عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-20, 10:54 PM   #153

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني و العشرون
( بعض السكينة)
..............................................
أحيا بأمان وسكينة
مع عائلتي أبقى أميرة
يرعاني الحب ويشملني
مع أنفاسٍ تحمي روحي
الكل يربت ويضمد
جراح بالقلب أليمة
لاهم لديهم أوغاية
إلا أن يجدوني سعيدة
أعينهم تغمرني ود
فتخفف آثام ذكرى
بالشوق رمتني صريعة
لأجابه عالم قاسي
لكني لست وحيدة
حولي قلوب أثيرة
أخذوا بيديّ لأنهض
فأواجه بصمود حياتي
بشموخٍ ألقاها قديرة
وبدون تلعثم أتكلم
و أباري الكون وأتفاخر
أنّي بعائلتي قوية
.................................................. ............
.................................................. ............
عندما نتألم لا نحتاج سوى لروح تتعمق عبر أجسادنا لتربت على القلب , ومع ذلك هل ستهدأ النفس ؟ أم هي مجرد محاولة لتسكين الألم ؟
أمسكت بكأس مثلجاتها ثم عادت لتناوله وهي تنظر للنهر تستمد منه البهجة والقوة.
قاطعهما رنين جوال جمال الذي ما إن نظر لهاتفه حتى رفع رأسه ونظر لابنته بابتسامة , ولم يرد فسألته وقد رفعت حاجبيها في حيرة :
ــ ألن ترد ؟
ــ ما رأيك ؟ ... تابع وهو لازال مبتسم : إنه آدم .
ازدردت أمنية ريقها وشعرت برجفة خفيفة تسري في جسدها لدى ذكر اسمه , رفعت كفيها نافية ثم قالت بهلع :
ــ لالالالالا .
ــ اهدأي حبيبتي ... قالها جمال ثم ضغط على زر جانبي للهاتف ليسكته ومن ثم وضعه على الطاولة بعد غلقه ، تنهدت أمنية بارتياح , فبادرها جمال بحنو :
ــ لم أشأ إفساد متعتك بتلك النزهة , لكن لابد أن نتحدث مليًا بشأن علاقتكما .
ــ لن تستمر ... تابعت أمنية وهي عاقدة مابين حاجبيها : أريد الطلاق أبي .
حط جمال كفه على راحتها ثم مسدها بلطف , قال :
ــ الطلاق أمرٌ جلل , يحدث بكلمة فيفرق أسر ويشرد أطفال ويدمر بيوت .
ــ ألم يدمر آدم بيتنا بما فعل ؟ ... قالتها وقد ترقرقت العبرات في عينيها لتذكر ذلك الألم , فناولها جمال منديلًا ثم رمش بعينيه راجيًا إياها أن تهدأ و قال :
ــ لأستكمل معكِ الحديث بشكل موضوعي , أرجو منكِ ألا تبكي .. أومأت أمنية بنعم وهي تمسح دمعاتها في مجاهدة منها للسيطرة على مآقيها , فسألها جمال :
ــ هل أنتِ بخير الآن ؟ .. هزّت رأسها موافقة , فقال لها جمال : سأتكلم معكِ كحكم بينكما وليس كأب .
همهمت أمنية لتعلمه بموافقتها , فقال :
ــ كلاكما أخطأ كما ذكرت سابقًا , هو بتسرعه وضربه لك وأنتِ بإخفائك أمر لقائك بزوج أخته ولومه على علاقة لست متأكدة من صحتها ... قاطعته قائلة :
ــ لكن مازن معه صورة المنشور حيث تتباهى زميلته بهديته أمام الجميع .
أشار بيده أن تهدأ حتى يكمل كلامه وما إن فعلت , قال :
ــ هل مواقع التواصل هي مصادرنا للتأكد من أي شك يعترينا ؟ ...قاطعته والغضب احتل قسماتها :
ــ لكنني سمعته ينادي اسمها في البيت .
ــ ولو ... تابع جمال وهو ينظر لعيني ابنته : هناك حلقة مفقودة في كل ماذكرتماه أنتِ ومازن , كما أنها زميلته بالعمل ويراها طوال وقت العمل ومن الطبيعي أن يذكر اسمها أما بخصوص هديته فمؤكد هناك سبب ما .
ــ ولماذا أخفى عني أمرها وعندما سألته عن العلبة التي رأيتها بالدرج , أنكر الأمر واتهمني بالتوهم ؟؟ ... صمت جمال لبرهة ثم قال بنبرة حادة :
ــ لنفس السبب الذي جعلك تخفين أمر لقائك بمحمود في الحديقة .
ارتبكت أمنية وخالجها التوتر فصمتت قليلاً ثم ردت :
ــ أنت مع من يا أبي ؟
ــ قلت لكِ سأتكلم كحكم بينكما ولست أب .
ــلم أجد الفرصة لأفتح معه الموضوع الشائك الذي يمس أخته المجنونة , ولم أود الوقوع معها وهذا ليس مبرر أبدًا ليشك بي ويضربني كما فعل .
زفر جمال بضيق وهو يمسد جبهته ثم قال :
ــ لكنكِ وضعتِ نفسك بموضع شبهات كما فعل هو حتى سمحتما لشياطين الإنس بالتلاعب في عقليكما ... تابع وهو يشبك أصابعه : هل تعلمين ماقيل له قبل أن يصعد ويضربك ؟ الشيطان يا ابنتي يجري منا مجرى الدم ويلوث عقولنا ويسممها بكلمة .
تجمدت نظرات أمنية نحو والدها واسترسلت ذاكرتها تلك الرسالة المجهولة التي حملها جوالها إليها , وكيف أثرت بها وغيرت شعورها اتجاه آدم , ظلّت واجمة حتى طرق جمال بيده على الطاولة قائلًا :
ــ أين ذهبتِ ؟ .. رمشت بعينيها لتخبره بإفاقتها ثم قالت :
ــ كنت أفكر في كلامك أبي ... فقد أتتني رسالة منذ مدة تخبرني أنه على علاقة بها.
ــ أنا رجل لكنني على علم بمكائد البشر , وأظن الرسالة لم تخرج من تلك الفتاة المعجبة به أو رجل حاقد على زوجك ... وأنتِ بسذاجتكِ صدقتيه وكذلك هو .
ــ وهل هذا يسوغ له ضربي ؟ .. هزّ جمال رأسه نافيًا ثم قال :
ــ لو لم يذهب مازن لضربه لكنت فعلتها أنا ... وبالنهاية ضُرب كما ضربك.
ــ وشرفي الذي طُعن ؟
ــ لم يقربه بنيتي ولن يجرؤ ... أضاف وهو يربت على كفها : كل ما أراده زوجك هو سماع الحقيقة التي امتنعتِ عن البوح بها ليهدأ ولو كنت مكانه لفعلت ما فعله .
ــ ماذا ؟!... قالتها أمنية مبهوتة , فابتسم جمال ابتسامة ودودة قائلًا :
ــ لا تحاسبي رجلًا يغار على محبوبته .
لوهلة انتابها الأسى من تفسير والدها للأمر , لكنها تجاوزت ذلك قائلة :
ــ أنا تعبت كثيرًا معه ومع والدته وأخته يا أبي .
ــ لو على أمر والدته وأخته ... تابع وهو يطرق بأصابعه على الطاولة : إن ابتعدتما ستنجح علاقتكما .
وضعت أمنية يديها على رأسها وكأنها ترفض فكرة العودة ثم قالت :
ــ لا أريد الرجوع , يكفي ما أخذه من عمري ، إنه إنسان متناقض يا أبي .. متناااااقض ... تنهد جمال قائلًا :
ــ كلنا يحمل التناقض بين جنباته ياابنتي ؟
هزّت رأسها نافية :
ــ ليته مثلك أبي ... لما تركته أبدًا .
أرخى جمال جفنيه بود وهو يتذكر شبابه ثم ابتسم قائلًا :
ــ تقولين هذا لأنكِ تنظرين لي كابنة بارة ومحبة , لكن التناقض يعلو صفحات شخصيتي أنا أيضًا وآدم يشبهني كثيرًا.
اتسعت عيناها في عدم تصديق ثم قالت :
ــ مستحيل .
ران عليهما بعض الصمت , قطعه جمال ليذيب الجليد الذي احتل نظرات ابنته وهو يتكلم بهدوء :
أنا أحبكم كثيرًا يا أمنية لكنني دائمًا مشغول حتى فاتني الكثير من حياتكما أنتِ و أخيكِ ... ألا يسمى ذلك تناقض ؟
لانت ملامحها وزمّت عينيها وكأنها تطلب منه عدم لوم نفسه , قالت :
ــ أبي
أطلق جمال تنهيدة تحمل كل الأنين الذي أخفاه السنين الماضية , أسند ظهره على الكرسي , ثم قال :
ــ هل سألتي نفسكِ ولو لمرة , لماذا لا تخرج والدتك لأي مناسبة اجتماعية تخص عائلتها ؟
ضيّقت أمنية عينيها وهي تتذكر أن ذاك السؤال بالفعل مرّ عليها , فقالت :
ــ لأنكما تحبان العزلة و الانطوائية .
هزّ رأسه نافيًا ثم قال وهو يشير على صدره :
ــ أنا من فرضها على أمك .
ــ ماذا ؟!
ــ كما سمعتِ .
ــ ولِما فرضت عليها ذلك ؟
وضع جمال ساق على ساق ثم شبّك كفيه على ركبته , صمت قليلًا لمرور تلك الذكريات على مخيلته ثم قال :
ــ كان هناك شخص بعائلتها يود خطبتها .
ــ كيف علمت بذلك ؟
ــ حكت لي بتفاخر أثناء خطبتنا وهي تسرد أمامي من تقدموا لخطبتها قبلي ...
ابتسمت أمنية وهي تطالع والدها مسترسل في ذكرياته ثم قالت :
ــ من كان ذلك الشخص أبي ؟
ــ لا يهم ... تابع وقد تغيرت نبرته وتسلل الغضب بينها : المهم أنني عرفته و وضعته برأسي بل وجعلته غريمي ..
ــ ولماذا ؟
ــ هه , قلت لكِ مسبقًا لا تحاسبي رجلًا يغار على محبوبته .
ــ لكن للغيرة حدود ...قالتها أمنية وقد قطبت جبينها , فرفع جمال سبابته قائلاً :
ــ لكنني وصلت معها للعشق .
احمر وجه أمنية خجلاً من عاطفة والدها لوالدتها و وضعت كفيها على فمها , ضحك جمال من منظرها الطفولي ثم قال :
ــ أعشقها , بنيتي وكذلك زوجك يفعل معك لكن الفرق بيننا أنني قرأت وعرفت نقاط ضعفكنّ فأصبت والدتك لذا صارت طوع أمري , أما زوجك فلا.
زفرت أمنية بمرارة ولم ترد , فواصل جمال :
ــ نعود لحديثنا عن الماضي , عندما علمت بأمر قريبها الذي كان يريدها زوجة , اشتعلت الغيرة في قلبي كالنيران للدرجة التي جعلتني أتمنى موته .
ــ يا إلهي ! ... تابعت وهي مصدومة : لهذه الدرجة ؟ ..هزّ جمال رأسه قائلًا :
ــ الغيرة في الرجال أشد وطئًا منها في النساء , لا سيما حينما يتعلق الأمر بالهوى لذا طلبت من جدك حينها عقد القران وتعجيل الزواج وبالرغم من ضيق ذات يدي في ذلك الوقت إلا أن والدتك كانت تعلقت بي و وافقت على الفور .
ــ يالها من قصة !
ــ مالم تعلميه حبيبتي ... أنني بمجرد الزواج فرضت عليها عدم الذهاب لأي مناسبة تخص عائلتها إلا و أنا معها وبعيدًا عن صخب الحفلات وكذلك فرضت عليها عدم العمل وأقنعتها أنها ملكتي أنا فقط ...
ــ وأمي وافقت بهذه السهولة ؟ ... سألته وهي رافعة أحد حاجبيها باعتراض
أومأ جمال بنعم , فتابعت أمنية :
ــ ولكن ألا تظن ذلك التصرف كان أنانيًا ؟ أرجو المعذرة فأنا أصف التصرف ولا أقصدك ... رفع جمال كتفيه قائلًا :
ــ وإن كان ... بالنهاية هي وافقت ..غضّنت أمنية جبينها ومطت شفتيها قائلة :
ــ لم يعجبني الأمر ... ضحك جمال على شكل أمنية وهي غير مقتنعة ثم قال :
ــ ألم أقل لكِ أنني أصبت نقاط ضعفها , وسكبت في قلبها عشقي .
تنهدت أمنية وهي تطالع والدها بإعجاب ثم قالت :
ــ أنت رجل سخي العاطفة يا أبي , حفظك الله وأدام حبكما أنت وأمي .
ــ ورغم كل ذلك مررنا بصعوبات كثيرة خلال رحلتنا لكنا كنا سرّ بعضنا , لا نخفي عن بعضنا شيئًا ولا نخرج من بيتنا سرًا .... قالها جمال وهو ينظر لسنوات خلت مرت كالنسمة في عمره .
أجفلت أمنية النظر لوالدها وهي تنظر لبيتها المحطم وقلبها الممزق على صفحات ماء النهر وتستعيد ما فعله آدم وتقارن بينه وبين والدها , شعرت بالحنين لكنها قاومت ذاك الشعور بتذكرها ضربه وقسوته, ومع ذلك كان قلبها يئن و يتصاعد منه الألم , وضعت يدها على صدرها علّها تخفف ذلك الألم .
نظر لها والدها بأسى ثم قال :
ــ أعطي نفسك فرصة ... التفتت له وقد ضيّقت عينيها لتفهم مايود قوله , فتابع :
ــ لتقيّمي الأمور من جديد ... أطلقت تنهيدة مؤلمة ثم قالت :
ــ لن يتغير شيء أبي .
ــ بلى ؛ سيتغير كل شيء , لكن علينا أن نبدأ بأنفسنا بنيتي ... استكمل وهو يمد كفه ليربت على كفها : من جانبي أنا , سأقوم بشد أذنه ولن أرد عليه لعدة أيام , ومن جانبكِ أنتِ : أن تقومي بإعادة النظر في علاقتكما لتغييرها للأفضل مع بحث كل ماتودين عمله من أجل الإصلاح ليُقيد كشروط .
كانت تنظر له بانكسار جعل قلبه يتمزق , فقال :
ــ إن فعلت ماطلبته منك ووجدتِ أن لا سبيل سوى الطلاق , حينها لن أناقشكِ في الأمر مجددًا .
ــ حقًا ... قالتها وقد اتسعت ابتسامتها , فقال :
ــ بالطبع , أميرتي ... فأنا سأدعمك في أي قرار تتخذينه ولكن بعد تفكير عميق لتقييم كل شيء من جديد كما ذكرت آنفًا .
شعرت براحة نفسية عجيبة بعد ذلك النقاش المميز مع أب غير اعتيادي , يتوغل بإرادتها لأعماقها فينظر بعينيها لما يضيرها قبل إطلاق الأحكام عليها جزافًا ومع ذلك كبرياءها أقسم ألا يغير من قرارها شيئًا .
.................................................. ...........
لا شيء أقسى من الضعف الذي يعقبه شفقة النفس والمحيطين إلا فقدان الأمل بالتحسن , فلا شيء حينها يمكن أن يعيد ما فُقد ...
رنين وما من مجيب ... تأفف فحاول مجددًا لكن هذه المرة لم يسمع سوى صوت يخبره أن الهاتف المطلوب مغلق ... زفر بحنق قائلًا :
ــ تبًا
فجأة رن هاتفها من داخل الحقيبة الكبيرة اتسعت عيناه على اتساعهما ولوهلة ظن أنها هي فانشرح صدره وتهللت أساريره المنهكة ... تحرك من مكانه متحاملًا على تعبه حتى وصل إليها ثم أمسك بالهاتف ليجد اسم صديقتها سحر , أطلق تنهيدة تحمل من الخيبة مازاد همّه ثم أغلق الهاتف وأعاده للحقيبة .
علا رنين هاتفه فركض نحوه ممنيًا نفسه برائحتها المحببة لقلبه لكن الخزي دلى له لسانه بسخرية عندما وجد اسم دينا , لم يرد لكنها ألحت باتصالها عدة مرات حتى رد ... وما إن سمعت صوته عانقته بكلماتها الحنونة مطمئنة عليه وأخبرته أنها للتو وصلت وتود الصعود للإفطار معه وبجوارها والدتها تسترق السمع وأذنها بجوار الهاتف لتطمئن عليه , ريقها جف فقد كانت يقطر منها الإعياء متململًا بأعراض لم تفهم كنها ... حاول التملص بالحجج الواهية لكن ؛ لا مفر فقد كانت ملتاعة مما وصلها من والدتها بالأمس .
طرقات على الباب أفصحت عمن تود الاطمئنان عليه , فتحه ليجد والدته معها صينية الإفطار وجوارها دينا مشطتا هيئته المتعبة بأعينهما فإنسال الدمع من جديد لحاله الذي يرثى له ثم تبادلا نظرات الريبة حول جرحه الملثم بقطعة قطنية ممزقة مخضبة بالدماء , فقالت زينب والدموع لازالت تصرخ بمآقيها :
ــ ماهذا الجرح بُني ؟ أشاح بوجهه بعيدًا عنهما وهو يتذمر قائلًا :
ــ لذا لم أود رؤية أحد .
اقتربت دينا منه ثم أحاطته بذراعيها وهي تبكي حاله قائلة :
ــ سلامة الله عليك أخي ... ضمها آدم إليه وكأنه بذلك العناق يخفف من مصابه .
صفت زينب طعام الإفطار على المنضدة ثم عادت لولدها تتفحص يده ملتاعة , سألته :
ــ ماذا حدث ليدك ؟ .. رد آدم باقتضاب :
ــ لا شيء ؛ مجرد جرح بسيط .
ربتت زينب على كتفه وهي تطالعه بحنو ثم قالت :
ــ متى أُصبت به ؟ ولما لم تنادي علي لأضمده لك؟... حينها فقط أيقنت أن الضجيج الذي سمعته من شقته لم يكن وهمًا ... لكن إلى الآن لا تعلم كنهه وكيف حدث؟
ــ منذ قليل ... تابع وقد اتجه لأقرب كرسي : الموضوع بسيط , لا تقلقي أمي.
اقتربت منه دينا ثم جثت على ركبتيها في مواجهته وهو جالس , غضّنت جبينها قائلة :
ــ هلّا أريتني إياها لأضمدها لك .
تجمدت ملامحه ولم يرد , فألحت عليه مجددًا وهي ترجوه فهزّ رأسه موافقًا ثم مدّ كفه فاحتضنته بين كفيها برفق ثم أزالت لثامه الملطخ بلطف وما إن فتحت على الجرح الذي بدا فمه واسع على ظهر الكف ليظهر الجزء اللحمي بوضوح حتى شهقت زينب وضربت صدرها قائلة :
ــ ياويحي! ...أشارت لها دينا لتهدأ قائلة :
ــ من فضلك أمي ... التفتت لآدم قائلة والقلق بادي على محياها : جرحك عميق يا آدم ويحتاج إلى خياطة ... أشار بيده الأخرى قائلًا :
ــ لا ؛ لا يحتاج لشيء ... تنهدت دينا قائلة :
ــ حسنًا , سأخرج لأقرب صيدلية لإحضار الأدوات الإسعافية اللازمة وكذلك الأدوية ... نظر للأرض بحرج قائلًا :
ــ لا تتعبي نفسك أختي , أنا سأخرج الآن لل.... لم تمهله إنهاء جملته , فقد قامت من مكانها بسرعة وكأنها تخطو مع الريح لتحضر ما تحتاجه .
.................................................. ...............
مهما ألحت حاجتنا للإستقرار , لن ننكر تحرك القلب بخفقات تنادي باسم الحب لتقول أن الشخص الذي سلب الخاطر ماهو إلا شريك يهتف باسمه النصيب ليؤكد معنى الهوى ...
طرق على الباب ثم دخل , ليجد رجب يتوسط مكتبه بهيئته الضخمة وهو مستند بذراعيه على سطح مكتبه لكن هيئته كانت مرهقة للغاية , وكأنه لم ينم منذ ليالِ , وجهه شاحب كمن لم يذق طعم الطعام منذ أيام ... شكله أصاب أيمن بالتوتر , اتجه نحو وسلّم عليه بحفاوة , ثم سأله :
ــ هل أنت بخير ... هزّ رجب رأسه نافيًا ثم قال :
ــ لا ؛ لست بخير .
شعر أيمن بخيبة كبيرة أحتلت قلبه ومزقته فحدث عقله : ظننت النحس سيتركني أهنأ ولو ليوم واحد , ماهذا ياربي؟.. نظر لرجب نظرات أسف على ماحلّ به ولا يعلمه وما حلّ بقلبه الذي تحطم أمله فقال :
ــ أنا آسف لأجلك .. همّ بالنهوض قائلًا : سآتي في وقت لاحق للتحدث معك .
لوح رجب بكفيه قائلًا :
ــ على رسلك يارجل ... أنا متعب لكنني سأسمعك وإلا لما أتيت برأيك طالما سأعتذرعن مقابلتكم ؟ .. تابع وهو يمسح جبينه : لماذا لم تأخذ موعد ؟
تنحنح أيمن في حرج قائلًا :
ــ فرحتي بالموضوع الذي أتيت لأجله أنستني , أعتذر منك .
ــ فرحتك ؟!... تابع رجب : ألم تأتِ لقضايا الشركة ؟...أومأ أيمن بلا ,فقال رجب : ــ إذن انتظر حتى تأتي القهوة لأركز معك ... هاتف السكرتيرة وطلب منها فنجاني قهوة .
بعد احتساء القهوة , نظر رجب لعيني أيمن بجدية وقد تحسنت حالته المزاجية بعض الشيء على إثر كافيين القهوة الذي سرى بدماءه للتو , قال :
ــ ها أنا أسمعك .
ــ بصراحة أنا جئت لأمر شخصي , ليس له علاقة بالقضايا وأرجو ألا تردني خائبًا.
كانت الدهشة تعلو محياه مما سمعه لكنه قرر مجاراته ليفهم فقال :
ــ طالما الأمر بيدي لن أردك خائبًا , بُني!
شعر أيمن بالارتياح بعد كلمة بُني , مما جعله يستأنف موضوعه بأريحية قائلاً : ــ لقد تعرفت عليّ منذ فترة وجيزة وكذلك خالي ، لكن أرجو أن تكون أيقنت بأني ابن كرام , توفى أبي منذ صغري فقمت على رعاية أسرتي المكونة من أمي وأخي الذي اقترب من التخرج من كلية الطب , أنا اعتبر نفسي من الطبقة المتوسطة , راتبي جيد جدًا الحمد لله والأمر لن يتوقف عليه , فأنا سأقوم بعمل مشروع خاص بي عن قريب حالما انتهي من جمع مبلغه ... قبل أن يكمل قاطعه رجب :
ــ وما شأني في كل ما ذكرت , أستاذ أيمن .
تنحنح أيمن والخجل قد أنار وجهه ثم قال :
ــ أود طلب يد الآنسة رنا .
ــ رنا ! ... قالها رجب وقد رفع حاجبيه في عدم تصديق , وكأنه نسي للحظة صلة رنا به ... بادره أيمن وقد ارتجفت روحه من رد فعله :
ــ أوليست ابنتك ؟
ضحك رجب من سخافته ورد فعله العجيب ثم قال :
ــ أرجو المعذرة من رد فعلي ,رنا ابنتي الصغرى لذا تعجبت أن تُخطب قبل شمس.
ــ لقد وعدتني ألا تردني خائبًا ..قالها أيمن وعيناه معلقتان علر رجب في رجاء .
أشفق رجب على ذلك العاشق الذي لا يعلم متى تعلق بابنته هكذا لكنه أجفل على ذلك الشيب الذي لون بعض الشعرات على جانبي رأسه فأدرك حاجته للاستقرار لذا ما إن رأى رنا لم يضيع فرصته لطلبها وكأنه لم يرى بنات قبل ذلك , تعجب من حاله و ود لو سأل عن سبب تأخر زواجه لا سيما أن حالته لا بأس بها ولايعاني الفقر , فقال :
ــ لماذا رنا بالتحديد ؟ هل رأيتها قبل المقابلة الماضية ؟
ــ لا ؛ مطلقًا ... تابع و العرق يتفصد من جبينه رغم برودة التكييف , لكنه شعر بالحرارة تخرج من جوفه على إثر ذكرها :
ــ حياؤها وحسن تربيتها عندما كنا بالمصعد شجعني للإرتباط بها .
هزّ رجب رأسه لموافقته وهو يشعر بالفخر للتحدث عن ابنته هكذا , فسأله :
ــ لماذا لم تتزوج طوال هذه السنوات ؟ اعذرنّي في السؤال لكنني أظنك أكبر منها بكثير .
امتقع وجه أيمن على ذكر فارق العمر , لكنه حاول تجاوز الأمر , فقال :
ــ كل شيء قسمة ونصيب .
ــ معك حق ... تابع رجب وهو يتفحص لغة جسده وقسماته : هل كانت هناك من تتمنى الزواج منها ؟ ... أومأ أيمن بنعم , فقال رجب :
ــ وماذا حدث ؟ ... ابتسم أيمن بمرارة على ذكر ذلك قائلًا :
ــ تزوجت رجلًا غيري وأنجبت وأنا لازلت على حالي حتى رأيت الآنسة رنا فطمحت للاستقرار .
ــ لكن ... قبل أن يكمل رجب قاطعه أيمن :
ــ سترجع في وعدك لي ؟... أومأ رجب بلا ثم قال :
ــ لابد أن نأخذ رأي صاحبة الشأن ووالدتها ... المشكلة أن الظروف حاليًا عصيبة بسبب مرض شمس .
ــ أنا آسف لأجلها ... تابع مطرقًا رأسه في أسف : أسأل الله لها العافية .
ــ شكرًا لك ... رد رجب وعلى محياه نظرات امتنان لذلك الوجه المريح الذي فرج عنه هموم الليل بابتسامته العذبة وقسماته الطيبة الأصيلة .
شعر أيمن بالأسى بسبب تلك الظروف الكريهة التي حالت بينه وبينها , فقال :
ــ والدتي كانت تطمح بأخذ موعد من والدة رنا وطلبت منّي أخذ رقم هاتفها للتحدث معها لكن يبدو أن الوقت غير مناسب ... ابتسم له رجب قائلًا :
ــ سأعطيك رقم أم شمس لكن لا تجعل والدتك تتصل بها قبل أن أكلم رنا أولًا لأعلم منها هل هي موافقة على مقابلتك أم ماذا ؟ سأهاتف رنا ثم أخبرك .
تهلل وجه أيمن وأشرق بابتسامته الرائقة وزاد بريق عينيه ثم قال :
ــ سأنتظر ردك سيدي .
شعر رجب بالحزن لأنه متعلق بشيء أقرب للوهم في تلك الظروف , فقال بنبرة حانية :
ــ تذكر أنني لم أعدك بأي موافقة لأن الأمر من الأساس بيد رنا وليس بيدي .
هزّ أيمن رأسه قائلًا :
ــ حسنًا حسنًا ... قام واقفًا ومد يده ليصافحه قبل أن يمشي بخطواته الرزينة مغادرًا ، المكان والأحلام الوردية ترفرف حوله رغم أنه لم يأخذ وعدًا بالموافقة بعد .
.................................................. ....................
تلهينا الحياة بمصاعبها عن أقرب الأشخاص لقلوبنا لكن هذا لا ينفي التقاء الأرواح بعيدًا عن الأجساد لمعرفة مايحدث وعلى إثر ذلك يعود الوصل ...
عادت من الخارج مبتهجة بتلك النزهة الجميلة التي أفضت للتخلص من هموم كانت مطبقة على قلبها, أعادها والدها للبيت وغادر لعمله , دخلت البيت ألقت السلام مبتسمة فبادلتها رغدة ابتسامة صافية ظنًا منها أن جمال تمكن من إقناعها بالعدول عن قرارها .
مسحت أمنية بعينيها المكان فلم تجد ريم , التفتت لوالدتها تسألها :
ــ أين ريم ؟
ــ خرجت مع خالها لشراء الحلوى ... تابعت رغدة وهي تشير على هاتف البيت : لقد اتصلت سحر على هاتف البيت للإطمئنان عليك .
رفعت أمنية حاجبيها قائلة :
ــ أووه , لنا فترة لم نتحدث ولا تعلم ماحدث معي .
أشارت رغدة بسبابتها وقالت بجدية :
ــ لا تخبريها بشيء .. قطبت أمنية جبينها قائلة :
ــ ولماذا ؟ ... عقدت رغدة ذراعيها أمام صدرها قائلة :
ــ حتى لا تعبث برأسك كما يحاول معك مازن .
ــ لكنني لست صغيرة ليعبث أحد برأسي ... قالتها أمنية وهي تطالعها بأسى .
ــ لستِ صغيرة لكنك .... تابعت رغدة وقد رفعت أحد حاجبيها : تتأثرين بمن حولك بسهولة ... زفرت أمنية بضيق قائلة :
ــ ليتني أتأثر بسحر فيصيبني بعضًا من السلام النفسي الذي تحياه .
رفعت رغدة صوتها قائلة :
ــ وأنا قلت لكِ لا تتكلمي .
شعرت أمنية بالاختناق فلم ترد , اكتفت بمطالعتها بنظرات الرهبة والاستياء من تحكماتها بها رغم أنها الآن أم لطفلة ... قالت :
ــ بعد إذنك أمي ، سأذهب إلى غرفتي .
أغلقت بابها عليها وشعور الخنقة لايزال ملازمًا لها , خلعت حجابها و ألقته على المزينة بغيظ وهي تتمتم :
ــ إلى متى سأظل أعامل هكذا ؟ متى ستفهمني ؟ لقد تعبت ،تعبت .
عادت إلى فراشها ثم أمسكت الهاتف بيدها وهي ترتجف من التوتر والغيظ ثم هاتفت سحر وانتظرت الرد لكن لم تجبها , ظلت تهاتفها وما من مجيب , تذكرت أن سحر لاترد على الأرقام الغريبة فأرسلت رسالة تخبرها عن تغييرها لرقمها .
ــ لقد أقلقتني عليك أمنية ... قالتها سحر والقلق بين حروفها .
ــ أنا آسفة حبيبتي ... لكنني الآن عند أبي ونسيت هاتفي هناك ... قالتها أمنية بصوتٍ خفيض حتى لا تسمعها أمها .
ــ هل أنتِ بخير ؟ ... سألتها سحر بتوجس وهي تشعر بأن رفيقتها أخفت عنها أمرًا عظيم .
ــ طمئنيني أولًا عن والدتك , كيف هي الآن ؟ .. حاولت أمنية تغيير الموضوع .
ــ بخير الحمد لله , وسيتحسن وضعها مع انتهاء الجرعات ... تابعت سحر بنبرة ودودة : ما الذي يحدث معكِ أمنيتي ؟ ... صمتت أمنية هنيهة ثم قالت :
ــ الأمر يطول شرحه .
ــ كلي آذانٌ مصغية يا جميلتي .
صمتت أمنية وشعرت بأن الكلام ثقيل على قلبها و لسانها لم يسعفها للنطق , فحفذتها سحر قائلة :
ــ لن يجدي حديث الهاتف , أنا قادمة إليكِ ... تذكرت أمنية فرمان والدتها منذ قليل , فقالت : سأخبرك بكل شيء .
ثرثرت أمنية بنفس الحكاية التي حكتها لأهلها أمس ومع كل تفصيلة تسردها تسمع شهقات سحر ونواحها وكأنها تشاهد فيلمًا وثائقيًا لضحايا للحرب العالمية الأولى ... فجأة علا نحيب سحر , فهتفت بها أمنية :
ــ ليتني لم أحكِ لكِ شيئًا .
ــ كيف يجرؤ على ضربك ؟ ...تابعت سحر بحمائية : كيف سولت له نفسه ؟ كيف؟
ــ اهدأي سحر .
ــ ألا يعلم من أنتِ ؟ وابنة من ؟ ... تابعت سحر وسط نشيجها : لقد آلمك كثيرًا , حسبيّ الله فيه وفي أمثاله .
ــ على رسلك , حبيبتي ... لقد انتهى الموضوع وسيتم الطلاق .
توقفت سحر عن البكاء قائلة :
ــ ماذا ؟
ــ سأطلب منه الطلاق ... وإن رفض سأرفع دعوى قضائية ضده .
ــ ياإلهي ! ... تابعت سحر وهي تصيح : سآتِ إليكِ خلال دقائق .
وقبل أن تنطق أمنية أغلقت سحر الخط مهرولة نحو غرفتها لتغير ملابسها وهي تكفكف دموعها , كانت أمها تراقبها في حيرة , سألتها :
ــ ماذا حدث يا سحر ؟
ــ مصيبة يا أمي .. قالتها ودخلت غرفتها فلحقت بها والدتها تعاود سؤالها بقلق :
ــ الشر بعيد يا ابنتي , عن أي مصيبة تتحدثين ؟
ــ أمنية في مأزق كبير وتحتاج وجودي بجانبها .
طأطأت والدتها رأسها في أسف قائلة :
ــ لاحول ولا قوة إلا بالله ، فرج الله كربها .
ــ أمي... استكملت سحر وهي ترتدي ملابسها : أعتذر منك إن كنت سأثقل عليكِ بإطعام محمد حالما يصحو .
ــ لاعليك يا ابنتي ، اذهبي واطمئني على صديقتك ، تابعت وهي ترفع كفيها عاليًا : أسأل الله لها العافية .
ــ يارب ، كثفي لها الدعاء يا أمي .
انتهت من ملابسها , التقطت حقيبتها وغادرت دون حتى النظر في المرآة فلم تضع أي من مساحيقها فقد أنساها الغم على توأمتها ذلك التبرج المحبب لها و كأن الألم أقسم على حصارها هذه الأيام , فلم تكد تتخلص من وخز عقلها بذكرى قاسية تدّعي دومًا نسيانها حتى علمت مصاب حبيبتها ، تمتمت : رحماك ربي! ...


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس