخشى أن تصل علاقتهما لنفس حال نور وحماتها .
ــ العفو , أتمنى أن تنال إعجابكِ ... قالتها أمنية ثم التقطت باقي الأكياس الخاصة بثلاجتها لتصعد لصفهم بالأعلى , نظرت زينب لنور معاتبة إياها لعدم إبداء إعجابها بالهدية حتى ولو تصنعته , مما جعل نور تنادي قائلة :
ــ أمنية .
التفتت لها أمنية , فقالت نور وهي متصنعة البسمة :
ــ شكرًا .
ابتسمت أمنية قائلة :
ــ العفو , فلتهنئي بها .
همست نور لزينب قائلة :
ــ هل آدم من أعطاها مال الهدايا ؟ أم أخذته من وراءه ؟
أخفضت زينب صوتها كي لا تسمعهما أمنية فلم تكن صعدت بعد , قالت :
ــ مؤكد أنه يعلم كل شيء , كما أن أبيها يعطيها راتبًا شهريًا مذ تزوجت .
ــ ماذا ؟ قالتها نور بغيظ .
ــ آدم من قال لي ذلك ... قالتها زينب وابتسمت لأمنية التي نظرت لهما علّها تخمن كنه ذلك الهمس الذي يدور بينهما .
ما إن صعدت شقتها ومعها ريم , حتى انقَضّت زينب و نور على هديتهما , وجدا عبائتين ملونتين لاستقبال الضيوف , أُعجبت زينب بعبائتها لكن نور أبدت تذمرها , فقالت :
ــ لون عبائتك بني قاتم وكأنّها خاصة بالمآتم , كما أن خاصتي لونها أزرق و أنا لا أحب هذا اللون .
أومأت زينب بلا ثم قالت :
ــ أعجبني ذوقها كثيرًا , يكفي أنها تذكرتنا .
مطت نور شفتيها وهي تتفحص بعينيها العباءة ثم قالت :
ــ أظنُّ أن قياسها يحتاج تعديل .
ــ لا يهم ؛ سأذهب للخيّاطة لضبطها ... قالتها زينب وهي ممسكة بكتفي العباءة .
اشتعلت الغيرة بنفس نور فنحت عبائتها جانبًا ثم قالت بخبث :
ــ لم أكن أعلم أن الضرب يجدي ثماره نفعًا هكذا ، لم ترد زينب عليها , قامت متّجهة نحو غرفة النوم , سألتها نور :
ــ إلى أين ؟
ــ سأرتديها لأرى شكلي بها أمام المرآة ... تابعت زينب وهي في طريقها للغرفة :
ــ ألن ترتدي خاصتك ؟
صاحت نور قائلة :
ــ لا ؛ لن أرتدي تلك المهترئة التي لا أعلم من أين حصلت عليها ... قامت بلف العباءة بين كفيها ثم ألقتها بغيظ أمام باب الحديقة , وأخذت تقضم أظافرها وتحدث نفسها قائلة :
ــ لقد أديت دور البراءة ببراعة يا أمنية , حتى أمي بدأت تنحاز لكِ .... انهمرت دموعها عندما تذكرت حالها و أخذت تقول وسط شهقاتها : لماذا تحظى هي بحب الناس , وأنا لا ؟ لماذا طرقت السعادة بابها وأنا لا ؟ حتى أبي حُرمت منه وماتت معه القوة وهي تعيش في خير أبيها و تنعم بحنانه ... لماذا يحدث كل هذا لي؟ ....زوجي يعتبرها مجاهدة ويقف بصفها .... طافت الجملة الأخيرة بمخيلتها و قلّبها عقلها مرات ومرات قائلًا لها : لماذا يفعل هذا زوجك ؟ ألا تلاحظين اهتمامه بها ؟ ضربت صدرها بكفها قائلة : ياويحي .
.................................................. ....
اعتادت على أن تربت على القلوب وتضمد جراحها لكن ماذا لو كانت هي من تحتاج لذلك , هل ستتمكن من تضميد جرحها ذاتيًا ؟ أم أن الأمر أصعب من مجرد تخيله ؟
انتهت من مهمتها وقبل النزول لحماتها , هاتفت حبيبتها , وما إن ردت حتى شعرت بالقلق , قالت :
ــ سحر ، هل أنتِ على مايرام ؟ صمتت سحر قليلًا , ثم قالت :
ــ الحمد لله , كل اختبارات الله رحمة .
ــ اختبارات الله ؟ ... سألتها أمنية وقد وقع قلبها من الخوف , تابعت :
ــ أخبريني ماذا حدث ؟ لقد أقلقتني عليكِ .
تنهنهت سحر قائلة :
ــ أمي يا أمنية .
ــ ماذا بها يا حبيبتي ؟ سألتها أمنية , فاستأنفت سحر البكاء ولم تتمكن من الرد , فطلبت إليها أمنية أن تهدأ , لكن أنّى لها ذلك وقد وجدت أخيرًا الطريق المفضي للفضفضة ففُتِح قلبها على مصرعيه وأخرج كل الهموم على هيئة دموع تأبى التوقف ، قالت وسط شهقاتها :
ــ لقد أجريت لها تحليلًا منذ أيام , وظهرت نتيجته منذ قليل .
ــ أي تحليل ؟ سألتها أمنية وجوارحها تنتفض مما ستسمعه .
تلعثمت سحر وهي تقول :
ــ ااااالتهاب الكبد الفيروسي , أمي في المرحلة الثالثة منه ... استكملت نحيبها وهي تقول : ليس عندي غيرها , مات أبي وماتت معه عزوتي , لم يتبقى لي إلاها وأختي يا أمنية , سأموت بدونها يا أمنية , هي روحي و نبض قلبي .... آه لكم أجهدني بكاء روحي بعدما علمت ، لطالما دعوت الله أن أموت قبلها , لن أتحمل فراقها .... آه لو يمكنني إعطائها كبدي أنا تعيش به و أفنى أنا .
انقطع صوتها من البكاء وأمنية تبكي معها , رغم أنها من المفترض أن تقوم بتهدئتها لكنها انهارت بعدما سمعت كلام سحر , تأثرت به ولا تعلم كيف تخفف عنها , مسحت دموعها ثم قالت :
ــ أرجوكي اهدأي , تابعت وسط تقطع أنفاسها : لقد أصبح له علاج على جرعات شهرية .
ــ لكن .... تابعت سحر بصوتها المبحوح : أبي مات به يا أمنية ... مااااااات وتركنا وحدنا ، يارب خذ من عمري وزد عمرها , بل خذني أنا و احفظها يارب يارب .
عادت أمنية لبكائها من مجرد سماع دعوات سحر على نفسها , فهي أيضًا لن تتحمل فقد سحر , قالت لها :
ــ لا تقولي ذلك أرجوكِ يا سحر , ستشفى بإذن الله ولتستأنفي العلاج , موت أبيكِ كان منذ زمن طويل قبل اكتشاف العلاج الفعّال للمرض , لكن الوضع الآن اختلف كثيرًا وصارت نسب الشفاء عالية جدًا .
ــ لقد أخبرني الطبيب أن الوضع سيصبح أسوء إن تأخرت أمي عن جرعتها , لا سيّما أن كبدها محاط بدهون .... تابعت سحر وسط نشيجها : كما أن زوجي كان يرنو للسفر له قريبًا .
ــ هاتفيه ياسحر و أخبريه بضرورة بقائك بجانبها ... تابعت أمنية : لن يرفض إن علم بمصابها , فهو يحبها ويعدها أمه , أليس كذلك ؟
تنهدت سحر قائلة :
ــ نعم ؛ هو كذلك .
انتهت المكالمة , فارتاحت سحر ببوحها وتألمت أمنية لحزن رفيقتها , لم تكن تتوقع أن سحر القوية قد يأتي عليها يوم وتنهار وتحتاج إليها لتربت على روحها .... وقفت ريم بجوارها تشير على الماء , فقامت معها كي تسقيها , ومن ثمّ أخذتها واتجها للأسفل لتجهيز الغذاء .
.................................................. ......................
قد يكون الوطن مجرد قطعة أرض لكنها اكتسبت اسمها من ذكريات جمعت صاحبها بها , لكن ماذا إن كان الوطن عبارة عن عناق ضمّ قلبين على العشق فلا يسعهما الرحيل ؟ ....
حلّ الليل ناثرًا نجومه بستائر السماء , ليعلن أن قد حان وقت العشاق من الآن , كانت ترتب خزانتها , وجدت الكثير والكثير من الفساتين و القمصان التي لم ترتدها مذ زواجها , أخذت فستان أزرق اللون ضيق وقامت بارتداءه , صففت شعرها , نظرت لنفسها في المرآة وهي تقول :
ــ جميل لكنه بحاجة لحذاء ، اتجهت لخزانة الأحذية , أخذت منها واحدًا بكعب عالٍ ثم عادت للمرآة , دارت أمامها ثم وضعت يديها على خصرها قائلة :
ــ هكذا أجمل ، نظرت لها ريم وهي تضحك واضعة كفها على فمها .
جثت على ركبتيها ثم قالت مبتسمة :
ــ هل أنا حلوة ؟
أومأت ريم بنعم ثم طوقت رقبة أمنية بذراعيها الصغيرين , تنهدت أمنية قائلة :
ــ أووه لكم أحب عناقك يا ريمي .
حملتها أمنية , قبلتها ثم اتجهت بها إلى المطبخ لتطعمها , وما إن فعلت هدهدتها حتى نامت ثم أسلمتها لسريرها ، اتجهت ناحية غرفة المكتب ثم استوت على كرسيه و التقطت القلم وبدأت الكتابة على إحدى الأوراق , ظلت تكتب ولم تشعر بمن دخل لتوه , وقف أمام باب الغرفة , ألقى السلام , فتركت القلم ونحت الورقة جانبًا ثم ردت عليه .
ابتسم لها ثم قال :
ــ ماذا تفعلين ؟
ــ أكتب قصيدة ... قالتها ثم وقفت , فأطلق صفير قائلًا :
ــ ألن تنتهي مفاجآتك ؟
أشارت بسبابتها لا , فضحك قائلًا :
ــ لعلكِ تقرأين هذه الأيام رواية رومانسية .
هزّت رأسها نافية ثم قالت :
ــ بل أنا من يكتبها .
ــ أووه , يعجبني الأمر .. قالها وعلى محياه نظرات الإعجاب , سألها :
ــ ومن أبطالها ؟
اقتربت منه ثم وضعت سبابتها على صدره قائلة :
ــ أنتَ و أنا فقط .
طوق خصرها بذراعيه ثم قال :
ــ وهل ستظلين هكذا ؟
أشارت بيدها قائلة :
ــ مارأيك ؟
ابتسم قائلًا :
ــ أود أن تبقي هكذا للأبد ... صمت هنيهة ثم قال بدون تفكير :
ــ عديني ... لم يعلم السبب الذي دعاه لذلك لكنّ قلبه هو من أمره بذاك الطلب
قطبت أمنية حاجبيها ثم ابتسمت قائلة :
ــ ماذا ؟ تنحنح قائلًا :
ــ ع ع ع عديني أن يبقى حبنا قويًا ما حيينا .
ــ على شرط ... قالتها أمنية , فازدرد آدم ريقه وتجهم وجهه لأنه لا يحب الشروط .
ابتسمت أمنية عندما رأت قسماته الواجمة , أشارت بكفيها ليهدأ ثم قالت :
ــ لا تقلق يا آدم ؛ هو ليس شرط بل وعد , لاأعلم سر تحفظك على الشروط هكذا .
لانت ملامحه و ابتسم ثم قال :
ــوماهو الوعد ؟
رفعت سبابتها قائلة :
ــ عدني بالوفاء .
تنهد قائلًا :
ــ أعدك .
نظرت لعينيه قائلة :
ــ وأنا أعدك أن يبقى حبنا قويًا للأبد يا حبيبي .... عانقها بقوة , وهو يمسح على شعرها وقد فاض الشوق من قلبه على هيئة حرارة ماجت بين أضلعه شعرت بها أمنية داخل أسره و قلباهما ينبضان بالعشق الذي يتقافز على جسرهما بوتيرة رومانسية هادئة , تمنى لو وقف الزمن عند تلك اللحظة... ظلا هكذا بلا كلام فقد كان الحب هو سيد الموقف ولا يريدا سوى ذلك بعدما اتحدت ذراتهما في كيانٍ واحد .. لأول مرة يشعر آدم بالعشق داخل ذاك الأسر الوردي , لم يكن موقن أنها قادرة على زلزلة كيانه كما فعلت الآن وكل منهما لايريد التحرك وكأن ذاك العناق بمثابة وطن ضمهما فلا يريدا تركه .
بترت ذلك الحصار قائلة بصوت خفيض :
ــ ألا تود بعض الشطائر؟
ــ بلى ؛ أود ... قالها ثم طبع على جبينها قبلة .
اتجهت نحو المطبخ لإعداد الشطائر , استوقفها رنين الجوال بصوت رسالة , أخذته لتعلم ماهية الرسالة , وما إن فتحتها حتى تسمرت مكانها , انتفضت حواسها , وشعرت بأن الأرض تميد بها , اتجهت لأقرب كرسي , جلست عليه وظلّت تعيد قرائتها علّها تستوعب ما كُتب فيها .


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس