عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-20, 11:00 PM   #155

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث والعشرون
( بين طيات الذكريات)
...............................................
عودي بالذكرى يا أختي
علّي أرتاح على صوتك
ضمي قلبي بكلماتك
لكن ابتعدي عن الألمِ
يكفيني عذاب بالماضي
لازال يلوح في الحاضر
فيفتت روحي بلا رحمة
لازلت أعيش وأتنفس
جسدًا خاوي كما الموتى
هل يمكن حقًا أتجاوز ..
أزماتٍ هزّت أرجائي ؟
أم أعفو عن ماضٍ فانٍ ؟
لوّث بقسوته كياني ؟
.......................................
من كان طبعه الكتمان لن يبوح ولو مُزقت نفسه تمزيقًا , صعب المراس فلا يريح محبيه بالبوح ولا يريح نفسه بتخليصها من كل ذاك الهم , لذا فهو يؤذي نفسه قبل غيره ...
انتهت دينا من تضميد جرح أخيها ثم نظرت لوالدتها قائلة :
ــ نور تحتاجك أمي .
هزّت أمها رأسها لموافقتها ثم أشارت على الطعام وهي تنظر لوجه ابنها الشاحب قائلة :
ــ لم يأكل شيء يا دينا .
ــ سنأكل سويًا لا تقلقي ... ما إن قالتها دينا حتى هدأت نفس زينب فغادرت مطمئنة.
اقتربت دينا من أخيها ربتت على ذراعه بحنو ثم قالت :
ــ ألن تأكل شيء ؟
هزّ رأسه نافياً , فقبّلت رأسه قائلة :
ــ على راحتك أخي .. استقامت واقفة ثم تابعت : ألا تريد بعض القهوة؟
صمت ولم يرد ... فقالت :
ــ سأصنع لي ولك , فأنا أحتاج لقهوة ... ما رأيك ؟
أومأ بنعم , فاتجهت إلى المطبخ لتعد القهوة , مرت على الحمام في طريقها لتجد أثار الزجاج والدم , هالها المنظر ظلت تحدق بالمرآة المحطمة والدماء التي خضبت الأرجاء , كان قلبها يتمزق وهي تخمن ماحدث لكنها لم تفلح .. قامت بتنظيفه ثم سارت للمطبخ لإعداد القهوة ...
أتت دينا ومعها القهوة ,ناولته فنجانه ثم جلست بجواره لتستأنف احتساء قهوتها ... فجأة ابتسمت وكأنها تذكر شيء ثم قالت :
ــ تذكر يا آدم عندما كنت بالصف الثاني الابتدائي و أنا بالصف الرابع .
هزّ رأسه ولم يعلق , فتابعت : عندما قام أحد أولاد صفي بمعاكستي , وركضت إليك لأخبرك .. تذكر ماذا فعلت معه ؟
لم يرد لأن الأمر لم يسترعي انتباهه بل ظنه سخافة من أخته أن تقص ذكرياتهما الآن , ضحكت قائلة :
ــ حينها انتظرت حتى انتهاء اليوم الدراسي ثم انتظرت الولد خارج المدرسة و أوسعته ضربًا بصحبة صديقك حازم حتى تنالا منه لأنه كان يفوقكما في العمر .
مسحت على كتفه بحنو قائلة :
ــ منذ تلك اللحظة وأنا أعدك بطلي و فارسي الهمام ... التفت لها آدم وقد ارتسمت على شفتيه نصف ابتسامة راضية بتلك الذكرى المشفقة على حاله , فأضافت دينا : ــ وسند أيضًا يا آدم , أنام قريرة العين لأن أنفاسك في الدنيا حفظك الله ورعاك .
ــ لا تبالغي دينا ... قالها وارتشف من قهوته ... هزّت رأسها نافية ثم قالت :
ــ أنا لا أبالغ يا أخي , صدقني ... استكملت ولازالت تمسد كتفه : ستظل دومًا بعيني أقوى وأفضل أخ بالعالم كله .
مالت ابتسامة متململة على جانب فمه وهو يطالعها بطرفي عينيه , قال :
ــ كفى دينا ...لا أحب الشفقة .
ــ أنا لا أشفق أخي ... أضافت وهي تبتسم : أنا أريد فقط أن أمسد على قلبك بذكريات تخبرك كم أنت قوي مهما قابلت من المحن .
حاد آدم برأسه للجهة الأخرى ثم تمتم :
ــ كنت ... أشارت بسبابتها لا ثم قالت : ولا زلت ... تابعت وقد ترقرت العبرات في مقلتيها : لقد كانت طفولتنا قاسية بعض الشيء , لكن تمكنا من عبور مرحلتها وها نحن ذا كبرنا وتزوجنا و... قاطعها قائلاً :
ــ وطُلقت أختك وأنا دُمر بيتي ، لقد انتهى كل شيء ... حاوطته بذراعها قائلة :
ــ لا تيأس أخي ، اجعل ظنك بربك جميلًا .... صمت على مضض فتابعت وهي تشير على يده : أخبرني عن سبب جرح يدك ... تأفف قائلًا :
ــ اعفيني من ذلك .
ــ إذن أخبرني عما حدث بالأمس .
ــ ألم تخبرك أمي في الهاتف ؟ ... وافقته بهز رأسها ثم قالت وهي تشير عليه :
ــ ولكني أريد سماعها منك .
شد قسماته بعصبية وقد اتسعت عيناه بالغيظ لينهر أخته بسبب إلحاحها دون أن يتكلم , رفعت دينا كفيها قائلة :
ــ حسنًا , اهدأ أخي .. هل تسمح لي بالذهاب لأمنية ؟
تجمدت ملامحه وعيناه معلقة على أخته لدى سماع الاسم , رفرف قلبه بين طيات الحروف التي أذى صاحبتها وتدفق الدم بغزارة في عروقه ليمد جسده بالحيوية فيتحامل على إنهاكه وصدره يعلو ويهبط , ظلّ شاردًا بعبوس ولم ينبس ببنت شفة , فأعادت عليه دينا طلبها عليه وهي ترجوه بعينيها أن يوافق .
ــ ليس الآن ... قالها وقام من مكانه متجهًا نحو الشرفة .
ركضت دينا خلفه وما إن لحقت به سألته :
ــ لماذا ؟
ــ عليّ أن أكلم والدها أولًا ... أضاف وهو موليها ظهره : والآن اتركيني وحدي من فضلك .
لم تكف عن محاولاتها للوصول لأمنية , فقالت وقد كان آخر اختيار لها :
ــ إذن سأهاتفها الآن .
ــ هه ... ضحك ساخرًا من محاولاتها المخفقة لإنقاذ الموضوع ثم استدار وأشار على الحقيبة الكبيرة التي لازالت مجاورة لباب الشقة :
ــ ستجدينه هناك , ولن أرد حينها عليكِ .
زفرت بضيق وقد شعرت بأن الخزي حاصرها ونشب براثنه حولها فلم تقوى على الحراك لأي جهة تمكنها من مد يد العون لأخيها .... لم تجد حينها بد من تركه وحده كما طلب منها مجددًا .
.................................................. .....................
ما التقاء الأصدقاء إلا لتوطيد صدق المحبة بكل معانيها , مشاركة السعادة , مشاركة الحزن والتوغل لأعماق القلب لنفض آثاره وهل هناك أفضل من ذلك ؟
كانت ممسكة بعنقها , متشبثة بها وكأنها لم ترها منذ أعوام وسط ذهول رغدة التي بالكاد حاولت إخفاء امتعاضها من حماقة ابنتها ومخالفة أمرها بعدم إخبار أحد , تركت الغرفة مستاءة وهي حاملة ريم معها نحو الحديقة لتأكل حلواها وتلعب .
ــ سامحي تقصيري معك ... سامحيني .. قالتها سحر وسط نهناتها وهي متشبثة برفيقتها .
أخذت أمنية تربت على ظهرها وتود أن تضحك من الموقف العجيب الذي يجعلها هي من تربت رغم أنها أكثر من يحتاج ذلك بعد ماحدث لها ، قالت :
ــ لا عليكِ حبيبتي ، اهدأي ...
تركت سحر العناق وأمسكت وجه أمنية بكفيها تتحسسه بهلع :
ــ وجهك منهك وعينيكِ مجهدتين , يا إلهي!
طالعتها أمنية بامتنان على ذلك الحب والخوف البادي عليها ,ابتسمت بعبوس قائلة : ــ أنا أفضل حالًا من الأمس , لا تقلقي علي... جذبتها لتجلس على السرير ثم قالت : ــ سأعد لكِ عصيرًا طازجًا .
ــ لا ؛ ليس قبل أن نتحدث ... قالتها سحر وشدت ذراعها لتجلس قربها .
ــ بشرط واحد .. قالتها أمنية وهي ترفع سبابتها , فأومأت سحر برأسها لتوافقها على أي شرط .
ــ أن تتفهمي رغبتي ولا تصري على رأيك كما تفعل أمي معي .
ــ لكِ ذلك .. قالتها سحر وهي تشير بيدها لتحفذها على استئناف الحوار .
ران عليهما بعض الصمت , قطعته سحر قائلة :
ــ كيف الحال هنا ؟ ... تنهدت أمنية وهي ترمش بجفنيها في ألم قائلة :
ــ بخير طالما ابتعدت .
ــ تظنين ذلك ... تابعت سحر وهي تنظر لعينيها : لم يمر عليكِ هنا سوى يوم .
جعدت أمنية جبينها , فواصلت سحر : مع مرور الأيام ستشعرين بالغربة صدقيني .
بادرتها أمنية وهي تطرق على ساقها :
ــ وهل تشعرين بذلك الآن ؟ ... أومأت سحر بنعم ثم استأنفت :
ــ أي مكان أبعد فيه عن زوجي يحاصرني بالغربة يا أمنية حتى وإن كان بيت أمي.
ــ يا لعاطفتك الجياشة ... تابعت أمنية وهي تغمز لها : هنيئًا لحسن بكِ .
احمرت وجنتا سحر وابتسمت بمرارة وهي تستعيد ذكرى مؤلمة تخص علاقتها بزوجها قائلة :
ــ وأنتِ كذلك يا توأمتي لكنكِ مازلت مشوشة بسبب صدمتك كما أنكِ لم تمضي هنا كثيرًا من الوقت لتشعري بالفرق .
عقدت أمنية مابين حاجبيها وهزّت رأسها نافية ثم قالت :
ــ لا أظن ذلك , لم أرى الراحة قبل الآن منذ ثلاث سنوات ،ولن أعدل عن قراري .
ــ لكنكِ ... تنحنحت سحر مضيفة : شاركتِ آدم في الخطأ .. رددت ماقاله لها أبيها وكأنه أوكل إليها ذلك للضغط عليها من أجل العدول عن قرارها .
ــ ششششش ...قالتها أمنية وقد وضعت كفيها على رأسها لتسكت سحر, فطالعتها سحر باستغراب قائلة :
ــ هل قال لكِ أحد هذا الكلام من قبل ؟!
ــ أبي ... قالتها أمنية وهي تهز رأسها بنعم .
ــ ولما لاتأخذي كلامنا على محمل الجد ؟
ــ لأنّني أنا من عانيت وليس أنتما .. لقد تجرعت الألم على دفعات منذ زواجي ... تابعت وقد لمعت عيناها بقطرات عنيدة : وحملي بريم جعلني أصمت فظنني آدم وكذا أهله ضعيفة ، وواصلوا استنزافي وحينما أتتني الفرصة للخلاص لم أجد أحد يقف إلى جواري غير أخي , حتى أنتِ سحر!
ربتت سحر على كتفها بحنو قائلة :
ــ أنا امرأة مثلك و أشعر بكِ لذا لا أريد لكِ حمل لقب مطلقة , ولا تنسي أننا بمجتمع شرقي يتلصص رجاله لمن تحمل ذاك اللقب .
ــ لقد تغير الوضع حاليًا مع زيادة نسبة المطلقات .
ــ فكري بريم ... قالتها سحر في محاولة أخيرة من أجل الضغط عليها .
أشاحت أمنية بوجهها حتى لا تلتقي بعيني رفيقتها وقالت :
ــ مسؤلية ريم ستكون أخف وأنا مطلقة منها في حالة وجود مزيد من الأطفال .
.................................................. .........
هناك مشكلات يمكننا مناقشتها مع شطرنا الآخر لإيجاد الحلول المناسبة , وهناك أخرى لابد من مواراتها بعيدًا عن الأعين والأنفاس لأنها ستؤذي أقرب الناس ...
حبست نور نفسها في الغرفة ورفضت التحدث مع دينا , لم تواصل دينا الضغط عليها آثرت الانسحاب لتنعم أختها بالهدوء الذي لابد أن تحياه بعد مصابها , بينما ظلّت زينب جالسة على الأريكة مسندة صدغها على كفها في جزع , وقد غارت عينيها في وجهها من الحزن تفكر في كل تلك المصائب التي وقعت على رأسها بدون مقدمات .. تئن روحها على حال ابنتها التي انعزلت بغرفتها ومنظر ولدها الجريح المنهك ... اقتربت منها دينا , جلست بجوارها و مسدت كتفها فالتفتت لها زينب والبؤس يعلو محياها ...
ــ هوني عليك أمي ... لم ترد زينب , فتابعت دينا وهي ترفع كفيها للأعلى :
ــ ليس لنا إلاه , نطرق بابه فيصب علينا رحمته صبّا .
أومأت زينب برأسها توافقها ولسان حال قلبها يتمتم بالدعاء ... استأذنتها دينا للخروج للحديقة لتقوم بمهاتفة زوجها ... وهناك بادرها بالسلام بصوته الحاني الممتزج بلمحة غضب بسبب سفرها بدون سابق إنذار .. سألها :
ــ كيف حال من عندكِ ؟ ومالذي حدث لتسافري وحدك بهذا الشكل ؟
زفرت دينا بمرارة قائلة :
ــ نور طلقها زوجها يا كامل ، الأمر لم يحتمل انتظارك أبدًا .
ــ لا حول ولا قوة إلا بالله ... تابع كامل بأسف : ما سبب الطلاق ؟ ياله من متهور؟
صمتت دينا ولم ترد , فتابع كامل : وماذنب الولدين وأختك في تصرفه الأهوج ؟
ــ إنها مصيبة وحلّت على رأس أمي المسكينة .
ــ هل آتِ إليكم الليلة للذهاب مع آدم إلى محمود لمحاولة الإصلاح ؟
ــ لالالالا ... هتفت بها دينا كالمحمومة لم تود إخباره أي شيء عن السبب الحقيقي للمشكلة وكيف تورطت فيها زوجة أخيها المسكينة ...
ــ لماذا ؟ ألا تودون الصلح ؟
ــ لا ... استكملت بمرارة : لأنه مخطىء ... سيتزوج عليها الشهر القادم .
ــ ماذا ؟
ــ إنها الحقيقة يا كامل ، محمود رجل نذل .
ــ لقد فقد عقله .... يهدم بيته ويضيع ولديه لأجل أخرى ؟
حاولت تغيير دفة الحديث قائلة :
ــ أردت أن استأذنك في المكوث هنا لعدة أيام .
ــ طبعًا حبيبتي , هذا واجب عليكي .
ــ وجنى ؟ ... سألته بحرج .
ــ سنتدبر أمرنا أنا وهي , لا تقلقي بشأننا .
ــ شكرًا لك كامل .. تابعت بامتنان : لا حرمني الله منك .
ــ ولا منكِ ياحبيبتي .
انتهت المكالمة وقد انشرح صدرها بعدما اطمئنت أنه ليس غاضب منها بسبب سفرها المبهم , حمدت الله أنه تفهم صعوبة الوضع رغم أنها لم تقص عليه منه إلا النذر اليسير , عادت لهاتفها مجددًا لتهاتف إحدى زميلاتها بالعمل لتأخذ إجازة ممتدة لأيام .
.................................................. ............
لكل علاقة جانب مظلم لا يعرفه سوى طرفاها , فمهما بدت مثالية لن تصل إلى الكمال , يكفي أن يحظى صاحباها بالسعادة حتى ولو نُسجت بين ذكرى مفجعة ...
قامت أمنية من مكانها متجهة إلى المطبخ من أجل إعداد عصير طازج لتخفف من وطأة الجدل الذي احتدم بينهما , وعندما عادت بالكأسين , وجدت سحر جالسة على السرير محتضنة ساقيها والألم يقطر من محياها , فغضنت أمنية جبينها قائلة : ــ هوني عليكِ رفيقتي .. أظنكِ تأثرتي أكثر مني ..تتابعت ضحكاتها لكن سحر لازالت على وضعها ... قربت منها كأس العصير وهي تمازحها :
ــ انتبهي حتى لا تبقعي الفراش وتحاسبكِ أمي حساب عصير .
انزوت بسمة على جانب شفتي سحر , أخذت كأسها ولم تعقب , فقطبت أمنية حاجبيها قائلة :
ــ ماهذا ؟ ألا يفترض أنكِ أتيتِ للتخفيف عنّي ؟ تنهدت سحر قائلة :
ــ لكل منا جانب مظلم في حياته يا أمنية .
ــ لم أفهمك ... قالتها أمنية وقد ضيّقت عينيها في عدم فهم ثم احتست من العصير ،
زفرت سحر بضيق ولم ترد لأنها كانت مشغولة بحوار عقلها :
ــ لقد أثرتِ بذلك الحوار ذكرى مؤلمة تخصني .
قطبت أمنية جبينها وهي تطالع صديقتها مستفهمة عما يجري معها , قالت :
ــ أنا آسفة إن كنت ذكرتك بشيء يزعجك حبيبتي .
ــ لاعليكِ .. قالتها سحر بشفتيها المرتجفتين ثم تناولت من عصيرها علّها تهدأ
ــ هل .. هل يمكنني أن أعرف ما حدث معك؟ ... تابعت أمنية وهي تمط شفتيها : ولماذا أخفيتِ عنّي؟ ... تنهدت سحر و قالت راجية :
ــ أرجو أن تعفيني من الكلام يا أمنية .
واصلت شرب عصيرها وكذا أمنية فعلت ثم أخذت الكأسين إلى المطبخ وعادت لرفيقتها التي كانت على حالها لكن مغمضة جفنيها وكأنها تسترجع شيء ما .
صعدت أمنية وجلست القرفصاء بجوار رفيقتها ثم حاوطتها بذراعها , وجدتها ترتجف , فسألتها بفزع :
ــ هل أنتِ بخير ؟
أومأت سحر بنعم وهي ترتجف , فهتفت أمنية وهي ملتاعة :
ــ لكنكِ ترتجفين ... ثم تحسست جبينها الذي أكد أنها ليست مريضة , عانقتها حتى هدأت .
ــ أنا بخير ... لا تقلقي عليّ .
ــ ألهذه الدرجة مؤلمة تلك الذكرى ؟ ..سألتها أمنية وهي تتفحص قسماتها التي تبدلت من القوة للضعف في لحظة ... هزّت سحر رأسها ثم قالت :
ــ آلمتني كثيرًا .. ربتت أمنية على كتفها قائلة :
ــ ولماذا لم تشاركيني ألمك ؟ لماذا ؟ لقد أغضبتني منك .
لم ترد سحر فقد كانت مشغولة الفكر , لقد عاهدته على حفظ سرّه لتأتي صديقتها وتطلب منها خيانة عهدها بهذا الشكل ... أتخبرها أنه وقع بالخطيئة مع أخرى ؟ كيف تهز صورته في عيني صديقتها ؟ كيف تعريه أمام الناس وهو استأمنها على ذنبه ؟ كيف ؟ كيف ؟... ظلّ يرددها عقلها ليجعلها تصمد ولا تقع بخطيئة من نوع آخر إن باحت لأمنية .
عادت بذاكرتها للعام الماضي عندما كانت ترضع صغيرها بهيئتها المنهكة كحال أي أم حديثة عهد بذاك الوضع ... دخل عليها بوجهه الوسيم الذي تسلل الحزن والهم بين قسماته على غير العادة وكأن هناك أمر جلل ... طالت اللحظات المقفرة بينهما وعيناها تسأله ولازال محتفظًا بصمته المضني حتى نطق أخيرًا مطأطئًا رأسه بندم : أنا آسف... أرجو أن تسامحيني ... لقد نهشني ذنبي اتجاهك ولا أعلم كيف أكفر عنه ؟
ــ ذنب؟! ... قالتها بتوتر فسقطت من يدها رضعة ولدها على الأرض ولم يبكِ الصغير لأنه كان بالفعل استسلم للنوم .
جثى على ركبتيه أمامها ثم التقطها وثبتها على المنضدة , التفت لها يرمش بعينيه في توسل ولازال جاثيًا على ركبتيه ...
ــ ابتسمت له بود ثم قالت : هون عليك يا حسن .
أطلق تنهيدة تحمل من الألم مالا يطاق ثم استقام و أخذ منها محمد ليعيده إلى سريره , وعاد إليها ثم جلس أمامها وقد حاوط وجهه بكفيه في هم .
ضيّقت عينيها تطالعه متعجبة من شكله , لقد لاحظت تغيره معها بسبب إهمالها له وقد طال الوضع وهي على حالها لكن لم تتوقع أن هناك ماهو أسوء ... قامت من مكانها مشفقة على حالته المزرية ثم حاوطته بذراعيها قائلة :
ــ ماعاش ولا كان من يجعلك تجلس هكذا !
ــ تصعبين البوح عليّ هكذا ... قالها بتحشرج , فربتت على كتفه بحنو قائلة :
ــ لا تقلق من أي شيء .
ــ عديني .. قالها وهو ينظر لعينيها ... قطبت جبينها تسأله :
ــ بماذا ؟
ــ أنكِ لن تتركيني .
ــ أتركك ! ... قالتها غير مستوعبة لما يحدث ، فألح عليها وهو يضغط على كفها : ــ عديني .
ــ أعدك ... قالتها بدون تفكير .
زفر بارتياح ثم بدأ في سرد علاقته الجسدية مع أجنبية , إحدى قريبات زوجة رئيس مجلس الإدارة , حضرت الحفل السنوي للشركة وتعرفا هناك , حاول الابتعاد لكنها جذبته إليها بانفتاحها وجرئتها حاصرته بتواجدها في كل مكان يذهب إليه وكأنها تراقبه حتى وقع بشراكها عندما دعته لحفلتها الصغيرة في بيتها ومنذ تلك اللحظة يشعر أنه رهن ذلك الذنب , كلما نظر لسحر تضاعف ألم ذلك الذنب أكثر و أكثر, لم يستطع التحمل أكثر فلم يجد بد من البوح ... بعد تلك الفضفضة المؤلمة , ران عليهما بعض الصمت المطبق قطعه حسن بتوسل :
ــ لقد وعدتني ياسحر .
أومأت بنعم وقد كسى الحزن ملامحها ومع ذلك ابتسمت مدّعية القوة لتقول :
ــ أنا لا أملك إلا أن أسامحك ياحسن .
ــ حقا! ... هزّت رأسها ثم قالت بصوت مخنوق :
ــ لأنني أحبك .
قام من مكانه ثم قبّل يديها واحتضنها بقوة معتذرًا بكل عبارات الأسف ليضيف :
ــ وأنا أعاهدك ألا أعود لدرب الخطيئة ماحييت .
لمست صدق كلماته فصمتت على مضض رغم بشاعة ماحكاه الذي جعلها تشعر برغبة في التقيؤ , لكنها عزمت على أن تبقى إلى جواره لترمم الجزء الذي دّمرته الخطيئة من روحه , لم تقنط ولم تجزع ... وتذكرت أنه في النهاية بشر معرض للابتلاء وماحدث له محض ابتلاء يحتاج لمن يكون بجانبه ليساعده على النهوض مجددًا , ولن تنسى أنها لم تذق طعم السعادة إلا بقربه لذا ابتعادها عنه ظلمًا لها قبله ... ومنذ تلك اللحظة انقلبت حياتها رأسًا على عقب لتكون على ماهي عليه الآن .. كل ما أدهشها في تلك الذكرى قوتها وعدم بكاءها رغم كل ماقيل , ظنت أنها تجاوزت الأزمة حتى حدثت مشكلة أمنية لتهيج كل ماخبأته بقلبها من جديد مخبرة أنها للأسف لم تتجاوز وكل مافعلته في الفترة السحيقة كان محض ادعاء لا أكثر .
انسالت الدموع منها رغمًا عنها , فأشفقت عليها أمنية لتعانقها وهي تقول :
ــ لا تحكِ شيئًا سحر , فقط ابكِ لترتاحي ياحبيبتي ... طال نحيبها يشكو مرارة أيام كثيرة عاشت محتجزة تلك الذكرى بحناياها غير عابئة بألمها حتى انفجرت هنا على فراش صديقتها رغم أنها أتت لتربت وتضمد لا تبكي .
اعتدلت سحر في جلستها بعدما استعادت توازنها النفسي وكفكفت دموعها ثم ابتسمت لأمنية التي سألتها :
ــ ألا زلتِ مصرّة على عدم البوح ؟
أومأت سحر بنعم , فابتسمت لها أمنية قائلة :
ــ حسنًا , أرجو أن تكوني تجاوزتِ كل مايضيرك , حبيبتي .
حاولت سحر تغيير دفة الحديث قائلة :
ــ لقد نسينا موضوعك تمامًا .
ــ ليس هناك موضوع ... أشاحت أمنية بيديها متابعة : قلت لكِ لا حل غير الطلاق .
قرصت سحر وجنة أمنية مما جعلها تتأوه ثم قالت :
ــ لن يحدث , ستضعفين وتعودي لأسره عندما ترينه .
امتعضت أمنية وهي تمسح على خدها , قالت :
ــ ومن قال لكِ أنني سأراه .
ــ ماذا ؟
ــ كما سمعتِ ... تابعت أمنية وهي رافعة أحد حاجبيها : لن أقابله أبدًا , سأجعل أبي هو الوسيط بيننا للانتهاء من أمر الطلاق بأسرع ما يمكن .
ــ يالكِ من عنيدة ... أضافت سحر وعلى ثغرها بسمة رقيقة : وجود والدك في الأمر يطمئنني , حفظه الله لكِ ... قالتها وعدّلت هندامها ثم غادرت .
.................................................. ..............
الرغبة بالارتباط بشريك للحياة تحركها المشاعر لكن ماذا عمن وأدت رغبتها لأجل الهروب من الظلام المحيط بها ؟
كان ينقر بأصابعه على المكتب وهو يرشف فنجانه الذي لا يعلم رقمه بين الفناجين الأخرى التي احتساها منذ الصباح في محاولة منه لمنازلة الصداع الذي يفتك برأسه بسبب عدم نومه البارحة , لازال أمامه عشر دقائق قبل وصول مدّعي آخر ممن أخذوا مواعيد لهذا اليوم , زفر بضيق كلما تذكر سعاد وقسوتها الغير منطقية لعقله , كيف تحولت هكذا ؟ ومن تمكن من العبث برأسها ؟ هل تعرفت إلى صديقات ؟ لكنها لا تخرج من الأساس لتتعرف على أحد .... مجرد غمغمات علت ضجيج عقله تذكر على إثرها أمر رنا وخاطبها الطيب الذي يفوقها عمرًا , كان يعلم أن مصير ذلك الموضوع الرفض لكنه فضّل سؤالها أولًا , التقط هاتفه ليحدثها بالأمر وما إن سمع مبادرتها بالسلام , ابتسم وانشرح صدره بذاك الصوت الهادىء.
ــ كيف حالكم بنيتي؟.. قالها بحنو .
ــ بخير، أبي .
ــ وشمس ؟ ... تابع بحرج : هل تحسنت ؟
ــ الحمد لله , صحتها أفضل الآن ... تابعت باستغراب : لما لم تهاتفها ؟ هي مستيقظة الآن .
ــ لقد أردت أخذ رأيك بأمر يخصك.
ــ يخصني أنا ؟ ... قالتها بتوتر فهي على علم بما حدث بينه وبين والدتها بالأمس ولم تظن أنه اتصل لأجلها هي .
ــ لقد أتاني منذ قليل خاطب .
ــ لي أنا ؟ ... قالتها مشدوهة فلم تكن تتوقع مجيء خاطب لها في ذلك الوقت بالتحديد
ــ نعم يا رنا ، طلب الزواج منك ... صمتت ولم ترد , فقال : هل أبلغه رفضك .
ــ لا ياأبي ... تابعت وقد تجلت الشجاعة بين حروفها : خذ منه موعد .
ــ ماذا ؟ ... استكمل وقد اتسعت حدقتاه : هل أنتِ جادة ؟!
ــ نعم , أبي .
ــ فكري مليًا ياحبيبتي .
ــ لم أراه بعد لأفكر .
ــ وماذا عن مرض أختك ؟ هل يمكنكم استقباله خلال تلك الظروف ؟
ــ وما المشكلة ؟ سنستضيفه بغرفة الجلوس وليس في غرفتها .
صمت هنيهة فقد ألجمه إصرارها على مقابلة الخاطب , حدثه عقله باستياء : ألهذه الدرجة متلهفة للزواج ؟ لن تصبر حتى تشفى أختها ولم تهتم حتى بنفسيتها .. شعر بإحباط من سقوط براءة رنا من عينه , فقال :
ــ سأعطيه رقم والدتك لتهاتفها والدته .
ــ حسنًا شكرًا لك أبي ... قالتها على الجانب الآخر وأنهت المكالمة بلا تعابير على وجهها , لم تفرح و لم تحزن , وكأنها تفكر بأمر آخر وكأن الزواج ليس إلا صفقة تود منها شيئًا محددًا , اتجهت لغرفة شمس لتجدها تضحك وهي تثرثر بالهاتف , انتظرت حتى انتهت ثم اقتربت منها قائلة :
ــ اضحكيني معك .. وضعت شمس الهاتف بجوارها ثم قالت والبسمة على شفتيها : ــ لا يكف عن إطلاق النكات .
ــ من هذا ؟ ... سألتها رنا وقد ضيقت عينيها
ــ رامي ؛ زميلي بالشركة .
ــ امم ,صرت اسمع اسمه كثيرًا مؤخرًا .. قالتها رنا والخبث قد تجلى على محياها .
لكمتها شمس قائلة :
ــ مجرد صديق أيتها البلهاء .. مطت رنا شفتيها ورفعت حاجبيها بضيق قائلة :
ــ لا تعجبني كلمة صديق ... رفرفت شمس بكفها أمام وجهها قائلة :
ــ وفري نصيحتك لنفسك .... لقد أنساني المرض بنكاته الظريفة ..قالتها وتذكرت من تسبب بكسر قلبها فصمتت لتسترجع كلام الطبيب بالأمس , فحدثها عقلها بأسف تمنيتِ الزواج من رجل متزوج وها قد أتتك الفرصة على طبق من فضة , فلن ينظر لوجهك أي أعزب بعدما تستغني رغمًا عنك عن أمومتك .
قطعت رنا صمتهما وهي تنادي باسمها :
ــ شمس .. التفتت لها شمس , فتابعت رنا : هل ستحزني إن جائني خاطب .
عقدت شمس حاجبيها قائلة :
ــ ولماذا أحزن ؟ أنا يأتيني كل يوم خاطب وأنا أرفضهم بإرادتي ..اقتربت منها ثم حاوطتها بذراعيها لتشاكسها : البلهاء ستصبح عروس ؟
تضرج وجه رنا بالحمرة القانية , فعضتها شمس من خدها مما جعلها تتأوه وتبعدها عنها , فصفقت شمس وهللت قائلة :
ــ يا ويح من سيتزوجك ، سيجف ريقه حتى يأخذ منك قُبلة .
وضعت رنا كفيها على وجهها في حرج وصاحت بها :
ــ يالك من وقحة .
دلفت سعاد الغرفة على صوتهما المرتفع وقد بدا وجهها مشرق على غير العادة , طالعتهما بابتسامة حنونة وهي تسأل :
ــ ماذا يحدث هنا ؟ ... أشارت شمس على رنا قائلة :
ــ أختي ستصبح عروس يا أمي ... تجمدت ملامح سعاد لتقول بنبرة جادة :
ــ هل هذه مزحة منكما ؟
أشارت شمس بسبابتها لا , بينما أطرقت رنا برأسها للأرض في خجل وقالت :
ــ لقد هاتفني أبي للتو يا أمي ، وقال لي أنه سيعطي رقم هاتفك لوالدته للتصل بك .
ــ والدة من ؟ .. همست رنا بحياء :
ــ والدة من تقدم لخطبتي ... وضعت سعاد كفيها على رأسها وصاحت :
ــ هل جُن أبوكِ ليفعل ذلك في هذا الوقت ؟ ألهذه الدرجة لم يدرك أن أختك الكبرى مريضة ؟ ...زاد احمرار وجه رنا لتقول بصوت خفيض :
ــ أنا من وافق يا أمي وليس هو .
ــ يا سلام ... تابعت سعاد بغيظ : وأين رأيته أيتها المؤدبة ؟
ــ لم أره أمي ، أقسم لك ... قالتها رنا وهي تشير بكفيها .
اقتربت شمس من والدتها قائلة :
ــ حتى وإن رأته , ما الضير في ذلك ؟ لماذا تصرين على قمعها لتعيش قصة حياتك يا أمي ؟ ... تخصرت سعاد ورفعت أحد حاجبيها قائلة :
ــ ومابال قصة حياتي أيتها المحترمة ؟
ردت شمس بأدب لم تعهد نفسها به قبل الآن :
ــ أنا آسفة, أمي ، لكن قصدي أننا من جيل يختلف عن جيلك .
رفعت رنا ذراعيها وهي تصيح قائلة :
ــ لكنني لم أقابل أو أتعرف على أي أحد , لقد ذهب لأبي يطلب يدي وأنا أبلغته موافقتي بمقابلته .
وضعت شمس كفها على صدرها لتقول بمزاح :
ــ وأنا أيضًا موافقة ... نظرت لسعاد متابعة : وأظن أن أمي لا مانع عندها أيضًا , أليس كذلك ياسعاد؟
كانت سعاد تغلي من الغيظ , شعرت أن رجب قام بذلك لينتقم منها فيتم تأجيل الطلاق , احتقنت الدماء في قلبها وكأنه على وشك الإنفجار , همست لعقلها قائلة : ــ كلا يارجب , لن أعدل عن قراري وأقسم لك بذلك, خرجت من الغرفة والدخان يتصاعد من أذنيها وهي تتمتم : تظنني سأتصل بك لأناقشك في الأمر لكنني لن أفعل , ومهما بلغت مكائدك لن أتأثر .
.................................................. .............


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس